الدراري
المضية شرح الدرر البهية كتاب النكاح
مشروعيته
...
كتاب النكاح
يشرع لمن استطاع الباءة وبجب على من خشى
الوقوع في المعصية والتبتل غير جائز إلا لعجز
عن القيام بما لا بد منه وينبغي أن تكون
المرأة ودودا ولودا بكرا ذات جمال وحسب ودين
ومال وتخطب الكبيرة إلى نفسها والمعتبر حصول
الرضاء منها لمن كان كفؤا والصغيرة إلى وليها
ورضاء البكر صماتها وتحرم الخطبة في العدة
وعلى الخطبة ويجوز النظر إلى المخطوبة ولا
نكاح إلا بولى وشاهدين إلا أن يكون عاضلا أو
غير مسلم ويجوز لكل واحد من الزوجين أن يوكل
لعقد النكاح ولو واحدا.
أقول: أما مشروعية لمن استطاع الباءة فلما ورد
في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن مسعود قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا مشعر
الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه
أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه
بالصوم فإنه له وجاء" والمراد بالباءة النكاح
والأحاديث الواردة في الترغيب في النكاح
كثيرة.
وأما وجوبه على من خشي الوقوع في المعصية فلأن
اجنتاب الحرام واجب وإذا لم يتم الاجنتاب إلا
بالنكاح كان واجبا وعلى ذلك تحمل الأحاديث
المقتضية لوجوب النكاح كحديث أنس في الصحيحين
وغيرهما أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم قال: بعضهم لا أتزوج وقال: بعضهم أصلى
ولا أنام وقال: بعضهم أصوم ولا أفطر فبلغ ذلك
النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما بال أقوام
قالوا كذا وكذا لكني أصوم وأفطر وأصلي وأنام
وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني"
وأخرج ابن ماجه والترمذي من حديث الحسن عن
سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن
التبتل" قال: الترمذي إنه حسن غريب قال: وروى
الأشعث بن عبد الملك هذا الحديث عن الحسن عن
سعد بن هشام عن عائشة ويقال: كلا الحديثين
صحيح انتهى وفي سماع الحسن عن
(2/202)
سمرة مقال:
معروف وأخرج النهي عن التبتل أحمد وابن حبان
في صحيحه من حديث أنس وأخرج ابن ماجه من حديث
عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: " النكاح من سنتي فمن لم يعمل بسنتي
فليس مني".
وأما عدم جواز التبتل فلما تقدم وأما جوازه مع
العجز عن القيام بما لا بد منه فلما ثبت في
الكتاب العزيز من النهي عن مضارة النساء
والأمر بمعاشرتهن بالمعروف فمن لا يستطيع ذلك
لم يجز له أن يدخل في أمر يوقعه في حرام وعلى
ذلك تحمل الأدلة الواردة في العزبة والعزلة.
وأما كونه ينبغي أن تكون المرأة ودودا ولودا
وبكرا ذات جمال وحسب ودين ومال فلحديث أنس عند
أحمد وابن حبان وصححه أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: "تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر
بكم الأنبياء يوم القيامة" وأخرج نحوه أحمد من
حديث ابن عمرو وفي إسناده جرير بن عبد الله
العامري وقد وثق وفيه ضعف وأخرج نحوه أبو داود
والنسائي وابن حبان من حديث معقل بن يسار وفي
الصحيحين وغيرهما من حديث جابر أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال له: "تزوجت بكرا أم ثيبا
قال: ثيبا قال : هلا تزوجت بكرا تلاعبها
وتلاعبك" وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تنكح المرأة
لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر
بذات الدين تربت يداك" وفي صحيح مسلم رحمه
الله تعالى وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: "إن المرأة تنكح على دينها ومالها
وجمالها فعليك بذات الدين تربت يداك" .
وأما كونها تخطب الكبيرة إلى نفسها فلما في
صحيح مسلم رحمه الله أن النبي صلى الله عليه
وسلم أرسل إلى أم سلمة يخطبها.
وأما كون المعتبر حصول الرضا منها فلحديث ابن
عباس عند مسلم رحمه الله تعالى وغيره "الثيب
أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها
وإذنها صماتها" وفي الصحيحين وغيرهما من حديث
أبي هريرة وعائشة نحوه وأخرج أحمد وأبو داود
وابن ماجه والدارقطني من حديث ابن عباس أن
(2/203)
جارية بكرا أتت
رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها
زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه
وسلم قال: الحافظ ورجال إسناده ثقات وروى نحوه
من حديث جابر أخرجه النسائي ومن حديث عائشة
أخرجه أيضا النسائي وأخرج ابن ماجه عن عبد
الله بن بريدة عن أبيه قال: "جاءت فتاة إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أبي
زوجنى ابن أخيه ليرفع بي خسيسته قال: فجعل
الأمر إليها فقالت: قد أجزت ما صنع أبي ولكن
أردت أن أعلم النساء أن ليس إلى الآباء من
الأمر شيء" ورجاله رجال الصحيح وأخرجه أحمد
والنسائي من حديث ابن بريدة عن عائشة.
وأما اعتبار الكفاءة فلحديث علي عند الترمذي
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث لا
تؤخر الصلاة إذا أتت والجنازة إذا حضرت والأيم
إذا وجدت لها كفؤا" وأخرج الحاكم من حديث ابن
عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العرب
أكفاء بعضهم لبعض قبيلة لقبيلة حي لحي ورجل
لرجل إلا حائك أو حجام" وفي إسناده رجل مجهول
وقال: أبو حاتم إنه كذب لا أصل له وذكر الحافظ
أنه موضوع ولكن رواه البزار في مسنده من طريق
أخرى عن معاذ بن جبل رفعه "العرب بعضها أكفاء
لبعض" وفيه سليمان بن أبي الجون ويغني عن ذلك
ما في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة
"خيارهم1 في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا
فقهوا" وقد أخرج الترمذي من حديث أبي حاتم
المزنى قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقة فأنحكوه
إن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير"
قالوا وإن كان فيه قال: "إذا جاءكم من ترضون
دينه وخلقه فأنحكوه ثلاث مرات" وقد حسنه
الترمذي وأخرج الدارقطني عن عمر أنه قال:
"لأمنعن تزوج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء".
وأما كون الصغيرة تخطب إلى وليها فلما في صحيح
البخاري رحمه الله
ـــــــ
1 و (2) هكذا في الأصل خيارهم ولعل الصواب
خياركم.
(2/204)
تعالى وغيره عن
عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب عائشة
رضي الله عنها إلى أبي بكر رضي الله عنه".
وأما كون رضا البكر صماتها فلما تقدم من
الأحاديث الصحيحة.
وأما كونها تحرم الخطبة في العدة فلحديث فاطمة
بنت قيس أن زوجها طلقها ثلاثا فلم يجعل لها
رسول الله صلى سكنى ولا نفقة وقال لها رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "إذا حللت فآذنينى
فآذنته" الحديث وهو في صحيح مسلم رحمه الله
تعالى وأخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله
عنهما في تفسير قوله تعالى: {فِيمَا
عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ}
[البقرة:235] قال: يقول أريد التزويج ولوددت
أنه يسر لى امرأة صالحة" وأخرج الدارقطني عن
محمد بن على الباقر أنه دخل رسول الله صلى
الله عليه وسلم على أم سلمة وهي أيمة أبي سلمة
فقال: علمت أني رسول الله وخيرته من خلقه
وموضعى من قومي وكانت تلك خطبته" والحديث
منقطع قال: في الفتح واتفق العلماء على أن
المراد بهذا الحكم من مات عنها زوجها واختلفوا
في المعتدة من الطلاق البائن وكذا من وقف
نكاحها وأما الرجعية فقال: الشافعي لا يجوز
لأحد أن يعرض لها بالخطبة فيها والحاصل أن
التصريح بالخطبة حرام لجميع المعتدات والتعريض
مباح في الأولى وحرام في الأخيرة مختلف فيه
البائن.
وأما المنع من خطبة على الخطبة فلحديث عقبة بن
عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"المؤمن أخو المؤمن فلا يحل للمؤمن أن يبتاع
على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر"
وهو في صحيح مسلم رحمه الله تعالى وغيره وأخرج
البخاري وغيره من حديث أبي هريرة "لا يخطب
الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك" وأخرج
أيضا من حديث ابن عمر "لا يخطب الرجل على خطبة
الرجل حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له" وقد
ذهب إلى تحريم ذلك الجمهور.
وأما كونه يجوز النظر إلى المخطوبة فلحديث
المغيرة عند أحمد والنسائي
(2/205)
وابن ماجه
والترمذي والدارمي وابن حبان وصححه أنه خطب
امرأة من الأنصار فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم
بينكما" الحديث. وأخرج مسلم رحمه الله تعالى
من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنت عند
النبي صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل فأخبره
أنه تزوج امرأة من الأنصار فقال رسول صلى الله
عليه وسلم : "أنظرت إليها" ؟ قال: لا قال:
"فاذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا"
وفي الباب أحاديث.
وأما كونه لا نكاح إلا بولي فلحديث أبي موسى
عند أحمد وأبي داود وابن ماجه والترمذي وابن
حبان والحاكم وصححه عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: "لا نكاح إلا بولي" وحديث عائشة عند
أحمد وأبي داود وابن ماجه والترمذي وحسنه وابن
حبان والحاكم وأبي عوانة أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: "أيما امرأة نكحت بغير إذن
وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل
فإن دخل بعا فلها المهر بما استحل من فرجها
فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له" وفي
الباب أحاديث قال الحاكم: وقد صحت الرواية فيه
عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وأم
سلمة وزينب بنت جحش ثم سرد تمام ثلاثين والولي
عند الجمهور هو الأقرب من العصبة ورورى عن أبي
حنيفة أن ذوى الأرحام من الأولياء.
وأما اعتبار الشاهدين فلحديث عمران بن حصين
عند الدارقطني والبيهقي في العلل وأحمد في
رواية ابنه عبد الله عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال :"لانكاح إلا بولي وشاهدي عدل فإن
تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له" وإسناده
ضعيف وأخرج الترمذي من حديث ابن عباس أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: "البغايا اللاتي
ينكحن أنفسهن بغير بينة" وصحح الترمذي وقفه
وهذه الأحاديث وماورد
(2/206)
في معناها يقوي
بعضها بعضا وثد ذهب إلى ذلك الجمهور.
وأما استثناء الولى العاضل وغير مسلم فلقوله
تعالى: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ
أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة:232] ولتزوجه صلى
الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان من غير
وليها لما كان كافرا حال العقد.
وأما جواز التوكيل لعقد النكاح ولو كان الوكيل
واحدا من الجهتين فلحديث عقبة بن عامر عند أبي
داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل:
"أترضى أن أزوجك فلانة قال: نعم وقال للمرأة:
"أترضين أن أزوجك فلانا" ؟ قالت: نعم فزوج
أحدهما صاحبه" الحديث وقد ذهب إلى ذلك جماعة
من أهل العلم الأوزعي وربيعة والثورى ومالك
وأبو حنيفة وأكثر أصحابه والليث والهادوية
وأبو ثور وحكى في البحر عن الناصر والشافعي
وزفر أنه لا يجوز قال في الفتح: وعن مالك لو
قالت المرأة لوليها: زوجني بمن رأيت فزوجها
نفسه أو بمن اختار لزمها ذلك ولو لم تعلم عين
الزوج وقال: الشافعي يزوجه السلطان أو ولي آخر
مثله أو أقعد منه ووافقه زفر.
(2/207)
فصل في بيان أن نكاح المتعة منسوخ والتحليل
حرام
ونكاح المتعة منسوخ والتحليل حرام وكذلك
الشغار ويجب على الزوج الوفاء بشرط المرأة إلا
أن يحل حراما أو يحرم حلالا ويحرم على الرجل
أن ينكح زانية أو مشركة وبالعكس ومن صرح
القرآن بتحريمه والرضاع كالنسب والجمع بين
المرأة وعمتها أوخالتها ومازاد على العدد
المباح للحر والعبد وإذا تزوج العبد بغير إذن
سيده فنكاحه باطل وإذا عتقت الأمة ملكت أمر
نفسها وخيرت في زوجها ويجوز فسخ النكاح بالعيب
ويقر من أنكحة الكفار إذا أسلموا مايوافق
الشرع وإذا أسلم أحد الزوجين انفسخ النكاح
وتجب العدة فإن أسلم ولم
(2/207)
تتزوج المرأة
كانا على نكاحهما الأول ولو طالت المدة إذا
اختارا ذلك.
أقول: أما نكاح المتعة فلا خلاف أنه قد كان
ثابتا في الشريعة كما صرح به القرآن {فَمَا
اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ
أُجُورَهُنَّ} [النساء:24] ولما في الصحيحين
من حديث ابن مسعود قال: كنا نغزو مع النبي صلى
الله عليه وسلم ليس معنا نساء فقلنا ألا نختصى
فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك
ثم رخص لنا بعد أن تنكح المرأة بالثوب إلى
أجل" وفي الباب أحاديث وثبت النسخ من حديث
جماعة فأخرج مسلم وغيره من حديث سبرة الجهنى
أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم فتح مكة
فأذن لهم رسول الله صلى في متعة النساء" قال:
فلم يخرج حتى حرمها رسول الله صلى الله عليه
وسلم وفي لفظ من حديثه "وأن الله حرم ذلك إلى
يوم القيامة" وأخرج الترمذي عن ابن عباس "إنما
كانت المتعة في أول الإسلام حتى نزلت هذه
الآية {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا
مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المعارج:30] وفي
الصحيحين من حديث علي رضي الله عنه أن النبي
صلى الله عليه وسلم "نهى عن متعة النساء يوم
خبير" والأحاديث في هذا الباب كثيرة والخلاف
طويل وقد استوفيت ذلك في شرح المنتقى ورواية
من روى تحريمها إلى يوم الفيامة هي الحجة في
هذا الباب.
وأما تحريم التحليل فلحديث ابن مسعود عند أحمد
والنسائي والترمذي وصححه قال: لعن رسول الله
صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له" وصححه
أيضا ابن القطان وابن دقيق العيد وله طريق
أخرى أخرجها عبد الرزاق وطريق ثالثة أخرجها
إسحاق في مسنده وأخرج أحمد وأبوداود وابن ماجه
والترمذي وصححه ابن السكن من حديث على مثله
وأخرج ابن ماجه والحاكم من حديث عقبة بن عامر
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ألا
أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا بلى يا رسول
الله قال: "هو المحلل لعن الله المحلل والمحلل
له" وفي إسناده يحيى بن عثمان وهو ضعيف وقد
أعل بالإرسال وأخرج أحمد والبيهقي والبزار
وابن أبي حاتم والترمذي في العلل من حديث أبي
هريرة نحوه وحسنه
(2/208)
البخاري وأخرج
الحاكم والطبراني في الأوسط من حديث عمر أنهم
كانوا يعدون التحلل سفاحا في عهد رسول الله.
وأما تحريم الشغار فلثبوت النهي عنه كما في
حديث ابن عمر في الصحيحين وغيرهما أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار وأخرج
مسلم رحمه الله من حديث أبي هريرة قال: نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشغار"
والشغار أن يقول الرجل زوجني ابتنك على أن
أزوجك ابنتي أو زوجني أختك على أن أزوجك أختي
وأخرج مسلم أيضا من حديث ابن عمر أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: "لا شغار في الإسلام" وفي
الباب أحاديث قال ابن عبد البر: أجمع العلماء
على أن نكاح الشغار لا يجوز ولكن اختلفوا في
صحته والجمهور على البطلان قال الشافعي: هذا
النكاح باطل كنكاح المتعة وقال: أبو حنيفة
جائز ولكل واحدة منهما مهر مثلها.
وأما كونه يجب على الزوج الوفاء بشرط المرأة
فلحديث عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم "أحق الشروط أن يوفى به ما
استحللتم به الفروج" وهو في الصحيحين وغيرهما.
وأما الشرط الذي يحل الحرام ويحرم الحلال فلا
يحل الوفاء به كما ورد بذلك الدليل وقد ثبت
النهي عن اشتراط أمور كحديث أبي هريرة في
الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم
نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه أو يبيع على
بيعه ولا تسأل المرأة عن طلاق أختها لتكفأ ما
في صحفتها فإنما رزقها الله" وأخرج أحمد من
حديث عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: "لا يحل أن ينكح المرأة بطلاق أخرى"
.
وأما كونه يحرم على الرجل أن ينكح زانية أو
مشركة والعكس فلما أخرجه أحمد باسناد رجاله
ثقات والطبراني في الكبير والأوسط من حديث عبد
الله بن عمرو أن رجلا من المسلمين استأذن رسول
الله صلى الله عليه وسلم في امرأة يقال: لها
أم
(2/209)
مهزول كانت
تسافح وتشترط له أن تنفق عليه فقرأ عليه النبي
صلى الله عليه وسلم {وَالزَّانِيَةُ لا
يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ }
[النور:3] وأخرج أبو داود والنسائي والترمذي
وحسنه من حديث ابن عمر أن مرثد بن أبي مرثد
الغنوي كان يحمل الأساري بمكة وكان بمكة بغي
يقال: لها عناق وكانت صديقته قال: "فجئت النبي
صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله أنكح
عناقا قال: فسكت عني فنزلت الآية
{وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ
أَوْ مُشْرِكٌ } [النور:3] فدعاني وقرأها علي
وقال: "لا تنكحها" وأخرج أبو داود بإسناد
رجاله ثقات من حديث أبي هريرة قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم "الزاني المجلود لا
ينكح إلا مثله" وأخرج ابن ماجه والترمذي وصححه
من حديث عمرو بن الأحوص أنه شهد حجة الوداع مع
النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى
عليه وذكر ووعظ ثم قال : "استوصوا في النساء
خيرا فإنما هن عندكم عوان ليس تملكون منهن
شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن
فعلن فاهجرون في المضاجع واضربوهن ضربا غير
مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا" وأخرج
أبو داود والنسائي من حديث ابن عباس رضي الله
عنهما قال: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه
وسلم فقال: إن امرأتي لا تمنع يد لامس قال:
غربها قال: أخاف أن تتبعها نفسي قال: فاستمتع
بها" قال: المنذري رجال إسناده محتج بهم في
الصحيح وإنما قال: والعكس لأن هذا الحكم لا
يختص بالرجل دون المرأة كما يفيد ذلك الآية
الكريمة
{الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ
مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا
إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} [النور:3]
وأما كونه ويحرم من صرح القرآن بتحريمة لقوله
تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ} [النساء:23]
إلى آخره ثم قال: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا
وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء:24].
وأما كون الرضاع كالنسب فلحديث ابن عباس في
الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: "يحرم من الرضاع ما يحرم من الرحم" وفي
لفظ "من النسب" وفيهما أيضا من حديث عائشة
مرفوعا "يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة"
وأخرج أحمد والترمذي وصححه من حديث علي قال:
قال رسول الله
(2/210)
صلى الله عليه
وسلم "إن الله حرم من الرضاع ما حرم من النسب"
قال أهل العلم: والمحرمات من الرضاع سبع الأم
والأخت بنص القرآن والبنت والعمة والخلة وبنت
الأخ وبنت الأخت لأن هؤلاء يحرمن من النسب
فيحرمن من الرضاع وقد وقع الخلاف هل يحرم من
الرضاع ما يحرمن من الصهار وقد حقق الكلام في
ذلك ابن القيم قدس الله روحه في الهدي.
وأما كونه يحرم الجمع بين المرأة وعمتها أو
خالتها فلحديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما
قال: "نهى أن يجمع بين المرأة وعمتها وبين
المرأة وخالتها" وفي لفظ لهما نهى رسول الله
صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على عمتها
أو خالتها" في لفظ لهما نهى أن يجمع بين
المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها" وفي الباب
أحاديث وقد حكى الترمذي المنع من ذلك عن عامة
أهل العلم وقال: لا نعلم بينهم اختلافا في ذلك
قال: ابن المنذر لست أعلم في منع ذلك اختلافا
اليوم وقد حكى الإجماع أيضا الشافعي والقرطبي
وابن عبد البر.
وأما تحريم مازاد على العدد المباح فلحديث قيس
بن الحارث قال: أسلمت وعندي ثمان نسوة فأتيت
النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال:
أختر منهن أربعا" أخرجه أبو داود وابن ماجه
وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى
وقد ضعفه غير واحد من الأئمة وقال ابن عبد
البر: ليس له إلا حديث واحد ولم يأت من وجه
صحيح ويؤيده ماسيأتي فيمن أسلم وعنده أكثر من
أربع. وأما الاستدلال بقوله تعالى: {مَثْنَى
وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء:3] ففيه ما أو
ضحته في شرح المنتقى وفي حاشية الشفاء وقد قيل
إنه لاخلاف في تحريم الزيادة على الأربع وفيه
نظر كما أوضحته هنالك.
وأما العدد الذي يحل للعبد فقد حكى البيهقي
وابن أبي شيبة أنه أجمع الصحابة على أنه لا
ينكح العبد أكثر من اثنين وكذلك حكى إجماع
الصحابة الشافعي وروى الدارقطني عن أنه قال:
ينكح العبد امرأتين ويطلق تطلقتين وسيأتى ما
ورد في طلاق الأمة والعدة في باب العدة فمن
قال: إجماع الصحابة حجة كفاه إجماعهم ومن لم
يقل بحجة إجماعهم أجاز للعبد ما يجوز للحر من
العدد وقد أوضحت حكم الإجماع في أول حاشية
الشفاء.
(2/211)
وأما بطلان
نكاح العبد إذا تزوج بغير إذن سيده فلحديث
جابر عند أحمد وأبي داود والترمذي وابن حبان
والحاكم وصححاه قال: قال صلى الله عليه وسلم
"من تزوج بغير إذن سيده فهو عاهر " وأخرجه
أيضا ابن ماجه من حديث ابن عمر قال الترمذي:
لا يصح إنما هو جابر وأخرجه أبوداود ج من حديث
ابن عمر أيضا وفي إسناده مندل بن علي وهو ضعيف
وقد ذهب إلى عدم صحة عقد العبد بغير إذن مولاه
الجمهور وقال: مالك أن العقد نافذ ولسيده فسخة
ورد بأن العاهر الزاني والزنا باطل وفي رواية
من حديث جابر بلفظ باطل.
وأما كون الأمة إذا عتقت ملكت أمر نفسها وخيرت
في زوجها فلحديث عائشة في صحيح مسلم وغيره أن
بريرة خيرها النبي صلى الله عليه وسلم وكان
زوجها عبدا وكذا في صحبح البخاري من حديث ابن
عباس رضي الله عنهما وفي حديث آخر لعائشة عند
أحمد وأهل السنن أن زوج بريرة كان حرا وقد
اختلفت الروايات في ذلك وقد اختلف أهل العلم
في ثبوت الخيار إذا كان الزوج حرا فذهب
الجمهور إلى أنه لا يثبت وجعلوا العلة في
الفسخ عدم الكفاءة وقد وقع في بعض الروايات أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: لبريرة "ملكت
نفسك فاختاري" فإن هذا يفيد أنه لا فرق بين
الحر والعبد.
وأما كونه يجوز فسخ النكاح بالعيب فلحديث كعب
بن زيد أو زيد بن كعب أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم تزوج امرأة من بنى غفار فلما دخل
عليها ووضع ثوبه وقعد على الفراش أبصر بكشحها
بياضا فانحاز عن الفراش ثم قال: خذي عليك
ثيابك ولم يأخذ مما آتاها شيئا أخرجه أحمد
وسعيد بن منصور وابن عدى والبيهقي وأخرجه من
حديث كعب بن عجرة الحاكم في المستدرك وأخرجه
أبو نعيم في الطب والبيهقي من حديث ابن عمر
وفي الحديث اضطراب وروى مالك في المؤطأ
والدارقطني وسعيد بن منصور والشافعي وابن أبي
شيبة عن عمر أنه قال: "أيما امرأة غُرّ بها
رجل بها جنون أو جذام أو برص فلها مهرها بما
أصاب منها وصداق الرجل على من غره" . ورجال
إسناده
(2/212)
ثقات وفي الباب
عن على عند سعيد بن منصور وقد ذهب الجمهور من
أهل العلم إلى أن النكاح يفسخ بالعيوب وإن
اختلفوا في تفاصيل ذلك وروى عن علي وعمر وابن
عباس أنها لاترد النساء إلا بالعيوب الثلاثة
المذكورة والرابع الداء في الفرج وذهب بعض أهل
العلم إلى أن المرأة ترد بكل عيب ترد به
الجارية في البيع ورحجه ابن القيم رحمه الله
تعالى واحتج له في الهدى بالقياس على البيع
وذهب البعض إلى أن المرأة ترد الزوج بتلك
الثلاثة وبالجب والعنة والخلاف في هذا البحث
طويل.
وأما كونه يقر من أنكحة الكفار إذا اسلموا ما
يطابق الشرع فلحديث الضحاك بن فيروز عن أبيه
عند أحمد وأهل السنن والشافعي والدارقطني
والبيهقي وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان قال:
أسلمت وعندي امرأتان أختان فأمرني النبي صلى
الله عليه وسلم أن أطلق أحدهما وأخرج أحمد
وابن ماجه والترمذي والشافعي والحاكم وصححه عن
ابن عمر قال: "أسلم غيلان الثقفي وتحته عشرة
نسوة في الجاهلية فأسلمن معه فإمره رسول الله
صلى الله عليه وسلم أن يختار منهن أربعا" وقد
أعل الحديث بأن الثابت منه إنما هو قول عمر
كما قال: البخاري.
وأما كونه إذا أسلم أحد الزوجين انفسخ النكاح
ووجبت العدة فلحديث ابن عباس عند البخاري قال:
"كان إذا هاجرت المرأة من أهل الحرب لم تخطب
حتى تحيض وتطهر فإذا طهرت حل لها النكاح وإن
جاء زوجها قبل أن تنكح ردت إليه" وأخرج مالك
في الموطأ عن الزهري أنه قال: ولم يبلغنا أن
امرأة هاجرت إلى الله ورسوله وزوجها كافر مقيم
بدار الحرب إلافرقت هجرتها بينها وبين زوجها
إلاأن يقدم زوجها مهاجرا قبل أن تنقضي عدتها.
وأما كون من أسلم ولم تتزوج امرأته يكونان على
نكحاهما الأول ولو طالت المدة إذا اختارا ذلك
فلحديث ابن عباس عند أحمد وأبي داود وصححه
الحاكم أن صلى الله عليه وسلم صلى رد ابنته
زينب على أبي العاص زوجها بنكاحها الأول بعد
سنتين ولم يحدث شيئا وفي لفظ ولم يحدث صداقا
وفي لفظ للترمذي ولم يحدث
(2/213)
نكاحا وقال:
هذا حديث حسن ليس بإسناده بأس وأخرج الترمذي
وابن ماجه من حديث ابن عمرو أن النبي صلى الله
عليه وسلم ردها على أبي العاص بمهر جديد ونكاح
جديد وفي إسناده الحجاج بن أرطاة وهوضعيف
وحديث ابن عباس أصح كما صرح بذلك الحفاظ وقد
ذهب إلى مادل عليه حديث ابن عباس جماعة من
الصحابة ومن بعدهم لا كما نقله ابن عبد البر
من الإجماع على أنه لا يبقى العقد بعد انقضاء
العدة ولا مانع من جعل حديث ابن عباس وما ورد
في معناه مخصصا لما ورد من أن العدة إذا انقضت
فقد ذهب العقد ولم تحل للزوج إلا بعقد جديد.
(2/214)
فصل في بيان وجوب المهر وكراهة المغالاة فيه
والمهر واجب وتكره المغالاة فيه ويصح ولو
خاتما من حديد أوتعليم قرآن ومن تزوج امرأة
ولم يسم لها صداقا فلها مهر نسائها إذا دخل
بها ويتسحب تقديم شيء من المهر قبل الدخول
وعليه إحسان العشرة وعليها الطاعة ومن كانت له
زوجتان فصاعدا عدل بينهن في القسم وما تدعوا
الحاجة إليه وإذا سافر أقرع بينهن وللمرأة أن
تهب نوبتها أو تصالح الزوج على إسقاطها ويقيم
عند الجديدة البكر سبعا والثيب ثلاثا ولايجوز
العزل ولا إتيان المرأة في دبرها.
أقول أما كون المهر واجبا فلأنه صلى الله عليه
وسلم لم يسوغ نكاحا بدون مهر أصلا وفي الكتاب
العزيز {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ
نِحْلَةً } [النساء:4] وقوله: {فَلا
تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً} [النساء:20] وقال
: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى
بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} [النساء:21] الآية
وقال تعالى: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ
تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ
أُجُورَهُنَّ} [الممتحنة:10] وقد أخرج أبو
داود والنسائي والحاكم وصححه من حديث ابن عباس
أن النبي صلى الله عليه وسلم منع عليا أن يدخل
(2/214)
بفاطمة حتى
يعطيها شيئا ولما قال: ما عندي شيء قال: فأين
درعك الحطيمة فأعطاه إياها" وحديث سهل
ابن سعد الآتي قريبا من أعظم الأدلة على وجوب
المهر.
وأما كراهة المغالاة في المهور فلحديث عائشة
وعند الطبراني في الأوسط أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: "إن أعظم النكاح بركة
أيسره مؤنة" وفي إسناده ضعف وفي صحيح مسلم عن
أبي هريرة قال: "جاء رجل إلى النبي صلى الله
عليه وسلم فقال: إني تزوجت امرأة من الأنصار
فقال: له النبي صلى الله عليه وسلم "هل نظرت
إليها فإن في عيون الأنصار شيئا" قال: قد نظرت
إليها قال: "على كم تزوجتها" قال: على أربع
أواق فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: على
أربع أواق كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا
الجبل ما عندنا ما نعطيك ولكن عسى أن نبعثك في
بعث تصيب منه" قال: فبعث بعثا إلى بنى عبس بعث
ذلك الرجل فيهم" وأخرج أبو داود والحاكم وصححه
من حديث عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم "خير الصداق أيسره" وعن عائشة
أنه كان صداق النبي صلى الله عليه وسلم
لأزواجه اثني عشرة أوقية" ونشا أي نصفا وهو في
صحيح مسلم وغيره.
وأما كونه يصح باليسير ولو خاتما من حديد أو
تعليم قرآن فلما أخرجه أحمد وابن ماجه
والترمذي وصححه من حديث عامر ابن ربيعه أن
امراة من بني فزارة تزوجت على نعلين فقال:
رسول الله أرضيت عن نفسك ومالك بنعلين قالت:
نعم فأجازه" وأخرج أحمد وأبو داود من حديث
جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لو أن رجلا أعطى امرأة صداقا ملء يديه طعاما
كانت له حلالا" وفي إسناده ضعف وأخرج
الدارقطني من حديث لأبي سعيد في المهر "ولو
على سواك من أراك" وفي الصحيحين وغيرهما من
حديث سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم
جاءته امرأة فقالت: يارسول الله إني قد وهبت
نفسي لك فقامت قياما طويلا فقام رجل فقال:
يارسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل عندك
من شيء تصدقها إياه؟
(2/215)
قال: ما عندي
إلا إزاري فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن
أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك فالتمس شيئا
فقال: ما أجد شيئا قال: التمس ولو خاتما من
حديد فالتمس فلم يجد شيئا فقال: النبي صلى
الله عليه وسلم: "هل معك من القرآن شيء" ؟
قال: نعم سورة كذا وسورة كذا لسور سماها فقال
له النبي صلى الله عليه وسلم : "قد زوجتكما
بما معك من القرآن" ولا يعارض ما ذكر حديث
"لامهر أقل من عشرة دراهم" عند الدارقطني من
حديث جابر لأن في إسناده مبشر بن عبيد وحجاج
بن أرطاة وهما ضعيفان.
وأما كون من تزوج امرأة ولم يسم لها صداقا
فلها مهر نسائها فلحديث علقمة عند أحمد وأهل
السنن والحاكم والبيهقي وصححه الترمذي وابن
حبان قال: أتى عبد الله يعني ابن مسعود في
امرأة تزوجها رجل ثم مات عنها ولم يفرض لها
صداقا ولم يكن دخل بها قال: فاختلفوا إليه
فقال: أرى لها مثل مهر نسائها ولها الميراث
وعليها العدة فشهد مقعل بن سنان الأشجعي أن
النبي صلى الله عليه وسلم قضى في بروع ابنة
واشق بمثل ما قضى".
وأما كونه يستحب تقديم شيء من المهر قبل
الدخول فلحديث ابن عباس المتقدم قريبا وأخرج
أبوداود وابن ماجه من حديث عائشة قالت: أمرني
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أدخل امرأة
على زوجها قبل أن يعطيها شيئا" ولا يعارض هذا
الحديث ابن عباس فإن غاية ما فيه يدل على أن
تقدمه شيء من المهر قبل الدخول غير واجبة ولا
ينفي كونها مستحبة.
وأما كون الزوج حسن العشرة فلقوله تعالى:
{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19]
وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة "أن
المرأة كالضلع إذا ذهبت تقيمها كسرتها وإن
تركتها استمتعت بها على عوج فاستوصوا بالنساء"
وأخرج أحمد والترمذي وصححه من حديث أيضا قال:
رسول الله صلى الله عليه وسلم " أكمل المؤمنين
إبمانا أحسنهم حلقا وخياركم خياركم
(2/216)
لنسائهم" وأخرج
الترمذي وصححه من حديث عائشة قالت: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله
وأنا خيركم لأهلي" .
وأما كون عليها الطاعة فلقوله تعالى: {فَإِنْ
أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ
سَبِيلاً}[ النساء:34] وفي الصحيحين وغيرهما
من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم "إذا دعا الرجل امرأته إلى
فراشه فأبت أن تجيء فبات عضبان عليها لعنتها
الملائكة حتى تصبح" وأخرج أهل السنن وصححه
الترمذي من حديث عمرو ابن الأحوص أنه شهد حجة
الوداع مع النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله
وأثنى عليه وذكر ووعظ ثم قال: "استوصوا
بالنساء خيرا فإنما هن عندكم عوان لستم تملكون
منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة
فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا
غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن
لكم من نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا فأما
حقكم على نسائكم فلا يوطئن فراشكم من تكرهون
ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ألا وحقهن
عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن" وفي
الباب أحاديث كثيرة.
وأما العدل بين الزوجات في القسمة وما تدعو
إليه الحاجة فلحديث أبي هريرة عند أحمد وأهل
السنن والدارمي وابن حبان والحاكم وقال:
إسناده على شرط الشيخين وصححه الترمذي عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كانت له
امرأتان يميل لإحداهما عن الأخرى جاء يوم
القيامة يجر أحد شقيه ساقطا أو مائلا" وقد كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقسم بين نسائه
فكن يجتمعن كل ليلة في بيت الذي تأتيها كما في
الصحيح وأخرج أهل السنن وابن حبان والحاكم
وصححاه من حديث عائشة قالت: كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقسم فيعدل ويقول: "اللهم هذا
قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك"
. وأما الإقراع بينهن في السفر فلحديث عائشة
في الصحيحين وغيرهما أن النبي إذا كان أراد أن
يخرج سفرا أقرع بين أزواجه فأيهن خرج سهمها
خرج بها".
(2/217)
وأما كون
للمرأة أن تهب نوبتها أو تصالح الزوج عليها
فلحديث عائشة في الصحيحين وغيرهما "أن سودة
بنت زمعة وهبت يومها لعائشة وكان النبي صلى
الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة"
وفي الصحيحين عن عائشة في تفسير قوله: تعالى {
فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا
بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}
[النساء:128] قالت: "هي المرأة تكون عند الرجل
لا يستكثر منها فيريد طلاقها وتزوج غيرها
فتقول له أمسكني ولا تطلقني ثم تزوج غيري وأنت
في حل من النفقة علي والقسم لى".
وأما كونه يقيم عند الجديدة البكر سبعا والثيب
ثلاثا فلحديث أم سلمة عند مسلم رحمه الله
تعالى وغيره "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما
تزوجها أقام عندها ثلاثة أيام" وفي الصحيحين
من حديث أنس قال: "من السنة إذا تزوج البكر
على الثيب أقام عندها سبعا ثم قسم وإذا تزوج
الثيب أقام عندها ثلاثا ثم قسم" وفي الباب
أحاديث.
وأما كونه لا يجوز العزل فلحديث جذامة بنت وهب
الأسدية أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن العزل فقال: "ذلك الوأد الخفي" أخرجه
مسلم رحمه الله وغيره وأخرج أحمد وابن ماجه عن
عمر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
يعزل عن الحرة إلا بإذنها وفي إسناده ابن
لهيعة وفيه مقال: وأخرج عبد الرزاق والبيهقي
من حديث ابن عباس قال: نهى عن عزل الحرة إلا
بإذنها وقد استدل من جوز العزل بحديث جابر في
مسلم وغيره قال:"كنا نعزل على عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل" وفي رواية
فبلغه ذلك فلم ينهنا ومن غايته أن جابر لم
يعلم بالنهي1 وقد علمه غيره وأما مافي
الصحيحين من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: لما سألوه عن العزل "ما عليكم
أن لا تفعلوا فإن الله عز وجل قد كتب ما هو
خالق إلى يوم القيامة" فقد قيل إن معناه النهى
وقيل إن معناه ليس عليكم أن تتركوا وغايته
الاحتمال فلا يصلح للاستدلال وأخرج أحمد
ـــــــ
1 أقول: النهي مقيد بعدم إذن الحرة ! هـ من
هامش الأصل.
(2/218)
والترمذي
والنسائي بإسناد رجاله ثقات قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم في العزل "أنت تخلقه
أنت ترزقه أقره قراره فإنما ذلك القدر" وأخرج
أحمد ومسلم من حديث أسامة ابن زيد أن رجلا جاء
إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أعزل
عن امرأتي فقال: له رسول الله صلى الله عليه
وسلم "لم تفعل ذلك فقال: إني أشفق على ولدها
فقال: له رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان
ضارا ضر فارس والروم" وقد حكى ابن عبد البر
الإجماع على أنه لا يعزل عن الزوجة الحرة إلا
بإذنها تعقب بأن الشافعية تقول لاحق للمرأة في
الحماع.
وأما كونه لايجوز إتيان المرأة في دبرها
فلحديث أبي هريرة عند أحمد وأهل السنن والبزار
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ملعون
من أتى المرأة في دبرها" وفي إسناده الحارث بن
مخلد لا يعرف حاله وأخرج أحمد والترمذي وأبو
داود من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: "من أتى حائضا أو امرأة في
دبرها أو كاهنا فصدقه فقد كفر بما أنزل على
محمد" وفي إسناده أبو تميمة عنه قال: البخاري
لا يعرف لأبي تميمة سماع من أبي هريرة وقال:
البزار هذا حديث منكر وفي إسناده أيضا حكيم بن
الأثرم قال: البزار لا يحتج به وما تفرد به
فليس بشيء وأخرج أحمد وابن ماجه من حديث خزيمة
بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن
يأتى الرجل امرأته في دبرها وفي إسناده عمر
ابن أحيحة وهو مجهول وفي الباب عن علي ابن أبي
طالب عند أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تأتوا
النساء في أعجازهن" أو قال: في أدبارهن
وإسناده ثقات وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
عند أحمد والنسائي أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: " الذي يأتي امرأته في دبرها هي
اللوطية الصغرى" وفي الباب أحاديث وبعضها يقوي
بعضا وحكى عن بعض أهل العلم الجواز واستدلوا
بقوله: تعالى {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى
شِئْتُمْ} [البقرة:223] والبحث طويل لا يتسع
المقام لبسطه.
(2/219)
فصل: والولد للفراش ولا عبرة بشبهه بغير صاحبه
وإذا اشترك ثلاثة في وطء أمة في طهر ملكها كل
واحد منهم فيه جاءت بولد وادعوه جميعا فيقرع
بينهم ومن استحقه بالقرع فعليه للآخرين ثلثا
الدية.
أقول: أما كون الولد للفراش ولا عبرة بشبهه
بغير صاحبه فلحديث أبي هريرة في الصحيحين
وغيرهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "الولد للفراش وللعاهر الحجر" وفيها
أيضا من حديث عائشة قالت: "اختصم سعد ابن أبي
وقاص وعبد بن زمعة إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال: سعد يارسول الله ابن أخي عتبة
بن أبي وقاص عهد إلي فيه أنه ابنه انظر إلى
شبهة وقال: عبد بن زمعة هذا أخي يا رسول الله
ولد على فراش أبي فنظر رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى شبهه فرأى شبها بينا بعتبة
وقال: هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش
وللعاهر الحجر واحتجبي منه يا سودة بنت زمعة".
وأما كونه إذا اشترك ثلاثة إلى آخره فلما
أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي من
حديث زيد بن أرقم "قال: أتى علي وهو باليمن
بثلاثة وقعوا على امرأة في طهر واحد فسأل
اثنين فقال: أتقران لهذا بالولد قالا لا ثم
سأل اثنين أتقرأن لهذا بالولد قالا لا فجعل
كلما سأل اثنين أتقران لهذا بالولد قالا لا
فأقرع بينهم فألحق بالذي أصابته القرعة وجعل
عليه ثلثى الدية فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه
وسلم وضحك حتى بدت نواجذه" وأخرجه النسائي
وأبو داود موقوفا على علي بإسناد أجود من
الأول لأن في الاسناد الأول يحيى بن عبد الله
الكندى المعروف بالأجلح وقد وثقه ابن معين
والعجلي وضعفه النسائي بمالا يوجب ضعفا وقد
أخذ بالقرعة مطلقا مالك والشافعي وأحمد
والجمهور حكى ذلك عنهم ابن رسلان في كتاب
العتق في شرح السنن وقد ورد العمل بها في
مواضع هذا منها.
(2/220)
|