الدرر
البهية والروضة الندية والتعليقات الرضية (الكتاب الثاني والعشرون: كتاب المفلس)
(3/189)
(22 - كتاب
المفلس)
( [بيان ما يجوز لأهل الدين أخذه من المدين]
:)
(يجوز لأهل الدين أن يأخذوا جميع ما يجدونه معه) ؛ أي: مع المفلس (إلا ما
كان لا يستغنى عنه؛ وهو المنزل، وستر العورة، وما يقيه البرد، ويسد رمقه
ومن يعول) ؛ لحديث أبي سعيد عند مسلم، وغيره قال: أصيب رجل على عهد رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - في ثمار ابتاعها، فكثر دينه، فقال: تصدقوا
عليه، فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
لغرمائه: " خذوا ما وجدتم؛ وليس لكم إلا ذلك ".
وأخرج الدارقطني (1) ، والبيهقي، والحاكم وصححه من حديث كعب بن مالك: أن
النبي صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ ماله، وباعه في دين كان عليه.
وأخرج سعيد بن منصور، وأبو داود، وعبد الرزاق من حديث عبد الرحمن بن كعب بن
مالك مرسلا، قال: كان معاذ بن جبل شابا سخيا، وكان لا يمسك شيئا، فلم يزل
يدان؛ حتى أغرق ماله كله في الدين، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فكلمه
ليكلم غرماءه، فلو تركوا لأحد لتركوا لمعاذ لأجل رسول
__________
(1) • في " سننه " (523) ، والبيهقي (9 / 48) ، والحاكم (3 / 273) ؛ وقال:
" صحيح على شرطهما "، ووافقه الذهبي. (ن)
(3/191)
الله صلى الله عليه وسلم، فباع رسول الله
صلى الله عليه وسلم لهم ماله؛ حتى قام معاذ بغير شيء.
قال عبد الحق: المرسل أصح، وقال ابن الطلاع في " الأحكام ": هو حديث ثابت
(1) .
فأفاد ما ذكرناه أن أهل الدين يأخذون جميع ما يجدونه مع المفلس.
لكنه لم يثبت أنهم أخذوا ثيابه التي عليه، أو أخرجوه من منزله، أو تركوه هو
ومن يعول لا يجدون ما لا بد لهم منه، ولهذا ذكرنا أنه يستثنى له ذلك.
( [ما حكم من أدرك ماله عند المدين المفلس؟]
:)
(ومن وجد ماله عنده بعينه؛ فهو أحق به) ؛ لأنه كان في الأصل ماله من غير
مزاحمة، ثم باعه ولم يرض في بيعه بخروجه من يده إلا بالثمن، فكان البيع
إنما هو بشرط إيفاء الثمن، فلما لم يؤد؛ كان له نقضه ما دام المبيع قائما
بعينه، فإذا فات المبيع لم يمكن أن يرد البيع، فصار دينه كسائر الديون.
ودليله حديث حسن، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من وجد
متاعه عند مفلس بعينه؛ فهو أحق به "، أخرجه أحمد، وأبو داود (2) ، وقال ابن
حجر في " الفتح ": إسناده حسن؛ ولكن سماع الحسن، عن سمرة فيه مقال معروف.
__________
(1) ضعيف؛ وانظر " بيان الوهم والإيهام " (1 / 323) لابن القطان، و "
الإرواء " (1435) لشيخنا.
(2) • قلت: وكذا الدارقطني (301) ؛ ولفظه: " من وجد عين ماله عند رجل؛ فهو
أحق به، ويتبع البيع من باعه "؛ وهو لفظ أبي داود أيضا (2 / 108) .
ولا يخفى أنه أعم من اللفظ الذي ذكره الشارح، ومن حديث أبي هريرة الآتي.
(ن)
قلت: وانظر " ضعيف سنن أبي داود " لشيخنا.
(3/192)
وقد ثبت في " الصحيحين " من حديث أبي
هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " من أدرك ماله بعينه عند رجل
أفلس، أو إنسان قد أفلس؛ فهو أحق به من غيره ".
وفي لفظ لمسلم: أنه صلى الله عليه وسلم قال في الرجل الذي يعدم: " إذا وجد
عنده المتاع ولم يفرقه؛ أنه لصاحبه الذي باعه ".
وفي لفظ لأحمد: " أيما رجل أفلس، فوجد رجل عنده ماله، ولم يكن اقتضى من
ماله شيئا؛ فهو له ".
وأخرج الشافعي (1) ، وأبو داود، وابن ماجه، والحاكم - وصححه - عن أبي
هريرة، أنه قال في مفلس أتوه به: لأقضين فيكم بقضاء رسول الله - صلى الله
عليه وسلم -:
" من أفلس أو مات، فوجد الرجل متاعه بعينه؛ فهو أحق به ".
وأخرج مالك في " الموطأ "، وأبو داود من حديث أبي بكر بن عبد الرحمن بن
الحارث بن هشام مرسلا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " أيما رجل
باع متاعا، فأفلس الذي ابتاعه، ولم يقتض الذي باعه
__________
(1) • في " المسند " (2 / 191 - من " البدائع ") ، وأبو داود (2 / 107) ،
وكذا ابن ماجه (2 / 63) ، والحاكم (2 / 50 - 51) ، وكذا البيهقي (6 / 46) ؛
وقال الحاكم: " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي.
وهو من أوهامهما؛ فإن في سنده عند الجميع أبا المعتمر بن عمرو بن نافع؛ قال
الذهبي - نفسه - في " الميزان ": " لا يعرف "، وقال الحافظ: " مجهول الحال
"، وكذا جهله ابن عبد البر وغيره.
فالحديث ضعيف السند، منكر المتن؛ لمخالفة الطريق الآتي. (ن)
(3/193)
من ثمنه شيئا، فوجد متاعه بعينه؛ فهو أحق
به، وإن مات المشتري؛ فصاحب المتاع أسوة الغرماء " (1) .
وقد وصله أبو داود فقال: عن أبي هريرة، وفي إسناده إسماعيل بن عياش، ولكنه
ههنا روى عن الزبيدي (2) ، وهو شامي، وهو قوي في الشاميين.
وقد ذهب إلى أن البائع أولى بعين ماله الموجود عند المفلس الجمهور، وخالفت
في ذلك الحنفية، فقالوا: لا يكون أولى به، والحديث يرد عليهم.
وقد ذهب الجمهور أيضا إلى أن المشتري إذا كان قد قضى بعض الثمن؛ لم يكن
البائع أولى بما لم يسلم المشتري ثمنه؛ بل يكون أسوة الغرماء؛ كما أفاده ما
تقدم في الرواية من قوله: " ولم يكن اقتضى من ماله شيئا " (3) ، وقال
الشافعي: إن البائع أولى به.
وهكذا إذا مات المشتري والسلعة قائمة؛ فذهب مالك وأحمد إلى أنها تكون أسوة
الغرماء (3) وقال الشافعي: البائع أولى بها.
__________
(1) • قلت: وهذا المرسل صحيح، وكذا الذي وصله أبو داود.
ولم يتفرد به ابن عياش، كما بينه ابن القيم في " التهذيب " (5 / 175 - 176)
، وصحح الحديث هناك؛ فراجعه. (ن)
(2) • كان في الأصل: (الحارث الزبيدي) ، والصواب ما أثبتناه.
واسمه: محمد بن الوليد الحمصي. (ن)
(3) • قلت: وهو الصواب؛ لصحة الحديث بذلك، كما سبق. (ن)
(3/194)
( [متى يكون
صاحب المتاع أسوة كالغرماء؟] :)
(وإذا نقص مال المفلس عن الوفاء بجميع دينه؛ كان الموجود أسوة الغرماء) ؛
لأن ذلك هو العدل؛ لأن الديون اللازمة مستوية في استحقاق قضائها من مال
المفلس، وليس بعضها بأولى به من بعض إلا لمخصص، ولا مخصص ههنا.
وقد أشار إلى هذا ما تقدم في الرواية من قوله: " فصاحب المتاع أسوة الغرماء
".
( [هل يجوز حبس من تبين إفلاسه؟] :)
(وإذا تبين إفلاسه فلا يجوز حبسه) ؛ لأنه خلاف حكم الله - سبحانه - قال -
تعالى -: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} .
(و) لمفهوم قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ليّ الواجد (1) ظلم) ، وهو حديث
صحيح قد تقدم في الباب الذي قبل هذا (2) .
والمفلس ليس بواجد. (يحل عرضه وعقوبته) .
وأما إذا لم يتبين إفلاسه، ولا كونه واجدا؛ فهذا محل اللبس، والواجب
__________
(1) اللي: المطل.
والواجد: القادر على قضاء دينه. (ش)
قلت: تخريجه في التعليق بعد الآتي - من كلام شيخنا -.
(2) • لم يتقدم إلا باللفظ الآتي. (ن)
(3/195)
البحث عن حاله بحسب الإمكان؛ حتى يتبين
كونه واجدا؛ فيعاقب بالحبس أو نحوه؛ كما دل عليه حديث: " مطل الغني ظلم يحل
عرضه وعقوبته ".
وفي لفظ: " لي الواجد ظلم "، والكل (1) في " الصحيح "، أو تبين كونه غير
واجد فينظر إلى ميسرة.
وأما حبس من تبين إفلاسه؛ فلا يحل بوجه؛ فإنه ظلم بحت.
قال في " الحجة البالغة ": " ليّ الواجد يحل عرضه وعقوبته ".
أقول: هو أن يغلظ له في القول، ويحبس، ويجبر على البيع إن لم
__________
(1) • ليس كما قال.
ولقد خبط الشارح في هذا الحديث خبط عشواء! فالحديث: " مطل الغني ظلم " في "
الصحيحين "، لكن ليس تمامه: " يحل عرضه وعقوبته "، فراجعه في الكتاب
السابق.
وهذا التمام إنما هو للحديث الآخر؛ وهو: " لي الواجد يحل عرضه وعقوبته "؛
رواه أبو داود (2 / 122) ، والنسائي (2 / 234) ، وابن ماجه (2 / 80) ،
والحاكم (4 / 102) ، والبيهقي (6 / 51) ، وأحمد (4 / 388 - 389) من طريق
وبر بن أبي دليلة - شيخ من أهل الطائف -، عن محمد بن ميمون بن مسيكة -
وأثنى عليه خيرا -، عن عمرو بن الشريد، عن أبيه، مرفوعا؛ وقال الحاكم: "
صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي، وكذا العراقي في " تخريج الإحياء " (3 /
132) ، وعلقه البخاري (5 / 47) بصيغة التمريض: " ويذكر "، وقال الحافظ: "
وإسناده حسن "، وذكر الطبراني أنه لا يروى إلا بهذا الإسناد.
قلت: وفيه عندي ضعف؛ لأن ابن مسيكة - هذا - لم يوثقه غير ابن حبان، ولم يرو
عنه غير ابن أبي دليلة، ولذلك قال الحافظ في " التقريب ": " مقبول "؛ يعني:
عند المتابعة؛ وإلا فلين الحديث.
وما دام أنه لم يتابع كما أفاده الطبراني؛ فالحديث لين؛ هذا هو الذي تقتضيه
قواعد الحديث، وإن كانوا صححوه كما رأيت، والله أعلم.
ثم إن الحديث أورده ابن تيمية في " المنتقى "، بلفظ: " لي الواجد ظلم ...
"؛ ولفظة: " ظلم " لا أصل لها في شيء من مصادر الحديث التي وقفت عليها. (ن)
قلت: انظر " إرواء الغليل " (1434) لشيخنا.
(3/196)
يكن له مال غيره.
وفي " شرح السنة ":
" وهذا قول أهل العلم: إن مال المفلس يقسم بين غرمائه على قدر ديونهم، فإن
نفد ماله وفضل الدين ينظر إلى الميسرة.
قال مالك: إذا كان على رجل مال وله عبد لا شيء له غيره، فأعتقه؛ لم يجز
عتقه، وعند الشافعي تصرف المديون نافذ ما لم يحجر عليه القاضي، ثم بعد
الحجر لا ينفذ تصرفه في ماله ".
وفي " شرح السنة " - أيضا -:
" أما المعسر فلا حبس عليه؛ بل ينظر؛ فإنه غير ظالم بالتأخير، وهذا قول
مالك والشافعي؛ فإن كان له مال يخفيه؛ حبس وعزر حتى يظهر ماله.
وذهب شريح إلى أن المعسر يحبس، وهو قول أهل الرأي ".
( [متى يجوز الحجر على المفلس؟] :)
(ويجوز للحاكم أن يحجره عن التصرف في ماله، ويبيعه لقضاء دينه) ؛ لحجره -
صلى الله عليه وسلم - على معاذ كما تقدم، وكذلك يبيع الحاكم مال المفلس
لقضاء دينه؛ كما فعله صلى الله عليه وسلم في مال معاذ.
( [متى يجوز الحجر على المبذر؟] :)
(وكذلك يجوز له الحجر على المبذر، ومن لا يحسن التصرف) ؛ لقوله
(3/197)
- تعالى -: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} ؛
قال في " الكشاف ": السفهاء المبذرون أموالهم الذين ينفقونها فيما لا
ينبغي، ولا يد لهم بإصلاحها وتثميرها والتصرف فيها، والخطاب للأولياء،
وأضاف الأموال إليهم؛ لأنها من جنس ما يقيم به الناس معايشهم؛ كما قال -
تعالى -: {ولا تقتلوا أنفسكم} ، وقال: {فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم
المؤمنات} .
والدليل على أنه خطاب للأولياء في أموال اليتامى قوله: {وارزقوهم فيها
واكسوهم} .
ومما يدل على ذلك عدم إنكاره صلى الله عليه وسلم على قرابة حبان أن يحجر
عليه؛ صح ذلك (1) ، ويدل على ذلك رده صلى الله عليه وسلم للبيضة التي تصدق
بها من لا مال له؛ كما أخرجه أبو داود (2) ، وصححه ابن خزيمة من حديث جابر.
وكذلك رده صلى الله عليه وسلم صدقة الرجل الذي تصدق بأحد ثوبيه؛ كما أخرجه
أهل " السنن "، وصححه (3) الترمذي، وابن حبان من حديث أبي سعيد.
وكذلك رده صلى الله عليه وسلم عتق من أعتق عبدا له عن دبر، ولا مال له
غيره؛ كما
__________
(1) • تقدم الكلام عليه في " البيوع ". (ن)
(2) • في " سننه " (1 / 265) ، وكذا الدارمي (1 / 391) ، والبيهقي (4 /
181) ، وكذا الحاكم (1 / 413) ، وقال: " صحيح على شرط مسلم "، ووافقه
الذهبي؛ وفيه نظر {لأنه عند الجميع من رواية ابن إسحاق معنعنا، وهو مدلس.
ثم إن فيه جملة استنكرتها، وهي قوله عن البيضة: فأخذها رسول الله صلى الله
عليه وسلم فحذفه بها، فلو أصابته لأوجعته أو لعقرته}
فهذه المعاملة منه صلى الله عليه وسلم بعيدة عما عرف من حلمه - عليه السلام
-؛ لا سيما والرجل لم يصنع شيئا إلا أنه ألح مرارا بهذه الصدقة. (ن)
(3) • وكذا صححه الحاكم (1 / 414) ، ووافقه الذهبي؛ وسنده حسن عندي. (ن)
(3/198)
أشار إلى ذلك البخاري، وترجم عليه: " باب
من رد أمر السفيه والضعيف العقل، وإن لم يكن حجر عليه الإمام ".
وأخرج الشافعي في " مسنده " (1) ، والبيهقي عن عروة بن الزبير، قال: ابتاع
عبد الله بن جعفر بيعا، فقال علي - رضي الله عنه - لآتين عثمان فلأحجرن
عليه، فأعلم ذلك ابن جعفر الزبير، فقال: أنا شريكك في بيعتك، فأتى عثمان،
فقال: احجر على هذا، فقال الزبير: أنا شريكه، فقال عثمان: أأحجر على رجل
شريكه الزبير؟ !
ففي هذه القصة دليل على أن الحجر كان عندهم أمرا معروفا ثابتا في الشريعة،
ولولا ذلك لأنكره بعض من اطلع على هذه القصة، ولكان الجواب من عثمان على
علي بأن هذا غير جائز، وكذلك الزبير وعبد الله بن جعفر؛ لو كان مثل هذا
الأمر غير جائز؛ لكان لهما عن تلك الشركة مندوحة.
وقد ذهب إلى جواز الحجر على السفيه الجمهور، وعليه أهل العلم.
وفي " الوقاية ":
" الحجر: منع نفاذ تصرف قولي، وسببه الصغر والجنون والرق؛ فإن أتلفوا شيئا
ضمنوا ".
وفي " المنهاج ":
" ولا يصح من المحجور عليه بسفه بيع ولا شراء ولا عتاق وهبة ونكاح بغير إذن
وليه، ويصح بإذن الولي نكاحه؛ لا التصرف المالي في الأصح ".
__________
(1) • (2 / 191 - من " البدائع ") ، والبيهقي (6 / 61) . (ن)
(3/199)
( [متى يمكن
اليتيم من ماله؟] :)
(ولا يمكن اليتيم من التصرف في ماله حتى يؤنس منه الرشد) ؛ لقوله - تعالى
-: {فإن آنستم منهم رشدا} .
في " المنهاج ":
" حجر الصبي يرتفع ببلوغه رشيدا، فلو بلغ غير رشيد دام الحجر ".
وفي " الوقاية ":
" فإن بلغ غير رشيد؛ لم يسلم إليه ماله حتى يبلغ خمسا وعشرين سنة، وصح
تصرفه قبله وبعده؛ يسلم إليه ولو بلا رشد ".
( [هل يجوز لولي اليتيم أن يأكل من ماله؟]
:)
(ويجوز لوليه أن يأكل من ماله بالمعروف) ؛ لقوله - تعالى -: {ومن كان غنيا
فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف} .
وقد ثبت في " الصحيحين "، عن عائشة أنها قالت: " نزلت هذه الآية في ولي
اليتيم؛ إذا كان فقيرا أنه يأكل منه بالمعروف ".
وأخرج أحمد (1) ، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه من حديث عمرو ابن شعيب،
عن أبيه، عن جده: أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني
فقير، وليس لي شيء، ولي يتيم؟ فقال: " كل من مال يتيمك؛ غير مسرف ولا مبادر
ولا متأثل (2) ".
__________
(1) • في " المسند " (رقم 6747، 7022) ؛ وسنده حسن. (ن)
(2) أي: جامع؛ يقال: مال مؤثل، ومجد مؤثل؛ أي: مجموع. (ش)
(3/200)
والمراد بقوله: " ولا مبادر " ما في قوله -
تعالى -: {ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا} ؛ أي: مسرفين ومبادرين كبر
الأيتام، فهذه الآية والحديث مخصصان لقوله - تعالى -: {إن الذين يأكلون
أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا} .
في " شرح السنة ": " اختلفوا في ذلك؛ فذهب قوم إلى أنه يأكل ولا يقضي،
وعليه أحمد، وآخرون إلى أنه يأكل ويرد مثله إذا كبر ".
أقول: اختاره محمد بن الحسن.
والولي يتجر في أموال اليتامى ويضارب، ويفعل ما فيه الغبطة.
قال مالك: قال عمر بن الخطاب: اتجروا في أموال اليتامى؛ لا تأكلها الزكاة.
وكانت عائشة تعطي أموال اليتامى من يتجر لهم فيها.
قال مالك: لا بأس بالتجارة في أموال اليتامى لهم (1) ، وإذا كان الولي
مأمونا فلا أرى عليه ضمانا.
قلت: وعليه الشافعي -[كما] في " المنهاج " -: وله - أي: للولي - بيع ماله
بقرض ونسيئة للمصلحة، ويزكي ماله، وينفق عليه بالمعروف.
__________
(1) سبق القول في هذه المسألة، وتخريج الأحاديث والآثار الواردة فيها.
(3/201)
|