الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي

البَابُ الثَّالث: الجنايات وعقوباتها: القصاص والدّيات خطة البحث:
الكلام عن الجنايات طويل ذو فروع متعددة وتفصيلات متشعبة، ويمكن ضبطه والإحاطة به على وفق الخطة التالية في فصول خمسة:
الفصل الأول ـ الجناية على النفس (القتل بأنواعه وعقوبة القصاص والدية).
الفصل الثاني ـ الجناية على ما دون النفس (الشجاج والجراح والدية والأرش).
الفصل الثالث ـ الجناية على نفس غير مكتملة (الجناية على الجنين أو الإجهاض).
الفصل الرابع ـ حالات طارئة من الاعتداء بطريق التسبب (جناية الحيوان، وجناية الحائط المائل).
الفصل الخامس ـ طرق إثبات الجناية (الشهادة، الإقرار، القسامة ... إلخ).

(7/5609)


تمهيد:
تعريف الجناية: الجناية أو الجريمة لغة: هي الذنب أو المعصية، أو كل مايجنيه المرء من شر اكتسبه. ولها في الشرع معنى عام وخاص. أما الأول فالجناية: هي كل فعل محرَّم شرعاً، سواء وقع الفعل على نفس أو مال أو غيرهما (1). وعرفها الماوردي (2) بقوله: الجرائم: محظورات شرعية زجر الله تعالى عنها بحد أو تعزير. والمحظور: إما إتيان منهي عنه، أو ترك مأمور به.
وأما المعنى الثاني فهو اصطلاح خاص للفقهاء، وهو إطلاق الجناية على الاعتداء الواقع على نفس الإنسان أو أعضائه. وهو القتل والجرح والضرب (3). ويبحثه الفقهاء إما تحت عنوان «كتاب الجنايات» كالحنفية، أو «كتاب الجراح» كالشافعية والحنابلة الذين اعتبروا الجراحة هي السبب الغالب في الاعتداء. وينتقدهم الشراح بقولهم (4): التبويب بالجنايات أولى لشمولها الجناية بالجرح وغيره كالقتل بمثقل كالعصا والحجر، وبمسموم، وسحر.
أو بعنوان «باب الدماء» كالمالكية، ناظرين إلى نتيجة الجريمة غالباً.

أنواع الجناية: الجناية بصفة عامة نوعان (5): جناية على البهائم والجمادات، وتبحث عادة في باب الغصب والإتلاف. وجناية على الإنسان الآدمي، وهي محل البحث هنا.
_________
(1) للقانونيين اصطلاح آخر في معنى الجناية: وهي الجريمة المعاقب عليها إما بالإعدام، أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة، أو السجن من ثلاث سنوات إلى خمس عشرة سنة.
(2) الأحكام السلطانية: ص 211 ط صبيح.
(3) تبيين الحقائق للزيلعي: 97/ 6.
(4) مغني المحتاج: 2/ 4.
(5) البدائع: 233/ 7.

(7/5611)


والجناية على الإنسان بحسب خطورتها أنواع ثلاثة: جناية على النفس وهي القتل، وجناية على ما دون النفس وهي الضرب والجرح، وجناية على ما هو نفس من وجه دون وجه وهي الجناية على الجنين، أو الإجهاض في اصطلاح القانونيين. وسميت كذلك؛ لأن الجنين يعد جزءاً من أمه، غير مستقل عنها في الواقع، ومن جهة أخرى يعد نفساً مستقلة عن أمه بالنظر للمستقبل؛ لأن له حياة خاصة، وهو يتهيأ لأن ينفصل عنها بعد حين، ويصبح ذا وجود مستقل (1).
والجنايات على النفوس بحسب القصد وعدمه ثلاثة: عمد، وشبه عمد، وخطأ. فإذا قصد الجاني الجريمة أو الاعتداء، وترتب على فعله حدوث الأثر المقصود، كانت الجريمة عمداً. أما إذا تعمد الاعتداء ولم يقصد حدوث النتيجة، كانت الجريمة شبه عمد (أي ضرباً مفضياً للموت). فإن لم يقصد الاعتداء أصلاً كانت الجريمة خطأ.
_________
(1) كشف الأسرار على أصول البزدوي: ص 1359 وما بعدها، ط حسين حلمي.

(7/5612)