الدرر البهية والروضة الندية والتعليقات الرضية

 (الكتاب الخامس عشر: كتاب اللباس)

(3/107)


(15 - كتاب اللباس)
( [دليل وجوب ستر العورة في الملإ والخلاء] :)
(ستر العورة واجب في الملأ والخلاء) ؛ لحديث حكيم بن حزام، عن أبيه، عند أحمد، وأبي داود، وابن ماجه، والترمذي - وحسنه -، والحاكم - وصححه - (1) ، قال: قلت: يا رسول الله! عوراتنا ما نأتي منها؟ وما نذر؟ فقال: " احفظ عورتك؛ إلا من زوجتك، أو ما ملكت يمينك "، قلت: فإذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: " إن استطعت أن لا يراها أحد فلا يرينها "، فقلت: فإذا كان أحدنا خاليا؟ قال: " فالله تبارك وتعالى أحق أن يستحيا منه " (2) .
__________
(1) • ووافقه الذهبي في " تلخيصه " ل " المستدرك " (4 / 180) . (ن)
(2) • ظاهره يدل على وجوب ستر العورة في الخلوة، وفيه خلاف؛ وقد حمله الشافعية على الندب.
قال المناوي: " وممن وافقهم ابن جرير، فأول الخبر في " الآثار " على الندب، قال: لأن الله - تعالى - لا يغيب عنه شيء من خلقه؛ عراة أو غير عراة ".
وإلى هذا ذهب البخاري؛ حيث قال: " باب من اغتسل عريانا وحده في الخلوة، ومن تستر؛ فالستر أفضل ".
ثم ساق هذا الحديث معلقا، وحديث أبي هريرة مسندا في اغتسال موسى وأيوب - عليهما السلام - في الخلاء عريانين.
قال الحافظ: " ووجه الدلالة منه على ما قال ابن بطال؛ أنهما ممن أمرنا بالاقتداء بهما، وهذا إنما يأتي على رأي من يقول: شرع من قبلنا شرع لنا، والذي يظهر أن وجه الدلالة منه أن النبي صلى الله عليه وسلم قص القصتين ولم يتعقب شيئا منهما، فدل على موافقتهما؛ وإلا فلو كان فيهما شيء غير موافق؛ لبينه، فعلى هذا يجمع بين الحديثين بحمل حديث بهز على الأفضل، وإليه أشار في الترجمة، ورجح بعض الشافعية تحريمه، والمشهور عند متقدميهم - كغيرهم - الكراهة ". (ن)

(3/109)


وقد اختلف أهل العلم في حد العورة، وكذلك اختلفت الأدلة، وقد استوفاها الماتن في " شرح المنتقى ".
( [حكم لباس الحرير للذكور والإناث] :)
(ولا يلبس الرجل الخالص من الحرير) ؛ لحديث عمر في " الصحيحين "، وغيرهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تلبسوا الحرير، فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ".
وفيهما نحوه من حديث أنس.
وفيهما - وغيرهما - من حديث ابن عمر: أنه رأى عمر حلة من إستبرق، فأتى بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! ابتع هذه فتجمل بها للعيد وللوفود، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما هذه لباس من لا خلاق له ".
وأخرج أحمد، والنسائي، والترمذي وصححه من حديث أبي موسى: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" أحل الذهب والحرير للإناث من أمتي، وحرم على ذكورها "، وفي إسناده سعيد بن أبي هند، عن أبي موسى، قال أبو حاتم: إنه لم يلقه.
وقد صححه (1) أيضا ابن حزم.
وروي من حديث علي عند أحمد، وأبي داود، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان، قال: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم حريرا فجعله في يمينه، وأخذ ذهبا فجعله
__________
(1) وهو الصواب؛ فانظر " إرواء الغليل " (277) .

(3/110)


في شماله، ثم قال: " إن هذين حرام على ذكور أمتي "، زاد ابن ماجه: " حل لإناثهم "، وهو حديث حسن.
وأخرج البيهقي بإسناد حسن نحوه.
وأخرج البزار من حديث عمرو بن جرير البجلي (1) نحوه أيضا، وفي إسناده قيس بن أبي حازم.
وفي الباب أحاديث.
وقد ذكر المهدي في " البحر " أنه مجمع على تحريم الحرير للرجال، وقال فيه: إنه خالف في ذلك ابن علية.
وانعقد الإجماع بعده على التحريم.
وقال القاضي عياض: إنه حكي عن قوم إباحته.
وقال أبو داود: إنه لبس الحرير عشرون نفسا من الصحابة.
( [الخلاف في جواز لبس الحرير المشوب] :)
__________
(1) هنا خطأ غريب؛ فإن عبارة " نيل الأوطار " نصها: " وعن عمر - يعني: في الباب - عند البزار والطبراني، وفيه عمرو بن جرير البجلي؛ قال البزار: لين الحديث ".
وهذا هو الصواب؛ لأنه ليس في الصحابة من اسمه عمرو بن جرير البجلي؛ بل عمرو بن جرير أبو سعيد البجلي؛ يروي عن إسماعيل بن أبي خالد؛ كذبه أبو حاتم، وقال الدارقطني: متروك الحديث، وله ترجمة في " لسان الميزان " (ج 4: ص 358) .
وقيس بن أبي حازم - الذي أعل به الشارح الحديث اعتباطا -؛ تابعي جليل ثقة إمام، روى له الشيخان وغيرهما. (ش)

(3/111)


وقد اختلف أهل العلم في الحرير المشوب بغيره.
واستدل المانعون من لبسه بما ورد من منعه صلى الله عليه وسلم للبس حلة السيراء؛ كما في " الصحيحين " من حديث علي، ولكنه قد وقع الخلاف في تفسير حلة السيراء ما هي؟
فقيل: إنها ذات الخطوط، وقيل: المختلفة الألوان.
وهذان التفسيران لا يدلان على مطلوب من استدل بذلك على المنع من لبس المشوب؛ على أنه قد قيل: إنه الحرير المحض.
واستدل من لم يقل بتحريم المشوب - بل حرم الخالص فقط - بمثل حديث ابن عباس عند أحمد، وأبي داود، قال:
" إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثوب المصمت من قز "، وفي إسناده خصيف بن عبد الرحمن، وفيه ضعف (1) .
والمصمت بضم الميم الأولى، وفتح الثانية المخففة؛ وهو: الذي جميعه حرير لا يخالطه قطن ولا غيره.
وهذا البحث طويل الذيول.
__________
(1) • لكن تابعه عكرمة بن خالد - وهو ثقة - عند أحمد (رقم 2858) ، وعنه الحاكم (4 / 192) ؛ وقال: " صحيح على شرطهما "، ووافقه الذهبي؛ وإنما هو على شرط البخاري فقط، وصححه أيضا الحافظ في " الفتح " (10 / 242) ، قال:
" وأخرجه الطبراني بسند حسن؛ بلفظ: إنما نهى رسول الله عن الثوب المصمت من الحرير، فأما العلم من الحرير، وسدى الثوب؛ فلا بأس به ". (ن)

(3/112)


أقول: مسألة تحريم مشوب الحرير من المعارك التي تحتمل البسط.
قال الماتن في " حاشية الشفاء ":
" وقد طالت المراجعة فيها بيني وبين شيخي المجتهد المطلق السيد عبد القادر بن أحمد الكوكباني - رحمه الله - أيام قراءتي عليه، فكان جميع ما حرره وحررته نحو سبع رسائل، وقد لخصت ما ظهر لي في المسألة في " شرح المنتقى " باختصار، فليرجع إليه ".
قلت: وحاصله ترجيح التحريم؛ كما قررته في " هداية السائل إلى أدلة المسائل "؛ فليراجع.
قال في " المسوي ":
" الحلة السيراء: التي فيها خطوط كالسيور، وهي برود من الحرير، أو الغالب فيها الحرير، والقسي: ثياب مضلعة من الحرير؛ أي: منقوشة بصورة الضلاع (1) وأشباهه، قيل: نسبة إلى قس قرية بساحل البحر، وقيل: إلى القز بالزاي، فأبدل من الزاي السين.
وعلى هذا أهل العلم أن الحرير حرام على الرجال دون النساء، ويرخص في موضع إصبع، أو إصبعين، أو ثلاث، أو أربع من أعلام الحرير، ورخص بعضهم في لبسه لأجل الحكة والقمل ". اه.
وفي حديث علي عند مالك: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس القسي،
__________
(1) • كذا! والصواب: " الأضلاع "، ففي " النهاية ": " القسية ... ثياب مضلعة فيها حرير؛ أي: فيها خطوط عريضة كالأضلاع ". (ن)

(3/113)


وعليه أهل العلم.
وفي " الأنوار ": " يجوز لبس الكتان والقطن والصوف والخز وإن كانت نفيسة ".
(إذا كان فوق أربع أصابع) ؛ لحديث عمر في " الصحيحين " وغيرهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبوس الحرير إلا هكذا، ورفع لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم [أصبعيه] (1) الوسطى والسبابة وضمهما.
وفي لفظ لمسلم وغيره: نهى عن لبس الحرير؛ إلا موضع أصبعين، أو ثلاثة أو أربعة (2) .
قال في " الحجة البالغة ":
" لأنه ليس من باب اللباس، وربما تقع الحاجة إلى ذلك، ونهى عن لبس الحرير والديباج والقسي والمياثر والأرجوان ". اه.
( [جواز لبس الحرير للرجال بقصد التداوي] :)
(إلا للتداوي) ؛ لحديث أنس في " الصحيحين " وغيرهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير في لبس الحرير؛ لحكة كانت بهما.
__________
(1) • كذا في " مسلم " (6 / 140) ، واللفظ له. (ن)
(2) • و " أو " هنا للتنويع والتخيير؛ فقد أخرجه ابن أبي شيبة من هذا الوجه؛ بلفظ: " إن الحرير لا يصلح منه إلا هكذا وهكذا وهكذا - يعني: إصبعين، وثلاثا، وأربعا - "، وعند النسائي بلفظ: لم يرخص في الديباج إلا في موضع أربع أصابع.
كذا في " الفتح " (10 / 236) . (ن)

(3/114)


قال في " الحجة البالغة ":
" لأنه لم يقصد حينئذ به الإرفاه، وإنما قصد به الاستشفاء ".
( [حكم افتراش الحرير] :)
(ولا يفترشه) - أي: الحرير - لحديث حذيفة عند البخاري، قال: نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نشرب في آنية الذهب والفضة، وأن نأكل فيها، وعن لبس الحرير والديباج، وأن نجلس عليه، وقال: " هو لهم في الدنيا، ولنا في الآخرة ".
وفي معنى ذلك أحاديث، وهذا نص في محل النزاع.
وأما الاسترواح بالقياس على جواز افتراش ما فيه تصاوير؛ فقياس في مقابلة النص، وهو فاسد الاعتبار.
قال ابن القيم:
" ولم لم يأت هذا النص؛ لكان النهي عن لبسه متناولا لافتراشه؛ كما هو متناول للالتحاف به، وذلك لبس لغة وشرعا؛ كما قال أنس: قمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس.
ولو لم يأت اللفظ العام المتناول لافتراشه بالنهي؛ لكان القياس المحض موجبا لتحريمه؛ إما قياس المثل؛ أو قياس الأولى.
فقد دل على تحريم الافتراش النص الخاص، واللفظ العام، والقياس الصحيح.
ولا يجوز رد ذلك كله بالمتشابه من قوله - تعالى -: {خلق لكم ما في

(3/115)


الأرض جميعا} ، ومن القياس على ما إذا كان الحرير بطانة الفراش دون ظهارته؛ فإن الحكم في ذلك التحريم على أصح القولين، والفرق على القول الآخر مباشرة الحرير وعدمها؛ كحشو الفراش.
فإن صح الفرق بطل القياس، وإن بطل الفرق منع الحكم.
وقد تمسك بعموم النهي عن افتراش الحرير طائفة من الفقهاء؛ فحرموه على الرجال والنساء، وهذه طريقة الخراسانيين من أصحاب الشافعي، وقابلهم من أباحه بنوعين.
والصواب التفصيل؛ وأن من أبيح له لبسه أبيح له افتراشه، ومن حرم عليه حرم عليه، وهذا قول الأكثرين، وهي طريقة العراقيين من الشافعية ". اه.
وفي " تنبيه الغافلين ":
" الجلوس على الحرير والالتحاف به حرام على الرجال.
وصحح الرافعي تحريم افتراشه على النساء.
وخالفه النووي في ذلك.
وحكى ابن الرفعة عن بعض العلماء أنه لا ينعقد النكاح بحضور الجالس على الحرير، واستبعد.
وحكم القز (1) في التحريم حكم الحرير على الأصح، إذا كان على صبي
__________
(1) • هي " القسي " - بفتح القاف وتشديد المهملة -؛ وهو الحرير؛ نسبته إلى " قس ": بلد على ساحل مصر من جهة الشام، كما في " الفتح ". (ن)

(3/116)


غير بالغ ثوب حرير؛ قال الغزالي:
" الصحيح أن ذلك منكر يجب نزعه عنه إن كان مميزا؛ بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: " هذان حرامان على ذكور أمتي ".
وكما يجب منع الصبي عن شرب الخمر؛ لا لكونه مكلفا؛ ولكن لكونه يأنس به، فإذا بلغ عسر عليه الصبر عنه، كذلك شهوة التزين بالحرير.
وأما الصبي الذي لا تمييز له؛ فيضعف - يعني: التحريم - في حقه، ولا تخلو عن احتمال، والعلم فيه عند الله تعالى ". هذا كلام الغزالي.
وصحح النووي الجواز مطلقا، والله - تعالى - أعلم ". اه.
وروي عن ابن عباس، وأنس: أنه يجوز افتراش الحرير، وإليه ذهب الحنفية، واستدل لهم بأن افتراش الحرير إهانة، وليس هذا مما يستدل به على المسائل الشرعية على فرض عدم المعارض؛ فكيف وقد عارضه الدليل الصحيح الصريح؟ !
( [لبس الثوب المعصفر حرام] :)
(ولا المصبوغ بالعصفر) ؛ لحديث عبد الله بن عمرو عند مسلم وغيره، قال: رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليّ ثوبين معصفرين، فقال: " إن هذه من ثياب الكفار؛ فلا تلبسها ".
وأخرج مسلم، وغيره - أيضا - من حديث علي، قال: " نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن التختم بالذهب، وعن لباس القسي،

(3/117)


وعن القراءة في الركوع والسجود، وعن لباس المعصفر ".
وفي الباب أحاديث.
والعصفر يصبغ الثوب صبغا أحمر على هيئة مخصوصة، فلا يعارضه ما ورد في لبس مطلق الأحمر؛ كما في " الصحيحين " من حديث البراء، قال: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مربوعا، بعيد ما بين المنكبين، له شعر يبلغ شحمة أذنيه، رأيته في حلة حمراء لم أر شيئا قط أحسن منه ".
وفي الباب أحاديث؛ يجمع بينها بأن الممنوع منه هو الأحمر الذي صبغ بالعصفر، والمباح هو الأحمر الذي لم يصبغ به (1) .
( [لبس ثوب الشهرة حرام] :)
(ولا ثوب شهرة) ؛ لحديث ابن عمر:
" من لبس ثوب شهرة في الدنيا؛ ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة "، أخرجه أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، ورجال إسناده ثقات (2) .
والمراد به الثوب الذي يشهر لابسه بين الناس، ويلحق بالثوب غيره من
__________
(1) • هذا هو الصواب؛ خلافا لقول ابن القيم في " الزاد " (1 / 172) : " والذي يقوم عليه الدليل؛ تحريم لباس الأحمر، أو كراهيته كراهية شديدة ".
على أني أقول: إن النهي عن المصبوغ بالعصفر معلل في حديث ابن عمر بأنه من ثياب الكفار؛ وبانتفاء العلة ينتفي المعلول، والله أعلم. (ن)
(2) • وسنده حسن، كما بينته في " حجاب المرأة المسلمة " (ص 88) (ن) .

(3/118)


الملبوس ونحوه مما يشهر به اللابس له لوجود العلة.
( [لبس ثوب الرجل للمرأة حرام، والعكس] :)
(ولا ما يختص بالنساء، ولا العكس) ؛ لحديث أبي هريرة عند أحمد، وأبي داود، والنسائي (1) : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن الرجل يلبس لبس المرأة، والمرأة تلبس لبس الرجل ".
وفي " صحيح البخاري "، وغيره من حديث ابن عباس، قال: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء ".
وفي الباب أحاديث.
( [التحلي بالذهب للرجل حرام] :)
(ويحرم على الرجال التحلي بالذهب لا بغيره) ؛ لما تقدم من الأحاديث الواردة في تحريم الذهب، وهو لا يكون إلا حلية؛ إذ لا يمكن لبسه.
وأما ما يخلط في بعض الثياب بالحرير أو بغيره، فهو فضة لا ذهب، وإن سماه الناس ذهبا.
ومن الأدلة على ذلك ما ورد في المنع من خاتم الذهب، وما ورد فيمن حلى حبيبا له ولو بخربصيصة (2) .
__________
(1) • وصححه الحاكم (4 / 194) على شرط مسلم، ووافقه الذهبي؛ فأصابا. (ن)
(2) الخربصيصة - بفتح الخاء المعجمة، وإسكان الراء، وفتح الباء، وصادين مهملتين بينهما ياء مثناة -: هي الهنة تتراءى في الرمل، لها بصيص كأنها عين جرادة.
والمراد هنا: الشيء الحقير من الحلي.
وقع في " الأصل " بالجيم بدل الخاء؛ وهو خطأ. (ش)

(3/119)


وقد جمع الماتن رسالة مستقلة في تحريم التحلي بقليل الذهب وكثيره.
وجمع أيضا رسالة مستقلة في تحلي النساء بالذهب، وهل يجوز ذلك أم لا؟ فليرجع إليهما.
قال المجد في " القاموس ": " خربصيصة؛ أي: شيء من الحلي "، ونحوه في " تاج اللغات ".
وفي " نهاية الحديث ": " الخربصيصة: الهنة التي تتراءى في الرمل، لها بصيص كأنها عين جرادة.
قال في " الحجة البالغة ": " ومن تلك الرؤوس الحلي المترفة وهنا أصلان:
أحدهما: أن الذهب هو الذي يفاخر به العجم، ويفضي جريان الرسم بالتحلي به إلى الإكثار من طلب الدنيا - دون الفضة -، ولذلك شدد النبي صلى الله عليه وسلم في الذهب وقال: " ولكن عليكم بالفضة؛ فالعبوا بها " (1) .
والثاني: أن النساء أحوج إلى التزين ليرغب فيهن أزواجهن، ولذلك جرت عادة العرب والعجم جميعا بأن يكون تزينهن أكثر من تزينهم، فوجب أن يرخص لهن أكثر مما يرخص لهم، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: " أحل الذهب والحرير للإناث من أمتي، وحرم على ذكورها ".
وقال صلى الله عليه وسلم في خاتم ذهب في يد رجل: " يعمد أحدكم إلى جمر من نار فيجعله في يده "، ورخص عليه السلام في خاتم الفضة؛ لا سيما لذي
__________
(1) • هو تمام الحديث الآتي: " من أحب ... "؛ وسنده صحيح، كما قال المنذري (2 / 273) . (ن)

(3/120)


سلطان، وقال: " ولا تتمه مثقالا " (1) ؛ ونهى النساء عن غير المقطع من الذهب، وهو ما كان قطعة واحدة كبيرة، قال: " من أحب أن يحلق حبيبه حلقة من نار فليحلقه من ذهب ".
وذكر على هذا الأسلوب الطوق والسوار.
وكذا جاء التصريح بقلادة من ذهب، وسلسلة من ذهب، وبين المعنى في هذا الحكم حيث قال: " أما إنه ليس منكن امرأة تحلى ذهبا تظهره إلا عذبت به " (2) .
وكان لأم سلمة أوضاح (3) من ذهب، والظاهر أنها كانت مقطعة.
وقال صلى الله عليه وسلم: " أحل الذهب للإناث "؛ معناه: الحل في الجملة.
هذا ما يوجبه مفهوم هذه الأحاديث، ولم أجد لها معارضا.
ومذهب الفقهاء في ذلك معلوم ومشهور، وهو التحليل مطلقا بلا فرق بين المقطع وغيره، والله - تعالى - أعلم بحقيقة الحال ".
__________
(1) • ولكنه حديث ضعيف؛ رواه أبو داود، وأحمد، واستغربه الترمذي؛ لأن فيه أبا طيبة المروزي؛ وهو ضعيف. (ن)
(2) • رواه أبو داود، والنسائي؛ عن ربعي بن خراش، عن امرأته، عن أخت لحذيفة؛ مرفوعا: " يا معشر النساء {ما لكن في الفضة ما تحلين به؟} أما إنه ... . ".
وامرأة ربعي مجهولة؛ فالحديث ضعيف. (ن)
قلت: وانظر " آداب الزفاف " (ص 259) لشيخنا.
(3) • الأوضاح؛ قال في " النهاية ": " هي نوع من الحلي يعمل من الفضة، سميت بها لبياضها، واحدها وضح ".
فلعل تسميتها هنا أوضاحا؛ مع أنها من الذهب؛ للمعانها! (ن)

(3/121)


( [حكم التختم باليمين، واليسار، والسبابة، والوسطى] :)
أقول: وأما التختم؛ فقد أخرج أبو داود من حديث عمر، والنسائي من حديث أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يتختم في يساره.
وأخرج أبو داود، والنسائي من حديث علي، والترمذي، والنسائي - أيضا - من حديث أبي رافع، أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يتختم في يمينه ".
فالكل جائز بدون كراهة، ولم يرد النهي إلا عن التختم في السبابة والوسطى؛ كما أخرجه مسلم، وأهل " السنن " من حديث علي بلفظ: نهائي أن أجعل الخاتم في هذه أو في التي تليها، وأشار إلى السبابة.

(3/122)