الفقه
الإسلامي وأدلته للزحيلي المبحث الثامن ـ
آداب الزكاة وممنوعاتها:
قال ابن جزي المالكي (1): ممنوعات الزكاة ثلاثة:
1 - أن تبطل بالمن والأذى؛ لأن المن بالصدقة يحبطها أي يمنع ثوابها لآية:
{ياأيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} [البقرة:264/ 2] كذلك
لا يستعظم مقدارها؛ لأن ذلك محبط للأعمال.
2 - وأن يشتري الرجل صدقته.
3 - وأن يحشر المصدِّق (الساعي) الناس إليها، بل يزكيهم بمواضعهم.
ووافق الحنابلة المالكية في الممنوع الثاني قائلين (2): ليس لمخرج الزكاة
شراؤها ممن صارت إليه، لما روي عن عمر أنه قال: «حَمَلتُ على فرس في سبيل
الله، فأضاعه الذي كان عنده، وظننت أنه باعه برخص، فأردت أن أشتريه» فسألت
رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقال: «لا تبتعه، ولا تعد في صدقتك ولو
أعطاكه بدرهم، فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه» (3).
وقال الشافعي وغيره: يجوز استرداد الزكاة بالشراء وغيره؛ لقول النبي صلّى
الله عليه وسلم
_________
(1) القوانين الفقهية: ص 99 وما بعدها.
(2) المغني: 651/ 2.
(3) متفق عليه عن زيد بن أسلم عن أبيه: ومعنى «حملت ... » أي تصدقت به
ووهبته لمن يقاتل عليه في سبيل الله، فأضاعه صاحبه، أي قصر في القيام بعلفه
ومؤنته (شرح مسلم: 62/ 11).
(3/1993)
السابق: «لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة:
رجل ابتاعها بماله ... » (1) قال النووي (2) عن حديث عمر: هذا نهي تنزيه لا
تحريم، فيكره لمن تصدق بشيء أو أخرجه في زكاة أو كفارة أو نذر أو نحو ذلك
من القربات أن يشتريه ممن دفعه هو إليه أو يهبه أو يتملكه باختياره منه،
فأما إذا ورثه منه، فلا كراهة فيه.
وأضاف ابن جزي قائلاً: إن آداب الزكاة ستة:
1 - أن يخرجها طيبة بها نفسه.
2، 3 - وأن تكون من أطيب كسبه ومن خياره، أي أحله وأجوده وأحبه إليه، لكن
يأخذ الساعي ـ كما بينت ـ أوسط المال.
4 - أن يسترها عن أعين الناس، وهذا رأي الحنفية أيضاً، فالإسرار بإخراجها
أفضل، لكونه أبعد عن الرياء، وعن إذلال الفقير، إلا إذا كان غنياً، ليقتدي
به غيره من الأغنياء.
وقال الشافعية والحنابلة (3): الأفضل في الزكاة: إظهار إخراجها، ليراه
غيره، فيعمل عمله، ولئلا يساء الظن به وذلك بالنسبة للمالك في غير الأموال
الباطنة، وللإمام مطلقاً. أما صدقة التطوع فالأفضل الإسرار بها اتفاقاً،
لحديث السبعة الذين يستظلون بظل العرش، والذي منهم: «من أخفى صدقته حتى لا
تعلم شماله ما تنفق يمينه» (4) وأضاف الشافعية: إنْ أظهرها مقتدى به ليقتدى
به، ولم يقصد رياء ولا سمعة ولا تأذى به الآخذ، كان الإظهار أفضل.
_________
(1) رواه أبو داود وغيره.
(2) شرح مسلم: 62/ 11.
(3) المجموع: 253/ 6، غاية المنتهى: 302/ 1.
(4) رواه مالك والترمذي عن أبي هريرة وأبي سعيد، ورواه أحمد والشيخان
والنسائي عن أبي هريرة ورواه مسلم عن أبي هريرة وأبي سعيد معاً.
(3/1994)
5 - وأن يوكل في إخراجها، خوف الثناء.
6 - وأن يدعو المزكي عند دفعها، فيقول: «اللهم اجعلها مغنماً، ولا تجعلها
مغرماً» ويقول الآخذ والعامل: «آجَرَك الله فيما أعطيت، وبارك لك فيما
أبقيت، وجعله لك طهوراً».
ويمكن إضافة آداب أخرى منها (1).
7 - أن يختار لأداء الزكاة من اتصف بالتقوى والعلم وإخفاء الفقر والقرابة
أو الرحم؛ لأن في إعطاء المال عوناً على طاعة الله، وتحصيل العلم، وتحقيق
التعفف، ولأن الصدقة على الأقارب فيها أجران لكونها صدقة وصلة.
8 - المبادرة لإخراج الزكاة، امتثالاً لأمر الله، علماً بأنها تجب على
الفور، فلو أخرها ليدفعها إلى من هو أحق بها من ذي قرابة أو ذي حاجة شديدة،
قال الحنابلة: فإن كان شيئاً يسيراً، فلا بأس، وإن كان كثيراً، لم يجز. قال
أحمد: «لا يجزي على أقاربه من الزكاة في كل شهر» يعني لا يؤخر إخراجها حتى
يدفعها إليهم متفرقة في كل شهر شيئاً. فإن عجلها فدفعها إليهم أو إلى غيرهم
متفرقة أو مجموعة، جاز؛ لأنه لم يؤخرها عن وقتها.
9 - يندب عند الحنفية الدفع إلى الفقير بما يغنيه عن سؤال جميع ما يحتاجه
في يومه لنفسه وعياله.
10 - لا حاجة لإعلام الفقير بكون المدفوع له هو زكاة، كما ذكر سابقاً.
_________
(1) غاية المنتهى: 314/ 1، المغني: 685/ 2، الدر المختار: 95/ 2، فتح
القدير: 28/ 2.
(3/1995)
|