الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي

الفَصْلُ الرّابع: الجِعَالَة ـ أو الوعد بالجائزة ـ
الكلام فيها يتناول تعريفها، ومشروعيتها، وصيغتها، الفرق بينها وبين الإجارة على الأعمال، شروطها، صفة حكمها، الزيادة والنقص في الجُعل، حكم اختلاف العامل ورب المال.

تعريف الجعالة: الجعالة أو الجُعْل أو الجعلية لغة: هي ما يجعل للإنسان على فعل شيء أو ما يُعْطاه الإنسان على أمر يفعله. وتسمى عند القانونيين: الوعد بالجائزة (أي المكافأة أو الجُعْل أو الأجر المعين)، فهي عقد أو التزام بإرادة منفردة.
وشرعاً: التزام عوض معلوم على عمل معين، أو مجهول، عسر علمه (1).
وعرفها المالكية (2): بأنها الإجارة على منفعة مظنون حصولها. مثل قول القائل: من رد علي دابتي الشاردة، أو متاعي الضائع، أو بنى لي هذا الحائط أو حفر لي هذا البئر حتى يصل إلى الماء، أو خاط لي قميصاً أو ثوباً، فله كذا.
_________
(1) مغني المحتاج: 429/ 2، كشاف القناع: 225/ 4، الشرح الصغير: 79/ 4.
(2) القوانين الفقهية: ص 275، الشرح الكبير للدردير: 60/ 4، بداية المجتهد: 232/ 2.

(5/3864)


ومنها ما يخصص من المكافآت لأوائل الناجحين، أو المتسابقين فيما يحل فيه السباق، أو ما يلتزمه القائد من مبلغ معين أو سهم من الغنيمة لمن يقتحم حصناً للعدو، أو يسقط عدداً من الطائرات.
ومنها الالتزام بمبلغ مالي لطبيب يشفي مريضاً من مرض معين، أو لمعلم يحفِّظ ابنه القرآن.
ويمثل لها الفقهاء عادة بحالة رد الدابة الضالة (الضائعة)، والعبد الآبق (الهارب).

مشروعية الجعالة:
لا تجوز الجعالة عند الحنفية (1) لما فيها من الغَرَر أي جهالة العمل والمدة قياساً على سائر الإجارات التي يشترط لها معلومية العمل والمأجور والأجرة والمدة. وإنما أجازوا فقط استحساناً دفع الجعل لمن يرد العبد الآبق (2)، ولو بلا شرط، من مسيرة ثلاثة أيام فصاعداً، ومقدار الجعل أربعون درهماً، تغطية للنفقة في مدة السفر. وإن رده لأقل من ذلك المقدار، فبحسابه، اعتباراً للأقل بالأكثر، فإذا رده مثلاً من مسافة يومين فله ثلثاها، ومن يوم ثلثها، ومن رده من أقل منه، أو وجده في البلد يرضخ له، أي يعطى بنسبة عمله. وسبب استحقاق الجعل: هو أخذ الآبق لصاحبه. فدفع الجعل طريق للمالك لصيانة ماله.
_________
(1) الدر المختار: 243/ 3، 355 - 359، 6/ 5، 32، البدائع: 203/ 6 - 205، اللباب شرح الكتاب: 217/ 2 ومابعدها.
(2) الإباق: انطلاق الرقيق تمرداً. سواء هرب من مستأجره أو وديعه المودع لديه، أو مستعيره، أو الوصي عليه.

(5/3865)


وتجوز الجعالة شرعاً عند المالكية والشافعية والحنابلة (1)، بدليل قوله تعالى في قصة يوسف مع إخوته: {قالوا: نفقد صُواع الملك (2)، ولمن جاء به حمل بعير، وأنا به زعيم} [يوسف:72/ 12] أي كفيل. وبدليل ما جاء في السنة من أخذ الأجرة على الرقية بالفاتحة (أم القرآن)، وهو ما رواه الجماعة إلا النسائي عن أبي سعيد الخدري: «أن ناساً من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم أتوا حياً من أحياء العرب، فلم يُقْروهم (يضيفوهم)، فبينما هم كذلك إذ لدغ سيد أولئك، فقالوا: هل فيكم راقٍ؟ فقالوا: لم تقرونا، فلا نفعل أو تجعلوا لنا جعلاً، فجعلوا لهم قطيع شاء، فجعل رجل يقرأ بأم القرآن، ويجمع بزاقه، ويتفل، فبرأ الرجل، فأتوهم بالشاء، فقالوا: لا نأخذها حتى نسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فسألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن ذلك، فضحك، وقال: وما أدراك، إنها رقية؛ خذوها واضربوا لي فيها بسهم» (3).
والمعقول يؤيد ذلك: وهو أن الحاجة تدعو إلى الجعالة، من رد ضالة، وآبق، وعمل لا يقدر عليه صاحبه، فجاز بذل الجعل، كالإجارة والمضاربة، إلا أن جهالة العمل والمدة لا تضر بخلاف الإجارة؛ لأن الجعالة غير لازمة، والإجارة لازمة، وتفتقر إلى تعيين المدة لمعرفة قدر المنفعة، ولأن الجعالة رخصة اتفاقاً لما فيها من الجهالة، وأجيزت لإذن الشارع بها.

صيغة الجعالة:
الجعالة التزام بإرادة واحدة فلا تتحقق إلا بصيغة (4) من الجاعل من الصيغ
_________
(1) بداية المجتهد: 233/ 2، القوانين الفقهية، الشرح الكبير، المكان السابق، مغني المحتاج: 429/ 2، المغني: 656/ 5، كشاف القناع: 225/ 4، المهذب: 411/ 1.
(2) الصواع والصاع: مكيال يكال به، أو هو إناء يشرب فيه، كان سقاية الملك.
(3) نيل الأوطار: 289/ 5.
(4) مغني المحتاج: 429/ 2 ومابعدها، المهذب: 411/ 1، المغني: 658/ 5، الشرح الصغير: 81/ 4، الشرح الكبير: 60/ 4.

(5/3866)


السابقة في تعريفها ونحوها، تدل على إذن بالعمل بطلب صريح، بعوض معلوم مقصود عادة ملتزم به، فلو عمل العامل بلا إذن، أو أذن الجاعل لشخص، فعمل غيره، فلا شيء له؛ لأن الأول عمل متبرعاً، والشخص المعين في الحالة الثانية لم يعمل ولا يشترط في الجاعل كونه مالكاً، فيصح لغيره أن يلتزم بجعل ويستحقه العامل الذي رد الشيء.
كما لا يشترط قبول العامل، وإن عينه الجاعل؛ لأن الجعالة التزام من جانب واحد، كما أوضحت. ويصح أن تكون الجعالة لواحد معين، أو لغير معين، كما يصح أن يجعل الجاعل للمعين عوضاً ولسائر الناس عوضاً آخر.

الفرق بين الجعالة والإجارة على الأعمال:
تفترق الجعالة عن الإجارة على عمل معلوم كبناء وخياطة ثوب وحمل شيء إلى موضع معلوم من نواح أربع وهي (1):
أولاً ـ لا يتم استيفاء المنفعة للجاعل إلا بتمام العمل كرد الشارد وبرء المريض. أما في الإجارة فيتم استيفاء المنفعة للمستأجر بمقدار ما عمل الأجير. وبعبارة أخرى: لا تتحقق المنفعة في الجعالة إلا بتمام العمل، أما في الإجارة فتتحقق المنفعة للمستأجر بجزء من العمل. وبناء عليه، لا يستحق العامل في الجعالة شيئاً إلا بتمام العمل. وإذا عمل الأجير في الإجارة بعض العمل استحق من الأجر بحساب (أو مقدار) ما عمل.
ثانياً ـ إن الجعالة عقد يحتمل فيها الغرر، وتجوز جهالة العمل والمدة بخلاف
_________
(1) القوانين الفقهية: ص 275 ومابعدها، بداية المجتهد: 233/ 2، مغني المحتاج: 430/ 2، كشاف القناع: 225/ 4 ومابعدها، المغني: 657/ 5 ومابعدها.

(5/3867)


الإجارة، فالعمل في الجعالة قد يكون معلوماً، أو مجهولاً غير معلوم، كرد بهيمة ضالة، وحفر بئر حتى يخرج منها الماء، وكما تصح الجعالة على عمل مجهول أو معلوم، تصح جهالة المدة. أما الإجارة فلا بد من أن يكون العمل فيها معلوماً كالخياطة والبناء، والمدة معلومة. وإذا قدرت الإجارة بمدة لزم الأجير العمل في جميع المدة، ولا يلزمه العمل بعدها. أما الجعالة فالمهم فيها إنجاز العمل دون تقيد بالمدة.
ثالثاً ـ لا يجوز اشتراط تقديم الأجرة في الجعالة، بخلاف الإجارة.
رابعاً ـ الجعالة عقد جائز غير لازم، فيجوز فسخه، بخلاف الإجارة، فإنها عقد لازم لا يفسخ.

شروط الجعالة:
يشترط في الجعالة ما يأتي (1):

أولاً ـ أهلية التعاقد: يشترط عند الشافعية والحنابلة في الجاعل ما لكاً كان أو غيره أن يكون مطلق التصرف (بالغاً عاقلاً رشيداً)، فلا يصح من صبي ومجنون ومحجور سفه. وأما العامل: فإن كان معيناً اشترط فيه أهلية العمل، فلا يصح كونه عاجزاً عن العمل كصغير لا يقدر على العمل؛ لأن منفعته معدومة. وإن كان غير معين مبهماً كفى علمه بإعلان النداء على الجعل. وتصح الجعالة عند المالكية والحنفية من المميز، وأما التكليف فهو شرط لزوم.
_________
(1) القوانين الفقهية: ص 276، مغني المحتاج: 430/ 2 ومابعدها، المهذب: 411/ 1، المغني: 656/ 5 ومابعدها، 660، كشاف القناع: 225/ 4 - 228، الشرح الكبير للدردير: 64/ 4، الشرح الصغير: 81/ 4.

(5/3868)


ثانياً ـ كون الجعل (أو الأجرة) مالاً معلوماً. فإن كان الجعل مجهولاً فسد العقد لجهالة العوض، مثل من وجد سيارتي فله ثوب، أو أرضيه، ونحوه، ويكون للواجد (الرادّ) أجرة مثله، كالإجارة الفاسدة.
وإن كان الجعل حراماً كخمر أو مغصوب، فسد العقد أيضاً لنجاسة عين الخمر، وعدم القدرة على تسليم المغصوب.

ثالثاً ـ أن تكون المنفعة معلومة حقيقة، مباحاً الانتفاع بها شرعاً، فلا تجوز الجعالة على إخراج الجن من شخص، ولا على حل سحر مثلاً، لأنه يتعذر معرفة كون الجن خرج أم لا، أو انحل السحر أم لا. كما لا تجوز الجعالة على ما يحرم نفعه كالغناء والزمر والنواح وسائر المحرمات. والقاعدة في ذلك (1): أن كل ما جاز أخذ العوض عليه في الإجارة، جاز أخذ العوض عليه في الجعالة، ومالا يجوز أخذ العوض عليه في الإجارة، لا يجوز أخذ الجعل عليه، لقوله تعالى: {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} [المائدة:2/ 5] وأضاف المالكية: «كل ما جاز فيه الجعل كحفر الآبار في فلاة، جازت فيه الإجارة، لا العكس، فليس كل ما جازت فيه الإجارة، جاز فيه الجعل» مثل بيع سلع (2) وخدمة شهر، وحفر بئر بملك، تصح فيه الإجارة دون الجعالة، فالإجارة أعم، من ناحية المحل المعقود عليه. والسبب في عدم صحة الجعالة فيما ذكر: أن الجعالة تكون فيما لا يحصل للجاعل نفع إلا بتمام العمل، وهذه الأمور يبقى فيها للجاعل منفعة إذا لم يتم العامل العمل.
_________
(1) كشاف القناع: 228/ 4، الشرح الكبير: 63/ 4 ومابعدها، الشرح الصغير: 84/ 4.
(2) بيع سلع من ثياب أو إبل إذا لم يأخذ العامل الجعل إلا على بيع الجميع، لأن تعدد السلع بمنزلة عقود متعددة يستحق الجعل في كل سلعة بانتهاء عملها.

(5/3869)


وأما أعمال العبادة البدنية التي لا يتعدى نفعها غير فاعلها كالصلاة والصيام ونحوهما من القربات الدينية، فلا يجوز أخذ الجعل عليه.
وما يتعدى نفعه لغير فاعله كالأذان وتعليم الفقه والقرآن والقضاء والإفتاء فيجوز أخذ الجعل عليه، لحديث أبي سعيد السابق في الرقية بالفاتحة.
والمشهور عند المالكية أنه لا بد من تحقيق منفعة مقصودة للجاعل، فمن جعل ديناراً لمن يصعد جبلاً مثلاً، لا لشيء يأتي به، لا يصح التزامه ولا جعالته. واشترط الشافعية في العمل: أن يكون فيه كلفة، وإلا فلا يستحق شيئاً؛ لأن ما لا كلفة فيه لا يقابل بعوض.

رابعاً ـ اشترط المالكية ألا يحدد للجعالة أجل، وقال غيرهم: يصح الجمع بين تقدير المدة والعمل، مثل من خاط لي هذا الثوب في يوم فله كذا، فإن أتى به في المدة استحق الجعل، ولم يلزمه شيء آخر، وإن لم يف به فيها فلا يلزمه شيء له، وذلك بخلاف الإجارة.
وأضاف بعض المالكية (القاضي عبد الوهاب خلافاً لابن رشد) شرطاً خامساً: وهو أن تكون الجعالة في العمل اليسير، ولو كان متعدداً كإبل كثيرة شردت. واشترط المالكية كما تقدم عدم شرط النقد للجعل، فإن شرط النقد يفسدها؛ لأنه سلف جر نفعاً بطريق الاحتمال، وأما تعجيل الجعل بلا شرط فلا يفسدها.

صفة حكم الجعالة ووقت استحقاق الجعل:
اتفق الفقهاء القائلون بجواز الجعالة (1) على أنها بخلاف الإجارة عقد جائز
_________
(1) بداية المجتهد: 233/ 2، الشرح الكبير للدردير: 60/ 4، 65، مغني المحتاج: 433/ 2، المهذب: 412/ 1، كشاف القناع: 228/ 4، المغني: 657/ 5.

(5/3870)


غير لازم، فيجوز لكل من الجاعل والعامل فسخها، لكنهم اختلفوا في وقت جواز الفسخ. فقال المالكية: يجوز الفسخ قبل الشروع في العمل، ويلزم الجاعل دون العامل بالشروع في العمل. أما العامل المجعول له فلا يلزم بشيء قبل العمل أو بعده أو بعد الشروع فيه.
وقال الشافعية والحنابلة: يجوز الفسخ في أي وقت شاء الجاعل والمجعول له المعين، كسائر العقود الجائزة مثل الشركة والوكالة، قبل تمام العمل. فإن فسخ العقد من المالك أو العامل المعين قبل الشروع في العمل، أو فسخ العامل بعد الشروع في العمل، فلا شيء له في الحالتين، لأنه في الأولى لم يعمل شيئاً، وفي الثانية لم يتحقق غرض المالك. أما إن فسخ المالك بعد الشروع في العمل، فعليه للعامل أجرة مثل عمله في الأصح عند الشافعية، لأنه عمل بعوض، ولم يسلم له أجرة عمله، كما لو فسخ رب المال المضاربة بعد الشروع في العمل ويستحق العامل الجعل أو الأجر المعين بإتمام العمل، فإن فسخ العامل قبل الفراغ من العمل، لم يستحق شيئاً (1).
وإن حدد المالك مكاناً لرد المتاع المفقود، فرده العامل من مكان أقرب منه، فله قسطه من الجعل، كما يرى الشافعية (2).
ولو اشترك اثنان في رد المتاع، اشتركا في الجعل، لحصول الرد منهما (3).
وإذا رد العامل الشيء المجعول عليه فليس له حبسه لقبض الجعل، كما لا
_________
(1) القوانين الفقهية: ص 275، الشرح الكبير: 61/ 4، مغني المحتاج: 433/ 4، المهذب: 412/ 1، كشاف القناع: 225/ 2، المغني: 658/ 5.
(2) مغني المحتاج: 431/ 2.
(3) الشرح الكبير: 61/ 4، مغني المحتاج: 431/ 2، المغني: 658/ 5.

(5/3871)


يحبسه لاستيفاء ما أنفقه عليه بإذن المالك؛ لأن استحقاق الجعل بتسليم الشيء، ولا حبس قبل الاستحقاق (1).
ولا يستحق العامل الجُعْل إلا بإذن صاحب العمل، وبالفراغ من العمل، فإذا عمل عامل بدون إذن صاحب العمل لم يستحق شيئاً، وإذا لم يفرغ العامل من العمل كشفاء المريض، وتعلم القراءة والكتابة، لم يستحق الجعل.

الزيادة والنقص في الجعل:
يرى الشافعية والحنابلة (2) أنه يجوز للمالك الجاعل أن يزيد أو ينقص من الجعل؛ لأن الجعالة عقد جائز غير لازم، فجاز فيه ذلك كالمضاربة، إلا أن الشافعية أجازوا ذلك قبل الفراغ من العمل، سواء أكان قبل الشروع، أم بعده، كأن يقول: من رد متاعي الفلاني فله عشرة، ثم يقول: فله خمسة، أو بالعكس. وتظهر فائدة ذلك بعد الشروع في العمل، فتجب حينئذ أجرة المثل، لأن هذا التعديل بالزيادة أو النقص فسخ للإعلان السابق، والفسخ من المالك يقتضي الرجوع إلى أجرة المثل؛ وقيد الحنابلة هذا التعديل بما قبل الشروع في العمل، فيجوز ويعمل به.

حكم اختلاف المالك والعامل:
إذا حدث اختلاف بين المالك والعامل فأيهما يصدق بيمينه؟ في الأمر تفصيل (3): إن اختلفا في أصل اشتراط الجعل بأن أنكره أحدهما، فيصدق المنكر بيمينه، كأن يقول العامل: شرطت لي جعلاً، وأنكر المالك، صدق المالك بيمينه؛
_________
(1) مغني المحتاج: 434/ 2.
(2) مغني المحتاج: 433/ 2 ومابعدها، المهذب: 412/ 1، كشاف القناع: 229/ 4.
(3) الشرح الكبير: 64/ 4، مغني المحتاج: 434/ 2، المهذب: 412/ 1، المغني: 660/ 5 ومابعدها، كشاف القناع: 229/ 4.

(5/3872)


لأن الأصل عدم اشتراط الجعل. وإن اختلفا في نوع العمل كرد السيارة الضائعة أو المتاع الضائع، أو اختلفا فيمن قام بالعمل، يصدق صاحب العمل بيمينه، لأن العامل يدعي شيئاً والأصل عدمه، فيصدق المنكر بيمينه.
وكذلك يصدق المنكر إن اختلفا في سعي العامل، بأن قال المالك: لم ترده، وإنما رجع بنفسه، يصدق المالك؛ لأن الأصل عدم الرد.
وإن اختلفا في قدر الجعل أوفي قدر المسافة أو المكان المحدد لوجود الضائع فقال المالكية والشافعية: تحالف الطرفان (1)، وفسخ العقد، ووجب أجرة المثل، كما لو اختلفا في عقد الإجارة.
وقال الحنابلة: القول قول المالك بيمينه؛ لأن الأصل عدم الزائد المختلف فيه، ولأن القول قوله في أصل العوض، فكذلك في قدره، كرب المال في المضاربة، ولأنه منكر لما يدعيه العامل زيادة عما يعترف به، والأصل براءته منه. ويحتمل أن يتحالفا كالمتبايعين إذا اختلفا في قدر الثمن، والأجير والمستأجر إذا اختلفا في قدر الأجر. فإن تحالفا فسخ العقد ووجب أجر المثل.

أوجه الاختلاف بين الجعالة والإجارة: تختلف الجعالة عن الإجارة من خمسة وجوه هي:
1 - تصح الجعالة مع عامل غير معين، ولا تصح الإجارة مع مجهول.
2 - تجوز الجعالة على عمل مجهول، أما الإجارة فلا تصح إلا على عمل معلوم.
_________
(1) أي حلف كل منهما على إثبات قوله، ونفي قول الآخر. فإذا حلفا تساقطت أقوالهما واستحق العامل أجرة المثل.

(5/3873)


3 - لا يشترط في الجعالة قبول العامل لأنها تصرف بإرادة منفردة، أما الإجارة فلا بد من قبول الأجير القائم بالعمل لأنها عقد بإرادتين.
4 - الجعالة عقد جائز غير لازم، أما الإجارة فهي عقد لازم، لا يفسخها أحد العاقدين إلا برضا الآخر.
5 - لا يستحق الجعل في الجعالة إلا بالفراغ من العمل، ولو شرط تعجيله فسدت، وفي الإجارة يجوز اشتراط تعجيل الأجرة.

(5/3874)