الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي

البَابُ الثّاني: التَّعزِير بعد انتهاء الكلام عن الحدود: وهي العقوبات المقدرة في الشرع، أبيِّن عقوبات الجرائم التي ليس لها حد مقدر شرعاً: وهوما يعرف بالتعزير، وأتكلم عنه بإيجاز عن تعريفه، وشروط وجوبه، وقدره وصفته، وطرق إثبات موجبه، وضمان موت المعزر (1).
_________
(1) من أراد التفصيل فليرجع إلى رسالة الدكتوراه للزميل عبد العزيز عامر وموضوعها: «التعزير في الشريعة الإسلامية» طبعة البابي الحلبي.

(7/5589)


تعريف التعزير وموجبه ومنفِّذه وكيفيته: الأصل في التعزير لغة: المنع، ومنه التعزير بمعنى النصرة؛ لأنه منع لعدوه من أذاه، ثم اشتهر معنى التعزير في التأديب والإهانة دون الحد؛ لأنه يمنع الجاني من معاودة الذنب. وهوشرعاً: العقوبة المشروعة على معصية أو جناية لا حد فيها، ولا كفارة (1)، سواء أكانت الجناية على حق الله تعالى، كالأكل في نهار رمضان بغير عذر (2)، وترك الصلاة في رأي الجمهور، والربا، وطرح النجاسة ونحوها في طريق الناس ونحوها، أم على حق العباد كمباشرة الأجنبية فيما دون الفرج، وسرقة ما دون النصاب، أو السرقة من غير حرز، وخيانة الأمانة والرشوة، أو القذف بغير الزنى من أنواع السب والضرب والإيذاء بأي وجه، مثل أن يقول الرجل لآخر: يا فاسق، يا خبيث، يا سارق، يا فاجر، يا كافر، يا آكل الربا، يا شارب الخمر، ونحوها. سئل علي كرم الله وجهه عن قول الرجل للرجل: يا فاسق، يا خبيث، قال: هن فواحش فيهن التعزير، وليس فيهن حد.
ومن موجبات التعزير: الجناية التي لا قصاص فيها، أو وطء الزوجة في الدبر، أو أثناء الحيض، أو النهب أو الغصب أو الاختلاس.
ولو قال شخص لآخر: يا كلب، يا خنزير، يا حمار، يا ثور، لا يعزر في أصل مذهب الحنفية؛ لأنه قذفه بما لا يتصور، فيرجع عار الكذب إليه. وبعضهم
_________
(1) إن المعاصي ثلاثة أنواع: نوع فيه الحد ولا كفارة فيه، كالسرقة والشرب والزنا والقذف، فالحد فيه مغن عن التعزير. ونوع فيه الكفارة ولا حد فيه، كالوطء في نهار رمضان عند الشافعية والحنابلة بعكس الحنفية والمالكية، والوطء في الإحرام. ونوع ثالث لا حد فيه ولا كفارة: مثل قبلة الأجنبية والخلوة بها، ودخول الحمام بغير مئزر، وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير، ونحو ذلك، وهذا النوع فيه التعزير، ولا يجوز للإمام تركه في قول الجمهور كما بينا، وقال الشافعي: إنه راجع إلى اجتهاد الإمام في إقامته وتركه، كما يرجع إلى اجتهاده في قدره (أعلام الموقعين: 99/ 2).
(2) ذكر الحنابلة أنه يعزر بعشرين سوطاً لشرب مسكر نهار رمضان مع الحد (غاية المنتهى: 333/ 3).

(7/5591)


قال: يعزر في عرفنا، وهذا هو المناسب لعصرنا، إذا كان مثله يتأذى بذلك، ويعزره القاضي بناء على طلب المشتوم، ويؤيد هذا الاتجاه (1) أن الشافعية قالوا: من الألفاظ الموجبة للتعزير قوله لغيره: يا فاسق، يا كافر، يا فاجر، يا شقي، يا كلب، يا حمار، يا تيس، يا رافضي، يا خبيث، يا كذاب، يا خائن، يا قواد، يا ديوث (2).
ويقوم بالتعزير ولي الأمر أو نائبه. ويكون التعزير إما بالضرب، أو بالحبس أو بالتوبيخ، ونحوها بحسب ما يراه ولي الأمر رادعاً للشخص، بحسب اختلاف حالات الناس.

متى يشرع الحبس؟ قال جماعة من الفقهاء بمشروعية الحبس، بدليل أن النبي صلّى الله عليه وسلم حبس رجلاً في تهمة، ثم خلى عنه (3)، وهذا هو الحبس الاحتياطي. وقال عليه السلام: «لي الواجد يُحلَّ عِرْضه وعقوبته» (4). وثبت أن عمر بن الخطاب كان له سجن، وتبعه في ذلك عثمان، وعلي رضي الله عنهم. واستدل الحنفية على مشروعية الحبس بقوله تعالى: {أو ينفوا من الأرض} [المائدة:5/ 33] قالوا: والمقصود من النفي هو الحبس (5).
_________
(1) البحر الرائق: 240/ 8.
(2) تكملة المجموع: 361/ 18.
(3) رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي عن بهز بن حكيم. والتهمة: الظن بما نسب إلى إنسان (نيل الأوطار: 150/ 7).
(4) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن عمرو بن الشريد. واللي: المطل، والواجد: الغني، يحل: يجوز وصفه بكونه ظالماً، وعرضه: شكايته، وعقوبته: حبس. وقد استدل بالحديث على جواز حبس من عليه الدين حتى يقضيه إذا كان قادراً على القضاء تأديباً له وتشديداً عليه، لا إذا لم يكن قادراً (نيل الأوطار: 240/ 5).
(5) تبيين الحقائق: 208/ 3، أحكام القرآن للجصاص: 412/ 2، المغني: 328/ 9.

(7/5592)


ويشرع الحبس في ثمانية مواضع، كما أبان القرافي المالكي (1):
الأول ـ يحبس الجاني لغيبة المجني عليه، حفظاَ لمحل القصاص.
الثاني ـ حبس الآبق سنة، حفظاً للمالية رجاء أن يعرف صاحبه.
الثالث ـ يحبس الممتنع عن دفع الحق إلجاء إليه.
الرابع ـ يحبس من أشكال أمره في العسر واليسر، اختباراً لحاله، فإذا ظهر حاله حكم بموجبه عسراً أو يسراً.
الخامس ـ الحبس للجاني تعزيراً وردعاً عن معاصي الله تعالى.
السادس ـ يحبس من امتنع من التصرف الواجب الذي لا تدخله النيابة، من حقوق العباد، كحبس من أسلم متزوجاً بأختين أو عشر نسوة، أو امرأة وابنتها، وامتنع من تعيين واحدة.
السابع ـ من أقر بمجهول، عيناً أو في الذمة، وامتنع من تعيينه، فيحبس حتى يعينه، فيقول: العين هو هذا الثوب أو هذه الدابة ونحوها، أو الشيء الذي أقرت به هو دينار في ذمتي.
الثامن ـ يحبس الممتنع في حق الله تعالى الذي لا تدخله النيابة عند الشافعية كالصوم. وعند المالكية: يقتل كالصلاة.
قال القرافي: وما عدا هذه الثمانية لا يجوز الحبس فيه، ولا يجوز الحبس ي الحق إذا تمكن الحاكم من استيفائه، فإن امتنع المدين من دفع الدين، وعرف ماله، أخذنا منه مقدار الدين، ولا يجوز لنا حبسه، وكذلك إذا ظفرنا بماله، أو داره، أو
_________
(1) الفروق: 79/ 4، الاعتصام: 120/ 2، وانظر الطرق الحكمية لابن القيم: ص 101 ومابعدها.

(7/5593)


شيء يباع له في الدين، رهناً كان أو غيره، فعلنا ذك ولا نحبسه؛ لأن في حبسه استمرار ظلمه، ودوام المنكر في الظلم.

التعزير بالقتل سياسة:
أجاز الحنفية والمالكية (1): أن تكون عقوبة التعزير كما في حال التكرار (العود) أو اعتياد الإجرام، أو المواقعة في الدبر (اللواطة)، أو القتل بالمثقل عند الحنفية: هي القتل، ويسمونه القتل سياسة، أي إذا رأى الحاكم المصلحة فيه، وكان جنس الجريمة يوجب القتل.
وقد أفتى أكثر فقهاء الحنفية بناء عليه بقتل من أكثر من سب النبي صلّى الله عليه وسلم من أهل الذمة، وإن أسلم بعد أخذه، وقالوا: يقتل سياسة. وأجمع العلماء كما قال القاضي عياض في الشفا على وجوب قتل المسلم إذا سب النبي صلّى الله عليه وسلم، لقوله تعالى: {إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً} [الأحزاب:57/ 33].
وقالوا أيضاً: إن للإمام قتل السارق سياسة إذا تكررت منه جريمة السرقة، وله قتل من تكرر منه الخنق في ضمن المصر، لسعيه بالفساد في الأرض، ومثله كل من لا يدفع شره إلا بالقتل يقتل سياسة. وذكلك يقتل الساحر عند أكثر العلماء، والزنديق الداعي إلى زندقته، إذا قبض عليه، ولو تاب. وقد روى الترمذي عن جندب موقوفاً ومرفوعاً: «أن حد الساحر ضربه بالسيف».
وأجاز المالكية والحنابلة وغيرهم (2) قتل الجاسوس المسلم، إذا تجسس للعدو
_________
(1) رد المحتار لابن عابدين: 196/ 3، الشرح الكبير للدردير: 355/ 4.
(2) السياسة الشرعية لابن تيمية: ص 114، الحسبة لابن تيمية: ص 48، غاية المنتهى: 334/ 3، المهذب: 242/ 2.

(7/5594)


على المسلمين. ولم يجز أبو حنيفة والشافعي هذا القتل. وجوز طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما قتل الداعية إلى البدع المخالفة للكتاب والسنة.
واتفق الفقهاء على أنه يقتل الجاسوس الحربي الكافر، وأما المعاهد والذمي فقال مالك والأوزاعي: ينتقض عهده بذلك، وعند الشافعية خلاف، وقد ورد في السنة ما يدل على جواز قتل الجاسوس إذا كان مستأمناً أو ذمياً، قال سلمة بن الأكوع: «أتى النبي صلّى الله عليه وسلم
عَيْن، وهو في سفر، فجلس عند بعض أصحابه يتحدث، ثم انسل، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: اطلبوه فاقتلواه، فسبقتهم إليه، فقتلته، فنفلني سلبه» (1).
ومن لم يندفع فساده في الأرض إلا بالقتل قُتل، مثل المفرق لجماعة المسلمين، والداعي إلى البدع في الدين، قال تعالى: {من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعاً} [المائدة:32/ 5] وفي الصحيح عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما»، وروى مسلم في صحيحه عن عرفجة الأشجعي رضي الله عنه: «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم فاقتلوه». وأمر النبي صلّى الله عليه وسلم بقتل رجل تعمد عليه الكذب، وسأله ديلم الحميري ـ فيما يرويه أحمد في المسند ـ عمن لم ينته عن شرب الخمر في المرة الرابعة، فقال: «فإن لم يتركوه فاقتلوهم».
والخلاصة: أنه يجوز القتل سياسة لمعتادي الإجرام ومدمني الخمر ودعاة الفساد ومجرمي أمن الدولة، ونحوهم.
_________
(1) رواه أحمد والبخاري وأبو داود عن سلمة (نيل الأوطار: 7/ 7).

(7/5595)


التعزير بالمال: لا يجوز التعزير بأخذ المال في الراجح عند الأئمة (1) لما فيه م تسليط الظلمة على أخذ مال الناس، فيأكلونه. وأثبت ابن تيمية وتلميذه ابن القيم أن التعزير بالعقوبات المالية مشروع في مواضع مخصوصة في مذهب مالك في المشهور عنه، ومذهب أحمد وأحد قولي الشافعي، كما دلت عليه سنة رسول الله صلّى الله عليه وسلم مثل أمره بمضاعفة غرم ما لا قطع فيه من الثمر المعلَّق والكثَر (جمّار النخل)، وأخذه شطر مال مانع الزكاة، عزمة مات الرب تبارك وتعالى، ومثل تحريق عمر وعلي رضي الله عنهما المكان الذي يباع فيه الخمر، ونحوه كثير. ومن قال كالنووي وغيره: إن العقوبات المالية منسوخة، وأطلق ذلك، فقد غلط في نقل مذاهب
الأئمة والاستدلال عليها (2).

معنى التعزير بأخذ المال:
روي عن أبي يوسف: أنه يجوز للسلطان التعزير بأخذ المال. ومعنى التعزير بأخذ المال على القول عند من يجيزه: هو إمساك شيء من مال الجاني عنه مدة، لينزجر عما اقترفه، ثم يعيده الحاكم إليه، لا أن يأخذه الحاكم لنفسه، أو لبيت المال، كما يتوهم الظلمة؛ إذ لا يجوز لأحد من المسلمين أخذ مال أحد بغير سبب شرعي.
قال ابن عابدين: وأرى أن يأخذ الحاكم مال الجاني، فيمسكه عنده، فإن أيس من توبته، يصرفه إلى ما يرى من المصلحة.
_________
(1) البدائع: 63/ 7، فتح القدير: 212/ 4، تبيين الحقائق: 207/ 3، حاشية ابن عابدين: 195/ 3 ومابعدها، مغني المحتاج: 191/ 4، المهذب: ص 288، حاشية الدسوقي: 354/ 4، المغني: 324/ 8، أعلام الموقعين: 99/ 2، الاعتصام للشاطبي: 123/ 2 ومابعدها، ط السعادة.
(2) راجع شرح مسلم للنووي: 218/ 12، الحسبة في الإسلام لابن تيمية: ص 49 وما بعدها، أعلام الموقعين: 98/ 2 والطرق الحكمية لابن قيم: ص 266 ومابعدها، وانظر التعزير في الشريعة الإسلامية للدكتور عبد العزيز عامر: ص 32 وما بعدها.

(7/5596)


وأما مصاردة السلطان لأرباب الأموال فلا تجوز إلا لعمال بيت المال، على أن يردها لبيت المال (1). وصادر عمر طعاماً من سائل وجده أكثر من كفايته، وتصادر الأموال من كسب غير مشروع.

أقسام العقوبات المالية عند ابن تيمية:
تقسم العقوبات المالية في رأي ابن تيمية إلى ثلاثة أقسام: الإتلاف، والتغيير، والتمليك (2).

1ً - الإتلاف: هو إتلاف محل المنكرات من الأعيان والصفات تبعاً لها، مثل إتلاف مادة الأصنام، بتكسيرها وتحريقها، وتحطيم آلات الملاهي عند أكثر الفقهاء، وتكسير وتخريق أوعية الخمر، وتحريق الحانوت الذي يباع فيه الخمر، على المشهور في مذهب أحمد ومالك وغيرها، عملاً بما فعله عمر من تحريق حانوت خمار، وبما فعله علي من تحريق قرية كما يباع فيها الخمر؛ لأن مكان البيع مثل الأوعية.
ومثل إراقة عمر اللبن المخلوط بالماء للبيع، وبه أفتى طائفة من الفقهاء. ومثله إتلاف المغشوشات في الصناعات كالثياب الرديئة النسج.

2ً - التغيير: قد تقتصر العقوبة المالية على تغيير الشيء، مثل نهي النبي صلّى الله عليه وسلم عن كسر العملة الجائزة بين المسلمين (3)، كالدراهم والدنانير، إلا إذا كان بها بأس، فإذا كان بها بأس كسرت.
_________
(1) حاشية ابن عابدين: 195/ 3 ومابعدها.
(2) الحسبة لابن تيمية: ص 52 وما بعدها.
(3) رواه أبو داود عن عبد الله بن عمر.

(7/5597)


ومثل فعل النبي عليه السلام في التمثال الذي كان في بيته، والستر الذي به تماثيل، إذ أمر بقطع رأس التمثال فصار كهيئة الشجرة، وبقطع الستر، فصار وسادتين يوطآن.
وهكذا اتفق العلماء على إزالة وتغيير كل ما كان من العين أو التأليف المحرم، مثل تفكيك آلات الملاهي، وتغيير الصورة المصورة.
لكن العلماء اختلفوا في جواز إتلاف محل هذه الأشياء تبعاً للشيء الحال فيها، قال ابن تيمية: والصواب جوازه كما دل عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف، وهو ظاهر مذهب مالك وأحمد وغيرهما.

3ً - التمليك: مثل ما روى أبو داود وغيره من أهل السنن عن النبي صلّى الله عليه وسلم فيمن سرق من الثمر المعلق، قبل أن يؤويه إلى الجرين، أن عليه جلدات نكال، وغرمه مرتين. وفيمن سرق من الماشية قبل أن تؤوي إلى المراح أن عليه جلدات نكال، وغرمه مرتين، وكذلك قضاء عمر بن الخطاب في الضالة المكتومة: أن يضعف غرمها على كاتمها.
وقال بهذا طائفة من العلماء مثل أحمد وغيره.
وأضعف عمر وغيره الغرم في ناقة أعرابي أخذها مماليك جياع، أضعف الغرم على سيدهم ودرأ عنه القطع.
وأضعف عثمان بن عفان في المسلم إذا قتل الذمي عمداً، أضعف عليه الدية، فتجب عليه الدية الكاملة، إذ إن دية الذمي نصف دية المسلم. وأخذ به أحمد بن حنبل.
وأجاز المالكية (1) العقوبة في المال إذا كانت جناية الجاني في نفس ذلك لمال أو
_________
(1) الاعتصام للشاطبي: 124/ 2.

(7/5598)


في عوضه، فيتصدق بالزعفران المغشوش على المساكين، وإذا اشترى مسلم من نصراني خمراً، فإنه يكسر وعاؤه على المسلم، ويتصدق بالثمن، تأديباً للنصراني إن كان النصراني لم يقبضه.

نوعا التغريم من حيث الضبط وعدمه:
تغريم المال أو العقوبات المالية كما أبان ابن القيم (1) نوعان: نوع مضبوط، ونوع غير مضبوط. فالمضبوط: ما قابل الشيء المتلف، إما لحق الله تعالى كإتلاف الصيد في الإحرام، أو لحق الآدمي كإتلاف ماله. وقد نبه الله سبحانه وتعالى على أن تضمين الصيد متضمن للعقوبة بقوله: {ليذوق وبال أمره} [المائدة:95/ 5]. ومنه مقابلة الجاني بنقيض قصده من الحرمان، كعقوبة القاتل لمورثه بحرمان ميراثه، وعقوبة الموصى له ببطلان وصيته، وعقوبة الزوجة الناشزة بسقوط نفقتها وكسوتها.
وغير المضبوط: هو غير المقدر المتروك لاجتهاد الأئمة بحسب المصالح. ولذلك لم تأت فيه الشريعة بأمر عام، وقدر محدد كالحدود. وقد اختلف فيه الفقهاء: هل حكمه منسوخ أو ثابت؟ والصواب أنه يختلف باختلاف المصالح، ويرجع فيه إلى اجتهاد الأئمة في كل زمان ومكان بحسب المصلحة؛ إذ لا دليل على النسخ، وقد فعله الخلفاء الراشدون ومن بعدهم من الأئمة.

شروط وجوب التعزير:
يشترط العقل فقط لوجوب التعزير بارتكاب جناية ليس لها حد مقدر في الشرع، فيعزر كل عاقل، ذكر أو أنثى، مسلماً أو كافراً، بالغاً أو صبياً عاقلاً؛ لأن هؤلاء غير الصبي من أهل العقوبة، أما الصبي فيعزر تأديباً لا عقوبة (2).
_________
(1) أعلام الموقعين: 98/ 2.
(2) البدائع: 63/ 7.

(7/5599)


وضابط موجب التعزير: هو كل من ارتكب منكراً أو آذى غيره بغير حق بقول أو فعل أو إشارة، سواء أكان المعتدى عليه مسلماً أم كافراً (1).
قدر التعزير:
يكون التعزيرعلى قدر الجناية، وعلى قدر مراتب الجاني بحسب اجتهاد الحاكم إما بالتغليظ في القول أي الكهر، أو بالحبس، أو بالضرب، أو بالصفع، أو بالقتل، كما في الجماع في غير القبل عند المالكية (2)، أو بالعزل من الولاية، وبإقامته من المجلس، وبالنيل من عرضه مثل: يا ظالم، يا معتدي، ولا بأس بتسويد وجهه، ونداء عليه بذنبه، ويطاف به مع ضربه، ويجوز صلبه، ولايمنع من أكل ووضوء، ويصلي بالإيماء ولا يعيد. وحرم تعزير بحلق لحية، وقطع طرف، وجرح، وكذا بأخذ مال وإتلافه عند الحنابلة. وتعزر تعزيراً بليغاً القوادة التي تفسد النساء والرجال، وينبغي شهر ذلك بحيث يستفيض في الناس.
وأقل التعزير في الضرب: ثلاثة أسواط فصاعداً، ويمكن أن يكون أقل من ثلاثة بحسب الأشخاص، فليس لأقل التعزير حد معين. واختلف العلماء في أقصاه: فقال أبو حنيفة ومحمد والشافعية والحنابلة: لا يبلغ بالتعزير أدنى الحدود المشروعة، فينقص منه سوط، وأدنى الحدود عند الشافعية بالنسبة للأحرار هو أربعون جلدة وهو حد الخمر، وعند الآخرين هو بالنسبة للماليك: وهو أربعون جلدة، وهو حد القذف للعبيد، لقوله عليه السلام: «من بلغ حداً في غير
_________
(1) رد المحتار: 199/ 3، 203، 206. تكملة المجموع: 357/ 18.
(2) القوانين الفقهية لابن جزي: ص 358.

(7/5600)


حد فهو من المعتدين» (1)، ولأن العقوبة على قدر الإجرام والمعصية، والمعاصي المنصوص على حدودها أعظم من غيرها، فلا يجوز أن يبلغ في أهون الأموين عقوبة أعظمهما.
وقال أبو يوسف: لا يبلغ الحد ثمانين، وينقص منه خمسة أسواط؛ لأنه حمل الحد المذكور في الحديث السابق: «من بلغ حداً ... » على الأحرار؛ لأن الأحرار هم المقصودون في الخطاب، وغيرهم ملحق بهم (2). وقد أخذ برأي الإمام علي في أنه ينقص عن الثمانين جلدة خمسة أسواط.
وقال المالكية: يضرب الإمام في التعزير أي عدد أداه إليه اجتهاده، حتى ولو تجاوز أعلى الحدود، فيجوز العزير بمثل الحدود وأقل وأكثر على حسب الاجتهاد؛ لما روي أن معن بن أوس عمل خاتماً على نقش خاتم بيت المال، ثم جاء به صاحب بيت المال، فأخذ منه مالاً، فبلغ عمر رضي الله عنه، فضربه مائة وحبسه، فكلم فيه، فضربه مائة أخرى، فكلم فيه من بعد، فضربه ونفاه (3). وكان جلد عمر لمعن على عدة جنايات: وهي تزويره الخاتم، وأخذ المال من بيت المال، وفتحه باب الاحتيال لغيره من الناس. ويؤيد رأي المالكية أيضاً ما روي عن الإمام علي رضي الله عنه أنه جلد من وجد مع امرأة من غير زنا مائة سوط إلا سوطين.
_________
(1) رواه البيهقي عن النعمان بن بشير، وقال: المحفوظ المرسل، ورواه ابن ناجيه في فوائده، ورواه محمد بن الحسن مرسلاً، ورواه الطبراني بلفظ: «من جلد حداً ... » قال الهيثمي: وفيه محمد بن الحسين القصاص والوليد بن عثمان خال مسعر، ولم أعرفهما، وبقية رجاله ثقات (راجع نصب الراية: 354/ 3، مجمع الزوائد: 281/ 6).
(2) البدائع، المرجع السابق: ص 64، فتح القدير: 214/ 4، تبيين الحقائق: 209/ 3، حاشية ابن عابدين: 190/ 3، 198 ومابعدها، 204 وما بعدها، تكملة المجموع: 357/ 18، المهذب: 288/ 2، المغني: 324/ 8، غاية المنتهى: 333/ 3، 335، السياسة الشرعية لابن تيمية: ص 112، الطرق الحكمية: ص 265، نهاية المحتاج: 175/ 7، مغني المحتاج: 193/ 4.
(3) حاشية الدسوقي: 355/ 4، القوانين الفقهية: ص 358، وقصة معن ذكرها ابن قدامة في المغني: 325/ 8.

(7/5601)


صفات التعزير:
للتعزير صفات (1) أولها ـ أنه عند المالكية والحنابلة: حق واجب لله تعالى إذا رآه الإمام، فلا يجوز للحاكم في الجملة ترك التعزير؛ لأنه زاجر مشروع لحق الله تعالى، فوجب كالحد.
وعند الشافعية: ليس التعزير واجباً، فيجوز للسلطان تركه إذا لم يتعلق به حق لآدمي، فهم كالحنفية، لما روي أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا في الحدود» (2)، ولأن رجلاً جاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلم: فقال: إني لقيت امرأة فأصبت منها ما دون أن أطأها، فقال: «أصليت معنا؟!» قال: نعم، فتلا عليه: {إن الحسنات يذهبن السيئات} [هود:114/ 11] (3). وقال رجل للرسول صلّى الله عليه وسلم: «إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله» (4)، فلم يعزره، فلو لم يجز
_________
(1) المغني: 326/ 8، غاية المنتهى: 333/ 3، البدائع: 64/ 7، حاشية ابن عابدين: 204/ 3 وما بعدها، مغني المحتاج: 193/ 4، قواعد الأحكام: 158/ 1، المهذب: 288/ 2.
(2) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن عدي والعقيلي عن عائشة، وقال العقيلي: له طرق وليس فيها شيء يثبت، وذكره ابن طاهر عن أنس، وقال: الإسناد باطل، ورواه الشافعي وابن حبان وصححه وابن عدي والبيهقي من حديث عائشة بلفظ: «أقيلوا ذوي الهيئات زلاتهم» وقال الشافعي: «سمعت من أهل العلم من يعرف هذا الحديث، ويقول: يتجافى للرجل ذي الهيئة عن عثرته، مالم يكن حداً» وقال في تفسير الهيئة: من لم تظهر منه ريبة. ورواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات بلفظ: «أقيلوا الكرام عثراتهم» وروي في معناه عن ابن مسعود وزيد بن ثابت وابن عباس (راجع التلخيص الحبير: ص 361، جامع الأصول: 344/ 4، مجمع الزوائد: 282/ 6، نيل الأوطار: 135/ 7).
(3) رواه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك، ولأحمد ومسلم من حديث أبي أمامة نحوه، وفي موضوعه عن ابن مسعود عند مسلم والترمذي وأبي داود والنسائي (راجع نيل الأوطار: 100/ 7، أعلام الموقعين: 78/ 2).
(4) وذلك حينما آثر الرسول رجالاً هم المؤلفة قلوبهم وهم ناس من قريش، أسلموا يوم الفتح إسلاماً ضعيفاً، فقال رجل اسمه: «معتِّب بن قشير من بني عمرو بن عوف» وكان من المنافقين: «والله إن هذه القسمة ما عدل فيها، وما أريد فيها وجه الله». رواه أحمد والشيخان عن ابن مسعود (راجع نيل الأوطار: 290/ 7 وما بعدها).

(7/5602)


ترك التعزير، لعزره رسول الله صلّى الله عليه وسلم على ما قال، ويؤيده قصة أخرى رواها عبد الله ابن الزبير: أن رجلاً خاصم الزبير عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم في شراج الحرة (1) الذي يسقون به النخل، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم للزبير: اسق أرضك الماء، ثم أرسل الماء إلى جارك، فغضب الأنصاري، فقال: ىا رسول الله، وأن كان ابن عمتك، فتلون وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقال: يا زبير، اسق أرضك الماء، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر، فقال الزبير: فوالله، إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم} [النساء:65/ 4] ولو لم يجز ترك التعزير لعزره رسول الله صلّى الله عليه وسلم على ما قال (2). والخلاصة: أنه إذا كان التعزير حقاً لله كما في حالة انتهاك الحرمات الدينية فلا يجب تنفيذه، أما إن كان حقاً للعبد ولم يعف عنه مستحقه، فهو واجب التنفيذ.
وأما الحنفية فقالوا: إن التعزير إذا كان حقاً شخصياً لإنسان، فهو واجب لا عفو فيه؛ لأن حقوق العباد ليس للقاضي إسقاطها، وإن كان حقاً لله تعالى فهو مفوض إلى رأي الإمام: إن ظهر له المصلحة فيه أقامه، وإن ظهر عدم المصلحة، أو علم انزجار الجاني بدونه، يتركه أي أن العفو فيه للإمام. وعبارة الكمال بن الهمام فيه هي: «ما وجب من التعزير حقاً لله تعالى يجب على الإمام، ولا يحل له تركه إلا فيما علم أنه انزجر الفاعل قبل ذلك» (3).
ويترتب على أن التعزير حق العبد عند الشافعية: أنه يحتمل العفو والصلح والإبراء؛ وأنه يورث كالقصاص وغيره من سائرحقوق العباد؛ وأنه لا يتداخل؛ لأن حقوق العبد لا تحتمل التداخل.
_________
(1) شراج الحرة: هي مسايل الماء من بين الحجارة إلى السهل.
(2) متفق عليه بين الشيخين وغيرهما.
(3) راجع فتح القدير: 212/ 4 - 213، حاشية ابن عابدين: 205/ 3.

(7/5603)


ويؤخذ فيه الكفالة؛ لأن التكفيل للتوثيق والتعزير حق العبد، فكان التوثيق ملائماً له، بخلاف الحدود على أصل أبي حنيفة رحمه الله تعالى.
ثاني الصفات: أن التعزير أشد الضرب؛ لأنه جرى فيه التخفيف من حيث العدد، فلا يخفف من حيث الوصف، كيلا يؤدي إلى فوات المقصود منه وهو الزجر، ثم يليه حد الزنى ثم حد الشرب، ثم حد القذف (1) كما سبق بيانه.

طرق إثبات جريمة التعزير:
تثبت جريمة التعزير عند الحنفية بماتثبت به سائر حقوق العباد من الإقرار والبينة، والنكول، وعلم القاضي، وتقبل فيه شهادة النساء مع الرجال، والشهادة على الشهادة، وكتاب القاضي إلى القاضي. وسيأتي في بحث القضاء أن المفتى به عدم جواز قضاء القاضي بعلمه الشخصي في الحوادث مطلقاً في زماننا، منعاً للتهمة، وسداً للباب بسبب فساد قضاة الزمان.
وروي عن أبي حنيفة أنه لا تقبل فيه شهادة النساء. قال الكاساني: والصحيح هو الأول؛ لأنه حق العبد على الخلوص، فيظهر بما يظهر به حقوق العباد (2).

ضمان موت المعزر أو المحدود:
قال الحنفية والمالكية والحنابلة: إذا عزر الإمام رجلاً، أو حدَّه فمات من التعزير أو الحد، فلا ضمان عليه؛ لأن التعزير عقوبة مشروعة للردع والزجر، فلم
_________
(1) فتح القدير: 216/ 4 وما بعدها، تبيين الحقائق: 210/ 3، حاشية ابن عابدين: 199/ 3.
(2) البدائع: 65/ 7، حاشية ابن عابدين: 205/ 3.

(7/5604)


يضمن من تلف بها كالحد، ولأن الإمام مأمور بالحد والتعزير، وفعل المأمور لا يتقيد بشرط السلامة (1).
وقال الشافعي: لا يجب على الإمام ضمان موت المحدود؛ لأن الحق قتله، سواء في ذلك الجلد والقطع، وسواء جلده في حر وبرد مفرطين أم لا، وسواء أكان الجلد في مرض يرجى برؤه أم لا، إلا أن تكون المرأة حاملاً، فيموت الجنين، فيجب الضمان؛ لأنه مضمون فلا يسقط ضمانه بجناية غيره. ويجب ضمان موت المعزَّر، لما روي عن علي كرم الله وجهه أنه قال: «ما من رجل أقمت عليه حداً، فمات، فأجد في نفسي أنه لا دية عليه، إلا شارب الخمر، فإنه لو مات وديته؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلم لم يسنَّه» (2)، أي لم يسن مقداراً معيناً في جلد شارب الخمر، وإنما فعل أفعالاً مختلفة يجوز جميعها، ومنها: أنه عليه السلام حد في الخمر أربعين كما روى علي نفسه (3)، وهذا أمر متفق عليه، والخلاف بين الفقهاء إنما هو في الزيادة على الأربعين، فليس المراد إذن من حديث علي أن الشخص مات من الحد؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلم حد في الخمر، كما ذكرت، فثبت أنه أراد بقوله: «لو مات وديته» أي من
_________
(1) فتح القدير: 217/ 4، تبيين الحقائق: 211/ 3، مجمع الضمانات: ص 201، حاشية ابن عابدين: 208/ 3، حاشية الدسوقي: 355/ 4، المغني: 310/ 8 وما بعدها.
(2) أخرجه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود وابن ماجه وفي روايتهما قال: «لا أدي ـ أي لا أعطي ديته ـ أو ما كنت أدي من أقمت عليه الحد إلا شارب الخمر، فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، لم يسن فيه شيئاً، وإنما هو شيء قلناه نحن» ومعنى «لم يسنه»: لم يقدره ويوقته بلفظه ونطقه، ففيه دليل على أن الخمر لم يكن فيه حد محدود من رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فهو من باب التعزيرات، فإن مات ضمنه الإمام. (راجع جامع الأصول: 337/ 4، نصب الراية: 352/ 3، سبل السلام: 38/ 4، نيل الأوطار: 143/ 7).
(3) رواه مسلم في قصة الوليد بن عقبة الذي شهد عليه رجل أنه رآه يتقيأ الخمر، فأمر الرسول صلّى الله عليه وسلم بجلده، كما روى حصين بن المنذر، وعلي يعد حتى بلغ أربعين، ثم قال: «جلد رسول الله صلّى الله عليه وسلم أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وجلد عمر ثمانين، وكل سنة، وهذا أحب إلى» (راجع التلخيص الحبير: ص 360، سبل السلام: 30/ 4، نيل الأوطار: 138/ 7).

(7/5605)


الزيادة على الأربعين، وهذا تعزير، ولأن التعزير ضرب جعل إلى اجتهاد الإمام، فإذا أدى إلى التلف ضمن كضرب الزوج زوجته، إذ أن التعزير مشروط بسلامة العاقبة، باعتبار أن المقصود هو التأديب لا الهلاك، فإذا حصل به هلاك تبين أنه جاوز الحد المشروع. والهلاك الحاصل إن كان بضرب يقتل غالباً، فيجب فيه القصاص إذا لم يكن الضارب أصلاً (أباً أو جداً) للمضروب. وإن لم يكن الضرب قاتلاً في الغالب، فيجب دية شبه العمد على العاقلة (العصبات).

حق التأديب:
وأما إذا ضرب الأب ولده تأديباً، أو ضرب الزوج زوجته، أو المعلم إذا ضرب الصبي تأديباً، فتلف من التأديب المشروع، فإن أبا حنيفة والشافعي قالا في هذه الحالات: إنه يجب الضمان، ودليلهما عرفناه في الحالة السابقة، ولأنه تأديب مباح، فيتقيد بشرط السلامة كالمرور في الطريق ونحوه. وقال مالك وأحمد والصاحبان: لا ضمان عليه في هذه الحالات؛ لأن التأديب فعل مشروع للزجر والردع، فلا يضمن التالف به كما في الحدود (1).

التعزير للإمام: التعزير كالحدود منوط بالإمام، وليس لأحد حق التعزير إلا لثلاثة: الأب، والسيد، والزوج.
أما الأب: فله تأديب ولده الصغير وتعزيره للتعلم والتخلق بالأخلاق الفاضلة وزجره عن سيئها، وللأمر بالصلاة والضرب عليها عند الاقتضاء. والأم مثل الأب في أثناء الحضانة والكفالة، وليس للأب تعزير البالغ وإن كان سفيهاً.
_________
(1) راجع المهذب: 271/ 2، 289، نيل الأوطار: 140/ 7 - 145، الميزان: 172/ 2، مغني المحتاج: 191/ 4، 199 ومابعدها، المبسوط: 13/ 16، الدرا لمختار: 401/ 5، درر الحكام: 77/ 2، المغني: 327/ 8، غاية المنتهى: 285/ 3، رحمة الأمة بهامش الميزان: 160/ 2.

(7/5606)


والسيد: يعزر رقيقه في حق نفسه وفي حق الله تعالى.
والزوج: له تعزير زوجته في أمر النشوز وأداء حق الله تعالى كإقامة الصلاة وصيام رمضان بما يراه مناسباً في إصلاح زوجته من زجر؛ لأن كل هذا من باب إنكار المنكر، والزوج من جملة المكلفين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (1).
_________
(1) سبل السلام: 38/ 4، المهذب: 275/ 2.

(7/5607)