الفقه
الإسلامي وأدلته للزحيلي الفَصْلُ الرّابع: حقوق الارتفاق الكلام
فيها في مبحثين:
المبحث الأول ـ تعريف حق الارتفاق، والفرق بينه وبين حق الانتفاع، ووصفه
الفقهي، وأحكامه العامة.
المبحث الثاني ـ أنواع حقوق الارتفاق.
المبحث الأول ـ تعريف حق الارتفاق، والفرق بينه
وبين حق الانتفاع، ووصفه الفقهي أحكامه العامة:
أولاً ـ تعريف حق الارتفاق: الارتفاق في اللغة: الانتفاع بالشيء. وشرعاً هو
أحد أنواع الملك الناقص (1). وهو حق عيني (2) قصر على عقار، لمنفعة عقار
_________
(1) الملك كما هو معروف نوعان: ملك تام: وهو ملك الرقبة (ذات الشيء)
والمنفعة. وملك ناقص: وهو ملك المنفعة. وملك المنفعة: قد يكون حقاً شخصياً
للمنتفع أي يتبع شخصه، لا العين المملوكة، وقد يكون حقاً عينياً، أي تابعاً
للعين المملوكة دائماً، فينتقل من شخص إلى آخر.
(2) الحق في اصطلاح القانونيين نوعان: حق عيني وحق شخصي. فالأول: هو علاقة
مباشرة بين شخص وشيء معين بذاته، مثل حق الملكية وحق الارتفاق. وحق شخصي:
هو علاقة شرعية بين شخصين، أحدهما يكون مكلفاً بعمل، والآخر بالامتناع عن
عمل، كعلاقة الدائن والمدين، يكلف المدين بأداء الدين، وهذا عمل، وعلاقة
المودع بالوديع، فللأول حق على الوديع في ألا يستعمل الوديعة، وهذا امتناع
عن عمل.
(6/4656)
آخر مملوك لغير الأول، أيا كان شخص المالك،
كإجراء الماء من أرض الجار، أو تصريف الماء الملوث في مصرف معين، أو المرور
في أرض الغير، أو البناء فوق دار غيره (حق التعلي)، سواء أكانت الأرض
المرتفق بها مملوكة ملكاً عاماً أم خاصاً، وبقطع النظر عن شخصيةمالك العقار
المرتفق، والمرتفق به، ولذا وصف حق الارتفاق بأنه «حق عيني» فلو كان
العقاران لمالك واحد، لم يثبت حق الارتفاق.
ثانياً ـ الفرق بين حق الارتفاق وحق الانتفاع: كل من هذين الحقين من أنواع
الحقوق العينية لا الشخصية، لكن يظل بينهما فروق (1).
1 - إن حق الارتفاق مقرر لعقار. وأما حق الانتفاع فهو مقرر لشخص. فحق
المرور من أرض إلى أخرى حق مقرر للأرض الثانية، فينتفع به كل مالك لها، ولا
يقتصر الانتفاع به على شخص معين.
أما حق الانتفاع به فإنه خاص بشخص المنتفع، فإذا مات انتهى حقه، سواء أكان
ناشئاً بين الأحياء كالإجارة والإعارة، أم بين ميت وحي كالوصية والوقف.
2 - يكون حق الارتفاق مقرراً دائماً على عقار، ولذا تقل به قيمته عن الأرض
الخالية من مثل هذا الحق. أما حق الانتفاع فقد يتعلق بالعقار، كأرض أعيرت،
وقد يتعلق بالمنقول مثل كتاب أعير.
3 - حق الارتفاق دائم لا ينتهي بوقت، فيورث باتفاق المذاهب. أما حق
الانتفاع فهو مؤقت ينتهي بموت شخص المنتفع كالموصى له بمنفعة أرض.
_________
(1) راجع مختصر أحكام المعاملات الشرعية لأستاذنا الشيخ علي الخفيف: ص 15 -
16.
(6/4657)
ثالثاً ـ وصفه الفقهي: حق الارتفاق عند
الحنفية ليس مالاً، وإنما هو حق مالي يسوغ لمالكه الانتفاع به. ويترتب على
كونه ليس مالاً عند الحنفية (1): أنه لا يجوز بيعه مستقلاً عن الأرض، وإنما
يباع تبعاً لها، ولا يجوز هبته أو التصدق به؛ لأنه تمليك، والحقوق المجردة
لا تحتمل التمليك. ولا يجوز أيضاً الصلح عليه في دعوى تتعلق بالمال أو الحق
في القصاص في النفس وما دونها؛ لأن الصلح في معنى البيع أي المبادلة
المالية، والبيع لا يجوز.
ولا يصح جعله مهراً في عقد الزواج؛ لأنه يترتب عليه التمليك، وحق الارتفاق
لا يقبل التمليك، وإنما يجب في هذه الحالة مهر المثل.
كما لا يصح جعله بدل الخلع، بأن اختلعت المرأة نفسها عليه؛ لأن بذل العوض
تمليك، والارتفاق لا يحتمل التمليك. ويجب على المرأة حينئذ رد المأخوذ من
المهر.
ويترتب على كونه حقاً مالياً (2):
أنه يمكن أن يورث؛ لأن الإرث عند الحنفية يجري في الأموال وفي بعض الحقوق
كخيار العيب.
ويصح أن يوصى بالانتفاع به، كالإيصاء لرجل بأن يسقي أرضه مدة معلومة من حق
الشرب لفلان. والإيصاء كالإرث يصح في الأموال والحقوق، لكن إذا مات الموصى
له تبطل الوصية.
_________
(1) البدائع: 189/ 6 - 190، تبيين الحقائق: 43/ 6.
(2) المرجعان السابقان، الدر المختار: 316/ 5.
(6/4658)
ويصح بيع الأرض دون حق الارتفاق، ولا يدخل
حق الارتفاق كحق الشِرْب مثلاً في بيع الأرض إلا بالنص عليه صراحة، أو بذكر
ما يدل عليه، كأن يقول البائع: بعت الأرض بحقوقها أو بمرافقها، أو كل قليل
وكثير حولها.
رابعاً ـ أحكام حق الارتفاق العامة: لحقوق الارتفاق أحكام عامة وخاصة، أما
الخاصة فتذكر مع أنواع الارتفاقات وأما الأحكام العامة فمنها ما يأتي:
1 - يجب ألا يؤدي استعمالها إلى الإضرار بالغير عملاً بقاعدة: «لا ضرر ولا
ضرار»، فلا يجوز للمار بأرض غيره إلحاق الأذى بغيره. وليس لمن يسقي أرضه
بحق الشرب مثلاً أن يسرف في الماء بحيث يضر بمن تحته من المنتفعين بمجرى
الماء.
2 - إما أن تثبت حقوق الارتفاق على أملاك عامة أو خاصة. أما الأملاك
العامة: فمثل الأنهار الكبيرة كالنيل ودجلة والفرات، أو الطرق والمرافق
العامة كالقناطر والجسور التي لا تختص بأحد. وحق الارتفاق المقرر عليها
ثابت للناس جميعاً، بلا إذن من أحد عند غير أبي حنيفة (1).
وأما الأملاك الخاصة بفرد أو أفراد فلا يثبت حق الارتفاق عليها إلا بإذن
المالك.
3 - وإذا لم يعرف سبب حق الارتفاق، يترك لصاحبه حق الانتفاع به، ويفترض
كونه قديماً حادثاً بسبب مشروع عملاً بقاعدة «القديم يترك على قدمه»
_________
(1) عبارة الشافعية في ذلك: منفعة الشارع المرور، ويجوز الجلوس به لاستراحة
ومعاملة ونحوهما إذا لم يضيق على المارة، ولا يشترط إذن الإمام (المنهاج
للنووي مع مغني المحتاج: 369/ 4).
(6/4659)
بشرط ألا يكون ضاراً بالغير كالمسيل القذر
الذي يلوث ماء بئر الجيران، أو النافذة المنخفضة التي تطل على مقر نساء
الجار، فيجب إزالة منشأ الضرر، عملاً بقاعدة أخرى هي قيد في سابقتها وهي:
«الضرر لا يكون قديماً» (1).
المبحث الثاني ـ أنواع حقوق الارتفاق:
حقوق الارتفاق المهمة عند الحنفية تنحصر في ستة: هي حق الشِّرب، والطريق،
والمجرى، والمسيل، والتعلي، والجوار، ولا يجوز عند الحنفية إنشاء حقوق
ارتفاق أخرى؛ لأن في إنشائها تقييداً للملكية، والأصل فيها ألا تقبل
تقييداً، وما قيدت به هو استثناء، لا يتوسع فيه.
ورأي المالكية أنها غير محصورة فيما ذكر، فيجوز إنشاء حقوق ارتفاق أخرى
بالإرادة، كأن يلتزم شخص ألا يقيم في ناحية من أرضه بناء أو يغرس شجراً، أو
ألا يرتفع إلى ارتفاع معين (2).
المطلب الأول ـ حق الشرب:
معناه، أنواع المياه، وحكم ملكية كل نوع، الأحكام العامة للانتفاع بالمياه،
كري الأنهار.
أولاً ـ معنى حق الشرب: الشرب (بكسر الشين) في اللغة: النصيب من الماء، قال
صالح عليه السلام فيما قصه الله في القرآن: {هذه ناقة لها شِرْب ولكم
_________
(1) انظر المدخل الفقهي العام للأستاذ الزرقاء: ف 596 وما بعدها.
(2) الحق والالتزام للأستاذ الشيخ علي الخفيف: ص 64، الأموال ونظرية العقد،
يوسف موسى: ص171 وما بعدها.
(6/4660)
شِرْب يوم معلوم} [الشعراء:155/ 26]. ويطلق
أيضاً على زمن الشرب. ويستعمله الشرعيون في المعنيين. فالشرب في الشرع:
النصيب من الماء لسقي الزرع والأشجار. وهذا عند أكثر الفقهاء. وقد يستعمل
في نوبة الانتفاع بالماء أو زمن الانتفاع لسقي الشجر أو الزرع.
ويلحق به حق الشفة: وهو حق الشرب (بضم الشين): وهو ما يخص الإنسان والحيوان
من الماء لشربه. ويراد به تحقيق حاجة الإنسان إلى الماء لشربه وشرب دوابه.
ثانياً ـ أنواع المياه بالنسبة لحق الشرب والشفة: المياه تنقسم باعتبار
هذين الحقين إلى أنواع أربعة:
الماء المحرز في أوان خاصة، ماء العيون والآبار ونحوها، ماء الأنهار أو
الجداول الخاصة، ماء الأنهار العامة.
النوع الأول ـ الماء المحرز في أوان خاصة:
هو ما حازه صاحبه في آنية أو ظروف خاصة كالجرار والصهاريج والحياض
والأنابيب، ومنه مياه الشركات في المدن المتخصصة لتأمين ماء الدور. وهذا
الماء ملك خاص لمن أحرزه، بالاستيلاء عليه ككل مباح يمتلك بإحرازه. فليس
لأحد حق الانتفاع به إلا بإذن صاحبه، ولصاحبه بيعه أو التصرف به كما يشاء
(1)، فقد روي عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه «نهى عن بيع الماء إلا ما
حمل منه» (2). وخصص حديث المنع من بيع فضل الماء (3) بالقياس
_________
(1) البدائع: 188/ 6 وما بعدها، تبيين الحقائق. 39/ 6، تكملة الفتح: 144/ 8
وما بعدها، الدر المختار: 311/ 5 - 313، القوانين الفقهية: ص 339، المهذب:
427/ 1، المغني: 536/ 5 وما بعدها، كشاف القناع: 222/ 4، الخراج لأبي يوسف:
ص 95، 97.
(2) الأموال لابن سلام: ص 302.
(3) رواه أحمد وأصحاب السنن إلا ابن ماجه، وصححه الترمذي عن إياس بن عبد.
(6/4661)
على جواز بيع الحطب إذا أحرزه الحاطب،
لحديث الرجل الذي أمره النبي صلّى الله عليه وسلم بالاحتطاب ليستغني به عن
السؤال (1).
وبالرغم من كون هذا الماء مملوكاً لصاحبه، فيجوز للمضطر الذي خاف على نفسه
الهلاك من العطش: أن يشرب منه أو يأخذ منه حاجته، ولو بالقوة، ليدفع الهلاك
عن نفسه إذا كان فاضلاً عن حاجة صاحبه، بأن كان يكفي لحفظ رمقهما، ولم يجد
المضطر ماء آخر، ولكن يجب عليه دفع قيمة الماء؛ لأن «الاضطرار لا يبطل حق
الغير» أو أن حل الأخذ للاضطرار لا ينافي الضمان. والأولى أن يقاتله بغير
سلاح كالعصا؛ لأنه ارتكب معصية، فكان ذلك كالتعزير له.
النوع الثاني ـ ماء العيون والآبار والحياض:
وهو الذي يستخرجه الشخص لنفسه: وحكمه عند الحنفية (2): أنه ليس بمملوك
لصاحبه، بل هو مباح في نفسه ولصاحبه حق خاص فيه، سواء أكان في أرض مباحة،
أو مملوكة؛ لأن الماء في الأصل مباح لجميع الناس، لقوله صلّى الله عليه
وسلم: «الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار» (3).
وعليه، فإنه يثبت فيه حق الشفة، دون حق الشرب، فالأول لا يختص بشخص دون
آخر، فهو لمستحقه، ولغيره من الناس، يأخذون منه حاجتهم لشربهم وشرب دوابهم
واستعمالهم المنزلي.
_________
(1) متفق عليه من حديث أبي هريرة.
(2) المراجع السابقة.
(3) روي من حديث رجل عن أبي داود، ومن حديث ابن عباس بإسناد جيد عن ابن
ماجه، ومن حديث ابن عمر عند الطبراني في معجمه (نصب الراية: 294/ 4) ورواه
أحمد أيضاً. وجاء في حديث آخر «لا يُمنع فضل الماء» وهو أن يسقي الرجل
أرضه، ثم تبقى من الماء بقية لا يحتاج إليها، فلا يجوز له أن يبيعها ولا
يمنع منها أحد ينتفع بها، هذا إن لم يكن الماء مِلكَه، أو على قول من يرى
أن الماء لا يُملك.
(6/4662)
فإن أبى صاحبه، كان للمحتاج أخذه جبراً،
ولو بالقوة، وله أن يقاتله بسلاح؛ لأن الماء في البئر مباح غير مملوك، ولكن
يشترط ألا يجد المحتاج ماء آخر قريباً منه.
والدليل لحق المحتاج: أن قوماً سَفْراً وردوا ماء، فطلبوا من أهله السماح
لهم بالشرب منه، وبسقي دوابهم التي كادت أن تهلك من العطش، فأبوا، فذكروا
ذلك لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: «هلا وضعتم فيهم السلاح» (1).
ويلاحظ أن حكم هذين النوعين متشابه تقريباً إلا أن الأول ملك لصاحبه،
والثاني غير مملوك، وللمضطر الذي يخاف الضرر على نفسه أن يأخذ الماء الفائض
عن الحاجة، ولو بالقوة، لكن في النوع الأول بغير سلاح، وفي الثاني يجوز
استخدام السلاح. ويتجلى في هذا النوع صفة حق الارتفاق بنحو أوضح من غيره.
وقال الشافعية في الأصح عندهم (2): يملك الشخص ماء البئر المحفورة في الأرض
الموات للتملك، أو المحفورة في ملك خاص؛ لأنه نماء ملكه، كالثمرة واللبن
والشجر النابت في ملكه.
ولا يلزم المالك عند الشافعية بذل مافضل عن حاجته لزرع وشجر، ويجب بذل
الفاضل منه عن شربه وشرب ماشيته، وزرعه، لشرب غيره من الآدميين ولماشية
غيره، على الصحيح لحرمة الروح، ولخبر الصحيحين: «لا تمنعوا فضل الماء
لتمنعوا به الكلأ» أي من حيث إن الماشية إنما ترعى بقرب الماء، فإذا منع من
الماء فقد منع من الكلأ، والمراد: هو نفع البئر المباحة، أي ليس لأحد أن
يَغلِب عليه، ويمنع الناس منه، حتى يحوزه في إناء ويملكه.
_________
(1) الخراج لأبي يوسف: ص 97.
(2) مغني المحتاج: 375/ 2.
(6/4663)
النوع الثالث ـ ماء
الأنهار الخاصة:
وهو ماء الأنهار أو الجداول الصغيرة الخاصة المملوكة لبعض الناس، وحكمه
كالنوع الثاني (1): يثبت لكل أحد فيه حق الشفة، لا حق الشرب، فلكل إنسان
الحق في الانتفاع به لنفسه ودوابه وإن لحق به ضرر يسير؛ لأن «الضرر الأشد
يزال بالضرر الأخف» ولكن ليس له أن يسقي منه زرعه وشجره، إلا بإذن صاحبه،
فلصاحبه أن يمنع الغير من سقي الزرع والأشجار (حق الشرب) لأن له في مائه
حقاً خاصاً.
ولا يجوز لصاحبه عند الحنفية بيع حق الشرب منفرداً، بأن باع شرب يوم، أو
أكثر؛ لأنه عبارة عن حق الشرب والسقي، والحقوق لا تحتمل عندهم الإفراد
بالبيع والشراء. فلو باع الأرض مع الشرب، جاز تبعاً للأرض، ويجوز أن يجعل
الشيء تبعاً لغيره، وإن كان لا يجوز بيعه مستقلاً عن غيره. ولا يدخل الشرب
في بيع الأرض ـ كما ذكرت سابقاً ـ إلا بالتسمية صراحة، أو بذكر ما يدل
عليه، بأن يقول: بعتها بحقوقها أو بمرافقها. لكنهم أجازوا بيع الماء
المعلوم القدر المحرز أو المملوك، للشرب، لا للشفة (شرب الإنسان والحيوان).
كذلك أجاز المالكية والشافعية والحنابلة بيع الماء المملوك مستقلاً عن
الأرض، ولكن يستحب لصاحبه أن يبذله بغير ثمن. ولا يجبر على بذله، إلا أن
يكون قوم اشتد بهم العطش فخافوا الموت، فيجب عليه سقيهم (حق الشفة) فإن
منعهم، فلهم أن يقاتلوه على منعه.
_________
(1) البدائع: 189/ 6، الدر المختار ورد المحتار: 311/ 5 وما بعدها، تبيين
الحقائق: 39/ 6، الخراج لأبي يوسف: ص 95، تكملة الفتح: 145/ 8، القوانين
الفقهية: ص 339، المهذب: 427/ 1 وما بعدها، المغني: 79/ 4، 536/ 5، كشاف
القناع: 221/ 4، نهاية المحتاج: 257/ 4، مغني المحتاج: 375/ 2.
(6/4664)
وصرح الشافعية بأنه يشترط في بيع الماء
تقديره بكيل أو وزن، لا بريّ الماشية أو الزرع (1).
النوع الرابع ـ ماء الأنهار العامة:
وهو الذي يجري في مجار عامة غير مملوكة لأحد، وإنما هي للجماعة، مثل النيل
ودجلة والفرات ونحوها من الأنهار العظيمة.
وحكمه (2): أنه لا ملك لأحد في هذه الأنهار، لا في الماء ولا في المجرى، بل
هو حق للجماعة كلها، فلكل واحد حق الانتفاع بها، بالشفة (سقي نفسه ودوابه)
والشرب (سقي زروعه وأشجاره)، وشق الجداول منها، ونصب الآلات عليها لجر
الماء لأرضه، ونحوها من وسائل الانتفاع بالماء، وليس للحاكم منع أحد من
الانتفاع بكل الوجوه، إذا لم يضر الفعل بالنهر أو بالغير أو بالجماعة. كما
هو الحكم المقرر بالانتفاع في الطرق أو المرافق العامة.
فإذا أضر، فلكل واحد من المسلمين منعه أو الحد من تصرفه لإزالة الضرر؛ لأنه
حق لعامة المسلمين، وإباحة التصرف في حقهم مشروطة بانتفاء الضرر، كالانتفاع
بالمرافق العامة، إذ لا ضرر ولا ضرار. والدليل على كون هذه الأنهار غير
مملوكة لأحد، وإنما الحق فيها مشاع للجميع: هو قوله عليه الصلاة والسلام:
_________
(1) نهاية المحتاج: 257/ 4.
(2) البدائع: 192/ 6، تبيين الحقائق: 39/ 6، تكملة الفتح: 144/ 8، الدر
المختار: 211/ 5، القوانين الفقهية: ص 339، المهذب: 428/ 1، المغني: 531/
5، نهاية المحتاج: 205/ 4، مغني المحتاج: 373/ 2.
(6/4665)
«الناس شركاء في ثلاث: في الماء والكلأ
والنار» (1) وفي رواية «والملح» وشركة الناس فيها شركة إباحة، لا شركة ملك،
لعدم إحرازها، فهم سواء في الانتفاع بها ومنها الماء العام، فيثبت لهم حق
الشرب.
ثالثاً ـ الأحكام العامة لحق الشرب أو الانتفاع بالمياه: للانتفاع بالمياه
أحكام عامة أهمها ما يأتي (2):
1ً ـ المحافظة على حافة
البئر أو العين أو النهر (مجرى الماء مطلقاً): فإن لم يفعل كان لصاحب
المجرى منعه من الانتفاع، دفعاً للضرر عنه، عملاً بالحديث النبوي: «لا ضرر
ولا ضرار». ومن الضرر تسرب الماء إلى أرض الجار على وجه غير معتاد، وعليه
الضمان إذا كان متعدياً. قال الحنفية: ولا يضمن من ملأ أرضه ماء، فنزت أرض
جاره أو غرقت، أي في حال السقي المعتاد الذي تتحمله الأرض عادة، لأنه متسبب
غير متعد، فإن كان السقي غير معتاد، ضمن وعليه الفتوى (3).
2ً ـ يجب على المنتفع إمرار
الماء من طريق عام إن وجد، فإن لم يوجد، كان على صاحب الطريق الخاص الإذن
بإمرار الماء، أو إخراج حاجته من الماء، لقول
_________
(1) المراد بالماء: ما ليس بمحرز، فإذا أحرز فقد ملك، فخرج من أن يكون
مباحاً، كالصيد إذا أحرز، فلا يجوز لأحد أن ينتفع به حينئذ إلا بإذنه.
والمراد بالكلأ: الحشيش الذي ينبت بنفسه من غير أن ينبته أحد، ومن غير أن
يزرعه ويسقيه، فيملكه من قطعه وأحرزه، وإن كان في أرض غيره. والمراد
بالنار: الاستضاءة بضوئها، والاصطلاء بها، والإيقاد من لهبها، وليس لصاحبها
أن يمنع من ذلك إن كانت في الصحراء، بخلاف ما لو أراد غيره أن يأخذ الجمر،
لأنه ملكه، ويتضرر بذلك، فكان له منعه كسائر أملاكه، إلا إذا لم يكن له
قيمة (تبيين الحقائق: 39/ 6).
(2) انظر الأموال ونظرية العقد في الفقه الإسلامي للدكتور محمد يوسف موسى:
ص 175 وما بعدها.
(3) تكملة الفتح: 149/ 8، الدر المختار: 317/ 5.
(6/4666)
عمر رضي الله عنه لمحمد بن مَسْلَمة حينما
شكاه الضحاك بن خليفة الذي أراد إمرار ماء من أرض ابن مَسْلمة: «والله،
ليمرَّن به، ولو على بطنك» (1).
3ً ـ حق الشرب يورث، وتصح
الوصية بالانتفاع به، حتى عند الحنفية، الذين يرون عدم توارث الحقوق
والمنافع إلا ما استثني، ويجوز بيعه تبعاً للأرض، لامستقلاً منفرداً عنها
عند الحنفية، كما أوضحت سابقاً؛ لأنه مجهول الكمية، وبيع المجهول لا يصح
لما فيه من الضرر أو الظلم، ولأن الحقوق عند الحنفية ليست بمال متقوم في
ظاهر الرواية، فلا تقبل الإفراد بالبيع أو الهبة أو الإجارة أو التصدق بها
(2).
والأولى الأخذ برأي غير الحنفية القائلين بجواز التصرف في الحقوق والمنافع؛
لأنها أموال متقومة، في عرف الناس.
4ً ـ إذا كان الماء مملوكاً
لشخص واحد، كان له حق الانتفاع به كيفما شاء، فإن كان الماء لجماعة مشتركة
أو أناس كثيرين، وزع بينهم بالعدل، إما بالمناوبة الزمانية (المهايأة): بأن
يستقل واحد بالماء في زمن معين. وإما بالكوى، أي بفتحات جانبية للماء إلى
المزارع والجداول، بما يتناسب ومساحة أرض كل منتفع بهذا الماء. وهذا رأي
الشافعية أيضاً (3). ومقتضى العدل في التوزيع: أنه إذا كان نهر بين قوم،
واختصموا في الشرب، كان الشرب بينهم على قدر مساحة أراضيهم، كما بينت؛ لأن
المقصود هو الانتفاع بسقي الأراضي، فيقدر حقهم بقدرها، بخلاف الطريق؛
_________
(1) تنوير الحوالك شرح الموطأ: 218/ 2 وما بعدها.
(2) الدر المختار: 316/ 5 وما بعدها، تبيين الحقائق: 43/ 6، تكملة الفتح:
150/ 8، البدائع: 189/ 6.
(3) المهذب: 428/ 1، مغني المحتاج: 375/ 2.
(6/4667)
لأن المقصود منه هو المرور، وهو لا يختلف
قدره سعة وضيقاً، ولا عبرة لسعة الدار وضيقها؛ لأن المقصود الاستطراق.
كما أن مقتضى العدل أيضاً أن يتم تغيير التوزيع برضا الجميع، فليس لمشترك
بلا رضاهم أن يشق جدولاً من النهر، أو ينصب عليه رحى، أو آلة نزح، أو
جسراً، أو يوسع فم النهر، أو أن يقسم بالأيام بعد أن كانت القسمة بالفتحات
أو أن يسوق نصيبه إلى أرض أخرى ليس لها فيه شرب؛ لأن القديم يترك على قدمه
لظهور الحق فيه، ولأنه يمنع الضرر بالآخرين، وفي التوسعة وغيرها إضرار بهم
(1).
5ً ـ يصح رفع دعوى الشِرْب
بغير أرض استحساناً عند الحنفية (2)؛ لأن الشرب مرغوب فيه، منتفع به، ويمكن
أن يملك بغير أرض بالإرث، أو الوصية، ولأنه قد تباع الأرض دون الشرب فيبقى
الشرب وحده، فإذا استولى عليه غيره، كان له أن يدفع الظلم عن نفسه، بإثبات
حقه بالبينة.
6ً ـ ينتفع الناس بماء
الأمطار أو السيول أو النهر الصغير الذي يزدحم الناس فيه: بأن يبدأ
بالأعلى، فيسقي أرضه، حتى يصل إلى الكعب (النهاية)، ثم يرسله إلى من يليه،
فيسقي ويحبس الماء حتى يصل إلى كعبه، ثم يرسله إلى من يليه، فيفعل كذلك،
وهلم جرا إلى آخره (3)، لحديث عبادة: «أن النبي صلّى الله عليه وسلم قضى في
شرب النخل من السيل: أن الأعلى يشرب قبل الأسفل، ويترك الماء إلى الكعبين،
_________
(1) الدر المختار: 315/ 5 وما بعدها، تبيين الحقائق: 42/ 6، تكملة الفتح:
148/ 8 وما بعدها، نهاية المحتاج: 258/ 4، المهذب: 428/ 1، المغني: 533/ 5
- 536.
(2) الدر المختار: 314/ 5، تبيين الحقائق: 40/ 6، تكملة الفتح: 147/ 8.
(3) المهذب: 428/ 1،مغني المحتاج: 373/ 2، كشاف القناع: 219/ 4 وما بعدها،
المغني: 531/ 5.
(6/4668)
ثم يرسل الماء إلى الأسفل الذي يليه، وكذلك
حتى تنقضي الحوائط، أو يفنى الماء» (1).وروى عبد الله بن الزبير: «أن
الزبير ورجلاً من الأنصار تنازعا في شراج الحرة (2) التي يسقى بها النخل،
فقال الأنصاري للزبير: سرِّح الماء، فأبى الزبير، فاختصما إلى رسول الله
صلّى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم للزبير: اسق
أرضك، ثم أرسل الماء إلى أرض جارك. فقال الأنصاري: أن كان ابن عمتك يا رسول
الله، فتلوَّن وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقال: يا زبير، اسق
أرضك، إلى أن يبلغ الجدر» (3) أي الجدار قال الزبير: فوالله، إني لأحسب هذه
الآية نزلت فيه: {فلا، وربك لا يؤمنون حتى يحكِّموك فيما شجر بينهم}
[النساء:65/ 4].
وروى مالك في الموطأ أيضاً عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم
أنه بلغه: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال في سيل مهزور ومذينب:
«يمسك حتى الكعبين، ثم يرسل الأعلى على الأسفل» (4).
رابعاً ـ كري الأنهار التي يكون منها الشرب:
الكري: إخراج الطين من أرض النهر، وحفره، وإصلاح ضفتيه. ويلحق به
إصلاح الجسور ونحوها.
_________
(1) رواه ابن ماجه، وعبد الله بن أحمد. ورواه أبو داود بإسناد حسن.
(2) الحرة: أرض في المدينة ذات حجارة سود. والشراج جمع شرج، والشرج: نهر
صغير.
(3) متفق عليه في الصحيحين، ورواه مالك في موطئه عن عبد الله بن الزبير
(جامع الأصول: 565/ 10) والمراد بقوله: «احبس الماء حتى يبلغ الجذر»: أن
يصل مبلغ تمام الشرب، من جذر الحساب: أصل كل شيء. وقيل: أراد أصل الحائط.
ويلاحظ أن رواية الحديث بالدال: «يرجع إلى الجذر» أي الكعبين.
(4) تنوير الحوالك: 217/ 2.
(6/4669)
ومؤنة الكري
أي نفقته بحسب نوع النهر، والأنهار أنواع ثلاثة (1):
الأول: النهر العام غير المملوك لأحد،
كالفرات والنيل: نفقة كريه وإصلاحه من بيت مال المسلمين، من الخراج
والجزية، دون العشور والصدقات؛ لأنه للمصلحة العامة، فيختص بنفقته بيت
المال، عملاً بالحديث النبوي: «الخراج بالضمان» (2).
فإن لم يكن في بيت المال شيء، أجبر الحاكم الناس على إصلاح النهر، إن
امتنعوا عنه، دفعاً للضرر، وتحقيقاً للمصلحة العامة. قال عمر في مثله: «لو
تركتم، لبعتم أولادكم».
وتفرض مؤنة الإصلاح على الأغنياء الموسرين الذين لا يطيقون الإصلاح
بأنفسهم، كما هو الشأن في تجهيز الجيوش. ويكلف القادرون على العمل بأنفسهم،
وتكون نفقتهم على الأغنياء.
الثاني: النهر العام المملوك لأهله الداخل في
المقاسم، ويمكن قسمته، ويشترك به جماعة هم أصحاب النهر، فهو عام من وجه،
وخاص من وجه: نفقة إصلاحه على أهله؛ لأن الحق لهم والمنفعة تعود
إليهم على الخصوص، فعليهم إصلاحه لأن الغنم بالغرم. ومن أبى منهم يجبر على
الإنفاق، دفعاً للضرر العام الذي يلحق بقية الشركاء.
_________
(1) تكملة الفتح: 46/ 8 ومابعدها، الدر المختار: 313/ 5 ومابعدها، البدائع:
191/ 7 ومابعدها، تبيين الحقائق: 40/ 6 وما بعدها.
(2) رواه الخمسة (أحمد وأصحاب السنن) عن عائشة وضعفه البخاري (سبل السلام:
30/ 3).
(6/4670)
والمملوك: بأن دخل في المقاسم: عام وخاص
(1). والخاص هو النوع الثالث: هو ما يشترك فيه فئة محصورة. والعام: هو
المملوك لجماعة غير محصورة.
الثالث: النهر المملوك، لأّهله الخاص بفئة محدودة: نفقة إصلاحه على أهله
أيضاً؛ لأن نفعه عائد إليهم. لكن إن امتنع جميعهم عن الإصلاح، لم يجبرهم
الحاكم، كالممتنع عن عمارة أرضه وداره. فإن امتنع بعضهم دون الآخرين، فقيل:
يجبر الآبي؛ لأن النفع للكل، وقيل: لا يجبر؛ لأن في إجباره إضراراً به.
ويمكن دفع الضرر عن شركائه برجوعهم عليه بحصته من النفقة، إذا تم الإصلاح
بأمر القاضي.
واختلف في كيفية الكري على الشركاء، إذا
احتاج النهر في مسيله إلى إصلاح منطقة ليست في أعلاه: فقال أبو حنيفة: مؤنة
كري النهر المشترك على الشركاء من أعلاه، فإذا جازوا أرض رجل منهم دون حاجة
إلى الكري، برئ من مؤنة الكري؛ لأن المقصد من الكري الانتفاع بالسقي، وقد
حصل لصاحب الأعلى، فلا يلزمه نفع غيره.
وقال الصاحبان: الكري على الشركاء جميعهم، من أوله إلى آخره، بحصص الشرب
والأراضي؛ لأن لصاحب الأعلى حقاً في الأسفل، لاحتياجه إلى تسييل ما فضل من
الماء فيه. وهذا الرأي هو المعقول في تقديري.
_________
(1) المملوك الداخل في المقاسم: عام وخاص. والفاصل بينهما: أن ما تستحق به
الشفعة خاص وهو النوع الثالث، وما لا تستحق به الشفعة عام. واختلف في تحديد
الخاص: فقيل: هو ماكان لعشرة، أو عليه قرية واحدة. وقيل: لما دون أربعين أو
مئة أو ألف. والأصح: تفويضه لرأي المجتهد، فيختار أي قول شاء.
(6/4671)
واتفق أئمة الحنفية على أن الإصلاح إذا كان
من أعلى النهر، فمؤنة إصلاحه على الشركاء جميعاً، لتوقف انتفاعهم به على
إصلاحه.
المطلب الثاني ـ حق الشفة:
يلحق حق الشفة بحق الشرب، وتكاد تكون أحكامه
ما واحدة مع بعض الفوارق البسيطة:
معنى حق الشفة: هو حق الانتفاع بالماء
لشرب الإنسان والاستعمال المنزلي من طبخ وغسل ونحوهما، ولسقي البهائم
بالشفاه لدفع العطش ونحوه. أو هو حاجة الإنسان إلى الماء لشربه أو لشرب
دوابه ولانتفاعه المنزلي (1).
وأحكامه تختلف بحسب نوع الماء. والمياه أربعة أقسام (2):
الأول ـ ماء البحار: لكل واحد من الناس
فيها حق الشفة وسقي الأراضي، والانتفاع بها بأي وجه؛ لأنها غير مملوكة،
والانتفاع بماء البحر كالانتفاع بالشمس والقمر والهواء.
الثاني ـ ماء الأنهار العظيمة كالفرات
ودجلة والنيل، وسيحون وجيحون ونحوها: للناس فيه الشفة مطلقاً، وحق سقي
الأراضي؛ لأنها مباحة في الأصل لكل إنسان شرباً وسقياً، ما لم يضر
بالجماعة؛ لأن دفع الضرر عنهم واجب، ولأن الانتفاع بالمباح إنما يجوز إذا
لم يضر بأحد، كتخريب النهر أو كسر ضفته، فتغرق القرى والأراضي.
_________
(1) مختصر المعاملات الشرعية للشيخ علي الخفيف: ص 18.
(2) تكملة الفتح: 144/ 8 وما بعدها، تبيين الحقائق: 40/ 6، البدائع: 188/ 6
وما بعدها، الدر المختار: 311/ 5 وما بعدها.
(6/4672)
الثالث ـ ماء
الأنهار الصغيرة المملوكة الخاصة بقوم محصورين وهو المسمى عند الفقهاء «ماء
المقاسم»: حق الشفة ثابت فيه، للضرورة، ولأن الأصل
في الماء اشتراك الناس فيه، لقوله عليه الصلاة والسلام: «الناس شركاء في
ثلاث: الماء، والكلأ والنار» ولأن استصحاب الماء إلى كل مكان أمر متعذر،
والناس بحاجة إليه، فلو منعوا منه، وقعوا في حرج عظيم.
لكن إذا كان ماء النهر أو البئر المملوك لجماعة في أرض مملوكة: فلصاحب
الأرض أن يمنع من يريد الشفة من الدخول في ملكه، إذا كان يجد ماء بقربه
(1).
فإن لم يجد يقال له: إما أن تخرج الماء إليه، أو تتركه، بشرط ألا يضر النهر
أو البئر كأن يكسر ضفته أي جانبه؛ لأن للمضطر أو المحتاج حق الشفة في ماء
النهر أو البئر أو الحوض عند الحاجة.
فلو منعه صاحب الأرض، وهو أو دابته في حالة عطش، كان له أن يقاتله بالسلاح
ليأخذ قدر ما يدفع عن نفسه الهلاك، لقوله عمر السابق: «هلا وضعتم فيهم
السلاح؟» ولأنه قصد إتلافه بمنع الشفة عنه، وهو حقه؛ لأن ماء البئر أو
النهر ونحوهما مباح غير مملوك.
والأصح أن للناس الأخذ من هذا الماء ونقله للوضوء وغسل الثياب؛ لأن منعه من
الدناءة، قال عليه الصلاة والسلام: «إن الله تعالى يحب معالي الأمور، ويكره
سفسافها» (2).
والأصح أن لصاحب الماء منع من أراد الأخذ منه لسقي الشجر أو الخضر في داره،
بحمله بالجرار ونحوها إلا بإذنه.
_________
(1) حد القرب: ميل كما في التيمم، والميل أربعة آلاف ذراع، والذراع: 61/ 6
سم، فالميل: 1848 م.
(2) رواه الطبراني عن الحسين بن علي، هو حديث حسن.
(6/4673)
كذلك إذا كانت الشفة تأتي على الماء كله،
بأن كان جدولاً صغيراً، والمواشي الواردة عليه كثيرة، فقال أكثر الفقهاء
منهم الحنفية: للمالك حق المنع، لأنه يلحقه ضرر به، كسقي الأرض.
الرابع ـ الماء المحرز في الأواني:
مملوك لصاحبه بالإحراز، فلا يحق لغيره الانتفاع به إلا بإذن صاحبه، لا
شرباً ولا سقياً ولا غيره.
لكن للمضطر الذي يخاف على نفسه من الهلاك بسبب العطش، ولم يجد سوى هذا
الماء المحرز: أن يأخذ هذا الماء من صاحبه، ولو بالقوة، لكن بغير سلاح إذا
كان الماء فاضلاً عن حاجة صاحبه، كما تبين في حق الشرب.
المطلب الثالث ـ حق المجرى:
تعريفه، وأحكامه.
تعريف حق المجرى: هو حق صاحب الأرض
البعيدة عن مجرى الماء، في إجراء الماء إلى أرضه لسقيها. وقد يكون المجرى
نفسه مملوكاً لصاحب المجرى، أو لصاحب الأرض التي هو فيها وهو الكثير، أو
لهما معاً، أو مشتركاً بين كثيرين.
أحكامه: المبدأ العام في الشرع أنه ليس
لصاحب الأرض منع جاره من إمرار الماء في أرضه، عملاً بقول عمر المتقدم، لمن
منع جاره من إرسال الماء في أرضه: «والله ليمرن به، ولو على بطنك».
وليس لصاحب الأرض أيضاً أن ينقل المجرى من مكانه إلا برضا أصحاب الحق فيه،
ولهم الحق في ترميمه، ومنع تسرب الماء منه، وتعميقه، وتقوية جانبيه. كما أن
لصاحب الأرض مطالبتهم بإصلاحه، حتى لا يتسرب الماء منه، فيتلف مزروعاته.
(6/4674)
وإذا كان المجرى مشتركاً بين جماعة، فليس
لأحدهم سده إلا برضا الجميع على أن يسده كل واحد في نوبته. فإن منعوه من
سده، كان له رفع الماء إلى أرضه بآلة (1)، ودليل اشتراط رضا الجميع بسد
المجرى هو قاعدة: «يتحمل الضرر الخاص لدفع ضرر عام».
وحق المجرى إن كان قديماً في أرض الغير يترك على حاله (2)، عملاً بقاعدة:
«القديم يترك على قدمه» ولا يُزال، إلا إذا كان فيه ضرر على صاحب الأرض،
عملاً بقاعدة: «الضرر لا يكون قديماً».
وإن أريد إحداث مجرى جديد: فإن كان في طريق عام، أنشئ بإذن السلطة، لمنع
الضرر وتحقيق المصلحة العامة.
وإن كان في أرض مملوكة لغيره، أحدث بإذن المالك، ولكن ليس للمالك المنع من
إحداثه، ما لم يلحق به ضرر بسببه، عملاً بقول عمر السابق: «والله ليمرن به
ولو على بطنك» (3).
_________
(1) البدائع: 190/ 6 وما بعدها، الأموال ونظرية العقد: ص 176 وما بعدها،
مختصر المعاملات الشرعية: ص 20.
(2) الدر المختار ورد المحتار: 314/ 5، الخراج لأبي يوسف: ص 99.
(3) والقصة هي: روى مالك في موطئه (218/ 2) عن عمرو بن يحيى المازني عن
أبيه: أن الضحاك بن خليفة ساق خليجاً له من العريض، فأراد أن يمر به في أرض
محمد بن مسلمة، فأبى محمد: فقال له الضحاك: لم تمنعني، وهو لك منفعة، تشرب
به أولاً وآخراً، ولا يضرك؟ أبى محمد، فكلم فيه الضحاك عمر بن الخطاب، فدعا
عمر بن الخطاب محمد بن مسلمة، فأمره أن يخلي سبيله، فقال محمد: لا، فقال
عمر: لم تمنع أخاك ما ينفعه، وهو لك نافع، تسقي به أولاً وآخراً، وهو لا
يضرك؟ فقال محمد: لا، والله، فقال عمر: والله ليمرن به، ولو على بطنك.
فأمره عمر أن يمر به، ففعل الضحاك. وانظر الخراج ليحيى بن آدم: ص 110.
(6/4675)
المطلب الرابع ـ حق
المسيل:
تعريفه، وأحكامه.
حق المسيل: هو حق تصريف الماء الزائد عن
الحاجة، أو غير الصالح، إلى المصارف والمجاري العامة، بواسطة مجرى سطحي أو
أنبوب مستور، سواء من أرض أو دار أو مصنع.
والفرق بينه وبين حق المجرى: هو أن حق
المجرى لجلب الماء الصالح للأرض، وحق المسيل لتصريف الماء غير الصالح عن
الأرض أو الدار ونحوها.
والمسيل قد يكون مملوكاً للمنتفع به، أو لصاحب الأرض التي يمر فيها، وقد
يكون في مرفق عام.
وإذا تعينت أرض الجار لإحداث المسيل، لم يجز لمالكها المعارضة أو الممانعة
فيه، إلا إذا ترتب عليه ضرر بيّن. ويظل هذا الحق قائماً، وإن تغيرت صفة
الأرض المقرر لها، كأن كانت أرضاً زراعية، فصارت منزلاً أو مصنعاً مثلاً.
وإذا كان حق المسيل قديماً، بقي على حاله، ما لم يكن ضاراً بالمصلحة العامة
أو الخاصة، فيجب حينئذ إزالته؛ لأن «الضرر يزال»، ولا يحتج بتقادم الضرر؛
لأن «الضرر لا يكون قديماً».
وتجب نفقات إصلاح المسيل، على المنتفع به، إذا كان في ملكه، أو في ملك
غيره. فإن كان في أرض عامة، فنفقة الإصلاح على بيت المال (1).
المطلب الخامس ـ حق المرور:
تعريفه، وأحكامه.
_________
(1) أملية مختصر المعاملات الشرعية للخفيف: ص 20 وما بعدها.
(6/4676)
حق المرور: هو حق أن يصل الإنسان إلى ملكه،
داراً أو أرضاً، بطريق يمر فيه، سواء أكان من طريق عام، أم من طريق خاص
مملوك له أو لغيره، أو لهما معاً.
وحكمه يختلف بحسب نوع الطريق:
1 ً ـ فإن كان الطريق عاماً: فلكل إنسان حق الانتفاع به، لأنه من المباحات،
سواء بالمرور، أو بفتح نافذة أو طريق فرعي عليه، أو إنشاء شرفة ونحوها، وله
إيقاف الدواب أو السيارات أو إنشاء مركز للبيع والشراء. ولا يتقيد إلا
بشرطين (1):
الأول: السلامة، وعدم الإضرار بالآخرين، إذ لا ضرر ولا ضرار (2).
الثاني: الإذن فيه من الحاكم.
فإن أضر المار أو المنتفع بالآخرين، كأن أعاق المرور، منع. وإن لم يترتب
على فعله ضرر، جاز بشرط إذن الحاكم عند أبي حنيفة، ولا يشترط الإذن عند
الصاحبين، على ما سأبيّن في حق التعلي. كذلك لا يشترط إذن الإمام عند
الشافعية والحنابلة (3) كقوله عليه الصلاة والسلام: «من سبق إلى ما لم يسبق
إليه مسلم، فهو أحق به».
وقال المالكية (4): من بنى في طريق المسلمين أو أضاف شيئاً من الطريق إلى
ملكه، منع منه باتفاق.
_________
(1) الدر المختار ورد المحتار: 319/ 5 وما بعدها، تبيين الحقائق: 142/ 6
وما بعدها، جامع الفصولين: 197/ 2، تكملة الفتح: 330/ 8 وما بعدها، مغني
المحتاج: 182/ 2.
(2) أي لا يضر الرجل أخاه ابتداء ولا جزاء، بمعنى أنه لا يجوز إنشاء الضرر،
ولا مقابلته بمثله. والضرر في الجزاء: أن يتعدى المجازي عن قدر حقه في
القصاص وغيره.
(3) مغني المحتاج: 369/ 2، المغني: 544/ 5.
(4) القوانين الفقهية: ص 341.
(6/4677)
وقال الشافعية (1): الطريق النافذ أي
الشارع لا يتصرف فيه بما يضر المارّة في مرورهم فيه؛ لأن الحق فيه للمسلمين
كافة، فلا يشرع فيه جَناح أي روشن، ولا ساباط (أي سقيفة على حائطين والطريق
بينهما) يضر الناس كلٌ منهما.
2 ً ـ وأما إن كان الطريق خاصاً: فحق الانتفاع به مقصور على صاحبه أو أهله
أو المشتركين فيه، فليس لغيرهم أن يفتح عليه باباً أو نافذة إلا منهم، ولكل
الناس حق المرور فيه عند زحمة الطريق العام، وليس لأصحابه سده أو إزالته،
احتراماً لحق العامة فيه.
كذلك ليس لأحد من أصحاب الحق في الطريق الخاص الارتفاق به على غير الوجه
المعروف إلا بإذن الشركاء كلهم، حتى المشتري من أحدهم بعد الإذن، كإحداث
غرفة، أو بناء شرفة، أو ميزاب ونحوه (2).
المطلب السادس ـ حق التعلي:
تعريفه، وحكم تصرف المالك الأعلى أو الأسفل في ملكه.
حق التعلي: هو حق القرار الدائم أو
الاستناد لصاحب الطبقة العليا، على الطبقة السفلى، والانتفاع بسقوفها، مثل
الملكية المشتركة للطوابق الحديثة.
وهذا حق دائم ثابت لصاحب العلو، على حساب السفل، فيكون للعلو حق البقاء
والقرار على ذلك السفل، دون أن يتملك عند الحنفية سقفه، فلا يزول الحق
بهدمه، أو انهدام السفل، أو هما معاً، ويظل هذا الحق قائماً، يجري فيه
التوارث.
_________
(1) مغني المحتاج: 182/ 2.
(2) الدر المختار ورد المحتار: 320/ 5، تكملة الفتح، تبيين الحقائق، المكان
السابق، القوانين الفقهية: ص 341، مغني المحتاج: 184/ 2.
(6/4678)
وقال المالكية (1): السقف الذي بين
الطابقين لصاحب السفل، وعليه إصلاحه وبناؤه إن انهدم، ولصاحب العلو الجلوس
عليه، أي كما قال الحنفية.
وقال الشافعية (2): السقف مشترك بين صاحب العلو والسفل كالجدار بين ملكين،
لاشتراكهما في الانتفاع به، فإنه ساتر لصاحب السفل وأرض لصاحب العلو،
فلصاحب العلو الاستناد إليه، وليس لأحدهما دق وتد أو فتح كوة ونحوه مما
يضايق إلا بإذن الآخر. ولصاحب العلو الانتفاع بالسقف بحسب العادة، وإذا
انهدم المشترك بين اثنين ليس لأحدهما إجبار الآخر على العمارة؛ لأن الضرر
لا يزال بالضرر، والممتنع يتضرر بتكليف العمارة.
ولا يباع حق التعلي عند الحنفية استقلالاً، فبيعه غير صحيح، لأنه ليس بمال.
وقال غير الحنفية: يجوز بيعه استقلالاً؛ لأن الحقوق أموال عندهم. وهذا هو
المعقول والأصح فقهاً وعرفاً وعملاً.
واختلف أبو حنيفة مع صاحبيه في مدى حق التصرف لكل من صاحب العلو وصاحب
السفل (3):
فقال أبو حنيفة: الأصل في تصرفات المالك في ملكه، إذا تعلق به حق الغير:
الحظر؛ لأنه تصرف في محل تعلق به حق محترم للغير، فليس للجار التصرف في
ملكه من غير رضا صاحب الحق، وإن لم يضره هذا التصرف.
_________
(1) القوانين الفقهية: ص 341.
(2) مغني المحتاج: 193/ 2، روضة الطالبين للنووي: 219/ 4، 226.
(3) تبيين الحقائق: 194/ 4 - 196، فتح القدير: 502/ 5 وما بعدها، 506،
البدائع: 264/ 6 وما بعدها، الدر المختار ورد المحتار: 375/ 4 - 377.
(6/4679)
وبناء عليه: ليس لصاحب السفل أن يحدث في
بنائه أي تغير، كدق وتد، أو فتح نافذة، أو رفع جدار، إلا برضا صاحب العلو،
وإن لم يضر به. وليس لصاحب العلو زيادة بناء يوهن السفل.
وقال الصاحبان: الأصل في تصرف الجار الإباحة؛ لأنه تصرف في ملكه، والملك
يقتضي إطلاق التصرف، كما يشاء المالك، إلا إذا لحق بسببه ضرر بالغير، فيمنع
حينئذ المالك منه، وبناء عليه: لصاحب السفل أو الطابق الأدنى أن يصنع ما لا
يضر بالبناء الأعلى.
وهذا الرأي هو المعقول، والأصح في تقديري، وهو الاستحسان المفتى به عند
الحنفية (1).
المطلب السابع ـ حق الجوار:
تعريفه، ومدى صلاحية الجار أو حق الجار بالتصرف في ملكه.
حق الجوار: المراد به هو حق الجوار الجانبي: وهو الناشئ عن تلاصق الحدود
وتجاورها، ويكون لكل من الجارين الحق في الارتفاق بعقار جاره، على ألا يلحق
به ضرراً بيناً فاحشاً.
والامتناع عما يؤذي الجار واجب ديانة، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «لا يدخل
الجنة من لا يأمن جاره بوائقه» (2) أي غوائله وشروره، ومع ذلك للفقهاء آراء
قضائية في منع الضرر بالجار (3):
_________
(1) انظر الدر المختار: 375/ 4.
(2) رواه مسلم عن أبي هريرة.
(3) البدائع: 264/ 6 وما بعدها، فتح القدير: 506/ 5، المبسوط: 21/ 15،
الأم: 222/ 3 وما بعدها، ط الأميرية، المحلى: 241/ 8، م 1355، مختصر
المعاملات الشرعية: ص23.
(6/4680)
فقال أبو حنيفة بمقتضى القياس: والشافعية
والظاهرية: لصاحب الملك أن يفعل في ملكه ما يشاء، وهو مطلق التصرف في خالص
ملكه، وإن ألحق الضرر بغيره، فله فتح ما شاء من النوافذ، وهدم ما شاء من
الجدران، وحفر ما رأى من الآبار، وإنشاء ما يشاء من المصانع، واتخاذ ما
أراد من السكنى أو المتجر.
لكن في الجدار المشترك: قال الشافعية في الجديد (1): ليس لأحد الشريكين وضع
جذوعه عليه بغير إذن شريكه، وليس له أن يدق وتداً أو يفتح كوَّة أو نحوهما
مما يضايق فيه عادة إلا بإذن شريكه، ولا أن يستند إليه ويسند متاعاً لا
يضر، وله ولغيره مثل هذا الانتفاع في جدار الأجنبي؛ لأنه لا ضرر على
المالك، فلا يضايق فيه، بل له الانتفاع، ولو منعه المالك.
وقال الصاحبان بمقتضى الاستحسان الذي أخذت به المجلة: يتقيد استعمال مالك
العقار وتصرفه بما لا يؤدي إلى ضرر بيّن فاحش بجاره، ولقوله عليه الصلاة
والسلام: «لا ضرر ولا ضرار». وهذا هو المفتى به عند الحنفية.
والضرر البين الفاحش: ما يكون سبباً لهدم أو سقوط بناء الجار، أو ما يوهن
البناء، أو ما يؤذي الجار أذىً بالغاً على وجه دائم، أو ما يؤدي إلى سلخ حق
الانتفاع بالكلية: وهو ما يمنع من الحوائج الأصلية، كأن يحول داره إلى فرن
أو مصنع للحديد أو مطحنة للحبوب، أو حمام أو تنور أو يبني جداراً يمنع به
النور عن جاره.
فإن فعل شيئاً مما ذكر، منع منه، وأمر بإزالته، وكان ضامناً ما يترتب عليه
من تلف بدار جاره، سواء أكان بالمباشرة أم بالتسبب.
_________
(1) مغني المحتاج: 189/ 2.
(6/4681)
وقال المالكية والحنابلة (1): يتقيد
استعمال المالك بألا يضر بالآخرين، ولو بالنية والقصد، فإ لم تكن له مصلحة
ظاهرة في التصرف، أو لم يقصد سوى الإضرار بالآخرين، منع منه؛ لأن المسلم
ممنوع من قصد الإضرار.
لكن المشهور عند المالكية أن الشخص لا يمنع إذا أراد أن يعلي بنياناً يمنع
جاره الضوء والشمس، ويمنع إذا أراد أن يبني بنياناً يمنع الهواء. واتفق
المالكية على منع أنواع من الضرر المحدث، هي: فتح كوة أو طاقة يكشف منها
على جاره، فيؤمر بسدها أو سترها، وأن يبني شخص في داره فرناً أو حماماً أو
كير حداد، أو صائغ، مما يضر بجاره دخانه، فيمنع منه إلا إن احتال في إزالة
الدخان. وأن يصرف ماءه على دار جاره أو على سقفه، أو يجري في داره ماء،
فيضر بحيطان جاره. ومن طرق تجنب الضرر: كاتم الصوت وعازل الحرارة، وصفاية
الدخان.
والخلاصة: أن الاتجاه الأقوى في الفقه الإسلامي يجيز للمالك أن يتصرف في
ملكه بما لا ضرر فيه على الجار، أما ما بان ضرره الفاحش، أو أشكل فيه
الحال، فإنه ممنوع.
وإذا كان الشيء قديماً قبل الجوار، يظل قائماً، ما لم يكن فيه ضرر بالجار
الجديد.
_________
(1) الموافقات: 349/ 2، القوانين الفقهية: ص 341.
(6/4682)
|