الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي

الفَصْلُ الثَّامن: الإِعَارة خطة الموضوع:
الكلام في عقد الإعارة يشتمل على المباحث الستة التالية:

المبحث الأول ـ تعريف الإعارة ومشروعيتها.
المبحث الثاني ـ ركن الإعارة وشرائطها.
المبحث الثالث ـ حكم عقد الإعارة.

المبحث الرابع ـ حال العارية، هل هي مضمونة أو أمانة؟.
المبحث الخامس ـ الاختلاف بين المعير والمستعير.
المبحث السادس ـ انتهاء الإعارة.
المبحث الأول ـ تعريف الإعارة ومشروعيتها:
العارية: بتشديد الياء، وقد تخفف، والأول أفصح وأشهر. وهي اسم لما يعار، أو لعقد العارية: مأخوذة من عار إذا ذهب وجاء، وقيل: من التعاور أي التداول أو التناوب. وقال الجوهري: كأنها منسوبة إلى العار؛ لأن طلبها عار

(5/4035)


وعيب، واعترض عليه بأنه صلّى الله عليه وسلم فعلها، ولو كانت عاراً وعيباً ما فعلها (1).
وعرف السرخسي والمالكية الإعارة بأنها: تمليك المنفعة بغير عوض. سميت إعارة: لتعريها عن العوض (2). وعرفها الشافعية والحنابلة (3) بأنها إباحة المنفعة بلا عوض. فهي تختلف عن الهبة بأنها واردة على المنافع، أما الهبة فترد على عين المال، والفرق بين التعريفين أن الأول يفيد التمليك، فللمستعير إعارة الشيء لغيره، والثاني يفيد الإباحة، فليس له إعارة الشيء لغيره، أو إجارته.
والإعارة قربة مندوبة إليها، لقوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى} [المائدة:2/ 5] وفسر جمهور المفسرين قوله تعالى: {ويمنعون الماعون} [الماعون:7/ 107] بما يستعيره الجيران بعضهم من بعض، كالدلو والفأس والإبرة، ونحوها (4). وفي الصحيحين أنه صلّى الله عليه وسلم استعار فرساً من أبي طلحة فركبه (5). وفي رواية لأبي داود بإسناد جيد أنه صلّى الله عليه وسلم استعار درعاً من صفوان بن أمية يوم حنين، فقال: أغصباً يا محمد؟ فقال: بل عارية مضمونة (6).
_________
(1) مغني المحتاج: 263/ 2، تكملة فتح القدير: 99/ 7 ومابعدها، حاشية ابن عابدين: 524/ 4.
(2) المبسوط: 133/ 11، القوانين الفقهية: /373.
(3) مغني المحتاج: 264/ 2، كشاف القناع: 67/ 4.
(4) مغني المحتاج، المرجع السابق، المهذب: 392/ 1 ومابعدها، المغني: 203/ 5.
(5) رواه أحمد والشيخان عن أنس بن مالك. قال: «كان فزع بالمدينة، فاستعار النبي صلّى الله عليه وسلم فرساً من أبي طلحة يقال له: المندوب فركبه، فلما رجع قال: ما رأينا من شيء وإن وجدناه لبحراً» أي ما وجدناه إلا بحراً أي واسع الجري (راجع نيل الأوطار: 299/ 5).
(6) أخرجه أبو داود والنسائي وأحمد وصححه الحاكم عن صفوان بن أمية أن النبي صلّى الله عليه وسلم استعار منه يوم حنين أدرعاً، فقال أغصباً يا محمد؟ قال: بل عارية مضمونة، قال: فضاع بعضها، فعرض عليه النبي صلّى الله عليه وسلم أن يضمنها له، فقال: أنا اليوم في الإسلام أرغب. وله شاهد صحيح عن ابن عباس ولفظه: «بل عارية مؤداة» وأخرجه الدارقطني ثم البيهقي عن إسحاق بن عبد الواحد وهو متروك الحديث، وأخرجه الحاكم أيضاً من حديث جابر، وذكر أنها مئة درع ومايصلحها. وفي رواية أبي داود أن الأدراع كانت مابين الثلاثين إلى الأربعين. وللحديث طريق أخرى مرسلة في السنن عند أبي داود والنسائي (راجع جامع الأصول: 109/ 9، نصب الراية: 116/ 4، التلخيص الحبير: ص 252، نيل الأوطار: 299/ 5، سبل السلام: 69/ 3) والفرق بين لفظي «مضمونة» و «مؤداة» هو أن المضمونة: هي التي تضمن إن تلفت بالقيمة، والمؤداة: هي التي تجب تأديتها مع بقاء عينها فإن تلفت لم تضمن بالقيمة.

(5/4036)


المبحث الثاني ـ ركن الإعارة وشرائطها:
ركن الإعارة عند الحنفية: هو الإيجاب من المعير. وأما القبول من المستعير فليس بركن عند جمهور الحنفية استحساناً. والقياس أن يكون ركناً وهو قول زفر كما في الهبة، حتى إن من حلف: لا يعير فلاناً، فأعاره، ولم يقبل، يحنث عند جمهور الحنفية، ولا يحنث عنده، كما سبق في الهبة.
والإيجاب: أن يقول: أعرتك هذا الشيء، أو منحتك هذا الثوب، أو هذه الدار، أو أطعمتك هذه الأرض، فلفظ الإعارة صريح فيها، والمنحة: هي العطية التي ينتفع الإنسان بها زماناً، ثم يردها على صاحبها وهو معنى العارية. والإطعام المضاف إلى الأرض: هو إطعام منافعها التي تحصل منها بالزراعة من غير عوض عرفاً وعادة، وهو معنى العارية (1).
واشترط الشافعية في الأصح عندهم وجود لفظ من المعير أو المستعير في صيغة العقد: مثل أعرتك أو أعرني؛ لأن الانتفاع بمال الغير يعتمد إذنه (2).
وأركان الإعارة عند الجمهور (3) أربعة: المعير والمستعير والمعار، والصيغة وهي كل ما يدل على هبة المنفعة من قول أو فعل.
_________
(1) البدائع: 214/ 6.
(2) مغني المحتاج: 266/ 2.
(3) القوانين الفقهية: 373، مغني المحتاج: 264/ 2، غاية المنتهى: 227/ 2، كشاف القناع: 67/ 4.

(5/4037)


شروط الإعارة:
يشترط عند الفقهاء ما يأتي:

1 ً - كون المعير عاقلاً، فلا تصح الإعارة من المجنون والصبي غير العاقل. ولا يشترط البلوغ عند الحنفية، ويشترط عند غيرهم كون المعير أهلاً للتبرع مختاراً؛ لأن العارية تبرع بإباحة المنفعة، فلا تصح ممن لا يصح تبرعه كصبي وسفيه ومفلس، ولا من مستكره (1).
2 ً - القبض من المستعير: لأن الإعارة عقد تبرع، فلا يثبت حكم العارية بدون القبض كالهبة.
3 ً - أن يكون المستعار مما يكن الانتفاع به بدون استهلاكه، وإلا لم تصح إعارته (2).
وقد قرر العلماء أنه تصح الإعارة في كل عين ينتفع بها مع بقائها كالدور والأرضين والثياب والدواب وسائر الحيوان، وجميع ما يعرف بعينه، إذا كانت منفعته مباحة الاستعمال. فلا تجوز إباحة الجواري للاستمتاع، ويكره للاستخدام، إلا أن تكون لذي رحم محرم؛ لأنه لا يأمن أن يخلو بها فيواقعها (3)، ويحرم إعارة السلاح والخيل للحربي، والمصحف وما في معناه للكافر، وإعارة الصيد للمحرم (4).
_________
(1) المراجع السابقة.
(2) البدائع: المرجع السابق.
(3) المهذب: 363/ 1، القوانين الفقهية: 373.
(4) مغني المحتاج: 266/ 2.

(5/4038)


المبحث الثالث ـ حكم عقد الإعارة:
البحث هنا في أصل حكم الإعارة، وفي بيان صفته.
أصل حكم الإعارة:
يطلق اسم العارية في العرف بطريقتين: بطريق الحقيقة، وبطريق المجاز، أما الإطلاق بطريق الحقيقة فهو محل البحث هنا، وهو إعارة الأعيان التي ينتفع بها، مع بقائها. وحكمها عند المالكية وجمهور الحنفية: هو ملك المنفعة للمستعير، بغير عوض، أو ما هو ملحق بالمنفعة عرفاً وعادة (1).
وقال الكرخي والشافعية والحنابلة: إن موجب الإعارة هو إباحة الانتفاع بالعين، فهي عقد إباحة (2). والإعارة عندهم: إباحة الانتفاع بعين من أعيان المال.
ويترتب على الخلاف بين الفريقين: أن المستعير يجوز له عند الفريق الأول إعارة الشيء المستعار لغيره، وإن لم يأذن له المالك، إذا كان لا يختلف باختلاف المستعمل. غير أن المالكية قالوا: إذا منع المستعير من الإعارة، فلا يجوز له أن يعير.
ودليل الحنفية: أن المعير سلط المستعير على تحصيل المنافع، والتسليط على هذا الوجه تمليك، لا إباحة، كما في الأعيان، ومقتضى التمليك أن للمستعير حرية التصرف في الانتفاع بالعارية بنفسه أو بغيره.
_________
(1) المبسوط: 133/ 11، البدائع: 214/ 6، تكملة فتح القدير: 98/ 7، 106، حاشية ابن عابدين: 524/ 4، حاشية الدسوقي: 433/ 3.
(2) مغني المحتاج: 264/ 2، المهذب: 364/ 1، المغني: 209/ 5.

(5/4039)


ولا يجوز للمستعير عند الفريق الثاني أن يعير العارية لغيره؛ لأن الإعارة إباحة المنفعة، فلا يملك بها الإباحة لغيره، كإباحة الطعام، فالضيف لا يبيح لغيره ما قدم له.
ودليلهم أيضاً اتفاق العلماء على أن عقد الإعارة يجوز من غير أجل، فلو كان مقتضى الإعارة تمليك المنفعة، لما جازت من غير أجل، كالإجارة.
واتفق الفريقان على أن المستعير لا يملك إجارة العين المعارة. والسبب عند الفريق الثاني هو أن العارية تبيح المنافع فقط، ولكن لا تملكه إياها. وأما السبب عند الفريق الأول فهو أن المستعير لا يملك الإجارة، لأنها عقد لازم، والإعارة عقد تبرع، جائز غير لازم، فلا يملك به ما هو لازم، فيؤدي إلى تغيير طبيعة الإعارة.
كذلك ليس للمستعير أن يرهن ما استعاره؛ لأن الشيء لا يتضمن ما فوقه (1).

وأما إطلاق الإعارة بطريق المجاز: فهو إعارة المكيل والموزون والمعدود المتقارب، مثل الجوز والبيض وكل ما لا يمكن الانتفاع به إلا باستهلاكه كإعارة الدراهم والدنانير، فهو قرض حقيقة، فعليه المثل أو القيمة، ولكنه إعارة مجازاً، لأنه لا يمكن الانتفاع به إلا باستهلاكه، ولا سبيل إليه إلا بالتصرف بالعين، بخلاف الإعارة حقيقة، فإن محل العقد فيها هو المنفعة لا العين، سواء قلنا: إنها تفيد تمليك المنفعة أو إباحة المنفعة (2).
حقوق الانتفاع بالعارية:
قال الجمهور غير الحنفية: للمستعير الانتفاع بالعارية بحسب الإذن.
_________
(1) أما الوديعة فلا تؤجر ولا ترهن ولا تودع ولا تعار (الدر المختار: 525/ 4).
(2) البدائع: 215/ 6، المبسوط: 145/ 11، تكملة فتح القدير: 108/ 7، مجمع الضمانات: /55، الكتاب مع اللباب: 203/ 2.

(5/4040)


وقال الحنفية: الحقوق التي يمنحها عقد الإعارة للمستعير تختلف بين ما إذا كانت الإعارة مطلقة أو مقيدة.

ف الإعارة المطلقة: هي أن يستعير إنسان شيئاً، ولم يبين في العقد أنه يستعمله بنفسه أو بغيره، ولم يبين كيفية الاستعمال، مثل: أن يعير شخص دابته لآخر، ولم يسم مكاناً ولا زماناً، ولم يحدد الركوب ولا الحمل. فحكمها: أن المستعير ينزل منزلة المالك، فكل ما ينتفع به المالك ينتفع به المستعير، فله أن يستعمل الدابة في أي مكان وزمان، وله أن يركب أو يحمل، أو يركب غيره؛ لأن الأصل في المطلق أن يجري على إطلاقه، وقد ملَّكه منافع العارية مطلقاً، إلا أنه لا يحمل عليها فوق المعتاد لمثلها ولا يستعملها ليلاً ونهاراً، مالم يستعمل مثلها من الدواب، فلو فعل
فعطبت، يضمن؛ لأن العقد المطلق مقيد بالعرف والعادة ضمناً، كما يتقيد نصاً، كما في الإجارة (1).

وأما الإعارة المقيدة: فهي أن تكون مقيدة في الزمان والانتفاع معاً أو في أحدهما. وحكمها: أنه يراعى فيها القيد ما أمكن؛ لأن الأصل في المقيد اعتبار القيد فيه، إلا إذا تعذر اعتباره لعدم الفائدة ونحوه، فيلغو القيد؛ لأن التقييد يجري مجرى العبث (2). وبيانه فيما يأتي:
إذا قيده في استعمال العارية بنفسه: فإن كان الاستعمال مما يتفاوت الناس فيه كالركوب واللبس، فإنه يختص به، ولا يجوز أن يركب غيره، أو يلبس الثوب غيره.
_________
(1) المبسوط: 144/ 11، البدائع، المرجع السابق، تكملة فتح القدير: 107/ 7، حاشية ابن عابدين: 527/ 4، مجمع الضمانات: /57 ومابعدها.
(2) البدائع: 215/ 6 - 216، تكملة فتح القدير: 107/ 7 ومابعدها، حاشية ابن عابدين: 527/ 4، المبسوط: 137/ 11 ومابعدها، مجمع الضمانات: /60 ومابعدها.

(5/4041)


وإن كان الاستعمال لا يتفاوت بتفاوت الناس، مثل سكنى الدار فله أن يسكن غيره؛ لأن المملوك بالعقد هو السكنى، والناس لا يتفاوتون فيه عادة، فلم يكن التقييد بسكناه مفيداً، فيلغو القيد، إلا إذا كان الذي يسكنها إياه حداداً، أو قصاراً (1)، ونحوهما ممن يوهن البناء، فليس له أن يسكنها إياه ولا أن يعمل بنفسه ذلك؛ لأن المعير لا يرضى به عادة.

وإذا حدد زماناً أو مكاناً، فجاوز ذلك المكان، أو زاد على الوقت: يضمن؛ لأن التخصص مفيد.
وإذا بين مقدار الحمل والجنس: فإن حمله عليه وزاد، يضمن، بقدر الزيادة، فلو ركب الدابة بنفسه، وأردف غيره، فعطبت فإن كانت الدابة مما تطيق حملها جميعاً، يضمن نصف قيمة الدابة؛ لأنه لم يخالف إلا في قدر النصف، وإن كانت الدابة مما لا تطيق حملهما، ضمن جميع قيمتها، لأنه استهلكها.
ولو حمل على الدابة شيئاً بخلاف الجنس المحدد في العقد: فإن كان مثله في الخفة أو أخف منه، لا يضمن. وإن كان أثقل منه، يضمن.
وإن كان الحمل مثل المعين في العقد في الوزن والثقل: بأن استعار دابة ليحمل عليها مئة رطل من القطن، فحمل عليها مئة رطل من الحديد، فإنه يضمن؛ لأن ثقل الحديد يتركز في موضع واحد على ظهر الدابة، وثقل القطن يتوزع على جميع ظهرها وبدنها، فكان ضرره بالدابة أكثر، والرضا بأدنى الضررين لا يكون رضا بأعلاهما.
وإن كان الحمل أثقل من المبين في العقد: فإن كان من الجنس المذكور في العقد، يضمن بقدر الزيادة، وإن كان من خلاف الجنس، يضمن كل القيمة.
_________
(1) القصار: محور الثياب ومبيضها.

(5/4042)


وإن اختلف المعير والمستعير في مدة العارية أو في مقدار الحمل، أو في المكان، فالقول قول المعير (1)؛ لأن المعير هو الذي يأذن بالانتفاع بالعارية، فيقبل قوله في تحديد وجه الانتفاع، والمستعير يدعي بأن وجه الانتفاع هو على النحو الذي يريده، والمعير منكر لذلك فيقبل قوله بيمينه.

صفة حكم الإعارة:
قال الحنفية والشافعية والحنابلة: إن الملك الثابت للمستعير ملك غير لازم؛ لأنه ملك لا يقابله عوض، فلا يكون لازماً، كالملك الثابت بالهبة، فيجوز للمعير أن يرجع في الإعارة، كما للمستعير أن يردها في أي وقت شاء، سواء أكانت الإعارة مطلقة أم مؤقتة بوقت، ما لم يأذن المعير في شغل المستعار بشيء يتضرر بالرجوع فيه، أو كانت العارية لازمة. كمن أعار أرضاً لدفن ميت محترم، فلا يجوز للمعير الرجوع في الموضع الذي دفن فيه، وامتنع على المستعير رده، فهذه إعارة لازمة من الجانبين، حتى يندرس أثر المدفون بأن يصير تراباً (2). ومثله: لو استعار مكاناً لسكنى معتدة، فليس للمعير الاسترداد.
ودليلهم على أن العارية عقد جائز (غير لازم) قوله صلّى الله عليه وسلم: «المنحة مردودة، والعارية مؤداة» (3).
_________
(1) المبسوط: 143/ 11.
(2) البدائع: 216/ 6، الكتاب مع اللباب: 202/ 2، مغني المحتاج: 270/ 2، المهذب: 363/ 1، المغني: 211/ 5، تحفة الطلاب: ص 166.
(3) روي من حديث ثلاثة وهم أبو أمامة وأنس وابن عباس، فحديث أبي أمامة أخرجه أبو داود والترمذي من حديث ذكر فيه: «العارية مؤداة، والمنحة مردودة، والدين مقضي، والزعيم غارم» أي الكفيل. قال الترمذي: حديث حسن، وصححه ابن حبان، ورواه أيضاً أحمد وأبو داود الطيالسي وأبو يعلى والدارقطني وابن أبي شيبة وعبد الرزاق. وحديث أنس رواه الطبراني في كتاب مسند الشاميين وحديث ابن عباس أخرجه ابن عدي في الكامل (راجع نصب الراية: 57/ 4، التلخيص الحبير: 250، جامع الأصول: 110/ 9).

(5/4043)


وقال المالكية في المشهور عندهم: ليس للمعير استرجاع العارية، قبل الانتفاع بها، وإذا كانت العارية إلى أجل، فلا يجوز للمعير الرجوع إلا بعد انقضاء الأجل. وإن لم يتحدد أجل، يلزم المعير من المدة ما يرى الناس أنه مدة لمثل تلك العارية، وقال الدردير في الشرح الكبير: الراجح أن للمعير أن يرجع في الإعارة ال مطلقة متى أحب (1).
وبهذا يظهر أن المالكية يسوغون الرجوع في العارية المطلقة ويمنعونه في العارية المقيدة بالشرط أو العمل أو الزمن أو العرف والعادة.
وسبب الخلاف بين الفريقين: هو ما يوجد في العارية من شبه العقود اللازمة وغير اللازمة.

الرجوع في الأرض المعارة للبناء أو الغراس أو الزراعة:
قال الحنفية: إذ اكانت الإعارة مطلقة، فللمعير صاحب الأرض أن يستردها في أي وقت شاء؛ لأن الإعارة غير لازمة، ويجبر المستعير على قلع الغرس ونقض البناء؛ لأن في الترك ضرراً بالمعير، ولا يضمن المعير شيئاً من قيمة الغرس أو البناء؛ إذ أنه لم يغرر المستعير بشيء حيث أطلق العقد، بل هو الذي غرر بنفسه، حيث حمل المطلق على الأبد فهو مغتر غير مغرور.

وإن كانت الإعارة مؤقتة بوقت: فللمعير استرداد العارية أيضاً للحديث السابق: «المنحة مردودة، والعارية مؤداة». ولكن يكره الرجوع قبل انتهاء الوقت، لما فيه من خلف الوعد، وليس له إجبار المستعير على النقض والقلع، والمستعير حينئذ بالخيار: إن شاء ضمن المعير قيمة غرسه وبنائه؛ لأنه غره بتوقيت العارية،
_________
(1) بداية المجتهد: 308/ 2، حاشية الدسوقي: 439/ 3.

(5/4044)


ثم بإخراجه قبل الوقت، وإن شاء أخذ غرسه وبناءه إن لم يضر القلع بأرض المعير، فإن أضر القلع بها كان الخيار للمعير: إن شاء أخذ الغرس والبناء بالضمان، وإن شاء رضي بالقطع.
هذا ما ذكر الحاكم الشهيد في مختصره. وعند القدوري: يضمن المعير ما نقص البناء والغرس بالقلع؛ لأن المستعير مغرور، حيث وقت له المعير، إذ الظاهر الوفاء بالعهد، والمغرور يرجع على الغار، دفعاً للضرر عن نفسه.
وأما إذا استعار شخص أرضاً للزراعة، فلا تؤخذ منه، حتى يحصد الزرع، وقّت العارية أو لم يوقت؛ لأن للزرع نهاية معلومة، وفي ترك الزرع لوقت الحصاد بطريق الإجارة بأجر المثل مراعاة لحقي المعير والمستعير، بخلاف الغرس، لأنه ليس له نهاية معلومة، فيقلع دفعاً للضرر عن المالك (1).
وقال المالكية: الراجح أن للمعير أن يرجع في الإعارة المطلقة متى أحب، أما إذا كانت الإعارة مقيدة بشرط أو بعرف أو عادة، فلا يجوز الرجوع قبل انقضاء الأجل، وبناء عليه: إذا أعار أرضاً لبناء أو غرس، وبنى أوغرس، فإن لم يحصل تقييد بأجل، فللمعير إخراج المستعير، ويملك المعير بناء المستعير وغرسه، إن دفع له ما أنفق.
ففي الإعارة المقيدة على هذا النحو: ليس للمعير الرجوع في الأرض، إذا حصل البناء أو الغرس، قبل انقضاء أجل الإعارة، مالم يدفع للمستعير ما أنفقه، فإن انقضت مدة البناء أو الغرس المشترطة أو المعتادة، فالمالك بالخيار: إن شاء أمر المستعير بهدم البناء، وقلع الشجر، وتسوية الأرض، كما كانت؛ وإن شاء دفع
_________
(1) البدائع: 217/ 6، تكملة فتح القدير: 109/ 7 ومابعدها، حاشية ابن عابدين: 527/ 4، 11، المبسوط: 141/ 11 ومابعدها، الكتاب مع اللباب: 203/ 2.

(5/4045)


قيمة ذلك منقوضاً أو مقلوعاً، إذا كان مما له قيمة بعد القلع، بعد إسقاط أجرة من يهدمه ويسوي الأرض، إذا كان المستعير لا يتولى الأمر بنفسه أو خادمه (1).
وقال الشافعية والحنابلة: إذا كانت الإعارة للبناء أو الغراس، مطلقة المدة، فللمستعير أن ينتفع بالأرض مالم يرجع المعير، فإن رجع المعير بعد أن بنى المستعير أو غرس، فإن كان المعير قد شرط عليه القلع، لزمه قلعه، عملاً بالشرط، فإن امتنع فللمعير القلع.
ويلزم المستعير تسوية الأرض المحفورة، إن شرطت وإلا فلا يلزمه تسوية الحفر؛ لأنه لما شرط عليه القلع، رضي بما يحصل بالقلع من الحفر، ولأنه مأذون فيه، فلا يلزمه ضمان ما حصل به من النقص.
وإن لم يشرط عليه القلع: فإن اختار المستعير القلع، قلع، دون أن يلتزم المعير بدفع قيمة النقص. ويلزم المستعير بتسوية الأرض في الأصح عند الشافعية، ويحتمل أن تلزمه التسوية عند الحنابلة؛ لأن القلع حصل باختياره، فإنه لو امتنع منه لم يجبر عليه، فلزمه تسوية الحفر كما لو خرب أرضه التي لم يستعرها، إلا أن القاضي من الحنابلة ذكر أنه لا يلزمه تسوية الحفر؛ لأن المعير رضي بذلك، حيث أعاره مع علمه بأن له قلع غرسه، وهو الأصح عندهم.
وإن لم يختر المستعير القلع، فللمعير الخيار بين أن يبقيه بأجرة المثل، أو يقلع ويضمن قدرالنقص بين قيمته قائماً ومقلوعاً.
وإن كانت الإعارة لبناء أو غراس أو غيره مؤقتة، فللمعير الرجوع أيضاً، فإذا رجع أو انتهت المدة، طبقت الأحكام السابقة نفسها في الإعارة المطلقة: من ناحية اشتراط القلع أو عدم اشتراطه، وآثار ذلك.
_________
(1) بداية المجتهد: 309/ 2، حاشية الدسوقي: 439/ 3، القوانين الفقهية: /373.

(5/4046)


وإذا أعار شخص أرضاً للزراعة، فله الرجوع، ما لم يزرع، فإذا زرع لم يملك الرجوع فيها إلى وقت الحصاد، وعليه إبقاء الزرع إلى ذلك الوقت، فإن رجع المعير قبل الحصاد، وجب على المستعير دفع أجرة المثل من وقت الرجوع إلى الحصاد (1).
والخلاصة: إن المعير له الرجوع في الإعارة للبناء أو الغراس عند الشافعية والحنابلة والحنفية، سواء أكانت الإعارة مطلقة أم مؤقتة، وأما في الإعارة للزراعة فيقتصر أثر الرجوع على إعطاء المعير حق المطالبة بأجرة المثل، في المدة التي بين الرجوع والحصاد.
وعند المالكية: للمعير الرجوع في الإعارة المطلقة، وليس له الرجوع في الإعارة المقيدة، قبل انقضاء أجل العقد، فهذه الإعارة لازمة لانتهاء الأجل المعلوم.

المبحث الرابع ـ حال العارية: هل هي مضمونة أو أمانة؟ قال الحنفية: إن الشيء المستعار أمانة في يد المستعير، في حال الاستعمال وفي غير حال الاستعمال، لا يضمن على كل حال إلا بتعدٍ أو تقصير؛ لأنه لم يوجد من المستعير سبب وجوب الضمان، فلا يجب عليه الضمان، كالوديعة والإجارة؛ لأن الضمان لا يجب على المرء بدون فعله، ولم يفعل ما يوجب الضمان؛ لأنه يقوم بحفظ مال الغير، وهذا إحسان في حق المالك، قال تعالى: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} [الرحمن:60/ 55] (2).
_________
(1) المهذب: 364/ 1، مغني المحتاج: 271/ 2 - 273، المغني: 212/ 5 ومابعدها.
(2) المبسوط: 135/ 11، البدائع: 217/ 6، تكملة فتح القدير: 103/ 7، مجمع الضمانات للبغدادي: /55، الكتاب مع اللباب: 202/ 2.

(5/4047)


وقال المالكية (1): يضمن المستعير ما يُغاب عليه: وهو ما يمكن إخفاؤه كالثياب والحلي والسفينة السائرة في عرض البحر، وذلك إذا لم يكن على التلف أو الضياع بينة على حصوله بلا سبب منه، ولا يضمن فيما لا يغاب عليه كالحيوان والعقار، ولا فيما قامت البينة على تلفه. ودليلهم الجمع والتوفيق بين حديثين: أولهما ـ أنه عليه الصلاة والسلام قال لصفوان بن أمية: «بل عارية مضمونة مؤداة» وفي رواية «بل عارية مؤداة» وثانيهما ـ حديث: «ليس على المستعير غير المغل ـ أي الخائن ـ ضمان، ولا على المستودع غير المغل ضمان» فحمل الضمان على ما يغاب عليه، والحديث الآخر على ما لا يغاب عليه. وهذا المذهب قريب في شطره من مذهب الحنفية في أن العارية أمانة (2).
والأصح عند الشافعية: أن العارية مضمونة على المستعير بقيمتها يوم التلف إذا تلفت بغير الاستعمال المأذون فيه وإن لم يفرط، لحديث صفوان: «بل عارية مضمونة» ولأنه مال يجب رده لمالكه، فيضمن عند تلفه كالشيء المتسلم، أي المقبوض على سوم الشراء، أما إذا تلفت بالاستعمال المأذون فيه فلا ضمان (3)، لحدوث التلف عن سبب مأذون فيه، فلو تعسرت الدابة من ثقل حمل مأذون فيه أو ماتت به، أو انمحق أي (تلف بالكلية) ثوب يلبسه المأذون فيه، أو سقط ثور في
_________
(1) بداية المجتهد: 308/ 2، حاشية الدسوقي: 436/ 3، القوانين الفقهية: /373، والحديثان تقدم تخريجهما.
(2) تتلخص أحكام العارية عند المالكية بأربعة وهي: 1 - الضمان، 2 - الانتفاع للمستعير حسبما يؤذن له، 3 - اللزوم إن كانت لأجل معلوم أو قدر معلوم، كعارية الدابة إلى موضع كذا، فلا يجوز لصاحبها أخذها قبل ذلك، 4 - إذا قال المستعير: كانت عارية، وقال صاحبها: كانت كراء، فالقول قوله مع يمينه (القوانين الفقهية: /373).
(3) قال البغدادي في مجمع الضمانات: ص 55: محل الخلاف (أي بين الحنفية والشافعية) في ضمان المستعير: أن تهلك العارية في غير حالة الانتفاع، أما لو هلكت في حالة الانتفاع لم يضمن بالإجماع.

(5/4048)


ساقية استعير لاستعماله فيها، فلا ضمان في هذه الحالات كلها (1). كذلك لايضمن المستعير ما استعاره ليرهنه، فرهنه، فتلف عند المرتهن. لكن يشترط ذكر جنس الدين وقدره وصفته والمرهون عنده.
ويد المستعير على العارية عند الشافعية يد ضمان في أثناء الاستعمال غير المأذون فيه، فيضمنها بالتلف سواء تعدى أم لم يتعد، وسواء قصر في حفظها أم لم يقصر، قال النووي في المنهاج: فإن تلفت (أي العين المستعاره عند المستعير) لا باستعمال لها مأذون فيه، ضمنها، وإن لم يفرط، لقوله صلّى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم: «بل عارية مضمونة» ولأنه مال يجب رده لمالكه، فيضمن عند تلفه، كالمستام، أي الذي يسوم السلعة.
والأصح أن العارية تضمن بقيمة يوم التلف، لا بأقصى القيم، ولا بيوم القبض.
وقال الحنابلة في ظاهر المذاهب (2): إن العارية مضمونة على المستعير مطلقاً، تعدى أو لم يتعد، بقيمتها يوم التلف، بدليل حديث صفوان بن أمية السابق الإشارة إليه، وهو أن النبي صلّى الله عليه وسلم استعار منه درعاً يوم حنين، فقال ـ فيما رواه أحمد وأبو داود ـ أغصباً يا محمد؟ قال: «بل عارية مضمونة» فهذا إخبار بصفة العارية وحكمها، وهو مروي عن ابن عباس وأبي هريرة.
_________
(1) المجموع 204/ 14 ومابعدها، المهذب: 363/ 1، مغني المحتاج: 267/ 2، 274، الأشباه والنظائر للسيوطي: 150، الإقناع وحاشية البجيرمي عليه: 136/ 3، 139، متن أبي شجاع مع حاشية الباجوري: 10/ 2، تحفة الطلاب: /166،كناية الأخيار: 555/ 1.
(2) كشاف القناع: 76/ 4 ومابعدها، المغني: 203/ 5، القواعد لابن رجب: /59.

(5/4049)


ولقوله عليه الصلاة والسلام: «على اليد ما أخذت حتى تؤديه» (1)، ولأنه مال لغيره، أخذه لمنفعة نفسه، لا على وجه الوثيقة كالرهن، ومن غير استحقاق، ولا إذن في الإتلاف، فكان مضموناً كالمغصوب.
وأضاف الحنابلة أن المستعير لو استعاروقفاً ككتب علم وأدرع موقوفة على المجاهدين فتلفت بغير تفريط ولا تعد، فلا ضمان، لكون تعلم العلم وتعليمه والجهاد من المصالح العامة.
والخلاصة: إن يد المستعير يد ضمان عند الشافعية والحنابلة، ويد أمانة عند الحنفية والمالكية، على التفصيل السابق عند المالكية والشافعية.
ويبرأ المستعير برد العارية إلى من جرت العادة بتسلم الشيء منه كزوجة وخازن ووكيل عام في قبض الحقوق.

شرط المعير الضمان: قال الحنفية: إذا شرط المعير على المستعير ضمان العارية يكون الاشتراط باطلاً، وبه يفتى، كما في الوديعة، وكشرط عدم الضمان في الرهن، لأن في ذلك تغييراً لمقتضى العقد (2).
وقال المالكية: إذا اشترط المعير الضمان في الموضع الذي لا يجب فيه الضمان، لا يضمنه المستعير بإجارة المثل في استعماله العارية؛ لأن الشرط يخرج
_________
(1) أخرجه أحمد وأصحاب السنن الأربعة. وصححه الحاكم عن الحسن بن سمرة بن جندب، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «على اليد ما أخذت حتى تؤديه» زاد أبو داود والترمذي قال قتادة: «ثم نسي الحسن فقال: هو أمينك لا ضمان عليه، يعني العارية» ورواه الطبراني والحاكم وابن أبي شيبة (راجع جامع الأصول: 110/ 9، نصب الراية: 167/ 4، التلخيص الحبير: /253، المقاصد الحسنة: /290، نيل الأوطار: 298/ 5، سبل السلام: 67/ 3).
(2) حاشية ابن عابدين: 516/ 4، 525، مجمع الضمانات: /55.

(5/4050)


العارية عن حكمها إلى باب الإجارة الفاسدة، إذا كان صاحبها لم يرض أن يعيرها، بغير ضمان، فهو عوض مجهول، فيجب أن يرد إلى معلوم (1).
وقال الشافعية والحنابلة: إذا شرط المستعير أن تكون العارية أمانة أو نفي الضمان لم يسقط الضمان ويلغو الشرط؛ لأن كل عقد اقتضى الضمان لم يغيره الشرط، كالمقبوض ببيع صحيح أو فاسد (2).

تغير حال العارية من الأمانة إلى الضمان: يتغير حال العارية عند الحنفية من الأمانة إلى الضمان بالأسباب نفسها التي يتغير بها حال الوديعة، منها (3):
1 - التضييع، والإتلاف حقيقة بإلقائها في مضيعة أو كأن يدل عليها سارقاً؛ أو الإتلاف معنى بمنع العارية بعد طلبها أوبعد انقضاء المدة.
2 - ترك الحفظ في استعمال العارية، أو إيجارها.
3 - استعمال العين المعارة استعمالاً غير مشروط أو غير مألوف عادة.
4 - المخالفة في كيفية الحفظ: مثل أن يأمره ألا يغفل عنها، فغفل، فيضمن. فإن عاد إلى موافقة مطلب المعير لا يبرأ عن الضمان، بخلاف ما عرفناه في الوديعة عند الحنفية، فإنه يبرأ عن الضمان؛ لأن المقصود في الوديعة، هو الحفظ للمالك، والحفظ يتحقق بعد المخالفة كما كان قبل المخالفة.
وهناك فرق آخر: وهو أن المستعير لو رد العارية إلى منزل المالك، كما إذا رد الدابة إلى إصطبل مالكها، يبرأ عن الضمان بخلاف الوديعة، للعادة الجارية في
_________
(1) حاشية الدسوقي: 436/ 3، بداية المجتهد: 309/ 2.
(2) المغني: 204/ 5.
(3) البدائع: 218/ 6 ومابعدها.

(5/4051)


العارية بردها إلى بيت المالك أو بدفعها إلى عياله، ولم تجر العادة بذلك في الوديعة، فخصصت العارية من عموم آية {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} [النساء:58/ 4]، وبقيت الوديعة على ظاهر النص، كما سبق ذكره. والعين المغصوبة مثل الوديعة ترد إلى المالك نفسه.
لكن إذا كانت العارية شيئاً نفيساً فرده المستعير إلى دار المالك ولم يسلمه إليه ضمن؛ لأن الأعيان النفيسة لا ترد إلا إلى صاحبها في العادة.
وكذلك إذا اختلف المعير والمستعير، فالقول قول المالك كما تقدم بخلاف الوديعة: القول قول الوديع (1).

مؤنة رد العارية: إن أجرة رد العارية على المستعير؛ لأن الرد واجب عليه؛ لأنه قبضها لمنفعة نفسه، والأجرة مؤنة الرد، فتكون عليه. وكذلك أجرة رد العين المغصوبة على الغاصب؛ لأن الرد واجب عليه دفعاً للضرر عن المالك، فتكون مؤنته عليه.
أما أجرة رد العين المستأجرة فعلى المؤجر؛ لأن الواجب على المستأجر التمكين من الرد والتخلية بين الشيء وصاحبه، دون الرد (2). والفرق أن غرض المؤجر والغاصب ومثلهما المرتهن هو حصول المنفعة لهم بخلاف المستعير، قبض الشيء لمنفعته الخاصة.
وكذلك أجرة رد الوديعة على المالك المودع؛ لأن الوديع يجب علىه فقط رد الوديعة عند طلب المالك لقوله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} [النساء:58/ 4].
_________
(1) انظر البدائع، المرجع نفسه: /211 ومابعدها، مجمع الضمانات: /57.
(2) الكتاب مع اللباب: 204/ 2، الدر المختار ورد المحتار: 527/ 4 ومابعدها.

(5/4052)


المبحث الخامس ـ الاختلاف بين المعير والمستعير:
قد يحدث اختلاف في بعض الأمور بين المعير والمستعير، فمن الذي يصدق قوله؟

1ً - الاختلاف في أصل العقد أو صفته: إذا ادعى المنتفع الإعارة وادعى المالك الإجارة، وادعى المنتفع الإعارة وادعى المالك الغصب بأن المنتفع غصب الشيء منه، يصدق المالك بيمينه على المذهب عند الشافعية؛ لأن الأصل عدم الإذن بالانتفاع، فيحلف ويستحق أجرة المثل.
2ً - الاختلاف في التلف: إذا تلفت العين المستعارة، وادعى المستعير أنها تلفت بالاستعمال المأذون فيه، وأنكر المعير ذلك، وقال: بل تلفت بغير الاستعمال، أو باستعمال غير مأذون فيه، يصدق المستعير بيمينه بالاتفاق، لأنه يصعب عليه إثبات قوله بالبينة عند القائلين بأن يد المستعير يد ضمان، ولأن الأمين يقبل قوله عند القائلين بأن يد المستعير يد أمانة.
3ً - الاختلاف في الرد: إذا ادعى المستعير أنه رد العين المستعارة على المعير، وأنكر المعير ذلك، فيحلف المعير على قوله ويصدق بيمينه، لأن الأصل عدم الرد، والمستعير مدع فعليه البينة، والمعير منكر، واليمين على المنكر (1).
المبحث السادس ـ انتهاء الإعارة: تنتهي الإعارة بما يلي:
1 ً - طلب المعير رد العارية: لأن الإعارة عقد غير لازم، فتنتهي بالفسخ.
_________
(1) مغني المحتاج: 273/ 2 ومابعدها، المهذب: 366/ 1 ومابعدها، المغني: 217/ 5 - 219، حاشية الصاوي على الشرح الصغير: 579/ 3.

(5/4053)


2 ً - رد العارية: إذا رد المستعير العين المستعارة على المعير، انتهت الإعارة، سواء قبل انتهاء مدة الإعارة أم قبلها.
3 ً - جنون أحد العاقدين أو إغماؤه: تنتهي الإعارة بالجنون أو الإغماء، لزوال أهلية التبرع المطلوبة لإبرام العقد وأثناء بقائه.
4 ً - موت أحد العاقدين- المعير أو المستعير: لأن الإعارة إباحة الانتفاع بالإذن، وبالموت لم يبق الآذن أو المأذون له.
5 ً - الحجر على أحد العاقدين بالسفه: لأنه بالحجر يفقد المحجور أهلية التبرع، فتفسخ الإعارة.
6 ً - الحجر بالإفلاس على المعير المالك: لأنه يمتنع عليه تفويت منافع أمواله، لمصلحة دائنيه.

(5/4054)