الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي

الفَصْلُ الأوَّل: حَدّ الزِّنا تمهيد:
الزنا حرام وفاحشة عظيمة، وهو من الكبائر العظام، واتفق أهل الملل على تحريمه ولم يحل في ملة قط، ولهذا كان حده أشد الحدود؛ لأنه جناية على الأعراض والأنساب، قال الله تعالى: {ولا تقربوا الزنى، إنه كان فاحشة وساء سبيلاً} [الإسراء:32/ 17] وقال سبحانه: {والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر، ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا يزنون، ومن يفعل ذلك يلق أثاماً، يضاعف له العذاب يوم القيامة، ويخلد فيه مهاناً} [الفرقان:68/ 25 - 69].
والأصل في مشروعية حد الزنا للبكر قوله عز وجل: {الزانية والزاني، فاجلدوا كل واحدٍ منهما مائة جلدة} [النور:2/ 24]. وأما الرجم للمحصن فقد ثبت في السنة، فإن الرسول صلّى الله عليه وسلم رجم ماعزاً وامرأة من بني غامد، بأخبار بعضها متواتر، كما أثبتنا في تخريج أحاديث تحفة الفقهاء (1)، وأجمع الصحابة على مشروعية الرجم.
وحد الزنا من حقوق الله تعالى الخالصة له، أي من حقوق المجتمع، لما يترتب على الزنا من اعتداء على الأسرة والنسل ونظام المجتمع.
_________
(1) راجع تحفة الفقهاء: 188/ 3، 192 وسيأتي تخريج الحديث بإيجاز.

(7/5345)


واتفق أئمة المذاهب على أنه لا يجب الحد على الصبي والمجنون، لقوله صلّى الله عليه وسلم «رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يكبر، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يُفيق» (1).

وكما أن الزنا حرام، اللواط محرم أيضاً، بل هو أفحش من الزنا، لقوله عز وجل: {ولوطاً إذ قال لقومه: أتأتون الفاحشة، ما سبقكم بها من أحد من العالمين} [الأعراف:80/ 7] فسماه الحق تعالى فاحشة، وقال: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن} [الأنعام:151/ 6]. وقد عذب الله عز وجل قوم لوط بما لم يعذب به أحداً من الناس. وقال صلّى الله عليه وسلم: «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به» (2). وروى البيهقي عن أبي موسى: أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «إذا أتى الرجل ُالرجلَ فهما زانيان».
والسحاق: (وهو فعل النساء بعضهن ببعض) حرام أيضاً، ويعزر فاعل المساحقة ولو كان ذلك بين رجل وامرأة، أو بين رجلين. وروى البيهقي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «إذا أتى الرجل ُالرجل فهما
_________
(1) أخرجه البزار في مسنده بهذا اللفظ عن أبي هريرة. قال الهيثمي: وفيه عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن حفص وهو متروك اهـ. إلا أنه روي عن صحابة آخرين بألفاظ مختلفة: منها ـ ما رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة إلا الترمذي وصححه الحاكم، وأخرجه ابن حبان، ولفظه: «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق» وروي أيضاً عن علي بن أبي طالب وأبي قتادة وثوبان وشداد بن أوس.
(راجع نصب الراية: 161/ 4 وما بعدها، جامع الأصول: 271/ 4، 349، مجمع الزوائد: 251/ 6، سبل السلام: 180/ 3).
(2) أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد والحاكم والبيهقي عن ابن عباس، ورواه البزار في مسنده وابن ماجه والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة وإسناده أضعف من الأول (راجع نصب الراية: 339/ 3 وما بعدها، جامع الأصول: 305/ 4، 271، التلخيص الحبير: ص 351).

(7/5346)


زانيان، وإذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان» (1). وعن واثلة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «سحاق النساء بينهن زنا» (2).
وفي الجملة: إن العين بريد الزنا، قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «العينان تزنيان واليدان تزنيان، والرجلان تزنيان، ويصدق ذلك كله الفرج أو يكذبه» (3) مما يدل على أن غض البصر واجب شرعاً. قال تعالى: {قل للمؤمنين: يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم} [النور:30/ 24] {وقل للمؤمنات: يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن} [النور:31/ 24] فمن حرمت مباشرته في الفرج بحكم الزنا أو اللواط، حرمت مباشرته فيما دون الفرج بشهوة، لقوله تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ماملكت أيمانهم، فإنهم غير ملومين} [المؤمنون:5/ 23 - 6].
_________
(1) رواه البيهقي عن أبي موسى. قال ابن حجر: «وفيه محمد بن عبد الرحمن القشيري كذبه أبو حاتم، ورواه أبو الفتح الأزدي في الضعفاء والطبراني في الكبير من وجه آخر عن أبي موسى، وفيه بشر بن الفضل البجلي، وهو مجهول. وقد أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده عنه». (راجع التلخيص الحبير: ص 352).
(2) رواه أبو يعلى ورجاله ثقات، ورواه الطبراني أيضاً بلفظ «السحاق بين النساء زنا بينهن». (راجع مجمع الزوائد: 256/ 6).
(3) رواه مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا، مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليدان تزنيان، وزناهما البطش، والرجلان تزنيان وزناهما المشي، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه» وأخرجه البخاري ومسلم عن ابن عباس بلفظ آخر، ورواه أحمد وأبو يعلى، والبزار والطبراني وإسنادهما جيد عن ابن مسعود بلفظ: «العينان تزنيان والرجلان تزنيان واليدان تزنيان والفرج يزني». (راجع نصب الراية: 248/ 4، التلخيص الحبير: ص 324، مجمع الزوائد: 256/ 6) والمقصود من كتابة الزنا على ابن آدم: تقرير الواقع من الإنسان بحسب علم الله المحيط بكل الأحداث والتصرفات، لا بمعنى الفرض والإلزام، ولا بد من أن يقع تصرف الإنسان مطابقاً لما في علم الله؛ لأن علمه لا يتغير.

(7/5347)


ويحرم الاستمناء لقوله عز وجل: {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم، فإنهم غير ملومين} [المؤمنون:5/ 23 - 6]، ولأنها مباشرة تفضي إلى قطع النسل، فإن فعل عزر ولم يحد؛ لأنها مباشرة محرمة من غير إيلاج، فأشبهت مباشرة الأجنبية فيما دون الفرج. ويحرم إتيان الميتة والبهيمة للآية السابقة (1). وسنعرف حكم الحد فيه.
خطة الموضوع:
الكلام في حد الزنافي المباحث الخمسة الآتية:

المبحث الأول ـ سبب حد الزنا «الجريمة» وتعريف الزنا.
المبحث الثاني ـ شروط الحد.
المبحث الثالث ـ عقوبة الزنا «الحد».
المبحث الرابع ـ إثبات الزنا عند القاضي.
المبحث الخامس ـ إقامة الحد (كيفيته، حالة المحدود، مكان الإقامة).
ويلحق بها بيان حكم اللواط، ووطء البهيمة، ووطء الميتة.
المبحث الأول ـ سبب حد الزنا وتعريف الزنا:
إن سبب حد الزنا هو ارتكاب جريمة الزنا، ولكن الفقهاء وضعوا ضوابط دقيقة لتحقق هذه الجريمة؛ لأن الحدود عموماً مبنية على الدرء والإسقاط، صيانة
_________
(1) حاشية ابن عابدين: 171/ 3، المهذب: 268/ 2 ومابعدها، حاشية الدسوقي: 316/ 4، المغني: 187/ 8، غاية المنتهى: 334/ 3.

(7/5348)


للمجتمع من سماع وقوع هذه الفاحشة، فضلاً عن انتشارها والخوض في مساوئها، فإذا لم تتوافر هذه الضوابط سقط الحد. ويجب التعزير أو المهر إذا كان الوطء بشبهة؛ لأن كل وطء حرام لا يخلو عن عَقر (أي عقوبة أو حد زاجر) أو عُقر (1) (أي مهر جابر في حالة الشبهة).
تعريف الزنا (2):
الزنا في اللغة والشرع بمعنى واحد: وهو وطء الرجل المرأة في القُبُل في غير الملْك وشبهته (3).
وقد ذكر الحنفية تعريفاً مطولاً يبين ضوابط الزنا الموجب للحد، فقالوا: هو الوطء الحرام في قُبل المرأة الحية المشتهاة في حالة الاختيار في دار العدل، ممن التزم أحكام الإسلام، الخالي عن حقيقة الملك، وحقيقة النكاح، وعن شبهة الملك، وعن شبهة النكاح، وعن شبهة الاشتباه في موضع الاشتباه في الملك والنكاح جميعاً (4).

شرح التعريف وبيان محترزات قيوده:
الوطء: فعل معلوم وهو إيلاج فرج في فرج بقدر الحشَفة. فالوطء الذي
_________
(1) الكتاب مع اللباب: 22/ 3، 28.
(2) الزنا تكتب بالقصر في لغة أهل الحجاز، وبالمد في لغة أهل نجد.
(3) حاشية ابن عابدين: 154/ 3، فتح القدير: 138/ 4، تبيين الحقائق للزيلعي: 164/ 3، وقال في المهذب: 266/ 2: إذا وطئ رجل من أهل دار الإسلام امرأة محرمة عليه، من غير عقد ولا شبهة عقد، وغير ملك ولا شبهة ملك، وهو عاقل بالغ مختار، عالم بالتحريم، وجب عليه الحد. فإن كان محصناً وجب عليه الرجم.
(4) البدائع: 33/ 7، العناية شرح الهداية: 138/ 4.

(7/5349)


يجب به الحد أن يغيب الحشفة في الفرج، فلا يجب الحد بأدنى من ذلك كالمفاخذة والتقبيل.

الحرام: أي الوطء الحاصل من الشخص المكلف (أي العاقل البالغ). أما وطء غير المكلف كالصبي والمجنون فلا يعتبر زنا موجباً للحد؛ لأن فعلهما لا يوصف بالحرمة، لكونهما غير مكلفين، بقوله عليه الصلاة والسلام: «رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يبلغ (1)، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يُفيق» السابق ذكره.
في قبل: أخرج بذلك الوطء في الدبر في الأنثى أو الذكر، فإنه لايسمى زنا عند الإمام أبي حنيفة، بخلاف الصاحبين والشافعية والحنابلة والمالكية.
المرأة: أخرج وطء البهيمة؛ لأنه أمر نادر ينفر منه الطبع السليم كما تقدم.
الحية: أخرج وطء الميتة؛ لأنه أمر نادر، كما ذكر.

المشتهاة: لا يحد واطئ غير المشتهاة كالصغيرة التي لم تبلغ حداً يشتهى؛ لأن الطبع السليم لا يقبل هذا.
حالة الاختيار: يجب أن يكون الواطئ مختاراً، سواء أكان رجلاً أم امرأة موطوءة، فلا يحد المكرَه على الزنا. وقد اتفق العلماء على أنه لا حد على المرأة المكرهة على التمكين من الزنا، لقوله عليه الصلاة والسلام: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ومااستكرهوا عليه» (2).
_________
(1) هذا اللفظ أخرجه أبو داود عن علي بن أبي طالب. وهناك روايات أخرى مثل «حتى يحتلم» أو «حتى يكبر» وقد تقدم تخريج الحديث (انظر نصب الراية: 163/ 4).
(2) أخرجه الطبراني عن ثوبان، وله لفظ آخر: «إن االله تجاوز عن أمتي ثلاثة: الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه» قال النووي: حديث حسن، وصححه السيوطي، وهو غير صحيح، فقد تعقبه الهيثمي بأن فيه يزيد بن ربيعة الرحبي وهو ضعيف، ورواه ابن ماجه وابن حبان والدارقطني والطبراني والبيهقي والحاكم في المستدرك من حديث الأوزاعي، واختلف عليه، فقيل: عن ابن عباس بلفظ: «إن الله وضع» وللحاكم والدارقطني والطبراني بلفظ: «تجاوز». (راجع التلخيص الحبير: ص 109، الجامع الصغير: 24/ 2، فيض القدير: 34/ 4، مجمع الزوائد: 250/ 6).

(7/5350)


وأما الرجل المكرَه على الزنا، فلا حد ولاتعزير عليه أيضاً عند الشافعية، وهو المختار عند محققي المالكية، للحديث السابق ولقيام عذره بالإكراه.
وقال الحنابلة: يحد؛ إذ أنه ما دام قد حصل الانتشار منه، دل على انتفاء الإكراه.
وقال أبو حنيفة أولاً: إن أكرهه السلطان فلا حد عليه، وإن أكرهه غير السلطان حد استحساناً؛ لأن الإكراه لا يتحقق في رأيه إلا من السلطان.
وأما وقوع الزنا بإكراه غير السلطان، فإنه يدل على عدم تحقق معنى الإكراه، لوجود الطواعية والرضا من الفاعل، بدلالة الحال وحصول الانتشار والشهوة.
ثم استقر رأي أبي حنيفة على أنه لا يحد المستكره؛ لأن الانتشار قد يكون دليل الفحولية لا دليل الاختيار.
وقال الصاحبان: لا يحد المكره في الحالتين وهو المعتمد في الفتوى. وقال زفر: يحد فيهما جميعاً (1).

في دار العدل: أي في دار الإسلام؛ إذ لا ولاية لولي الأمر على دار الحرب أو دار البغي.
_________
(1) راجع البدائع: 34/ 7، 180، حاشية ابن عابدين: 172/ 3، مغني المحتاج: 145/ 4، المهذب: 267/ 2، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير: 318/ 4، بداية المجتهد: 431/ 2، المغني لابن قدامة: 187/ 8، 205.

(7/5351)


ممن التزم أحكام الإسلام: أي المسلم أو الذمي وهو احتراز عن الحربي، فإنه لم يلتزم أحكام الإسلام.
الخالي عن حقيقة الملك: هذا القيد لإخراج وطء المملوكة بملك اليمين، مثل وطء الجارية المشتركة والمجوسية (1) والمرتدة والمكاتبة والمحرمة برضاع أو صهرية أو جمع (2)، حتى وإن كان الوطء حراماً وعلم بالحرمة (3). والصحيح عند الشافعية أن من ملك ذات رحم محرم، فوطئها، لا حد عليه؛ لأنه وطء في ملك، فلم يجب به الحد، كوطء أمته الحائض. وكذا من وطئ جارية مشتركة بينه وبين غيره، لا يجب عليه الحد.
الخالي عن حقيقة النكاح: هذا قيد آخر لإخراج وطء المرأة بملك النكاح، مثل وطء الزوجة الحائض أو النفساء، أو الصائمة، أو المُحرمة في الحج، أو التي ظاهر منها زوجها أو آلى منها، فلا يجب الحد وإن كان الوطء حراماً، لقيام ملك النكاح (4).
شبهة الملك: إذا قامت شبهة في ملك أو نكاح، فلا يجب الحد؛ لقوله عليه السلام: «ادرؤوا الحد بالشبهات» (5) وهذا الحديث وإن كان موقوفاً، فله حكم
_________
(1) من المعلوم أنه لا يجوز نكاح المجوسية (عابدة النار) ولا الوثنية، ولا وطؤها بملك يمين (حاشية ابن عابدين: 398/ 2).
(2) لا يعتق بالملك إلا عمودا النسب: وهم الآباء والأمهات وإن علوا، والأولاد وإن سفلوا.
(3) فتح القدير: 140/ 4، البدائع: 35/ 7.
(4) البدائع: 35/ 7، فتح القدير: 140/ 4.
(5) قال الزيلعي: غريب بهذا اللفظ ورواه البيهقي عن علي موقوفاً، وتمامه «ولا ينبغي للإمام أن يعطل الحدود» إلا أن فيه المختار بن نافع قال البخاري عنه: وهو منكر الحديث، قال: وأصح ما فيه حديث سفيان الثوري عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال: «ادرؤوا الحدود بالشبهات، ادفعوا القتل عن المسلمين ما استطعتم» أخرجه ابن عدي ومسدد في مسنده موقوفاً على ابن مسعود، وهو حسن، وأخرجه آخرون مرفوعاً ومرسلاً. وروي عن عقبة بن عامر ومعاذ أيضاً موقوفاً، وروي منقطعاً وموقوفاً على عمر. وفي مسند أبي حنيفة عن ابن عباس مرفوعاً بلفظ (ادرؤوا الحدود بالشبهات) ورواه ابن ماجه بإسناد ضعيف عن أبي هريرة بلفظ: (ادفعوا الحدود ما وجدتم لها مدفعاً) وأخرجه الترمذي والحاكم والبيهقي عن عائشة بلفظ: «ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم» ولكن في إسناده يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف كما قال الترمذي، ورواه الدارقطني ثم البيهقي في سننيهما مرفوعاً، وقال البيهقي: الموقوف أقرب إلى الصواب. والحديث الصحيح هو ما أخرجه ابن أبي شيبة والترمذي والحاكم والبيهقي عن عائشة بلفظ «ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن وجدتم للمسلم مخرجاً، فخلوا سبيله، فإن الإمام لأن يخطئ في العفو، خير من أن يخطئ في العقوبة». (راجع نصب الراية: 309/ 3، 333، التلخيص الحبير: ص 352، نيل الأوطار: 104/ 7، سبل السلام: 15/ 4، جامع الأصول: 343/ 4، مجمع الزوائد: 248/ 6، فيض القدير: 227/ 1، الجامع الصغير: 14/ 1).

(7/5352)


المرفوع، ولأن الحدود عقوبة كاملة فتستدعي جناية كاملة، ووجود الشبهة ينفي تكامل الجناية، مثل وطء الأب جارية ابنه، فإن فيه شبهة ملك أو حق، لقوله عليه الصلاة والسلام: «أنت ومالك لأبيك» (1)؛ ووطء جارية العبد المكاتب؛ لأن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم، فيملك السيد الرقبة، فيورث ملكها شبهة في ملك الكسب؛ ووطء جارية العبد المأذون، سواء أكان عليه دين أم لم يكن، فإذا لم يكن عليه دين، فتكون الجارية ملك السيد، وإن كان عليه دين، فتكون رقبة المأذون مملوكة للسيد، وملك الرقبة يقتضي ملك الكسب، لكن توجد شبهة بسبب كون المكاتب والمأذون يملكان التصرف في الجارية.
ومثل وطء الجارية من المغنم في دار الحرب أو بعد الإحراز في دار الإسلام، ولكن قبل القسمة لثبوت حق الاستيلاء.
_________
(1) روي من حديث جابر وعائشة وسمرة بن جندب، وعمر بن الخطاب وابن مسعود وابن عمر، فحديث جابر رواه ابن ماجه وإسناده صحيح. وحديث عائشة رواه ابن حبان في صحيحه، وحديث سمرة أخرجه البزار والطبراني، وحديث عمر أخرجه البزار، وحديث ابن مسعود أخرجه الطبراني، وحديث ابن عمر رواه أبو يعلى الموصلي. (راجع نصب الراية: 337/ 3 وما بعدها). إلا أن الملك هنا على سبيل الأدب والبر، لا على سبيل الحقيقة؛ لأن ملك الأب مستقل عن ملك الابن.

(7/5353)


فلا يجب الحد في هذه الحالات لوجود شبهة الملك وإن علم أن الوطء حرام (1).

شبهة النكاح: أي شبهة العقد بأن وطئ الرجل امرأة تزوجها بغير شهود أو بغير ولي، أو بنكاح مؤقت وهو نكاح المتعة، فلا يجب الحد وإن كان الواطئ يعتقد التحريم، لاختلاف العلماء في جواز عقد النكاح بغير شهود، أو بغير ولي، أو تأقيت العقد، والاختلاف يورث شبهة. وإذا تزوج إنسان من محارمه بسبب نسب أو رضاع أوصهارة موجبة لتحريم مؤبد، أو جمع بين أختين أو عقد على خمس أو تزوج معتدة الغير، وحصل وطء بموجب العقد، فلا حد عليه عند أبي حنيفة والثوري وإن علم بالحرمة، لكن عليه التعزير؛ لأنه وطء تمكنت الشبهة منه بسبب وجود صورة المبيح، وهو عقد النكاح، فلم يوجب الوطء حداً.
وقال جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة والصاحبين من الحنفية: يجب الحد في كل وطء حرام على التأبيد؛ لأن النكاح باطل بالإجماع، ولا عبرة بشبهته؛ لأنها شبهة فاسدة، وما ليس بحرام على التأبيد، كالمحرم بالصهرية مثل أخت الزوجة، أو المختلف في تحريمه، كالنكاح بغير شهود: لا يوجب الحد.
لكن قيد المالكية وجوب الحد بوطء ذات الرحم المحرم أو ذات الرضاع أو الزوجة الخامسة بأن كان الواطئ عالماً بالحرمة، فإن لم يعلم بالحرمة، فلا يحد.
وكذلك لا يحد عند الشافعية حال الجهل بالتحريم، أو بكون المرأة من المحارم.
ومنشأ الخلاف: أن الأصل عند أبي حنيفة أن النكاح إذا وجد من أهل له، في
_________
(1) البدائع: المرجع السابق، فتح القدير: 141/ 4.

(7/5354)


محل قابل لمقاصد النكاح، يمنع وجوب الحد، سواء أكان هذا النكاح حلالاً أم حراماً، وسواء أكان التحريم مختلفاً فيه أم مجمعاً عليه، وسواء ظن الحل فادعى الاشتباه أم علم بالحرمة.
والأصل عند الصاحبين والجمهور: أن النكاح إذا كان محرماً على التأبيد، أو كان تحريمه مجمعاً عليه، يجب الحد؛ لأن الوطء فيه صادف محلاً ليس فيه شبهة، وهو مقطوع بتحريمه. وإن لم يكن محرماً على التأبيد أو كان تحريمه مختلفاً فيه لا يجب الحد (1).
وقول الصاحبين هو الأظهر، وعليه الفتوى عند الحنفية، لكن قال صاحب الدر المختار: «لكن المرجح في جميع الشروح قول الإمام، فكان الفتوى عليه أولى» (2).
وذكر الشافعية أن من استأجر امرأة ليزني بها فزنى بها، أو تزوج ذات رحم محرم وهو يعتقد تحريمها، وجب عليه الحد؛ لأنه لا تأثير للعقد في إباحة وطئها، فكان وجوده كعدمه.

شبهة الاشتباه:
الشبهة: هي ما يشبه الثابت وليس بثابت، وهي إما شبهة في الفعل، وتسمى شبهة اشتباه، أي أنها شبهة في حق من اشتبه عليه، وليست بشبهة في حق من لم يشتبه عليه، حتى لو قال: علمت أنها تحرم علي، حد.
_________
(1) راجع البدائع: 35/ 7 وما بعدها، مغني المحتاج: 145/ 4، 146، المهذب: 268/ 2، الميزان للشعراني: 157/ 2، حاشية الدسوقي: 251/ 3، 314/ 4، المغني: 182/ 8، الفروق: 174/ 4، رحمة الأمة: 136/ 2.
(2) حاشية ابن عابدين: 168/ 3.

(7/5355)


أو شبهة في المحل، وتسمى شبهة حكمية وهي تتحقق بقيام دليل على نفي الحرمة، سواء ظن الحل أو علم الحرمة.
وشبهة في الفاعل، وسيأتي بيانها (1).

أما شبهة الفعل: فتثبت في ثمانية مواضع إذا ظن الواطئ الحل، أما لو قال: علمت أنها حرام علي، فيحد.
وهذه المواضع هي:
1 - المرأة المطلقة ثلاثاً ما دامت في العدة، فإذا وطئها زوجها لم يحد إذا ظن بقاء حلها، نظراً لبقاء النكاح في حق إلحاق النسب به: (وهو مايعبرون عنه بقيام أثر الفراش) وحرمة زواجها بآخر، ولوجوب النفقة والسكنى على الرجل.
2 - المطلقة طلاقاً بائناً على مال، أو المختلعة، ما دامت في العدة، للأسباب السابقة في المطلقة ثلاثاً (2).
_________
(1) راجع فتح القدير مع العناية: 140/ 4 وما بعدها، 147، البدائع: 36/ 7، حاشية ابن عابدين: 165/ 3 وما بعدها.
(2) وأما المواضع الستة الباقية فهي «جارية الأب وجارية الأم وجارية الزوجة؛ لأن الرجل يتبسط في مال أبويه وزوجته، وينتفع به من غير استئذان وحشمة عادة. وأم الولد إذا أعتقها مولاها ما دامت تعتد منه لقيام أثر الفراش، والعبد إذا وطئ جارية مولاه؛ لأن العبد يتبسط في مال مولاه عادة بالانتفاع. والجارية المرهونة إذا وطئها المرتهن في الرواية المذكورة في كتاب الحدود، وهي الرواية الصحيحة، لأن ملك المال في الجملة، أي حالة الهلاك سبب لملك المتعة.
وقال الحنابلة: (المغني: 749/ 6): إذا كان الصداق جارية، فوطئها الزوج عالماً بزوال ملكه وتحريم الوطء عليه، فعليه الحد؛ لأنه وطء في غير ملكه، وعليه المهر لسيدتها، سواء أكرهها أو طاوعته؛ لأن المهر لمولاتها، فلا يسقط ببذلها ومطاوعتها.
أما وطء المرتهن الجارية المرهونة بإذن الراهن وادعى أنه جهل تحريمه، ففيه وجهان عند الشافعية (المهذب: 268/ 2): أحدهما ـ أنه لا يقبل دعواه إلا إذا كان ممن يعذر بالجهل بالأحكام، والثاني ـ أنه يقبل قوله؛ لأن معرفة ذلك تحتاج إلى فقه.

(7/5356)


وأما شبهة المحل فتتحقق في ستة مواضع، سواء ظن الواطئ الحل، أو قال: علمت أنها علي حرام، وهذه المواضع هي:
1 - المرأة المطلقة طلاقاً بائناً بالكنايات، مثل: أنت بائن، أنت بتة، أنت بتلة، فلا يحد الواطئ، لاختلاف الصحابة في كون هذه المرأة رجعية أو بائنة (1).

وأما شبهة الفاعل: فتظهر فيما لو رأى إنسان ليلاً على فراشه امرأة، فظنها زوجته، فوطئها، أو نادى أعمى زوجته فأجابته امرأة أجنبية فوطئها، وهو يظنها زوجته، ثم بانت الموطوءة أنها أجنبية، فلا حد عليه عند المالكية والشافعية وزفر من الحنفية، لقيام عذره بالظن المجوز للإقدام على الوطء في الجملة. وذلك مثل المرأة التي زفت إلى رجل، وقالت النساء: إنها زوجتك مع أنها لم تكن امرأته، فوطئها، فلا حد عليه، وعليه المهر (2).
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف والحنابلة: يحد الشخص في الحالتين؛ لأن الظن لا يسوغ له الإقدام على الوطء، فكان الواجب عليه التربص حتى يعلم أنها
_________
(1) وبقية المواضع هي:
1 - جارية الابن وإن سفل، لقيام المقتضي للملك وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (أنت ومالك لأبيك)
2 - والجارية المبيعة إذا وطئها البائع قبل القبض أو التسليم؛ لأن ملك اليد قائم فيورث شبهة، وإن زال ملك الرقبة بالبيع.
3 - الجارية التي جعلت مهراً في عقد زواج، ثم وطئها الزوج قبل التسليم: لأن ملك اليد قائم فيورث شبهة، وإن زال ملك الرقبة بالنكاح.
4 - الجارية بين الشريكين، لقيام الملك في النصف.
5 - الجارية المرهونة في الرواية المذكورة في كتاب الرهن؛ لأنه انعقد له فيها سبب الملك، فلا يجب عليه الحد، اشتبه عليه أو لم يشتبه، قياساً على ما لو وطئ جارية اشتراها على أن البائع بالخيار (راجع العناية على الهداية في فتح القدير: 142/ 4).
(2) راجع فتح القدير: 146/ 4.

(7/5357)


زوجته، ولا شبهة هنا سوى وجود المرأة على فراش الرجل، وهو لا يصلح شبهة مسقطة للحد (1).
وقال محمد: إذا دعا الزوج الأعمى امرأته فقال: يافلانة، فأجابت امرأة بقولها: (أنا فلانة امرأتك) فوطئها، لا حد عليه؛ لأنه لا سبيل للأعمى إلى أن يعرف أنها امرأته إلا بذلك الطريق، فكان معذوراً.
أما إذا أجابته ولم تقل: (أنا فلانة) فيجب الحد؛ لأنه في وسعه أن يتثبت بأكثر من هذا الجواب، فلا يصير شبهة (2).
وقال الشافعية والمالكية (3): الشبهات دارئة للحدود، وهي ثلاثة:
1 - شبهة في الفاعل: وهو ظن حل الوطء إذا وطئ امرأة يظنها زوجته أو مملوكته.
2 - شبهة في الموطوءة: كوطء الشركاء الجارية المشتركة.
3 - شبهة في السبب المبيح للوطء، كالنكاح المختلف فيه، كنكاح المتعة والشغار (مبادلة فتاة بأخرى) والتحليل والنكاح بلا ولي ولا شهود، ونكاح الأخت في عدة أختها البائن، ونكاح الخامسة في عدة الرابعة البائن، ونكاح المجوسية. قال ابن قدامة الحنبلي: وهذا قول أكثر أهل العلم؛ لأن الاختلاف في إباحة الوطء فيه شبهة، والحدود تدرأ بالشبهات. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن الحدود تدرأ بالشبهات (4).
_________
(1) البدائع: 37/ 7، فتح القدير: 147/ 4، المغني: 184/ 8.
(2) المرجعان السابقان.
(3) قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام: 137/ 2، الفروق: 172/ 4.
(4) المغني: 184/ 8.

(7/5358)


ووافق الحنابلة على اعتبار الشبهة الثانية والثالثة دارئة الحد، أما شبهة الفاعل فلا تدرأ الحد (1).
أما الشبهة الأولى عند الشافعية والمالكية فدرأت الحد؛ لأن الفاعل غير آثم لاعتقاده الإباحة، والنسب لاحق به، والعدة واجبة على الموطوءة، والمهر واجب عليه.
أما الشبهة الثانية: فدرأت الحد؛ لأن ما فيها له من ملك يقتضي الإباحة، وما فيها من ملك غيره يقتضي التحريم، فلا تكون المفسدة فيه كمفسدة الزنا المحض، فيحصل الاشتباه بسبب عدم وجود مقتض للحد في حقه، وإن وجد موجب الحد بسبب ملك غيره.
وأما الشبهة الثالثة، فليس اختلاف العلماء هو الشبهة، وإنما الشبهة ناجمة عن التعارض بين أدلة التحريم والتحليل، فإن الحلال: ما قام دليل تحليله، والحرام: ما قام دليل تحريمه، وليس أحدهما أولى من الآخر، كما أن ملك أحد الشريكين يقتضي التحليل، وملك الآخر يقتضي التحريم.
وإنما غلب درء الحد مع تحقق الشبهة؛ لأن المصلحة العظمى في استيفاء الإنسان عبادة الله الديان، والحدود أسباب محظرة لا تثبت إلا عند كمال المفسدة وتمحضها.

الجهل بتحريم الزنا: يعذر الجاهل بالتحريم إن كان قريب العهد بالإسلام، أو نشأ في بادية بعيدة عن العلماء، أو كان مجنوناً فأفاق وزنى قبل أن يعلم الأحكام (2).
_________
(1) المغني: 181/ 8 - 184.
(2) المهذب: 268/ 2.

(7/5359)


المبحث الثاني ـ شروط حد الزنا:
لا حد على الزاني والزانية إلا بشروط، منها متفق عليه، ومنها مختلف فيه، وهي عشرة (1):
الأول ـ أن يكون الزاني بالغاً، فلا يحد الصبي غير البالغ بالاتفاق.
الثاني ـ أن يكون عاقلاً، فلا يحد المجنون بالاتفاق، فإن زنى عاقل بمجنونة أو مجنون بعاقلة، حد العاقل منهما.
الثالث ـ أن يكون مسلماً، في رأي المالكية، فلا يحد الكافر إن زنى بكافرة ولكنه يؤدب إن أظهره، وإن استكره مسلمة على الزنا قتل، وإن زنى بها طائعة نكَّل به وعزر. وقال الجمهور: يحد الكافر حد الزنا، لكنه لا يرجم المحصن عند الحنفية، وإنما يجلد. ولا حد للزنا وشرب الخمر عند الشافعية والحنابلة على المستأمن؛ لأنه حق لله تعالى، ولم يلتزم بالعهد حقوق الله تعالى.
الرابع ـ أن يكون طائعاً مختاراً، واختلف الفقهاء في أنه هل يحد المكره على الزنا، فقال الجمهور (2): لا يحد، وقال الحنابلة: يحد، كما بان في التعريف. ولا تحد المرأة إذا استكرهت على الزنا أو اغتصبت.
الخامس ـ أن يزني بآدمية، فإن أتى بهيمة فلا حد عليه باتفاق المذاهب الأربعة في الأصح عند الشافعية، ولكنه يعزر، ولا تقتل البهيمة ولا بأس بأكلها عند الجمهور، وتقتل بشهادة رجلين على فعله بها، ويحرم أكلها ويضمنها عند الحنابلة.
_________
(1) القوانين الفقهية: ص 353 وما بعدها، اللباب شرح الكتاب: 190/ 3 - 193، المهذب: 263/ 2، 266، 269، غاية المنتهى: 319/ 3 وما بعدها.
(2) هذا هو المفتى به عند المالكية، وهو مذهب المحققين كابن العربي وابن رشد، خلافاً لرأي الأكثر والمشهور، لعذر المكره كالمرأة (حاشية الدسوقي: 318/ 4).

(7/5360)


السادس ـ أن تكون المزني بها ممن يوطأ مثلها، فإن كانت صغيرة لا يوطأ مثلها، فلا حد عليه ولا عليها عند الحنفية. ولا تحد المرأة إذا كان الواطئ غير بالغ. وقال الجمهور: يحد واطئ الصغيرة التي يمكن وطؤها، وإن كانت غير مكلفة لصدق حد الزنا عليه دونها كالنائمة والمجنونة (1).
السابع ـ ألا يفعل ذلك بشبهة (انتفاء الشبهة) فإن كان الوطء بشبهة، سقط الحد، مثل أن يظن بامرأة أنها زوجته أو مملوكته، فلا حد عند المالكية والشافعية، ويجب الحد عند أبي حنيفة وأبي يوسف والحنابلة، وهذه هي شبهة الفاعل. وكذلك لا يحد بالاتفاق من وطئ بعد وجود نكاح فاسد مختلف فيه، كالزواج دون ولي أو بغير شهود، وذلك بسبب شبهة العقد. فإن كان الزواج فاسداً بالاتفاق، كالجمع بين الأختين، ونكاح خامسة، ونكاح ذوات المحارم من النسب أو الرضاع، أو تزوج في العدة، أو ارتجاع من طلاق ثلاث دون أن تتزوج غيره، أو شبه ذلك، فيحد فيما ذكر كله، إلا أن يدعي الجهل بتحريم المذكور كله، ففيه قولان عند المالكية.
الثامن ـ أن يكون عالماً بتحريم الزنا، فإن ادعى الجهل به، وهو ممن يظن به الجهل، ففيه قولان عند المالكية لابن القاسم وأصبغ، والراجح أنه لا يحد الجاهل والغالط والناسي، كمن نسي طلاق امرأته.
التاسع ـ أن تكون المرأة غير حربية في دار الحرب أو دار البغي، وهذا عند الحنفية كما تقدم، أما المذاهب الأخرى، فيحد من وطئ حربية ببلاد الحرب أو دخلت عندنا بأمان.
_________
(1) الشرح الكبير: 314/ 4، حاشية قليوبي وعميرة: 179/ 4، كشاف القناع: 99/ 6.

(7/5361)


العاشر ـ أن تكون المرأة حية فلا يحد عند الجمهور واطئ الميتة ويحد في المشهور عند المالكية، كما سيأتي بيانه.
ويشترط أيضاً تحقيق معنى الزنا وهو تغييب حشفة أصلية في قبل امرأة كما تقدم، أما الوطء في الدبر أو اللواط، فلا يوجب الحد وإنما يوجب التعزير عند أبي حنيفة، ويوجب الحد كحد الزنا مكرراً أو محصناً عند سائر المذاهب ومنهم الصاحبان، لكن يرجم اللائط والملوط به مطلقاً بشرط التكليف عند المالكية (1). وأما من وطئ أجنبية غير محرم فيما دون الفرج، كتفخيذ وتبطين، فيعزر اتفاقاً؛ لأنه فعل منكر ليس فيه شيء مقدر شرعاً. ويشترط كذلك أن يكون الوطء في دار الإسلام، فلا حد على من وطئ في دار الحرب، كما تقدم.
ولا يقام حد الزنا إلا بعد ثبوت الزنى بإقرار أو ببينة أربعة شهود عدول، كما سيأتي بيانه.

المبحث الثالث ـ عقوبة الزنا:
الزاني إما محصن فيجب عليه حد الرجم، أو غير محصن، فيجب عليه حد الجلد.

1 - حد الزاني البكر غير المحصن:
حد الزاني البكر هو الجلد، لقوله تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} [النور:2/ 24]. وقال المالكية: لا يحد الكافر الذمي والحربي حد الزنا؛ لأن وطأه لا يسمى زنا شرعاً، فيكون الإسلام شرطاً عندهم لهذا الحد،
_________
(1) الشرح الصغير: 456/ 4، مغني المحتاج: 144/ 4، كشاف القناع: 94/ 6. كما تقدم.

(7/5362)


واختلف العلماء في النفي، فهل يجمع بين الجلد والتغريب على الزاني البكر (1).
قال الحنفية: لا يضم التغريب أي النفي إلى الجلد؛ لأن الله تعالى جعل الجلد جميع حد الزنا، فلو أوجبنا معه التغريب. كان الجلد بعض الحد، فيكون زيادة على النص، والزيادة عليه نسخ، ولا يجوز نسخ النص بخبر الواحد، ولأن التغريب تعريض للمغرّب على الزنا، لعدم استحيائه من معارفه وعشيرته.
فالنفي عندهم ليس بحد، وإنما هو موكول إلى رأي الإمام، إن رأى مصلحة في النفي فعل، كما أن له حبسه حتى يتوب.
وقال الشافعية والحنابلة: يجمع بين الجلد والنفي أو التغريب عاماً، لمسافة تقصر فيها الصلاة، لقوله عليه الصلاة والسلام: «خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً: البكر بالبكر جلد مئة، وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مئة والرجم» (2) إلا أن الشق الثاني من هذا الحديث غير معمول به عند هؤلاء وغيرهم، بل الواجب على المحصن الرجم فقط للأحاديث الآتية الواردة في الرجم، ولكن لا تغرب المرأة وحدها بل مع زوج أو محرم لخبر: «لا تسافر المرأة إلا ومعها زوج أو محرم» (3).
_________
(1) راجع المبسوط للسرخسي: 44/ 9، البدائع: 39/ 7، فتح القدير: 134/ 4، 136، مختصر الطحاوي ص 262، مغني المحتاج: 147/ 4، المهذب: 267/ 2، 271، حاشية الدسوقي: 313/ 4، 322، بداية المجتهد: 427/ 2، المنتقى على الموطأ: 137/ 7، القوانين الفقهية: ص354، الشرح الصغير: 447/ 4، المغني لابن قدامة: 166/ 8، كشاف القناع: 90/ 6.
(2) رواه أحمد والموطأ وأصحاب الكتب الستة إلا البخاري والنسائي عن عبادة بن الصامت (راجع جامع الأصول: 264/ 4، مجمع الزوائد: 264/ 6، نصب الراية: 330/ 3، نيل الأوطار: 87/ 7، سبل السلام: 45/ 4، التلخيص الحبير: ص 350).
(3) أخرجه البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً: «لا تسافر المرأة يومين إلا ومعها زوجها أو ذو محرم منها» وفي لفظ مسلم: «ثلاثاً» وفي لفظ «فوق ثلاث» وفي لفظ له «ثلاثة أيام فصاعداً» وأخرجه الدارقطني عن أبي أمامة الباهلي موفوعاً: «لا تسافر امرأة سفر ثلاثة أيام، أو تحج إلا ومعها زوجها» ورواه البخاري ومسلم بألفاظ أخرى عن ابن عمر وأبي هريرة (راجع نصب الراية: 11/ 3، سبل السلام: 183/ 2، الجامع الصغير: 200/ 2، التلخيص الحبير: ص 351).

(7/5363)


ويؤكده قصة العسيف التي رواها الجماعة عن أبي هريرة وزيد بن خالد، والتي قضى فيها النبي صلّى الله عليه وسلم على الولد الأجير بجلد مئة وتغريب عام، وعلى المرأة بالرجم.
وقال المالكية: يغرب الرجل سنة، أي يسجن في البلد التي غرب إليها، ولا تغرب المرأة خشية عليها من الوقوع في الزنا مرة أخرى بسبب التغريب.
قال الشوكاني (1): والحاصل أن أحاديث التغريب قد جاوزت حد الشهرة المعتبرة عند الحنفية فيما ورد من السنة زائداً عن القرآن، فليس لهم معذرة عنها بذلك، وقد عملوا بما هو دونها بمراحل.
وبهذا يظهر أنه لا يجمع بين الجلد والرجم بالاتفاق بين المذاهب الأربعة.
وقال الظاهرية: يجمع بين الجلد والرجم لظاهر حديث: «والثيب بالثيب جلد مئة، ورجم بالحجارة».

2 - حد الزاني المحصن:
اتفق العلماء ما عدا الخوارج على أن حد الزاني المحصن هو الرجم، بدليل ما ثبت في السنة المتواترة وإجماع الأمة، والمعقول (2).
_________
(1) نيل الأوطار: 89/ 7.
(2) المبسوط: 37/ 9، مغني المحتاج: 146/ 4، فتح القدير: 121/ 4، المنتقى على الموطأ: 132/ 7 وما بعدها، نيل الأوطار: 86/ 7، القوانين الفقهية: ص 354 وما بعدها.

(7/5364)


أما السنة فكثير من الأحاديث: منها قوله عليه الصلاة والسلام: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة» (1) ومنها قصة العسيف الذي زنى بامرأة، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام لرجل من أسلم: «واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها» (2).
وقصة ماعز التي وردت من جهات مختلفة، فقد اعترف بالزنا فأمر الرسول عليه السلام برجمه (3). وقصة الغامدية التي أقرت بالزنا فرجمها الرسول صلّى الله عليه وسلم بعد أن وضعت (4).
وأجمعت الأمة على مشروعية الرجم، ولأن المعقول يوجب مثل هذا العقاب؛ لأن زنا المحصن غاية في القبح، فيجازى بما هو غاية من العقوبات الدنيوية (5).
_________
(1) رواه البخاري ومسلم عن ابن مسعود، وروي بألفاظ أخرى عن عثمان وعائشة وأبي هريرة وجابر وعمار بن ياسر (راجع نصب الراية: 317/ 3، ومجمع الزوائد: 252/ 6، الأربعين النووي: ص38).
(2) أخرجه البخاري ومسلم والموطأ وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني (راجع نصب الراية: 314/ 3، جامع الأصول: 296/ 4، التلخيص الحبير: ص 522، سبل السلام: 2/ 4 وما بعدها). والعسيف: الأجير.
(3) روى الحديث مسلم وأبو داود عن بريدة. ورواه أحمد والشيخان والترمذي وأبو داود عن أبي هريرة. ورواه مسلم وأبو داود وأحمد والبيهقي عن جابر بن سمرة، وأخرجه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه عن ابن عباس، وأخرجه أحمد عن أبي بكر الصديق وبريدة، وأخرجه أيضاً أبو يعلى والبزار والطبراني عن أبي بكر. وفي الجملة: إن قصة ماعز قد رواها جماعة من الصحابة وهي متواترة (راجع جامع الأصول: 279/ 4 وما بعدها، نيل الأوطار: 95/ 7، 109، مجمع الزوائد: 266/ 6، نصب الراية: 314/ 3 وما بعدها، سبل السلام: 6/ 4، التلخيص الحبير: ص 350، النظم المتناثر من الحديث المتواتر: ص 18).
(4) رويت القصة في صحيح مسلم عن بريدة، كما رواها أحمد وأبو داود (راجع المراجع السابقة، نيل الأوطار: 109/ 7).
(5) العقوبات الشرعية وأسبابها لأستاذنا علي قراعة: ص 3.

(7/5365)


شرط الرجم ـ الإحصان: يشترط لإقامة حد الرجم توافر الإحصان، والإحصان لغة: المنع، وشرعاً جاء بمعنى الإسلام والبلوغ والعقل والحرية والعفة والتزويج، ووطء المكلف الحر في نكاح صحيح. والمراد هنا هو المعنى الأخير عند الشافعية (1).
وقال الحنفية: الإحصان نوعان: إحصان الرجم وإحصان القذف، أما إحصان الرجم: فهو عبارة في الشرع عن اجتماع صفات اعتبرها الشرع لوجوب الرجم، وهي سبعة: العقل والبلوغ، والحرية، والإسلام والنكاح الصحيح، والدخول في النكاح الصحيح على وجه يوجب الغسل، ولو من غير إنزال، وكون الزوجين جميعاً على هذه الصفات وقت الدخول (2). فإذا اختل شرط من هذه الشروط، وجب الجلد، لقوله تعالى: {فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} [النور:2/ 24].
وقد ترتب على اشتراط الشرط الأخير: أنه لو دخل الزوج البالغ العاقل الحر المسلم بزوجته وهي صبية أو مجنونة أو أمة، لا يصير محصناً ما لم يوجد دخول آخر بعد زوال هذه العوارض؛ لأن اجتماع هذه الصفات في الزوجين معاً يشعر بكمال حالهما، وهذا يشعر بكمال اقتضاء الشهوة من الجانبين.
وروي عن أبي يوسف: أنه لم يشترط هذا الشرط الأخير، فيصير المسلم محصناً إذا وطئ كافرة مثلاً. وهو رأي الشافعية (3)، فإنهم قالوا: لو كان أحد الشريكين في الوطء صغيراً، والآخر بالغاً، أو أحدهما مستيقظاً والآخر نائماً، أو
_________
(1) مغني المحتاج: 146/ 4.
(2) البدائع: 37/ 4، حاشية ابن عابدين: 163/ 3، فتح القدير: 130/ 4، المبسوط: 39/ 9.
(3) المهذب: 268/ 2.

(7/5366)


أحدهما عاقلاً والآخر مجنوناً، أو أحدهما عالماً بالتحريم والآخر جاهلاً، أو أحدهما مختاراً والآخر مستكرهاً، أو أحدهما مسلماً والآخر مستأمناً، وجب الحد على من هو من أهل الحد، ولم يجب على الآخر؛ لأن أحدهما انفرد بما يوجب الحد، وانفرد الآخر بما يسقط الحد، فوجب الحد على أحدهما، وسقط عن الآخر. وإن كان أحدهما محصناً، والآخر غير محصن، وجب على المحصن الرجم، وعلى غير المحصن الجلد والتغريب؛ لأن أحدهما انفرد بسبب الرجم، والآخر انفرد بسبب الجلد والتغريب.

اختلاف العلماء في اشتراط الإسلام للإحصان:
قال أبو حنيفة ومالك: الإسلام من شروط الإحصان، فلا يرجم الذمي إذا تحاكم إلينا، ولا تحصن الذمية مسلماً؛ لأن الرجم تطهير، والذمي ليس من أهل التطهير، بل لا يطهر إلا بحرقه في الآخرة بالنار، بدليل قوله عليه الصلاة والسلام: «من أشرك بالله فليس بمحصن» (1).
وقال صلّى الله عليه وسلم لكعب بن مالك حين أراد أن يتزوج يهودية: «دعها فإنها لا تحصنك» (2). قالوا: وأما رجمه اليهوديين (3) فكان بحكم التوراة قبل نزول آية
_________
(1) رواه إسحاق بن راهويه في مسنده عن ابن عمر، رفعه مرة فقال: عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ووقفه مرة. ومن طريق إسحاق بن راهويه رواه الدارقطني في سننه، ثم قال: «لم يرفعه غير إسحاق، ويقال: إنه رجع عن ذلك والصواب موقوف». (راجع نصب الراية: 327/ 3، التلخيص الحبير: ص 351).
(2) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، ومن طريقه في معجمه والدارقطني في سننه وابن عدي في الكامل من حديث أبي بكر بن أبي مريم عن علي بن أبي طلحة عن كعب بن مالك أنه أراد أن يتزوج يهودية، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلم: «لا تتزوجها فإنها لا تحصنك» قال الدارقطني: وأبو بكر بن أبي مريم ضعيف، وعلي بن أبي طلحة لم يدركا كعباً (راجع نصب الراية: 328/ 3).
(3) رواه أحمد وأصحاب الكتب الستة عن ابن عمر مختصراً، ومطولاً. ورواه أبو داود عن أبي هريرة وفيه رجل مجهول، ورواه الحاكم من حديث ابن عباس، ورواه البيهقي من حديث عبد الله بن الحارث الزبيدي، وإسناده ضعيف، ورواه ابن حبان في صحيحه عن ابن عمر (راجع نصب الراية: 326/ 3، التلخيص الحبير: ص 351، نيل الأوطار: 92/ 7).

(7/5367)


الرجم ثم نسخ (1).
وقال الشافعي وأحمد وأبو يوسف (2): ليس الإسلام من شروط إحصان الرجم، فيحد الذمي إذا ترافع إلينا، وإن تزوج المسلم ذمية فوطئها صارا محصنين؛ لما روى ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلّى الله عليه وسلم أتي بيهوديين زنيا، فأمر برجمهما، ولو كان الإسلام شرطاً لما رجم، ولعموم قوله صلّى الله عليه وسلم: «الثيب بالثيب رمياً بالحجارة» (3)، ولأن اشتراط الإسلام للزجر عن الزنا، والدين عموماً يصلح للزجر عن الزنا؛ لأن الزنا حرام في الأديان كلها.
والخلاصة: إن الفقهاء اتفقوا على خمسة شروط في الإحصان المشترط للرجم، وهي البلوغ والعقل والحرية، وتغييب الحشفة، وتقدم الوطء بنكاح صحيح: وهو أن يتقدم للزاني والزانية وطء مباح في الفرج بتزويج صحيح، فلا يحصن زنا متقدم، ولا وطء بملك اليمين، ولا وطء فيما دون الفرج، ولا وطء بنكاح فاسد أو شبهة، ولا وطء في صيام أو حيض أو اعتكاف أو إحرام، ولا وطء نكاح في الشرك، ولا بعد عقد نكاح دون وطء. واختلفوا في اشتراط الإسلام على رأيين، منها تحقق هذه الشروط في كلا الزوجين.

صفة حد الزنا: حد الزنا حق خالص الله تعالى، أي حق للمجتمع؛ لأنه وجب صيانة للأعراض عن التعرض لها، ومحافظة على المصالح العامة، وهي دفع الفساد الراجح إليهم، ويترتب عليه ما يلي:
_________
(1) انظر المبسوط: 39/ 9، 40، فتح القدير: 132/ 4، البدائع: 38/ 7، حاشية ابن عابدين: 163/ 3، الميزان: 154/ 2، بداية المجتهد: 426/ 2، حاشية الدسوقي: 320/ 4، القوانين الفقهية: ص 355.
(2) مغني المحتاج: 147/ 4، المهذب: 267/ 2، الميزان: 154/ 2، المغني: 163/ 8.
(3) أخرجه أبو داود من حديث عبادة بن الصامت «الثيب بالثيب جلد مئة ورمياً بالحجارة».

(7/5368)


1 - إنه حد لا يحتمل العفو والصلح والإبراء عنه، بعد ما ثبت بالحجة، لأنه كما تقدم حق خالص لله تعالى، لا حق للعبد فيه، فلا يملك أحد إسقاطه.
2 - إنه يجري فيه التداخل (1)، حتى لو زنى مراراً لا يجب عليه إلا حد واحد؛ لأن المقصود من إقامة الحد، هو الزجر، وإنه يحصل بحد واحد، لكنه لو زنى فحد، ثم زنى ثانياً حد ثانياً؛ لأنه تبين أن المقصود وهو الزجر لم يحصل بالحد الأول، بدليل وقوعه منه ثانية، فيحد مرة أخرى، رجاء أن يحصل به الزجر المطلوب (2).

الفرق بين حق الله تعالى وحق الآدمي:
حق الله: أمره ونهيه. وحق العبد: مصالحه وتكاليفه، وهو كل ما للعبد إسقاطه. أما حق الله: فهو كل ما ليس للعبد إسقاطه.
وتكاليف الشريعة ثلاثة أقسام بالنسبة لهذه القسمة (3).
1 - حق الله تعالى فقط كالإيمان وتحريم الكفر.
2 - وحق العباد فقط كالديون وأثمان الأشياء.
3 - وقسم اختلف فيه، هل يغلب فيه حق الله، أو حق العبد كحد القذف.
قال القرافي: نعني بحق العبد المحض: أنه لو أسقطه لسقط، كما تبين، وإلا
_________
(1) معنى التداخل: أن الجرائم في حالة التعدد تتداخل عقوباتها بعضها في بعض بحيث يعاقب على جميع الجرائم بعقوبة واحدة.
(2) انظر البدائع: 55/ 7 وما بعدها.
(3) الفروق: 141/ 1 وما بعدها، وانظر قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام: 66/ 2.

(7/5369)


فما من حق للعبد، إلا وفيه حق لله تعالى: وهو أمره بإيصال ذلك الحق إلى مستحقه، فيوجد حق الله تعالى دون حق العبد، ولا يوجد حق العبد إلا وفيه حق الله تعالى. وإنما يعرف ذلك بصحة الإسقاط، فكل ما للعبد إسقاطه فهو حق العبد، وكل ما ليس له إسقاطه فهو حق الله تعالى.
وقد يوجد حق الله تعالى: وهو ما ليس للعبد إسقاطه، ويكون معه حق العبد، كتحريمه تعالى لعقود الربا والغرر والجهالات، فإن الله تعالى إنما حرمها صوناً لمال العبد عليه، وصوناً له عن الضياع بعقود الغرر والجهل، فلا يحصل المعقود عليه بكامله أو أغلبه، فيضيع المال، فحجر الرب تعالى برحمته على عبده في تضييع ماله الذي هو عونه على أمر دنياه وآخرته، ولو رضي العبد بإسقاط حقه في ذلك، لم يؤثِّر رضاه.
وكذلك حجر الرب تعالى على العبد في إلقاء ماله في البحر، وتضييعه من غير مصلحة، ولو رضي العبد بذلك لم يعتبر رضاه.
وكذلك تحريمه تعالى المسكرات صوناً لمصلحة عقل العبد عليه، وحرم السرقة صوناً لماله، والزنا صوناً لنسبه، والقذف صوناً لعرضه، والقتل والجرح صوناً لنفسه وأعضائه ومنافعها عليه، ولو رضي العبد بإسقاط حقه من ذلك، لم يعتبر رضاه، ولم ينفذ إسقاطه.
فهذه كلها وما يلحق بها من نظائرها مما هو مشتمل على مصالح العباد: حق الله تعالى؛ لأنها لا تسقط بالإسقاط، وهي مشتملة على حقوق العباد، لما فيها من مصالحهم ودرء مفاسدهم. وأكثر الشريعة من هذا النوع كالرضا بولاية الفسقة وشهادة الأراذل ونحوها، فحجر الرب تعالى على العبد في هذه المواطن لطفاً به ورحمة له سبحانه وتعالى.

(7/5370)


هل يجب الحد والمهر على الرجل المكرَه على الزنا؟: الرأي الذي استقر عليه أبو حنيفة أخيراً، ورأي الصاحبين: أنه لا يحد المستكره على الزنا، وإنما عليه الصداق؛ لأنه حيث سقط الحد، يجب المهر للمرأة.
وقال الحنابلة وبعض المالكية: عليه الصداق والحد جميعاً. وقال الشافعية ومحققو المالكية: عليه الصداق فقط، وليس عليه الحد لوجود الشبهة (1) ولحديث: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه» (2). والخلاصة: أن الجمهور على الأرجح يرون الصداق على المستكره وليس عليه العقوبة، وأن الحنابلة يوجبون عليه الصداق والعقوبة معاً.

المبحث الرابع ـ إثبات الزنا عند القاضي:
أجمع العلماء على أن الزنا يثبت بالإقرار أو بالشهادة، ولا تثبت حدود الله تعالى كالزنا والسرقة والمحاربة والشرب بعلم القاضي حالة القضاء أو قبل القضاء؛ لأنها تدرأ بالشبهات ويندب سترها (3).
أما الحكمة من اشتراط الحجة لإيقاع العقوبة فواضحة، وهي أن من تمام حكمة الله ورحمته أنه لم يأخذ الجناة بغير حجة، كما لم يعذبهم في الآخرة إلا بعد إقامة الحجة عليهم، وجعل الحجة التي يأخذهم بها إما منهم: وهي الإقرار أو ما يقوم مقامه من إقرار الحال، وهو أبلغ وأصدق من إقرار اللسان، فإن من قامت
_________
(1) راجع بداية المجتهد: 319/ 2، البدائع: 180/ 7، حاشية ابن عابدين: 172/ 3، المهذب: 267/ 2.
(2) أخرجه الطبراني عن ثوبان.
(3) مغني المحتاج: 398/ 4، 149، الميزان للشعراني: 154/ 2، المغني: 209/ 8، البدائع: 52/ 7.

(7/5371)


عليه شواهد الحال بالجناية كرائحة الخمر وقيئها، ووجود المسروق في دار السارق، وتحت ثيابه، أولى بالعقوبة، ممن قامت عليه شهادة على إخباره عن نفسه التي تحتمل الصدق والكذب. وهذا متفق عليه بين الصحابة، وإن نازع فيه بعض الفقهاء.
وإما أن تكون الحجة من غير الجناة: وهي البينة، واشترط فيها العدالة، وعدم التهمة. وهما شرطان توجبهما العقول والفطر السليمة ويحققان المصلحة (1).
وجعل الصحابة الحمل علامة على الزنا (2) وقد أخذ بذلك المالكية وابن القيم، أما الحنابلة فقالوا: تحد الحامل بالزنا، وزوجها بعيد عنها، إذا لم تدّع شبهة، ولا يثبت الزنا بحمل المرأة وهي خلية لا زوج لها. ولم يأخذ الحنفية والشافعية بإثبات الزنا بالقرائن.
أما البينة: فهي شهادة أربعة رجال، ذكور، عدول، أحرار، مسلمين، على الزنا بأن يقولوا: رأيناه وطئها في فرجها، كالميل في المُكحُلة، على حد تعبير الفقهاء.
يفهم مما ذكر ومما قرره الحنفية أنه يشترط في البينة شروط: بعضها وهي البلوغ والعقل والذكورة والحرية والعدالة والأصالة يعم كل الحدود، وبعضها وهو عدم التقادم يخص الزنا والسرقة وشرب الخمر. والباقي خاص بالزنا (3).
_________
(1) أعلام الموقعين: 100/ 2.
(2) الطرق الحكمية: ص 97، 214، الشرح الكبير للدردير، المنتقى على الموطأ: باب حد الزنا، المهذب: 266/ 2، القوانين الفقهية: ص 356، مطالب أولي النهي: 193/ 6.
(3) انظر البدائع: 46/ 7 ومابعدها، فتح القدير: 114/ 4، 161 - 177، تبيين الحقائق للزيلعي: 164/ 3.

(7/5372)


1 - عدد الأربع في الشهود في حد الزنا لقوله تعالى: {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم} [النساء:15/ 4] وقوله عز اسمه: {لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء} [النور:13/ 24] وقوله سبحانه في حد القذف: {والذين يرمون المحصنات، ثم لم يأتوا بأربعة شهداء} [النور:4/ 24]. فإذا شهد ثلاثة، وقال الرابع: رأيتهما في لحاف واحد، ولم يزد عليه: يحد الثلاثة عند الحنفية حد القذف، ولا حد على الرابع؛ لأنه لم يقذف. وإن شهد شهود دون أربعة في مجلس الحكم بزنا حدوا بالاتفاق حد القذف؛ لأن عمر حد الثلاثة الذين شهدوا على المغيرة بالزنا (1).
2 - التكليف: أي البلوغ والعقل، فلا تقبل شهادة الصبيان والمجانين.
3 - الذكورة: فلا تقبل شهادة النساء بحال، تكريماً لهن؛ لأن الزنا فاحشة.
وأما الإحصان فيثبت بشهادة الرجال مع النساء عند الحنفية ما عدا زفر.
4 - العدالة: فلا تقبل شهادة الفاسق ولا مستور الحال الذي لا تعلم عدالته لجواز أن يكون فاسقاً. فإن شهد أربعة بالزنا وهم فساق، أو ظهر أنهم فساق لم يحدوا حد القذف؛ لأن الفاسق من أهل الأداء والتحمل، وإن كان في أدائه نوع قصور لتهمة الفسق.
5 - الحرية: فلا تقبل شهادة العبيد.
6 - الإسلام: فلا تقبل شهادة أهل الذمة لعدم تحقق عدالتهم.
7 - الأصالة: فلا تقبل الشهادة على الشهادة، ولا كتاب القاضي إلى القاضي، لتمكن الشبهة في وقوع الجريمة، والحدود لا تثبت مع الشبهات.
_________
(1) ذكره البخاري في صحيحه.

(7/5373)


8 - اتحاد المشهود به: وهو أن يجمع الشهود الأربعة على فعل واحد، في مكان واحد وزمان واحد.
9 - اتحاد المجلس: أي أن يكون الشهود مجتمعين في مجلس واحد وقت أداء الشهادة. فإن جاؤوا متفرقين واحداً بعد واحد لا تقبل شهادتهم، ويحدون حد القذف، لقول عمر رضي الله عنه: «لو جاؤوا مثل ربيعة ومضر فرادى لجلدتهم» أي أن المراد اتحاد المجلس عند أداء الشهادة. وهذا عند الحنفية، وأما بقية الفقهاء فلم يقولوا بهذا الشرط.
10 - أن يكون المشهود عليه الزنا ممن يتصور منه الوطء، فلو كان مجبوباً لاتقبل شهادتهم، ويحدون حد القذف.
11 - أن يكون المشهود عليه الزنا ممن يقدر على دعوى الشبهة، فإن كان أخرس، لم تقبل شهادتهم، إذ قد يدعي الشبهة لو كان قادراً.
12 - عدم التقادم من غير عذر ظاهر: وهو شرط في حد الزنا والسرقة وشرب الخمر كما تقدم. ومعناه ألا تمضي مدة بعد مشاهدة الجريمة وأداء الشهادة، منعاً من التهمة وإثارة الفتنة، إذ أن أداء الشهادة بعد مضي مدة من غير عذر ظاهر، يدل على أن الضغينة هي الحاملة على الشهادة، كما قال سيدنا عمر رضي الله عنه: «أيما قوم شهدوا على حد، لم يشهدوا عند حضرته، فإنما شهدوا عن ضغن، ولا شهادة لهم».
فإذا كان التقادم لعذر ظاهر، كعدم وجود حاكم في موضع أو بُعد مسافة خوف طريق، فلا يمنع من قبول الشهادة.
ومدة التقادم متروك تقديرها إلى اجتهاد القاضي عند أبي حنيفة، لاختلاف

(7/5374)


أعذار الناس في كل زمان وبيئة. وقال الصاحبان: مدة التقادم شهر أو أكثر، فإن كان دون شهر فليس بمتقادم؛ لأن الشهر أدنى الآجل، فكان ما دونه في حكم العاجل.
13 - بقاء الشهود على أهليتهم حتى يقام الحد: فلو ماتوا، أو غابوا، أو عموا، أو ارتدوا، أو خرسوا، أو ضربوا حد القذف قبل إقامة الحد، أو قبل أن يقضى بشهادتهم، سقط الحد؛ لأن هذه العوارض لو اقترنت بالشهادة منعت من قبولها، فكذلك إذا اعترضتها بعدئذ (1)، ويحد الباقي حد القذف؛ لأن الشهود حينئذ أقل من أربعة، ومتى كانوا أقل حدوا حد القذف. وقال الشافعية والحنابلة: لا تؤثر هذه العوارض بعد أداء الشهادة (2).
ولو رجع الشهود عن شهادتهم على محض بالزنا، بعد أن حكم القاضي عليه بالرجم فرجم، ضمنوا ديته. ولو أنكر الشاهد شهادته بعد الحكم بالرجم، لا يضمن شيئاً من الدية؛ لأن إنكار الشهادة ليس برجوع، بل الرجوع أن يقول: كنت مبطلاً في الشهادة (3).

اختلاف العلماء في بعض شروط الشهادة على الزنا:
1 - اتحاد المشهود به: قال الأئمة الأربعة: يشترط في شهادة الشهود الأربعة اتحاد المشهود به: وهو أن يجمع الشهود الأربعة على فعل واحد، في المكان والزمان، كما بان عند الحنفية. فإن اختلفوا لا تقبل شهادتهم، فلو شهد اثنان أنه زنى في مكان كذا، وشهد آخران أنه زنى في مكان آخر في بيت صغير وزواياه
_________
(1) المبسوط للسرخسي: 50/ 9.
(2) المغني لابن قدامة: 207/ 8.
(3) مجمع الضمانات: ص 360 وما بعدها.

(7/5375)


متقاربة، أو شهد اثنان أنه زنى بها في يوم كذا، وشهد اثنان آخران أنه زنى بها في يوم آخر، فإنه لا يحد المشهود عليه، ولا حد على الشهود أيضاً عند جمهور الحنفية؛ لأن المشهود به لم يختلف عند الشهود؛ لأن عندهم أن هذا زنا واحد. وعند زفر: يحدون؛ لأن عدد الشهود قد انتقص، ونقصان عدد الشهود يوجب صيرورة الشهادة قذفاً، كما لو شهد ثلاثة بالزنا.
واختلفوا فيما لو شهد اثنان أنه زنى بها في هذه الزاوية من البيت، وشهد آخران أنه زنى بها في زاوية أخرى، وكان المكان ضيقاً:
فقال أبو حنيفة وأحمد: تقبل هذه الشهادة، لجواز ابتداء الفعل في زاوية، وانتهائه في زاوية أخرى، أما لو كان البيت كبيراً فلا تقبل؛ لأنه يكون بمنزلة البيتين (1).
وقال مالك والشافعي: لا تقبل هذه الشهادة، ولا يثبت بها الحد؛ لأنهم لم يتفقوا على زنية واحدة (2).

2 - اتحاد مجلس الشهادة: قال أبو حنيفة: يشترط أن يكون الشهود مجتمعين، وأن يؤدوا الشهادة في مجلس واحد، فإن جاؤوا متفرقين يشهدون واحداً بعد الآخر، لا تقبل شهادتهم، كما بان سابقاً.
وقال مالك وأحمد: يشترط اتحاد مجلس القاضي فقط، فإن جاء الشهود متفرقين، والحاكم جالس في مجلس حكمه لم يقم، تقبل شهادتهم، وإن جاء بعضهم بعد أن قام الحاكم كانوا قَذَفة وعليهم الحد (3).
_________
(1) البدائع: 49/ 7، المغني: 200/ 8، فتح القدير: 167/ 4.
(2) مغني المحتاج: 151/ 4، بداية المجتهد: 430/ 2، الشرح الكبير: 185/ 4.
(3) المغني: 200/ 8، المنتقى على الموطأ: 144/ 7، القوانين الفقهية: ص 356.

(7/5376)


وقال الشافعي: ليس ذلك بشرط، لا في مجيئهم، ولا في اجتماعهم، بل متى شهدوا بالزنى متفرقين، ولو واحداً بعد الآخر، وجب الحد، لقوله تعالى: {لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء} [النور:13/ 24] ولم يذكر المجلس، ولأن المهم هو اتحاد شهادة الشهود، سواء في مجلس واحد أو في مجالس،
كسائر الشهادات (1).

تقادم الشهادة:
قال الحنفية: لا تقبل الشهادة بمضي الزمن، على الخلاف السابق الذي ذكر.
وقال مالك والشافعي وأحمد: إن الشهادة في الزنا والقذف وشرب الخمر تقبل بعد مضي زمان طويل من الواقعة، لعموم آية الشهادة في الزنا، ولأنه حق لم يثبت لنا ما يبطله، وقد يكون التأخير لعذر أو غيبة، والحد لا يسقط بمطلق الاحتمال (2).

دور القاضي مع شهود الزنا:
إذا اجتمعت الشروط السابقة في الشهود، وشهدوا عند القاضي، سألهم عن ماهية الزنا، وكيفية الزنا، ومكان الزنا، وزمان الزنا، والمزني بها (3).
أما سؤاله عن ماهية الزنا: فلأنه يحتمل أن يريد غير الزنا الموجب للحد، كالزنا بالعين، أو باليد.
_________
(1) المغني، المرجع السابق، الميزان: 156/ 2.
(2) الميزان: 158/ 2، المغني: 207/ 8، فتح القدير: 161/ 4.
(3) المبسوط: 38/ 9، البدائع: 49/ 7، فتح القدير: 115/ 4، المغني: 200/ 8.

(7/5377)


وأما سؤاله عن كيفية الزنا: فلأنه يحتمل أن يريد الجماع فيما دون الفرج، كالمفاخذة.
وأما سؤاله عن مكان الزنا: فلأنه يحتمل أنه زنى في دار الحرب، أو في دار البغي في رأي الجمهور غير الشافعية كما سيأتي في حد البغاة.
وأما سؤاله عن زمان الزنا: فلأنه يحتمل أن يشهد بزنا متقادم.
وأما سؤاله عن المزني بها: فلأنه يحتمل أن تكون الموطوءة ممن لا يجب الحد بوطئها، كالموطوءة بشبهة.

الإقرار بالزنا:
هو عند الحنفية أن يقر البالغ العاقل، أربع مرات بالزنا، عند القاضي، في أربعة مواطن.

شروط الإقرار:
اشترط الحنفية شروطاً في الإقرار: منها ما يعم الحدود كلها، ومنها ما يخص بعضها.

أما الشرائط التي تعم الحدود كلها، فهي (1):
1 - البلوغ: فلا يصح إقرار الصبي في شيء من الحدود؛ لأن فعل الصبي لا يوصف بكونه جناية.
2 - النطق: وهو أن يكون الإقرار بالخطاب والعبارة، دون الكتابة أو
_________
(1) انظر البدائع: 49/ 7 - 51، فتح القدير: 117/ 4، المبسوط: 91/ 9.

(7/5378)


الإشارة، فلا يكفي الإقرار من الأخرس، لا بالكتابة ولا بالإشارة، لأن الشرع علق وجوب الحد بالبيان المتناهي، والبيان لا يتناهى إلا بالصريح.
وقال الشافعية: يكفي في ثبوت الحد إشارة الأخرس بالإقرار بالزنا.
3 - الاختيار أو الطواعية: فلا يقبل إقرار المكره في الحدود والأموال.

وأما الشرائط التي تخص بعض الحدود فهي:
1 - تعدد الإقرار: أي كون الإقرار مكرراً أربع مرات في حد الزنا خاصة، بأن يقر أربع مرات على نفسه مع كونه بالغاً عاقلاً، طلباً للتثبت في إقامة الحد، ولأن ماعزاً أقر أمام الرسول صلّى الله عليه وسلم أربع مرات (1). وهذا هو مذهب الحنفية والحنابلة (2).
وقال المالكية والشافعية (3): يكفي في وجوب الحد إقرار واحد مرة واحدة (4)؛ لأن من المستبعد كذب الإنسان على نفسه، واعترافه بما يوجب الحد، ولأن الإقرار إخبار، والخبر لا يزيد رجحاناً بالتكرار، وقد قال الرسول صلّى الله عليه وسلم في قصة العسيف: «اغد يا أنيس ـ رجل من أسلم ـ إلى امرأ ة هذا، فإن اعترفت
_________
(1) رواه البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود عن أبي هريرة، ورواه مسلم وأحمد عن بريدة، وقد سبق تخريجه (راجع جامع الأصول: 283/ 4 وما بعدها، نيل الأوطار: 109/ 7).
(2) المغني: 191/ 8 وما بعدها.
(3) حاشية الدسوقي: 318/ 4، المنتقى على الموطأ: 135/ 7، القوانين الفقهية: ص 356، مغني المحتاج: 150/ 4.
(4) قال الزنجاني الشافعي في تخريج الفروع على الأصول: ص 181، مبيناً وجه قصة ماعز ومقرراً قاعدة عامة وهي «لا يمكن دعوى العموم في واقعة لشخص معين، قضى فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلم بحكم، وذكر علته أيضاً، إذا أمكن اختصاص العلة بصاحب الواقعة عند الشافعي رضي الله عنه». ويتفرع عنه: سقوط اعتبار التكرار في الإقرار بالزنا عند الشافعي رضي الله عنه سلوكاً لجادة القياس، كما في سائر الأقارير.

(7/5379)


فارجمها» (1) كما سبق ذكره. واعترفت الغامدية بالزنا، فقال لها الرسول عليه الصلاة والسلام: «ويحك ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه، فقالت: أراك تريد أن ترددني كما رددت ماعز بن مالك، قال: وما ذاك؟ قالت: إنها حبلى من الزنى، قال: أنتِ؟ قالت: نعم، فقال لها: حتى تضعي ما في بطنك» (2) ونحوهما من الأحاديث.
2 - تعدد مجالس الإقرار بالزنا: وهو أن يقر في أربعة مجالس متفرقة؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام اعتبر اختلاف مجالس ماعز، حيث كان يخرج من المسجد في كل مرة، ثم يعود، ومجلسه عليه الصلاة والسلام لم يختلف، وهذا هو مذهب الحنفية.
وقال جمهور العلماء: يكفي أن يكون الإقرار في مجلس واحد (3).
3 - أن يكون الإقرار بين يدي الإمام أو القاضي: وإلا لم يعتبر؛ لأن إقرار ماعز كان عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فإن شهد شهود على إقرار شخص أربع مرات في مجالس مختلفة أمام من ليس له إقامة الحد، فلا يقبل القاضي هذه الشهادة؛ لأن الزاني إن كان منكراً، فقد رجع عن الإقرار، وإ ن كان مقراً، فلا عبرة لشهادة مع الإقرار.
4 - الصحو في الإقرار بالزنا والسرقة والشرب والسكر: فإذا أقر شخص وهو سكران، لم يصح إقراره.
_________
(1) رواه البخاري ومسلم وأحمد والموطأ وغيرهم عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني، وقد سبق تخريجه، فقد رواه الجماعة والبيهقي.
(2) رواه مسلم والدارقطني عن سليمان بن بريدة عن أبيه، وقال الدارقطني: هذا حديث صحيح (راجع جامع الأصول: 279/ 4 وما بعدها، نيل الأوطار: 111/ 7، نصب الراية: 314/ 3).
(3) بداية المجتهد: 430/ 2.

(7/5380)


5 - أن يكون الإقرار بالزنا ممن يتصور منه الزنا: فإن كان لا يتصور كالمجبوب لفقدان آلته، لم يصح إقراره، أما لو كانت آلته موجودة كالعنِّين والخصي، فيصح إقراره، لوجود الآلة عنده.
6 - أن يكون المزني به ممن يقدر على ادعاء الشبهة بأن كان ناطقاً: فإن لم يقدر كأن تكون المزني بها خرساء، أو المزني به أخرس، لم يصح إقراره، لجواز ادعائه وجود عقد النكاح، أو إنكار الزنا.

الإقرار حجة قاصرة: إذا أقر أحد الشريكين في الوطء بالزنا وأنكر الآخر، وجب على المقر الحد (1)؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلم قال في قصة العسيف: «على ابنك جلد وتغريب عام، واغد يا أنيس على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها» (2) وروى سهل بن سعد الساعدي أن رجلاً أقر أنه زنى بامرأة، فبعث النبي صلّى الله عليه وسلم إليها، فجحدت، فحد الرجل (3).
تقادم الإقرار: اتفق العلماء على أن التقادم لا يؤثر في الإقرار بالزنا؛ لأن الإنسان غير متهم على نفسه. وعلى هذا فيقبل الإقرار بالزنا بعد مدة (4).
دور القاضي مع المقر بالزنا:
إذا أقر إنسان بالزنا عند القاضي، ينبغي أن يظهر له الكراهية، أو يطرده، يفعل ذلك ثلاث مرات، كما فعل الرسول صلّى الله عليه وسلم مع ماعز.
فإذا أقر أربع مرات عند الحنفية نظر القاضي في حاله: أهو صحيح العقل أم
_________
(1) البدائع: 51/ 7، المغني: 207/ 8.
(2) المهذب: 268/ 2.
(3) رواه الجماعة والبيهقي عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني.
(4) رواه البيهقي بألفاظ متقاربة، وأحمد وأبو داود، وفيه عبد السلام بن حفص، متكلم فيه.

(7/5381)


به آفة، كما فعل الرسول عليه السلام مع ماعز، حيث قال له: أبك خبَل أم بك جنون؟ وبعث به إلى قومه، فسألهم عن حاله. فإذا عرف أنه صحيح العقل، سأله عن ماهية الزنا، وعن كيفيته، وعن مكانه، وعن المزني بها، للأسباب التي ذكرت في الشهادة على الزنا.
فإذا بين ذلك كله سأله القاضي عن حاله: أهو محصن أم لا؟ لأن حكم الزنا يختلف بالإحصان وعدمه. فإذا قال: أنا محصَن، سأله القاضي عن الإحصان: ماهو؟ لأنه عبارة عن اجتماع شرائط
لا يعرفها كل واحد. فإذا فسره التفسير الشرعي المطلوب، حكم عليه بالرجم وأمر بإقامته عليه (1).

الرجوع عن الإقرار:
قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد: إذا اعترف شخص عند القاضي بالزنا، ثم رجع عن إقراره بعد الحكم بالحد، أوبعد إقامة بعض الحد، أو هرب، فإنه يسقط عنه الحد (2)، عملاً بحديث «ادرؤا الحدود بالشبهات»، والرسول عليه السلام لقن ماعزاً الرجوع بقوله: «لعلك مسستها أو لعلك قبلتها!» (3) وقال لأصحابه حينما هرب ماعز فاتبَعوه: «هلا تركتموه، لعله أن يتوب، فيتوب الله عليه» (4).
_________
(1) المبسوط: 46/ 9، البدائع: 51/ 7، فتح القدير: 120/ 4، تبيين الحقائق: 166/ 3.
(2) فتح القدير: 120/ 4، مغني المحتاج: 150/ 4، المهذب: 271/ 2، المغني: 197/ 8.
(3) رواه الحاكم في المستدرك بلفظ «لعلك مسستها أو قبلتها؟» من حديث ابن عباس، والحديث عند البخاري بلفظ: «لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت؟» وعند أحمد في مسنده بلفظ: «لعلك قبلت أو لمست أو نظرت؟» (راجع نصب الراية: 316/ 4، سبل السلام: 8/ 4).
(4) رواه أبو داود عن يزيد بن نعيم بن هزال عن أبيه. ورواه أحمد وابن ماجه والترمذي، وقال: «حسن» من حديث أبي هريرة بلفظ: «هلا تركتموه». (راجع جامع الأصول: 287/ 4، نيل الأوطار: 102/ 7).

(7/5382)


والمشهور عند المالكية: أن الرجوع عن الإقرار لشبهة أو لا لشبهة، كقوله: كذبت على نفسي، أو وطئت زوجتي وهي محرمة، فظننت أنه زنا، يسقط الحد، وروي عن الإمام مالك أنه قال: لا يعذر إلا إذا رجع لشبهة، عملاً بحديث: «لا عذر
لمن أقر» (1).
والخلاصة: أن الرجوع عن الإقرار جائز بالاتفاق.

المبحث الخامس ـ إقامة الحد على الزاني:
شروط إقامة الحد: يشترط لإقامة الحد ما يلي:
أولاً ـ هناك شرائط لإقامة الحد: منها ما يعم الحدود كلها، ومنها ما يخص حد الرجم. أما ما يعم الحدود كلها فهو الإمامة كما سيأتي، وأما ما يخص حد الرجم: فهو شرط البداية من الشهود في الرجم. وعلى هذا فالإمام أو من ينوب عنه هو مقيم الحد. فإذا كان الحد جلداً فهو الذي يقيمه أو ينيب عنه أحداً. وأما إذا كان الحد رجماً، فيشترط البداية من الشهود في الرجم، إذا ثبت الحد بالشهادة، فإذا ثبت بالإقرار، فيبدأ الإمام بالرجم (2).

اختلاف العلماء في اشتراط بداءة الشهود بالرجم:
قال الحنفية: إن ثبت وجوب الرجم بالشهادة، فيشترط بدء الشهود بالرجم استحساناً، بدليل ما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: «يرجم الشهود أولاً ثم
_________
(1) بداية المجتهد: 430/ 2، حاشية الدسوقي: 318/ 4.
(2) البدائع: 57/ 7 وما بعدها، فتح القدير: 122/ 4، 124، حاشية الدسوقي: 320/ 4، بداية المجتهد: 428/ 2.

(7/5383)


الإمام ثم الناس» (1) وكلمة «ثم» للترتيب، وكان ذلك بمحضر من الصحابة، ولم ينكر أحد، فكان إجماعاً، ولأن في اعتبار هذا الشرط احتياطاً في درء الحد؛ لأن الشهود إذا بدؤوا بالرجم ربما استعظموا فعله، فيحملهم هذا على الرجوع عن الشهادة، فيسقط الحد عن المشهود عليه، فإن امتنع بعض الشهود عن الرجم، سقط الرجم عند أبي حنيفة ومحمد، وفي رواية عن أبي يوسف؛ لأن امتناعهم عن الرجم أورث شبهة الكذب في شهادتهم.
هذا بخلاف الجلد، فلا يشترط ابتداء الشهود به؛ لأنهم لا يعرفونه على وجهه الصحيح، ولأن الأثر عن علي ورد في الرجم خاصة، فيبقى أمر الجلد على أصل القياس.
وقال المالكية: إذا حضر الإمام الرجم، جاز له أن يبدأ هو وأن يبدأ غيره، فلم يثبت عند الإمام مالك في حديث صحيح ولا سنة معمول بها بداءة البينة بالرجم، ثم من بعدهم الإمام، أي الحاكم، ثم الناس عقبه (2).
وقال الشافعية والحنابلة: السنة إذا ثبت الحد بالبينة أن يبدأ الشهود بالرجم، ثم الحاكم، ثم الناس؛ لأن الشهود في غير أداء الشهادة هم وسائر الناس سواء، فلا يلزم أحد بذاك. والإمام هو الذي يستوفي الحدود، ولأن الرجم أحد نوعي الحد، فيقاس على الجلد، الذي لا يشترط فيه البداية من الشهود (3).
_________
(1) رواه البيهقي في سننه عن عامر الشعبي، ورواه أحمد في مسنده عن الشعبي أيضاً، ورواه ابن أبي شيبة عن يزيد بن أبي ليلى، وعن ابن مسعود عن علي بألفاظ مختلفة (راجع نصب الراية: 319/ 3 وما بعدها، نيل الأوطار: 108/ 7).
(2) القوانين الفقهية: ص 356، الشرح الكبير وحاشيته: 320/ 4، مواهب الجليل: 320/ 6، ط ثانية.
(3) البدائع، فتح القدير، المرجعان السابقان، المنتقى على الموطأ: 133/ 7، بداية المجتهد: 438/ 2، مغني المحتاج: 152/ 4، المهذب: 269/ 2 وما بعدها، المغني: 159/ 8. .

(7/5384)


وهذا الرأي هو مقتضى القياس عند الحنفية.
ثانياً ـ لا يقيم الحدود إلا الإمام أو من فوض إليه الإمام، باتفاق الفقهاء؛ لأنه لم يقم حد على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلا بإذنه، ولا في أيام الخلفاء إلا بإذنهم، ولأن الحد حق لله تعالى يفتقر إلى الاجتهاد، ولا يؤمن فيه الحيف، فلم يجز بغير إذن الإمام (1).
ثالثاً ـ يشترط عند الحنفية وجود أهلية أداء الشهادة لدى الشهود عند إقامة الحد، فلو بطلت أهليتهم بالفسق أو الردة أو الجنون أو العمى أو الخرس أو نحوها، سقط الحد (2) كما سبق بيانه. ولم يشترط الجمهور هذا الشرط.
رابعاً ـ يشترط بالاتفاق: ألا يكون في إقامة حد الجلد خوف الهلاك؛ لأن هذا الحد شرع زاجراً لا مهلكاً، فلا يجوز إقامة حد الجلد في الحر الشديد والبرد الشديد، والمرض والنفاس، والحمل؛ لأن الحد إذا أقيم في هذه الأحوال أدى إلى القتل، ولأنه يخشى هلاك الحامل وهلاك ولدها (3)
لكن الشافعية والحنابلة أجازوا إقامة الحد في المرض الذي لا يرجى برؤه (4)، وقالوا في هذه الحالة أو إذا كان نضو الخلق لا يطيق الضرب: يضرب بمئة شمراخ دفعة واحدة، لما روى سهل بن حنيف أنه أمر في رجل مريض أضنى أن يأخذوا مئة شمراخ، فيضربوه بها ضربة واحدة (5)، ولأنه لا يمكن ضربه بالسوط؛ لأنه يتلف به، ولا يمكن تركه؛ لأنه يؤدي إلى تعطيل الحد. أما الضمان فقال الشافعية:
_________
(1) المهذب: 269/ 2، البدائع: 57/ 7.
(2) البدائع: 59/ 7.
(3) البدائع، المرجع السابق، المبسوط: 100/ 9، المهذب: 270/ 2 وما بعدها.
(4) مغني المحتاج: 155/ 4، المهذب: 270/ 2 وما بعدها، حاشية الدسوقي: 330/ 4، القوانين الفقهية: ص 356، ط، فاس، المغني: 171/ 8، 173.
(5) رواه أحمد وابن ماجه.

(7/5385)


إن أقيم الحد في الحال التي لا تجوز إقامته، فهلك منه، لم يضمن؛ لأن الحق قتله، وإن أقيم في الحال التي لا تجوز إقامته، فإن كانت حاملاً، فتلف منه الجنين وجب الضمان؛ لأنه مضمون، فلا يسقط ضمانه بجناية غيره، وإن تلف المحدود فإذا أقيم الحد في شدة حر أو برد، فهلك لا ضمان عليه. وقال الجمهور: لا ضمان بهلاك المحدود. وسيأتي مزيد بيان له في بحث التعزير.
وأما الرجم فلا يشترط لإقامته عدم خوف الهلاك؛ لأنه حد مهلك، إلا الحامل، فإنه لا يقام عليها الرجم وقت حملها؛ لأنه يؤدي إلى إهلاك ولدها بدون حق، وهو لا يجوز، فيؤخر رجم الحامل حتى تضع حملها؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام رد المرأة الغامدية أو الجهنية حينما
قالت: «فوالله إني لحبلى». فقال: «إما لا، فاذهبي حتى تلدي» ثم قال: «اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه» (1).

حالة المحدود: ذهب الجمهور إلى أن المحدود بالرجم إذا كان رجلاً يقام عليه الحد قائماً، ولا يربط بشيء، ولا يمسك، ولا يحفر له، سواء ثبت الرجم بالبينة أم بالإقرار، كما فعل الرسول عليه السلام بماعز، فلم يحفر له (2)، ولأن الحفر له لم يرد به الشرع في حق المحدود فوجب ألا يثبت، ولأن المرجوم قد يفر، فيكون فراره
_________
(1) البدائع، مغني المحتاج، الدسوقي، المغني، المراجع السابقة، وقد سبق تخريج حديث الغامدية، وسيأتي قريباً تخريج حديث الجهنية. ويظهر أن الجهنية هي الغامدية لأن «غامداً» بطن من جهينة.
(2) رواه مسلم وأحمد وأبو داود عن أبي سعيد الخدري، قال: «لما أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن نرجم ماعز بن مالك خرجنا به إلى البقيع، فو الله ما حفرنا له، ولا أوثقناه، ولكن قام لنا، فرميناه بالعظام والخزف (وهي أكسار الأواني المصنوعة من المدر)، فاشتكى فخرج يشتد حتى انتصب لنا في عرض الحرة (وهي أرض ذات حجارة سود) فرميناه بجلاميد (بصخور) الجندل (ما يقله الرجل من الحجارة) حتى سكت» (راجع نصب الراية: 325/ 3، نيل الأوطار: 109/ 7).

(7/5386)


دلالة على الرجوع عن قراره، وقد هرب ماعز من أرض قليلة الحجارة إلى أرض كثيرة الحجارة (1).
وإذا كان المحدود امرأة، فقال الحنفية: يخير الإمام في الحفر لها، إن شاء حفر لها وإن شاء ترك الحفر، أما الحفر فلأنه أستر لها، وقد روي أن الرسول صلّى الله عليه وسلم حفر للمرأة الغامدية إلى ثَنْدوتها (أي ثديها) (2). وأما ترك الحفر فلأن الحفر للستر وهي مستورة بثيابها؛ لأنها لا تجرد عند إقامة الحد.
وقال الشافعية: الأصح استحباب الحفر للمرأة إن ثبت زناها بالبينة، لئلا تنكشف، بخلاف ما إذا ثبت زناها بالإقرار لتتمكن من الهرب إن رجعت عن إقرارها.
وقال المالكية والحنابلة: لا يحفر للمرأة، لعدم ثبوته. قال ابن رشد: وبالجملة فإن الأحاديث في ذلك مختلفة. والمشهور عند المالكية أنه لا يحفر للمرجوم حفرة. وقال أحمد (3): أكثر الأحاديث على ألا حفر، فإن النبي صلّى الله عليه وسلم لم يحفر للجهنية ولالماعز، ولا لليهوديين (4).
_________
(1) المبسوط: 15/ 9، بداية المجتهد: 429/ 2، المنتقى على الموطأ: 142/ 7، القوانين الفقهية: ص 356، حاشية الدسوقي: 320/ 4، مغني المحتاج: 153/ 4، المغني: 158/ 8، البدائع: 59/ 7، فتح القدير: 128/ 4.
(2) رواه أبو داود في سننه عن أبي بكر أن النبي صلّى الله عليه وسلم رجم امرأة فحفر لها إلى الثندرة، قال الزيلعي: وفيه مجهول. وروى مسلم وأحمد وأبو داود قصة الغامدية، وذكر فيها: «ثم أمر بها، فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها» (راجع جامع الأصول: 294/ 4، نصب الراية: 325/ 3، التلخيص الحبير: ص 353، نيل الأوطار: 109/ 7).
(3) المراجع السابقة.
(4) كونه صلّى الله عليه وسلم لم يحفر لماعز: ثابت في رواية أبي سعيد الخدري كما سبق بيانه، وأما عدم الحفر للجهنية فهو استدلال بظاهر الحديث الذي رواه أحمد ومسلم وأصحاب السنن إلا ابن ماجه عن عمران بن حصين، فإنه قال: «فأمر بها رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فشدت عليها ثيابها، ثم أمر بها فرجمت، ثم صلى عليها» فلم يذكر الحفر، قال ابن حجر في التلخيص: «لكنه استدلال بعدم الذكر، ولا يلزم منه عدم الوقوع» وكذلك الحديث الذي رواه أحمد والشيخان عن ابن عمر في قصة رجم اليهوديين لم يذكر فيه الحفر (راجع التلخيص الحبير: ص 353، نيل الأوطار: 92/ 7، 111، سبل السلام: 11/ 4، جامع الأصول: 277/ 4).

(7/5387)


وأما حالة المحدود قياماً أو قعوداً في أثناء الجلد، فقال الحنفية: يقام الرجل، وتضرب المرأة قاعدة، وينزع عن الرجل ثيابه إلا الإزار، ويجرد عن ثيابه في كل الحدود والتعزير إلا حد القذف، فيكتفى بنزع الحشو والفرو.

وأشد الضرب: هو التعزير إذا رأى الإمام ذلك للزجر والردع، ثم الجلد في الزنا، ثم حد الشرب، ثم حد القذف؛ لأن جناية الزنا أعظم من جناية الشرب والقذف؛ لأن القذف نسبة إلى الزنا، فكان دون حقيقة الزنا، ولأن قبح الزنا ثبت شرعاً وعقلاً. أما جريمة نفس الشرب فقد ثبتت شرعاً لا عقلاً، ولهذا كان الزنا حراماً في كل الأديان بخلاف الشرب، والخمر أيضاً يباح عند المخمصة والإكراه، ولا يباح الزنا عند الإكراه وغلبة الشهوة، وكذا وجوب الجلد ثبت في الزنا بنص الكتاب العزيز، وأما حد الشرب فثبت بالاجتهاد.
وأما المرأة فلا ينزع عنها ثيابها إلا الفرو والحشو في كل الحدود؛ لأن كشف عورتها حرام، والفرو والحشو يمنعان وصول الألم إلى المضروب، والستر حاصل بدونهما، فينزعان ليتحقق الزجر، والزجرواجب (1).
وقال مالك: يضرب الرجل قاعداً لا قائماً، وكذا المرأة ويجرد الرجل في ضرب الحدود كلها ما عدا ما بين السرة والركبة؛ لأن الأمر بجلده يقتضي مباشرة جسمه (2).
_________
(1) البدائع: 60/ 7، تبيين الحقائق للزيلعي: 171/ 3، المبسوط: 71/ 9 وما بعدها، فتح القدير: 128/ 4.
(2) بداية المجتهد: 429/ 2، حاشية الدسوقي: 354/ 4.

(7/5388)


وقال الشافعي وأحمد: لا يجرد المحدود في الحدود كلها فيما عدا الفرو أو الجبة المحشوة، فإنها تنزع عنه؛ لأنه لو ترك عليه ذلك، لم يبال بالضرب، وما عدا المذكور لا يجرد، لما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أنه قال: «ليس في هذه الأمة مدّ، ولا تجريد، ولا غَل ولا صفَد» (1) وجلد أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فلم ينقل عن أحد منهم مد ولا تجريد، ولا ينزع عنه ثيابه، بل يكون عليه الثوب والثوبان (2).
وأما الرجم فترجم المرأة بالاتفاق قاعدة، والرجل يرجم عند الجمهور قائماً، وقال مالك كما تقدم: يرجم قاعداً.

أداة الحد (كيفية الضرب والرجم):
يقام حد الرجم بالضرب بالمدَر (الطين المتحجر) وبالحجارة المعتدلة (أي بملء الكف) لا بحصيات خفيفة لئلا يطول تعذيبه، ولا بصخرات تقضي عليه بسرعة لئلا يفوت التنكيل المقصود (3).
وأما الجلد: فيكون بسوط لا ثمرة له، ولا يمدد المحدود على الأرض، كما يفعل اليوم؛ لأنه بدعة، ولا يرفع الجلاد يده إلى ما فوق رأسه (4)؛ لأنه يخاف منه
_________
(1) رواه الطبراني، قال الهيثمي: وهو منقطع الإسناد، وفيه جويبر، وهو ضعيف (مجمع الزوائد: 253/ 6) الغل بالفتح: شد العنق بحبل أو غيره، والصفد بالتحريك: القيد وهو الغل في العنق أيضاً.
(2) المهذب: 270/ 3، مغني المحتاج: 190/ 4، المغني: 313/ 8 وما بعدها.
(3) راجع مغني المحتاج: 153/ 4، فتح القدير: 126/ 4، المنتقى على الموطأ: 134/ 7، القوانين الفقهية: ص 356.
(4) بدليل فعل عمر وعلي وابن مسعود أنهم قالوا للجلاد: «لا ترفع يدك حتى ترى بياض إبطك» رواه البيهقي (راجع التلخيص الحبير: ص 361).

(7/5389)


الهلاك أو تمزيق الجلد، ويضرب ضربة متوسطة ليست بمبرحة، ولا بالتي لا مسَّ فيها، حتى لا يؤدي إلى الهلاك، ويتحقق معنى الانزجار. والدليل فعل عمر وعلي وابن مسعود حيث ضربوا حداً بسوط بين سوطين (1). ويلاحظ أنه لا خلاف بين العلماء في أن ضرب المحدود في غير حد الخمر يكون بالسوط. أما حد الخمر: فقال بعضهم: يقام بالأيدي والنعال وأطراف الثياب، لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أتي برجل قد شرب، فقال: اضربوه، فقال أبو هريرة: «فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه» (2).

مكان الضرب في حد الجلد:
يجب عند الحنفية ألا يجمع الضرب في عضو واحد؛ لأنه يؤدي إلى إتلاف العضو أو إلى تمزيق جلده، وإنما يفرق الضرب على الأعضاء من الكتفين والذراعين والعضدين والساقين والقدمين، ويتقى المواضع المخوفة التي يخشى من ضربها القتل، وهو الوجه والرأس والصدر والبطن والأعضاء التناسلية (3). قال علي للجلاد: «اضربه وأعط كل عضو منه حقه، واتق وجهه ومذاكيره» (4).
_________
(1) رواه البيهقي، ورواه عبد الرزاق في مصنفه عن يحيى بن أبي كثير، ويؤيد فعلهم: ما رواه الموطأ عن زيد بن أسلم من فعل الرسول صلّى الله عليه وسلم أنه دعا بسوط بين سوطين لجلد رجل اعترف بالزنا (راجع جامع الأصول: 340/ 4، نصب الراية: 323/ 3، التلخيص الحبير: ص 361، نيل الأوطار: 114/ 7).
(وراجع فقهاً البدائع: 60/ 7، فتح القدير: 126/ 4، تبيين الحقائق: 169/ 3، حاشية ابن عابدين: 161/ 3، مغني المحتاج: 190/ 4، المهذب: 287/ 2، حاشية الدسوقي: 354/ 4، القوانين الفقهية: ص 346).
(2) رواه أحمد والبخاري وأبو داود عن أبي هريرة (راجع نيل الأوطار: 138/ 7).
(3) البدائع: 60/ 7، فتح القدير: 126/ 4، المهذب: 270/ 2.
(4) قال الهيثمي: غريب مرفوعاً، وروي موقوفاً على علي، رواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق وسعيد بن منصور والبيهقي من طرق عن علي (راجع نصب الراية: 324/ 3، التلخيص الحبير: ص 361، سبل السلام: 32/ 4).

(7/5390)


وقال مالك: يضرب في الحدود الظهر وما يقاربه (1).
وقال الشافعي: يفرق الضرب على الأعضاء ويتقى الوجه والفرج والخاصرة وسائر المواضع المخوفة. ودليلهم قول علي السابق، وما روي عن عمر أنه أتي بجارية قد فجرت، فقال: «اذهبا، واضرباها، ولا تخرقا لها جلداً» ولأن القصد من الحد الردع دون القتل (2).
وقال أحمد: يضرب في الأعضاء كلها ما عدا ثلاثة: وهي الرأس والوجه والفرج من الرجل والمرأة جميعاً؛ لأن ما عدا هذه الأعضاء ليس بمقتل، فأشبهت الظهر، ودليلهم قول علي السابق للجلاد: اضرب وأوجع واتق الرأس والوجه (3).

مكان إقامة الحد:
قال الحنفية والحنابلة: ينبغي أن تقام الحدود كلها في ملأ من الناس؛ لقوله تعالى: {وليشهد عذابَهما طائفة من المؤمنين} [النور:2/ 24]، ولأن المقصود من الحد هو زجر الناس (4).
وقال الشافعية والمالكية: يستحب حضور جماعة، وأن يكونوا أربعة على الأقل (5).
_________
(1) بداية المجتهد: 429/ 2، حاشية الدسوقي: 354/ 4.
(2) مغني المحتاج: 154/ 4، المهذب: 270/ 2، الميزان: 173/ 2.
(3) المغني لابن قدامة: 313/ 8 وما بعدها.
(4) البدائع: 60/ 7، المغني: 170/ 8.
(5) مغني المحتاج: 152/ 4، القوانين الفقهية: ص 356، المهذب: 270/ 2.

(7/5391)


وقال الجمهور منهم الحنفية والشافعية والحنابلة (1): لا تقام الحدود في المساجد لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا تقام الحدود في المساجد، ولا يقتل بالولد الوالد» (2) وقوله أيضاً: «جنِّبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم ورفع أصواتكم، وشراءكم وبيعكم، وإقامة حدودكم، وجمِّروها في جُمعكم، وضعوا على أبوابها المطاهر» (3).
ولأن تعظيم المساجد واجب، ولهذا نهينا عن سل السيوف في المساجد، ولأنه لا يؤمن أن يخرج من المحدود نجاسة تلوث المسجد، فيجب الاحتياط في أمرها وتنزيه المسجد عنها (4).
حكم الميت بالرجم: قال الجمهور: إذا مات المرجوم يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن (5)؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال في ماعز: «اصنعوا به ما تصنعون بموتاكم» (6).
_________
(1) المهذب: 287/ 2، المبسوط: 101/ 9، المغني، المرجع السابق.
(2) رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم عن ابن عباس. وفي إسناده إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف من قبل حفظه، وأخرجه أبو داود والحاكم وابن السكن والدارقطني والبيهقي من حديث حكيم بن حزام، ولا بأس بإسناده، ورواه البزار من حديث جبير بن مطعم وفيه الواقدي، وهو ضعيف لتدليسه، ورواه ابن ماجه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وفيه ابن لهيعة (راجع جامع الأصول: 346/ 4، التلخيص الحبير: ص 361، مجمع الزوائد: 282/ 6، سبل السلام: 32/ 4).
(3) رواه البزار من حديث ابن مسعود، ثم قال: يرويه موسى عن عمير، قال البزار: ليس له أصل من حديث ابن مسعود، ورواه ابن ماجه والطبراني في الكبير عن أبي الدرداء وأبي أمامة وواثلة بن الأسقع، ورواه الطبراني في الكبير أيضاً عن معاذ (راجع نصب الراية: 492/ 2، الترغيب والترهيب: 199/ 1).
(4) البدائع: المرجع السابق.
(5) البدائع: 63/ 7، المغني لابن قدامة: 166/ 8.
(6) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن بريدة. وروى حديث الصلاة عليه جابر بن عبد الله عند البخاري، وأبو أمامة بن سهل عند الزبيدي (راجع نصب الراية: 320/ 3، تحفة الفقهاء: 192/ 3).

(7/5392)


ثلاثة مباحث ختامية 1 - حكم اللواط:
قال مالك والشافعي وأحمد: إن اللواط يوجب الحد؛ لأن الله سبحانه غلظ عقوبة فاعله في كتابه المجيد، فيجب فيه حد الزنا، لوجود معنى الزنا فيه.
وقال أبو حنيفة: يعزر اللوطي فقط، إذ ليس في اللواط اختلاط أنساب، ولا يترتب عليه غالباً حدوث منازعات تؤدي إلى قتل اللائط، وليس هو زنا (1).
وحد اللائط في رأي المالكية والحنابلة في أظهر الروايتين عن أحمد: هو الرجم بكل حال، سواء أكان ثيباً أم بكراً، لقوله عليه السلام: «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول به» وفي لفظ: «فارجموا الأعلى والأسفل» (2).
وحد اللائط عند الشافعية: هو حد الزنا، فإن كان اللائط محصناً، وجب عليه الرجم، وإن كان غير محصن، وجب عليه الجلد والتغريب، لما روى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «إذا جاء الرجل الرجل فهما زانيان، وإذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان» ولأنه حد يجب بالوطء، فاختلف فيه البكر والثيب، قياساً على حد الزنا بجامع أن كلاً منهما إيلاج محرم في فرج محرم (3).
_________
(1) العناية على هامش فتح القدير: 150/ 4.
(2) حاشية الدسوقي: 314/ 4، المغني: 187/ 8، المنتقى على الموطأ: 142/ 7، القوانين الفقهية: ص355.
(3) الميزان للشعراني: 157/ 2، المهذب: 268/ 2، مغني المحتاج: 144/ 4، تخريج الفروع على الأصول: ص 184.

(7/5393)


2 - حكم إتيان البهيمة:
اتفق الأئمة الأربعة على أن واطئ البهيمة يعزره الحاكم بما يردعه؛ لأن الطبع السليم يأبى هذا الوطء، فلم يحتج إلى زاجر بحد، بل يعزر، وفي سنن النسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما: «ليس على الذي يأتي البهيمة حد» (1)، ومثل هذا لا يقوله صحابي إلا عن توقيف، ونقل عن الرسول صلّى الله عليه وسلم.
واختلفوا في حكم البهيمة الموطوءة، فقال المالكية: حكمها كغيرها في الذبح والأكل فلا تحرم ولا تكره.
وقال الشافعية: لا تذبح في الأصح، وإن كانت مأكولة وذبحت، حل أكلها على الأصح، ولكنه يكره لشبهة التحريم. وإن كانت البهيمة لغيره، وجب عليه ضمانها إن كانت مما لا تؤكل، وضمان ما نقص بالذبح إذا كانت تؤكل؛ لأنه هو السبب في إتلافها وذبحها.
وقيل عند الحنفية: إنها تذبح ولا تؤكل.
وقال الحنابلة: يجب قتلها، سواء أكانت مأكولة أم غير مأكولة، لقوله عليه السلام: «من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة» (2)، ولأن في بقائها تذكيراً بالفاحشة، فيعيَّر بها صاحبها (3).
_________
(1) أخرجه الترمذي وأبو داود، وفي لفظ «من أتى بهيمة فلا حد عليه» (راجع جامع الأصول: 308/ 4، التلخيص الحبير: ص 352، نيل الأوطار: 118/ 7).
(2) رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة من طريق عمرو بن أبي عمر عن ابن عباس، قال الترمذي عن هذا الحديث: (لا نعرفه إلا من حديث عمرو بن أبي عمر) وضعفه أبو داود بحديث ابن عباس السابق: (ليس على الذي يأتي البهيمة حد) قال الترمذي: هذا أصح من الأول (راجع المراجع السابقة، ونصب الراية: 342/ 3، مجمع الزوائد: 273/ 6).
(3) انظر فتح القدير: 152/ 4، البدائع: 34/ 7، حاشية الدسوقي: 316/ 4، المغني: 189/ 8، مغني المحتاج: 146/ 4، المهذب: 269/ 2.

(7/5394)


3 - حد إتيان الميتة:
قال المالكية: يحد من أتى ميتة في قبلها أو دبرها؛ لأنه وطء في فرج آدمية، فأشبه وطء الحية، ولأنه أعظم ذنباً وأكثر إثماً؛ لأنه انضم إلى الفاحشة هتك حرمة الميتة (1).
وقال الحنفية والشافعية والحنابلة في الأرجح عندهم: لا يحد واطئ الميتة؛ لأن هذا ينفر الطبع عنه، فلا يحتاج إلى الزجر عنه بحد كشرب البول، بل يعزر ويؤدب (2).
_________
(1) حاشية الدسوقي: 314/ 4.
(2) البدائع: 34/ 7، المغني: 181/ 8، مغني المحتاج: 145/ 4، المهذب: 269/ 2.

(7/5395)