الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي

- المطلب الرابع ـ اصطلاحات الفقه والمؤلفين فيه:
- للفقهاء كغيرهم في مختلف العلوم اصطلاحات (1) معينة شائعة، تتردد في كثير من المناسبات الفقهية، كما أن هناك اصطلاحات في كتب المذاهب، تبين طريق الأخذ بالقول الراجح في المذهب، وهي المعروفة بـ:

- رسم المفتي: أي العلامة التي تدل المفتي على مايفتي به، وللعلامة ابن عابدين رسالة باسم (رسم المفتي) وهي الرسالة الثانية من رسائله المشهورة.
_________
(1) الاصطلاح: هو إطلاق لفظ على معنى معين بين فئة من العلماء، كإرادة هيئة مخصوصة بأقوال وأفعال معينة من لفظ (الصلاة) مع أنها في اللغة هي الدعاء.

(1/66)


أولاً ـ المصطلحات الفقهية العامة:
- هناك مصطلحات فقهية أو أصولية عامة، هي الفرض، الواجب، المندوب، الحرام، المكروه تحريماً، المكروه تنزيهاً، المباح، وهي أنواع الحكم التكليفي (1) عند الأصوليين من الحنفية، ويلحق بالواجب: الأداء والقضاء والإعادة. والركن والشرط، والسبب، والمانع، والصحيح، والفاسد، والعزيمة، والرخصة، وهي أنواع الحكم الوضعي (2) عند الأصوليين.
1 - الفرض: هو ماطلب الشرع فعله طلباً جازماً بدليل قطعي لاشبهة فيه، كأركان الإسلام الخمسة التي ثبتت بالقرآن الكريم، والثابت بالسنة المتواترة أو المشهورة كقراءة القرآن في الصلاة، والثابت بالإجماع كحرمة بيع المطعومات الأربعة (القمح والشعير والتمر والملح) ببعضها نسيئة (3). وحكمه: لزوم الإتيان به، مع ثواب فاعله، وعقاب تاركه، ويكفر منكره.
2 - الواجب: ماطلب الشرع فعله جازماً، بدليل ظني فيه شبهة، كصدقة الفطر، وصلاة الوتر والعيدين، لثبوت إيجابه بدليل ظني، وهو خبر الواحد عن النبي صلّى الله عليه وسلم. وحكمه كالفرض، إلا أنه لايكفر منكره.
- والفرض والواجب مترادفان بمعنى واحد عند الجمهور غير الحنفية: وهو ماطلب الشرع فعله طلباً جازماً.
_________
(1) الحكم التكليفي: هو ما اقتضى طلب فعل من المكلف، أو كفه عن فعل، أو تخييره بين الفعل والترك. وسمي تكليفياً؛ لأنه يتضمن التكليف (المطالبة) بفعل أو ترك فعل أو تخيير بينهما.
(2) الحكم الوضعي: هو مااقتضى وضع شيء سبباً لشيء أو شرطاً له أو مانعاً منه، أو صحيحاً أو فاسداً أو عزيمة أو رخصة. وسمي وضعياً؛ لأنه يقتضي وضع أمور ترتبط بالأخرى، كالأسباب للمسببات، والشروط للمشروطات.
(3) مراتب الإجماع لابن حزم: ص 85.

(1/67)


3 - المندوب أو السنة: هو ماطلب الشرع فعله من المكلف طلباً غير لازم، أو مايحمد فاعله، ولا يذم تاركه، مثل توثيق الدين بالكتابة (سند أو غيره)، وحكمه: أنه يثاب فاعله، ولا يعاقب تاركه، وقد يستحق اللوم والعتاب من الرسول صلّى الله عليه وسلم.
- ويسمى المندوب عند غير الحنفية سنة ونافلة ومستحباً وتطوعاً ومرغباً فيه، وإحساناً وحسناً. وقسم الحنفية المندوب: إلى مندوب مؤكد، كصلاة الجماعة، ومندوب مشروع، كصيام يومي الاثنين والخميس، ومندوب زائد كالاقتداء بأكل الرسول وشربه ومشيه ونومه ولبسه ونحو ذلك.
- واختار صاحب الدر المختار وابن عابدين رأي الجمهور، فقالا: لافرق بين المندوب والمستحب والنفل والتطوع، وتركه خلاف الأولى، وقد يلزم من تركه ثبوت الكراهة (1).
4 - الحرام: هو ماطلب الشرع تركه على وجه الحتم والإلزام. وقال الحنفية: هو ماثبت طلب تركه بدليل قطعي لاشبهة فيه، مثل تحريم القتل وشرب الخمر والزنا والسرقة. وحكمه: وجوب اجتنابه، وعقوبة فاعله. ويسمى الحرام أيضاً معصية، وذنباً، وقبيحاً، ومزجوراً عنه، ومتوعداً عليه أي من الشرع. ويكفر منكر الحرام.
5 - المكروه تحريماً: وهو عند الحنفية: ماطلب تركه على وجه الحتم والإلزام بدليل ظني، كأخبار الآحاد، كالبيع على بيع الغير، والخطبة على الخطبة، ولبس الحرير والذهب للرجال. وحكمه: الثواب على تركه، والعقاب على فعله.
-
_________
(1) حاشية ابن عابدين: 115/ 1. وإذا أطلق المكروه عند الحنفية يراد به المكروه تحريماً. والمكروه التحريمي عندهم إلى الحرام أقرب، ولكن لايكفر منكره.

(1/68)


6 - المكروه تنزيهاً: وهو عند الحنفية: ماطلب الشرع تركه، طلباً غير جازم، ولا مشعر بالعقوبة، كأكل لحوم الخيل، للحاجة إليها في الماضي في الجهاد، والوضوء من سؤر الهرة وسباع الطير كالصقر والغراب، وترك السنن المؤكدة عموماً. وحكمه: ثواب تاركه، ولوم فاعله دون عقاب.
- والمكروه عند غير الحنفية نوع واحد: وهو ماطلب الشرع تركه لا على وجه الحتم والإلزام، وحكمه: أنه يمدح ويثاب تاركه، ولا يذم ولا يعاقب فاعله.
7 - المباح: هو ماخير الشرع المكلف بين فعله وتركه، كالأكل والشرب. والأصل في الأشياء الإباحة مالم يرد حظر أو تحريم. وحكمه: أنه لاثواب ولاعتاب على فعله أو تركه، إلا إذا أدى الترك إلى خطر الهلاك، فيجب الأكل مثلاً ويحرم الترك، حفاظاً على النفس.
8 - السبب عند جمهور الأصوليين: هو ما يوجد عنده الحكم، لا به، سواء أكان مناسباً للحكم، أم لم يكن مناسباً، مثال المناسب: الإسكار سبب لتحريم الخمر؛ لأنه يؤدي إلى ضياع العقول، والسفر سبب لجواز الفطر في رمضان؛ لأنه يودي إلي التيسير ودفع المشقة. ومثال غير المناسب أي بحسب إدراكنا: دلوك (زوال) الشمس سبب لوجوب الظهر، في قوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس} [الإسراء:78/ 17]، وعقولنا لا تدرك مناسبة ظاهرة بين السبب والحكم.
9 - الشرط والركن: الشرط: هو مايتوقف عليه وجود الشيء وكان

(1/69)


خارجاً عن حقيقته، فالوضوء شرط للصلاة خارج عنها، وحضور الشاهدين في عقد الزواج شرط له خارج عنه، وتعيين المبيع والثمن في عقد البيع شرط لصحته وليس جزءاً من العقد.
- والركن عند الحنفية: هو مايتوقف عليه وجود الشيء، وكان جزءاً من حقيقته أو ماهيته، فالركوع ركن في الصلاة؛ لأنه جزء منها، وكذا القراءة في الصلاة ركن؛ لأنها جزء من حقيقة الصلاة، والإيجاب والقبول في العقد ركن؛ لأنه جزء يتكون به العقد. والركن عند الجمهور: مايتوقف عليه أساساً وجود الشيء، وإن كان خارجاً عن ماهيته.
10 - المانع: مايلزم من وجوده عدم الحكم، أو بطلان السبب. مثال الأول: الدَّين في باب الزكاة مانع من وجوبها عند الحنفية، ومثال الثاني: الأبوة مانع من القصاص.
11 - الصحة والفساد والبطلان:
- الصحة: موافقة أمر الشرع، والصحيح: هو ما استوفى أركانه وشروطه الشرعية. وصحة العبادة عند الفقهاء: وقوعها مسقطة لطلب الشرع، على وجه يسقط القضاء. وصحةالمعاملات: ترتيب آثارها الشرعية عليها، فالمراد من صحة العقد هو ترتيب أثره عليه، وهو ماشرع له، كحل الانتفاع في البيع، والاستمتاع في الزواج.
- والعبادات باتفاق العلماء: إما صحيحة، أو غير صحيحة، وغير الصحيح منها لافرق فيه بين الباطل والفاسد، فالقسمة ثنائية.
- أما المعاملات المدنية: فلا فرق فيها أيضاً عند غير الحنفية بين الفاسد

(1/70)


والباطل، وعند الحنفية تكون القسمة ثلاثية؛ لأن العقد غير الصحيح إما باطل أو فاسد.
- وغير الصحيح: هو مالم يستوف أركانه وشروطه المطلوبة شرعاً.
- والباطل عند الحنفية: هو الذي يشتمل على خلل في أصل العقد أي في أساسه، ركنا ً كان أو غيره، أي في صيغة العقد، أو العاقدين، والمعقود عليه. ولايترتب عليه أي أثر شرعي، كأن يصدر البيع من مجنون أو صبي غير مميز (دون السابعة).
- والفاسد عند الحنفية: هو ماكان الخلل فيه في وصف من أوصاف العقد، بأن كان في شرط من شروطه، لافي ماهيته أو ركنه. ويترتب عليه في المعاملات بعض الآثار، إذا توافر ركنه وعناصره الأساسية، مثل البيع بثمن مجهول، أو المقترن بشرط فاسد كانتفاع البائع بالمبيع بعد البيع مدة معلومة، والزواج بغير شهود. فيثبت الملك خبيثاً في البيع الفاسد إذا قبض المبيع، ويجب المهر، والعدة بعد الفراق، ويثبت النسب بالدخول في الزواج الفاسد.
- وبه يظهر أن البطلان: هو مخالفة أمر الشرع المؤدية إلى عدم ترتب الآثار الشرعية المقصودة عادة من العبادة أو المعاملة. وهو في المعاملات: مخالفة التصرف لنظامه الشرعي في ناحية جوهرية. والناحية الجوهرية: هي الأساسية.
- والفساد: هو اختلال في العقد المخالف لنظامه الشرعي في ناحية فرعية متممة يجعله مستحقاً للفسخ. وهو يجعل العقد في مرتبة متوسطة بين الصحة والبطلان، فلا هوبالباطل غير المنعقد لتوافر الناحية الجوهرية أو الأساسية المطلوبة شرعاً فيه، ولاهو بالصحيح التام الاعتبار، لوجود خلل في ناحية فرعية فقط غير

(1/71)


جوهرية. وأسباب الفساد أربعة هي: الجهالة، والغرر (الاحتمال)، والإكراه (1)، والشرط الممنوع المفسد.
12 - الأداء والقضاء والإعادة:
- هذه الأمور تبحث عادة مع الواجب الموسع: وهو الذي يتسع وقته له ولغيره من جنسه، كأوقات الصلوات المفروضة، فإن كل وقت يسع الفريضة صاحبة الوقت، وأداء صلاة أخرى.
- والأداء: هو فعل الواجب في الوقت المقدر له شرعاً.
- والإعادة: فعل الواجب ثانياً في الوقت، كإعادة الصلاة مع الجماعة.
- والقضاء: فعل الواجب بعد انتهاء الوقت. وقضاء الصلاة المفروضة أمر واجب، لما رواه أنس في الصحيحين أن الرسول صلّى الله عليه وسلم قال: «من نام عن صلاة أو نسيها، فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك» ويقاس على الناسي والنائم من باب أولى: تارك الصلاة كسلاً، أو عمداً بغير عذر مشروع؛ لاستقرار وجوب الصلاة ديناً في الذمة، ولاتبرأ الذمة إلا بفعل الواجب.
- ثانياً ـ المصطلحات الخاصة بالمذاهب:
- هناك مصطلحات مكررة في كل مذهب، دعا إليها إيثار الاختصار، وملل التكرار، وضرورة معرفة المعتمد الراجح من بين الأقوال وهي مايلي:
_________
(1) الجهالة أربعة أنواع: إما في المعقود عليه، أو في العوض، أو في الأجل، أو في وسائل التوثيق المشروطة في العقد، كالرهن والكفالة.
والغرر: أن يعتمد التعاقد على أمر موهوم غير موثوق، وهو نوعان: إما في أصل المعقود عليه، كبيع الحمل في بطن أمه، وإما في أوصاف العقد الفرعية ومقاديره، كادعاء مقدار معين لحليب شاة.
والإكراه: حمل الغير على أن يفعل مالا يرضاه ولايختار مباشرته، لو خلي ونفسه (راجع المدخل الفقهي للأستاذ مصطفى الزرقاء: ف: 371 - 376).

(1/72)


مصطلحات المذهب الحنفي:
أـ ظاهر الرواية: يراد به في الغالب الشائع ـ كما عرفنا ـ القول الراجح لأئمة الحنفية الثلاثة (أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد).
ب ـ الإمام: هو أبو حنيفة، والشيخان: هما أبو حنيفة وأبو يوسف، والطرفان: هما أبو حنيفة ومحمد، والصاحبان: هما أبو يوسف ومحمد. والثاني: هو أبو يوسف. والثالث: هو محمد، ولفظ (له) أي لأبي حنيفة، ولفظ (لهما) أو (عندهما) أو (مذهبهما) أي مذهب الصاحبين، وإذا قالوا: أصحابنا، فالمشهور إطلاق ذلك على الأئمة الثلاثة: أبي حنيفة وصاحبيه، وأما المشايخ: فالمراد بهم في الاصطلاح: من لم يدرك الإمام.
جـ ـ يفتي قطعاً بم ااتفق عليه أبو حنيفة وأصحابه في الروايات الظاهرة، فإن اختلفوا: فإنه يفتى بقول الإمام أبي حنيفة على الإطلاق، وخصوصاً في العبادات، ولا يرجح قول صاحبيه أو أحدهما إلا لموجب: وهو ـ كما قال ابن نجيم ـ إما ضعف دليل الإمام، وإما للضرورة والتعامل، كترجيح قولهما في المزارعة والمساقاة (المعاملة) وإما بسبب اختلاف العصر والزمان.
ويفتى بقول أبي يوسف في القضاء والشهادات والمواريث، لزيادة تجربته. كما يفتى بقول محمد في جميع مسائل ذوي الأرحام، ويفتى بقول زفر في سبع عشرة مسألة (1).
د ـ إذا لم يوجد رواية للإمام في المسألة: يفتى بقول أبي يوسف، ثم بقول محمد، ثم بقول زفر، والحسن بن زياد.
_________
(1) انظر رد المحتار لابن عابدين: 65/ 1 - 70، 315/ 4، رسالة المفتي في مجموع رسائل ابن عابدين: 35/ 1 - 40.

(1/73)


هـ ـ إذا كان في مسألة قياس واستحسان، فالعمل على الاستحسان إلا في مسائل معدودة مشهورة، هي اثنتان وعشرون مسألة (1).
وإذا لم تذكر المسألة في ظاهر الرواية، وثبتت في رواية أخرى، تعين المصير إليها.
وإذا اختلفت الروايات عن الإمام، أو لم يوجد عنه ولا عن أصحابه رواية أصلاً، يؤخذ في الحالة الأولى بأقواها حجة، ويؤخذ في الحالة الثانية بما اتفق عليه المشايخ المتأخرون، فإن اختلفوا يؤخذ بقول الأكثرين، فإن لم يوجد منهم قول أصلاً، نظر المفتي في المسألة نظرة تأمل وتدبر واجتهاد، ليجد فيها مايقرب من الخروج عن العهدة، ولايتكلم فيها جزافاً، ويخشى الله تعالى ويراقبه، لأن الجرأة على الفتيا بدون دليل أمر عظيم لايتجاسر عليه إلا كل جاهل شقي.
وـ إذا تعارض التصحيح والفتوى، فقيل: الصحيح كذا، والمفتى به كذا، فالأولى العمل بما وافق المتون، فإن لم توجد موافقة لها، فيؤخذ بالمفتى به؛ لأن لفظ الفتوى آكد (أقوى) من لفظ الصحيح والأصح والأشبه وغيرها. وإذا ورد في المسألة قولان مصححان جاز القضاء والإفتاء بأحدهما. ويرجح أحدهما بما هو أوفق للزمن أو العرف أو أنفع للوقف أو للفقراء، أو كان دليله أوضح وأظهر؛ لأن الترجيح بقوة الدليل.
ولفظ: (به يفتى) آكد من لفظ «الفتوى عليه»؛ لأن الأول يفيد الحصر.
ولفظ (الأصح) آكد من (الصحيح) و (الأحوط) آكد من (الاحتياط).
ز ـ المراد بكلمة «المتون»: أي متون الحنفية المعتبرة، مثل كتاب مختصر
_________
(1) رسم المفتي: ص 35،40.

(1/74)


القدوري، والبداية، والنقاية، والمختار، والوقاية، والكنز، والملتقى فإنها وضعت لنقل ظاهر الرواية والأقوال المعتمدة.
ح ـ لايجوز العمل بالضعيف من الرواية، ولو في حق نفسه، بدون فرق بين المفتي والقاضي، إلا أن المفتي مخبر عن الحكم الشرعي، والقاضي ملزم به. وصح عن أبي حنيفة أنه قال: «إذا صح الحديث فهو مذهبي»، ونقل مثل ذلك غيره من أئمة المذاهب (1). لكن يجوز الإفتاء بالقول الضعيف للضرورة تيسيراً على الناس.
ط ـ الحكم الملفق عند الحنفية باطل، كما أن الرجوع عن التقليد بعد العمل باطل، على ماهو المختار في المذهب، فمن صلى ظهراً بمسح الرأس مقلداً للحنفي، فليس له إبطال صلاته باعتقاده لزوم مسح كل الرأس مقلداً للمالكي.
وأجاز بعض الحنفية التقليد بعد العمل، كما إذا صلى ظاناً صحة صلاته على مذهبه، ثم تبين بطلانها في مذهبه، وصحتها على مذهب غيره فله تقليده، ويجتزئ بتلك الصلاة، على ماقال في الفتاوى البزازية: روي عن أبي يوسف أنه صلى الجمعة مغتسلاً من الحمام، ثم أخبر بفأرة ميتة في بئر الحمام، فقال: نأخذ بقول إخواننا من أهل المدينة: «إذا بلغ الماء قُلَّتين (270 ليتراً أو 15 تنكة)، لم يحمل خبثاً».
ي ـ أجاز بعض الحنفية: أن المقلد إذا قضى بمذهب غيره، أو برواية ضعيفة، أو بقول ضعيف، نفذ، وليس لغيره نقضه.
ك ـ تعتبر حاشية ابن عابدين (1252هـ) علامة الشام وهي (رد المحتار على الدر المختار) خاتمة التحقيقات والترجيحات في المذهب الحنفي.
_________
(1) انظر الميزان للشعراني: 54/ 1 - 63، أعلام الموقعين: 260/ 2 - 274، ط محي الدين عبد الحميد.

(1/75)


مصطلحات المذهب المالكي:
المذهب المالكي كغيره من المذاهب يتميز بكثرة الأقوال، مراعاة لمصالح الناس وأعرافهم المختلفة.
والمفتي يفتي بالراجح الذي يكون صالحاً في موضوع المسألة. وغير المفتي الذي لم يستكمل شروط الاجتهاد يأخذ بالمتفق عليه، أو المشهور من المذهب، أو ما رجحه الأقدمون، فإن لم يعرف أرجحية قول، قيل كما ذكر الشيخ عليش (1299هـ): إنه يأخذ بالقول الأشد؛ لأنه أحوط، وقيل: يختار أخف الأقوال وأيسرها، لأن ذلك أليق بالشرع الإسلامي؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلم جاء بالحنيفية السمحة، وقيل: إنه يتخير، فيأخذ بأيها شاء؛ لأنه لاتكليف إلا بما يطاق (1).
أـ رتب بعض المالكية الترجيح بين روايات الكتب، والروايات عن المشايخ، فقال: قول مالك في المدونة أولى من قول ابن القاسم فيها، فإنه الإمام الأعظم، وقول ابن القاسم فيها أولى من قول غيره فيها، لأنه أعلم بمذهب مالك، وقول غيره فيها أولى من قول ابن القاسم في غيرها، وذلك لصحتها. وإذا لم يذكر قول في المدونة، فإنه يرجع إلى أقوال المخرجين.
ب ـ إذا قيل: (المذهب) يراد به مذهب مالك، وإذا قيل: (المشهور) فيعني مشهور مذهب مالك، وفي ذلك إشعار بخلاف في المذهب.
والمعتمد أن المراد (بالمشهور): ماكثر قائله.
جـ ـ إذا قيل: «قيل كذا» أو «اختلف في كذا» أو «في كذا قولان فأكثر» أي أن هناك اختلافاً في المذهب.
_________
(1) كتاب مالك لأبي زهرة: ص 457 وما بعدها.

(1/76)


د ـ إذا ذكر (روايتان) أي عن مالك. وقد جرى مؤلفو الكتب عند المالكية على أن الفتوى تكون بالقول المشهور، أو الراجح من المذهب. وأما القول الشاذ والمرجوح أي الضعيف فلا يفتى بهما، ولا يجوز العمل به في خاصة النفس، بل يقدم العمل بقول الغير عليه؛ لأن قول الغير، قوي في مذهبه (1).
هـ ـ في التلفيق في العبادة الواحدة من مذهبين طريقتان: المنع: وهو طريقة المصريين، والجواز: وهو طريق المغاربة، ورجحت، وقال الدسوقي قائلاً عن مشايخه: إن الصحيح جوازه، وهو فسحة (2).
وـ يعتبر متن العلامة الشيخ خليل (767هـ) ومدرسته من الشراح الكثيرين الذين شرحوه هو المعتمد عند المالكية، في تحرير الأقوال والروايات، وبيان الراجح منها (3).

مصطلحات المذهب الشافعي:
نقل عن الشافعي في بضع عشرة مسألة قولان فأكثر، كما في خيار الرؤية الذي ذكر فيه قول بجوازه وقول بمنعه رجع فيه عن الأول، وكما في وجوب الزكاة على المدين بدين مساو لما في يده، وكما في إقرار المفلس بدين له لآخر، هل يدخل المقر له مع الغرماء أم لا، وكما في تغرير الزوج بزوجته، بأن يذكر لها نسباً غير نسبه، هل لها الخيار بفسخ الزواج، أو أن الزواج باطل، ونحو ذلك، مما جعل بعض المغرضين يتخذون من تعدد أقوال الشافعي سبيلاً للنيل منه، والطعن في اجتهاده، وزعم نقص علمه.
والحق أن التردد بين القولين عند تعارض الأقيسة،
_________
(1) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير: 20/ 1
(2) المرجع والمكان السابق.
(3) تجوز الأجرة على الفتيا عند المالكية إن لم تتعين.

(1/77)


وتصادم الأدلة، ليس دليل النقص، ولكنه دليل الكمال في العقل، فهو لايهجم باليقين في مقام الظن، ودليل على كمال الإخلاص في طلب الحق والقصد، فهو لايجزم بالحكم إلا إذا توافرت لديه أسباب الترجيح، وإن لم تتوافر الأسباب لذلك، ألقى بتردده (1).
وعلى المفتي إذا وجد قولين للشافعي أن يختار مارجحه المخرجون السابقون (2)، وإلا توقف كما يقول النووي. وإذا كانت المسألة ذات أوجه للمجتهدين من أصحاب الشافعي أو طرق نقل مختلفة، فيأخذ المفتي بما رجحه المجتهدون السابقون: وهو ماصححه الأكثر، ثم الأعلم، ثم الأورع، فإن لم يجد ترجيحاً، يقدم مارواه البويطي والربيع المرادي والمزني عن الشافعي (3) ويعتبر الشيخ أبو زكريا، يحيى بن شرف النووي (676هـ) بحق مُحرِّر المذهب الشافعي أي منقحه، ومبين الراجح من الأقوال فيه، وذلك في كتابه (منهاج الطالبين، وعمدة المفتين)، وهو المعتمد لدى الشافعية، حتى بالنسبة لبعض كتب النووي الأخرى كالروضة، وقد اعتمد في تأليفه على مختصر (المحرّر) للإمام أبي القاسم الرافعي (المتوفى سنة 623هـ)، ثم اختصر الشيخ زكريا الأنصاري المنهاج إلى المنهج. والفتوى على ماقاله النووي في المنهاج وما ذكره الشارح في نهاية المحتاج للرملي، وتحفة المحتاج لا بن حجر، ثم ماذكره الشيخ زكريا.
وهذه طريقة النووي في حكاية الأقوال وبيان الأوجه المخرجة للأصحاب، وكيفية الترجيح بينها، علماً بأنه يسمي آراء الشافعي أقوالاً، وآراء أصحابه
_________
(1) الشافعي لأبي زهرة: ص (172 - 175).
(2) ويرجح المجتهدون ما رجحه الشافعي هو، فإن لم يكن له ترجيح رجحوا المتأخر على المتقدم، فإن لم يعرف التأخر، وذلك نادر رجحوا أقربها إلى أصوله.
(3) الشافعي: (ص 368 وما بعدها).

(1/78)


أوجهاً، واختلاف رواة المذهب في حكاية مذهب الشافعي طرقاً، فالاختلافات ثلاثة: الأقوال: وهي المنسوبة للشافعي، والأوجه: وهي الآراء التي يستنبطها فقهاء الشافعية بناء على قواعده وأصوله، والطرق: وهي اختلاف الرواة في حكاية المذهب (1).
أـ (الأظهر): أي من قولين أو أقوال للشافعي رحمه الله تعالى، قوي الخلاف فيهما أو فيها، ومقابله (ظاهر) لقوة مدرك كلٍ (2).
ب ـ (المشهور): أي من قولين أو أقوال للشافعي لم يقو الخلاف فيهما أو فيها، ومقابله (غريب) لضعف مدركه.
فكل من الأظهر والمشهور: من قولين للشافعي.
جـ ـ (الأصح): أي من وجهين أو أوجه استخرجها الأصحاب من كلام الشافعي، بناء على أصوله، أو استنبطوهامن قواعده، وقد قوي الخلاف فيما ذكر، ومقابله صحيح.
د ـ (الصحيح): أي من وجهين أو أوجه، ولكن لم يقو الخلاف بين الأصحاب، ومقابله ضعيف لفساد مدركه.
فكل من الأصح والصحيح: من وجهين أو أوجه للأصحاب.
هـ ـ (المذهب) من الطريقتين أو الطرق: وهي اختلاف الأصحاب في حكاية المذهب، كأن يحكي بعضهم في المسألة قولين، أو وجهين لمن تقدم، ويقطع
_________
(1) الشافعي: ص 361، الفوائد المكية فيما يحتاجه طلبة الشافعية: ص35 وما بعدها.
(2) انظر في هذا وما يأتي مقدمة كتاب المنهاج للنووي.

(1/79)


بعضهم بأحدهما، وعلى كل قد يكون قول القطع هو الراجح، وقد يكون غيره. ومدلول هذا التعبير (المذهب): أن المفتى به هو ماعبر عنه بالمذهب.
وـ (النص) أي نص الشافعي، ومقابله وجه ضعيف أو مخرَّج (1)، وعلى كل قد يكون الإفتاء بغير النص.
ز ـ (الجديد): هو مقابل المذهب القديم، والجديد: هو ماقاله الشافعي في مصر تصنيفاً أو إفتاء، ورواته: البويطي والمزني والربيع المرادي وحرملة ويونس بن عبد الأعلى، وعبد الله بن الزبير المكي، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم وغيرهم. والثلاثة الأول: هم الذين قاموا بالعبء، والباقون نقلت عنهم أمور محصورة.
ح ـ (القديم): ماقاله الشافعي في العراق تصنيفاً في كتابه (الحجة) أو أفتى به. ورواته جماعة أشهرهم: الإمام أحمد بن حنبل، والزعفراني والكرابيسي، وأبو ثور. وقد رجع الشافعي عنه، ولم يحل الشافعي الإفتاء به، وأفتى الأصحاب به في نحو سبع عشرة مسألة.
وأما ماوجد بين مصر والعراق، فالمتأخر جديد، والمتقدم قديم.
وإذا كان في المسألة: قديم وجديد، فالجديد هو المعمول به، إلا في مسائل يسيرة نحو السبع عشرة، أفتي فيها بالقديم (2).
_________
(1) التخريج: أن يجيب الشافعي بحكمين مختلفين في صورتين متشابهتين، ولم يظهر مايصلح للفرق بينهما، فينقل الأصحاب جواب الشافعي في كل صورة إلى الأخرى، فيحصل في كل صورة منهما قولان: منصوص ومخرج، المنصوص في مسألة مخرج في الأخرى، والمنصوص في الأخرى مخرج في الأولى، فيقال: فيهما قولان بالنقل والتخريج، والأصح أن القول المخرّج لا ينسب للشافعي؛ لأنه ربما روجع فيه، فذكر فرقاً.
(2) أوصل الشافعية هذه المسائل إلى اثنتين وعشرين مسألة، مثل عدم مضي وقت المغرب بمضي خمس ركعات (انظر بجيرمي الخطيب: 48/ 1).

(1/80)


ط ـ (قولا الجديد): يعمل بآخرهما إن علم، فإن لم يعلم، وعمل الشافعي بأحدهما، كان إبطالاً للآخر أو ترجيحاً لما عمل به.
وكلمة (قيل) تعني وجود وجه ضعيف، والصحيح أو الأصح خلافه.
و (الشيخان) هما الرافعي والنووي.
ي ـ قال ابن حجر: ولايجوز العمل بالضعيف في المذهب، ويمتنع التلفيق في مسألة، كأن قلد مالكاً في طهارة الكلب، والشافعي في مسح بعض الرأس في صلاة واحدة، وأما في مسألة بتمامها بجميع معتبراتها فيجوز، ولو بعد العمل، كأن أدى عبادته صحيحة عند بعض الأربعة دون غيره، فله تقليده فيها، حتى لايلزمه قضاؤها، ويجوز الانتقال من مذهب لغيره، ولو بعد العمل (1).

مصطلحات المذهب الحنبلي:
كثرت الأقوال والروايات في مذهب أحمد كثرة عظيمة، إما بسبب اطلاعه على الحديث بعد الإفتاء بالرأي، أو بسبب اختلاف الصحابة على رأيين في المسألة، أو لمراعاته الظروف والملابسات في الوقائع المستفتى فيها.
وقد اختلف علماء المذهب في طرق الترجيح بين الأقوال والروايات على فريقين:
أحدهما ـ الاهتمام بنقل الأقوال، لأن ذلك دليل كمال في الدين.
والثاني ـ الميل إلى توحيد رأي الإمام، بالترجيح بالتاريخ إن علم تاريخ القولين، أو بالموازنة بين القولين، والأخذ بأقواهما دليلاً، وأقربهما إلى منطق
_________
(1) بجيرمي الخطيب: 51/ 1.

(1/81)


الإمام وقواعد مذهبه، فإن تعذر الترجيح كان في المذهب قولان، عند الاضطرار إليه، ويخير المقلد بينهما في الأظهر، لأن الأصل في المجتهد أن يكون له رأي واحد في اجتهاده، وإن لم يكن له رأي واحد في المسألة، لا يكون له اجتهاد فيها (1).
والقول الواحد الذي يذكره المؤلفون: هو ما رجحه أهل الترجيح من أئمة المذهب، كالقاضي علاء الدين، علي بن سليمان السعدي المرداوي، المجتهد في تصحيح المذهب، في كتبه الإنصاف، وتصحيح الفروع، والتنقيح (2).
أـ إذا أطلقت كلمة (الشيخ) أو (شيخ الإسلام) عند المتأخرين من علماء الحنابلة: فيراد به أبو العباس، أحمد تقي الدين بن تيمية الحراني (661 - 728هـ) الذي كان له في رسائله وفتاويه واختياراته فضل في نشر مذهب أحمد، كما كان لتلميذه ابن القيم صاحب إعلام الموقعين (المتوفى عام 751) فضل أيضاً في ذلك.
ب ـ إذا أطلق المتأخرون قبل ابن تيمية كصاحب الفروع والفائق والاختيارات وغيرهم: (الشيخ) أرادوا به الشيخ العلامة موفق الدين أبا محمد عبد الله بن قدامة المقدسي (المتوفى سنة 620هـ) صاحب المغني والمقنع، والكافي والعمدة ومختصر الهداية في الفقه.
جـ ـ وإذا قيل (الشيخان): فالموفق والمجد أي ابن قدامة الآنف الذكر، ومجد الدين أبو البركات (المتوفى سنة 652هـ) صاحب (المحرر في الفقه) على مذهب الإمام أحمد.
_________
(1) ابن حنبل لأبي زهرة: ص 189 - 193، ومقدمة كشاف القناع: 19/ 1.
(2) كشاف القناع: 17/ 1، المدخل إلى مذهب أحمد: ص 204.

(1/82)


د ـ وإذا قيل: (الشارح) فهو الشيخ شمس الدين، أبو الفرج، عبد الرحمن ابن الشيخ أبي عمر المقدسي (682هـ)، وهو ابن أخ الموفق وتلميذه، ومتى قال الحنابلة: قال في الشرح، كان المراد به هذا الكتاب، وقد استمد من المغني، واسمه: الشرح الكبير، أو (الشافي) شرح (المقنع) في عشر مجلدات أو (12) جزءاً، والكتب المعتمدة عند الحنابلة هي: المغني والشرح الكبير، وكشاف القناع لمنصور البُهُوتي، وشرح منتهى الإرادات للبُهُوتي. والعمل في الفتوى والقضاء في السعودية على كتابي البهوتي، وعلى شرح الزاد وشرح الدليل.
هـ ـ إذا أطلق (القاضي) فالمراد به القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين بن الفراء (المتوفى سنة 458هـ).
وإذا أطلق (أبو بكر) يراد به المرُّوذي (274هـ) تلميذ الإمام أحمد.
وـ وإذا قيل: (وعنه) أي عن الإمام أحمد رحمه الله. وقولهم: (نصاً) معناه نسبته إلى الإمام أحمد.
وأخيراً أريد في هذا الكتاب بكلمة الجمهور: المذاهب الثلاثة، في مواجهة المذهب الرابع، ويعرف من هم الجمهور من تحديد المذهب المخالف المقابل لهم. وإذا قلت: اتفق الفقهاء، أردت أئمة المذاهب الأربعة دون التفات للآراء الشاذة.