الفقه
الإسلامي وأدلته للزحيلي الفَصْلُ السّابع: الإِيدَاع
خطة الموضوع:
الكلام عن عقد الإيداع في المباحث الستة الآتية:
المبحث الأول ـ تعريف الإيداع ومشروعيته.
المبحث الثاني ـ ركن الإيداع وشرائطه.
المبحث الثالث ـ حكم عقد الإيداع، وطريقة حفظ الوديعة.
المبحث الرابع ـ حال الوديعة: هل يد الوديع يد أمانة أو يد ضمان؟.
المبحث الخامس ـ حالات ضمان الوديعة.
المبحث السادس ـ انتهاء الإيداع.
المبحث الأول ـ تعريف الإيداع ومشروعيته:
الودع في اللغة: الترك، والوديعة لغة: الشيءالموضوع عند غير صاحبه للحفظ.
وشرعاً: تطلق على الإيداع، وعلى العين المودعة، والراجح أنها عقد إلا أن
الأصح أن يقال: الإيداع عقد، لا الوديعةعقد؛ لأن الأرجح أنها عقد. وتعريف
الإيداع عند جماعة من شراح الحنفية: هو تسليط الغير على حفظ ماله
(5/4016)
صريحاً أو دلالة (1) مثل قول المودع لغيره:
أودعتك (2)، فيقبل الآخر ويتم الإيداع صراحة عندئذ، أو دلالة كأن يجيء رجل
بثوب إلى رجل ويضعه بين يديه، ويقول: هذا وديعة عندك، ويسكت الآخر، فيصير
مودعاً دلالة.
وعرفه الشافعية والمالكية بقولهم: توكيل في حفظ مملوك، أو محترم مختص، على
وجه مخصوص (3)، فيصح إيداع الخمر المحترمة (4)، وجلد ميتة يطهر بالدباغ،
وزبل وكلب معلم للصيد. أما غير المختص كالكلب الذي لا يقتنى، والثوب الذي
طيرته الريح ونحوه، فهذا لا اختصاص فيه؛ لأنه مال ضائع مغاير لحكم الوديعة.
ويقال لدافع الوديعة: مودع ـ بكسر الدال ـ ولآخذها: مودع ـ بفتح الدال ـ
ووديع.
والإيداع مشروع ومندوب إليه لقوله سبحانه: {إن الله يأمركم أن تؤدوا
الأمانات إلى أهلها} [النساء:58/ 4] وقوله تعالى: {فليؤد الذي اؤتمن
أمانته} [البقرة:283/ 2] وقال صلّى الله عليه وسلم: «أد الأمانة إلى من
ائتمنك، ولا تخن من خانك» (5)،
_________
(1) تكملة فتح القدير: 88/ 7، حاشية ابن عابدين: 515/ 4، مجمع الضمانات: ص
68.
(2) أودعتك الشيء من الأضداد، تطلق على: جعلته عندك وديعة، وقبلته منك
وديعة.
(3) مغني المحتاج: 79/ 3، قليوبي وعميرة: 180/ 3، شرح التحرير: ص 167،
نهاية المحتاج: 5 ص 87، حاشية الشرقاوي: 96/ 2 ومابعدها، حاشية الدسوقي:
419/ 3.
(4) الخمر المحترمة: هي التي يملكها امرؤ أسلم وكانت عنده، أو ورثها منه
وارثه.
(5) رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن، وأخرجه أيضاً الحاكم وصححه،
واستنكره أبو حاتم الرازي وأخرجه جماعة من الحفاظ، فرواه البيهقي ومالك
والدارقطني، وأحمد وأبو نعيم من طرق مطعون فيها. وفي موضوعه عن أبي بن كعب
عند ابن الجوزي والدارقطني، وعن أبي أمامة عند البيهقي والطبراني، وفيهما
ضعيف، وعن أنس عند الدارقطني والطبراني والبيهقي، وأبي نعيم، وعن رجل من
الصحابة عند أحمد وأبي داود والبيهقي وفي إسناده مجهول آخر غير الصحابي،
قال الشافعي: هذا الحديث ليس بثابت. قال في نيل الأوطار: ولا يخفى أن وروده
بهذه الطرق المعتبرة مع تصحيح إمامين من الأئمة المعتبرين لبعضهما، وتحسين
إمام ثالث منهم مما يصير به الحديث منتهضاً للاحتجاج به. (راجع التلخيص
الحبير: ص 270، نيل الأوطار: 297/ 5، سبل السلام: 68/ 3).
(5/4017)
وأجمع العلماء في كل عصر من العصور
الإسلامية على جواز الإيداع والاستيداع، لأن بالناس حاجة، بل ضرورة إلى
الإيداع (1).
المبحث الثاني ـ ركن الإيداع وشرائطه:
ركن الإيداع عند الحنفية هو الإيجاب والقبول. وهو أن يقول لغيره: أودعتك
هذا، أو احفظ هذا الشيء لي، أو خذ هذا الشيء وديعة عندك، ونحو ذلك ويقبله
الآخر (2).
وأركانه عند الجمهور أربعة (3): عاقدان (مودع ووديع)، ووديعة (الشيء
المودع) وصيغة (إيجاب وقبول) والقبول إما أن يكون لفظاً مثل: قبلت، أو
دلالة كمن يضع ماله عند شخص فيسكت، فيكون السكوت قائماً مقام القبول
كالمعاطاة في البيع.
شرائط الركن:
يشترط عند الحنفية في العاقدين: العقل، فلا يصح الإيداع من الصبي الذي لا
يعقل، والمجنون، كما لا يصح قبول الوديعة من المجنون والصبي الذي لا يعقل،
ولا يشترط البلوغ، فيصح الإيداع من الصبي المأذون في التجارة؛ لأن ذلك
_________
(1) المراجع السابقة، المغني لابن قدامة: 382/ 6، المبسوط: 109/ 11.
(2) البدائع: 307/ 6، مجمع الضمانات: ص 68.
(3) الشرح الكبير: 419/ 3، مغني المحتاج: 80/ 3، كشاف القناع: 186/ 4، غاية
المنتهى: 269/ 2. قال الشافعية: الأصح أنه لا يشترط في الوديع القبول
لفظاً، ويكفي القبض للوديعة، كما في الوكالة بل أولى، عقاراً كانت أو
منقولاً.
(5/4018)
مما يحتاج إليه التاجر، كما يصح قبول
الوديعة من الصبي المأذون؛ لأنه من أهل الحفظ. وأما الصبي المحجور عليه فلا
يصح قبول الوديعة منه؛ لأنه لا يحفظ المال عادة (1).
ويشترط عند الجمهور في الإيداع ما يشترط في الوكالة من البلوغ والعقل
والرشد.
ويشترط في الوديعة: أن يكون المال
قابلاً لإثبات اليد عليه، فلو أودع الآبق أو الطير في الهواء أو المال
الساقط في البحر: لم يضمن (2).
المبحث الثالث ـ حكم عقد الإيداع وطريق
حفظ الوديعة:
حكم عقد الإيداع: لزوم الحفظ للمالك؛
لأن الإيداع من جانب المالك استحفاظ وائتمان، ومن جانب الوديع التزام
بالحفظ، فيلزمه الحفظ، لقوله عليه السلام: «المسلمون على شروطهم» (3).
إيداع رجلين من رجل: لو أودع رجلان عند
رجل وديعة، وغابا ثم حضر أحدهما وطلب نصيبه، فليس له أن يدفع إليه حصته،
حتى يحضر الآخر، وقال
_________
(1) البدائع: المرجع السابق.
(2) حاشية ابن عابدين: 516/ 4.
(3) هذا جانب من حديث: «الصلح جائز بين المسلمين» الذي روي عن أبي هريرة
وعمرو بن عوف. فحديث أبي هريرة أخرجه أبو داود قال: قال رسول الله صلّى
الله عليه وسلم: «الصلح جائز» إلخ، ورواه ابن حبان والحاكم. وحديث عمرو بن
عوف أخرجه الترمذي وصححه وابن ماجه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال:
«الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً حرم حلالاً أو أحل حراماً» زاد الترمذي
«والمسلمون على شروطهم، إلا شرطاً أحل حراماً، أو حرم حلالاً» وقال: حديث
صحيح، ورواه بتمامه الحاكم في المستدرك، وسكت عنه (راجع نصب الراية: 112/
4، سبل السلام: 59/ 3).
(5/4019)
الصاحبان: للوديع أن يقسم الوديعة، ويدفع
إلى أحد المودعين نصيبه، ولا يكون ذلك قسمة على الغائب، حتى إنه لو هلك
النصف الباقي في يد الوديع، كان للغائب أن يشارك القابض فيما قبض.
دليلهما: أن أحد المودعين طالب الوديع بدفع نصيبه، فيؤمر بالدفع إليه كما
في الدين المشترك.
واستدل لأبي حنيفة: بأنه لا نسلم أن أحد المودعين طالب بتسليم نصيبه، بل
بدفع نصيب الغائب؛ لأنه يطالب بالنصيب المفرز، وحقه ليس فيه، وإنما في
المشاع، وهو كل الوديعة، والمفرز المعين منها يشتمل على الحقين، ولا يتميز
حقه إلا بالقسمة، وليس للوديع ولاية القسمة؛ لأنه ليس بوكيل في ذلك، بخلاف
الدين المشترك؛ لأن الشريك يطالب المديون بتسليم حقه أي بقضاء حقه، وحقه من
حيث القضاء ليس بمشترك بين الدائنين؛ لأن الديون تقضى بأمثالها، والمثل مال
المديون ليس بمشترك بين الدائنين، فلا يكون هذا تصرفاً في حق الغير، بل
يكون المدين متصرفاً في مال نفسه، فيجوز (1).
إيداع رجل من رجلين: لو أودع رجل عند
رجلين وديعة مما يقسم، فلهما أن يقسماه، ويأخذ كل واحد نصفه للحفظ؛ لأن
المالك رضي بحفظهما، ولم يرض بحفظ أحدهما لكل الوديعة.
ولو دفع أحدهما الوديعة كلها إلى صاحبه، ضمن النصف عند أبي حنيفة؛ لأنه رضي
بحفظهما، لا بحفظ أحدهما؛ لأن الأصل أن فعل الاثنين إذا أضيف إلى ما يقبل
التجزئة، تناول البعض، فإذا سلم أحدهما الكل إلى الآخر، ولم يرض المالك به،
ضمن.
_________
(1) تكملة فتح القدير: 94/ 7 وما بعدها، المبسوط: 123/ 11، مجمع الضمانات:
ص 78.
(5/4020)
وقال الصاحبان: لايضمن؛ لأنه رضي
بأمانتهما، فكان لكل واحد منهما أن يسلم إلى الآخر، ولا يضمنه، كما هو
الشأن فيما لا يقسم.
واتفقوا على أن الوديعة إذا كانت لا تقسم، لا تضمن؛ لأنه لا يمكن حفظها إلا
في مكان واحد، فكان المالك راضياً بحفظ أحدهما لعلمه أنهما لا يجتمعان عليه
أبداً (1).
طريقة حفظ الوديعة: اختلف العلماء في
طريقة حفظ الوديعة، فقال الحنفية والحنابلة: على الوديع أن يحفظ الوديعة،
كما يحفظ به ماله في حرز مثله، وذلك بيده أو بيد من هو في عياله (2) ممن
تلزمه نفقته، كامرأته وولده وغلامه وخادمه؛ لأن حفظها بهؤلاء مثلما يحفظ به
ماله، فأشبه ما لو حفظها بنفسه.
وله عند الحنفية أن يحفظ الوديعة أيضاً بيد من ليس في عياله، ممن يحفظ عنده
ماله بنفسه عادة كشريكه المفاوض والعنان، لا المستأجر مياومة (3). فإن حفظ
الوديع الوديعة عند غير هؤلاء فتلفت، ضمنها؛ لأن المالك رضي بيده لا بيد
غيره والأيدي تختلف في الأمانة إلا أن يقع في دار الوديع حريق، فيسلمها إلى
جاره أو يكون الوديع في سفينة وهاجت الريح وصار بحيث يخاف الغرق، فيلقيها
إلى سفينة أخرى، فله ذلك لأنه إجراء تعين طريقاً للحفظ في هذه الحالة،
فيرتضيها المالك. ولا يصدق الوديع على ذلك إلا ببينة؛ لأنه يدعي ضرورة
مسقطة للضمان بعد تحقق سبب الضمان.
_________
(1) تكملة فتح القدير: 96/ 7، مجمع الضمانات: ص 78، الكتاب مع اللباب: 199/
2.
(2) وهو الذي يسكن معه ويمونه، فيكفيه طعامه وشرابه وكسوته، كائناً من كان،
قريباً أم أجنبياً كولده وامرأته، وخادمه وأجيره.
(3) المبسوط: 109/ 11، تكملة فتح القدير: 89/ 7، مجمع الضمانات: ص 77،
البدائع: 207/ 6، المغني: 385/ 6، الكتاب مع اللباب: 197/ 2.
(5/4021)
وقال المالكية: للوديع حفظها عند عياله
الذين يأمنهم كالزوجة والابن والأجير الذين اعتيد حفظ ماله عندهم بأن طالت
إقامتهم عنده، ووثق بهم بالتجربة، بخلاف ما لم يعتادوا ذلك كالزوجة إثر
تزوجه بها، والأجير إثر استئجاره (1).
وقال الشافعية: على الوديع أن يحفظ الوديعة بنفسه، ولا يجوز حفظها عند
زوجته أو ولده بلا إذن من المودع، أو إذا لم يكن هناك عذر بذلك؛ لأن المودع
لم يرض بأمانة غير هذا الوديع لا بيد غيره. فإن خالف الوديع طريق الحفظ
ضمن، إلا إذا كان الإيداع لعذر كمرض أو سفر، فإنه لا يضمن (2).
المبحث الرابع ـ حال الوديعة: هل هي أمانة أو
مضمونة؟
اتفق علماء المذاهب على أن الوديعة قربة مندوب إليها، وأن في حفظها ثواباً،
وأنها أمانة محضة، لا مضمونة، وأن الضمان لا يجب على الوديع إلا بالتعدي أو
التقصير، لقوله عليه الصلاة والسلام: «ليس على المستودع غير المغل ضمان»
(3) وقوله «لا ضمان على مؤتمن» (4) واشتراط الضمان على الأمين باطل، وهو
المفتى به عند الحنفية.
_________
(1) حاشية الدسوقي: 423/ 3، بداية المجتهد: 307/ 2.
(2) مغني المحتاج: 81/ 3، المهذب: 361/ 2.
(3) أخرجه الدارقطني والبيهقي في سننيهما عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «ليس على المستودع غير المغل ضمان، ولا
على المستعير غير المغل ضمان» المغل: الخائن. قال الحافظ ابن حجر: وفي
إسناده ضعيفان. قال الدارقطني: وإنما يروى هذا من قول شريح غير مرفوع.
ورواه من طريق أخرى ضعيفة بلفظ «لا ضمان على مؤتمن» (راجع نصب الراية: 115/
4، التلخيص الحبير: ص 270، نيل الأوطار: 296/ 5).
(4) رواه الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وفي إسناده ضعف (نيل
الأوطار: 296/ 5).
(5/4022)
ويترتب عليه أنه يجب ردها عند طلب المالك
مع الإمكان، لقوله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}
[النساء:58/ 4].
ولكل واحد من العاقدين فسخ الإيداع متى شاء دون إذن العاقد الآخر؛ لأن عقد
الإيداع جائز غير لازم، فللمودع استرداد الوديعة متى شاء، وللوديع ردها على
المودع أيضاً متى شاء.
فإذا طالب المالك الوديع بها، فقال: (ما أودعتني شيئاً) ثم قال بعدئذ:
ضاعت، فيضمن، لخروجه عن حد الأمانة، وإذا قال: ما تستحق عندي شيئاً، ثم
قال: ضاعت، كان القول قوله بيمينه. ويترتب عليه أنه يجب أداء الوديعة إلى
المالك نفسه؛ لأن الله تعالى أمر بأداء الأمانات إلى أهلها، فلو ردها إلى
منزل المالك، من غير حضرته، أو دفعها إلى من هو في عيال المالك يضمن؛ لأنه
لم يرض بيد عياله حيث أودع عند غيرهم. بخلاف العارية والإجارة: لو رد
المستعار أو العين المؤجرة إلى بيت المالك أو إلى من في عياله: لا يضمن،
لعادة الناس الجارية في رد المستعار ونحوه، حتى لو كانت العارية شيئاً
نفيساً كعقد جوهر ونحوه، يضمن، لعدم جريان العادة به.
ويترتب عليه أيضاً أن القول قول الوديع في التلف والرد على الإطلاق مع
يمينه على التفصيل الآتي (1):
تعارض الادعاءات والبينات:
إذا اختلف المودع مع الوديع، فقال الوديع: هلكت الوديعة عندي أو (رددتها
_________
(1) البدائع: 210/ 6، تكملة فتح القدير: 89/ 7، الكتاب مع اللباب: 196/ 2،
مجمع الضمانات: ص 68، 87، 89، حاشية ابن عابدين: 516/ 4، مغني المحتاج: 81/
3، قليوبي وعميرة: 182/ 3، المغني: 382/ 6.
(5/4023)
إليك) وأنكر المودع، وقال: (لا، بل
أتلفتها) فالقول قول الوديع، لأنه أمين في الحفظ، ولكن مع اليمين، كما
تقدم.
فإن أقام المودع البينة على الإتلاف: يضمن الوديع، وكذا إذا استحلف الوديع
على الإتلاف، فنكل. فلو أقام المودع البينة على أن الوديع أتلفها، وأقام
الوديع البينة على أنها هلكت بنفسها، فبينة المودع أولى؛ لأنها أكثر
إثباتاً؛ لأن فيها إثبات الهلاك وزيادة عليه وهو التعدي. فإذا أقام الوديع
البينة على إقرار المودع أنها هلكت، تقبل بينته، ويكون هذا الإثبات تكذيباً
لبينة المودع.
المبحث الخامس ـ حالات ضمان الوديعة:
يتغير حال الوديعة من الأمانة إلى الضمان بحالات، هي (1):
1 - ترك الوديع الحفظ: لأنه بالعقد
التزم حفظ الوديعة على وجه لو ترك حفظها حتى هلكت، يضمن بدلها بطريق
الكفالة، فلو رأى إنساناً يسرق الوديعة، وهو قادر على منعه ضمن، لترك الحفظ
الملتزم بالعقد.
2 - إيداع الوديع عند من ليس في عياله، ولا هو
ممن يحفظ ماله بيده عادة:
إذا أخرج الوديع الوديعة من يده، وأودعها عند غيره بغير عذر، يصير ضامناً؛
لأن المودع ارتضى بحفظ الوديع الأول، دون حفظ غيره إلا إذا كان هناك عذر
فلا يضمن، كأن وقع في داره حريق، أو كان في سفينة فخاف الغرق، فدفعها
_________
(1) البدائع: 211/ 6 ومابعدها، تكملة فتح القدير: 91/ 7 ومابعدها، المبسوط:
113/ 11، مجمع الضمانات: ص 68.
(5/4024)
إلى غيره؛ لأن الدفع إليه في هذه الحالة
تعين
طريقاً للحفظ، فكان الدفع بإذن المالك دلالة (1).
وإذا أودعها عند شخص آخر بغير عذر، فهلكت أو ضاعت وهي في يد الثاني،
فالضمان على الأول، لا على المودع الثاني عند أبي حنيفة والحنابلة (2)؛ لأن
الثاني محسن إلى المالك بصيانة الوديعة عن أسباب الهلاك، والله سبحانه
يقول: {ما على المحسنين من سبيل} [التوبة:91/ 9] وأما المودع الأول فهو
مخصوص من النص.
وقال الصاحبان: المالك بالخيار، إن شاء ضمن الأول، وإن شاء ضمن الثاني، فإن
ضمن الأول، لا يرجع بالضمان على الثاني؛ لأنه ملك الوديعة بأداء الضمان،
وإن ضمن الثاني يرجع به على الأول؛ لأن الأول غره بالإيداع، فيلزمه ضمان
الغرور. وسبب التخيير هو أنه وجد من كل منهما سبب لوجوب الضمان فيخير
المالك. أما الأول: فلأنه دفع مال الغير إلى غيره بغير إذنه، وأما الثاني:
فلأنه قبض مال الغير بغير إذنه.
وأما إذا استهلك المودع الثاني الوديعة، فالمالك بالخيار: إن شاء ضمن وإن
شاء ضمن الثاني بالاتفاق، غير أنه إن ضمن الأول يرجع بالضمان على الثاني،
وإن ضمن الثاني لا يرجع بالضمان على الأول؛ لأن سبب وجوب الضمان وجد من
الثاني حقيقة وهو الاستهلاك، ولم يوجد من الأول إلا الدفع إلى الثاني على
طريق الاستحفاظ (3).
_________
(1) البدائع: 208/ 6، تكملة فتح القدير: 91/ 7، المبسوط: 125/ 11، 132،
حاشية ابن عابدين: 516/ 4.
(2) القواعد لابن رجب: ص 217.
(3) المراجع السابقة عند الحنفية.
(5/4025)
والقاعدة عند جمهور الحنفية: أن الوديعة
إذا صارت مضمونة، ثم أزيل سبب الضمان، كأن يسترد الوديع الأول من المودع
الثاني الوديعة، ويحفظها بنفسه أو نحو ذلك مما سيأتي، فإنه يبرأ عن الضمان؛
لأنه في عودته لحالته الأولى يعتبر وديعاً، والوديع إذا هلكت الوديعة بدون
سبب منه لا ضمان عليه (1). هذا بخلاف المستأجر والمستعير، إذا خالفا، ثم
تركا الخلاف بقي الضمان.
والقاعدة عند زفر والشافعي وبقية الأئمة: أن الوديعة متى صارت مضمونة
بانتفاع وغيره مما سيأتي، ثم ترك الوديع الخيانة، لم يبرأ من الضمان؛ لأن
الوديعة لما صارت مضمونة، فقد ارتفع العقد، لتغيرطبيعته، فلا يعود إلا
بالتجديد، ولم يوجد، فصار كما لو جحد الوديعة، ثم أقر بها (2).
3 - استعمال الوديعة: إذا انتفع الوديع
بالوديعة كركوب الدابة ولبس الثوب، فإنه يصير ضامناً، فإن ترك الاستعمال،
فقال جمهور الحنفية كما عرفنا من قاعدتهم: لا ضمان عليه؛ لأنه ممسك لها
بإذن مالكها، فأشبه ما قبل الاستعمال (3).
وقال المالكية والشافعية والحنابلة: إذا تلفت الوديعة بعد استعمالها
يضمنها، ولو كان التلف بسبب سماوي؛ لأنه بالتعدي في الاستعمال قد ارتفع حكم
الوديعة وبطل الاستئمان، فصار كما لو جحد الوديعة ثم أقر بها، فلا يبرأ من
الضمان إلا بالرد على المالك، كما تقرر (4).
_________
(1) البدائع: 212/ 6، تكملة فتح القدير: 92/ 7، مجمع الضمانات: ص 73، 76
ومابعدها.
(2) مغني المحتاج: /90.
(3) البدائع: 211/ 6، المبسوط: 123/ 11.
(4) مغني المحتاج، المرجع السابق: 88/ 3، المهذب: 362/ 1، حاشية الدسوقي:
420/ 4، 427، القوانين الفقهية: ص 374، المغني: 401/ 6.
(5/4026)
4 - السفر بالوديعة:
قال أبو حنيفة: للوديع أن يسافر بالوديعة إذا كان الطريق آمناً، ولم ينهه
صاحب الوديعة، بأن كان العقد مطلقاً؛ لأن الأمر بحفظ الوديعة صدر مطلقاً عن
تعيين المكان، فلا يجوز التعيين إلا بدليل، وعلى هذا فلو سافر فتلفت
الوديعة لا يضمن.
وقال الصاحبان: إن كان للوديعة حمل ومؤنة، لا يملك المسافرة بها؛ لأن في
المسافرة بما له حمل ومؤنة ضرراً بالمالك، لجواز أن يموت الوديع في السفر،
فيحتاج المالك إلى الاسترداد من موضع
يكلفه حِمْلاً ومؤنة عظيمة، فيتضرر به، بخلاف ما إذا لم يكن لها حمل ومؤنة
(1).
وقال المالكية: ليس للوديع أن يسافر بالوديعة، إلا أن تعطى له في سفر، فإذا
أراد السفر، فله إيداعها عند ثقة مؤتمن من أهل البلد، ولا ضمان عليه، سواء
قدر على دفعها إلى الحاكم، أو لم يقدر (2).
وقال الشافعية والحنابلة: ليس للوديع المسافرة بالوديعة، فإن أراد السفر
ردها إلى صاحبها أو وكيله إن قدر على الرد، فإن لم يقدر، كأن لم يجد صاحبها
سلمها إلى الحاكم؛ لأنه متبرع بإمساكها، فلا يلزمه استدامته، والحاكم يقوم
مقام صاحبها عند غيبته، فإن سافر بها ضمن؛ لأنه عرضها للضياع، والحرز في
السفر دون حرز الحضر، سواء أكان الطريق آمناً أم مخوفاً (3)، وقال عليه
الصلاة والسلام «إن المسافر وماله لعلى قَلَت إلا ما وقى الله» أي على خطر
الهلاك (4).
_________
(1) البدائع: 209/ 6، تكملة فتح القدير: 93/ 7، حاشية ابن عابدين: 521/ 4،
المبسوط: 122/ 11، مجمع الضمانات: ص 69.
(2) بداية المجتهد: 307/ 2، حاشية الدسوقي: 421/ 3، 423.
(3) مغني المحتاج: 82/ 3 ومابعدها، المهذب: 361/ 1، القاموس المحيط: 183/
1.
(4) رواه السلفي في أخبار أبي العلاء المعري عن أبي هريرة، قال: قال رسول
الله صلّى الله عليه وسلم: «لو علم الناس رحمة الله بالمسافر، لأصبح الناس
وهم على سفر، إن المسافر ورحله على قلت إلا ما وقى الله» قال الخليل:
والقلت: الهلاك. قال ابن حجر: وكذا أسنده أبو منصور الديلمي في مسند
الفردوس من هذا الوجه من غير طريق المعري. وكذا ذكره القاضي النهرواني في
كتاب الجليس والأنيس بعد أن ذكره مرفوعاً عن النبي صلّى الله عليه وسلم،
لكنه لم يسق له إسناداً. وقد أنكره النووي في شرح المهذب، فقال: ليس هذا
خبراً عن النبي صلّى الله عليه وسلم، وإنما هو من كلام بعض السلف، قيل: إنه
علي بن أبي طالب (راجع التلخيص الحبير: ص 271، كشف الخفا للعجلوني: ص 255).
(5/4027)
5 - جحود الوديعة:
إذا طلب المودع الوديعة فجحدها الوديع، أو حبسها عنه وهو يقدر على تسليمها
ضمن؛ لأنه لما طالبه بالرد، فقد عزله عن الحفظ، فيكون بعدئذ بالإمساك
غاصباً مانعاً، فيضمنها إذا أقام المودع البينة على الإيداع أو لكل الوديع
عن اليمين أو أقر به. فإن جحد ثم عاد إلى الاعتراف لم يبرأ عن الضمان
لارتفاع العقد.
ولو جحد الوديعة ثم أقام الوديع البينة على هلاكها فثلاثة أوجه: إن أقام
البينة على أنها هلكت بعد الجحود أو مطلقاً لا ينتفع ببينته؛ لأن العقد
ارتفع بالجحود، أو عنده، فيضمن. وإن أقام البينة على أنها هلكت قبل الجحود
تسمع بينته، ولا ضمان عليه؛ لأن الهلاك قبل الجحود يؤدي إلى انتهاء العقد.
ولو ادعى الهلاك قبل الجحود، ولا بينة له، وطلب اليمين من المودع حلفه
القاضي (بالله تعالى ما يعلم أنها هلكت قبل جحوده) فإن حلف، يقضى بالضمان،
وإن نكل، يقضى بالبراءة (1).
6 - خلط الوديعة بغيرها: إذا خلط الوديع
الوديعة بمال نفسه فإن كان يمكن التمييز بينهما، لاشيء عليه ويميز. وإن كان
لايمكن التمييز، يضمن المثل عند أبي حنيفة؛ لأن الخلط إتلاف للوديعة من حيث
المعنى.
_________
(1) المبسوط: 116/ 11 ومابعدها، البدائع: 212/ 6، تكملة فتح القدير: 93/ 7،
مجمع الضمانات: ص 84 ومابعدها.
(5/4028)
وكذلك إذا كانت وديعتان كدراهم مثلاً، فخلط
إحداهما بالأخرى، يضمن مثلها لكل منهما عنده.
وكذا في سائر المكيلات والموزونات إذا خلط الجنس بالجنس خلطاً لا يتميز،
كالحنطة بالحنطة، والشعير بالشعير، أو بغير جنسه كخلط الحنطة بالشعير، يضمن
عند أبي حنيفة لكل واحد مثل حقه، دليله: أنه لما خلطهما خلطاً لا يتميز،
فقد عجز كل منهما عن الانتفاع بالمخلوط، فكان الخلط منه إتلافاً للوديعة
لكل واحد منهما فيضمن.
وقال الصاحبان في كل ما سبق: المالك بالخيار إن شاء ضمن الوديع مثل حقه،
وإن شاء أخذ نصف المخلوط أو باعه المالكان وقبضا الثمن، دليلهما: أن
الوديعة قائمة بعينها، لكن عجز المالك عن الوصول إليها بعارض الخلط (1).
ولو مات الوديع ولم يبين الوديعة، فإن كانت معروفة وهي قائمة، ترد إلى
صاحبها؛ لأن هذا عين ماله و «من وجد عين ماله، فهو أحق به» على لسان الرسول
صلّى الله عليه وسلم (2)، وإن لم تعرف بعينها، يضمن، وتكون ديناً في تركته
لأنه لما مات مجهلاً الوديعة فقد أتلفها معنى. وعلى هذا فالأمانات تصبح
مضمونة بالموت عن تجهيل إلا في ثلاثة أحوال:
1 - إذا مات ناظر الوقف مجهلاً غلات الوقف.
_________
(1) المبسوط: 110/ 11، تكملة فتح القدير: 92/ 7، البدائع: 213/ 6، حاشية
ابن عابدين: 519/ 4، مجمع الضمانات: ص 83 وما بعدها، 87.
(2) رواه أحمد وأبو داود والنسائي عن الحسن عن سمرة قال: قال رسول الله
صلّى الله عليه وسلم: «من وجد عين ماله عند رجل فهو أحق به، ويتبع البيِّع
من باعه» وفي لفظ: «إذا سرق من الرجل متاع، أو ضاع منه، فوجده بيد رجل
بعينه فهو أحق به، ويرجع المشتري على البائع بالثمن» رواه أحمد وابن ماجه
(راجع نيل الأوطار: 240/ 5).
(5/4029)
2 - إذا مات القاضي مجهلاً أموال اليتامى
عند من أودعها أو عنده.
3 - إذا مات الحاكم ولم يبين عند من أودع بعض الغنائم الحربية، ونحو ذلك
(1).
والأئمة الآخرون قالوا مثل قول أبي حنيفة: إذا تعذر التمييز بين الوديعة
وغيرها أو تعسر كخلط الدراهم بالدراهم، والدهن بالدهن، والزيت بالزيت،
والسمن بغيره، سواء خلطها بمثلها، أو دونها أو أجود منها، من جنسها، أو من
غير جنسها، فيضمنها الوديع؛ لأن المودع لم يرض بذلك. إلا أن المالكية
قالوا: إذا كان الخلط بالمثل كخلط الحنطة بمثلها، والدنانير بمثلها، فلا
يضمن الوديع، إذا كان الخلط بقصد الإحراز والحفظ والرفق، وإلا ضمن.
وأما إذا لم يتعذر التمييز بين الوديعة وغيرها، كخلط الدراهم بالدنانير أو
الجيد بالرديء، فإن الوديع لا يضمن شيئاً، إلا إذا حدث بالخلط نقص في
القيمة، فيضمن عند الشافعية والحنابلة (2).
7 - مخالفة شرط المودع في حفظ الوديعة:
إذا شرط المودع على الوديع حفظ الوديعة في مكان معين كدار أو بيت أو صندوق،
فنقلها إلى مكان آخر بدون عذر، فقال الحنفية وغيرهم من الأئمة:
إذا نقلها إلى حرز دون الحرز السابق في الحفظ يضمن، وإن نقلها إلى مكان
مماثل للحرز السابق، أو أحرز منه، فلا يضمن.
أما إذا أمره بحفظ الوديعة في مكان، ونهاه عن حفظها في مكان آخر، كأن قال
له: احفظها في هذه الدار، ولا تحفظها في دار أخرى.
_________
(1) الأشباه والنظائر لابن نجيم: 67/ 2،فتح القدير: 27/ 5.
(2) حاشية الدسوقي: 420/ 3، مغني المحتاج: 89/ 3، المهذب: 361/ 1، المغني:
383/ 6، 387.
(5/4030)
فقال الحنفية والمالكية والشافعية: إذا
نقلها إلى الدار الأخرى، وكانت مماثلة للدار الأولى في الحرز، أو أحرز
منها، فلا يضمن؛ لأن التقييد غير مفيد (1)، فإن نقلها من بلد إلى بلد ضمنها
عند المالكية.
وقال الحنابلة في الأرجح عندهم: يضمن سواء نقلها إلى مثل المكان أو دونه أو
فوقه، لأنه خالف صاحب الوديعة لغير فائدة ولا مصلحة، ولا يجوز تفويت غرض رب
الوديعة من تعيينه المكان من غير ضرورة. ولكن إن خاف عليها في موضعها فعليه
نقلها، فإن تركها فتلفت ضمنها؛ لأن نهي صاحبها عن نقلها إنما كان لحفظها،
وحفظها ههنا في نقلها، فأشبه ما لو لم ينهه عن نقلها (2).
وإذا قال صاحب الوديعة للوديع: (لا تسلمها إلى زوجتك) فسلمها إليها وهلكت،
لم يضمن عند الحنفية؛ لأنه لا يجد بداً من التسليم، فإنه إذا خرج، كان
البيت وما فيه مسلَّماً إليها، فلا يمكنه الحفظ مع مراعاة هذا الشرط وإن
كان مفيداً (3).
وبه يتبين أن أسباب ضمان الوديعة عند المالكية (4) ستة هي:
1 - إيداع الوديعة عند غير الوديع لغير عذر، حتى ولو استردها بعدئذ فضاعت.
2 - نقل الوديعة من بلد إلى بلد، بخلاف نقلها من منزل إلى منزل.
_________
(1) المبسوط: 121/ 11، نكملة فتح القدير: 97/ 7، مجمع الضمانات: ص 69
ومابعدها، البدائع: 210/ 6، حاشية الدسوقي: 423/ 3، حاشية الشرقاوي: 99/ 2،
المهذب: 359/ 1 ومابعدها،، مغني المحتاج: 84/ 3 - 86.
(2) المغني: 387/ 6 ومابعدها.
(3) الكتاب مع اللباب: 200/ 2.
(4) القوانين الفقهية: ص 374.
(5/4031)
3 - خلط الوديعة بما لا يتميز عنها مما هو
غير مماثل لها كخلط القمح بالشعير، فإن خلطها بما تنفصل عنه، لم يضمن.
4 - الانتفاع بالوديعة، فلو لبس الثوب أو ركب الدابة فهلكت في حال
الانتفاع، ضمن، وكذا إن تسلف الدنانير والدراهم أو ما يكال أو يوزن، فهلك
في تصرفه فيه.
5 - التضييع والإتلاف بأن يلقيه في مضيعة أو يدل عليها سارقاً.
6 - المخالفة في كيفية الحفظ، مثل أن يأمره ألا يقفل عليها، فقفل، فإنه
يضمن.
وكذلك قال الشافعية (1) قريباً من مذهب المالكية: إن أسباب الضمان ستة:
1 - إيداع الوديعة عند غيره بلا إذن ولا عذر له.
2 - وضعها في غير حرز مثلها.
3 - نقلها إلى دون حرز مثلها.
4 - إهمال حفظها الواجب عليه بالتزامه، كما لو ترك علف دابة فماتت.
5 - العدول عن الحفظ المأمور به مع تلفها بذلك.
6 - الانتفاع بها، كما لو لبس الثوب أو ركب الدابة لغير غرض المالك، فإنه
يضمن لتعديه، كما يضمن كل أنواع التعدي عليها. ومتى صارت مضمونة بانتفاع أو
غيره، ثم ترك الخيانة، لم يبرأ إلا أن يحدث المالك له استئماناً.
_________
(1) تحفة الطلاب: ص 167.
(5/4032)
وقال الحنابلة (1): تضمن الوديعة بما يلي:
1 - إيداعها عند غيره بلا عذر.
2 - إهمال حفظها أو دلالة لص عليها.
3 - المخالفة في كيفية الحفظ المتفق عليه ولو أنه حرز مثلها.
4 - خلطها بغيرها خلطاً لا يتميز.
5 - الانتفاع بها. ومتى خان لا تعود وديعة بغير عقد متجدد.
أحكام فرعية للوديعة: ذكر ابن جزي
المالكي طائفة من أحكام الفروع الفقهية في الوديعة، وهي ما يأتي (2):
أولاً ـ الاتجار بالوديعة: من اتجر بمال الوديعة، فالربح له حلال. وقال أبو
حنيفة: الربح صدقة. وقال قوم: الربح لصاحب المال.
ثانياً ـ سلف الوديعة: من أقرض الوديعة، فإن كانت عيناً كره، وأجازه أشهب
إن كان له وفاء بها، وإن كانت عروضاً لم يجز، وإن كانت مما يكال أو يوزن
كالطعام، ففيه قولان مفرعان على موضوع: هل يلحق الطعام بالنقد أو بالعروض؟.
ثالثاً ـ الاختلاف في الوديعة: إذا طولب الوديع بالوديعة، فادعى التلف،
فالقول قوله مع يمينه، وكذلك إذا ادعى الرد، إلا أن يكون قبضها ببينة، فلا
يقبل قوله في الرد إلا ببينة. وقال ابن القاسم وأبو حنيفة والشافعي: إن
القول قوله وإن قبضها ببينة.
_________
(1) غاية المنتهى: 269/ 2 - 272، الإفصاح: ص 268 ومابعدها.
(2) القوانين الفقهية: ص 374 ومابعدها.
(5/4033)
رابعاً ـ طلب الأجرة على حفظ الوديعة: إذا
طلب الوديع أجرة على حفظ الوديعة، لم يكن له ذلك، إلا أن تكون مما يشغل
منزله، فله كراؤه. وإن احتاجت إلى غلق أو قفل فهو على صاحبها.
خامساً ـ الجحود المماثل لوديعة أخرى: إذا أودع شخص وديعة عند آخر، فخانه
وجحده، ثم إن الوديع الأول استودع المودع مثلها، فهل له أن يجحده فيها؟
المشهور عند المالكية المنع، وقيل: بالكراهة، وقيل بالإباحة.
المبحث السادس ـ انتهاء الإيداع:
ينتهى عقد الإيداع بما يأتي:
1 ً - استرداد الوديعة أو ردها: إذا
استرد المودع الوديعة أو رد الوديع الوديعة، انتهى الإيداع، لأن الإيداع
عقد غير لازم ينتهي بالاسترداد أو الرد.
2 ً - موت المودع أو الوديع: ينتهي
العقد بالموت، لأنه جرى بين العاقدين.
3 ً - جنون أحد العاقدين أو إغماؤه،
لزوال الأهلية.
4 ً - الحجر على المودع للسفه وعلى الوديع
للفلس، رعاية للمصلحة.
5 ً - نقل ملكية الوديعة لغير المالك:
ينتهي الإيداع بنقل المالك ملكية الوديعة لغيره ببيع أو هبة أو نحوهما.
(5/4034)
|