الفقه
الإسلامي وأدلته للزحيلي الفَصْلُ الحادي عَشَر: الحَوالَة
خطة الموضوع:
الكلام عن عقد الحوالة في المباحث الآتية:
المبحث الأول ـ تعريف الحوالة ومشروعيتها
وركنها وصيغتها.
المبحث الثاني ـ شروط الحوالة.
المبحث الثالث ـ أحكام الحوالة.
المبحث الرابع ـ انتهاء الحوالة.
المبحث الخامس ـ رجوع المحال عليه على المحيل.
وأبدأ الكلام عن:
المبحث الأول ـ تعريف الحوالة ومشروعيتها وركنها وصيغتها:
تعريف الحوالة: الحوالة في اللغة:
الانتقال، يقال: حال عن العهد: أي انتقل عنه وتغير. وفي الاصطلاح عند
الحنفية: نقل المطالبة من ذمة المدين إلى ذمة الملتزم، بخلاف الكفالة،
فإنها ضم في المطالبة لا نقل، فلا يطالب المدين بعد الحوالة بالاتفاق. وهل
ينتقل الدين أو لا؟ اختلف أئمة الحنفية فيه، والصحيح أنه ينتقل كما سيأتي
بيانه. لذا عرف صاحب العناية الحوالة بقوله: الحوالة في
(6/4187)
اصطلاح الفقهاء: تحويل الدين من ذمة الأصيل
إلى ذمة المحال عليه على سبيل التوثق به (1).
وعرفها غير الحنفية بأنها عقد يقتضي نقل دين من ذمة إلى ذمة (2).
مشروعيتها: الحوالة بالدين جائزة بالسنة والإجماع استثناء من منع التصرف في
الدين بالدين.
أما السنة فقوله صلّى الله عليه وسلم: «مَطل الغني ظلم، وإذا أتبع أحدكم
على مليء (3) فليتَّبع» (4): أي فليحتل، كما رواه البيهقي. وفي رواية
الطبراني في معجمه الوسط: «ومن أحيل على مليء فليتبع» وفي رواية أحمد وابن
أبي شيبة: «ومن أحيل على مليء فليحتل» وقد يروى: «فإذا أحيل». وجمهور
العلماء على أن الأمر المذكور أمر استحباب فلا يجب قبول الحوالة. وقال داود
وأحمد: الأمر للوجوب، فيجب على المحال قبول الحوالة (5).
_________
(1) فتح القدير مع العناية: 443/ 5، وانظر الدر المختار أيضاً:300/ 4، مجمع
الضمانات: ص 282.
(2) الشرح الكبير: 325/ 3، مغني المحتاج: 193/ 2، المغني: 528/ 4، غاية
المنتهى: 114/ 2، كشاف القناع: 370/ 3.
(3) المطل بالدين: المماطلة به، من مطلت الحديدة: إذا ضربتها ومددتها
لتطول. والمليء: الغني، وأصله الواسع الطويل.
(4) رواه أحمد وأصحاب الكتب الستة وابن أبي شيبة والطبراني في معجمه الوسط
عن أبي هريرة، ورواه أيضاً أحمد وابن ماجه والترمذي عن ابن عمر بلفظ: «مطل
الغني ظلم، وإذا أحلت على مليء فاتبعه» ورواه أيضاً البزار عن جابر بلفظ:
«مطل الغني ظلم، فإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع» وفيه ضعيف. (راجع نصب
الراية: 59/ 4، التلخيص الحبير: ص 250، مجمع الزوائد: 130/ 4، سبل السلام:
61/ 3، نيل الأوطار: 236/ 5). وكلمة «فليتبع» الأكثر على التخفيف، وقيده
بعضهم بالتشديد، والأول أجود، والمعنى: إذا أحيل فليحتل، أي فليقبل
الحوالة.
(5) سبل السلام: 61/ 3، المغني: 527/ 4، الميزان للشعراني: 80/ 2.
(6/4188)
وأما الإجماع: فقد أجمع أهل العلم على جواز
الحوالة في الجملة (1). فهي عقد جائزفي الديون دون الأعيان؛ لأنها تنبئ عن
النقل، والتحويل يكون في الدين لا في العين، أي أن النقل الحكمي لا يكون في
العين فلا تصح فيها الحوالة.
ركن الحوالة: ركن الحوالة عند الحنفية:
الإيجاب من المحيل، والقبول من المحال والمحال عليه، بألفاظ مخصوصة هي صيغة
الحوالة. فالإيجاب: أن يقول المحيل للدائن: أحلتك على فلان. والقبول من
المحال والمحال عليه: أن يقول كل واحد منهما: قبلت أو رضيت أو نحوهما.
والسبب في أنه لا بد من رضا المحال عليه عند الحنفية: هو أن الحوالة تصرف
على المحال عليه بنقل الحق إلى ذمته، فلا يتم إلا بقبوله ورضاه، إذ أنه
الذي يلزمه الدين، ولا لزوم إلا بالتزامه، وكونه مديناً للمحيل لا يمنع من
تغير صفة الالتزام؛ لأن الناس يتفاوتون في اقتضاء الدين سهولة ويسراً، أو
صعوبة وعسراً.
وأما رضا المحال: فلا بد منه؛ لأن الدين حقه، وهو في ذمة المحيل، والدين هو
الذي ينتقل بالحوالة، والذمم متفاوتة في حسن القضاء والمطل، فلا بد من
رضاه، وإلا لزم الضرر بإلزامه اتباع من لا يوافيه.
وأما المحيل فقد شرط القدوري رضاه؛ لأن ذوي المروءات قد يأنفون بتحمل غيرهم
ما عليهم من الدين، وذكر في الزيادات وهو الرأي المختار عند بعضهم: أن
الحوالة تصح بدون رضاه؛ لأن التزام الدين من المحال عليه تصرف في حق نفسه،
والمحيل لا يتضرر به بل فيه نفعه (2).
_________
(1) انظر المغني: 521/ 4، المهذب: 337/ 1، مغني المحتاج: 193/ 2، بداية
المجتهد: 294/ 2، فتح القدير: 444/ 5.
(2) البدائع: 15/ 6 ومابعدها، فتح القدير: المرجع السابق مع العناية
بهامشه، مختصر الطحاوي: ص 102، رد المحتار: 301/ 4 ومابعدها.
(6/4189)
وقال الحنابلة والظاهرية: يشترط رضا المحيل
فقط، وأما المحال والمحال عليه فيلزمهما قبول الحوالة؛ لأن الأمر في الحديث
عندهم للوجوب كما عرفنا، ولايعتبر رضاهما (1)، بعكس الحنفية تماماً، واكتفى
الحنابلة باشتراط علم المحال به والمحال عليه. والسبب في عدم اشتراط رضا
المحال عليه هو أن للمحيل أن يستوفي الحق بنفسه وبوكيله، وقد أقام المحال
مقام نفسه في القبض، فلزم المحال عليه الدفع إليه كالوكيل.
وقال المالكية في المشهور عندهم والشافعية في الأصح عندهم: يشترط لصحة
الحوالة رضاالمحيل والمحال فقط؛ لأن للمحيل إيفاء الحق من حيث شاء، فلا
يلزم بجهة معينة، وحق المحال في ذمة المحيل، فلا ينتقل إلا برضاه؛ لأن
الذمم تتفاوت في الأداء والقضاء. وأما المحال فلا يجب عليه الرضا بالحوالة؛
لأن الأمر في الحديث الوارد بمشروعية الحوالة للاستحباب، فلا يلزم المحال
قبول الإحالة.
ولايشترط رضا المحال عليه؛ لأنه محل الحق والتصرف، ولأن الحق للمحيل فله أن
يستوفيه بغيره، والأمر هو مجرد تفويض بالقبض، فلا يعتبر رضا من عليه، كما
لو وكل إنسان غيره بقبض دينه، ويخالف المحال عليه المحال بأن الحق له فلا
ينقل بغير رضاه كالبائع، أما المحال عليه فالحق عليه، فلا يعتبر رضاه،
كالشيء المبيع (2).
يفهم مما سبق أن للحوالة عند الجمهور غير الحنفية أركاناً أو عناصر ستة
تقوم عليها وهي: محيل وهو المدين، ومحال ويسمى أيضاً محتالاً وحويلاً وهو
رب الدين أو الدائن، ومحال عليه أو محتال عليه وهو الذي التزم الدين
للمحال،
_________
(1) المغني: 522/ 4، 525، 527، غاية المنتهى: 114/ 2، كشاف القناع: 374/ 3.
(2) بداية المجتهد: 294/ 2، الشرح الكبير: 325/ 3، المهذب: 338/ 1، مغني
المحتاج: 193/ 2 ومابعدها.
(6/4190)
ومحال أو محتال به: وهو نفس الدين الذي
للمحال على المحيل، ودين للمحيل على المحال عليه، وصيغة (1).
المبحث الثاني ـ شروط الحوالة:
يشترط لصحة الحوالة عند الحنفية شروط تتعلق إما بالصيغة أو بالمحيل، أو
بالمحال، أو بالمحال عليه، أو بالمحال به.
شروط الصيغة: تنعقد الحوالة بتوافر
الإيجاب والقبول أو ما في معناهما كالتوقيع على سند الحوالة والكتابة
والإشارة، والإيجاب: أن يقول المحيل: أحلتك على فلان، والقبول: أن يقول
المحال: قبلت أو رضيت. ويشترط في الإيجاب والقبول كونهما في مجلس العقد.
وأن يكون العقد باتاً، فلا يثبت فيه خيار المجلس ولا خيار الشرط.
شروط المحيل: يشترط في المحيل شرطان:
أولاً ـ أن يكون أهلاً للعقد بأن يكون عاقلاً بالغاً، فلا تصح حوالة
المجنون والصبي الذي لا يعقل، لأن العقل شرط لممارسة أي تصرف.
ولا تنفذ حوالة الصبي المميز، وإنما تتوقف على إجازة وليه، فالبلوغ إذن شرط
نفاذ لا انعقاد.
ثانياً ـ رضا المحيل: فلو كان مكرهاً على الحوالة لا تصح؛ لأن الحوالة
إبراء فيها معنى التمليك، فتفسد بالإكراه كسائر التمليكات (2). ووافقهم
المالكية والشافعية والحنابلة في هذا الشرط.
_________
(1) راجع مغني المحتاج، المرجع السابق، فتح القدير: 443/ 5.
(2) البدائع: 16/ 6، مجمع الضمانات: ص 282.
(6/4191)
وقال ابن كمال في الإيضاح: وأما رضا المحيل
فإنما يشترط للرجوع عليه.
شروط المحال: يشترط في المحال شروط
ثلاثة:
أولاً ـ أن يكون أهلاً للعقد كالشرط في المحيل بأن يكون عاقلاً؛ لأن قبوله
ركن في العقد، وغير العاقل ليس من أهل القبول. وبأن يكون بالغاً وهو شرط
نفاذ لا شرط انعقاد كما تبين، فإذا كان المحال غير بالغ، فيحتاج في الحوالة
لإجازة وليه.
ثانياً ـ الرضا: فلا تصح الحوالة إذا كان المحال مكرهاً، لما ذكر، ووافقهم
المالكية والشافعية في هذا الشرط.
ثالثاً ـ أن يتم قبوله في مجلس الحوالة: وهذا شرط انعقاد عند أبي حنيفة
ومحمد، فلو كان المحال غائباً عن المجلس، فبلغه الخبر، فأجاز، لا ينفذ
عندهما. وعند أبي يوسف: هذا شرط نفاذ. قال الكاساني: والصحيح قولهما؛ لأن
قبول المحال أحد أركان الحوالة (1).
شروط المحال عليه: يشترط في المحال عليه
شروط ثلاثة هي شروط المحال نفسها:
أولاً ـ أن يكون أهلاً للعقد، بأن يكون عاقلاً بالغاً، فلا تصح الحوالة على
الصبي والمجنون، إلا أن البلوغ يعتبر هنا شرط انعقاد، فلا يصح من الصبي
قبول الحوالة أصلاً.
ثانياً ـ الرضا: فلو أكره على قبول الحوالة، لا يصح العقد، ولم يشترط
المالكية رضا المحال عليه.
_________
(1) المرجعان السابقان.
(6/4192)
ثالثاً ـ أن يتم قبوله في مجلس العقد، وهو
شرط انعقاد عند أبي حنيفة ومحمد (1).
شروط المحال به: يشترط شرطان في المحال
به وهما (2):
أولاً ـ أن يكون دَيْناً: أي أن يكون هناك دين للمحال على المحيل. فإن لم
يكن هناك دين، فيكون العقد وكالة تثبت فيها أحكامها، وليس حوالة. ويترتب
عليه أنه لا تصح الحوالة بالأعيان القائمة؛ لأنها لا تثبت في الذمة.
ثانياً ـ أن يكون الدين لازماً: مثل دين القرض فلا تصح الحوالة ـ في الماضي
ـ على المكاتب ببدل الكتابة؛ لأنه دين غير لازم؛ لأن السيد لا يجب له على
عبده دين. وفي الجملة: إن كل دين لا تصح الكفالة به لا تصح الحوالة به، وهو
الدين الحقيقي غير الاحتمالي الذي يعبرون عنه بالدين الصحيح. واشترط كون
الدين لازماً هو رأي الجمهور غيرالحنابلة، وأجاز الحنابلة الحوالة بدين
الكتابة أو بدين الثمن في مدة الخيار. وأجاز الشافعية كون الدين آيلاً إلى
اللزوم بنفسه، كدين الثمن المقترن بخيار في العقد، والصداق قبل الدخول،
والأجرة قبل استيفاء المنفعة.
وكذلك لا تصح الحوالة إذا كان دين المحيل في ذمة المحال عليه غير لازم كدين
صبي وسفيه بغير إذن ولي، فلا تصح الإحالة عليهما لعدم لزوم هذا الدين؛ لأن
لولي الصغير والسفيه طرح الدين عنهما وإسقاطه.
ومثله أيضاً ثمن سلعة مبيعة بالخيار قبل لزومه؛ لأنه يعد ديناً غير لازم.
_________
(1) البدائع، المرجع السابق.
(2) البدائع: 16/ 6، بداية المجتهد: 295/ 3، الشرح الكبير: 325/ 3
ومابعدها، مغني المحتاج: 194/ 2، المهذب: 337/ 1، المغني: 533/ 4.
(6/4193)
وأما وجوب الدين على المحال عليه للمحيل
قبل الحوالة، فليس بشرط عند الحنفية لصحة الحوالة، فإن الحوالة تصح سواء
أكان للمحيل على المحال عليه دين أم لم يكن، وسواء أكانت الحوالة مطلقة أم
مقيدة.
واشترط المالكية والشافعية (1) في
المحال به ثلاثة شروط:
الأول ـ أن يكون الدين المحال به قد حل
ّ.
الثاني ـ أن يكون الدين المحال به مساوياً للمحال عليه في الصفة والمقدار،
فلا يجوز أن يكون أحدهما أقل أو أكثر أو أدنى أو أعلى؛ لأنه يخرج عن
الإحالة إلى البيع، فيدخله الدين بالدين.
الثالث ـ ألا يكون الدينان أو أحدهما طعاماً من سلَم؛ لأنه من بيع الطعام
قبل قبضه، وهو لا يجوز، فإن كان أحدهما من بيع والآخر من قرض، جاز إذا حل
الدين المحال به.
نوعا الحوالة عند الحنفية: الحوالة
نوعان: مطلقة ومقيدة.
المطلقة: أن يحيل شخص غيره بالدين على
فلان، ولا يقيده بالدين الذي عليه، ويقبل الرجل المحال عليه. ولم يقل
بجوازها غير الحنفية، ووافقهم فيها الشيعة الإمامية والزيدية على الراجح
عندهم. والحوالة المطلقة في المذاهب الثلاثة غير الحنفية حيث لا يكون
للمدين دين في ذمة المحال عليه تعد كفالة محضة، ولا بد فيها من رضاء
الأطراف الثلاثة بها (وهم الدائن والمدين والمحال عليه جميعاً).
_________
(1) الشرح الصغير: 425/ 3 - 426، الشرح الكبير: 326/ 3 ومابعدها، مغني
المحتاج: 194/ 2 ومابعدها.
(6/4194)
والمقيدة: أن يحيله ويقيده بالدين الذي له
عليه. وهذه هي الحوالة الجائزة باتفاق العلماء (1).
وكلا النوعين جائز لقوله عليه الصلاة والسلام: «من أحيل على مليء فليتبع»
إلا أن الحوالة المطلقة تختلف عن الحوالة
المقيدة في بعض الأحكام كما يأتي (2):
1 - إذا كانت الحوالة مطلقة ولم يكن للمحيل على المحال عليه دين، فإن
المحال يطالب المحال عليه بدين الحوالة فقط.
وإن كان له عليه دين، ولم يقيد الحوالة به بأن لم يقل: (أحيله عليك بما لي
عليك) أو (على أن تعطيه مما عليك) وقبل المحال عليه، فإن المحال عليه يطالب
بدينين: دين الحوالة ودين المحيل، فالمحال يطالب بدين الحوالة، والمحيل
يطالب بالدين الذي له عليه، كما إذا كان عند رجل ألف ليرة وديعة، فأحال
شخصاً عليه بألف ليرة، ولم يقيده بالألف الوديعة، فقبله، فللمحيل أن يأخذ
الوديعة، وعلى المحال عليه أداء الألف بالحوالة.
فأما إذا قيد الحوالة بالدين الذي له عليه، فليس للمحيل أن يطالبه بالأداء
إليه؛ لأنه قيد الحوالة بهذا الدين، فيقيد به، أي يتعلق به حق المحال،
ويكون هذا الدين، بمنزلة الرهن عنده، وإن لم يكن رهناً حقيقة، فإذا أدى
المال تقع المقاصة بين المحال عليه والمحيل.
_________
(1) وهي في رأي القانوني الدكتور السنهوري أقرب إلى أن تكون طريقاً من طرق
الوفاء بالدين، من أن تكون حوالة بالمعنى الدقيق بالفقه القانوني (الوسيط:
ف 240)، ويرى السنهوري أيضاً أن الفقه الإسلامي لم يقر حوالة الدين بالمعنى
المفهوم في الفقه الغربي في أي مذهب من مذاهبه. وقد أقر حوالة الحق بشروط
معينة في أحد مذاهبه وهو مذهب مالك، دون المذاهب الأخرى عن طريق هبة الدين
أو بيع الدين لغير المدين (الوسيط: ف 240)، وهذا محل نظر.
(2) راجع البدائع: 16/ 6ومابعدها، الدر المختار ورد المحتار: 306/ 4، مجمع
الضمانات: ص283.
(6/4195)
2 - إذا كانت الحوالة مقيدة وظهرت براءة
المحال عليه من الدين الذي قيدت به الحوالة، بأن كان الدين ثمن مبيع فاستحق
المبيع، تبطل الحوالة؛ لأنه لما قيد الحوالة بالدين فقد تعلق الدين
بالحوالة، فإذا ظهر أنه لا دين، فقد ظهر أنه لا حوالة.
أما إذا كانت الحوالة مطلقة وظهرت براءة المحال عليه من الدين، فإنها لا
تبطل؛ لأن الدين لم يتعلق بالحوالة، وإنما تعلق بالذمة، فلا يظهر أن
الحوالة كانت باطلة.
3 - إذا كانت الحوالة مقيدة ثم مات المحيل قبل أن يؤدي المحال عليه الدين
إلى المحال، وكان على المحيل ديون أخرى غير دين المحال، وليس له مال سوى
هذا الدين الذي على المحال عليه، فإنه لا يكون المحال أحق به من بين سائر
الغرماء (أي الدائنين) عند أئمة الحنفية الثلاثة. وعند زفر: يكون أحق به من
بين سائر الغرماء كالرهن. ورد عليه بأن هناك فرقاً بين الحوالة والرهن وهو
أن المرتهن يتحمل وحده غرم الرهن، فيختص بغنمه أخذاً بالحديث: «الخراج
بالضمان» (1) أي أن الغنم بالغرم، أما المحال فلم يختص بتحمل غرم المال،
فلا يكون له الحق في أن يختص بالغنم، وحينئذ يكون له الحق في مقاسمة
الغرماء فقط.
أما إذا كانت الحوالة مطلقة: فإنه يؤخذ من المحال عليه جميع الدين الذي
_________
(1) أخرجه أحمد والشافعي وأبو داود الطيالسي، وأصحاب السنن الأربعة وصححه
الترمذي وابن حبان وابن الجارود والحاكم وابن القطان عن عائشة أن النبي
صلّى الله عليه وسلم قضى أن «الخراج بالضمان» الخراج: هو الدخل والمنفعة أي
يملك المشتري الخراج الحاصل من المبيع بضمان الأصل الذي عليه أي بسببه،
فالباء للسببية. وفي رواية النسائي: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قضى
أن «الخراج بالضمان، ونهى عن ربح ما لم يضمن» وفي رواية: «أن رجلاً ابتاع
غلاماً فاستغله، ثم وجد به عيباً فرده بالعيب، فقال البائع: غلة عبدي، فقال
النبي صلّى الله عليه وسلم: الغلة بالضمان» وهناك لفظ آخر لهذه الرواية
(انظر جامع الأصول: 28/ 2 - 32، نيل الأوطار: 213/ 5).
(6/4196)
عليه، ويقسم بين غرماء المحيل، ولا يدخل
المحال في تلك المقاسمة؛ لأن الحوالة لم تتعلق بالدين، ولأن حق المحال ثبت
عند المحال عليه فقط.
حوالة الحق: هي نقل الحق من دائن إلى
دائن، أو بتعبير آخر: حلول دائن محل دائن بالنسبة إلى المدين. فإذا تبدل
دائن بدائن في حق مالي متعلق بالذمة، لا بعين، كانت الحوالة حوالة حق.
والدائن فيها هو المحيل، إذ هو يحيل غيره ليستوفي حقه.
وهي تقابل حوالة الدين: وهي تبدل المدين
بالنسبة إلى الدائن أي تبديل مدين بمدين، والمحيل فيها: هو المدين، إذ هو
إنما يحيل على غيره لوفاء دينه. وهي مشروعة باتفاق العلماء كما تقدم.
وحوالة الحق جائزة أيضاً باتفاق المذاهب الأربعة، وليس فقط عند غير
الحنفية، كما فهم بعض أساتذة الشريعة، والقانون؛ لأن الحوالة المقيدة
المشروعة عند الحنفية تتضمن حوالة حق، إذ يكون الإنسان فيها مديناً لشخص
ودائناً لآخر، فيحيل دائنه على مدينه، ليقبض الدائن المحال دين المحيل من
مدينه المحال عليه، فهي حوالة حق وحوالة دين في وقت واحد.
وقد عرفنا أن غير الحنفية لا يجيزون إلا الحوالة المقيدة، فهي الحوالة
إطلاقاً، ويشترط في المقيدة عندهم تساوي الدين المحال به والدين المحال
عليه في الصفة والمقدار، فإن تساويا جنساً وقدراً صحت الحوالة، وإن اختلفا
في شيء مما ذكر لم تصح الحوالة.
أما الحوالة المطلقة فهي حوالة دين فقط، إذ يحيل بها المدين دائنه على آخر،
فيتبدل فيها المدين، ويبقى الدائن هو نفسه.
(6/4197)
ومن صور حوالة الحق ضمن الحوالة المقيدة:
أن يحيل البائع دائنه على المشتري بالثمن. ويحيل المرتهن على الراهن
بالدين، وتحيل الزوجة على زوجها بالمهر. ويحيل صاحب الحق في ريع الوقف
دائنه على ناظر الوقف في حقه من الغلة بعد حصولها في يد الناظر. ويحيل
الغانم حقه في الغنيمة المحرزة على الإمام. ففي كل هذه الأمثلة حل دائن
جديد ـ وهو المحال ـ محل الدائن الأصلي وهو البائع، أو المرتهن أو الزوجة،
أو مستحق غلة الوقف، أو الغانم.
ومنشأ اللبس في فهم مذهب الحنفية حول حوالة الحق راجع إلى أن الحنفية لا
يرون الحوالة نوعاً من البيع تجري فيها كل أحكامه، بل هي عندهم عقد مستقل
شرع لغاية معينة يحتاج إليه التعامل، وليس فرعاً من غيره، ولكن فيه تشابه
مع عقود وتصرفات أخرى في بعض النواحي، فالحوالة تشبه البيع (بيع الدين أو
الحق) وليست ببيع، وتشبه الكفالة وليست بكفالة، وتشبه قبض الدين وليست
قبضاً، وتشبه الوكالة بالقبض أو بالأداء وليست بوكالة، وتشبه ما يسمى بلغة
العصر اليوم فتح الاعتماد، وليست به، وفيها بعض سمات التبرع، وبعض سمات
المعاوضة إلخ .. وقد أخذت الحوالة أحكاماً متنوعة تتناسب مع تلك المشابهات
العديدة فيها.
وإذا كان الحنفية لا يجيزون تمليك أو بيع الدين لغير من عليه الدين، فلا
يعني أنهم ينكرون حوالة الحق، إذ أن تبدل دائن بدائن، لا يفيد عندهم تمليك
الدين لغير من هو عليه؛ لأن مقتضى الحوالة هو نقل الدين أو نقل المطالبة به
إلى المحل الجديد، نقلاً مؤقتاً بعدم التوى (أي موت المحال عليه أو إفلاسه
أو جحوده الحوالة) لا تمليكه، وإنما يملك المحال ما يقبضه وفاءً به بعد
تنفيذ الحوالة بالقبض، وبذلك تكون الحوالة عندهم غير البيع.
(6/4198)
أما غير الحنفية الذين يجيزون حوالة الحق
فمستندهم هو إطلاق الترخيص الشرعي الثابت في شأن الحوالة، سواء بعدئذ أكانت
بيع دين بدين أم لم يكن.
إذ أن هؤلاء مختلفون في مسألة بيع الدين بالدين أو هبته لغير من هو عليه،
فالمالكية والشافعية يجيزونه بشروط، مثل شرط قبض العوض أو تعينه في مجلس
البيع وأن يكون الدين المبيع غير طعام، وأن يكون الثمن من غير جنس المبيع،
وأن يقع البيع لغير خصم المدين، حتى لا يكون في البيع إعنات للمدين بتمكين
خصمه منه. فليست حوالة الحق عندهم بيع دين بدين.
والحنابلة: لا يجيزونه.
والخلاصة: إن الحوالة عند الفقهاء المسلمين ليست بيعاً، وإنما هي عقد خاص،
يفترق عن البيع في شرائطه ونتائجه (1). والمالكية والشافعية الذين يجيزون
هبة الدين لغير المدين تظهر عندهم حوالة الحق في هذين العقدين بنحو كامل
واضح. لكن بشرط تحقيق شروط الهبة كالإذن بالقبض، وشروط بيع الدين.
المبحث الثالث ـ أحكام الحوالة يترتب
على الحوالة أحكام (2):
أولاً ـ براءة المحيل: إذا تمت الحوالة بالقبول برئ المحيل من الدين عند
جماهير الفقهاء. ولا تنتقل تأمينات الدين من رهن أو كفالة، بل تنقضي.
_________
(1) راجع الموسوعة الفقهية في الكويت ـ بحث الحوالة: ص 95 - 100، مدخل
نظرية الالتزام في الفقه الإسلامي للأستاذ الزرقاء: ص 64 ومابعدها.
(2) البدائع: 17/ 6 ومابعدها، الكتاب مع اللباب: 160/ 2.
(6/4199)
وقال الحسن البصري: لا يبرأ المحيل إلا
بالإبراء.
وقال زفر من الحنفية: الحوالة لا توجب براءة المحيل، ويبقى الحق في ذمته
بعد الحوالة على ما كان عليه قبلها، وقاس الحكم على الكفالة، إذ كل واحد
منهما عقد توثق.
وهذا ليس بصحيح؛ لأن الحوالة مشتقة من التحويل وهو نقل الحق فكان معنى
الانتقال لازماً فيها، والشيء إذا انتقل إلى موضع لا يبقى في المحل الأول،
ومعنى التوثق يحصل بسهولة التوصل إلى الحق باختيار الأكثر ملاءة والأحسن
قضاء.
أما الكفالة: فهي مشتقة من الضم أي ضم ذمة إلى ذمة، فعلق على كل من الكفالة
والحوالة مقتضاه، وما دل عليه لفظه؛ لأن أحكام العقود الشرعية تتنزل على
وفق المعاني اللغوية (1).
واختلف أئمة الحنفية في كيفية النقل الذي يتم
بالحوالة: فقال أبو حنيفة وأبو يوسف: إنها نقل المطالبة والدين
جميعاً من ذمة المدين إلى ذمة المحال عليه، ولكن الدين يعود إلى ذمة المدين
إذا توي عند المحال عليه (والتوى: هو الموت مفلساً، وجحود الحوالة ولا
بينة، وزاد الصاحبان: الإفلاس وهو حي). فلو أبرأ الدائن المحال عليه من
الدين، صح الإبراء، ولو أبرأ المدين لا يصح، وقال محمد: إنها نقل المطالبة
وحدها دون الدين، فأصل الدين باق في ذمة المحيل. وقد استدل كل منهم بأدلة
يظهر منها أن أدلة الفريق الأول أرجح بدليل أنه لو أبرئ
_________
(1) راجع البدائع: 17/ 6، فتح القدير: 445/ 5 ومابعدها، مختصر الطحاوي: ص
102، الدر المختار: 300/ 4، الشرح الكبير: 328/ 3، مغني المحتاج: 195/ 2،
المهذب: 338/ 1، المغني: 525/ 4.
(6/4200)
المحيل من الدين أو وهب الدين له لا يصح
التصرف؛ لأن الدين انتقل إلى ذمة المحال عليه، وفرغت ذمة المحيل من الدين،
وبدليل أن الحوالة يترتب عليها النقل؛ لأنها مشتقة من التحويل وهو النقل،
فتقتضي نقل ما أضيفت إليه وهو الدين، لا المطالبة فقط.
وعند زفر كما تقدم: لا ينتقل الدين ولا المطالبة إلى ذمة المحال عليه، بل
تضم ذمة المحال عليه إلى ذمة المدين في المطالبة فيكون المحال عليه كفيلاً
للمدين.
ثانياً ـ ثبوت ولاية المطالبة للمحال على المحال عليه بدين في ذمته؛ لأن
الحوالة اقتضت النقل إلى ذمة المحال عليه بدين في ذمته، وهو نقل الدين
والمطالبة جميعاً كما رجحت.
ثالثاً ـ ثبوت حق الملازمة للمحال عليه على المحيل إذا لازمه المحال، فكلما
لازمه المحال، فله أن يلازم المحيل ليتخلص من ملازمة المحال، وإذا حبسه له
أن يحبسه إذا كانت الحوالة بأمر المحيل، ولم يكن على المحال عليه دين
يماثله للمحيل، أي أن الحوالة مطلقة. أما إذا كانت الحوالة بغير أمره، أو
كانت بأمره ولكن للمحيل على المحال عليه دين مثله، أي أن الحوالة مقيدة،
فليس للمحال عليه أن يلازم المحيل إذا لوزم، ولا أن يحبسه إذا حبس.
المبحث الرابع ـ انتهاء الحوالة تنتهي
الحوالة بأمور (1):
1 - فسخ الحوالة: إذا فسخت الحوالة يعود
الحق للمحال في أن يطالب المحيل. والفسخ في اصطلاح الفقهاء: هو إنهاء العقد
قبل أن يبلغ غايته.
_________
(1) البدائع: 18/ 6 ومابعدها، فتح القدير: 447/ 5، المبسوط: 52/ 20، الدر
المختار: 304/ 4، مجمع الضمانات: ص 282.
(6/4201)
2 - أن يتوى (1) حق المحال بموت أو إفلاس
أو غيره: وهو مذهب الحنفية بدليل ما روي عن سيدنا عثمان رضي الله عنه أنه
قال في المحال عليه: «إذا مات مفلساً عاد الدين إلى ذمة المحيل»، ولأن
الحوالة مقيدة بسلامة حق المحال له، لأنه هو المقصود، فصار كوصف السلامة في
المبيع.
والتوى عند أبي حنيفة بأحد أمرين: إما أن يموت المحال عليه مفلساً أو أن
يجحد الحوالة ويحلف ولا بينة للمحال؛ لأن العجز عن الوصول إلى الحق يتحقق
بكل واحد منهما، وهو التوى في الحقيقة.
وقال الصاحبان: يتحقق التوى بوجه ثالث: وهو أن يفلس المحال عليه حال حياته،
ويقضي القاضي بإفلاسه حال حياته. وهذا مبني على قاعدة أخرى مختلف فيها بين
الإمام وصاحبيه: وهي أن القاضي يقضي بالإفلاس حال الحياة عندهما، وعنده: لا
يقضي به لأن مال الله غاد ورائح.
وإذا تحقق التوى يرجع صاحب الدين على المحيل.
وقال الحنابلة والشافعية والمالكية: إذا تمت الحوالة وانتقل الحق ورضي
المحال، لم يعد الحق إلى المحيل أبداً، سواء أمكن استيفاء الحق، أو تعذر
لمطل أو فلس أو موت أو غيرها. فلو كان المحال عليه مفلساً عند الحوالة،
وجهله المحال، فلا رجوع له على المحيل؛ لأنه مقصر بترك البحث، فأشبه من
اشترى شيئاً هو مغبون فيه، فإن شرط المحال يسار المحال عليه، فبان معسراً،
رجع على المحيل عند الحنابلة والمالكية، لقول النبي صلّى الله عليه وسلم:
«المسلمون عند شروطهم» (2).
_________
(1) التوى في اللغة: الهلاك والتلف. يقال توي بوزن علم يتوى توى، وفي
الاصطلاح كما سيأتي عن أئمة الحنفية: هو تعذر تحصيل الدين بسبب لا دخل
للمحال فيه كإفلاس المحال عليه مثلاً.
(2) رواه الترمذي والحاكم عن عمرو بن عوف (راجع نصب الراية: 112/ 4، سبل
السلام: 59/ 3)، وقد سبق تخريجه.
(6/4202)
والمالكية قالوا أيضاً: لكن يرجع المحال
على المحيل إذا غرره بأن أحاله على معدم مفلس. ودليل هؤلاء في الجملة أن جد
سعيد بن المسيب: «كان له على علي رضي الله عنه دين، فأحاله به، فمات المحال
عليه، فأخبره، فقال: اخترت علينا، أبعدك الله» فأبعده بمجرد الحوالة، ولم
يخبره أن له الرجوع، ولأن الحوالة تقتضي البراءة من الدين، وقد حصلت مطلقة
عن شرط سلامة الحق، فتفيد البراءة مطلقاً.
وأما حديث عثمان (الذي استدل به الحنفية) فلم يصح، ولو صح كان قول علي
مخالفاً له (1).
3 - أداء المحال عليه المال إلى المحال:
وهذا أمر بدهي، فإذا أدى المحال عليه المال انتهت الحوالة، إذ أن حكمها قد
انتهى.
4 - أن يموت المحال ويرث المحالُ عليه مالَ الحوالة؛ لأن الإرث من أسباب
الملك، فيملك المحال عليه الدين في هذه الحال. وتنتهي الحوالة المقيدة عند
أبي حنيفة وصاحبيه، خلافاً لبقية الفقهاء، بموت المحيل لدخول المال الذي
قيدت به الحوالة في تركة المحيل.
5 - أن يهب المحال المال للمحال عليه ويقبل
الهبة.
6 - أن يتصدق المحال على المحال عليه،
ويقبل الصدقة؛ لأن الهبة والصدقة في معنى الإرث أو الأداء.
7 - أن يبرئ المحال المحال عليه.
_________
(1) المغني: 526/ 4، بداية المجتهد: 296/ 2، القوانين الفقهية: ص 327،
الشرح الكبير: 326/ 3، المهذب: 338/ 1، مغني المحتاج: 195/ 2 ومابعدها.
(6/4203)
المبحث الخامس ـ
رجوع المحال عليه على المحيل الكلام هنا في موضعين:
شرائط الرجوع، وبيان ما يرجع به.
أما شرائط الرجوع فهي ما يأتي:
1 - أن تكون الحوالة بأمر المحيل: فإن
كانت بغير أمره لا يرجع مثل أن يقول رجل للدائن: إن لك على فلان كذا وكذا
من الدين، فاحتل بها علي، فرضي بذلك، جازت الحوالة. ولكنه إذا أدى المحال
عليه المال لا يرجع على المحيل؛ لأنه سيكون حينئذ متبرعاً، ولم يحصل معنى
التمليك للدين من المحال للمحال عليه، فلا يحق له الرجوع.
2 - أداء مال الحوالة أو ما هو في معنى
الأداء كالهبة والصدقة إذا قبل المحال عليه، وكذا إذا ورث المحال عليه
المحال؛ لأن الإرث من أسباب الملك، فإذا ورثه فقد ملك الشيء الموروث، فكان
له حق الرجوع.
ولو أبرئ المحال عليه من الدين لا يرجع على المحيل؛ لأن الإبراء إسقاط حقه،
فلم يملك المحال عليه شيئاً فلا يرجع.
3 - ألا يكون للمحيل على المحال عليه دين مماثل
للدين الذي أحيل به المحال.
فإن كان هناك دين وقعت المقاصة بينهما (1).
وأما ما يرجع به المحال عليه على المحيل:
فهو أنه يرجع بالمحال به، لا بالمؤدى، كالكفيل، فلو أدى عروضاً مكان
النقود، فإنه يرجع على المحيل بالنقود؛
_________
(1) البدائع: 19/ 6، مجمع الضمانات: ص 283.
(6/4204)
لأن الرجوع يحق له بحكم ما تم له من الملك،
وأنه يملك دين الحوالة، لا المؤدى، وذلك بخلاف الوكيل بقضاء الدين كما ذكر
في الكفالة.
اختلاف المحيل مع المحال:
لو قبض المحال مال الحوالة ثم اختلف مع المحيل، فقال المحيل: لم يكن لك علي
شيء، وإنما أنت وكيلي في القبض، والمقبوض لي، وقال المحال: لا، بل أحلتني
بألف مثلاً كانت لي عليك، فحينئذ القول قول المحيل مع يمينه؛ لأن المحال
يدعي عليه ديناً، والمحيل ينكر، والقول قول المنكر عند عدم البينة مع يمينه
(1).
السفاتج: هي كما بينت في بحث القرض جمع
سُفْتَجة: وهي الورقة. وهي أن يدفع امرؤ إلى تاجر مبلغاً قرضاً ليدفعه إلى
صديقه في بلد آخر ليستفيد به سقوط خطر الطريق. وهذا مكروه تحريماً عند
الحنفية؛ لأنه في الحقيقة قرض استفاد به المقرض أمن خطر الطريق. وهو نوع من
النفع المستفاد على حساب القرض، وقد نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن
قرض جر نفعاً (2). كراهة هذا التصرف ناشئة عما إذا كان أمن خطر الطريق
مشروطاً. فإذا تم القرض دون أن يشترط المقرض في عقد القرض دفع المال في بلد
آخر بالحوالة ونحوها، جاز القرض. ويجوز أيضاً إذا دفع المال إليه أمانة
لتسليمها في بلد آخر (3).
_________
(1) البدائع، المرجع السابق، فتح القدير: 449/ 5، المبسوط: 57/ 20، الدر
المختار ورد المحتار: 305/ 4.
(2) رواه الحارث بن أبي أسامة عن علي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه
وسلم: «كل قرض جر نفعاً فهو ربا» وأعله المحدثون بأن فيه سوار بن مصعب وهو
متروك. ورواه البيهقي في السنن الكبرى عن ابن مسعود وأبي بن كعب وعبد الله
بن سلام وابن عباس موقوفاً عليهم. وأخرج ابن عدي في الكامل عن جابر بن
سمرة، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «السفتجات حرام» وهو حديث
ضعيف معلول براوٍ فيه (راجع نصب الراية: 60/ 4، التلخيص الحبير: ص 254).
(3) الكتاب مع اللباب: 162/ 2.
(6/4205)
|