الفقه
الإسلامي وأدلته للزحيلي الفَصْلُ الخامِس عَشر: الاستِحقاق الكلام
فيه يتناول تعريفه، وحكمه المترتب عليه من فسخ ورجوع، وحكم الاستحقاق في
عقود البيع والمقايضة والرهن والقسمة والصلح، والإجارة، والمساقاة
والمزارعة، والزواج بالنسبة للصداق وبدل الخلع، والوصية، والوقف، وحكم
استحقاق الأضحية والهدي، وفيه ثلاثة مباحث: الأول ـ التعريف والحكم،
والثاني ـ أثر الاستحقاق في طائفة من العقود، والثالث ـ حكم استحقاق
الأضحية والهدي.
المبحث الأول ـ تعريف الاستحقاق وحكمه المترتب
عليه:
الاستحقاق لغة: طلب الحق، فالسين والتاء
للطلب، لكن في المصباح: استحق فلان الأمر: استوجبه، فالأمر مستَحق (اسم
مفعول) ومنه خرج المبيع مستحقاً، فصار المعنى الشرعي موافقاً للمعنى
اللغوي.
وفقهاً: ظهور كون الشيء حقاً واجباً للغير. وبعبارة أخرى:
الاستحقاق: هو أن يدعي شخص ملكية شيء، ويثبت دعواه، ويقضي له القاضي
بملكيته، وانتزاعه من يد حائزة.
وعرفه المالكية بقولهم: هو رفع ملك شيء بثبوت ملك قبله.
(6/4392)
والاستحقاق
بالنسبة لفسخ العقد نوعان (1):
1 - مبطل للملك بالكلية: بحيث لا يبقى
لأحد عليه غير المدعي حق التملك، كالعتق والحرية الأصلية. وحكمه:
أنه يوجب فسخ العقد بلا حاجة لحكم القاضي، ولكل واحد من الباعة الرجوع على
بائعه بالثمن، فلو أقام العبد بيِّنة أنه حر الأصل، أو أنه كان عبداً لفلان
فأعتقه، فلكل واحد وإن لم يرجع عليه أن يرجع على بائعه قبل القضاء عليه،
ويرجع هو أيضاً على بائعه.
2 - وناقل للملك من شخص إلى آخر، وهذا
هو الغالب: كأن ادعى زيد على خالد أن ما في يده من المتاع ملك له، وبرهن
على ادعائه.
وحكمه: أنه لا يوجب فسخ العقد؛ لأنه لا يوجب بطلان ملك المشتري، وإنما
يتوقف على إجازة المستحق أو فسخه، والصحيح عند الحنفية أن العقد لا ينفسخ
ما لم يرجع المشتري على بائعه بالثمن، ويفسخ العقد في الأصح من ظاهر
الرواية بالفسخ أي بالتراضي، لا بمجرد القضاء بالاستحقاق.
وليس لأحد من المشترين أن يرجع على بائعه بالثمن، ما لم يُرجع عليه، لئلا
يجتمع الثمنان في ملك واحد، أي فليس للمشتري الأوسط أن يرجع على بائعه قبل
أن يرجع عليه المشتري الأخير.
والحكم بالاستحقاق يشمل ذا اليد فيؤخذ المدعى به من يده، ويشمل أيضاً كل من
تلقى ذو اليد الملك منه. قال صاحب الدر: الحكم بالاستحقاق حكم على ذي اليد،
وعلى من تلقى ذو اليد الملك منه، ولو كان مورثه، ويتعدى الأمر إلى بقية
الورثة.
_________
(1) الدر المختار ورد المحتار: 199/ 4 ومابعدها.
(6/4393)
إثبات المستحق حقه:
يرجع المشتري على البائع بالثمن إذا ثبت الاستحقاق ببينة المستحق؛ لأنها
حجة متعدية تظهر في حق كافة الناس، ولا تصير حجة معتبرة إلا بقضاء القاضي،
حتى ينفذ قضاؤه في حق الكافة بماله من ولا ية عامة.
أما إذا ثبت الاستحقاق بإقرار المشتري أو وكيله بالخصومة، أو بنكُولهما،
فلا رجوع؛ لأن الإقرار حجة قاصرة على المقر لا يتعداه إلى غيره، لعدم
ولايته عليه (1).
تناقض الادعاءات: التناقض في الدعوى
(2): أي التدافع في الكلام، يمنع دعوى الملك لعين أو منفعة، إذا كان الكلام
الأول قد أثبت حقاً لشخص معين، كأن ادعى شخص على آخر أنه أخوه، وطالبه
بالنفقة، فقال المدعى عليه: ليس هو بأخي، ثم مات المدعي عن تركة، فجاء
المدعى عليه يطلب ميراثه، فإن قال: هو أخي، لم يقبل، للتناقض.
أما إذا لم يثبت الكلام الأول لآخر حقاً، لم يمنع دعوى الملك، لقول المدعي:
لا حق لي على أحد من أهل بلدة كذا، ثم ادعى شيئاً على أحد منهم، تصح دعواه.
ولا يمنع التناقض أيضاً دعوى ما خفي سببه كالنسب والطلاق، والحرية، كما إذا
اشترى ثوباً في شيء مغلَّف، ثم زعم أنه له، ولم يعرّفه، تقبل دعواه.
ومثال النسب: لو باع عبداً مثلاً، ثم باعه المشتري لآخر، ثم ادعى البائع
الأول أنه ابنه، تقبل دعواه، ويبطل الشراء الأول والثاني؛ لأن النسب يبتنى
على العلوق، فيخفى عليه، فيعذر في التناقض.
_________
(1) الدر المختار: 203/ 4.
(2) المرجع السابق: 205/ 4 ومابعدها.
(6/4394)
ومثال الطلاق: إذا قاسمت المرأة ورثة
زوجها، وقد أقروا بالزوجية كباراً، ثم برهنوا على أن زوجها كان طلقها في
حال صحته ثلاثاً، رجعوا عليها بما أخذت.
ومثال الحرية: أن يبرهن البائع أو المشتري أن البائع حرر العبد المبيع قبل
بيعه، يقبل قوله؛ إذ التناقض متحمل في العتق.
المبحث الثاني ـ حكم الاستحقاق في طائفة من
العقود:
أولاً ـ الاستحقاق في عقد البيع والمقايضة: أما
أثر الاستحقاق في المقايضة: فلو استحق بدل المبيع، كأن اشترى داراً
بسيارة ثم استحقت السيارة، وأخذت الدار بالشفعة، بطلت الشفعة، ويأخذ البائع
الدار من الشفيع، لبطلان البيع؛ لأن الاستحقاق في بيع المقايضة، يبطل البيع
(1).
وأما أثر الاستحقاق في البيع، ففيه
تفصيل وآراء:
رأي الحنفية (2):
1 ً - استحقاق بعض المبيع:
أـ إن استحق بعض المعقود عليه قبل القبض، ولم
يجز المستحق، بطل العقد في القدر المستحق؛ لأنه تبين أن ذلك القدر
لم يكن ملك البائع، ولم توجد الإجازة من المالك، فبطل، وللمشتري الخيار في
الباقي: إن شاء رضي به بحصته
_________
(1) الدر المختار: 211/ 4.
(2) البدائع: 288/ 5 ومابعدها، فتح القدير: 175/ 5 ومابعدها.
(6/4395)
من الثمن، وإن شاء رده سواء أحدث عيباً في
الباقي أم لا، وسواء استحق الجزء المقبوض أو غيره؛ لأنه إذا لم يرض
المستحق، فقد تفرقت الصفقة على المشتري قبل تمام العقد، والتفرق يوجب
الخيار، فكذا هذا.
ب ـ وإن كان الاستحقاق بعد قبض البعض دون البعض
أو بعد قبض الكل، بطل البيع في القدر المستحق.
ثم ينظر في حالة قبض الكل: إن كان استحقاق ما استحق يوجب العيب في الباقي،
بأن كان المعقود عليه شيئاً واحداً كالدار والسيارة والدابة ونحوها،
فالمشتري بالخيار في الباقي: إن شاء رضي بحصته من الثمن، وإن شاء رد؛ لأن
الشركة في الأعيان عيب.
وإن كان استحقاق ما استحق لا يوجب عيباً في الباقي، بأن كان المعقود عليه
شيئين كالدابتين أو كمية من المثليات من مكيل كالقمح أو موزون كالزيت،
فاستحقت إحداهما، فإنه يلزم المشتري الباقي بحصته من الثمن؛ لأنه لا ضرر في
تبعيضه، فلم يكن له خيار الرد.
والخلاصة: أنه في حال استحقاق بعض المبيع تتفرق الصفقة على المشتري الأخير،
فيثبت للمشتري خيار تفرق الصفقة، فإن شاء احتفظ بباقي المبيع، وإن شاء فسخ
العقد فيه ورده للبائع، إلا إذا كان استحقاق البعض قد وقع بعد قبض المشتري
جميع المبيع، ولم تضر المبيع التجزئة، فلا يثبت للمشتري حينئذ خيار تفرق
الصفقة باستحقاق البعض، بل يلتزم بالباقي بحصته من الثمن.
2ً
- استحقاق المبيع كله: إن أثبت المستحق
ملكية المبيع كله بالبينة، فقضي له به، لا ينفسخ البيع، بل
(6/4396)
يصبح متوقفاً على إجازة المستحق: فإن أجاز
البيع بقي المبيع للمشتري، ويأخذ المستحق الثمن من البائع، ويصبح البائع
كوكيل عنه بالبيع؛ لأن الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة. وإن لم يجز
المستحق البيع، بل اختارأخذ المبيع، ينفسخ البيع السابق بالفسخ أي بالتراضي
عليه في ظاهر الرواية، ويكون البائع ملتزماً للمشتري برد الثمن.
لكن إن كان الاستحقاق لموقوف أثبت المتولي وقفيته، فإن البيع ينفسخ حتماً،
إذ ليس لأحد أن يجيز بيع الوقف.
شروط الرجوع بالثمن:
يشترط لرجوع المشتري على البائع بالثمن بعد استحقاق المبيع شروط ثلاثة (1):
1 ً - أن يكون الاستحقاق ناقلاً لملك البائع: بأن يدعي المستحق ملكاً
مطلقاً أو من تاريخ أقدم من تاريخ الشراء، فإن ادعى المستحق الملك منذ شهر،
وكان شراء المشتري من سنة مثلاً، فلا رجوع له على بائعه؛ لأن الاستحقاق حدث
على ملك المشتري لا على ملك البائع.
2 ً - ألا يتصالح المشتري والمستحق على أن يدفع
المستحق إلى المشتري بعض الثمن ويأخذ المبيع؛ لأن المشتري عندئذ
يكون قد أبطل حق رجوعه على البائع بهذا الصلح
أما إن تم الصلح على ترك المبيع للمشتري مقابل شيء يدفعه المشتري للمستحق،
فلا يسقط حق الرجوع.
_________
(1) عقد البيع للأستاذ الزرقاء: ص 100 ومابعدها.
(6/4397)
3 ً - ألا يكون
البائع قد أبرأ المشتري عن الثمن قبل الاستحقاق: فلو كان قد أبرأه
عنه، فلا رجوع للمشتري عليه بشيء؛ لأنه لم يدفع شيئاً.
شرط سماع دعوى الاستحقاق قبل قبض المبيع:
لا تسمع دعوى الاستحقاق على المبيع قبل قبضه، حتى يحضر البائع والمشتري عند
القاضي للحكم عليهما؛ لأن الملك للمشتري، واليد للبائع، والمدعي يدعيهما،
فشرط حضورهما للقضاء عليهما.
أما إذا رفعت دعوى استحقاق المبيع بعد قبض المشتري، فيطلب حضور المشتري
فقط، ولا يشترط حضور البائع، لكن يحق للمشتري طلب إدخاله في المحاكمة بصفة
شخص ثالث، لما له من علاقة بحق الرجوع (1). وأما زوائد المبيع كالولد: فإن
أثبت المستحق حقه بالبينة أخذها؛ لأن البينة حجة مطلقة في حق جميع الناس،
ولكن بشرط القضاء بها، وإن كان الإثبات بمجرد إقرار المشتري له بها أو
بالنكول لأنه في حكم الإقرار، فلا يستحق أخذها؛ لأن الإقرار حجة على المقر
فقط (2).
3ً
- استحقاق احتباس المبيع: إذا ظهر أن
المبيع مستحق الاحتباس لغير البائع بسبب كونه مرهوناً (إشارة رهن) أو
مأجوراً، وثبت الاستحقاق بالبينة، ففيه تفصيل:
أـ إن أجاز المرتهن أو المستأجر البيع، انفسخ الرهن والإجارة، ويصبح ثمن
المبيع رهناً مكان البيع، وللمرتهن حبس المبيع حتى يقبض الثمن، وللمستأجر
_________
(1) الدر المختار: 207/ 4.
(2) الدر المختار: 204/ 4 ومابعدها.
(6/4398)
حبس المبيع حتى تعاد إليه الأجرة عن المدة
الباقية من الإجارة لو كانت مدفوعة (1).
ب ـ وإن لم يجز المرتهن أو المستأجر البيع، ليس له فسخه، بل يبقى المبيع في
يده، ويخير المشتري بين أن ينتظر فكاك الرهن وانتهاء مدة الإجارة، أو يفسخ
البيع، ويسترد الثمن المدفوع.
رأي المالكية (2):
إذا استحق إنسان شيئاً من يد آخر وأثبت حقه بما تثبت به الأشياء في الشرع،
فلا يخلو من أن يستحق من الشيء أقله، أو كله أو جله.
فإن كان المستحق أقل الشيء: فيرجع على المشتري بقيمة ما استحق من يده، وليس
له أن يرجع بالجميع.
وإ ن كان المستحق كل الشيء أو جله: فإن كان لم يتغير أخذه المستحق، ورجع
المشتري على البائع بالثمن. وإن تغير تغيراً يوجب اختلاف قيمته، رجع بقيمته
يوم الشراء.
وإن تغير الشيء بزيادة: فإن كانت الزيادة من ذات الشيء، أخذها المستحق، مثل
أن تسمن الدابة أو يكبر نتاجها. وإن كانت الزيادة من قبل المشتري المستحق
منه، كأن يبني في الدار بناء، فتستحق من يده، فيخير المستحق بين أن يدفع
قيمة الزيادة ويأخذ ما استحقه، وبين أن يدفع إليه المشتري قيمة ما استحق،
أو يكونا شريكين: هذا بقدر قيمة ما استحق من يده، وهذا بقدر قيمة ما بنى أو
ما غرس، وهو قضاء عمر بن الخطاب.
_________
(1) انظر المادة 590 و 747 من المجلة.
(2) بداية المجتهد: 320/ 2 ومابعدها، الدسوقي: 470/ 3.
(6/4399)
وإن تغير الشيء بنقصان: فإن كان من غير سبب
المستحق من يده، فلا شيء على المستحق منه. وإن كان بسبب من المستحق منه كأن
يهدم الدار، ويبيع أنقاضها، ثم تستحق منه، فيرجع المستحق على المستحق منه
بثمن ما باع من الأنقاض.
رأي الشافعية (1):
إذا استحق بعض المبيع دون البعض الآخر ففيه خيار تفرق الصفقة، والأظهر من
القولين عندهم في تفريق الصفقة تجزئة البيع، وإعطاء كل جزء من المبيع حكمه،
فيصح البيع فيما يأخذه المشتري، ويبطل في المستحق، ويرجع المشتري على
البائع بحصة المستحق من الثمن.
وأما إذا استحق المبيع كله، فيرجع المشتري بالثمن كله على البائع، سواء علم
بالاستحقاق حال العقد، أم لم يعلم؛ لأنه أزيلت يده عن المبيع بسبب كان في
يد البائع، وينفسخ البيع.
ولو خرج المبيع مستحقا قبل القبض، فلم يقبضه المشتري، لم يكن للمستحق
مطالبة المشتري به، لعدم قبضه له حقيقة، وكذا لو باعه قبل نقله، فنقله
المشتري الثاني، فليس للمستحق مطالبة المشتري الأول، لعدم قبضه له حقيقة.
وإن وضع البائع المبيع بين يدي المشتري، فخرج مستحقاً، لم يضمنه المشتري،
أي لم يطالب ببدله؛ لأن الوضع بين يدي المشتري يكون قبضاً في البيع الصحيح
دون الفاسد، وكذا تخلية الدار ونحوها إنما تكون قبضاً في الصحيح دون
الفاسد.
_________
(1) المهذب: 269/ 1، 288، مغني المحتاج: 40/ 2 - 42، 65 - 66، أسنى
المطالب: 349/ 2 ومابعدها.
(6/4400)
ولو اعترف المشتري للبائع بالملك، ثم استحق
المبيع، فإنه يرجع على البائع بالثمن؛ لأنه اعتراف بظاهر اليد.
ولو استحق المبيع باعتراف المشتري أو بنكوله عن يمين نفي العلم باستحقاق
المبيع مع يمين المدعي المردودة، لم يرجع بالثمن على البائع، لتقصيره
باعترافه مع شرائه أو بنكوله، وهذا موافق للحنفية.
أما إن استحق المبيع ببينة، أو بتصديق البائع والمشتري للمدعي، رجع المشتري
على البائع بالثمن إن كان باقياً، وببدله إن كان تالفاً.
رأي الحنابلة (1):
إذا استحق المبيع رجع المشتري على البائع بالثمن وبما غرمه من أجل بناء أو
غرس في أرض؛ لأن البائع غرَّ المشتري ببيعه الأرض مثلاً وأوهمه أنها ملكه،
لكن لا يرجع بما أنفق على الحيوان ولا بخراج الأرض؛ لأن المشتري التزم ضمان
النفقة باعتبار أن عقد البيع يقتضي النفقة على المبيع ودفع خراجه. ولمستحق
الأرض قلع الغراس والبناء، بلا ضمان نقص لموضعه.
وعبارتهم: إذا بنى المشتري على الأرض ثم أخذها المستحق، وهدم البناء،
فالأنقاض للمشتري؛ لأنها أعيان ماله، ويرجع بقيمة التالف على البائع؛ لأنه
غره، وقيده الشيخ التقي في موضع بما إذا كان عالماً، وإلا فلا تغرير. وهذا
الرأي يصلح في الجملة أساساً للتعويض عن الخسارة.
_________
(1) كشاف القناع: 216/ 3، 47/ 4، 112 - 113، 357، ط مكة.
(6/4401)
ثانياً ـ الاستحقاق في عقد الرهن (استحقاق
المرهون): رأي الحنفية (1):
لو استحق بعض المرهون بعد الرهن، ينظر إلى الباقي:
أـ إن كان الباقي بعد الاستحقاق مما يجوز رهنه ابتداء، لا يفسد الرهن فيه.
ب ـ وإن كان مما لا يجوز رهنه ابتداء، فسد الرهن في الكل، كاستحقاق بعض
الرهن شائعاً؛ لأنه لما استحق بعضه تبين أن العقد لم يصح في القدر المستحق،
وأنه لم يقع إلا على الباقي، وبما أن الباقي شائع، فيفسد الرهن؛ لأن الشيوع
عندهم يمنع صحة الرهن.
رأي المالكية (2):
إذا استحق بعض الرهن المعين، فإن الباقي يكون رهناً عن جميع الدين.
وأما غير المعين: فيأتي الراهن للمرتهن ببدل البعض المستحق. وإذا استحق كل
المرهون: فإن كان قبل قبض الرهن، فيخير المرتهن بين إمضاء العقد بلا رهن،
وبين الفسخ. وإن استحق بعد القبض يبقى دينه بلا رهن، إلا أن يغره، فيخير
بين الفسخ وعدمه. ومن رهن عقاراً أو حيواناً فاستحق شخص حصته منه، وتركها
تحت يد المرتهن، فتلفت، فلا يضمنها المرتهن؛ لأنها باستحقاقها خرجت من
الرهينة، وصار المرتهن أميناً فلا يضمن إلا ما بقي.
_________
(1) البدائع: 141/ 6، 151.
(2) الخرشي: 288/ 5، 298 ومابعدها، الشرح الكبير: 238/ 3.
(6/4402)
رأي الشافعية
(1):
إن استحق المرهون المبيع، رجع المشتري على الراهن؛ لأن المبيع له، فكانت
العهدة عليه، ويستقر الضمان عليه، لو رجع المشتري على العدل الذي وضع عنده
الرهن، إذ يجوز الرجوع عليه لوضع يده عليه.
رأي الحنابلة (2):
إذا قبض المرتهن الرهن، فوجده مستحقاً، لزمه رده على مالكه، والرهن باطل من
أصله. وإن استحق الرهن المبيع، رجع المشتري على الراهن؛ لأن المبيع له،
فالعهدة عليه، كما لو باع بنفسه، وحينئذ لا رجوع له على العدل إن أعلمه
العدل أنه وكيل.
ثالثاً ـ الاستحقاق في القسمة (استحقاق المقسوم كله أو بعضه):
رأي الحنفية (3):
إذا استحق العين المقسومة بطلت القسمة في الظاهر، ولكن تبين أنها في
الحقيقة لم تصح. ولو استحق شيء منها، فإنها تبطل في القدر المستحق.
رأي المالكية (4):
أـ إن استحق جل ما بيد أحد المتقاسمين، فإن القسمة تنفسخ، وترجع الشركة كما
كانت قبل القسمة.
_________
(1) مغني المحتاج: 135/ 2.
(2) المغني: 397/ 5، كشاف القناع: 334/ 3.
(3) البدائع: 24/ 7.
(4) الشرح الكبير مع الدسوقي: 514/ 3.
(6/4403)
ب ـ وإن استحق نصف أو ثلث من نصيب أحد
المتقاسمين، خير المستحق بين التمسك بالباقي ولا يرجع بشيء، وبين رجوعه
شريكاً فيما بيد شريكه بنصف قدر ما استحق.
جـ ـ وإن كان المستحق ربع ما بيد أحد المتقاسمين، فلا خيار له، والقسمة
باقية لا تنقض، وليس له إلا الرجوع بنصف قيمة ما استحق من يده، ولا يرجع
شريكاً بنصف ما يقابله.
رأي الشافعية (1):
أـ إن استحق بعد القسمة بعض مشاع من المقسوم كثلث أو ربع بطلت القسمة في
البعض المستحق، وفي الباقي قولا تفريق الصفقة والأظهر منهما صحة القسمة
وثبوت الخيار، لعدم حصول مقصود القسمة: وهو التمييز، ولظهور انفراد بعض
الشركاء بالقسمة.
ب ـ وإن استحق من النصيبين قدر معين على السواء، بقيت القسمة في الباقي؛
لأن كلاً من الشريكين وصل إلى حقه.
جـ ـ وإن كان المستحق من النصيبين لم يستو مع الآخر، بأن اختص المستحق بأحد
النصيبين أو شملهما، لكنه في أحدهما أكثر من المستحق من نصيب الآخر، بطلت
القسمة في الجميع؛ لأن ما بقي لكل واحد ليس قدر حقه، بل يحتاج أحدهما إلى
الرجوع على الآخر، وتعود الإشاعة.
رأي الحنابلة (2):
أـ إذا تقاسم الشركاء، ثم استحق من حصة أحدهما شيء معين، بطلت القسمة،
لفوات التعديل، أي لم تعدل فيها السهام، فكانت باطلة.
_________
(1) مغني المحتاج: 425/ 4.
(2) كشاف القناع: 376/ 6، ط مكة.
(6/4404)
ب ـ وإن كان المستحق من الحصتين على
السواء، بأن اقتسما أرضاً، فاستحق من حصتهما معاً قطعة معينة على السواء في
الحصتين، لم تبطل القسمة فيما بقي من الأرض، كما قرر الشافعية؛ لأن القسمة
إفراز حق كل واحد منهما، وقد أفرز، كما لو كان المقسوم عينين، فاستحق
إحداهما.
جـ ـ وإن كان المستحق في نصيب أحدهما أكثر من نصيب الآخر، أو كان ضرره في
نصيب أحدهما أكثر من ضرره في نصيب الآخر، كسد طريقه، أو سد مجرى مائه، أو
سد محل طريقه ونحوه مما فيه ضرر، بطلت القسمة، لفوات التعديل، كالحالة
الأولى.
وكذلك تبطل القسمة إن كان المستحق مشاعاً في نصيبهما؛ لأن الشريك الثالث لم
يرض، ولم يحكم عليه بالقسمة.
وتبطل القسمة أيضاً إن كان المستحق مشاعاً في أحد النصيبين، لفوات التعديل.
رابعاً ـ الاستحقاق في الصلح (استحقاق محل الصلح أو عوض الصلح):
رأي الحنفية (1):
أـ إذا صالح على مال (عوض الصلح) ثم استحق من يد المدعي، لم يصح الصلح؛
لأنه تبين أن المصالح عليه (العوض) ليس مملوكاً للمصالح، وهذا شرط لصحة
الصلح.
ب ـ إذا كان الصلح عن إقرار، واستحق بعض المصالح عنه (محل الصلح)
_________
(1) البدائع: 48/ 6، 54، تكملة فتح القدير مع العناية: 29/ 7.
(6/4405)
رجع المدعى عليه بحصة المستحق من العوض؛
لأن هذا الصلح معاوضة مطلقة كالبيع. وإن استحق كل المصالح عنه، رجع بكل
المصالح عليه.
جـ ـ وإن وقع الصلح عن سكوت أو إنكار، فاستحق المتنازع فيه، رجع المدعي
بالخصومة على المستحق لقيامه مقام المدعى عليه، ورد العوض؛ لأن المدعى عليه
ما بذل العوض إلا لدفع الخصومة عن نفسه، فإذا ظهر الاستحقاق ظهر ألا خصومة
له، فيبقى في يده غير مشتمل على غرض المدعى عليه، فيسترده، كالمكفول عنه
إذا دفع المال إلى الكفيل بغرض دفعه إلى رب الدين (الدائن) ثم أدى الدين
بنفسه قبل أداء الكفيل، فإنه يسترده، لعدم اشتماله على تحقيق غرضه.
رأي المالكية (1):
أ - استحقاق ما بيد المدعي: من ادعى على شخص بشيء كحصان، فأقر له به، ثم
صالحه عنه بشيء معلوم قيمي كثوب، أو مثلي كطن قمح، ثم استحق ذلك المصالح
به، فإن المدعي يرجع في عين شيئه الذي أقر به المدعى عليه إن لم يفت، فإن
فات ذلك الشيء المقر به، فإن المدعي يرجع في عوضه، أي يرجع بقيمته إن كان
قيمياً، أو بمثله إن كان مثلياً.
ب ـ استحقاق ما بيد المدعى عليه: من ادعى على شخص بحصان مثلاً، وأنه ملكه،
فأنكره، ثم صالحه بقيمي، أو مثلي، ودفعه له، ثم استحق الحصان فإن المدعى
عليه المنكر يرجع على المدعي بما دفعه له إن لم يفت، أما إن فات، رجع
بقيمته إن كان قيمياً، أو بمثله إن كان مثلياً.
وإن استحق ما بيد المدعى عليه في الصلح بإقرار، لا يرجع المقر على المدعي
بشيء، لاعترافه أنه ملكه، وأن المستحق أخذه منه ظلماً.
_________
(1) الشرح الكبير مع الدسوقي: 470/ 3، الشرح الصغير: 626/ 3.
(6/4406)
فمن اشترى سلعة وهو عالم بصحة ملك بائعها،
فاستحقت من المشتري، فلا رجوع له على البائع، لعلمه أن المستحق ظالم في
أخذها منه.
رأي الشافعية (1):
لو صالح شخص غيره على دار مثلاً على شيء معين، فاستحق الشيء، انفسخ العقد.
فإن تعذر الرد بتلف في يده ونحوه، رجع في جزء من الدار بقدر ما نقص من قيمة
الشيء، كما لو باع الدار.
رأي الحنابلة (2):
لو صالح المدعى عليه عن دار بعوض، فبان العوض مستحقاً، رجع المدعي في الدار
المصالح عنها؛ لأن الصلح عن إقرار ههنا بيع في الحقيقة، فإذا بان كون العوض
مستحقاً، كان البيع فاسداً، فرجع فيما كان له.
وذلك بخلاف الصلح عن القصاص، فإنه ليس بيعاً، فلو صالح عن القصاص بمتاع
نفيس، فخرج مستحقاً، رجع بقيمته.
وإن كان الصلح عن إنكار، وظهر العوض مستحقاً، رجع المدعي إلى دعواه قبل
الصلح، لتبين بطلانه.
خامساً ـ الاستحقاق في الإجارة (استحقاق الأجرة أو المأجور):
رأي الحنفية (3):
لو آجر شخص داراً له، ثم استحقت، وأجاز المستحق الإجارة: فإن كانت
_________
(1) أسنى المطالب: 218/ 2.
(2) المغني: 493/ 5.
(3) البدائع: 177/ 4.
(6/4407)
الإجازة قبل استيفاء المنفعة، جازت إجارته،
وكانت الأجرة للمالك؛ لأن المعقود عليه قائم. وإن أجاز العقد بعد استيفاء
المنفعة، لم تجز إجارته، وكانت الأجرة للعاقد؛ لأن المنافع عند الإجازة
كانت معدومة، فلا يبقى العقد بعدئذ.
وإن كانت الإجازة بعد مضي بعض المدة فيما لو آجرها غاصب، فالأجر كله للمالك
في قول أبي يوسف. وقال محمد: أجر ما مضى للغاصب، وأجر ما بقي للمالك:
رأي المالكية (1):
إذا أجر الأرض من هي في يده، وهو ذو شبهة، مدة سنين أو شهور مثلاً، وقد مضى
بعضها، ثم استحقت الأرض بعد الزرع، فيخير المستحق بين أن يفسخ العقد فيما
بقي من مدة الإجارة، وبين أن يجيز ما بقي منها، ولا شيء له فيما مضى من
الأجرة؛ لأن ذا الشبهة يفوز بالغلة.
رأي الشافعية (2):
الظاهر أن استحقاق المأجور مثل تلفه، والإجارة عندهم تنفسخ بانهدام الدار،
لفوات المنفعة المعقود عليها قبل قبضها أو استيفائها، كما ينفسخ البيع بتلف
المبيع قبل قبضه. وتنفسخ أيضاً باستحقاق مأجور معين، لفوات المعقود عليه.
رأي الحنابلة (3):
إذا وقعت الإجارة على عين، مثل أن يستأجر جملاً للحمل أو للركوب، فخرج
مستحقاً، تبينا أن العقد باطل، ولا يلزم المؤجر بالبدل.
_________
(1) الشرح الكبير مع الدسوقي: 463/ 3.
(2) مغني المحتاج: 355/ 2 - 357.
(3) المغني: 432/ 5.
(6/4408)
وإذا وقعت الإجارة على عين موصوفة في
الذمة، فخرجت مستحقة لم يبطل العقد، ولزمه بدلها؛ لأن المعقود عليه موصوف
غير متعين.
سادساً ـ الاستحقاق في المساقاة والمزارعة: رأي
الحنفية (1):
إذا استحق النخيل، يرجع العامل بأجر مثله، إذا كان فيه ثمر وإلا فلا أجر
له، فإذا لم تخرج النخيل شيئاً حتى استحقت، لا شيء للعامل؛ لأن في المزارعة
لو استحقت الأرض بعد العمل قبل الزراعة لا شيء للمزارع، فكذا هنا.
أما في المزروعة فيرجع العامل بقيمة الزرع، على التفصيل السابق.
رأي المالكية (2):
ينفسخ عقد المساقاة إذا استحق البستان المساقى عليه إن شاء المستحق، إذ له
الخيار بين إبقاء العامل وبين فسخ عقده، لأنه تبين أن العاقد له غير مالك.
وإذا فسخ كانت الغلة للمستحق، وعليه دفع أجر المثل للعامل بحساب ما عمل،
حتى لايتضرر.
رأي الشافعية (3):
لو خرج الثمر بعد العمل أو قبله مستحقاً لغير المساقي، كأن أوصى المالك
بثمر الشجر المساقى عليه، أو خرج الشجر مستحقاً، فللعامل على المساقي أجرة
_________
(1) الدر المختار ورد المحتار: 201/ 5.
(2) الدسوقي: 547/ 3 وما بعدها، الخرشي: 261/ 6، بداية المجتهد: 321/ 2.
(3) مغني المحتاج: 331/ 2.
(6/4409)
المثل لعمله؛ لأنه فوت منافعه بعوض فاسد،
فيرجع ببدلها، وذلك إذا عمل جاهلاً بالحال، فإن علم الحال فلا شيء له.
رأي الحنابلة (1):
إن ساقاه على شجر، فبان مستحقاً بعد العمل، أخذه المستحق وثمرته؛ لأنه عين
ماله، ولا حق للعامل في ثمرته؛ لأنه عمل فيها بغير إذن مالكها، ولا أجر له
عليه، وله أجر مثله على الغاصب؛ لأنه غرّه واستعمله، فلزمه الأجر.
سابعاً ـ الاستحقاق في عقد الزواج: 1 ً -
استحقاق الصداق: رأي الحنفية (2):
إذا استحق المهر المعين قبل التسليم كدار مثلاً، صحت التسمية، ووجب على
الزوج قيمة الدار، لتعذر تسليمها بالاستحقاق، ولم يجب مهر المثل.
ولو استحق نصف الدار، خيرت المرأة في النصف الباقي في يدها: إن شاءت ردته
بالعيب الفاحش: وهو التشقيص في الأملاك المجتمعة، ورجعت بقيمة الدار، وإن
شاءت أمسكته، ورجعت بقيمة نصفها.
ولو طلقها قبل الدخول، كان لها النصف الذي في يدها خاصة.
رأي المالكية (3):
إذا استحق الصداق من يد المرأة أو وجد به عيب، رجعت بقيمته لا بمهر
_________
(1) المغني: 381/ 5.
(2) البدائع: 278/ 2، فتح القدير: 455/ 2، 462.
(3) بداية المجتهد: 28/ 2، الخرشي: 296/ 3، 1/ 6.
(6/4410)
المثل، كما قال الحنفية؛ لأن طريق الزواج
المكارمة، فقد ترجع بأضعاف مهر المثل وبعشره.
وقيل في المذهب: ترجع بالمثل، وقيل: ترجع بالأقل من القيمة أو صداق المثل.
رأي الشافعية (1):
إن تزوجها بمغصوب أو بخمر، وجب مهر المثل في الأظهر، لصحة النكاح وفساد
التسمية، لعدم كون المغصوب ملكاً للزوج؛ لأنه مستحق لغير الزوج، وعدم كون
الخمر مالاً.
رأي الحنابلة (2):
إن تزوجها على شيء معين كدار، فظهر مغصوباً أي مستحقاً للغير، فلها قيمته؛
لأن العقد وقع على التسمية المذكورة، فكان لها قيمته، ولأنه رضيت بقيمته،
وذلك بخلاف ما لو قال: أصدقتك هذه الدار المغصوبة، فلها مهر المثل؛ لأنها
رضيت الزواج بلا شيء، لرضاها بما تعلم أنه لا يقدر على تمليكه إياها، فكان
وجود التسمية كعدمها.
وتخير الزوجة فيما إذا بان جزء من الصداق مستحقاً بين أخذ قيمة الشيء كله،
أو أخذ الجزء المستحق وقيمة المستحق؛ لأن الشركة عيب، فكان لها الفسخ
كغيرها من العيوب.
والخلاصة: إن الجمهور يوجبون في حالة استحقاق المهر المعين القيمة،
والشافعية يوجبون مهر المثل.
_________
(1) مغني المحتاج: 225/ 3.
(2) المغني: 689/ 6 - 690، غاية المنتهى: 60/ 3، 62.
(6/4411)
2ً
- استحقاق بدل الخلع: رأي الحنفية (1):
لو اختلعت المرأة على شيء معين، فاستحق، لزمها قيمته؛ لأنه تعذر تسليمه مع
بقاء السبب الموجب لتسليمه.
رأي المالكية (2):
إذا خالع الرجل زوجته على شيء قيمي معين كثوب، ثم استحق بملك، فترد له
قيمته يوم الخلع، أما إن خالعها على شيء مثلي غير معين كقمح، فترد له مثله،
وذلك إذا لم يعلم كلاهما بأنه ملك الغير، فإن علما معاً أو علم دونها فلا
شيء له، وإن جهلا معاً رجع بالقيمة في القيمي المعين، وبالمثل في الموصوف
في الذمة، وإن علمت دونه، فإن كان بدل الخلع معيناً فلا خلع، وإن كان
موصوفاً في الذمة، رجع بمثل المستحق.
والمغصوب والمسروق كالمستحق، فيرجع الزوج على امرأته بقيمته إن كان معيناً،
وبمثله إن كان موصوفاً.
رأي الشافعية (3):
لو خالعها على عين معينة كدار، فتلفت قبل القبض، أو خرجت مستحقة، فردها، أو
فاتت منها صفة مشروطة، فردها، رجع عليها بمهر المثل. والعوض في يدها كالمهر
في يده في أنه مضمون ضمان عقد، وقيل: ضمان يد.
_________
(1) فتح القدير: 209/ 3.
(2) الشرح الكبير والدسوقي: 349/ 2 ومابعدها.
(3) مغني المحتاج: 265/ 3.
(6/4412)
رأي الحنابلة (1):
إذا خالع الرجل امرأته على عوض معين، فاستحق وبان غير مملوك لها، فالخلع
صحيح؛ لأن الخلع معاوضة بالبضع، فلا يفسد بفساد العوض كالنكاح، ولكن يرجع
عليها بقيمته.
ثامناً ـ الاستحقاق في الوصية والوقف (استحقاق الموصى به والموقوف): رأي
الحنفية (2):
أما حكم استحقاق الموصى به فقالوا: من
أوصى بأن يباع بيته، ويتصدق بثمنه على المساكين، فباعه الوصي، وقبض الثمن،
فاستحق البيت، ضمن الوصي؛ لأنه هو العاقد، فتكون العهدة عليه، وهذه عهدة؛
لأن المشتري منه ما رضي ببذل الثمن إلا ليسلم له المبيع، ولم يسلم، فقد أخذ
البائع مال غيره بغير رضاه، فيجب عليه رده لصاحبه، ويرجع الوصي على تركة
الميت؛ لأنه عامل له، فيرجع عليه كالوكيل، ويرجع في جميع التركة، بسبب
التغرير من الميت، فكان الضمان ديناً على الميت، والدين يقضى من جميع
التركة. أما إذا كان البائع هو القاضي أو أمينه فلا ضمان عليه، منعاً من
تعطيل القضاء، بسبب الخوف من الغرامة، فتتعطل مصلحة الأمة.
فإن كانت التركة قد هلكت أو لم يكن بها وفاء، لم يرجع الوصي على التركة
بشيء، لا على الورثة ولا على المساكين إن كان قد تصدق عليهم؛ لأن البيع لم
يقع إلا للميت، فصار كما إذا كان على الميت دين آخر.
_________
(1) المغني: 73/ 7.
(2) فتح القدير بالنسبة للوقف: 46/ 5 ومابعدها، تكملة الفتح مع العناية
بالنسبة للوصية: 498/ 8 ومابعدها.
(6/4413)
وأما حكم
استحقاق الموقوف: فقالوا: لو وقف شيئاً بكامله ثم استحق جزء منه
شائعاً، بطل الوقف عند محمد رحمه الله؛ لأن بالاستحقاق ظهر أن الشيوع كان
مقارناً للوقف، كما في الهبة إذا وهب الكل، ثم استحق بعضه، بطلت لمقارنة
الشيوع للهبة.
وإذا بطل الوقف في غير المستحق رجع الموقوف إلى الواقف، لو كان حياً، وإلى
ورثته إن ظهر الاستحقاق بعد موته.
أما لو كان المستحق جزءاً معيناً، فلم يبطل الوقف في الباقي، لعدم الشيوع،
فلهذا جاز في الابتداء أن يقف الباقي فقط.
رأي الشافعية (1):
إن أوصى شخص لآخر بثلث بيت معين مثلاً، فاستحق ثلثاه، فللموصى له الثلث
الباقي؛ لأن المقصود نفع الموصى له. وقيل: له ثلث الباقي، وصححه الإسنوي.
هذا إن احتمله الثلث، وإلا فله ما يحتمله الثلث.
رأي الحنابلة (2):
من أوصى لآخر بثلث شيء معين كبيت، فاستحق ثلثاه، فللموصى له ثلث الباقي إن
خرج من ثلث التركة، وإلا فله ثلث الثلث إن لم تجز الورثة. وهذا متفق مع
تصحيح الإسنوي كما تقدم.
_________
(1) أسنى المطالب: 62/ 3.
(2) غاية المنتهى: 368/ 2.
(6/4414)
المبحث الثالث ـ حكم
استحقاق الأضحية والهدي:
ورأي الحنفية (1):
إن اشترى رجل شاة ليضحي بها، فضحى بها، ثم استحقها رجل آخر بالبينة، فإن
أخذها المستحق مذبوحة، لا تجزئ أضحية عن واحد منهما، وعلى كل واحد منهما أن
يضحي بشاة أخرى ما دام في أيام النحر، وإن مضت أيام النحر، فعلى الذابح أن
يتصدق بقيمة شاة وسط، ولا يلزمه التصدق بقيمة الشاة المشتراة؛ لأنه
بالاستحقاق تبين أن شراءه إياها للأضحية وعدم شرائه سواء. بخلاف ما إذا
اشترى شاة للأضحية، ثم باعها، فإنه يلزمه التصدق بقيمتها؛ لأن شراءه إياها
للأضحية قد صح، لوجود الملك، فيجب عليه التصدق بقيمتها.
وإن ترك المستحق الشاة للذابح، وضمنه قيمتها، جاز الذبح، كما إذا اغتصب شاة
إنسان كان قد اشتراها للأضحية، فضحاها عن نفسه بغير أمر صاحبها، تجزئ عن
الذابح إن ضمنه صاحبها قيمتها حية؛ لأنه ملكها بالضمان من وقت الغصب بأثر
رجعي (أي بالاستناد إلى الماضي) فصار ذابحاً شاة هي ملكه، فتجزيه، لكنه
يأثم؛ لأن ابتداء فعله وقع محظوراً فتلزمه التوبة والاستغفار. وهذا قول
أئمة الحنفية ماعدا زفر.
رأي المالكية (2):
من اشترى شاة ثم ذبحها، ثم استحقت، فأجاز المستحق البيع، أجزأت لفعله ذلك
في شيء ضمنه بالعوض الذي وجب للمستحق.
_________
(1) البدائع: 76/ 5 ومابعدها.
(2) الخرشي: 50/ 3.
(6/4415)
رأي الشافعية
(1):
إذا صارت الأضحية معينة بأن قال: هذه أضحية، أو نذر أضحية معينة، فقال:
(لله علي أن أضحي بهذه البقرة مثلاً) أو (علي أن أضحي بها) ولو لم يقل: لله
تعالى، لزمه ذبحها في وقت الأضحية، فإن أتلفت هذه الأضحية المعينة أو
المنذورة، لا إن تلفت، وجب عليه بدلها بأن يشتري بقيمتها مثلها ويذبحها في
الوقت المطلوب شرعاً، والظاهر لدي أن الاستحقاق مثل الإتلاف. وإن نذر أضحية
في ذمته، ثم عين المنذور كهذا البعير، فإن تلفت المعينة عن النذر بقي الأصل
في ذمته عليه في الأصح؛ لأن ما التزمه ثبت في الذمة، والمعين وإن زال ملكه
عنه، فهو مضمون عليه.
رأي الحنابلة (2):
إن اشترى أضحية أو هدياً وعينها، ثم بانت مستحقة بعد التعيين، لزمه بدلها،
ولو بانت مستحقة قبل التعيين، لم يلزمه بدلها، لعدم صحة التعيين.
_________
(1) مغني المحتاج: 289/ 4.
(2) كشاف القناع: 9/ 3.
(6/4416)
|