الفقه
الإسلامي وأدلته للزحيلي الفَصْلُ السَّادس: نظريَّة الفَسخ
ـ تعريف الفسخ لغة واصطلاحاً.
ـ ألفاظ ذات صلة: انفساخ، خلع، طلاق، إبطال، فساد.
ـ حكمه الإجمالي ودليله.
ـ شروط فسخ العقد.
ـ أسباب الفسخ.
ـ أنواع الفسخ.
1 - الفسخ الاتفاقي (الإقالة) والفسخ بحكم القضاء، والفسخ بحكم الشرع.
2 - الفسخ باعتباره جزاء لعدم تنفيذ العاقد الآخر التزامه.
3 - الفسخ بسبب الخيار (الفسخ والقوة الملزمة للعقد).
4 - الفسخ للأعذار الطارئة.
5 - الفسخ لاستحالة التنفيذ (الفسخ وتحمل تبعة الهلاك).
6 - الفسخ للإفلاس والإعسار والمماطلة.
(4/3147)
7 - الفسخ بسبب البطلان أو الفساد أو الردة
في الزواج.
8 - الفسخ الرضائي والفسخ الجبري بطريق القضاء.
9 - الفسخ لعدم إجازة العقد الموقوف.
10 - الفسخ بسبب الاستحقاق.
ـ ما يقبل الفسخ وما لا يقبل.
1 - العقود اللازمة للطرفين، كالبيع والإيجار والرهن والصلح والزواج.
2 - العقود الجائزة غير اللازمة للطرفين، كالإعارة والقرض والإيداع،
والوكالة، والشركة، والمقاولة، والهبة عند الحنفية.
3 - العقد اللازم لطرف دون آخر، كالكفالة والحوالة.
4 - تصرفات الإرادة المنفردة، كالوصية والجعالة.
ـ حالات فسخ العقود وحالات عدم الفسخ.
ـ فروق بين الفسخ وغيره.
1 - الفرق بين الفسخ والانفساخ.
2 - الفرق بين الفسخ (انحلال العقد) وانقضاء الالتزام.
3 - الفرق بين الفسخ والإبطال والبطلان والفساد.
4 - الفسخ وشرط الإلغاء الصريح أو الضمني.
5 - الفرق بين الشرط الموقف (الواقف) والشرط الفاسخ.
6 - الفرق بين الفسخ والطلاق، وهل يتوقف فسخ الزواج على القضاء؟
(4/3148)
ـ بعض أسباب الفسخ:
1 - الإخلال بالالتزام.
2 - عدم تنفيذ العقد، ومتى يجوز؟
ـ آثار الفسخ (أحكامه):
1 - انتهاء العقد بالفسخ.
2 - أثر الفسخ في الماضي (الأثر المستند والمقتصر) والمستقبل.
تعريف الفسخ لغة واصطلاحا ً:
فقرة (1) ـ المراد بالفسخ هنا لغة: هو النقص أو التفريق، وجاء في تاج
العروس شرح القاموس للزبيدي (1): الفسخ: الضعف في العقل والبدن، والجهل،
والطرح، وإفساد الرأي، والفسخ: النقض، فسخ الشيء يفسخه فسخاً فانفسخ: نقضه
فانتقض، والفسخ: التفريق، وقد فسخ الشيء: إذا فرقه. ومن المجاز: انفسخ
العزم والبيع والنكاح: انتقض، وقد فسخه: إذا نقضه، وفي الحديث: كان فسخ
الحج رخصة لأصحاب النبي صلّى الله عليه وسلم: وهو أن يكون نوى الحج أولاً،
ثم يبطله وينقضه، ويجعله عمرة، ويحل، ثم يعود يحرم بحجة، وهو التمتع أو
قريب منه.
فقرة (2) ـ والفسخ اصطلاحاً: حل ارتباط العقد (2)، أو هو ارتفاع حكم العقد
من الأصل كأن لم يكن (3)، فتستعمل كلمة الفسخ أحياناً بمعنى رفع العقد
_________
(1) تاج العروس: 273/ 2.
(2) الأشباه والنظائر لابن نجيم: ص 833، الأشباه والنظائر للسيوطي: ص 313.
(3) البدائع: 182/ 5.
(4/3149)
من أصله (1)، كما في الفسخ بسبب أحد
الخيارات، وتستعمل أيضاً بمعنى رفع العقد بالنسبة للمستقبل، كما في أحوال
فسخ العقود الجائزة أو غير اللازمة. فإذا انعقد العقد لم يتطرق إليه الفسخ
إلا في أحوال سأذكرها، مثل الخيارات، والإقالة، وهلاك المبيع قبل القبض،
وكون العقد غير لازم، ويتم ذلك بإرادة العاقد أو غيره، ويعود العاقدان إلى
الحالة الأصلية التي كانا عليها قبل التعاقد، ففي البيع مثلاً يعود المبيع
إلى ملك البائع، والثمن إلى ملك المشتري، وإذا فسخ الزواج بحكم القاضي زالت
رابطة العقد بين الزوجين وصار كل منهما أجنبياً بالنسبة للآخر.
قال السيوطي: يغتفر في الفسوخ ما لا يغتفر في العقود، ومن ثم لم يحتج إلى
قبول، وقبلت الفسوخ التعليقات دون العقود (2).
ألفاظ ذات صلة: انفساخ، خلع، طلاق،
إبطال، فساد:
(3) ـ الانفساخ: إن انحلال العقد (وهو
زوال الرابطة التي تربط المتعاقدين) يشمل كلاً من الفسخ والانفساخ، إلا أن
الفسخ ينشأ تارة عن الإرادة، أو الرضا، وقد يحدث جبراً عن أحدهما بحكم
القاضي، فهو يحدث بالتراضي أو بالتقاضي. أما الانفساخ: فيحدث بسبب حادث
طبيعي وهو استحالة التنفيذ، كهلاك أحد العوضيين.
فينفسخ كل عقد من تلقاء نفسه إذا استحال تنفيذه، وينفسخ العقد المستمر أو
عقد المدة (3) كعقد الإجارة إذا فقد ما يعتمد عليه بقاؤه، فعقد البيع ينفسخ
بهلاك
_________
(1) تبيين الحقائق للزيلعي: 197/ 4.
(2) الأشباه والنظائر للسيوطي: ص 318.
(3) العقود المستمرة: هي التي يستغرق تنفيذها مدة من الزمن، بحيث يكون
الزمن عنصراً أساسياً في تنفيذها كالإجارة والإعارة وشركة العقد والوكالة
(المدخل الفقهي للأستاذ الزرقاء: ف 247) أو هي العقود التي يكون الزمن
عنصراً جوهرياً فيها بحيث يكون المقياس الذي يقدر به محل العقد (الوسيط
للسنهوري: 1/ف 65 ص 166).
(4/3150)
المبيع هلاكاً كلياً قبل استلامه، لاستحالة
تنفيذ العقد بالتسليم بعد هلاك محله. وفي الهلاك الجزئي يصبح العقد قابلاً
للفسخ، وعقود الشركة والمضاربة والمزارعة والمساقاة تنفسخ بموت أحد
العاقدين، لأن هذه العقود تنشئ التزامات عملية ذات آثار متجددة، فيها
استمرار يعتمد بقاؤه بقاء العقد؛ لأن للاعتبار الشخصي فيها أثراً ملحوظاً،
كما يعتمد بقاء المحل (1). والإجارة تنفسخ بموت أحد العاقدين في مذهب
الحنفية، ولا تنفسخ بموت أحدهما في مذهب الجمهور الأئمة الآخرين، لأنها عقد
لازم كالبيع.
(4) ـ وقد عبّر القرافي عن هذا الفرق المذكور من الفسخ والانفساخ بقوله:
الفسخ: قلب كل واحد من العوضين لصاحبه، والانفساخ: انقلاب كل واحد من
العوضين لصاحبه، فالأول: فعل المتعاقدين أو الحاكم إذا ظفروا بالعقود
المحرّمة، والثاني: صفة العوضين، فالأول: سبب شرعي، والثاني حكم شرعي (2).
وبه يتضح أن الفسخ يشمل الفسخ الاتفاقي والقضائي، والانفساخ هو تحمل التبعة
عن الهلاك، أي ضمان التلف.
(5) ـ الخلع: الخلع لغة: النزع
والإزالة، وعرفا بضم الخاء: إزالة الزوجية، واصطلاحاً أو فقهاً: هو إزالة
ملك النكاح المتوقفة على قبول المرأة، بلفظ الخلع أو ما في معناه (3). ولا
يحتاج الخلع إلى حاكم، ويكفي تلفظ الزوج به، كأن يقول للمرأة: خالعتك على
كذا، فتقبل. والخلع طلاق بائن عند الجمهور، وله تفصيل في المعتمد عند
الحنابلة: إن وقع بلفظ الخلع والمفاداة ونحوهما، أو بكنايات
_________
(1) المدخل الفقهي العام للأستاذ مصطفى الزرقاء: ف 303.
(2) الفروق - في الفرق الخامس والتسعين والمئة بين قاعدة الفسخ وقاعدة
الانفساخ: 269/ 3.
(3) هذا تعريف الحنفية (الدر المختار: 766/ 2، فتح القدير: 199/ 3) وهناك
تعاريف أخرى للمذاهب: ر: خلع.
(4/3151)
الطلاق، ونوى به الطلاق، كان طلاقاً، فإن
وقع بصيغته الصريحة وهي لفظ خلعت وفسخت وفاديت، أو الكناية: وهي لفظ بارأتك
وأبرأتك وأبنتك، ولم ينو طلاقاً، فهو فسخ، لا ينقص به عدد الطلاق.
الخلع خاص بحل الرابطة الزوجية، وهو طلاق أو فسخ على التفصيل والخلاف
السابق، أما الفسخ: فهو أعم، وهو حل ارتباط العقد، كما تقدم، أياً كان
العقد بيعاً أو زواجاً أوغيرهما. والخلع يحدث بالتراضي، أما الفسخ فيمكن أن
يتم بالتراضي أو بقضاء القاضي.
(6) الطلاق: الطلاق لغة: رفع القيد
مطلقاً، يقال: أطلق الفرس: إذا خلاه، وفي الشريعة: رفع القيد الثابت
بالنكاح (1). وفرقة الزواج نوعان: فرقة فسخ وفرقة طلاق. والفسخ: إما أن
يكون بتراضي الزوجين وهو المخالعة أو الخلع، أو بواسطة القاضي.
والتفريق القضائي قد يكون طلاقاً: وهو التفريق بسبب عدم الإنفاق أو الإيلاء
أو للعدل أو للشقاق بين الزوجين أو للغيبة أو للحبس أو للتعسف، وقد يكون
فسخاً للعقد من أصله، كما هو حال التفريق في العقد الفاسد، كالتفريق بسبب
الردة وإسلام أحد الزوجين، والتفريق بسبب الإعسار عند الشافعية والحنابلة.
(7) - والفرق بين الطلاق والفسخ في رأي
الحنفية: أن الطلاق: هو إنهاء الزواج وتقرير الحقوق السابقة من المهر
ونحوه، ويحتسب من الطلقات الثلاث التي يملكها الرجل على امرأته، وهو لا
يكون إلا في العقد الصحيح.
_________
(1) أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء للشيخ قاسم
القونوي: ص155.
(4/3152)
وأما الفسخ: فهو نقض العقد من أصله، أو منع
استمراره، ولا يحتسب من عدد الطلاق، ويكون غالباً في العقد الفاسد أو غير
اللازم.
وبه يتبين أن الفسخ يفترق عن الطلاق من ثلاثة أوجه:
الأول: ـ حقيقة كل منهما: فالفسخ: نقض للعقد من أساسه، وإزالة للحل الذي
يترتب عليه، أما الطلاق: فهو إنهاء للعقد، ولا يزول الحل إلا بعد البينونة
الكبرى (الطلاق الثلاث).
الثاني: ـ أسباب كل منهما: الفسخ يكون إما بسبب حالات طارئة على العقد
تنافي الزواج، أو حالات مقارنة للعقد تقتضي عدم لزومه من الأصل. فمن أمثلة
الحالات الطارئة: ردة الزوجة أو إباؤها الإسلام أو الاتصال الجنسي بين
الزوج وأم زوجته أو بنتها. ومن أمثلة الحالات المقارنة: أحوال خيار البلوغ
لأحد الزوجين، وخيار أولياء المرأة التي تزوجت من غير كفء أو بأقل من مهر
المثل، ففيها كان العقد غير لازم.
أما الطلاق فلا يكون إلا بناء على عقد صحيح لازم، وهو من حقوق الزوج، فليس
فيه مايتنافى مع عقد الزواج أو يكون بسبب عدم لزومه.
الثالث: ـ أثر كل منهما: الفسخ: لا ينقص عدد الطلقات التي يملكها الرجل،
أما الطلاق فينقص به عدد الطلقات.
وكذلك فرقة الفسخ لا يقع في عدتها طلاق، إلا إذا كانت بسبب الردة أو الإباء
عن الإسلام، فيقع فيهما عند الحنفية طلاق زجراً وعقوبة. أما عدة الطلاق
فيقع فيها طلاق آخر، ويستمر فيها كثير من أحكام الزواج. ثم إن الفسخ قبل
الدخول لا يوجب للمرأة شيئاً من المهر، أما الطلاق قبل الدخول فيوجب نصف
المهر المسمى، فإن لم يكن المهر مسمى استحقت المتعة (تعويض بمثابة هدية).
(4/3153)
(8) ـ إبطال:
الباطل لغة ضد الحق، والإبطال اصطلاحاً: هو الحكم بكون العقد
باطلاً، لاختلال ركنه أو محله، والعقد الباطل: هو ما اختل ركنه أو محله، أو
ما لايكون مشروعاً بأصله ولا بوصفه (1). ولا يفيد الملك، كأن يكون أحد
العاقدين فاقد الأهلية، كالمجنون وغير المميز، والمميز فيما يضره ضرراً
محضاً، أو أن تكون الصيغة غير سليمة، أو يكون محل العقد غير قابل لحكم
العقد شرعاً، كبيع ما ليس بمال، أو ما ليس مالاً متقوماً، كالخمر والخنزير
والسمك في الماء، وكبيع شيء من الأموال العامة، كجزء من الطريق العام، أو
من مشفى أو من مسجد، وكالبيع الذي جعل الثمن فيه غير مال أصلاً كالميتة، أو
الشيء المباح للناس جميعاً، وفي الزواج كالعقد على إحدى المحارم أو لم
تكتمل عدتها من مطلقها، أو المتزوجة بزوج آخر، فكل هذه العقود باطلة، لأن
النهي في الشرع عنها عائد لأصل العقد أي لخلل في الصيغة أو في العاقد أو في
المحل.
(9) ـ وحكم الباطل: أنه لا يعد منعقداً أصلاً، وإن وجدت صورته في الظاهر،
فلا يترتب عليه أي أثر شرعي، فلا يفيد نقل الملكية أصلاً، إذ لا يعد
موجوداً بحال، ولا ينقلب صحيحاً أبداً، لأن البطلان المطلق ينجم عن فقدان
أحد أركان تكوين العقد.
أما الفسخ: فيرد على عقد صحيح منعقد حقيقة، وقد انتقلت فيه الملكية بين
الطرفين المتعاقدين.
ويشترك الإبطال والفسخ في إعادة العاقدين إلى الحالة الأصلية التي كانا
عليها قبل التعاقد، ويميز بين فسخ العقد وإبطاله من ناحيتين:
_________
(1) المراد بأصل العقد: ما يتعلق بالركن (وهو الصيغة) والأهلية أو المحل
المعقود عليه، والمراد بالوصف: ما يتصل بالعقد اتصالاً غير جوهري كالعلم
بالمعقود عليه أو بالثمن، أو هو الوصف العارض الطارئ للعقد الملازم له أو
المجاور، ولكنه منهي عنه شرعاً، كجهالة المبيع أو الثمن، وعدم تقوم الثمن.
(4/3154)
1 - إن سبب الفسخ هو عدم قيام أحد العاقدين
بتنفيذ التزامه، بينما سبب الإبطال بوجه عام: هو نقص الأهلية أو عيب
الإرادة، لذا ينشأ العقد القابل للفسخ صحيحاً، أما العقد القابل للإبطال
فلا ينشأ صحيحاً، فتقوم قابلية الإبطال عند تكوين العقد، بينما قابلية
الفسخ تكون عند تنفيذه.
2 - فسخ العقد خاضع لتقدير القاضي، أما إذا توافر سبب الإبطال فليس للقاضي
سلطة تقديرية، ولا يملك إلا الإبطال.
(10) ـ إ فساد: لغة: ضد إصلاح، واصطلاحاً: هو الحكم بكون العقد فاسداً.
والفساد والبطلان عند الجمهور مترادفان
بمعنى واحد (1)، وعند الحنفية: الفساد: اختلال في العقد في صفة عارضة طارئة
غير جوهرية فيه، لذا كان مرتبة متوسطة بين البطلان والصحة، والعقد الفاسد:
هو ماكان مشروعاً بأصله (ركنه ومحله وأهلية عاقديه) دون صفته، أي كان
صادراً ممن هو أهل له، والمحل قابل لحكم العقد شرعاً، والصيغة سليمة، ولكن
صاحب ذلك وصف منهي عنه شرعاً، كبيع المجهول جهالة فاحشة تؤدي للنزاع، مثل
بيع دار من دور، أو سيارة من سيارات دون تعيين ذات المبيع، وكإبرام صفقتين
في صفقة، كبيع دار على أن يبيعه سيارته، وكبيع مال متقوم (يباح الانتفاع به
شرعاً) جعل ثمنه مالاً غير متقوم (لا يباح الانتفاع به شرعاً) كخمر وخنزير
وكلب، وكبيع بقرة على أنها حامل.
وأسباب الفساد عند الحنفية ستة: الجهالة، والإكراه، والتوقيت، وغرر الوصف،
والضرر، والشرط الفاسد.
_________
(1) الباطل والفاسد عند الشافعية مترادفان إلا في الكتابة والخلع والعارية
والوكالة والشركة والقرض، وفي العبادات في الحج (الأشباه والنظائر للسيوطي:
ص 312).
(4/3155)
والباطل والفاسد عند الحنفيةفي العبادات
وفي الزواج مترادفان، وفي المعاملات كالبيع والشركة والإيجار متباينان (1).
(11) ـ وحكم الفاسد: ثبوت الملك فيه بالقبض بإذن المالك صراحة، أو دلالة
كأن يقبضه في مجلس العقد أمام البائع، دون أن يعترض عليه، لأن النهي الشرعي
عنه بسبب أمر ملازم للعقد يقتضي بطلان الوصف دون أصل العقد، لأنه استكمل
عناصره الأساسية، فيكون العقد فاسداً فقط. ويصبح الفاسد صحيحاً بزوال صفة
الفساد.
والعقد الفاسد واجب الفسخ شرعاً، إما من أحد العاقدين أو من القاضي إذا علم
بذلك، لأنه منهي عنه شرعاً. قال السيوطي: تعاطي العقود الفاسدة حرام إلا
المضطر إذا لم يجد الطعام إلا بزيادة على ثمن المثل (2). ويزال الفساد بطلب
العاقدين معاً أو بطلب أحدهما.
وإمكان فسخ العقد الفاسد عند الحنفية مشروط بشرطين.
أحدهما ـ بقاء المعقود عليه على ما كان قبل القبض: فلو تغير شكله، بأن هلك
أواستهلك، أو كان غزلاً فنسجه، أو قمحاً فطحنه، أو دقيقاً فخبزه، امتنع
الفسخ.
الثاني ـ عدم تعلق حق الغير به: فلو تصرف به المشتري لآخر بالبيع أو بالهبة
مثلاً، وتم قبضه من الموهوب له، امتنع الفسخ.
(12) ـ والفرق بين الفسخ والإفساد: أن
الفسخ يرد على عقد صحيح
_________
(1) الأشباه والنظائر لابن نجيم: ص 337، أنيس الفقهاء: ص 209.
(2) الأشباه والنظائر: ص 312.
(4/3156)
منعقد مكتمل الأركان والشروط، أما الإفساد
فيقع على عقد غير صحيح بسبب الخلل الذي صحبه أو قارنه في صفة طارئة غير
جوهرية فيه.
والعقد الصحيح قبل الفسخ يثبت به الملك
الطيب الحلال، وأما الفاسد فيفيد الملك الخبيث شرعاً بالقبض، فإذا فسخ
العقد الفاسد تساوى الفساد والفسخ في الأثر وهو زوال الرابطة العقدية التي
كانت بين العاقدين.
(13) - ولا يشترط القضاء في فسخ العقد الفاسد أو العقد الباطل: لأن «الواجب
شرعاً لا يحتاج إلى القضاء» (1)، ولكن ذلك عند عدم النزاع بين المتعاقدين،
فإذا حصل النزاع وجب اللجوء إلى القضاء. أما الفسخ فيتم إما بالتراضي أو
بقضاء القاضي.
والخلاصة: أن البطلان أو الفساد يعاصر العقد، ولا يتراخى إلى ما بعد
انعقاده صحيحاً، أما الفسخ فيكون بعد وجود العقد لا محالة (2). هذه هي
التفرقة الدقيقة بين المصطلحات الثلاثة، وإن كان الفقهاء في الغالب لا
يلتزمون هذه التفرقة، فيعبرون عن الفسخ بالبطلان أو الفساد، فمثلاً حالة
فساد العقد بفوات القبض المستحق بالعقد (3)، المقصود: هو الفسخ وليس الفساد
(4).
الحكم الإجمالي للفسخ ودليله:
(14) ـ الفسخ: إما واجب أو جائز، فيجب رعاية لحق الشرع، كفسخ العقد الفاسد
لإزالة سبب الفساد واحترام ضوابط الشرع أو شرائطه التي قررها في
_________
(1) درر الحكام: 175/ 2.
(2) حاشية الشلبي على الزيلعي: 143/ 5.
(3) المبسوط: 26/ 13.
(4) سبب الالتزام وشرعيته في الفقه الإسلامي للدكتور جمال الدين محمود: ص
441 ومابعدها.
(4/3157)
العقود، حماية للمصلحة العامة أو الخاصة،
ودفعاً للضرر، ومنعاً للمنازعات التي تحدث بسب مخالفة الشروط الشرعية.
ويجوز الفسخ إعمالاً لإرادة العاقد، كالفسخ بسبب الخيار في العقود غير
اللازمة، والفسخ بالتراضي والاتفاق كالإقالة. وقد جاء الشرع بأدلة كثيرة في
مشروعية الخيارات والإقالة (1)، وقال عليه الصلاة والسلام: «المسلمون عند
شروطهم ما وافق الحق من ذلك» (2) وهذا دليل على أن حق الفسخ في الشريعة
مستمد من فكرة اللزوم الذي يقوم عليه العقد. قال الله تعالى: {يا أيها
الذين آمنوا أوفوا بالعقود} [المائدة:1/ 5] وقال النبي صلّى الله عليه وسلم
فيما يرويه ابن ماجه عن أبي سعيد: «إنما البيع عن تراض».
والفسخ القضائي جائز إما رعاية لحق الشرع، وإما إحقاقاً للحق ورفع الظلم
الذي يقع على أحد المتعاقدين بسبب إضرار العاقد الآخر، وإصراره على منع
غيره من ممارسة حقه في الفسخ، لوجود عيب في المبيع أو استحقاق المبيع أو
الثمن مثلاً. وحق القاضي في الفسخ ناشئ من ولايته العامة على الناس، أو
لأنه يجب عليه رقابة تنفيذ أحكام الشرع.
وحينئذ يكون الفسخ إما شرعاً أو قضاء أو بالرضا.
ملاحظات ثلاث:
(15) ـ الأولى ـ الأصل في العقود اللزوم:
يصون الفقه الإسلامي العقود عن الفسخ قدر الإمكان؛ لأن الأصل توافر القوة
الملزمة للعقد لقوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود}
[المائدة:1/ 5] {وأوفوا بالعهد إن العهد كان
_________
(1) ر: خيار، وإقالة، وسيأتي قريباً دليل الإقالة.
(2) أخرجه الحاكم عن أنس وعائشة، وهو صحيح.
(4/3158)
مسئولا} [الإسراء:34/ 17]
قال القرافي: واعلم أن الأصل في العقود اللزوم؛ لأن العقود أسباب لتحصيل
المقاصد من الأعيان، والأصل ترتب المسببات على أسبابها (1).
فإذا استأجر شخص عاملاً، فهرب العامل قبل تمام العمل، استأجر صاحب العمل من
يعمل عليه، وله أن يفسخ العقد إذا عجز، ويسلم إلى العامل أجره قبل هربه
(2). وفوات المنفعة بالكلية موجب للفسخ، أما فوات المنفعة الجزئية فلايوجب
الفسخ (3).
(16) ـ ليست الخيارات موهنة للقوة الملزمة للتعاقد، سواء كانت تعاقدية،
كخيار الشرط، والتعيين، والنقد، أو شرعية، كخيار العيب والتدليس، والتغرير،
وفوات الوصف، وتفرّق الصفقة، لأن الأولى نشأت بإرادة المتعاقدين، ولأن
الثانية تخل بإرادة العاقد ورضاه، كإعطاء حق الإبطال وحق الإجازة في
القوانين الحديثة لمن كانت إرادته معيبة بعيب من عيوب الرضا من إكراه
أوغلط، أو تدليس أو استغلال.
(17) ـ الثانية ـ ليس في الفقه الإسلامي نظرية
عامة للفسخ تطبق على جميع العقود في أحوال معينة تقتضي الفسخ، ولا
يعرف الفقه أيضاً نظام الفسخ القانوني أي باعتباره جزاء يترتب لمصلحة
الدائن على إخلال المدين بالتزامه، ويقوم على فكرة الارتباط بين الالتزامات
المتقابلة. ولكن يعرف الفسخ باعتباره نتيجة لإعمال شرط يتضمنه العقد عند
الإخلال بالالتزام.
_________
(1) الفروق: 269/ 3.
(2) الوجيز للغزالي: 229/ 1.
(3) المرجع السابق: ص 238.
(4/3159)
(18) ـ الثالثة
ـ يرى بعض الكاتبين الجدد أن أساس حق الفسخ في الشريعة هو ركن الرضا،
والرضا مرتبط بالمحل المعقود عليه طوال حياة الالتزام، فإذا انعدمت الصلة
بينهما حتى بعد نشوء العقد كان العقد قابلاً للفسخ (1). والأدق أن يقال: إن
أساس حق الفسخ في الفقه الإسلامي هو فكرة المعاوضة المعتبرة شرعاً التي
يشترط فيها أن تؤدي إلى التوازن في مضمون العقد، ليس فقط عند لحظة انعقاد
العقد، بل حتى عند تنفيذ العقد، فإذا اختلت المعاوضة أو التوازن العقدي،
كان لمن اختلت المعاوضة في جانبه حق طلب الفسخ (2).
شروط فسخ العقد:
يشترط لجواز فسخ العقد شروط ثلاثة:
(19) ـ الأول: أن يكون العقد ملزماً للجانبين أي عقد معاوضة: فلا يرد الفسخ
إلا على العقود الملزمة للجانبين كالبيع والإيجار، لأن الفسخ يقوم شرعاً
كما بينت على فكرة المعاوضة المعتبرة شرعاً. أما العقد الملزم لجانب واحد
كالوديعة والكفالة وهبة التبرع، فلا يتصور الفسخ فيه، لأن الملتزم طرف
واحد، وليس هناك معاوضة أو مبادلة، حتى يلجأ الطرف الآخر إلى الفسخ لحماية
مصلحته، وتسويغ امتناعه من تنفيذ التزامه.
(20) ـ الثاني: أن يخالف العاقد شرطاً صريحاً أو ضمنياً أو حكماً في العقد:
فإذا خالف أحد العاقدين ما اشترطه عليه العاقد الآخر صراحة، أو كان الشرط
مفهوماً ضمناً، أو كان الالتزام مقرراً بمقتضى العقد، جاز للطرف الآخر
_________
(1) النظرية العامة للفسخ للدكتور علي حسن دنون: ص73.
(2) سبب الالتزام وشرعيته في الفقه الإسلامي للدكتو جمال الدين محمود: ص
452.
(4/3160)
طلب فسخ العقد، لاستحالة تنفيذ الالتزام
المطلوب، كما في حالة هلاك العين المؤجرة، وإعسار المشتري بالثمن في البيع.
(21) ـ الثالث ـ انعدام الرضا الصحيح:
فإذا لم يرض العاقد بالخلل الحاصل أو كان رضاه مشوباً بعيب من عيوب الإرادة
أو الرضا وهي الغلط والإكراه والتدليس، كان له حق المطالبة بفسخ العقد
بالتراضي أو بالتقاضي. أما إن رضي بما آل إليه أمر المعقود عليه من هلاك
كلي أو جزئي، فيسقط حقه في الفسخ.
وقد ذكرت سابقاً (1) شروط فسخ العقد الفاسد، أما فسخ العقد بسبب الخيار أو
بسبب كون العقد غير لازم، أو حال الإقالة
(الفسخ الاتفاقي) فمحله موضع بحث هذه الأمور.
أسباب الفسخ:
(22) ـ أسباب الفسخ خمسة: إما الاتفاق أو التراضي ومنه الإقالة، وإما
الخيار، وإما عدم اللزوم، وإما استحالة تنفيذ أحد التزامات العقد
المتقابلة، وإما الفساد.
(23) ـ 1 ـ الاتفاق: يفسخ العقد
بالتراضي بين العاقدين بشرط صريح في العقد، والإقالة: نوع من الفسخ
الاتفاقي، وهي الرفع والإزالة، أو هي «رجوع كل من العوضين لصاحبه، فيرجع
الثمن للمشتري والمثمون للبائع، وأكثر استعمالها قبل قبض المبيع» (2) وقال
ابن عرفة: الإقالة: ترك المبيع لبائعه بثمنه. وهي عند الحنفية بالاتفاق بيع
جديد في حق غير العاقدين، سواء قبل القبض أو
_________
(1) راجع ف /11 وانظر ف/51 الآتية.
(2) زاد المعاد لابن القيم: 76/ 1.
(4/3161)
بعده، وفسخ في حق العاقدين بعد القبض في
رأي أبي حنيفة، لأنها رفع لغة وشرعاً، ورفع الشيء: فسخه، ويرى أبو يوسف: أن
الإقالة بيع جديد في حق العاقدين وغيرهما، إلا أن يتعذر جعلها بيعاً، فتجعل
فسخاً، كأن تقع الإقالة قبل القبض في مبيع منقول، لأن بيع المنقول قبل
القبض لا يجوز، لأن معنى البيع هو مبادلة المال بالمال، وهو أخذ بدل وإعطاء
بدل، وقد وجد، فكانت الإقالة بيعاً لوجود معنى البيع فيها، والعبرة للمعنى
لا للصورة.
ويرى محمد: أن الإقالة فسخ إلا إذا تعذر جعلها فسخاً، فتجعل بيعاً للضرورة،
لأن الأصل في الإقالة الفسخ، لأنها عبارة عن رفع الشيء لغة وشرعاً (1).
(24) ـ وذهب زفر والشافعية والحنابلة إلى أن الإقالة فسخ في حق الناس كافة،
لأن الإقالة هي الرفع والإزالة، ولأن المبيع عاد إلى البائع بلفظ لا ينعقد
به البيع، فكان فسخاً (2).
(25). وذهب المالكية إلى أن الإقالة بيع ثان يشترط فيها ما يشترط فيه،
ويمنعها ما يمنعه؛ لأن المبيع عاد إلى البائع على الجهة التي خرج عليه منه،
فهي تتم بتراضي الطرفين، يجوز فيها ما يجوز في البيوع، ويحرم فيها ما يحرم
في البيوع، ولكنهم استثنوا ثلاثة أشياء:
أولاً ـ طعام المعاوضة قبل قبضه، أي الإقالة من بيع الطعام قبل قبضه،
فالإقالة فيه حل أو فسخ للبيع، فلذلك جازت قبل قبض المشتري لها من البائع
إن وقعت الإقالة بالثمن عينه، لا بأقل منه ولا بأكثر ولا بغيره، وإلا لزم
بيع طعام المعاوضة قبل قبضه.
_________
(1) البدائع: 306/ 5، فتح القدير: 247/ 5، الدر المختار ورد المحتار: 154/
4.
(2) الأشباه والنظائر للسيوطي: ص 152، القواعد لابن رجب: ص 379، المغني:
121/ 4 ومابعدها.
(4/3162)
ثانياً ـ الشفعة: ليست الشفعة بيعاً، ولا
حلّ بيع أي فسخه، بل هي لاغية للبيع، فمن باع نصيبه من عقار، ثم أقال
المشتري منه، فالشفعة ثابتة للشريك بما وقعت به الإقالة، وعهدة الشفيع على
المشتري.
ثالثاً: المرابحة: هي حل البيع، فمن باع بمرابحة، ثم تقايل مع المشتري، فلا
يجوز له أن يبيعها مرابحة على الثمن الذي وقعت الإقالة به إذا وقعت بزيادة.
(26) ـ ودليل جواز الإقالة (1): قوله
صلّى الله عليه وسلم: «من أقال نادماً أقاله الله يوم القيامة» (2) وفي
رواية: «من أقال مسلماً، أقال الله عثرته» (3).
ولا يجوز فسخ العقود اللازمة بحق الطرفين إلا بإرادتهما وذلك عن طريق
الإقالة، ولا تجوز الإقالة في الزواج، بل يجوز الطلاق.
ويلاحظ أن الإقالة تحدث غالباً مع أنه لا خلل في المعاوضة بالنسبة
للمتقايلين، وقد تحدث؛ لأن العاقد اكتشف في نفسه شيئاً من عدم الرضا بعد
انعقاد العقد صحيحاً.
والخلاصة: أن الفسخ في الإقالة يختلف عن الفسوخ الأخرى، حيث لا يشترط في
سائر الفسوخ رضا المتعاقدين، بل تصح من طرف واحد، أما الإقالة فلا تصح إلا
برضا المتعاقدين، كما أن الإقالة لا تتأثر بالشروط الفاسدة عند الحنفية
(4).
_________
(1) الشرح الصغير: 209/ 2 ومابعدها، القوانين الفقهية: ص 272.
(2) أخرجه البيهقي عن أبي هريرة.
(3) أخرجه أبو داود، وكذا ابن ماجه وزاد (يوم القيامة) وأخرجه أيضاً ابن
حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم
يخرجاه.
(4) البدائع: 3397/ 7، مطبعة الإمام بالقاهرة، مغني المحتاج: 65/ 2،
المغني: 93/ 4.
(4/3163)
(27) ـ 2 ـ
الخيار: هو الذي يتمثل فيه الفسخ بسبب شرط صريح أو ضمني، وهو أن
يكون للمتعاقد الحق في الاختيار بين الإمضاء وعدم إمضائه بفسخه إن كان
الأمر أمر خيار شرط أو رؤية أو عيب، أو أن يختار أحد المبيعين إن كان الأمر
أمر خيار التعيين (1).
يفسخ العقد بسبب وجود خلل في تكوين العقد، وبخاصة فيما يتعلق بالمعقود
عليه، كما في خيار الوصف أوخيار الرؤية، وخيار العيب، وخيار الغبن
والتغرير، وحينئذ يختلط الفسخ بالإبطال، ويفسخ بسبب تضمن العقد شرطاً يمنح
أحد العاقدين أو كليهما رخصة فسخ العقد، كما في خيار الشرط وخيار النقد.
وقد اعتبر الفقهاء استحقاق المبيع عيباً في العقد. والعيب يشمل كل ما من
شأنه الحط من قيمة الشيء أو تفويت غرض من أغراضه.
كما يفسخ بسب تجزؤ الشيء في خيار تفرق الصفقة، أو تغير شكله قبل التسليم،
أو وجد المشتري نقصاً في المقادير والكميات. وقد يفسخ العقد أيضاً بسبب
الخلل في الرضا، فإذا شاب الرضا بعض العيوب كالغبن التدليسي والغلط،
والإكراه، جاز الفسخ.
(28) - 3 - عدم لزوم العقد بطبيعته: إنه
يجعل للعاقد الحق في الفسخ من الأصل، فيجوز لأحد العاقدين أو لكليهما بحسب
العقد المسمى أن يستقل بالفسخ، مثل العارية والقرض والوديعة والشركة
والوكالة، كلها عقود غير لازمة يجوز فسخها متى شاء أحد الطرفين المتعاقدين،
بشرط إعلام الطرف الآخر بالفسخ في رأي الحنفية، ليكون على بيّنة من أمره،
فعلم الطرف الآخر بالفسخ مشروط دائماً. وقال ابن رجب: عقود المشاركات
كالشركة والمضاربة، المشهور
_________
(1) الدر المختار: 47/ 4.
(4/3164)
أنها تنفسخ قبل العلم كالوكالة، وكذا
الوديعة للوديع فسخها قبل علم المودع بالفسخ، وتبقى في يده أمانة، وكذا
الطلاق والخلع يصح دون علم الآخر (1).
(29) - 4 - استحالة تنفيذ أحد الالتزامين
المتقابلين: سواء أكانت هذه الاستحالة ناشئة عن فعل الملتزم أم لا؛
إن هذه الاستحالة تجيز فسخ العقد أحياناً؛ لأن الالتزام المقابل يصبح بلا
سبب. وعلى هذا إذا هلك الشيء المؤجر بعينه أو لم يستطع المستأجر الانتفاع
بالعين المؤجرة، سقط التزامه بدفع الأجرة، وفسخت الإجارة، لاستحالة استيفاء
المنفعة المتعاقد عليها. أما إذا كانت الإجارة في الذمة كتعهد نقل الحمل
إلى مكان معين على أية دابة أو سيارة ثم تعبت الدابة أو تعطلت السيارة، فلا
يفسخ العقد، بل يطلب التنفيذ العيني، أي الاستبدال بها غيرها. والقاعدة في
البيع: أنه إذا كان الثمن ديناً، أجبر البائع على تسليم المبيع، ثم يجبر
المشتري على تسليم الثمن إن كان حاضراً، فإن كان الثمن غائباً أو بعيداً أو
كان المشتري معسراً، فللبائع الفسخ (2).
(30) - 5 - الفسخ للفساد عند الحنفية القائلين
به في المعاملات: يفسخ العقد للفساد بحكم الشرع لإزالة سبب فساد
العقد كما تقدم، كجهالة المبيع أو الثمن أو الأجل أو وسائل التوثيق من
كفالة أو رهن جهالة فاحشة وهي التي تفضي إلى المنازعة، وتعليق المبيع على
شرط، وإضافته للمستقبل، واشتمال البيع على الثمن المحرّم شرعاً كالخمر
والخنزير، ووجود بيعتين في بيعة أو شرطين في بيع واحد، والإضرار بالمبيع
كبيع جذع من سقف، وكون البيع فيه غرر الانفساخ بهلاك المعقود عليه، أي
احتمال الهلاك، كبيع الشيء المنقول المملوك قبل قبضه،
_________
(1) القواعد: ص 115.
(2) المدخل الفقهي العام للأستاذ مصطفى الزرقاء: ص 239 - 240.
(4/3165)
ووجود شرط فاسد أو مفسد في العقد وهو ما لا
يقتضيه العقد ولا يلائمه ولا ورد به الشرع ولا يتعارفه الناس، وإنما فيه
منفعة لأحد المتعاقدين. ويمكن حصر أسباب الفساد كما تقدم في ستة: الإكراه،
والغرر (غرر الوصف)، والجهالة، والتوقيت، والضرر الذي يصحب التسليم، والشرط
الفاسد، ومنه الربا، أما فساد بيع المنقول قبل قبضه فيرجع للضرر (1).
وبه يتضح أن أسباب انحلال العقد في الفقه
الإسلامي ثلاثة:
1 - كون العقد غير لازم.
2 - الفسخ.
3 - الإقالة (2).
أنواع الفسخ:
1 - الفسخ الاتفاقي (أوالإقالة) والفسخ بحكم
القضاء، والفسخ بحكم الشرع: (31) - الفسخ الاتفاقي كما تقدم: هو
إنهاء العقد باتفاق العاقدين، إذ إن فسخ العقد يكون بالوسيلة نفسها التي
عقد بها العقد، فكما نشأ العقد بإيجاب وقبول متطابقين على إنشائه، كذلك
يزول بإيجاب وقبول متوافقين على إلغائه، فالعقد: اتفاق ينشئ الالتزام، أما
الإقالة فهي اتفاق يقضيه. ومحل الإقالة: إلغاء الالتزامات التي نشأت من
العقد الذي أقيل، وسببها: هو الباعث الذي دفع المتقايلين إلى هذا الإلغاء.
_________
(1) راجع المبسوط: 9/ 13 - 10.
(2) مصادر الحق للسنهوري: 190/ 6.
(4/3166)
وقد تتم الإقالة بإرادة منفردة إذا اتفق
عليها بإرادتين سابقتين، وعلى أي حال فإن الإقالة التي هي فسخ اتفاقي لا
تخل بالمعاوضة لأي من العاقدين، وإنما تدل على أن الرضا الكامل بالعقد غير
متوافر.
(32) ـ ويقرب من الإقالة: الرجوع في الهبة إذا تم بالتراضي، فهذه إقالة من
الهبة، وقد يتم الرجوع في الهبة بغير الإقالة، وذلك بطريق القضاء إذا لم
يقبل الموهوب له الإقالة، واستند الطلب إلى عذر مقبول، ولم يوجد مانع من
الرجوع (1). والعذ ر المقبول مثل إخلال الموهوب له بما يجب نحو الواهب، أو
عجز الواهب عن توفير أسباب المعيشة لنفسه أو أن يرزق ولداً بعد الهبة،
وموانع الرجوع في الهبة هي الزوجية والقرابة والتصرف في الموهوب، والزيادة
المتصلة في الموهوب أو تغييره على وجه تبدل فيه اسمه، كخياطة القماش ثوباً،
وموت أحد العاقدين، وهلاك الموهوب أو استهلاكه، والعوض في الهبة، وحال كون
الهبة صدقة لفقير أو جهة بر، وهبة الدين للمدين. ويلاحظ أن الزواج يقبل
الفسخ قبل التمام لا بعده، فلا تصح إقالته (2).
(33) - وأما الفسخ بحكم القضاء أو الفسخ الجبري: فيكون إذا لم يحدث الفسخ
بالتراضي، أو لرفع فساد العقد. ففي البيع المشتمل على خيار العيب، وفي حالة
الهلاك غير الكلي حيث يكون العقد في حاجة إلى فسخ، يرى الحنفية أن المبيع
إذا كان في يد البائع، فينفسخ البيع بقول المشتري: رددت، ولا يحتاج إلى
قضاء القاضي، ولا إلى التراضي باتفاق الحنفية والشافعية.
وأما إن كان المبيع في يد المشتري، فلا ينفسخ إلا بقضاء القاضي أو بالتراضي
_________
(1) مصادر الحق للسنهوري: 244/ 6 - 246.
(2) الأشباه والنظائر لابن نجيم: ص 177.
(4/3167)
عند الحنفية؛ لأن الفسخ بعد القبض يكون على
حسب العقد؛ لأنه يرفع العقد، وبما أن العقد لا ينعقد بأحد العاقدين، فلا
ينفسخ بأحدهما من غير رضا الآخر، ومن غير قضاء القاضي، بخلاف الفسخ قبل
القبض؛ لأن الصفقة ليست تامة حينئذ، بل تمامها بالقبض، فكان بمنزلة القبض
(1). أما في خيار الرؤية فيرد المشتري المبيع بمحض إرادته دون حاجة إلى
التراضي أو التقاضي، سواء كان ذلك قبل قبض المبيع أو كان بعد القبض. فإذا
رد من له الخيار، ولو بعد قبض المبيع، رد بمحض إرادته دون حاجة إلى التراضي
أو التقاضي.
ويرى الجمهور أن العقد ينفسخ بقول المشتري: رددت، بغير حاجة إلى قضاء، ولا
إلى رضا البائع؛ لأن الفسخ لا تفتقر صحته إلى القضاء، ولا إلى الرضا كالفسخ
بخيار الشرط بالاتفاق، وبخيار الرؤية على أصل الحنفية (2).
(34) - ويفسخ القاضي العقد عند الاطلاع على فساده ورفع الأمر إليه، كفسخ
البيع الفاسد عند الحنفية إذا وجد فيه أحد أسباب الفساد الستة المتقدمة وهي
الإكراه، والغرر، والجهالة، والتوقيت، والضرر الذي يصحب التسليم، والشرط
الفاسد، والربا.
ولا يشترط أن يحكم القاضي بالفسخ، ما لم يكن الفسخ بسبب عيب في المبيع،
وكان المشتري قد قبض المبيع.
وأسباب الفسخ القضائي أو حالاته: هي استحالة التنفيذ، وعدم التنفيذ،
والإعذار في العقود المستمرة، والشرط الفاسخ الصريح أو الخيارات الاتفاقية.
(35) - وأما الفسخ بحكم الشرع: فيكون بسبب الخلل الحاصل في
_________
(1) البدائع: 281/ 5، 298.
(2) مغني المحتاج: 57/ 2، المهذب: 284/ 1، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير:
121/ 3، 138، المغني: 109/ 4.
(4/3168)
العقد في شرط من شروط الشرع، كفسخ الزواج
عند تبين الرضاع بين الزوجين، وفسخ البيع حالة فساده كما تقدم.
والفرق بين الفسخ الاتفاقي والفسخ أو الانفساخ بحكم الشرع والفسخ القضائي:
أن الحكم في النوعين الأولين يكون كاشفاً عن الفسخ وليس منشئاً له، أما
الفسخ بحكم القضاء فالحكم فيه منشئ للفسخ.
2 - الفسخ باعتباره جزاء لعدم تنفيذ العاقد
الآخر التزامه:
(36) -. لا يجيز الفقه الإسلامي للعاقد أن يطلب الفسخ إذا لم ينفذ العاقد
الآخر التزامه، فإذا لم يسلم البائع المبيع أو لم يدفع المشتري الثمن عند
حلول الأجل، أجبر العاقد على تنفيذ الالتزام ما دام تنفيذ هـ عيناً ممكناً؛
لأن مهمة القاضي هي إيصال ذوي الحقوق إلى حقوقهم، فلا موجب للفسخ.
(37) -. وتكون القاعدة أن العقد لا يفسخ إذا أخل المدين بالتزامه، بل يبقى
العقد قائماً في هذه الحالة، فإذا كان الثمن ديناً أجبر البائع في رأى
الحنفية وغيرهم على تسليم المبيع، ثم يجبر المشتري على تسليم الثمن إن كان
حاضراً، وإن كان الثمن غائباً أو بعيداً أو كان المشتري معسراً، فللبائع
الفسخ.
وإذا أخل المرتهن بالتزامه، لم يملك الراهن فسخ الرهن، بل يقتصر على مطالبة
المرتهن بتنفيذ التزامه، أو مطالبته بالضمان إذا هلك المرهون.
وإذا لم يقم أحد العاقدين في الصلح بتنفيذ ما التزم به بموجب العقد، فليس
للمتعاقد الآخرأن يفسخ الصلح، بل يطالب المدين بأن يقوم بتنفيذ التزامه
(1).
_________
(1) المدخل الفقهي العام للأستاذ مصطفى الزرقاء: ص 239 - 240، مصادر الحق
للسنهوري: 230/ 6.
(4/3169)
3 - الفسخ بسبب
الخيار (الفسخ والقوة الملزمة للعقد):
(38) -. عرفنا سابقاً أن الأصل في العقود اللزوم، فيلزم العقد بالإيجاب
والقبول، إلا إذا كان فيه خيار أو كان العقد بطبيعته غير لازم، وحينئذ يجوز
فسخ العقد إما لكلا العاقدين برضاهما أو لأحدهما بدون تراض، ففي العقد غير
اللازم يثبت خيار الفسخ للعاقدين، وفي العقد المشتمل على الخيار يثبت حق
الفسخ لكلا العاقدين في خيار المجلس (1) عند القائلين به وهم الشافعية
والحنابلة والإمامية، وكذا في خيار الشرط إن كان مشروطاً للعاقدين، فإن كان
مشروطاً لأحدهما انحصر فيه حق الفسخ. ويكون حق الفسخ لأحد العاقدين أيضاً
في الخيارات الناجمة عن وجود شائبة أو عيب في رضا أحد المتعاقدين كالغلط
والغبن والتغرير والإكراه، وهذا يشمل خيار العيب، وخيار الغبن والتغرير،
وخيار تلقي الركبان، وخيار تفرق الصفقة، وخيار الرؤية، وخيار فقد الوصف
المشروط في العقد، وفي حال استحقاق (2) أحد العوضين. وهذا يعني أن صاحب
الخيار يقدر على إمضاء العقد أو على حله كيفما شاء دون رضا الآخر، وإن
خياره هذا يسقط بالإجازة الصريحة أو الضمنية، أي بكل مايدل على رضاه بإمضاء
العقد بعد علمه بزوال سبب الخيار، وإذا أمضاه يصبح بعدئذ لازماً (3).
(39) -. ووجود هذه الخيارات لا يضعف القوة الملزمة للتعاقد؛ لأن العقد نشأ
غير لازم باتفاق إرادتي العاقدين، كما في خيار الشرط ونحوه، أو بحكم الشرع،
كما في خيار المجلس، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «البيِّعان بالخيار ما لم
يتفرقا، أو يقول
_________
(1) خيار المجلس: هو أن يكون لكل من العاقدين حق فسخ العقد، ما داما في
مجلس العقد، لم يتفرقا بأبدانهما، أو يخير أحدهما الآخر، فيختار لزوم
العقد.
(2) الاستحقاق: أن يدعي شخص ملكية شيء، ويثبت ذلك بالبينة، ويقضي القاضي له
بملكيته.
(3) النظرية العامة للموجبات والعقود للدكتور صبحي محمصاني: 289/ 1.
(4/3170)
أحدهما للآخر: اختر» (1) أي اختر اللزوم،
فهذا الحديث لا يعارض آية الأمر بالوفاء بالعقود؛ لأن المراد بالعقود هي
الكاملة اللازمة التي لا خيار فيها، ولا يعارض أيضاً آية {تجارة عن تراض
منكم} [النساء:29/ 4] لأن هذا الخيار مشروع للتأكد من تمام الرضا.
وللعقود غير اللازمة في الفقه الإسلامي نظائر في القوانين الوضعية الحديثة،
مثل العقود الزمنية غير المعينة المدة التي يجوز لأحد العاقدين فيها أن
يستقل بنقضها بإرادته المنفردة (2).
والخلاصة: أن الفسخ حق ضعيف، وهو خروج على القاعدة العامة التي تقضي بلزوم
العقد، ووجوب الوفاء به.
4 - الفسخ للأعذار الطارئة:
يفسخ العقد للعذر أو لحوادث طارئة إذا كان عقد إيجار ونحوه، أو عقد بيع
للثمار بسبب الجوائح.
(40) - أجاز فقهاء الحنفية (3) دون غيرهم فسخ عقد الإجارة وعقد المزارعة
بالأعذار الطارئة؛ لأن الحاجة تدعو إلى الفسخ عند العذر؛ لأنه لو لزم
_________
(1) أخرجه أحمد في مسنده ومالك والشيخان وأصحاب السنن إلا ابن ماجه عن حكيم
بن حزام، وأثبت ابن حزم تواتره، وقال ابن رشد عنه: وهذا حديث إسناده عند
الجميع من أوثق الأسانيد وأصحها. لكن أجاب القرافي في الفروق: (270/ 3 -
273) عن هذا الحديث بعشرة أجوبة، منها مخالفته عمل أهل المدينة، وهو مقدم
على خبر الواحد - في رأيه ومنها حديث أبي داود والدارقطني: «المتبايعان كل
واحد منهما بالخيار، ما لم يفترقا إلا أن يكون صفقة خيار، ولا يحل له أن
يفارق صاحبه خشية أن يستقيله».
(2) التعبير عن الإرادة في الفقه الإسلامي للدكتور وحيد سوار: ف 615، 618.
(3) المبسوط: 2/ 16 ومابعدها، البدائع: 197/ 4 ومابعدها، تبيين الحقائق:
145/ 5 وما بعدها، مختصر الطحاوي: ص 130، الدر المختار ورد المحتار: 54/ 5
ومابعدها.
(4/3171)
العقد عند تحقق العذر، للزم صاحب العذر ضرر
لم يلتزمه بالعقد. والعذر: هو ما يكون عارضاً يتضرر به العاقد مع بقاء
العقد، ولا يندفع بدون الفسخ. قال ابن عابدين: كل عذر لا يمكن معه استيفاء
المعقود عليه إلا بضرر يلحقه في نفسه أو ماله، يثبت له حق الفسخ (1).
(41) ـ والأعذار ثلاثة أنواع:
1 - عذر من جانب المستأجر: كإفلاسه أو
انتقاله من حرفة إلى أخرى؛ لأن المفلس أو الذي بدل الحرفة لا ينتفع بالعقد
إلا بضرر، وكذا سفره عن البلد؛ لأن في إبقاء العقد مع السفر ضرراً به.
2 - عذر من جانب المؤجر: كلحوق دين فادح
به لا يجد طريقاً لقضائه إلا ببيع الشيء المأجور وأدائه من ثمنه، هذا إذا
ثبت الدين قبل الإجارة بالبينة أو بالإقرار. ومثل إطلاع المؤجر على عيب في
المأجور.
3 - عذر راجع للعين المؤجرة: كأن يستأجر
شخص حماماً في قرية ليستغله مدة معلومة، ثم يهاجر أهل القرية، فلا يجب عليه
الأجر للمؤجر.
وقد نص قانون المعاملات المدنية في دولة الإمارات (م 892) المستمد من الفقه
الإسلامي على أنه إذا حدث عذر يحول دون تنفيذ عقد المقاولة (2) أو إتمام
تنفيذه، جاز لأحد عاقديه أن يطلب فسخه أو إنهاءه حسب الأحوال، كما تفسخ
الإجارة في مذهب الحنفية بالأعذار الطارئة. ونصت المادة (م 895) على أنه
إذا
_________
(1) رد المحتار: 55/ 5.
(2) المقاولة: عقد يتعهد أحد طرفيه بمقتضاه بأن يصنع شيئاً أو يؤدي عملاً
لقاء بدل يتعهد به الطرف الآخر وهو عقد عرف حديثاً في القوانين الوضعية،
وقد استقيت أحكامه في القانون المدني الأردني وفي قانون الإمارات من أحكام
عقد الاستصناع وعقد الأجير المشترك العام.
(4/3172)
تضرر أحد العاقدين من الفسخ، فللمتضرر أن
يطالب الطرف الآخر بتعويضه في الحدود التي يقرها العرف.
(42) -. وقال جمهور العلماء (غير الحنفية) (1): الإجارة عقد لازم، فلا تفسخ
كسائر العقود اللازمة من أي عاقد بلا موجب، كوجود عيب أو ذهاب محل استيفاء
المنفعة، فإذا فات المعقود عليه وهو المنفعة، كانهدام الدار، وموت الدابة
والأجير المعينين، جاز الفسخ، ويكون بالنسبة للمستقبل لا في الماضي، وإذا
وجد عيب في الشيء المؤجر، مثل جموح الدابة أو نفورها، أو كونها عضوضاً، أو
تعثر الظهر في الشيء، أو طرأ عرج أو ضعف بصر أو جذام أو برص، جاز الفسخ
أيضاً.
وتفصيل الحكم في هذه المذاهب: أن المالكية يجيزون فسخ الإيجار للعذر الذي
يمنع استيفاء المنفعة شرعاً، كسكون ألم السن المستأجر على قلعها، أو العفو
عن القصاص المستأجر على استيفائه، وتنفسخ الإجارة بحمل الظئر؛ لأنه يخاف
على الولد من لبنها، وتنفسخ الإجارة أيضاً إن انقطع الماء عن الرحى
المستأجرة.
ويجيز الشافعية فسخ الإجارة لعذر إذا أوجب خللاً في المعقود عليه أو كان
عيباً فيه تنقص به المنفعة، أو تعذر استيفاء المنفعة تعذراً شرعياً، كتعثر
ظهر الدابة في المشي، والعرج الذي تتأخر به عن القافلة، وضعف البصر في
المستأجر للخدمة، وانهدام الحائط في الدار، وانقطاع الماء في البئر والعين
والرحى وغير ذلك مما يوجب خللاً في المعقود عليه ترد به العين للعيب.
وتنفسخ الإجارة لقلع السن إن زال الألم للتعذر الشرعي.
_________
(1) بداية المجتهد: 227/ 2، مواهب الجليل للحطاب: 432/ 5 ومابعدها، مغني
المحتاج: 355/ 2 ومابعدها، المهذب: 405/ 1 ومابعدها، المغني: 418/ 5، غاية
المنتهى: 209/ 2.
(4/3173)
وكذلك قال الحنابلة: لا تنفسخ الإجارة
بالعذر إلا إذا أوجب خللاً أو عيباً في المعقود عليه تنقص به المنفعة أو
تعذر استيفاء المنفعة تعذراً شرعياً، فإن تعذر الزرع بسبب غرق الأرض أو
انقطاع مائها فللمستأجر الفسخ.
وأجاز المالكية والحنابلة فسخ البيع في بيع الثمار بسبب الجوائح إذا تلفت
الثمرة كلها، وإنقاص الثمن في تلف بعض الثمار، كما سيأتي في حالات فسخ
العقود (عقد البيع) ف/75.
5 - الفسخ لاستحالة التنفيذ (الفسخ وتحمل تبعة
الهلاك):
(43) -. عرفنا سابقاً أنه ليس في الفقه الإسلامي نظرية عامة للفسخ، وهذا
حسن؛ لأنه يضيق من نطاق الفسخ في العقود على غرار القانون الروماني، ويوفر
لها القوة الملزمة في التعاقد؛ أي أن حله بعد عقده أمر خطير، فوجب الاحتراز
منه، والتضييق فيه ما أمكن.
ولذا يجيز الفقه الإسلامي الفسخ في حالة استحالة التنفيذ لأحد التزامات
العقد، سواء أكان ذلك بفعل الملتزم أم لا؛ لأن الالتزام المقابل يصبح بلا
سبب، وبناء عليه، يمكن القول بأن هلاك الشيء في جميع الأحوال قبل القبض
يؤدي إلى فسخ العقد باتفاق المذاهب. وتقع تبعة الهلاك على عاتق الملتزم،
كهلاك المبيع قبل القبض، وكما إذا لم يستطع المستأجر الانتفاع بالعين
المؤجرة، فإن التزامه بدفع الأجرة يسقط (1). ويسقط حق الفسخ إذا هلك الشيء
أو تغير شكله بعد قبض المشتري له.
_________
(1) النظرية العامة للالتزامات في الشريعة الإسلامية للدكتور شفيق شحاته: ص
167.
(4/3174)
هذا .. وقد نص فقهاء الحنابلة على أنه إذا
تعذر على البائع تسليم المبيع، فللمشتري الفسخ (1).
(44) - وإذا نص على التزام ما صراحة أو ضمناً في العقد، فإن عدم الوفاء به،
يؤدي كذلك إلى الفسخ، مثال الصريح: ما لو تعهد المشتري بتقديم رهن أو كفيل
بالثمن، ولم يفعل، فإن عقد البيع يفسخ. ومثال الشرط الضمني: ما إذا وجد
المشتري في العين المبيعة عيباً، فله الفسخ، لأن سلامة المبيع من العيوب
شرط ضمني في عقد البيع، وكذلك في عقد الإجارة. وقد اعتبروا استحقاق المبيع
عيباً.
(45) - ويفسخ العقد أيضاً إذا تجزأ الشيء أو تغير شكله قبل التسليم، وكذلك
إذا وجد المشتري نقصاً في المقادير؛ لتعيب رضا المشتري الذي لم يتوصل إلى
وزن متفق عليه.
وقد يفسخ العقد أيضاً كما تقدم إذا شاب الرضا بعض العيوب، كالغبن التدليسي
والخطأ (الغلط) والإكراه، ويفسخ أيضاً في حال بيع العين الغائبة، أو غير
المرئية، فللمشتري الذي لم ير المبيع حق الفسخ أيضاً؛ لأن الغلط حينئذ كثير
الاحتمال (2)، وبه يتبين أن الفسخ بالمعنى الصحيح لا يكون إلا في الأحوال
التي يصيب فيها رضا العاقد عيب، أو يختل هذا الرضا، لعد تحقق الشرط الذي
توقعه العاقد عند التعاقد.
(46) - وأساس الفسخ في جميع الأحوال مخالفة شرط صريح أو ضمني في العقد،
ويكون الفسخ نتيجة لإعمال شرط يتضمنه العقد عند الإخلال بالالتزام.
_________
(1) شرح منتهى الإرادات: 187/ 2، الطبعة الجديدة، مجلة الأحكام الشرعية على
مذهب الإمام أحمد للقاضي أحمد القاري (م 472).
(2) شفيق شحاته، المرجع السابق: ص168 ومابعدها.
(4/3175)
وأساس المسؤولية المدنية في الشريعة
الإسلامية عن الهلاك الكلي أو الجزئي هو نظرية تحمل التبعة، أي أن كل شخص
يتحمل مسؤولية الضرر الذي يحدثه بفعله مباشرة أو تسبباً، فأساس المسؤولية
هو الضرر، وليس عنصر الخطأ (1).
(47) - وأساس تحمل تبعة الهلاك في الفقه الإسلامي ليس كما يرى بعضهم هو
طبيعة العقد الملزم للجانبين (2)، وإنما هو المعاوضة أو المبادلة التي
تقتضي إنشاء التزامات متقابلة، وتحقق فكر المساواة التي تقوم عليها العقود،
وتحقيق المساواة بين المتعاقدين يقتضي ألا يجبر أحدهما على تنفيذ التزامه،
بينما الآخر لم يقم بتنفيذ الالتزام المقابل، وإلا كان في ذلك إخلال
بالمساواة المقصودة (3). قال الكاساني: «ولأن المعاوضات مبناها على
المساواة عادة وحقيقة» (4) وقال أيضاً: «ولأن المساواة في العقود المطلقة
مطلوب العاقدين (5)».
وتظهر سلامة هذا التأصيل في حالة الهلاك الجزئي بنحو أوضح، فالالتزام الذي
انقضى جانب من محله بالهلاك، لم ينقض بسببه الالتزام تماماً، ومع ذلك فإنه
يسقط من الالتزام المقابل ما يساوي قيمة الجزء الهالك من التزام العاقد
الآخر، أي الجزء الذي أصبح فيه الالتزام مستحيلاً.
6 - الفسخ للإفلاس والإعسار والمماطلة:
(48) - إذا كان المدين معسراً أمهل إلى وقت اليسار، عملاً بنظرة الميسرة
_________
(1) مسؤولية الإنسان عن حوادث الحيوان والجماد للدكتور فاضل يوسف دبو: ص
156.
(2) نظرية تحمل التبعة في الفقه الإسلامي للدكتور محمد زكي عبد البر: 141/
1.
(3) مصادر الحق للسنهوري: 243/ 6، سبب الالتزام وشرعيته في الفقه الإسلامي
للدكتور جمال الدين محمود: ص 449 ومابعدها.
(4) البدائع: 249/ 5.
(5) المرجع السابق: 201/ 4. القرآنية:
(4/3176)
{وإن كان ذو عسرة، فنظِرة إلى ميسرة}
[البقرة:280/ 2] وإذا كان موسراً مماطلاً في الوفاء، وله مال يفي
بدينه للحال، جاز للقاضي حبسه باتفاق المذاهب (1).
وأضاف الحنابلة أنه إذا ظهر المشتري مفلساً أو معسراً، ولو ببعض الثمن،
فللبائع خيار الفسخ، والرجوع بعين ماله، ولا يلزمه أن ينظره.
وإذا كان المشتري موسراً مماطلاً، فللبائع الفسخ.
وإذا هرب المشتري قبل نقد الثمن، وهو معسر، فللبائع الفسخ، وإذا كان
موسراً، قضاه الحاكم من ماله، وإلا باع المبيع، وقضى ثمنه منه.
وأما إذا كان الثمن حالاً غائباً عن المجلس دون مسافة القصر، فلا فسخ،
ويحجر الحاكم المبيع وبقية ماله حتى يحضر الثمن (2).
والفسخ في هذه الأحوال يدخل تحت ما يسمى بخيار تعذر تحصيل الثمن أو المبيع،
ذلك الخيار الذي يثبت على التراضي.
(49) - ووافق المالكية والشافعية مذهب الحنابلة في جواز الفسخ حال الإفلاس،
فيكون رأي جمهور الفقهاء إعطاء خيار الفسخ في عقود المعاوضة للعاقد الذي
سلّم شيئاً معيناً إلى آخر، بأن يسترده منه بحالة إفلاسه، إذا كان هذا
الشيء لا يزال موجوداً عنده بعينه، عملاً بقوله صلّى الله عليه وسلم: «من
أدرك ماله بعينه عند رجل أو إنسان قد أفلس، فهو أحق به من غيره» (3) وقوله
عليه السلام أيضاً:
«من
_________
(1) سيأتي بحث ذلك في باب الإفلاس.
(2) كشاف القناع: 240/ 3، طبع مكة، شرح منتهى الإرادات: 178/ 2، الطبعة
الجديدة، مجلة الأحكام الشرعية على مذهب الإمام أحد للقاضي أحمد القاري
(م467 - 471).
(3) روي في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة.
(4/3177)
وجد عين ماله عند رجل فهو أحق به، ويتبع
البيِّع - أي البائع - من باعه» (1).
فلو أفلس المشتري بعد تسليم المبيع وقبل دفع الثمن، فللبائع خيار الفسخ
واسترداد المبيع إذا كان هذا المبيع لا يزال بعينه في يد المشتري، عملاً
بالحديث المتقدم، ولأن العجز عن إيفاء الثمن يوجب حق الفسخ قياساً على
العجز عن إيفاء المبيع؛ لأن المبيع عقد معاوضة يتطلب المساواة.
وليس خيار الفسخ مختصاً بعقد البيع عند الجمهور، بل هو ثابت أيضاً في كل
عقود المعاوضات كالإجارة والقرض، فللمؤجر فسخ الإجارة إذا أفلس المستأجر
قبل دفع الأجرة، وللمقرض الرجوع على المقترض إذا أفلس وكان عين ماله
قائماً.
وأضاف الإمام الشافعي لجواز الرجوع والاسترداد في حال إفلاس المدين الحي
حال وفاة المدين إذا تبين أنه مفلس (2).
(50) - أما الحنفية فلم يجيزوا الفسخ حال الإفلاس وغيره، جاء في المجلة (م
592): «إذا قبض المشتري المبيع، ثم مات مفلساً قبل أداء الثمن، ليس للبائع
استرداد المبيع، بل يكون مثل الغرماء» (وذلك لأن الثمن دين في الذمة)، وهذا
مانع من الفسخ، ولقوله صلّى الله عليه وسلم فيما رواه الخصاف: «أيما رجل
أفلس فوجد رجل عنده متاعه، فهو أسوة غرمائه فيه» وأوّلوا حديث أبي هريرة
الذي استند إليه الجمهور بأنه خاص بحالة شرط خيار الفسخ للبائع، وقبضه
المشتري بشرط الخيار
_________
(1) رواه أحمد وأبو داود والنسائي عن سمرة بن جندب.
(2) شرح الخرشي: 191/ 4 - 193، بداية المجتهد: 237/ 2 - 240، المهذب: 323/
1 - 327، فتح العزيز133/ 10 - 243، المغني: 456/ 4 - 460، 505، النظرية
العامة للموجبات والعقود، محمصاني: 494/ 1 - 496.
(4/3178)
للبائع (1)، ولكن هذا التأويل ضعيف واهن؛
لأن الحديث صحيح وعبارته عامة مطلقة، فلا ينقض بحديث ضعيف.
وأجاز الجمهورفسخ الزواج للإعسار أو العجز عن النفقة، والفرقة طلاق عند
المالكية، فسخ عند الشافعية والحنابلة لا تجوز إلا بحكم القاضي، وجوازها
لدفع الضرر عن الزوجة. ولم يجز الحنفية التفريق بسبب الإعسار؛ لأن الله
تعالى أوجب أنظار المعسر بالدين في قوله تعالى: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى
ميسرة} [البقرة:280/ 2] (2).
7 - الفسخ بسبب البطلان أو الفساد أو الردة في
الزواج:
(51) - هناك فوارق بين البطلان والفساد منها: استحقاق الفسخ (3):
فالباطل لا يحتاج إلى فسخ؛ لأنه معدوم لم يوجد، والفسخ يرد على عقد قائم
كالعقد المشتمل على أحد الخيارات، وغير ذلك مما ذكر في أسباب الفسخ.
وأما الفاسد: فيستحق الفسخ رعاية لأحكام الشرع، إما بإرادة أحد العاقدين،
أو بإرادة القاضي لأن إزالة الفساد واجب شرعاً، وبالفسخ يرتفع الفساد (4).
_________
(1) تكملة فتح القدير مع العناية: 330/ 7 - 331، طبع التجارية، تكملة فتح
القدير: 279/ 9، طبع دار الفكر- بيروت.
(2) الدر المختار: 903/ 2، الفروق: 145/ 3، الشرح الصغير: 745/ 2، مغني
المحتاج: 442/ 3، المغني: 573/ 7.
(3) سيأتي بحث الموضوع في عقد البيع.
(4) البدائع: 300/ 5.
(4/3179)
ويبقى حق الفسخ قائماً، ولو بعد التنفيذ
حتى يزول سببه إلا إذا وجد أحد موانع الفسخ وهي (1):
1 - هلاك المعقود عليه أو استهلاكه أو تغيير شكله واسمه كطحن القمح، وخبز
الدقيق.
2 - الزيادة المتصلة غير المتولدة من الأصل، كخلط الدقيق بالسمن أو العسل،
والبناء على الأرض، وصبغ الثوب. أما أنواع الزيادات الأخرى وهي الزيادة
المتصلة المتولدة كالسمن والجمال، والزيادة المنفصلة المتولدة كالولد
والثمرة، أو غير المتولدة كالكسب والغلة، فلا تمنع الفسخ والرد.
3 - التصرف بالشيء المقبوض بعقد فاسد من قبل القابض، كالبيع والهبة والرهن
والوقف.
ويلاحظ أن حق الفسخ بسبب الفساد يورث، فلو مات أحد العاقدين، جاز لورثته أو
للعاقد الآخر فسخ العقد بعد الموت.
(52) - ويفسخ الزواج باتفاق المذاهب بسبب ردة أحد الزوجين (2)، لأن الردة
تتضمن تبييت الغدر والحقد والعداوة للمسلمين، فلا يناسبها بقاء الحياة
الزوجية التي ينبغي أن تقوم على الوفاء والصفاء والحبّ والوئام والسلام،
وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: {ولا تَنكحوا المشركات حتى يؤمن،
ولأمة مؤمنة خير من مشركة، ولو أعجبتكم، ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا،
ولعبد مؤمن خير
_________
(1) البدائع: 300/ 5 - 302، فتح القدير: 231/ 5، 302، رد المحتار: 137/ 4،
مجمع الضمانات: ص 216.
(2) فتح القدير: 21/ 3، بداية المجتهد: 70/ 2، تحفة الطلاب للأنصاري: ص
326، المغني: 56/ 7 ومابعدها.
(4/3180)
من مشرك، ولو أعجبكم .. } [البقرة:221/ 2]
وقال سبحانه: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر .. } [الممتحنة:10/ 60] وتكون
الفرقة بالردة فسخاً عند الجمهور، وطلاقاً في مشهور المذهب عند المالكية.
8 - الفسخ الرضائي والفسخ
الجبري بطريق القضاء:
(53) - الفسخ الرضائي: هو الذي يتم بتراضي الطرفين المتعاقدين، أو بإرادة
أحدهما وهو الأصل في الفسخ، فالإجارة مثلاً لا بد لصحة فسخها من الرضا أو
القضاء، أما المزارعة فيجوز على الرواية الراجحة فسخها، ولو بلا قضاء
وتراض.
والفسخ الجبري بطريق القضاء: هو الذي يكون بحكم القاضي، ويلجأ إليه استثناء
من الأصل إذا تعذر التراضي، أو إذا لم يراع العاقدان أحكام الشرع في تجنب
أسباب الفساد، أو مصادمة نصوص الشريعة.
وقد أشرت لهذا سابقاً في النوع الأول من أنواع الفسخ. وأخصص البحث هنا
لبيان آراء المذاهب بإيجاز في أحوال كون الفرقة الزوجيةفسخاً، وما يتوقف من
الفرق على القضاء وما لا يتوقف على القضاء.
(54) - يرى الحنفية (1): أن الفرقة تكون
فسخاً فيما يأتي:
1 - تفريق القاضي بين الزوجين بسبب إباء الزوجة الإسلام، بعدما أسلم زوجها
المشرك أو المجوسي فإن كان الإباء من الزوج، فتكون الفرقة طلاقاً عند أبي
حنيفة ومحمد، وفسخاً عند أبي يوسف.
_________
(1) فتح القدير: 21/ 3، البدائع: 336/ 2 ومابعدها، الدر المختار ورد
المحتار: 571/ 2.
(4/3181)
2 - ردة أحد الزوجين.
3 - تباين الدارين حقيقة وحكماً: بأن خرج أحد الزوجين إلى دار الإسلام
مسلماً أو ذمياً، وترك الآخر كافراً في دار الحرب، قياساً على الردة، لعدم
التمكين من الانتفاع عادة. وقال الجمهور: لا تقع الفرقة باختلاف الدارين.
4 - خيار بلوغ الصغير أو الصغيرة، ولا تقع الفرقة حينئذ إلا بتفريق القاضي.
5 - خيار العتق: بأن تعتق الأمة ويبقى زوجها عبداً، فلها الخيار بالبقاء أو
إنهاء الزواج، وتثبت الفرقة بنفس الاختيار.
6 - التفريق لعدم الكفاءة أو لنقصان المهر، ولا تكون إلا عند القاضي. وما
عدا ذلك من أنواع الفُرَق يكون طلاقاً، ومنها الخلع. وضابط ما يتميز به
الفسخ عن الطلاق في رأي أبي حنيفة ومحمد: هو أن كل فرقة بسبب من جانب
المرأة تكون فسخاً، وكل فرقة من جانب الرجل أو بسبب منه مختص بالزوج فهي
طلاق، إلا الردة فهي فسخ، وكذا الفرقة بالموت تكون فسخاً.
(55) - ويرى المالكية (1): أن الفرقة
تكون فسخاً فيما يأتي:
1 - إذا وقع العقد غير صحيح، كالزواج بإحدى المحارم، والزواج بزوجة الغير
أو معتدته.
2 - إذا طرأ على الزواج مايوجب الحرمة المؤبدة، كالاتصال الجنسي بشبهة من
أحد الزوجين بأصول الآخر أو فروعه، مما يوجب المصاهرة (2)
_________
(1) بداية المجتهد: 70/ 2، الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه: 364/ 2.
(2) رواه الدارقطني عن ابن عباس.
(4/3182)
3 - الفرقة بسبب اللعان: لترتب الحرمة
المؤبدة عليه، لحديث: «المتلاعنان لايجتمعان أبداً». 4 - الفرقة بسبب إباء
الزوج الإسلام بعد أن أسلمت زوجته، أو إباء الزوجة غير الكتابية الإسلام
بعد إسلام زوجها؛ لأن ذلك في معنى طروء مفسد على الزواج.
(56) - ومذهب الشافعية (1): أن الفسخ
أنواع سبعة عشر: فرقة إعسار مهر، وإعسار نفقة أو كسوة أو مسكن بعد إمهال
الزوج ثلاثة أيام، وفرقة لعان، وفرقة خيار عتيقة، وفرقة عيوب بعد رفع الأمر
إلى الحاكم وثبوت العيب. ووطء شبهة كوطء أم زوجته أو ابنتها، وسبي الزوجين
أو أحدهما قبل الدخول أو بعده؛ لأن الرق أزال الملك عن النفس، فعن العصمة
أولى، وفرقة إسلام أحد الزوجين، أو ردته، وإسلام الزوج على أختين أو أكثر
من أربع، أو أمتين، وملك أحد الزوجين الآخر، وعدم الكفاءة، وانتقال من دين
إلى آخر كالانتقال من اليهودية إلى النصرانية، وفرقة رضاع بشرط كونه خمس
رضعات متفرقات قبل مضي حولين.
(57) - وقال الحنابلة (2): يكون الفسخ
في حالات، منها ما يأتي:
1 - الخلع إذا كان بغير لفظ الطلاق، أو بغير نية الطلاق.
2 - ردة أحد الزوجين.
3 - الفرقة لعيب مشترك، وهو الجنون والصرع، أو مختص بالمرأة كالرتق
_________
(1) حاشية الشرقاوي: 294/ 2 - 296، تحفة الطلاب: ص 236.
(2) المغني: 56/ 7 ومابعدها، غاية المنتهى: 46/ 3، 56 - 57، 103.
(4/3183)
والقرن والبخر والقروح السيالة وانخراق ما
بين السبيلين، أو مختص بالرجل كالجب والعُنَّة، ولا يفسخ الزواج إلا حاكم.
4 - إسلام أحد الزوجين.
5 - الفرقة بسبب الإيلاء بواسطة القاضي، إن انقضت المدة وهي أربعة أشهر،
ولم يطأ الزوج زوجته، ولم يطلق بعد أن يأمره الحاكم بالطلاق.
6 - الفرقة بسبب اللعان؛ لأن اللعان يوجب التحريم المؤبد بين الزوجين، كما
تقدم، ولو لم يحكم به القاضي.
ويلاحظ أن هذه الفرقة توجب حرمة مؤبدة عند الجمهور وأبي يوسف، وتوجب حرمة
مؤقتة عند أبي حنيفة ومحمد إذا خرج أحد الزوجين عن أهلية اللعان، أو كذب
الرجل نفسه فيما قذف به المرأة.
وفرقة الفسخ: منها ما يتوقف على القضاء،
ومنها ما لا يتوقف عليه (1):
(58) - أما فرق الفسخ المتوقفة على القضاء
فهي:
1 - الفرقة بسبب عدم الكفاءة.
2 - الفرقة بسبب نقصان المهر عن مهر المثل.
3 - الفرقة بسبب إباء أحد الزوجين الإسلام إذا أسلم الآخر، لكن الفرقة بسبب
إباء الزوجة متفق عليه، أما بسبب إباء الزوج فهو متفق عليه في رأي
_________
(1) المراجع السابقة.
(4/3184)
الجمهور، وأبي يوسف الذي يرى أن الفرقة
فسخ. وخالف في ذلك أبو حنيفة ومحمد، فلم يريا توقفها على القضاء؛ لأن
الفرقة حينئذ طلاق في رأيهما.
4 - الفرقة بسبب خيار البلوغ لأحد الزوجين عند الحنفية إذا زوجهمافي الصغر
غير الأب والجد.
5 - الفرقة بسبب خيار الإفاقة من الجنون عند الحنفية إذا زوج أحد الزوجين
في الصغر غير الأب والجد والابن.
(59) - وأما فرق الفسخ غير المتوقفة على القضاء
فهي:
1 - الفسخ بسبب فساد العقد في أصله، كالزواج بغير شهود، والزواج بالأخت.
2 - الفسخ بسبب اتصال أحد الزوجين بأصول الآخر أو فروعه اتصالاً يوجب حرمة
المصاهرة.
3 - الفسخ بسبب ردة الزوج في رأي أبي حنيفة وأبي يوسف، فإن ارتد الزوجان
فلا يفرق بينهما بمجرد الردة في الراجح عند الحنفية.
4 - الفسخ بسبب خيار العتق للزوجة.
5 - الفسخ بسبب ملك أحد الزوجين للآخر.
9 - الفسخ لعدم إجازة العقد الموقوف:
(60) - العقد عند الحنفية والمالكية إما نافذ أو موقوف، والنافذ: هو ما صدر
ممن له أهلية وولاية على إصداره، كالعقد الصادر من الرشيد في ماله، أو
(4/3185)
الولي أو الوصي عن القاصر، أو الوكيل عن
موكله، وحكمه: أنه تترتب عليه آثاره فور صدوره من غير توقف على إجازة أحد.
والموقوف: هو ما صدر من شخص له أهلية التعاقد، من غير أن يكون له ولاية
إصداره، كعقد الفضولي، وعقد الصغير المميز في التصرفات المترددة بين الضرر
والنفع كالبيع ونحوه، والتصرف من الراهن أو المرتهن في الشيء المرهون،
والوصية وتبرعات المريض مرض الموت فيما يزيد عن ثلث المال. وحكمه: أنه لا
تترتب عليه آثاره إلا إذا أجازه صاحب الشأن أو الحق الذي يملك إصداره، فإن
لم يجزه، بطل العقد. أما الشافعية والحنابلة فقالوا: إنه باطل من الأصل.
(61) - وعدم إجازة العقد الموقوف ممن له ولاية أو ملك والذي يتوقف نفاذ
العقد على رضاه يعد من أسباب انحلال العقد أو فسخه عند القائلين بانعقاده
(1).
إن عقود الفضولي (2) تكون موقوفة على إجازة صاحب الحق، فإن أجازه نفذ، وإلا
فسخ واعتبر كأن لم يكن، وعقد الصغير المميز غير المأذون له في التجارة،
فيما يتردد بين الضرر والنفع موقوف على إجازة وليه، فإن أجازه نفذ وإلا
بطل، وتصرف المدين المحجور عليه أو المدين المفلس موقوف على إجازة
الدائنين، وتبرع المريض مرض الموت من هبة أو صدقة فيما زاد عن ثلث تركته
موقوف على إجازة الورثة، والوصية من الصحيح فيما يزيد عن ثلث التركة
_________
(1) الدر المختار رد المحتار: 5/ 4 - 6، 104، البدائع: 148/ 5 - 150، 155،
بداية المجتهد: 171/ 2، فتح القدير مع العناية بهامشه: 309/ 5 ومابعدها،
وسيأتي في عقد البيع بحث الموضوع.
(2) الفضولي في الأصل: من يشتغل بما لا يعنيه أو يعمل عملاً ليس من شأنه،
واصطلاحاً: من يتصرف في شيء أو يعقد عقداً من العقود، دون أن يكون له ولاية
ما على القيام به، كبيع ملك الغير أو إجارته.
(4/3186)
موقوفة على إجازة الورثة، وتصرفات السفيه
والمغفل المترددة بين الضرر والنفع، كالبيع والشراء والقرض موقوفة على
إجازة الولي.
فإن لم يجز هؤلاء أصحاب الحق التصرف انحل وعدَّ كأن لم يكن.
10 - الفسخ بسبب الاستحقاق:
(62) - الاستحقاق لغة: طلب الحق، وفقها:
ظهور كون الشيء حقاً واجباً للغير، أوهو أن يدعي شخص ملكية شيء، ويثبت
دعواه ويقضي له القاضي بملكيته، وانتزاعه من يد حائزه. وعرفه المالكية
بقولهم: هو رفع ملك شيء بثبوت ملك قبله. فهو يجيز للمستحق طلب فسخ التصرف
أو إمضاءه كالخيار، وتصرف الفضولي.
(63) - والاستحقاق بالنسبة لفسخ العقد نوعان
(1):
1 - مبطل للملك بالكلية: بحيث لا يبقى
لأحد عليه غير المدعي حق التملك، كالعتق والحرية الأصلية، وحكمه: أنه يوجب
فسخ العقد بلا حاجة لحكم القاضي، ولكل واحد من الباعة الرجوع على بائعه
بالثمن، فلو أقام العبد بينة أنه حر الأصل، أو أنه كان عبداً لفلان،
فأعتقه، فكل واحد، وإن لم يرجع عليه، أن يرجع على بائعه قبل القضاء عليه،
ويرجع هو أيضاً على بائعه الأول.
2 - وناقل للملك من شخص إلى آخر: وهذا
هو الغالب، كأن ادعى زيد على خالد أن مافي يده من المتاع ملك له، وبرهن على
ادعائه. وحكمه: أنه لا يوجب فسخ العقد؛ لأنه لا يوجب بطلان ملك المشتري،
وإنما يتوقف على إجازة
_________
(1) الدر المختار ورد المحتار: 199/ 4.
(4/3187)
المستحق أو فسخه. والصحيح عند الحنفية أن
العقد لا ينفسخ ما لم يرجع المشتري على بائعه بالثمن، ويفسخ العقد - في
الأصح من ظاهر الرواية - بالفسخ، أي بالتراضي، لا بمجرد القضاء بالاستحقاق.
وليس لأحد من المشترين أن يرجع على بائعه بالثمن، ما لم يرجع عليه، لئلا
يجتمع الثمنان في ملك واحد، أي فليس للمشتري الأوسط أن يرجع على بائعه قبل
أن يرجع عليه المشتري الأخير.
والحكم بالاستحقاق يشمل الحائز ذا اليد، فيؤخذ المدعى به من يده، ويشمل
أيضاً كل من تلقى ذو اليد الملك عنه.
(64) -. وتطبيقاً لذلك، إذا استحق بعض المبيع المعقود عليه قبل القبض، ولم
يجز المستحق، بطل العقد في القدر المستحق؛ لأنه تبين أن ذلك القدر لم يكن
ملك البائع، ولم توجد الإجازة من المالك، وللمشتري الخيار في الباقي، إن
شاء رضي به بحصته من الثمن، وإن شاء رده، سواء أحدث عيباً في الباقي أم لا.
وإن أثبت المستحق ملكيته المبيع كله بالبينة، فقضي له به، لا ينفسخ البيع،
بل يصبح متوقفاً على إجازة المستحق، فإن أجاز البيع بقي المبيع للمشتري،
ويأخذ المستحق الثمن من البائع، ويصبح البائع كوكيل عنه بالبيع؛ لأن
الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة. وإن لم يجز المستحق البيع، بل اختار أخذ
المبيع، ينفسخ البيع السابق بالفسخ، أي بالتراضي عليه - في ظاهر الرواية-
ويكون البائع ملتزماً للمشتري برد الثمن.
ما يقبل الفسخ وما لا يقبل:
(65) - تنقسم العقود من حيث قابليتها للفسخ من كلا الطرفين المتعاقدين
(4/3188)
أو من طرف واحد إلى أربع فئات: عقود لازمة
للطرفين، وغير لازمة لهما، ولازمة لطرف دون آخر، والتصرف بالإرادة
المنفردة.
1 - العقود اللازمة للطرفين:
(66) - العقد النافذ إما لازم أو غير لازم، واللازم: هو ما ليس لأحد عاقديه
فسخه دون رضا الآخر، كالبيع والإجارة. والأصل في العقود اللزوم كما تقدم؛
لأن الوفاء بالعقود واجب شرعاً، لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا
بالعقود} [المائدة:1/ 5] وغير اللازم أو الجائز: هو ما يملك كل من طرفيه أو
أحدهما فقط فسخه دون رضا الآخر، إما عملاً بطبيعة العقد نفسه كالوكالة
والإعارة والإيداع، أو لمصلحة العاقد كالعقد المشتمل على الخيار.
والعقد اللازم للطرفين: هو ما لا يمكن فسخه كعقده إلا باتفاق الطرفين،
كالبيع، والإجارة، والصلح، والرهن والزواج، وهو نوعان:
أ - عقد لازم لا يقبل الفسخ: كالزواج،
ولو باتفاق الطرفين بطريق الإقالة، أي لا يقبل الإلغاء الاتفاقي، وإنما
يقبل الإنهاء بطرق شرعية كالطلاق والخلع (1) والتفريق القضائي لعدم
الإنفاق، أو للعيب، أو للضرر وسوء العشرة، أو للغيبة، أو للحبس والاعتقال
ونحو ذلك. وكل ما لا يقبل الفسخ لا يثبت فيه خيار؛ لأن الخيار يعطي حق
الفسخ لصاحبه.
ب - عقد لازم يقبل الفسخ: أي يقبل
الإلغاء بطريق الإقالة، التي هي اتفاق العاقدين على إنهاء العقد، وهي عقود
المعاوضات المالية، كالبيع والإيجار والصلح والمزارعة والمساقاة والمغارسة
ونحوها، ويسمى الفسخ عندئذ إقالة. وهذه
_________
(1) الطلاق ليس فسخاً، بل انهاء له بوضع حد لحكمه وآثاره. والخلع: هو إنهاء
الزواج لقاء مال تدفعه الزوجة لزوجها.
(4/3189)
العقود تقبل الفسخ بالخيار أيضاً، إذا طرأ
عليها عيب من عيوب الرضا الذي يسلخ عنها صفة اللزوم في حق أحد الطرفين،
كخيار العيب وغيره.
2 - العقود الجائزة غير اللازمة للطرفين:
(67) - وهي التي يملك كل من العاقدين فيها حق الفسخ والرجوع، فتفسخ بإرادة
كل منهما، ما لم يتعلق ببقائها حق للغير، كالإيداع والإعارة والوكالة
والشركة والمضاربة والهبة عند الحنفية، والوصية، والمقاولة، فالعقود الخمسة
الأولى يجوز لكل من العاقدين فيها فسخ العقد متى شاء. والوصية والهبة يصح
للموصى والواهب الرجوع عنها، كما يصح للموصى له والموهوب له ردها وإبطالها
بعد وفاة الموصي، وفي حال حياة الواهب. والمقاولة يجوز لكل من صاحب العمل
والمقاول الاتفاق على فسخها أو إنهائها بالتراضي، فإن لم يتفقا على ذلك جاز
الفسخ قضاء بطلب أحد الطرفين.
فإن تعلق ببقاء العقد حق للغير، كالوكالة ببيع الرهن، لايجوز للراهن المدين
عزل الدائن المرتهن الموكل بالبيع عن الوكالة، أي فسخ وكالته إلا بموافقة
المرتهن منعاً من إلحاق الضرر به.
(68) - ويلاحظ أن الهبة عند الحنفية عقد غير لازم، فيصح الرجوع عنه والفسخ؛
لقوله عليه الصلاة والسلام: «الواهب أحق بهبته ما لم يُثَب منها» (1) أي
يعوض، فإنه عليه السلام جعل الواهب أحق بهبته ما لم يصل إليه العوض، فيصح
الرجوع ما لم يحصل تعويض، وإن تم القبض، فالعوض مانع من الرجوع، وموانع
الرجوع سبعة: هي العوض المالي، والعوض المعنوي وهو ثلاثة أنواع:
_________
(1) أخرجه ابن ماجه والدارقطني عن أبي هريرة، وفيه ضعيف، وأخرجه الطبراني
والدارقطني عن ابن عباس وأخرجه الحاكم وصححه عن ابن عمر.
(4/3190)
(الثواب من الله تعالى، وصلة الرحم، وصلة
الزوجية) والزيادة المتصلة في نفس الموهوب، وخروج الموهوب عن ملك الموهوب
له بالبيع أو الهبة ونحوهما، وموت أحد العاقدين، وهلاك الموهوب أو
استهلاكه) (1).
وقال الجمهور: الهبة عقد لازم بالقبض، لا يجوز الرجوع فيه إلا الوالد فيما
أعطى ولده؛ لقوله صلّى الله عليه وسلم: «ليس لنا مثل السوء، العائد في
هبته، كالكلب يعود في قيئه» (2) وقوله عليه السلام: «ليس لأحد أن يعطي
عطية، فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده» (3) وسائر الأصول كالوالد عند
الشافعية (4).
3 - العقد اللازم لطرف دون آخر:
(69) -. وهو اللازم لأحد الطرفين، كالرهن والكفالة، فإنهما لازمان بالنسبة
إلى الراهن والكفيل، غير لازمين بالنسبة للدائن المرتهن والمكفول؛ لأن
العقد لمصلحتهما الشخصية توثيقاً للحق، فلهما التنازل عنه، أي أن العقد
يفسخ بإرادة من ليس لازماً بحقه، وهو المرتهن والمكفول له.
4 - تصرفات الإرادة المنفردة:
(70) -. وهي التي تنعقد بإرادة واحدة، وتفسخ بإرادة منشئها، كالوصية
_________
(1) البدائع: 127/ 6، تكملة فتح القدير: 129/ 7، مجمع الضمانات: ص338.
(2) أخرجه أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
(3) أخرجه أصحاب السنن الأربعة عن ابن عمر وابن عباس بلفظ: «لا يحل لرجل أن
يعطي عطية، أو يهب هبة ثم يرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده، ومثل الذي
يرجع في عطيته أو هبته كالكلب يأكل، فإذا شبع قاء، ثم عاد في قيئه».
(4) الشرح الكبير مع الدسوقي: 110/ 4، المنتقى على الموطأ: 133/ 6، مغني
المحتاج: 401/ 2، المهذب: 447/ 1، المغني: 621/ 5.
(4/3191)
لجهة خيرية، فإنها تفسخ بإرادة الموصي
نفسه، وكالجعالة (1) التي هي التزام بإرادة واحدة، وهي عقد جائز غير لازم،
يجوز فسخه بإرادة الجاعل، فمن أعلن عن مكافأة لمن يعثر على شيء ضائع،، أو
لمن يكتشف علاجاً لمرض معين، أو لمن يتفوق في مسابقة معينة أو امتحان ما،
له أن يعدل عن إعلانه أو وعده قبل تحقق الشيء المعلن، فهنا انعقد العقد
لمجرد الإيجاب، وقبل قبول الملتزم له، فيجوز نقض الإىجاب؛ لأن للموجب أن
يرجع عن إيجابه دائماً قبل القبول. وإذا ما أبدى الملتزم له صراحة رفضه
للعقد، سقط العقد في جميع الأحوال.
حالات فسخ العقود وحالات عدم الفسخ:
(71) -. القاعدة المقررة في الفقه الإسلامي كما تقدم أنه لا يجوز في العقود
الملزمة للجانبين أو عقود المعاوضة فسخ العقد إذا لم يقم المدين بتنفيذ
التزامه، وإنما يحق له مطالبة المدين بتنفيذ التزامه على أن ينفذ هو ما في
ذمته من التزام. لكن يجوز فسخ العقد استثناء إذا تعذر على أحد المتعاقدين
القيام بالتزامه، كأن هلك المعقود عليه، أو صار في حكم الهالك، أو فاتت
منفعته المقصودة (2).
وبناء عليه، أذكر هنا حالات فسخ العقود وحالات عدم الفسخ.
حالات فسخ العقود: يفسخ العقد استثناء
في أحوال خاصة في عقد البيع والإيجار.
_________
(1) الجعالة: التزام عوض معلوم على عمل معين أو مجهول عسر علمه (الشرح
الصغير: 79/ 4، مغني المحتاج: 429/ 2، كشاف القناع: 225/ 4).
(2) مصادر الحق للسنهوري:217/ 6،225، المحمصاني، المرجع السابق: 498/ 1،
شفيق شحاته، المرجع السابق: ص 167.
(4/3192)
فسخ عقد البيع: يفسخ عقد البيع، ويكون
الضمان على البائع في أحوال خمسة هي:
(72) - 1 - ضمان هلاك المبيع: يضمن
البائع المبيع وينفسخ عقد البيع إذا هلك
المبيع كله قبل القبض بآفة سماوية، أو بفعل المبيع نفسه، أو بفعل البائع
ويرجع المشتري على البائع بالثمن إذا كان البائع قد قبضه.
أما إذا هلك المبيع بفعل المشتري فلا ينفسخ البيع، وعليه الثمن. وإذا هلك
المبيع بفعل أجنبي لا ينفسخ البيع أيضاً، ويكون المشتري بالخيار: إن شاء
فسخ البيع، وإن شاء أمضاه ودفع الثمن، وطالب الأجنبي بالضمان (1).
وكذلك يضمن البائع للمشتري مقدار المبيع إذا ظهر أنه ناقص في الكيل أو
الوزن، أو الذرع فيما ليس في تبعيضه ضرر، أو كان من العدديات المتقاربة مع
شرائها بجملة ثمنها أو قدر الثمن على أساس ثمن الوحدة. ويكون المشتري
بالخيار بين فسخ البيع أو أخذ المقدار الموجود بحصته من الثمن، كما يكون له
الخيار في بيع الموزونات أو المذروعات التي في تبعيضها ضرر بين فسخ البيع
أو أخذ المقدار الموجود بجميع الثمن المسمى.
أما إذا بيعت مجموعة من العدديات المتفاوتة بجملة من الثمن، وظهر المبيع
ناقصاً أو زائداً، كان البيع فاسداً (2).
هذا تفصيل الحنفية، ويوافقهم الشافعية في الجملة في فسخ البيع بهلاك المبيع
بآفة سماوية، أما المالكية والحنابلة فقالوا: لا ينفسخ البيع، بل للمشتري
أن يجبر
_________
(1) المبسوط: 9/ 13، البدائع: 238/ 5 ومابعدها، رد المحتار: 4/ 44، المجلة
(م 293، 294) مرشد الحيران (م 460، 462، 465).
(2) مرشد الحيران: (م 448 - 452).
(4/3193)
البائع على تسليم ما يماثل المبيع إن كان
من المثليات، وعلى دفع قيمته إن كان من القيميات، وله عند الحنابلة أن يفسخ
البيع إذا شاء، وأن يسترد الثمن من البائع (1).
(73) - 2 - ضمان استحقاق المبيع: يضمن
البائع للمشتري أيضاً استحقاق المبيع، ويكون المشتري مخيراً بين أخذ المبيع
وفسخ البيع السابق بالتراضي عليه في ظاهر الرواية، ويلزم البائع برد الثمن
للمشتري، وبين إجازة البيع، وبقاء المبيع للمشتري، وأخذ المستحق الثمن من
البائع، ويصبح البائع كوكيل عنه بالبيع؛ لأن الإجازة اللاحقة كالوكالة
السابقة (2).
(74) - 3 - ضمان العيب في المبيع: يضمن
البائع عيب المبيع، ويكون المشتري بالخيار (خيار العيب) بين فسخ البيع ورد
المبيع واسترداد الثمن، وبين إمساك المبيع إن رضيه، إذا ثبت كون العيب
موجوداً عند البيع أو بعده قبل التسليم، وعند المشتري، وجهل المشتري بوجود
العيب عند العقد والقبض، ولم يشترط البائع السلامة عن العيب في المبيع، وأن
تكون السلامة من العيب غالبة في مثل المبيع المعيب، وألا يزول العيب قبل
الفسخ.
وهذا رأي جمهور الفقهاء ومنهم أبو يوسف، وقال أبو حنيفة ومحمد: يرجع
المشتري بنقصان العيب فقط إن شاء (3).
(75) - 4 - ضمان جوائح الثمار المبيعة:
يرى المالكية والحنابلة أن الجوائح (4) التي تصيب الثمار من ضمان البائع،
وأن للمشتري أن يرجع بما أحدثته
_________
(1) مواهب الجليل للحطاب: 482/ 4، شرح الخرشي: 72/ 4 - 73، المغني: 218/ 4.
(2) البدائع: 288/ 5 ومابعدها، فتح القدير: 175/ 5 ومابعدها.
(3) البدائع: 273/ 5 - 276، فتح القدير: 153/ 5، رد المحتار: 74/ 4.
(4) الجوائح: جمع جائحة: وهي الآفة التي تصيب الثمار، فتهلكها، كالبرد
والقحط والعطش والعفن وأمراض النباتات والزروع ونحوها من الآفات السماوية.
أو هي كل آفة لا صنع للآدمي فهيا كالريح والبرد والجراد والعطش.
(4/3194)
من التلف. ويرى الحنفية والشافعية أن هلاك
الثمار من ضمان المشتري، ولا رجوع له بشيء على البائع.
أما المالكية فقالوا في الأرجح عندهم: يضمن البائع ما تتلفه الجائحة في
الثمار والبقول، سواء القليل والكثير، وفي رأي مالك: يكون مقدار نقص الثمن
إذا أصابت الجائحة الثلث فأكثر في الثمار والبقول. ويحسب الثلث بالكيل عند
ابن القاسم، وبالقيمة عند أشهب. وكذلك قال الحنابلة في ظاهر المذهب: لا فرق
بين قليل الجائحة وكثيرها، إلا أن ما جرت العادة بتلف مثله، كالشيء اليسير
الذي لا ينضبط، فلا يلتفت إليه (1).
ودليلهم: «أن النبي صلّى الله عليه وسلم وضع الجوائح» (2) وفي لفظ لمسلم:
«أمر بوضع الجوائح» وفي لفظ: «إن بعت من أخيك ثمراً، فأصابته جائحة، فلا
يحل لك أن تأخذمنه شيئاً، بم تأخذ مال أخيك بغير حق» (3).
5 - ضمان الخيانة أو فسخ عقود المرابحة بسبب
الخيانة: يرى الحنفية أنه إذا ظهرت الخيانة في المرابحة بإقرار
البائع، أوببرهان عليها أو بنكوله عن اليمين، كان للمشتري الخيار: إن شاء
أخذ المبيع، وإن شاء رده؛ لأن المرابحة عقد مبني على الأمانة؛ لأن المشتري
اعتمد على أمانة البائع في الإخبار عن الثمن الأول، فكانت صيانة البيع
الثاني عن الخيانة مشروطة دلالة أو ضمناً، فإذا لم يتحقق الشرط ثبت الخيار،
كما في حالة عدم تحقق سلامة المبيع عن العيب (4).
_________
(1) بداية المجتهد: 184/ 2، القوانين الفقهية لابن جزي: ص262، المنتقى على
الموطأ: 231/ 4، الشرح الكبير للدردير: 182/ 3، المغني: 104/ 4، أعلام
الموقعين: 337/ 2، مختصر الطحاوي: ص 78، نيل الأوطار: 178/ 5.
(2) رواه أحمد وأبو داود والنسائي عن جابر.
(3) رواه مسلم والنسائي وأبو داود وابن ماجه.
(4) المبسوط: 86/ 3،البدائع: 225/ 5، فتح القدير: 256/ 5.
(4/3195)
فسخ عقد الإيجار:
(76) -. عرفنا سابقاً في بحث الفسخ للأعذار الطارئة أن الحنفية (1) خلافاً
لجمهور العلماء أجازوا فسخ الإجارة بالأعذار الطارئة، كمرض المستأجر أو
سفره أو إفلاسه أو سرقة ماله، أو احتراق بضاعته، أو لحوق دين فادح بالمؤجر
لا يجد طريقاً لقضائه إلا ببيع المأجور وأدائه من ثمنه، كما أجازوا فسخ
الإجارة لموت أحد العاقدين، وذلك ليس تطبيقاً لقاعدة فسخ العقد لعدم
تنفيذه.
كذلك قرروا فسخ الإجارة لسبب يرجع إلى العين المؤجرة أو إلى الأجرة. أما
فسخها لسبب يرجع إلى العين المؤجرة: فيكون إذا هلكت العين أو استحقت أو حدث
بها عيب أو طرأ عليها ما يمنع استيفاء المنفعة المقصودة منها.
(77) -. فللمستأجر فسخ العقد إذا حدث بالدابة المؤجرة مرض أو عرج.
وللمستأجر فسخ الإجارة إذا تغيرت الدار المؤجرة بفعل المؤجر أو بفعل غيره
تغيراً يخل بالسكنى، أو إذا لم يقم المؤجر بترميم ما اختل من بنائها، أو
خربت الدار أو انهدم جزء منها، أو ترتب على العمارة الضرورية للدار ما يضر
بالسكنى أو يخل بالمنفعة المقصودة. كما أن لمستأجر الأرض فسخ الإجارة إذا
صارت سبخة أو غمرت بالماء ولم يمكن زراعتها أو انقطع الماء عنها، فلم يمكن
ريها.
وللمستأجر الفسخ بحدوث تفرق الصفقة في المنافع، كأن يستأجر دارين، فتسقط
إحداهما، أو يستأجر داراً فيمتنع المؤجر عن تسليم بيت منها.
وأما فسخ الإجارة بسبب الأجرة: فيكون إذا لم يستوف
المؤجر الأجرة،
_________
(1) المبسوط: 2/ 16 ومابعدها، البدائع: 194/ 4 - 198، تكملة فتح القدير:
220/ 7 - 223، تبيين الحقائق: 143/ 5 - 146، رد المحتار: 54/ 5 - 56،
المجلة (م 514) مرشد الحيران (م 583 - 584).
(4/3196)
وهذا بخلاف البيع، فلا يفسخ لعدم دفع الثمن
إلا إذا اشترط البائع خيار
النقد (1) كما سيأتي. وكذلك تفسخ الإجارة إذا استأجر رجل حماماً في قرية،
ليستغله مدة معلومة، ثم يهاجر أهل القرية، ولا يجب على المستأجر الأجرة
للمؤجر.
وفي الإجارة على الأعمال قال الحنفية: إن كان لعمل الأجير المشترك كالخياط
والصباغ والحداد أثر ظاهر في العين المؤجرة، ثم هلكت سقط الأجر، وأما إن لم
يكن لعمل الأجير أثر ظاهر في العين المؤجرة كالحمال والملاح، فيجب الأجر
بمجرد انتهاء العمل، ولا يسقط الأجر بهلاك العين بعدئذ (2).
حالات عدم الفسخ:
(78) - لا يفسخ العقد في غير الأحوال المتقدمة، كما يبين من الأمثلة
التالية في عقود البيع والإيجار ونحوه، والرهن والصلح.
عقد البيع: لا يفسخ إذا لم يقم المشتري
بدفع الثمن عند استحقاقه، فإن كان الثمن حال الأداء أي معجلاً، وجب أداؤه
فوراً، وإن كان الثمن مؤجلاً إلى أجل معلوم، لزم أداؤه عند حلول أجله، وإن
كان مقسطاً أدى كل قسط في ميعاده.
ولا يفسخ البيع عند عدم استيفاء الثمن إلا إذا اشترط البائع لنفسه صراحة في
العقد ما يعرف بخيار النقد، فيفسخ العقد حينئذ بسبب الخيار الذي يجعل البيع
غير لازم (3).
_________
(1) خيار النقد: هو فرع عن خيار الشرط، وهو أن يشترط المتبايعان في عقد
البيع لأجل أن المشتري إذا لم يدفع الثمن في الأجل المعين كثلاثة أيام، فلا
بيع بينهما.
(2) البدائع: 204/ 4، تبيين الحقائق: 109/ 5، الدر المختار ورد المحتار:
12/ 5.
(3) المبسوط: 50/ 13، فتح القدير: مع العناية: 114/ 5، الدر المختار ورد
المحتار: 51/ 4، المجلة (م313) مرشد الحيران (م 418 - 484).
(4/3197)
وإذا مات المشتري مفلساً بعد قبض المبيع
وقبل نقد الثمن، فالبائع ـ عند الحنفية خلافاً للشافعية كما تقدم في الفسخ
للإفلاس - أسوة الغرماء، ولو وجد متاعه باقياً بعينه فلا يكون أحق به من
غيره من أرباب الحقوق الذين لهم حق على المشتري (1).
(79) - وعقد الإيجار: لا يفسخ إن استأجر
شخص دابة بغير عينها أي إجارة ذمة، ويكون له الحق في أن يطالب بدابة أخرى؛
لأنه تعاقد على نقل الحمل إلى مكان معين على أية دابة، فإذا تلفت الدابة أو
تعبت، يستبدل بها غيرها، أي يطلب التنفيذ العيني، وليس له فسخ العقد.
لكن إن كانت الدابة مستأجرة بعينها، فتلفت، فسخت الإجارة، وإن تعبت كان
المستأجر بالخيار بين نقض الإجارة أو الانتظار حتى تقوى الدابة، وليس له أن
يطالب بدابة أخرى (2).
وقال في لسان الحكام: لو أظهر المستأجر في الدار شرا، كشرب الخمر وأكل
الربا والزنا واللواطة يؤمر بالمعروف، وليس للمؤجر وجيرانه أن يخرجوه، فذلك
لا يصير عذراً في الفسخ، ولا خلاف فيه للأئمة الأربعة.
(80) - وعقد المزارعة الذي هو نوع من
الإيجار: ليس لصاحب الأرض فسخه إن قصر المزارع في سقي الأرض حتى هلك الزرع
أو يبس، أو أخر السقي تأخيراً غير معتاد، أو ترك حفظ الزرع حتى أكلته
الدواب، أو لم يمنع الجراد حتى أكل الزرع كله. ولكن يجوز فسخها بالإقالة،
ويكون المحصول لصاحب البذر، فإن كان صاحب البذر هو صاحب الأرض، استحق
المزارع أجر مثل عمله، وإن
_________
(1) مرشد الحيران (م 463).
(2) مرشد الحيران (م 598) المجلة (م538).
(4/3198)
كان صاحب البذر هو المزارع، استحق صاحب
الأرض أجر مثل الأرض. كذلك يجوز للمستحق فسخ المزارعة إذا استحقت الأرض،
وله قلع الزرع إن كان العاقدان سيّيّء النية، وله على من قدم الأرض أجر
المثل إن كان العاقدان حسني النية، وعليه أجر المثل للمزارع
إن كان حسن النية، وكان من قدم الأرض سيّيّء النية (1).
(81) - وعقد المساقاة: الذي هو أيضاً
نوع من الإيجار: لا يجوز فسخه إلا بالتراضي (أي بالإقالة) وليس لأحد
العاقدين طلب الفسخ، حتى ولو أخل المتعاقد الآخر بالتزاماته، وإنما له
مطالبته بتنفيذ التزامه.
وهو يفسخ كالإيجار كما تقدم بالعذر، كما إذا عجز العامل عن العمل أو كان
غير مأمون على الثمر، على صاحب الشجر أجر مثل عمل المساقي قبل الفسخ. ويفسخ
أيضاً باتفاق المذاهب باستحقاق الشجر أو الثمر، أو الزرع في رأي المالكية
الذين يجيزونه على زروع ذات أصول غير ثابتة، كالمقاثي، وبعض الزروع، كالقصب
الحلو والبصل والباذنجان والحمص والفاصوليا.
وليس للمساقي عند الحنفية خلافاً للمالكية أن يساقي غيره دون إذن صاحب
الشجر، فإن فعل، كان صاحب الشجر بالخيار بين أن يأخذ الغلة كلها، ويعطي من
قام بالعمل أجر مثله، وبين أن يترك الغلة لهما، ويرجع على المساقي الأول
بأجر مثل محل المساقاة، وضمنه ما لحق به من ضرر بسبب فعله (2).
(82) - وعقد الرهن أي الرهن الحيازي
وكذا الرسمي والتأميني:
لا ينفسخ لعدم تنفيذ أحد المتعاقدين التزاماته؛ لأنه عقد ملزم للجانبين،
وإنما
_________
(1) المجلة (م 13، 19، 96، 1438) مرشد الحيران (721 - 724، 729 - 730).
(2) مرشد الحيران (م 734، 736، 738).
(4/3199)
للعاقد الآخر المطالبة بالتنفيذ، فإذا أخل
الراهن بالتزامه وباع المرهون بلا إذن المرتهن، لم يفسخ العقد، ولم ينفذ
البيع إلا بإجازة المرتهن، لكن إن هلك المرهون في يد المشتري، كان للمرتهن
الخيار: إن شاء ضمن المشتري قيمته يوم هلاكه، وإن شاء ضمنها الراهن.
وإذا أخل المرتهن بالتزاماته، بقي الرهن قائماً ولم يفسخ، فإن تعدى المرتهن
وباع المرهون بلا إذن الراهن، لم ينفذ البيع، ويبقى الرهن قائماً لا يفسخ،
فإن هلك المرهون في يد المشتري، كان للراهن الخيار في تضمين المشتري أو
المرتهن. وإن رهن المرتهن المرهون بلا إذن الراهن، لم ينفذ الرهن الثاني،
ويبقى الرهن الأول قائماً لا يفسخ. وإن باع المرتهن ثمار العين المرهونة
بلا إذن الراهن أو القاضي، فلا يفسخ الرهن، بل يبقى قائماً، ويضمن المرتهن
قيمة الثمار (1). وإن هلك المرهون في يد الدائن المرتهن، ضمن الأقل من
قيمته ومن الدين عند الحنفية، ولا يضمنه في مذهب الجمهور إلا بالتعدي أو
التقصير (2). وإذا شرط المرتهن تملك المرهون في مقابل دينه إن لم يؤده
الراهن في الأجل، كان الشرط باطلاً لمنافاته الحديث: «لا يَغلَق الرهن من
صاحبه الذي رهنه، له غنمه وعليه غرمه» (3).
والخلاصة: أن الرهن لا يفسخ لإخلال الراهن أو المرتهن بالتزامه، والعلاج
إما عدم نفاذ التصرف، أو الإجبار على التنفيذ، أو الضمان عند الهلاك (4).
وعدم
_________
(1) تبيين الحقائق: 81/ 6 ومابعدها.
(2) البدائع: 160/ 6، الشرح الكبير للدردير: 344/ 3، مغني المحتاج: 137/ 2،
المغني: 396/ 4.
(3) رواه الشافعي والدارقطني وقال: هذا إسناد حسن متصل. وغلق الرهن:
استحقاق المرتهن إياه لعجز الراهن عن فكاكه، فمعنى (لا يغلق) لا ينفك ملك
الرهن عن صاحبه ولا يستحقه المرتهن، إذا لم يفتكه الراهن في الوقت المشروط.
(4) مصادر الحق للسنهوري: 222/ 6 ومابعدها.
(4/3200)
نفاذ التصرف كتصرف الفضولي هو رأي الحنفية
والمالكية، وأما الشافعية والحنابلة فيرون أن التصرف باطل
(83) - وعقد الصلح أيضاً ملزم للطرفين
بعد وقوعه، ولا يسوغ لأيهما أو لورثته من بعده الرجوع فيه، ويلتزم كل واحد
من المتصالحين بما التزم به نحو الآخر، ولا يفسخ إذا كان في حكم المعاوضة،
بأخذ شيء عن آخر إلا بالإقالة أي بتراضي الطرفين، ولاتجوز إقالة الصلح إذا
تضمن إسقاطاً لبعض الحقوق. ولا يفسخ الصلح بمعنى المعاوضة (وهو الصلح عن
إقرار على بدل معين يدفعه المقر) لعدم تنفيذ أحد المتعاقدين التزامه، حتى
ولو ضاع بدل الصلح أو استحق، وكان مما لا يتعين بالتعيين كالنقود، ويلزم من
التزم به بمثل ما ضاع أواستحق. أما إذا كان البدل مما يتعين بالتعيين، فلا
بد من فسخ الصلح؛ لهلاك المحل. ويرجع المدعي في الصلح عن إقرار على المدعى
عليه بالمدعى به كله أو بعضه، فإن كان الصلح عن إنكار يرجع المدعي إلى
المخاصمة (1).
وذهب المالكية إلى أنه إذاكان الصلح عن إنكار (وهو الصلح الواقع مع إنكار
المدعى عليه)، فللمظلوم من المتصالحين نقض الصلح في الأحوال الآتية؛ لأنه
كالمغلوب على أمره في قبول الصلح:
1 - إذا أقر الظالم بعد الصلح بظلمه للآخر: بأن يقر المدعى عليه بأن دعوى
المدعي حق، أو بأن يقر المدعي ببطلان دعواه.
2 - إذا شهدت للمظلوم بعد الصلح بينة لم يكن يعلمها وقت الصلح، وحلف على
عدم علمه بها.
_________
(1) مرشد الحيران (م 1048، 1049).
(4/3201)
3 - إذا كانت له بينة غائبة بعيدة يتعذر
إحضارها وقت الخصومة، وأشهد عند الصلح أنه يقوم بها إذا حضرت.
4 - إذا وجدت وثيقة الحق عند المدعي بعد الصلح (1).
(84) - وكذلك عقد الشركة: لا يفسخ
لإخلال أحد الشركاء بالتزامه،
بل يجب على المخل بالتزامه الضمان (2) أي حتى ولو كانت الشركة عقداً غير
لازم يجوز فسخه في رأي جمهور العلماء إذا أريد بقاء الشركة، وقرر المالكية
أن الشركة عقد لازم، فتكون كالبيع والإيجار والرهن؛ لأن العقد شريعة
المتعاقدين.
فروق بين الفسخ وغيره:
لقد سبق بيان الفروق بين الفسخ وغيره، وأوجزها هنا مقتصراً على بيان الفروق
فقط فيما سبق ذكره، وأوضح ما لم يذكر سابقاً.
1 - الفرق بين الفسخ والانفساخ:
(85) - ينحصر الفرق بين الفسخ والانفساخ في طريق نشوئه، فالفسخ: إما أن
ينشأ عن الرضا أو الإرادة، أو جبراً عن المتعاقدين أو عن أحدهما بحكم
القاضي. أما الانفساخ فينشأ عن حادث طبيعي وهو استحالة تنفيذ مقتضى العقد،
كهلاك أحد البدلين، وينفسخ العقد المستمر كعقد الإيجار إذا فقد ما يعتمد
عليه بقاؤه.
_________
(1) التقنين المالكي (م255) الذي صدر عن مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر،
الشرح الصغير: 414/ 3.
(2) المجلة (م 1387).
(4/3202)
فينفسخ البيع بهلاك المبيع قبل قبضه،
لاستحالة تنفيذ العقد بالتسليم بعد هلاك محله ولا ينفسخ بموت البائع، بل
يطالب الوارث بالتسليم، لثبوت آثار العقد الفوري عقب حدوثه دون توقف على
بقاء العاقد. وتنفسخ الشركة والمضاربة والمزارعة والمساقاة بموت أحد
العاقدين في مذهب الحنفية خلافاً للجمهور؛ لأن هذه العقود تنشئ التزامات
عملية ذات آثار متجددة، فيها انسحاب واستمرار يعتمد بقاؤه بقاء العاقد،
علاوة على بقاء المحل (1).
2 - الفرق بين الفسخ (انحلال العقد) وانقضاء
الالتزام:
(86) -. هناك فرق واضح بين الفسخ أو انحلال العقد، وبين انقضاء الالتزام،
فالفسخ: يؤدي إلى حل الرابطة التي كانت بين المتعاقدين، ويلغي الالتزامات
القائمة بينهما. فهذا الفسخ يستلزم انقضاء الالتزامات التي كانت ناشئة بذلك
العقد المنحل، ففسخ البيع مثلاً ينهي التزام المشتري بدفع الثمن، والتزام
البائع بتسليم المبيع.
أما انقضاء الالتزام: فيحصل إما بتنفيذ الالتزام ووصول كل ذي حق إلى حقه،
وإما بسقوط عهدة التنفيذ؛ لزوال ما أوجبها.
فكل انحلال للعقد تنقضي به التزاماته السابقة، ولا عكس، أي لا يلزم من
انقضاء الالتزام انحلال العقد الذي أنشأه؛ إذ قد يكون الانقضاء بتنفيذ
الالتزام الذي أوجبه، لا بسقوط العقد الموجب. وعلى هذا فتقابض العاقدين في
المبيع والثمن هو انقضاء للالتزام بتنفيذ العقد، وليس هو فسخاً أو انحلالاً
للعقد (2).
_________
(1) المدخل الفقهي، للأستاذ الزرقاء: ف /302، 303.
(2) المرجع السابق: ف/305، 306.
(4/3203)
وإنجاز المقاول العمل المتفق عليه هو
انقضاء للالتزام أو انقضاء للمقاولة، أما فسخ المقاولة بالتراضي أو بالقضاء
لسبب ما، أو لعذر طارئ يحول دون تنفيذ العقد أو إتمام تنفيذه، فهو انحلال
للعقد وانقضاء للالتزام معاً تبعاً للانحلال.
3 - الفرق بين الفسخ والإبطال والبطلان والفساد:
(87) - الفسخ: حل ارتباط العقد المنعقد لعدم التنفيذ، أو للإخلال
بالالتزام، أولعدم توافر الرضا التام ويحدث بالتراضي أو بالقضاء (1). أما
الإبطال: فهو الحكم بكون الشيء باطلاً من أساسه لفقد ركنه أو محله أو لنقص
في أهلية العاقد، ولا حاجة فيه لقضاء الحاكم، والبطلان أثر ذلك الحكم
اللازم للشيء بعد نقضه بسبب الخلل الجوهري الذي صاحب العقد منذ نشوئه. وأما
الفساد: فهو عند القائلين به في المعاملات وهم الحنفية اختلال في صفة عارضة
طارئة على العقد، غير جوهرية فيه.
فإذا هلك المبيع قبل القبض تعذر تسليمه وفسخ البيع، وإذا صدر العقد من عديم
الأهلية، كالمجنون والمعتوه، كان باطلاً، وإذا كان المبيع أو الثمن
مجهولاً، فسد العقد، ووجب إزالة الفساد شرعاً، فإن لم يزل الفساد، انتقل
الملك بالقبض خبيثاً غير طيب في تقدير الشرع، ويأثم العاقد.
4 - الفسخ وشرط الإلغاء الصريح أو الضمني:
(88) - أثبت جمهور الحنفية وجمهور العلماء استحساناً حق الفسخ حال الشرط
الصريح بإلغاء العقد، وهو ما يسمى بخيار النقد: وهو كما تقدم أن يشترط
البائع على المشتري أداء الثمن في مدة معينة، وإلا لغا البيع بينهما، أو
يشترط البائع
_________
(1) المحمصاني، المرجع السابق: ص 492 - 496.
(4/3204)
أنه إذا رد الثمن للمشتري في المدة
المعينة، يفسخ البيع، وذلك منعاً لمماطلة المشتري بدفع الثمن.
لكن اختلف المجيزون له في المدة، فحددها أبو حنيفة بثلاثة أيام كخيار
الشرط، وحددها غيره بحسب الحاجة، وتركها محمد بن الحسن بدون تحديد، وبرأيه
أخذت المجلة، لكن الأصل في خيار الشرط اللزوم، فإذا انتهت المدة المشروطة
دون فسخ لزم العقد، والأصل في خيار النقد عدم اللزوم، فإذا لم ينقد الثمن
في المدة فسد البيع ولا ينفسخ.
ولم يجز الشافعي وزفر خيار النقد وقالوا بعدم صحته مطلقاً (1).
(89) - وأما عند عدم الشرط الصريح فلم يقرّ الفقه الإسلامي كمبدأ عام حق
إلغاء العقد بسبب عدم التنفيذ، بل إنما أقر الفسخ في بعض الحالات المذكورة
سابقاً في بحث أسباب الفسخ لوجود شرط ضمني بجواز الفسخ أو الإلغاء، ومن تلك
الحالات:
أولاً - أن حق الفسخ مقرر في بعض أحوال استحالة التنفيذ، كعجز البائع عن
تسليم المبيع بسبب هلاكه، يكون للمشتري خيار الفسخ، وكبيع السّلم (بيع آجل
بعاجل) إذا تعذر تسليم المبيع عند حلول الأجل، لعدم وجوده، يكون المشتري
بالخيار بين فسخ السّلم واسترداد الثمن، أو انتظار وجوده إلى العام المقبل
(2). وكعقد الإجارة إذا لم يستطع المستأجر الانتفاع بالعين المؤجرة، فإن
التزامه بدفع الأجرة يسقط.
_________
(1) البحر الرائق: 6/ 6 - 7، المجلة (م 313 - 315) الشرح الكبير للدردير:
59/ 4، الميزان الكبرى للشعراني: 92/ 2، كشاف القناع: 184/ 3.
(2) الدر المختار: 269/ 4، القوانين الفقهية: ص 270.
(4/3205)
ثانياً - أجاز الحنفية باستحسان المصلحة ما
يسمى بخيار الوصف أو خيار فوات الوصف المرغوب فيه (وهو أن يكون المشتري
مخيراً بين أن يقبل بكل الثمن المسمى أو أن يفسخ البيع حيث فات وصف مرغوب
فيه، في بيع شيء غائب عن مجلس العقد) أي أنه يثبت حق الفسخ للعاقد الذي
اشترطه إذا لم يوجد الوصف المطلوب، كأن يشتري جوهرة على أنها أصلية أو بقرة
على أنها حلوب أوشيئاً يحتاج لتجربة، ثم يظهر العكس، فيكون المشتري مخيراً
إن شاء فسخ البيع، وإن شاء أخذ المبيع بجميع الثمن المسمى؛ لأن هذا وصف
مرغوب فيه، يستحق في العقد بالشرط، فإذا فات، وجب التخيير، لعدم توافر
الرضا بدونه (1).
ومثل ذلك في عقد الاستصناع: إذا لم يكن المصنوع على الوصف المطلوب؛ كان
المستصنع مخيراً (2).
ثالثاً: يجوز عند جمهور الفقهاء غير الحنفية الفسخ في عقود المعاوضة بسبب
الإفلاس حال وفاة المدين واسترداد المبيع الموجود، كما تقدم. كذلك أجاز
الإمام الشافعي أيضاً خلافاً للجمهور حق الرجوع والاسترداد في حال وفاة
المدين إذا تبين أنه مفلس.
رابعاً: أثبت الفقهاء بالاتفاق خيار العيب، فيجوز الفسخ بسببه، والشرط ليس
صريحاً بل هو ضمني، كما إذا وجد المشتري بالمبيع عيباً، فإنهم قالوا: إن
سلامة المبيع من العيوب شرط ضمني في عقد البيع، وكذلك في الإجارة، فإنها
تنفسخ بخيار عيب حاصل قبل العقد أو بعده بعد القبض يفوت به النفع، كخراب
الدار، وانقطاع ماء الرحى وانقطاع ماء الأرض (3).
_________
(1) رد المحتار: 49/ 4، فتح القدير: 135/ 5، المجلة (م 310 - 312).
(2) المجلة (م 392).
(3) الدر المختار ورد المحتار: 77/ 6.
(4/3206)
5 - الفرق بين الشرط
الموقف (الواقف) والشرط الفاسخ:
(90) - تبين لدينا أن الفسخ في الفقه الإسلامي منوط بشرط الإلغاء الصريح أو
الضمني، وكلا الشرطين من قبيل تعليق الفسخ بشرط فهو شرط تعليقي في اصطلاح
الفقه. وهناك في الفقه الغربي القانوني تقسيم لهذا الشرط إلى نوعين: شرط
موقف (أو واقف) وشرط فاسخ.
أما الشرط الموقف: فهو الذي يعلق نشوء الالتزام، ويجعله متوقفاً على أمر
مستقبل محتمل، مثل آجرتك داري هذه سنة بكذا إن نقلت وظيفتي إلى بلد آخر.
ويلاحظ أن تعليق الإجارة على هذا الشرط يفسد العقد عند فقهاء الحنفية
وغيرهم؛ لأن عقود المعاوضات لا تقبل التعليق على شرط متردد بين الوجود
والعدم؛ لأن ملكية العين أو المنفعة لا بد أن تكون مستقرة جازمة لا تردد
فيها، وإلا شابهت القمار (1).
وأما الشرط الفاسخ: فهو الذي يرتب على
وقوعه الالتزام القائم، مثل: استأجرت دارك على شرط أنني إذا نقلت وظيفتي
إلى بلد آخر، انفسخت الإجارة. وهذا لا مانع منه في فقهنا، وهو الذي يشمل
شرط الإلغاء الصريح والضمني المتقدم.
والفارق الأساسي عند القانونيين. بين النوعين في الحكم: هو أن الالتزام في
الشرط الموقف معدوم، محتمل الوجود، وفي
الفاسخ موجود محتمل الزوال (2).
_________
(1) سيأتي التفصيل في بحث عقد البيع.
(2) الأستاذ الزرقاء، المرجع السابق: ف /298.
(4/3207)
6 - الفرق بين الفسخ
والطلاق، وهل يتوقف فسخ الزواج على القضاء؟ (91) -.
سبق بيان الفَرْق بين الفسخ والطلاق في ف/7، كما سبق بيان الفَُرَق التي
تكون فسخاً للزواج في ف/54 - 57، وما يتوقف منها على القضاء في ف/58.
بعض أسباب الفسخ:
(92) - سبق الكلام عن أسباب الفسخ الجائزة في فقهنا، ويجدر بنا بيان بعض
أسباب الفسخ الجائزة وغير الجائزة، وهي الإخلال بالالتزام، واستحالة
التنفيذ، وعدم تنفيذ العقد:
1 - الإخلال بالالتزام:
القاعدة المقررة في الفقه الإسلامي أنه لا ارتباط بين الالتزامات المتقابلة
في العقد الملزم للجانبين، وإنما كل التزام مستقل عن الالتزام المقابل له،
فالتزام المشتري بدفع الثمن في مقابل التزام البائع بتسليم المبيع وضمانه،
لا يرتبط أحدهما بالآخر. وكذا التزام المستأجر بدفع الأجرة لا يتعلق بتسليم
المؤجر العين المؤجرة.
(93) - وبناء عليه، ضاقت نظرية الفسخ في الفقه، إسهاماً في دعم القوة
الملزمة للعقد، وأضحى الأصل أن العقد الملزم للجانبين أو عقد المعاوضة لا
يفسخ لإخلال أحد العاقدين بتنفيذ التزامه، وليس للدائن إلا أن يطالب المدين
بالتنفيذ أو بالضمان على حسب الأحوال. فإذا لم يدفع المشتري الثمن، لم يفسخ
البائع البيع، بل له مطالبة المشتري بالثمن، وإذا لم يدفع المتصالح في
الصلح بدل الصلح، فليس للآخر فسخ العقد، وإذا أساء الدائن المرتهن استعمال
الشيء المرهون فأخل بالتزامه بالحفاظ عليه، فليس للراهن فسخ الرهن، وإنما
له الحق في
(4/3208)
طلب وضع المرهون تحت يد عدل (1)، دفعاً
للضرر عن نفسه، وإذا هلك المرهون، ضمن المرتهن في مذهب الحنفية الأقل من
قيمته ومن الدين.
(94) -. ولكن يجوز استثناء فسخ العقد للإخلال بالالتزام في أمرين (2):
الأول - انعدام محل العقد أو فوات منفعته المقصودة، فإذا هلك المبيع أو
المأجور أو تعيب أو نقص مقداره أو تعذر استيفاء المنفعة المقصودة منه، أصبح
العقد قابلاً للفسخ.
الثاني - الإخلال بالالتزام في العقود المستمرة أو عقود المدة: كالإيجار
وعقد التوريد، فإذا أخل العاقد بالمنفعة، أو بالعمل في عقد الإجارة، أو أخل
المورِّد بالتزامه، فلم ينفذ المطلوب، توقف العاقد الآخر من تقديم المنفعة،
وأمسك العامل عن العمل حتى يستوفي الأجر، وامتنع المورَّد له من دفع الثمن،
وهذا كفسخ للعقد.
2 - استحالة تنفيذ العقد:
(95) -. تبين مما تقدم أنه يفسخ العقد أحياناً لاستحالة تنفيذه، وهو ما
يسمى في فقهنا بالآفة السماوية، ويسمى عند الإنكليز بالحادث الإلهي، وعند
الفرنسيين بالقوة القاهرة أو الظروف أو الأحوال الطارئة، فيفسخ البيع كما
تبين بهلاك المبيع قبل تسليمه، لاستحالة تنفيذ العقد بعد هلاك محله، كما
ينفسخ عقد الإيجار بخراب الدار المؤجرة أو بالإخلال بالمنفعة كانهدام جزء
منها يؤثر هدمه
_________
(1) العدل: شخص آخر غير العاقدين يؤتمن على حيازة المرهون. وأجاز الحنابلة
(القواعد لابن رجب: ص 65) للراهن فسخ عقد الرهن إذا لم يقم الدائن المرتهن
بتنفيذالتزامه.
(2) مصادر الحق للسنهوري: 230/ 6 ومابعدها.
(4/3209)
على المنفعة المقصودة منها (1)، كما ينفسخ
بيع الثمار بهلاكها كلها بجائحة، وينقص من الثمن بمقدار ما تصيبه الجائحة
إن بلغ المجاح الثلث فأكثر في رأي الإمام مالك، وسواء أكان قليلاً أم
كثيراً في مذهب الحنابلة والراجح عند المالكية، كما تقدم.
3 - عدم تنفيذ العقد ومتى يجوز؟ (96) -.
إذا كان الفقه الإسلامي قد ضيق من نطاق الفسخ؛ لأن فسخ العقد أمر خطير،
فوجب الاحتراز عنه، فإنه وسع فيما يسمى بالدفع بعدم تنفيذ العقد، على أنه
ليس فسخاً، وإنما هو وقف لتنفيذ العقد، ويظهر ذلك في أمثلة كثيرة، منها
العقود التالية: عقد البيع والإيجار
والوكالة والزواج (2).
(97) -. أما في عقد البيع (بيع سلعة بنقد أو عين بدين) فإنه يجب في مذهبي
الحنفية والمالكية (3) على المشتري أن
يدفع الثمن أولاً ما لم يكن مؤجلاً أو مقسطاً عدا القسط الأول للحديث
النبوي: «الدين مقضي» (4) فإن كان العقد مقايضة أو صرفاً وجب تسليم المبيع
والثمن معاً في وقت واحد.
وعليه، فإن للبائع حق حبس المبيع لاستيفاء جميع الثمن الحالّ، فإن كان
الثمن مؤجلاً أو مقسطاً، لزمه تسليم المبيع في الحال. ويسقط حق الحبس
بالحوالة بالثمن في رأي أبي يوسف، ولا يسقط حق الحبس إذا قدم المشتري رهناً
أو كفيلاً بالثمن؛ لأن الرهن والكفالة لا يسقطان الثمن عن ذمة المشتري.
_________
(1) مرشد الحيران (م 646).
(2) مصادر الحق للسنهوري: 215/ 6، 234 - 241.
(3) المبسوط: 192/ 12، 195، البدائع: 244/ 5، 250، فتح القدير: 109/ 5، رد
المحتار: 43/ 4 - 44، القوانين الفقهية: ص 247.
(4) أخرجه ابن عدي وأصحاب السنن إلا النسائي عن ابن عباس، وفيه ضعيف.
(4/3210)
وحق البائع في المبيع حق عيني يمنحه حق
امتياز عليه، فإذا مات المشتري مفلساً قبل قبض المبيع ودفع الثمن، فالبائع
أحق بحبسه إلى أن يستوفي الثمن من تركة المشتري أو يبيعه القاضي.
وليس للمشتري حق حبس الثمن إلا إذا استحق المبيع في يده بالبينة، وفسخ
البيع قبل أداء الثمن. وله أيضاً أن يحبس الثمن إذا استحق المبيع قبل قبضه
من المشتري، وله حق الفسخ واسترداد الثمن إذا كان قد دفعه للبائع.
(98) - وقال الشافعية والحنابلة (1):
يجبر البائع على تسليم المبيع أولاً، ثم يجبر المشتري على تسليم الثمن؛ لأن
حق المشتري في عين المبيع، وحق البائع في الذمة، فيقدم ما يتعلق بالعين.
وعليه، ليس للبائع حبس المبيع على قبض الثمن؛ لأن التسليم من مقتضيات
العقد.
لكن قال الشافعية: للبائع حبس المبيع حتى يقبض الثمن إن خاف فوته، وكذا
للمشتري حبس الثمن إن خاف فوت المبيع.
(99) - وأما في عقد الإيجار: فيرى
الحنفية والمالكية (2) أن المستأجر يدفع الأجرة أولاً إذا
كانت معجلة، ثم يسلم المؤجر العين المؤجرة. وتجب الأجرة وتملك بأحد أمور
ثلاثة: اشتراط تعجيلها في العقد، وتعجيلها من غير شرط استيفاء المعقود عليه
وهو المنافع شيئاً فشيئاً، ولا تجب الأجرة ولا تملك بنفس العقد، وإنما تلزم
جزءاً فجزءاً بحسب ما يقبض من المنافع، فلا يستحق المؤجر المطالبة بالأجرة
_________
(1) مغني المحتاج:75/ 2، المغني: 198/ 4.
(2) البدائع: 201/ 4، 204، 211، تبيين الحقائق: 110/ 5 ومابعدها، تكملة فتح
القدير: 207/ 7، المجلة (م 482 - 483) بداية المجتهد: /226، 230، الشرح
الكبير مع الدسوقي: 4/ 4، 28، القوانين الفقهية: ص 275 وما بعدها، المدونة
الكبرى: 414/ 3.
(4/3211)
إلا تدريجياً يوماً فيوماً؛ لأنه إذا لم
يثبت الملك في أحد العوضين لا يثبت في العوض الآخر، عملاً بالمساواة التي
تقوم عليها العقود.
وللمؤجر الحق في حبس العين المؤجرة في يده أو الامتناع عن تسليم الشيء
المؤجر، حتى يستوفي الأجر المعجل، كما أن له الحق في فسخ الإجارة.
وأما في الإجارة على الأعمال: فيستحق
الأجير الخاص أجره كما ذكر الحنفية بمجرد تسليم نفسه للخدمة، سواء خدم أو
لم يخدم، ويجوز له اشتراط تعجيل الأجر قبل أن يسلم الأجير نفسه للعمل. وأما
الأجير المشترك أو العام كالخياط والحمال، فله أن يحبس المستأجر فيه حتى
يستوفي أجرته إن كان لعمله أثر ظاهر (أي مجرد ما يعاين ويرى) في العين
المؤجرة كالخياط والصباغ، إن لم يشترط تأجيلها. وليس له أن يحبس المستأجر
فيه، إن لم يكن لعمله أثر ظاهر فيه كالحمال والملاح. أما المالكية فقالوا:
للأجير إذا عمل للناس، سواء أكان عاماً أم خاصاً حبس المستأجر فيه حتى يقبض
حقه.
(100) - وذهب الشافعية والحنابلة (1) إلى أن على المؤجر تسليم العين
المؤجرة، ثم يسلم المستأجر الأجرة، وتجب الأجرة وتملك بمجرد العقد؛ لأن
الإجارة عقد معاوضة، والمعاوضة إذا كانت مطلقة عن الشرط تقتضي الملك في
العوضين عقد العقد، كما يملك البائع الثمن بالبيع. وليس للمؤجر حبس العين
المؤجرة حتى يستوفي الأجرة.
(101) - وأما في عقد الوكالة: فإن
الحنفية ذكروا أن للوكيل بالشراء حق
_________
(1) مغني المحتاج: 234/ 2، المهذب: 399/ 1، المغني: 406/ 5، غاية المنتهى:
116/ 2.
(4/3212)
حبس المال المشترى في يده إلى أن يقبض
الثمن من الموكل، وإن لم يكن قد أعطاه إلى البائع (1).
(102) -. وأما في عقد الزواج: فاتفقت المذاهب (2) على أن للمرأة قبل دخول
زوجها بها أن تمنع الزوج عن الدخول بها أو عن الانتقال إلى بيت الزوجية،
حتى يعطيها جميع المهر المعجل. ويثبت لها أيضاً هذا الحق في حبس نفسها عن
زوجها ومنع نفسها من الاستمتاع بها حتى بعد الدخول بها أو الخلوة بها أو
الانتقال إلى بيت زوجها. وهذا رأي أبي حنيفة.
أما الصاحبان وبقية الفقهاء فقرروا أنه ليس لها أن تمنع نفسها بعد الدخول
بها، حتى تقبض معجل مهرها؛ لأن رضاها بالدخول إسقاط لحقها في طلب المهر،
فإذا امتنعت كانت ناشزة، فيسقط حقها في النفقة.
متى يجوز عدم تنفيذ العقد أو ما هي شروط الدفع
بعدم التنفيذ؟ (103) - يشترط للدفع بعدم
تنفيذ العقد شرطان (3):
1 - أن يكون العقد ملزماً للجانبين، أي عقد معاوضة: ففي هذا النوع من
العقود يمكن التمسك بعدم تنفيذ العقد، أو بالحق في الحبس الذي هو أوسع
بكثير من نطاق الدفع بعدم التنفيذ، وأمثلة ذلك: أن للملتقط حق حبس اللقطة
عنده بما أنفق عليها، وللغاصب حبس المغصوب حتى يستوفي ما زاده فيه من بناء
أو
_________
(1) المجلة (م 1491) مرشد الحيران (م 937).
(2) البدائع: 288/ 2 - 289، الشرح الكبير للدردير: 297/ 2 ومابعدها، الشرح
الصغير: 434/ 2، القوانين الفقهية: ص 434، مغني المحتاج: 222/ 3 ومابعدها،
كشاف القناع: 181/ 5 - 183.
(3) مصادر الحق للسنهوري: 241/ 6.
(4/3213)
غراس، ولصاحب الملك المشترك أو لصاحب حق
العلو إذا انهدم البناء أن يمنع شريكه أو صاحب السفل الذي امتنع من إعادة
البناء من الانتفاع ببنائه حتى يؤدي ما يخص حصته من المصروفات (1).
2 - أن يكون الالتزام المحبوس أو الممنوع عن الآخر التزاماً يتأخر تنفيذه
عن تنفيذ الالتزام المقابل: فللبائع حبس المبيع لديه حتى يستوفي الثمن،
وليس العكس، كما تقدم، وللمؤجر حبس المأجور إلى استيفاء الأجرة إذا كانت
الأجرة معجلة.
آثار الفسخ (أحكامه):
(104) -. تظهر آثار الفسخ في شيئين: انتهاء العقد، وسريانه على الماضي
والمستقبل.
1 - انتهاء العقد بالفسخ: ينتهي العقد
بالفسخ، ويكون له آثار فيما بين الطرفين المتعاقدين وبالنسبة لغيرهما.
أولاً- أثر الفسخ فيما بين الطرفين المتعاقدين: يظل العقد قائماً إلى حين
الفسخ، وينتج جميع آثاره، فتنتقل مثلاً ملكية المبيع إلى المشتري، وللطرفين
إجازة العقد صراحة قبل الفسخ، أو ضمنياً، وحق الفسخ محصور فقط في المتضرر
من المتعاقدين دون المتعاقد الآخر.
فإذا فسخ العقد انحل واعتبر كأن لم يكن بالنسبة للطرفين، وتجب إعادة كل شيء
إلى ما كان عليه قبل العقد، ويعاد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها
قبل
_________
(1) تبيين الحقائق: 306/ 3،308 وما بعدها، 231/ 5، المجلة (م 1216).
(4/3214)
التعاقد، فإذا استحال ذلك جاز الحكم
بالتعويض، سواء كان الفسخ بحكم القاضي أو بحكم الاتفاق أو بحكم الشرع.
(105) - ثانياً - أثر الفسخ بالنسبة للغير: يصبح العقد بالفسخ بالنسبة لغير
المتعاقدين أيضاً كأن لم يكن، إلا أن التصرف في العين للغير من قبل المشتري
كالبيع أو الهبة أو الصلح ما نع من حق الفسخ، أي يطهر العين المبيعة من حق
الفسخ، فلا يتمكن المشتري الأول أن يفسخ البيع بينه وبين بائعه؛ لأنه قد
تعلق بالمبيع حق مالك جديد، أنشأه المشتري نفسه (1).
(106) -. وكذلك للإقالة التي هي عبارة عن فسخ العقد الذي يربط المتعاقدين
آثار بالنسبة للعاقدين وبالنسبة إلى الغير، فهي كما تقدم في رأي أبي حنيفة
وزفر تعد فسخاً في حق العاقدين، وليست اتفاقاً جديداً، فملكية المبيع لا
تنتقل من جديد إلى البائع، بل يعتبر المبيع كأنه لم يخرج أبداً من ملك
البائع (2).
وكذلك قال الشافعية والحنابلة: الإقالة فسخ، كالرد بالعيب (3). أما
المالكية والظاهرية فذهبوا إلى أن الإقالة اتفاق أو بيع جديد؛ لإتمامها
بتراض جديد بين العاقدين، فيجوز فيها ما يجوز في البيوع، ويحرم منها ما
يحرم في البيوع (4).
وأما أثر الإقالة بالنسبة للغير وهو الشخص الثالث غير العاقدين: فهو أنها
ليست فسخاً، بل هي بيع جديد في رأي أبي حنيفة وأبي يوسف والمالكية
_________
(1) عقد البيع للأستاذ مصطفى الزرقاء: ص 111.
(2) البدائع: 306/ 5، فتح القدير: 247/ 5، الدر المختار ورد المحتار: 154/
4.
(3) مغني المحتاج: 96/ 2، المغني: 121/ 4، غاية المنتهى: 52/ 2، القواعد
لابن رجب: ص379 - 381.
(4) القوانين الفقهية: ص 272، المحلى: 7/ 9، الشرح الصغير: 210/ 2.
(4/3215)
والظاهرية؛ لأنها في الواقع مبادلة جديدة،
فيأخذ كل واحد من المتعاقدين رأس ماله ببدل، وعلى ذلك تعتبر الملكية
بالنسبة للغير أنها انتقلت من جديد إلى البائع بالإقالة، فمن اشترى داراً
ولها شفيع، فلم يطلب الشفعة بعد علمه بالبيع، ثم أقال العاقدان البيع،
فيثبت للشفيع حق طلب الشفعة ثانياً؛ لأن الإقالة عقد جديد في حقه.
وذهب زفر ومحمد والشافعية وأكثر الحنابلة إلى أن الإقالة بالنسبة للغير فسخ
كما هو الشأن بالنسبة للعاقدين؛ لأن الإقالة هي الرفع والإزالة، ولأن
المبيع عاد إلى البائع بلفظ لا ينعقد به البيع، فكان الاتفاق فسخاً كالرد
بالعيب.
2 - أثر الفسخ في الماضي (الأثر المستند
والمقتصر) والمستقبل:
(107) -. للفسخ أثر مستند، أي أثر رجعي منسحب على الماضي، في العقود
الفورية كالبيع والمقايضة، فيوجب التراجع فيما نفذ من التزامات، ففسخ البيع
يوجب التراد في المبيع والثمن، وكذا انفساخه بهلاك المبيع قبل التسليم يوجب
رد الثمن المقبوض؛ لأن الالتزام فيه يصبح بلا سبب. وعلى ذلك لا يمكن طلب
الشفعة عند الفسخ.
وينحصر الأثر الرجعي بالعاقدين وورثتهما عند الجمهور غير الحنفية القائلين
بانتقال الخيار بالوراثة. أما غير المتعاقدين إذا اكتسب حقاً على العين
المبيعة فلا يتأثر برجعية الفسخ، بل يمتنع الفسخ، وتلزم المتعاقدين الصفقة
دفعاً للضرر عن الغير (1).
وأما العقود المستمرة أو عقود المدة التي يستمر تنفيذها مع توالي الزمن
كعقد
_________
(1) النظرية العامة للفسخ د: الذنون: ص 363.
(4/3216)
الإيجار أو الشركة، فإن الفسخ يكون
مقتصراً، أي ليس له أثر رجعي، وإنما يسري على المستقبل فقط، وما مضى يكون
على حكم العقد، فالفسخ أو الانفساخ يقطعان تأثير هذه العقود بالنسبة إلى
المستقبل، ويظل ما مضى على حكم العقد. وكذلك انحلال الوكالة بالعزل لا ينقض
تصرفات الوكيل السابقة (1).
(108) -. وكذلك للإقالة أثر رجعي كالفسخ، بشرط وجود محل العقد عند الإقالة،
ووحدة الزمان، وتطابق الإيجاب والقبول، أي رضا المتقايلين وتوافق
الإرادتين؛ لأن الإقالة رفع العقد، والمبيع محله، فإن كان هالكاً كله وقت
الإقالة، لم تصح، وإن هلك بعضه، لم تصح الإقالة بقدره، ولأن الإقالة عند
الجمهور فسخ العقد، والعقد وقع بتراضي العاقدين، فكذا فسخه، أما قيام الثمن
وقت الإقالة فليس بشرط (2).
(109) -. هذا وقد بحث السيوطي أثر الفسخ بالنسبة للماضي بعنوان: هل يرفع
الفسخ العقد من أصله أو من حينه؟ فقال:
1 - فسخ البيع بخيار المجلس أو الشرط: الأصح أنه من حينه.
2 - الفسخ بخيار العيب والتصرية (ربط ثدي الشاة لتجمع اللبن): الأصح من
حينه.
3 - تلف المبيع قبل القبض: الأصح الانفساخ من حين التلف.
4 - الفسخ بالتخالف بين البائع والمشتري: الأصح من حينه.
5 - السلم: يرجع الفسخ إلى عين رأس المال.
_________
(1) المدخل الفقهي العام للأستاذ الزرقاء: ف 304.
(2) البدائع: 308/ 5 ومابعدها، فتح القدير: 250/ 5 ومابعدها، الدر المختار:
157/ 4.
(4/3217)
6 - الفسخ بالفلس: من حينه.
7 - الرجوع في الهبة: من حينه قطعا.
8 - فسخ النكاح بأحد العيوب: الأصح من حينه.
9 - الإقالة على القول بأنها فسخ: الأصح من حينه (1).
ويلاحظ أن أغلب حالات الفسخ في رأي الشافعية ليس لها أثر رجعي.
وذكر ابن رجب الحنبلي خلافاً في الفسخ بالعيب المستند إلى مقارن للعقد، هل
هو رفع للعقد من أصله أو من حينه (2).
وذهب المالكية إلى أن فسخ البيع بسبب العيب إما بحكم الحاكم أو بتراضي
المتبايعين رفع للعقد من حينه. وليس له أثر على الماضي، فتكون غلة المردود
بعيب للمشتري من وقت عقد البيع وقبض المشتري له، وتثبت الشفعة للشريك بما
وقعت به الإقالة (3).
_________
(1) الأشباه والنظائر: ص 317.
(2) القواعد: ص 116.
(3) الشرح الصغير: 186/ 2، 210.
(4/3218)
|