الدراري
المضية شرح الدرر البهية كتاب الحج
الحج
مدخل
...
كتاب الحج
يجب على كل مكلف مستطيع فورا.
أقول أما اعتبار الإستطاعة فلنص الكتاب العزيز
{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ
مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل
عمران:97].
وأما كونه فورا فلحديث ابن عباس عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: "تعجلوا إلى الحج فإن
أحدكم لا يدري ما يعارض له" أخرجه أحمد وأخرج
أحمد أيضا وابن ماجه من حديث ابن عباس عن
الفضل أو أحدهما عن الآخر قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " من أراد الحج فليتعجل
فإنه قد يمرض المريض وتضل الراحلة وتعرض
الحاجة" وفي إسناده إسماعيل بن خليفة العبسي
أبو إسرائيل وهو صدوق ضعيف الحقظ وأخرج أحمد
وأبو يعلي وسعيد بن منصور والبيهقي من حديث
أبي أمامة مرفوعا "من لم يحبسه مرض أو حاجة
ظاهرة أو مشقة ظاهرة أو سلطان جائر فلم يحج
فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا" وفي
إسناده ليث بن أبي سليم وشريك وفيهما ضعف
وأخرج الترمذي من حديث علي مرفوعا "من ملك
زادا وراحلة يبلغه إلى بيت الله الحرام ولم
يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا" وذلك
لأن الله تعالى قال في كتابه: {وَلِلَّهِ
عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ
اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران:97]
قال الترمذي: غريب وفي إسناده مقال: والحديث
يضعف وهلال بن عبد الله الراوى له عن ابن
إسحاق مجهول وقال العقيلي: لا يتابع عليه وروى
من طريق ثالثة من حديث أبي هريرة عند ابن عدوى
نحوه وروى سعيد بن منصور في سننه عن الحسن
قال: قال عمر بن الخطاب لقد هممت أن أبعث
رجالا إلى هذه الأمصار فينظروا كل من كان له
جدة ولم يحج فيضربوا عليهم الجزية ما هم
بمسلمين" وأخرجه أيضا البيهقي وقد ذهب إلى
القول بالفور مالك وأبو حنيفة وأحمد وبعض
أصحاب الشافعي ومن أهل البيت زيد ابن علي
والمؤيد بالله والناصر وقال: الشافعي والأوزعي
وأبو يوسف ومحمد ومن أهل البيت القاسم بن
إبراهيم وأبو طالب إنه على التراخي.
(2/184)
فصل في وجوب تعيين الحج بالنية
يجب تعيين نوع الحج بالنية من تمتع أو قران أو
إفراد والأول أفضلها ويكون الإحرام من
المواقيت المعروفة ومن كان دونها فمهله أهله
حتى أهل مكة من مكة.
أقول: أما تعيين الحج بالنية فلما تقدم في
الوضوء وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث
عائشة قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال: من أراد منكم أن يهل بحج أو عمرة
فليفعل ومن أراد أن يهل بحج فليهل ومن أراد أن
يهل بعمرة فليهل قالت: وأهل رسول الله صلى
الله عليه وسلم بالحج وأهل به ناس معه وأهل
ناس معه بالعمرة والحج وأهل ناس بعمرة وكنت
فيمن أهل بعمرة" وفي البخاري من حديث جابر أن
إهلال النبي صلى الله عليه وسلم من ذي الحليفة
حين استوت به راحلته" وفي الصحيحين من حديث
ابن عمر قال: "بيداؤكم هذه التى تكذبون فيها
على رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أهل
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند
المسجد" يعني مسجد ذي الحليفة وقد وقع الخلاف
في المحل الذي أهل منه رسول الله صلى الله
عليه وسلم على حسب اختلاف الرواة فمنهم من روى
أنه أهل من المسجد ومنهم من روى أنه أهل حين
استقلت به راحلته ومنهم من روى أنه أهل لما
علا شرف البيداء وقد جمع بين ذلك ابن عباس
فقال: إنه أهل في جميع هذه المواضع فنقل كل
راو ما سمع.
وأما كون التمتع أفضل الأنواع الثلاثة فاعلم
أن هذه المسألة قد طال فيها النزاع واضطربت
فيها الأقوال فمنهم من قال: إن أفضل أنواعه
القران لكونه صلى الله عليه وسلم حج قرانا على
ماهو الصحيح وإن كان قد ورد ما يدل على أنه حج
إفراد لكن الأحاديث الصحيحة الثابتة في
الصحيحين وغيرهما من طرق عدة مصرحة بأنه أهل
بحجة وعمرة فلولم يرد عنه صلى الله عليه وسلم
ما يدل على أن غير ما فعله أفضل مما فعله لكان
القران أفضل الأنواع لكنه ورد ما يدل على ذلك،
(2/185)
ففي الصحيحين
وغيرهما من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: يا أيها الناس أحلوا فلولا الهدي
معي فعلت كما فعلتم قال: فأحللنا حتى وطئنا
النساء وفعلنا كما يفعل الحلال حتى إذا كان
يوم التروية وجعلنا مكة بظهر أهللنا بالحج"
وثبت مثل ذلك من حديث جماعة من الصحابة بألفاظ
منها "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ماسقت من
الهدي ولجعلتها عمرة" وقد ذهب إلى هذا جمع من
الصحابة والتابعين ومن بعدهم كمالك وأحمد ومن
أهل البيت الباقر والصادق والناصر وإسماعيل
وموسى ابن جعفر الصادق والإمامية وهو الحق
لأنه لم يعارض هذه الأدلة معارض قفد أوضح فيها
صلى الله عليه وسلم أن نوع التمتع أفضل من
النوع الذي فعله وهو القران وقد أوضحت حجج
الأقوال وما احتج به كل فريق في شرح المنتقى
وكذلك أوضحت أن حجه صلى الله عليه وسلم كان
قرانا فليرجع إليه.
وأما كون الإحرام من المواقيت فلحديث ابن عباس
في الصحيحين وغيرهما قال: "وقت رسول الله صلى
الله عليه وسلم لأهل المدنية ذا الحليفة ولأهل
الشام الجحفة ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل
اليمن يلملم قال: فهن لهن ولمن أتى عليهن من
غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة" فمن كان
دونهن فمهله من أهله وكذلك حتى أهل مكة يهلون
منها ومثله في الصحيحين أيضا من حديث ابن عمر
وفي رواية من حديث لأحمد أنه قاس الناس ذات
عرق بقرن" وفي البخاري من حديثه أن عمر قال:
لأهل البصرة والكوفة أنظروا حذو قرن من
طريقكم" قال: فحد لهم ذات عرق.
(2/186)
فصل في محظورات الإحرام
ولا يلبس المحرم القميص ولا العمامة ولا
البرنس ولا السراويل ولا ثوب مسه ورس أو
زعفران ولا الخفين إلا أن لا يجد نعلين
فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين ولا
تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين وما مسه الورس
والزعفران ولا تطيب ابتداء ولا يأخذ من شعره
أو بشره إلا لعذر ولا يرفث ولا يفسق ولا يجادل
ولا ينكح ولا يخطب ولا يقتل صيدا ومن قتل
فعليه جزاء مثل ماقتل من النعم يحكم به ذوا
عدل ولا يأكل ما صاد غيره إلا إذا كان الصائد
حلالا ولم يصده لأجله ولا يعضد من شجر الحرم
إلا الأذخر ويجوز له قتل الفواسق الخمس وصيد
حرم المدنية وشجرة كحرم مكة إلا أن قطع من
شجره أو خبطة كان سلبه حلالا لمن وجده ويحرم
صيد وج وشجرة.
أقول: أما كون المحرم لا يلبس تلك الأمور
فلحديث ابن عمر في الصحيحين وغيرهما قال: "سئل
رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يلبس المحرم
فقال: لا يلبس المحرم القميص ولا العمامة ولا
البرنس ولا السراويل ولا ثوبا مسه ورس ولا
زعفران ولا الخفين إلا أن لا يجد نعلين
فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين" قال:
القاضي عياض أجمع المسلمون على أن ماذكر في
هذا لحديث لا يلبسه المحرم.
وأخرج مسلم وغيره من حديث جابر قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يجد نعلين
فليلبس خفين ومن لم يجد إزارا فليلبس سراويل"
وفي الصحيحين نحوه من حديث ابن عباس.
وأخرج أحمد والبخاري والنسائي والترمذي وصححه
من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: "لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس
القفازين" وزاد أبو داود والحاكم والبيهقي
"وما مس الورس والزعفران من الثياب" والقفاز:
(2/187)
بضم القاف
وتشديد الفاء وبعد ألف زاى ما تلبسه المرأة في
يديها فيغطي أصابعها وكفها عند معاناة شيء.
وأما كون المحرم لا يتطيب أبتداء ويجوز له أن
يستمر على الطيب الذي كان على بدنه قبل
الإحرام فذلك هو الراجح جمعا بين الأدلة وقد
أوضحت ذلك في شرح المنتقى.
وأما كونه لا يأخذ من شعره أو بشره إلا لعذر
فلحديث كعب بن عجرة في الصحيحين وغيرهما قال:
"كان بي أذى من رأسي فحملت إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي فقال:
ماكنت أرى أن الجهد قد بلغ منك ما أرى أ تجد
شاة قلت لا فنزلت {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ
أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196] قال:
هو صوم ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين نصف
صاع طعاما لكل مسكين".
وأما كونه لا يرفث ولا يقسق ولا يجادل فلنص
القرآن وهذه الأمور لا تحل للحلال ولكنها مع
الاحرام أغلظ. وأما كون المحرم لا ينكح ولا
ينكح فلحديث عثمان الثابت في مسلم وغيره أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ينكح
ولا ينكح ولا يخطب" وفي الباب أحاديث وأما ما
في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس أن
النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو
محرم" فقد عارضه ما في صحيح مسلم وغيره من
حديث ميمونة أن النبي صلى الله عليه وسلم
تزوجها وهو حلال" وما أخرجه أحمد والترمذي
وحسنه من حديث أبي رافع أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم تزوج ميمونة حلالا" وكان أبو رافع
السفير بين رسول الله صلى الله عليه وسلم و
بين ميمونة رضي الله عنها وهما أعرف بذلك وعلى
فرض صحة1 خبر ابن عباس ومطابقته للواقع فلا
يعارض الأحاديث المصرحة بالنهي بل يكون هذا
بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وأما كونه لا يقتل صيدا فقد ورد بذلك القرآن
الكريم فإذا قتل صيدا
ـــــــ
1 صوابه وعلى فرض عدم وهم ابن عباس إذ الصحة
ثابتة له ! هـ. هامش الأصل.
(2/188)
فعليه الجزاء
يحكم به ذوا عدل كما قال الله سبحانه وأما
كونه لا يأكل ما صاد غيره إلى آخره فلحديث
الصعب بن جثامة في الصحيحين وغيرهما أنه أهدى
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا
وهو بالأبواء أو بودان فرده عليه فلما رأى ما
في وجهه قال: "إنا لم نرد عليك إلا أنا حرم"
وأخرج مسلم نحوه من حديث زيد بن أرقم وفي
الصحيحين وغيرهما من حديث أبي قتادة أن النبي
صلى الله عليه وسلم أكل من صيده الذي صاده وهو
حلال" وكان النبي محرما فأكل عضد حمار الوحش
الذي صاده وجمع بين حديث الصعب وحديث أبي
قتادة بأنه صلى الله عليه وسلم امتنع من أكل
صيد الصعب لكونه صاده لأجله وأكل من صيد أبي
قتادة لكونه لم يصده لأجله ويدل على ذلك حديث
جابر عند أحمد وأهل السنن وابن خزيمة وابن
حبان والدارقطني والحاكم والبيهقي أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: "صيد البر لكم حلال
وأنتم حرم مالم تصيدوه أو يصد لكم".
وأما كونه لا يعضد من شجر الحرم إلا الإذخر
فلحديث ابن عباس في الصحيحين وغيرهما قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوم فتح مكة
"إن هذا البلد حرام لا يعصد شجره ولا يختلي
خلاؤه ولا ينفر في صيده ولا تلتقط لقتطه إلا
لمعرف" قال العباس إلا الإذخر فإنه لا بد لهم
منه فإنه للقبور والبيوت فقال: إلا الأذخر
وأخرجا نحوه أيضا من حديث أبي هريرة.
وأما كونه يجوز قتل الفواسق الخمس فلحديث
عائشة في الصحيحين وغيرهما قالت: أمر رسول
الله صلى الله عليه وسلم بقتل خمس فواسق في
الحل والحرم الغراب والجرأة والعقرب والكلب
العقور" وفي الصحيحين أيضا من حديث ابن عمر
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خمس
من الدواب ليس في قتلهن جناح" وفي صحيح مسلم
رحمه الله تعالى من حديث ابن عمر زيادة الحية
وكذلك في حديث ابن عباس عند أحمد بإسناده فيه
ليث ابن أبي سليم.
وأما كون صيد المدينة وشجره كحرم مكة فلحديث
على رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "المدنية حرام ما بين عير إلى ثور"
وهو في الصحيحين وغيرهما وفي الصحيحين أيضا من
حديث عبادة ابن تميم أن رسول
(2/189)
الله صلى الله
عليه وسلم قال: إن إبراهيم حرم مكة ودعا لها
وإني حرمت المدنية كما حرم إبراهيم مكة" وفي
الباب أحاديث في الصحيحين وغيرهما عن جماعة من
الصحابة.
وأما كون من قطع شجر المدنية أو خبطة سلب
فلحديث سعد بن أبي وقاص "أنه ركب إلى قصر
بالعقيق فوجد عبدا يقطع شجرا أو يخبطه فسلبه
فلما رجع سعد جاءه أهل العبد فكلموه أن يرد
على غلامهم أو عليهم ما أخذه من غلامهم فقال
معاذ الله أن أرد شيئا نفلنيه رسول الله صلى
الله عليه وسلم وأبى أن يرد عليهم" أخرجه مسلم
وأحمد وفي لفظ لأحمد وأبي داود والحاكم وصححه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من
رأيتموه يصيد فيه شيئا فلكم سلبه".
وأما تحريم صيد وج وشجره وعضاهه فلحديث الزبير
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن صيد وج
وعضاهه حرم محرم لله عز وجل" أخرجه أحمد وأبو
داود والبخاري في تاريخه وحسنه المنذري وصححه
الشافعي ووج بفتح الواو وتشديد الجيم واد
بالطائف وقد ذهب إلى ما في الحديث الشافعي
والإمام يحيى وهو الحق ولم يأت من قدح في
الحديث بما في يصلح للقدح المستلزم لعدم ثبوت
التكليف بما تضمنه.
(2/190)
فصل في ما يجب عمله أثناء الطواف
وعند قدوم الحاج مكة يطوف للقدوم سبعة أشواط
يرمل في الثلاثة الأول ويمشي فيما بقي ويقبل
الحجر الأسود أو يستلمه بمحجن ويقبل المحجن
ونحوه ويستلم الركن اليماني ويكفي القارن طواف
واحد وسعى واحد ويكون حال الطواف متوضئا ساترا
لعورته والحائض تفعل ما يفعل الحاج غير أن لا
تطوف بالبيت ويندب الذكر حال الطواف
(2/190)
بالمأثور وبعد
فراغه يصلى ركعتين في مقام إبراهيم ثم يعود
إلى الركن فيستلمه.
أقول: شرع الطواف في الأصل لإغاظة المشركين
كما في حديث ابن عباس قال: قدم رسول الله صلى
الله عليه وسلم وأصحابه فقال المشركون: إنه
يقدم عليكم قوم قد وهنتهم حمى يثرب فأمرهم
النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الأشواط
الثلاثة وأن يمشوا مابين الركنين ولم يمنعه أن
يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها الإبقاء عليهم"
متفق عليه وفي الصحيحين من حديث ابن عمر أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف بالبيت
الطواف الأول خب ثلاثا ومشى أربعا" وفي لفظ
رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجر
إلى الحجر ثلاثا ومشى أربعا وأخرج أحمد وأبو
داود وابن ماجه عن عمر أنه قال: فيم الرملان
الآن والكشف عن المناكب وقد أظهر الله الإسلام
ونفى الكفر وأهله ومع ذلك لا ندع شيئا كنا
نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم"
وقد ذهب الجمهور إلى فرضية الطواف للقدوم
وقال: أبو حنيفة سنة وروى عن الشافعي أنه
كتحية المسجد والحق الأول لقوله تعالى:
{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}
[الحج:29]
وأما تقبيل الحجر الأسود1 ففي الصحيحين من
حديث ابن عمر أنه كان يقبل الحجر ويقول إني
لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك"
وأخرج أحمد وابن والترمذي وصححه ابن خزيمة
وابن حبان والحاكم من حديث ابن عباس قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي هذا الحجر
يوم القيامة له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به
يشهد لمن استلمه بحق وفي الباب أحاديث وفي
الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس قال: طاف
النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوادع على
بعير يستلم الركن بمحجن" وأخرج نحوه مسلم من
حديث أبي الطفيل وزاد "ويقبل المحجن"،
ـــــــ
1 أي واستلامه واستلام الركن اليماني لأنه سرد
أحاديث الكل.
(2/191)
وأخرج أحمد من
حديث عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:
"يا عمر إنك رجل قوي ولا تزاحم على الحجر
فتؤذي الضعيف إن وجدت خلوة فاستلمه وإلا
فاستقبله وهلل وكبر" وفي إسناده مجهول وأخرج
أحمد والنسائي عن ابن عمر أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: "إن مسح الركن اليماني والركن
الأسود يحط الخطايا حطا " وفي إسناده عطاء بن
السائب وفي الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر
قال: "لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يمس من
الأركان إلا اليمانيين" وأخرج البخاري في
تاريخه وأبو يعلى من حديث ابن عباس كان رسول
الله ثلى يقبل الركن اليماني" وفي إسناده عبد
الله بن مسلم بن هرمز وهو ضعيف وأخرج أحمد
وأبو داود من حديثه أن النبي صلى الله عليه
وسلم كان يقبل الركن اليماني ويضع خده عليه".
وأما كونه يكفي القارن طواف واحد وسعى واحد
فلكونه صلى الله عليه وسلم حج قرانا على الأصح
واكتفى بطواف واحد للقدوم وبسعي واحد ولادليل
على وجوب طوافين وسعيين وأخرج الترمذي من حديث
ابن عمر مرفوعا "من أحرم بالحج والعمرة أجزأه
طواف واحد وسعي واحد" وقد حسنه الترمذي. وأما
أنه يكون حال الطواف متوضئا ساترا لعورته فلما
في الصحيحين من حديث عائشة أن أول شيء بدأ به
النبي حين قدم أنه توضأ ثم طاف بالبيت" وفيهما
أيضا من حديث أبي بكر أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: "لا يطوف بالبيت عريان" .
وأما كون الحائض تفعل ما يفعل الحاج غير أن لا
تطوف في البيت فلحديث عائشة عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: "الحائض تقضى المناسك كلها إلا
الطواف" أخرجه أحمد وأخرج نحوه ابن أبي شيبة
بإسناد صحيح من حديث ابن عمر ولحديث عائشة
أيضا في الصحيحين وغيرهما أنه قال لها النبي
صلى الله عليه وسلم لما حاضت: "افعلى ما يفعل
الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي" .
وأما كونه يندب الذكر حال الطواف بالمأثور
فلحديث عبد الله ابن السائب قال: "سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول بين الركن
اليماني والحجر ربنا آتنا في الدنيا
(2/192)
حسنة وفي
الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" أخرجه أحمد وأبو
داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم وعن أبي
هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وكل
به يعني الركن اليماني سبعون ملكا فمن قال:
اللهم إني سألك العفو والعافية في الدنيا وفي
الآخرة ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة
حسنة وقنا عذاب النار قالوا آمين" أخرجه ابن
ماجه بإسناد فيه إسماعيل بن عياش وهشام بن
عمار وهما ضعيفان وأخرج ابن ماجه أيضا من
حديثه أنه سمعه يقول "من طاف بالبيت سبعا ولا
يتكلم إلا بسبحان الله والحمد الله ولا إله
إلا الله والله أكبر ولاحول ولا قوة إلا بالله
محيت عنه عشر سيئات وكتب له عشر حسنات ورفع له
بها عشر درجات" وفي إسناده من تقدم في الحديث
الأول وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وصححه من
حديث عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة
لإقامة ذكر الله تعالى" وفي الباب أحاديث.
وأما كونه بعد فراغه يصلى ركعتين في مقام
إبراهيم فلحديث جابر عند مسلم وغيره أن النبي
صلى الله عليه وسلم لما انتهى إلى مقام
إبراهيم قرأ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ
إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة:125] فصلى
ركعتين فقرأ فاتحة الكتاب و {قُلْ يَا
أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1] و {قُلْ
هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الاخلاص:1] ثم عاد إلى
الركن فاستلمه.
(2/193)
فصل في وجوب السعي بين الصفا والمروة
ويسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط داعيا
بالمأثور وإذا كان متمتعا صار بعد السعي حلالا
حتى إذا كان يوم التروية أهل بالحج.
أقول: أخرج أحمد والشافعي من حديث حبيبة بنت
أبي تجزأة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي" وفي إسناده
عبد الله بن المؤمل وهو ضعيف وله طريق أخرى في
صحيح ابن خزيمة والطبراني عن ابن عباس.
(2/193)
وأخرج أحمد نحو
من حديث صفية بنت شيبة وأخرج مسلم وغيره من
حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم
لما فرغ من طوافه أتى الصفا فعلا عليه حتى نظر
البيت ورفع يديه فجعل يحمد الله ويدعو ما يشاء
أن يدعو" وأخرج نحوه النسائي من حديث جابر وفي
صحيح مسلم رحمه الله تعالى من حديث جابر رضي
الله عنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم
لما دنا من الصفا قرأ {إِنَّ الصَّفَا
وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ }
[البقرة:158] أبدأ بما بدأ الله به فبدأ
بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت فاستقبل
القبلة فوحد الله وكبره وقال :"لا إله إلا
الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو
على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده أنجز
وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده" ثم دعا بين
ذلك فقال: مثل هذا ثلاث مرات ثم نزل إلى
المروة حتى انصبت قدماه في بطن الوادي حتى إذا
صعدنا مشى ختى أتى المروة ختى ففعل على المروة
مثل ما فعل على الصفا" وقد ذهب الجمهور إلى أن
السعي فرض وعند الحنفية أنه واجب يجبر بالدم.
وأما كونه يصير للمتمتع بعد السعي حلالا فلقول
عائشة حاكية لحجهم مع النبي صلى الله عليه
وسلم "فأما من أهل بعمرة فأحلوا حين طافوا
بالبيت وبالصفا والمروة" وهو في الصحيحين
وغيرهما وفيهما أيضا من حديث جابر أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: " أحلوا من إحرامكم
بطواف البيت وبين الصفا والمروة وقصروا ثم
أقيموا حلالا حتى يوم التروية فأهلوا بالحج
واجعلوا التي قدمتم بها متعة" وفي لفظ لمسلم
رحمه الله تعالى من حديثه أيضا قال: أمرنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حللنا أن
نحرم إذا توجهنا إلى منى فأهللنا من الأبطح"
(2/194)
فصل في بيان مناسك الحج
ثم يأتي عرفة يوم عرفة ملبيا مكبرا ويجمع
العصرين فيها ويخطب ثم يفيض من عرفة ويأتى
المزدلفة ويجمع فيها بين العشاءين ويبيت بها
ثم يصلي الفجر ويأتي المشعر فيذكر الله عنده
ويقف به إلى قبل
(2/194)
طلوع الشمس ثم
يدفع حتى يأتي بطن محسر ثم يسلك الطريق الوسطى
إلى الجمرة التى عند الشجرة وهي جمرة العقبة
فيرميها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ولا
يرميها إلا بعد طلوع الشمس إلا النساء
والصبيان فيجوز لهم قبل ذلك ويحلق رأسه أو
يقصره فيحل له كل شيء إلا النساء ومن حلق أو
ذبح أو أفاض إلى البيت قبل أن يرمي فلا حرج ثم
يرجع إلى منى فيبيت بها ليالي التشريق ويرمي
في كل يوم من أيام التشريق الجمرات الثلاث
بسبع حصيات مبتدئا بالجمرة الدنيا ثم الوسطى
ثم جمرة العقبة ويستحب لمن يحج بالناس أن
يخطبهم يوم النحر وفي وسط أيام التشريق ويطوف
الحاج طواف الإفاضة وهو طواف الزيارة يوم
النحر وإذا فرغ من أعمال الحج طاف للوداع.
أقول: أخرج أحمد وأهل السنن وابن حبان والحاكم
والدارقطني من حديث عبد الرحمن بن يعمر أن
النبي صلى الله عليه وسلم أمر مناديا فنادى
الحج عرفة" وأخرج أحمد وأبو داود عن ابن عمر
قال: غدا رسول الله صلى الله عليه وسلم من منى
حين صلى الصبح في صبيحة عرفة حتى أتى عرفة
فنزل بنمرة وهي منزل الإمام الذي ينزل به حتى
إذا كان عند صلاة الظهر راح رسول الله صلى
الله عليه وسلم مهجرا فجمع بين الظهر والعصر
ثم خطب الناس ثم راح فوقف على الموقف من عرفة"
وفي صحيح مسلم من حديث جابر قال: لما كان يوم
التروية توجهوا" إلى منى فأهلوا بالحج وركب
رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر
والعصر والمغرب والعشاء والفجر ثم مكث قليلا
حتى طلعت الشمس وأمر بقبة من شعر تضرب له
بنمرة فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا
تشك قريش أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت
قريش تصنع بالجاهلية فأجاز رسول الله صلى الله
عليه وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له
بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر
بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادى فخطب الناس
فقال: "إن دمائكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا
في شهركم هذا في بلدكم هذا" وفي صحيح مسلم
رحمه الله تعالى من حديث أسامة بن زيد أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: في عشية عرفة
وغداة جمع للناس حين
(2/195)
دفعوا عليكم
السكنية وهو كاف ناقته حتى دخل محسرا" وفي
حديث جابر عند مسلم رحمه الله تعالى وغيره أن
النبي صلى الله عليه وسلم أتى المزدلفة فصلى
بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم
يسبح بينهما شيئا ثم اضطجع حتى طلع الفجر فصلى
الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة ثم ركب
القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة
فدعا الله وكبره وهلله ووحده فلم يزل واقفا
حتى أسفر جدا فدفع قبل أن تطلع الشمس ختى أتى
بطن محسر فحرك قليلا ثم سلك الطريق الوسطى
التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة
التى عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل
حصاة ومنها مثل حصى الخذف رمى من بطن الوادي
ثم انصرف إلى المنحر" وفي الصحيحين وغيرهما من
حديث جابر أيضا قال: رمى النبي صلى الله عليه
وسلم الجمرة يوم النحر ضحى وأما بعد فإذا زالت
الشمس" وفيهما أيضا من حديث ابن مسعود "أنه
انتهى إلى الجمرة الكبرى فجعل البيت عن يساره
ومنى عن يمنيه ورمى بسبع وقال: هكذا رمى الذي
أنزلت عليه سورة البقرة" وفي رواية "حتى انتهى
إلى جمرة العقبة" وفي الصحيحين وغيرهما من
حديث ابن عباس قال: أنا ممن قدم النبي صلى
الله عليه وسلم ليلة المزدلفة في ضعفه أهله"
وفيهما أيضا من حديث عائشة قالت: كانت سودة
امرأة ضخمة ثبطة فاستأذنت رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن تفيض من جمع بليل" وفي الباب
أحاديث في صحيح مسلم رحمه الله تعالى وغيره من
حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه
وسلم أتى منى فأتى الجمرة فرماها ثم أتى منزلة
بمنى ونحر ثم قال للحلاق: "خذ وأشار إلى جانبة
الأيمن ثم الأيسر ثم جعل يعطيه الناس" وفي
الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اغفر
للمحلقين قالوا: يارسول الله وللمقصرين قال:
"اللهم اغفر للمحلقين قالوا يا رسول الله
وللمقصرين قال: "اللهم اغفر للمحلقين قالوا
وللمقصرين قال: "وللمقصرين" أخرج أحمد أبي
داود والنسائي وابن ماجه من حديث ابن عباس
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا
رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء"
وفي الصحيحين وغيرهما ومن حديث ابن عمر قال:
(2/196)
سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل يوم النحر وهو
واقف عند الجمرة فقال: يارسول الله حلقت قبل
أن أرمي قال: "أرم ولا حرج" وأتاه رجل آخر
فقال: "ذبحت قبل أن أرمي قال: "أرم ولا حرج"
وأتاه آخر فقال: إني أفضت إلى البيت قبل أن
أرمي فقال: "ارم ولا حرج" وفي رواية فيهما
"فما سئل عن شيء يومئذ إلا قال: "افعل ولا
حرج" أخرجه أحمد من حديث علي قال: جاء رجل
فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم حلقت
قبل أن أنحر قال: "انحر ولا حرج" ثم أتاه آخر
فقال: إني أفضت قبل أن أحلق قال: "احلق أو
اقصر ولا حرج" وفي لفظ للترمذي وصححه قال: إني
افضت قبل أن أحلق وفي الصحيحين وغيرهما عن ابن
عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له في
الذبح والحلق والرمي والتقديم والتأخير فقال:
"لاحرج" وأخرج أحمد وأبو داود وابن حبان
والحاكم من حديث عائشة قالت: أفاض رسول الله
صلى الله عليه وسلم من آخر يوم حين صلى الظهر
ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي التشريق يرمي
الجمرة إذا زالت الشمس كل جمرة سبع حصيات يكبر
مع كل حصاه ويقف عند الأولى وعند الثانية
فيطيل القيام ويتضرع ويرمى الثالثة ثم لا يقف
عندها" وعن ابن عباس قال: رمى رسول الله صلى
الله عليه وسلم الجمار حين زالت الشمس" رواه
أحمد وابن ماجه والترمذي وحسنه وفي البخاري عن
ابن عمر كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا"
وأخرج الترمذي وصححه من حديث ابن عمر أن النبي
صلى الله عليه وسلم كان إذا رمى الجمار مشى
إليها ذاهبا وراجعا" وفي لفظ عنه أنه كان يرمي
الجمرة يوم النحر راكبا وسائر ذلك ماشيا
ويخبرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل
ذلك" أخرجه أحمد وأبو داود وفي الصحيحين من
حديث ابن عباس وابن عمر أن العباس استأذن
النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي
من أجل سقايته فأذن له" وفي البخاري وأحمد من
حديث ابن عمر أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع
حصيات يكبر مع كل حصاة ثم يتقدم فيستهل ويقوم
مستقبل القبلة طويلا ويدعوا ويرفع يديه ثم
يرمي الوسطى ثم يأخذ ذات الشمال فيستهل ويقوم
مستبقل القبلة ثم يدعو ويرفع يديه ويقوم طويلا
ثم يرمي الجمرة ذات العقبة من
(2/197)
بطن الوادي ولا
يقف عندها ثم ينصرف ويقول هكذا رأيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يفعله" وأخرج أحمد وأهل
السنن وصححه الترمذي من حديث عاصم بن عدي أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لرعاء الإبل
في البيتوتة عن منى يرمون يوم النحر ثم يرمون
الغداة ومن بعد الغداة ليومين ثم يرمون يوم
النفر" وأخرج أحمد والنسائي عن سعد بن مالك
قال: "رجعنا في الحجة مع النبي صلى الله عليه
وسلم وبعضنا يقول رميت سبع حصيات وبعضنا يقول
رميت بست حصيات ولم يعب بعضهم على بعض" ورجاله
رجال الصحيح.
وأما استحباب الخطبة في يوم النحر لمن حج
بالناس فلحديث الهرماس بن زياد قال: "رأيت
النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس على
ناقته الغضباء يوم الأضحى" أخرجه أحمد وأبو
داود وأخرج نحوه أيضا أبو داود من حديث أبي
أمامة وأخرج نحوه أيضا هو والنسائي من حديث
عبد الرحمن ابن معاذ التيمي وأخرجه البخاري
وأحمد من حديث أبي بكرة وفيه أنه قال: "فإن
دمائكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا
في بلدكم هذا في شهركم هذا إلى يوم تلقون ربكم
ألا هل بلغت قالوا نعم قال: اللهم اشهد فليبلغ
الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع فلا
ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض"
وأما استحباب الخطبة في وسط أيام التشريق
فلحديث بسرة ابنة نهبان قالت: خطبنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم يوم الرءوس فقال :"أي يوم
هذا" ؟ قلنا الله ورسوله أعلم قال: "أليس أوسط
أيام التشريق" أخرجه أبو داود ورجاله رجال
الصحيح وأخرج نحوه أحمد من حديث أبي بصرة
ورجاله رجال الصحيح وأخرج نحوه أبو داود عن
رجلين من بني بكر.
وأما أن الحاج يطوف طواف الإفاضة وهو طواف
الزيارة يوم النحر فلحديث ابن عمر في الصحيحين
وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض
يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر يوم النحر بمنى"
وفي صحيح مسلم من حديث نحوه والمراد بقوله:
أفاض أي طاف طواف الإفاضة قال النووى: وقد
(2/198)
أجمع العلماء
علىأن هذا الطواف وهوطواف الإفاضة ركن من
أركان الحج لايصح إلابه واتفقوا على أنه يستحب
فعله يوم النحر بعد الرمي والنحر والحلق فإن
أخره عنه وفعله في أيام التشريق أجزأ ولادم
عليه بالاجماع.
وأما أنه إذا فرغ من أعمال الحج طاف للوداع
فلحديث ابن عباس عند مسلم رحمه الله وغيره
قال: "كان الناس ينصرفون في كل وجه فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " لا ينفر أحدكم حتى
يكون آخر عهده بالبيت" وفي لفظ للبخاري ومسلم
"أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن
يكون آخر عهدهم بالبيت إلاأنه خفف عن المرأة
الحائض" وفي الباب أحاديث وإلى وجوب طواف
الوداع ذهب الجمهور وقال: مالك وداود وابن
المنذر هو سنة لاشيء في تركه.
(2/199)
فصل في بيان أفضل أنواع الهدي
والهدي أفضله البدنة ثم البقرة ثم الشاة وتجزئ
البقرة والبدنة عن سبعة ويجوز للمهدي أن يأكل
من لحم هديه ويركب عليه ويندب إشعاره وتقليده
ومن بعث بهدي لم يحرم عليه شيء مما يحرم على
المحرم.
أقول: أما كون البدنة أفضل فلأنه صلى الله
عليه وسلم كان يهدي البدن ولأنها أنفع للفقراء
وكذا البقرة بالنسبة إلى الشاة وهذا إذاكان
الذي سيهدي البدنة والبقرة واحدا أما إذا
كانوا جماعة بعدد ما تجزئ عنه البدنة والبقرة
فقد وقع الخلاف هل الأفضل لسبعة البدنة أو
البقرة أو الشاة عن الواحد والظاهر أن
الاعتبار بما هو أنفع للقفراء.
وأما كون البدنة عن سبعة كالبقرة فلحديث جابر
في الصحيحين وغيرهما قال: أمرنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر كل
سبعة منا في بدنه" وفي لفظ لمسلم رحمه الله
"فقيل لجابر أيشترك في البقرة ما يشترك في
الجزور فقال: ماهي إلا من البدن" وأخرج أحمد
وابن ماجه عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه
وسلم أتاه رجل فقال: أنا على بدنة وأنا موسر
ولا أجدها فأشتريها فأمره
(2/199)
النبي صلى الله
عليه وسلم أن يبتاع سبع شياه فيذبحهن" ورجاله
رجال الصحيح ولا يعارض هذا الحديث حديث ابن
عباس عند أحمد والنسائي وابن ماجه والترمذي
وحسنه قال: كنا في سفرة فحضر الأضحى فذبحنا
البقرة عن سبعة والبعير عن عشرة" وكذلك لا
يعارضه ما في الصحيحين من حديث أبي رافع بن
خديج أنه صلى الله عليه وسلم قسم فعدل عشرا من
الغنم ببعير" لأن تعديل البدنة بسبع شياه هو
في الهدي وتعديلها بعشر هو في الأضحية والقسمة
وقد ذهب الجمهور إلى أن عدل البدنة في الهدي
سبع شياه وادعى الطحاوى وابن رشد أنه إجماع
ولا تصح هذه الدعوى فالخلاف مشهور وأما كونه
يجوز للمهدي أن يأكل من الهدى فلحديث جابر أن
النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كل بدنة
ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكل هو وعلي من
لحمها وشربا من مرقها" أخرجه أحمد ومسلم وفي
الصحيحين من حديث عائشة أنه دخل عليها يوم
النحر بلحم بقر فقالت: ما هذا فقيل نحر رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه" قال:
النووي وأجمع العلماء على أن الأكل من هدي
التطوع وأضحيته سنة انتهى والظاهر أنه لا فرق
بين هدي التطوع وغيره لقوله تعالى: {فَكُلُوا
مِنْهَا} [الحج:28]
وأما كون للمهدي أن يركب هديه فلحديث أنس في
الصحيحين وغيرهما قال: رأى رسول الله صلى الله
عليه وسلم رجلا يسوق بدنه فقال: "اركبها"
فقال: إنها بدنة فقال: "اركبها" فقال: أنها
بدنة قال: "اركبها" قال: إنها بدنة قال:
"اركبها" وفيهما نحوه من حديث أبي هريرة وأخرج
أحمد ومسلم رحمهما الله تعالى من حديث جابر
رضي الله عنه أنه سئل عن ركوب الهدي فقال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد لها
ظهرا" .
وأما كونه يندب إشعاره وتقليده فلحديث ابن
عباس عند مسلم رحمه الله تعالى وغيره أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بذي
الحليفة ثم دعا بناقته فأشعرها في صفحة سنامها
الأيمن وسلت الدم عنها وقلدها نعلين.
وأما كونه لا يحرم على من بعث بهدي شيء فلحديث
عائشة في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله
عليه وسلم كان يهدي من المدينة ثم لا يجتنب
شيئا مما يجتنب المحرم".
(2/200)
باب العمرة المفردة
يحرم لها من الميقات ومن كان في مكة خرج إلى
الحل ثم يطوف ويسعى ويحلق أو يقصر وهي مشروعة
في جميع السنة.
أقول: أما كونه يحرم لها من الميقات فظاهر لأن
الإحرام لها كالإحرام للحج وقد تقدمت الأدلة
في ذكر المواقيت .
وأما كون من في مكة يخرج إلى الحل فلما ثبت في
الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أمر عبد الرحمن ابن أبي بكر أن يخرج
عائشة إلى التنعيم فتحرم للعمرة منه" وأما
الطواف والسعي والحلق والتقصير فلا خلاف في
ذلك وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في
الصحيحين وغيرهما من حديث جماعة من الصحابة
أنه أمر من لم يكن معه هدي بالطواف والسعي
والحلق أو التقصير فمن فعل ذلك فقد حل الحل
كله فواقعوا النساء بعد ذلك".
وأما كون العمرة مشروعة في جميع السنة فلحديث
عائشة عند أبي داود أن النبي صلى الله عليه
وسلم اعتمر عمرتين عمرة في ذي القعدة وعمرة في
شوال" وفي الصحيحين من حديث أنس أن النبي صلى
الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر في ذي القعدة
إلا التي اعتمر مع حجته" ومن ذلك عمرة عائشة
التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن
أن يعمرها من التنعيم فإن ذلك كان مع حجتها مع
النبي صلى الله عليه وسلم وقد كان أهل
الجاهلية يحرمون العمرة في أيام الحج فرد
عليهم النبي صلى الله عليه وسلم واعتمر وأمر
بالعمرة فيها وفي الصحيحين وغيرهما من حديث
ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
عمرة في رمضان تعدل حجة"
(2/201)
|