الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي

القسْمُ الرَّابع: المِلْكيّة وَتوابعُها
يتضمن هذا القسم بحث الملكية في بابين: الباب الأول ـ الملكية، وفيها تمهيد وستة فصول هي:
الفصل الأول ـ تعريف الملكية والملك.
الفصل الثاني ـ قابلية المال للتملك وعدمها.
الفصل الثالث ـ أنواع الملك.
الفصل الرابع ـ أنواع الملك الناقص.
الفصل الخامس ـ أسباب الملك التام.
الفصل السادس ـ طبيعة الملك أو هل الملكية الخاصة في تشريع الإسلام مطلقة أو مقيدة؟
وأما الباب الثاني: فهو توابع الملكية، وبحثها في اثني عشر فصلاً، أذكرها بعد التمهيد التالي:

(6/4539)


.......................... تمهيد ........................................
إن الملكية وخصائصها من أخطر ما يقوم عليه النظام الاقتصادي في الماضي والحاضر، وهي محور الخلاف بين النظامين العالميين المعاصرين: النظام الرأسمالي والنظام الاشتراكي، لذا كان بحث الملكية وتوابعها من القضايا المهمة التي تشغل بال العالم.
وسيجد الباحث أن هناك كثيراً من أوجه الالتقاء والشبه بين الأنظمة الحالية في أهدافها السامية وبين النظام الإسلامي في تنظيم الملكية، على نحو يحقق مصلحة الفرد والجماعة، أو مصلحة الشعب والدولة، وبذلك انحلت عقدة الصراع على قضية الملكية بما كفله الإسلام من صون مبدأ التملك، ولكن مع تقييده بقيود شديدة ومتعددة لتحقيق مصلحة الجماعة، وتطويقه بوازع الدين الحارس الأمين لكل مصلحة عامة، والدافع القوي للمساهمة في دعم الصالح العام.
كما سيجد الباحث مع ملاحظة اختلاف وجهات النظر الفقهية: أن الأموال العامة كالنفط والمعادن هي حق للجماعة ممثلة بالدولة، كما أن كثيراً من الأحكام الفقهية القديمة مأخوذ به فعلاً في التقنينات الوضعية الحديثة، سواء في ميدان العقود أم في حال الاعتداء على الأموال، وضمان المتلفات على أساس من العدالة والمساواة بين الضرر والتعويض، ورعاية حق الملكية، والدفاع عن المقدسات من نفس ومال وعرض. وهو كله دليل على سمو المبادئ الإسلامية وعدالتها في التطبيق. والله الموفق إلى سواء السبيل.

(6/4541)


هذا وقد سبق في النظريات الفقهية بحث الملكية: تعريفها، أسبابها، أنواعها، ولا بأس من إعادة بحثها هنا بنحو أشمل، مع بحث طبيعة الملكية أو هل الملكية الفردية في الإسلام مطلقة أو مقيدة؟ ثم أذكر ما يتعلق بها، وهو ما يأتي في الفصول الاثنتي عشرة الآتية، وهي موضوع الباب الثاني.
الفصل الأول ـ أحكام الأراضي.
الفصل الثاني ـ إحياء الموات.
الفصل الثالث ـ أحكام المعادن والحمى والإقطاع.
الفصل الرابع ـ حقوق الارتفاق.
الفصل الخامس ـ عقود استثمار الأرض ـ المزارعة، المساقاة، المغارسة.
الفصل السادس ـ اتفاق القسمة.
الفصل السابع ـ الغصب والإتلاف.
الفصل الثامن ـ دفع الصائل.
الفصل التاسع ـ اللقطة واللقيط.
الفصل العاشر ـ المفقود.
الفصل الحادي عشر ـ المسابقة والمناضلة.
الفصل الثاني عشر ـ الشفعة.
ملحق ـ معالم النظام الاقتصادي في الإسلام.

(6/4542)


البَابُ الأوَّل: الملكيّة وخَصَائِصها وفيه ستة فصول يأتي بحثها تباعاً وهي ما يأتي:

(6/4543)


الفَصْلُ الأوَّل: تعريف الملكيَّة والمُلْك الملكية أو الملك: علاقة بين الإنسان والمال أقرها الشرع (1) تجعله مختصاً به، ويتصرف فيه بكل التصرفات ما لم يوجد مانع من التصرف.
والملك كما يطلق على هذه العلاقة، يطلق أيضاً على الشيء المملوك، تقول: هذا الشيء ملكي أي مملوك لي. وهذا المعنى هو المقصود في تعريف المجلة (م125) للملك: بأنه ما ملكه الإنسان، سواء أكان أعياناً أم منافع. وبهذا المعنى يفهم قول الحنفية: إن المنافع والحقوق ملك وليست بمال.
وبناء عليه فالملك أعم من المال عندهم.
والملك في اللغة: هو حيازة الإنسان للمال والاستبداد به، أي الانفراد بالتصرف فيه. وقد عرف الفقهاء الملك بتعاريف متقاربة مضمونها واحد (2)، ولعل أفضلها هو ما يأتي:
الملك: اختصاص بالشيء يمنع الغير منه، ويمكن صاحبه من التصرف فيه ابتداء إلا لمانع شرعي.
_________
(1) حق الملكية وغيره لا يثبت إلا بإقرار الشرع واعترافه به، لأن الشرع هو مصدر الحقوق، وليس الحق في الشريعة حقاً طبيعياً، وإنما هو منحة إلهية منحها الخالق للأفراد وفقاً لمصلحة الجماعة.
(2) راجع فتح القدير: 74/ 5، الفروق للقرافي: 208/ 3 ومابعدها.

(6/4545)


فإذا حاز الشخص مالاً بطريق مشروع أصبح مختصاً به، واختصاصه به يمكنه من الانتفاع به والتصرف فيه إلا إذا وجد مانع شرعي يمنع من ذلك كالجنون أو العته أو السفه أو الصغر ونحوها. كما أن اختصاصه به يمنع الغير من الانتفاع به أو التصرف فيه إلا إذا وجد مسوغ شرعي يبيح له ذلك كولاية أو وصاية أو وكالة.
وتصرف الولي والوصي أو الوكيل لم يثبت له ابتداء، وإنما بطريق النيابة الشرعية عن غيره، فيكون القاصر أو المجنون ونحوهما هو المالك، إلا أنه ممنوع من التصرف بسبب نقص أهليته أو فقدانها، ويعود له الحق بالتصرف عند زوال المانع أو العارض.

(6/4546)