الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي

المبحث السابع ـ سنن الحج والعمرة:
ذكرت تفصيلاً سنن الحج والعمرة في كل مذهب، وأهم هذه السنن إجمالاً:
1ً - الغسل، والتطيب للإحرام، وركعتا الإحرام.
2ً - التلبية عقب الإحرام وبعد كل صلاة.
3ً - طواف القدوم عند الجمهور، وقال المالكية: إنه واجب.
4ً - ركعتا الطواف عند الشافعية والحنابلة، وأداؤها واجب عند الحنفية والمالكية.
5ً - المبيت بمنى ليلة يوم عرفة وأداء خمس صلوات بمنى يوم التروية، وهي الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، اتباعاً للسنة.
6ً - المبيت بالمزدلفة ليلة يوم النحر والإسفار بها قبل طلوع الشمس سنة عند الحنفية، وإنما الواجب عندهم الوقوف بالمزدلفة بعد الفجر، اتباعاً للسنة في حديث جابر المتقدم. وقال الحنابلة: المبيت واجب، وقال المالكية: الوجوب بمقدار حط

(3/2272)


الرحال، وقال الشافعية: يكفي في المبيت بالمزدلفة لحظة في النصف الثاني من الليل.
7ً - المبيت بمنى ليالي التشريق سنة عند الحنفية، واجب عند الأئمة الآخرين، لغير ذوي الأعذار، اتباعاً لفعل النبي صلّى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود.
8ً - التحصيب: وهو النزول بوادي المحصَّب بعد النفر من منى إلى مكة فيما بين الجبلين عن طريق مقبرة الحجون، سنة عند الحنفية والحنابلة، مستحب عند غيرهم، مع الاتفاق أنه ليس من المناسك التي يلزم فعلها.
ودليل السنية: قول أسامة بن زيد في حجة النبي صلّى الله عليه وسلم: «قلت: يا رسول الله، أين تنزل غداً؟ قال: هل ترك لنا عقيل منزلا ً؟» ثم قال: «نحن نازلون بخيف بني كنانة حيث قاسمت قريش على الكفر» (1) والخيف: هو المحصب أي الوادي.
ودليل الاستحباب حديث عائشة: «إنما نزل رسول الله صلّى الله عليه وسلم المحصب ليكون أسمح لخروجه، وليس بسنة، فمن شاء نزله، ومن شاء لم ينزله» (2).
9ً - خطب الحج: هي خطبة واحدة بعد الظهر، إلا خطبة عرفة فهي خطبتان بعد الزوال قبل الصلاة. وللفقهاء رأيان في عدد خطب الحج (3): رأي إنها ثلاثة،
_________
(1) رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، والمقاسمة: هي تحالف قريش وبني كنانة على ألا يناكحوا بني هاشم وبني المطلب ولا يبايعوهم، ولا يؤوهم حتى يسلِّموا إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم (نيل الأوطار: 84/ 5).
(2) متفق عليه (نيل الأوطار: 83/ 5 ومابعدها).
(3) البدائع: 151/ 2 ومابعدها، الدر المختار: 236/ 2 ومابعدها، القوانين الفقهية: ص133، الشرح الصغير: 54/ 2، مغني المحتاج: 495/ 1 وما بعدها، الإيضاح: ص 47، غاية المنتهى: 412/ 1، 315، المغني: 407/ 3، 445، 456، المحرر: 249/ 1.

(3/2273)


ورأي إنها أربعة. أما الرأي الأول فهو للحنفية والمالكية والحنابلة: أن الخطب ثلاثة:

الخطبة الأولى ـ في السابع من ذي الحجة: تسن هذه الخطبة في مكة عند الكعبة في سابع ذي الحجة بعد صلاة الظهر، وهي خطبة واحدة لا يجلس فيها بالاتفاق، وهي أول الخطب، يعلمهم فيها الإمام مناسك الحج.
وكون هذه الخطبة هي الأولى هو مذهب الجمهور، بدليل حديث ابن عمر: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا كان قبل التروية بيوم، خطب الناس وأخبرهم بمناسكهم» (1).
واعتبر الحنابلة خطبة يوم عرفة هي الأولى.
وإذا كان يوم التروية يوم جمعة، خرج بهم الإمام عند الشافعية قبل الفجر؛ لأن السفر يومها بعد الفجر وقبل الزوال حرام، وإذا كان يوم عرفة يوم جمعة، جاز خروج الحجاج بعد الفجر، ولم يصل النبي صلّى الله عليه وسلم الجمعة بعرفة، مع أنه قد ثبت في الصحيحين أن يوم عرفة الذي وقف فيه النبي صلّى الله عليه وسلم كان يوم جمعة.
وجاز الخروج مطلقاً يوم التروية وغيره عند الحنابلة، سواء قبل الفجر أم قبل الزوال، فإن شاء الحاج خرج، وإن شاء أقام حتى يصلي.

الخطبة الثانية ـ يوم عرفة:
وهي خطبتان خفيفتان بعرفات قبل الصلاة اتفاقاً، يجلس بينهما الخطيب كما في الجمعة، يعلمهم في الأولى المناسك من موضع الوقوف بعرفة ووقته والدفع
_________
(1) أخرجه البيهقي بإسناد جيد.

(3/2274)


من عرفات، ومبيتهم في المزدلفة، وأخذ الحصى لرمي الجمار، ويحثهم على إكثار الذكر والدعاء بالموقف، لحديث جابر المتقدم أن النبي صلّى الله عليه وسلم فعل ذلك.
قال المالكية والشافعية: يبدأ المؤذن والإمام يخطب أو بعد فراغه من الخطبة، ويفرغ من الخطبة الثانية مع فراغ المؤذن، وقال الحنابلة: يأمر الإمام بالأذان بعد الخطبة.
ثم يصلي الإمام بالناس الظهر والعصر قصراً وجمع تقديم، اتباعاً للسنة كما روى مسلم، وذلك بأذان واحد وإقامتين وقراءة سرية، دون أن يصلي بينهما شيئاً من السنن، ولا بعد أداء العصر في وقت الظهر عند الحنفية.

الخطبة الثالثة عند الشافعية وهي الثانية عند الحنابلة: يوم النحر (العيد) بمنى:
وهي خطبة واحدة، يعلم الإمام فيها الناس مناسكهم من النحر والإفاضة والرمي، لما روى ابن عباس: «أن النبي صلّى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر، يعني بمنى» (1).
وعن رافع بن عمرو المزني قال: «رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يخطب الناس بمنى، حين ارتفع الضحى على بغلة شهباء، وعلى بعير عنه، والناس بين قائم وقاعد» (2).
ولأن يوم النحر تكثر فيه أفعال الحج، ويحتاج الناس إلى تعلم أحكام ذلك، فكانت الخطبة محتاجاً إليها لأجل هذا الغرض، كيوم عرفة.
_________
(1) أخرجه البخاري.
(2) رواه أبو داود.

(3/2275)


الخطبة الثالثة عند الجمهور، وهي الرابعة عند الشافعية: ثاني أيام منى:
وهي خطبة واحدة متفق عليها، يعلم الإمام فيها الناس حكم التعجيل والتأخير وتوديعهم، لما روي عن رجلين من بني بكر قالا:
«رأينا رسول الله صلّى الله عليه وسلم يخطب بين أوساط أيام التشريق، ونحن عند راحلته» (1)، ولأن بالناس حاجة إلى أن يعلمهم: كيف يتعجلون، وكيف يودعون، بخلاف اليوم الأول من أيام منى.
والخلاصة: إن الخطب أربعة عند الشافعية وهي خطبة السابع، وخطبة التاسع من ذي الحجة يوم عرفة، ويوم العيد بمنى، وفي اليوم الحادي عشر: ثاني أيام التشريق بمنى.
وهي ثلاثة عندالحنابلة: يوم عرفة، ويوم النحر، وثاني أيام منى.
وكذلك هي ثلاثة عند الحنفية والمالكية: سابع ذي الحجة في المسجد الحرام، ويوم عرفة بعد الزوال قبل الصلاة، وفي اليوم الحادي عشر.
وكلها مفردة إلا خطبة يوم عرفة فهي خطبتان، ومتفق عليها كما يلاحظ.