الفقه
الإسلامي وأدلته للزحيلي الفَصْلُ الثَّالث: حكم الأنفال والغنائم
يترتب على قيام الحرب آثار في أموال العدو تعرف لدى الفقهاء بأموال الفيء
والغنائم: وهي ما وصلت من الحربيين أو كانوا سبب وصولها (1). ومن هذه
الأموال ما يعرف باسم خاص يخص به الإمام أحد المجاهدين ويعرف بالأنفال. فما
معنى كل لفظ على حدة وما حكمه؟
1 - النَّفَل: النفل في اللغة: عبارة عن الزيادة، وفي الاصطلاح: عبارة عما
خصه الإمام لبعض المجاهدين تحريضاً لهم على القتال، سمي نفلاً، لكونه زيادة
عن حصته من الغنيمة.
والتنفيل: تخصيص بعض المجاهدين بالزيادة، كأن يقول ولي الأمر: من أصاب
شيئاً فله ربعه أو ثلثه، أو فهو له، أو من قتل قتيلاً فله سَلبَه (2) أو
يقول لسرية: «ما أصبتم فهو لكم».
وهذا جائز لما فيه من تحريض على القتال، والله تعالى يقول: {يا أيها النبي
حرِّض المؤمنين على القتال} [الأنفال:65/ 8] ويجوز التنفيل في سائر الأموال
من الذهب والفضة والسَلبَ وغيرها.
_________
(1) الأحكام السلطانية للماوردي: ص 121.
(2) سيأتي تفسير السلب قريباً، وهذا نص حديث.
(8/5891)
ولا بأس أن يُنفِّل الإمام في حال القتال،
ويحرض بالنَّفَل على القتال، فيقول: من قتل قتيلاً فله سلبه، أو يقول لسرية
(هي القطعة من الجيش): قد جعلت لكم الربع أو النصف بعد أخذ الخمس، لما فيه
من تقوية القلوب، وإغراء المقاتلة على المخاطرة وإظهار الجلادة رغبة في
القتال. وقال الله تعالى: {حرض المؤمنين على القتال} [الأنفال:65/ 8] وهذا
نوع من التحريض.
والسَّلب: هو ثياب المقتول وسلاحه الذي معه، ودابته التي ركبها بما عليها،
وما كان معه من مال. وأما ما يكون مع خادم للمقتول على فرس آخر أو ما معه
من أموال على دابة أخرى، فكله من الغنيمة التي هي من حق جماعة الغانمين
كلهم. هذا مذهب الحنفية (1) والمالكية (2) الذي يقتضي أن القاتل لا يستحق
سلب المقتول إلا بإذن الإمام، أي بأن ينفله له الإمام بعد انتهاء الحرب
بطريق الاجتهاد. فإذا لم يجعل السلب
للقاتل فهو من جملة الغنيمة، ويكون القاتل وغيره في السلب سواء؛ لأنه مأخوذ
بقوة الجيش، فيكون غنيمة لهم.
وقال الشافعية والحنابلة: يستحق القاتل سلب المقتول في كل حال بدون إذن
الإمام (3) بدليل عموم قوله صلّى الله عليه وسلم: «من قتل قتيلاً فله سلبه»
(4).
_________
(1) البدائع:7/ 114 وما بعدها، فتح القدير: 4/ 333 ومابعدها، تبيين
الحقائق: 4/ 258.
(2) بداية المجتهد: 384/ 1، الفروق للقرافي: 7/ 3.
(3) راجع مغني المحتاج: 99/ 3، المغني لابن قدامة: 388/ 8.
(4) رواه الجماعة إلا النسائي، ورواه الموطأ وأحمد عن أبي قتادة الأنصاري
ورواه البيهقي عن سمرة، كما رواه غيرهما. وأما حديث «ليس لك من سلب قتيلك
إلا ما طابت به نفس إمامك» فهو منقطع (راجع جامع الأصول: 291/ 3، شرح مسلم:
59/ 12، مجمع الزوائد: 331/ 5، نصب الراية: 428/ 3 - 430، نيل الأوطار:
261/ 7، سبل السلام: 52/ 4).
(8/5892)
وقد روي أن «أبا طلحة رضي الله عنه قتل يوم
خيبر عشرين قتيلاً، وأخد أسلابهم» (1).
ومنشأ الخلاف بين الفريقين: هل قوله صلّى الله عليه وسلم: «من قتل قتيلاً
فله سلبه» صادر منه بطريق الإمامة أم بطريق الفتيا؟
قال الحنفية والمالكية: إن السلب لم يكن للقاتل إلا يوم حنين، فتخصيص بعض
المجاهدين به موكول إلى اجتهاد الإمام، فهو تصرف مقول بطريق الإمامة
والسياسة. وما وقع منه صلّى الله عليه وسلم بالإمامة لا بد فيه من إذن
الإمام في كل عصر من العصور.
وقال الشافعية والحنابلة: إن تنفيل السلب تصرف حادث من الرسول صلّى الله
عليه وسلم بطريق الفتيا، لا بطريق الإمامة، وكل ما وقع منه بطريق الفتيا
والتبليغ يستحق بدون قضاء قاض أوإذن إمام (2).
وهذا الخلاف يجري في فهم حديث: «من أحيا أرضاً ميتة فهي له» (3) فهل يحتاج
إصلاح الأرض لتملكها إلى إذن الإمام أو لا؟ رأيان كما لا حظنا.
والتنفيل بناء على رأي الفريق الأول إنما يكون في مباح القتل، فلا يستحق
بقتل غير المقاتلة كالصبي والمرأة والمجنون ونحوهم. ولا يشترط في استحقاق
النفل سماع القاتل مقالة الإمام؛ لأن إسماع كل المجاهدين متعذر.
_________
(1) رواه أبو داود وأحمد وابن حبان والحاكم عن أنس (راجع نيل الأوطار: 262/
7، نصب الراية: 429/ 3).
(2) راجع الفروق للقرافي: 195/ 1، 7/ 3 وما بعدها.
(3) رواه البخاري في صحيحه عن عائشة، وروي عن سبعة آخرين من الصحابة (راجع
نصب الراية: 288/ 4).
(8/5893)
ويشترط لجواز التنفيل أن يكون قبل حصول
الغنيمة في أيدي الغانمين، فإن حصلت في أيديهم، فلا نفل إلا من الخمس
ونحوه.
وحكم التنفيل: اختصاص القاتل بالنفل،
فلا يشاركه فيه أحد من الغانمين، ولكن لا يتم تملكه إلا بالإحراز في دار
الإسلام عند أبي حنيفة، وأبي يوسف. وأما عند محمد فيتم تملكه قبل الإحراز
بدارنا (1).
2 - الفيء: الفيء في اللغة: الرجوع،
واصطلاحاً: هو المال الذي يؤخذ من الحربيين من غير قتال، أي بطريق الصلح
كالجزية والخراج (2). وقد كان الفيء لرسول الله صلّى الله عليه وسلم خاصة
يتصرف فيه كيف شاء، لقوله تعالى: {وما أفاء الله على رسوله منهم، فما
أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب، ولكن الله يسلط رسله على من يشاء، والله على
كل شيء قدير} [الحشر:6/ 59] وروي عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه قال: «كانت
أموال بني النضير مما أفاء الله عز وجل على رسوله صلّى الله عليه وسلم،
وكانت خالصة له، وكان ينفق منها على أهله نفقة سنة، وما بقي جعله في
الكُراع (3) والسلاح» (4).
وأما بعد الرسول صلّى الله عليه وسلم فيكون الفيء لجماعة المسلمين، يصرف في
مصالح المسلمين عامة. والفرق بين الرسول وغيره من الأئمة: أن الأئمة ينصرون
بالقوة المعنوية لقومهم، أما الرسول عليه الصلاة والسلام فإنه منصور بما
آتاه الله من هيبة
_________
(1) راجع الدر المختار ورد المحتار عليه: 261/ 4 - 264، البدائع: 115/ 7.
(2) راجع آثار الحرب: والمراجع التي فيه: ص 553.
(3) الكراع ـ بضم الكاف: اسم يطلق على الخيل والبغال والحمير.
(4) رواه الشيخان وأحمد عن عمر (نيل الأوطار: 71/ 8، الإلمام: ص 503).
(8/5894)
خاصة به، كما قال عليه الصلاة والسلام:
«نصرت بالرعب مسيرة شهر» (1).
وبناء عليه: إذا دخل حربي في دار الإسلام بغير أمان، فأخذه أحد المسلمين،
يكون فيئاً لجماعة المسلمين، ولا يختص به الآخذ عند أبي حنيفة؛ لأن سبب
ثبوت الملك فيه متحقق بالنسبة لجميع أهل دار الإسلام. وعند الصاحبين: يكون
للآخذ خاصة؛ لأن سبب الملك وهو الأخذ والاستيلاء وجد حقيقة من الآخد خاصة.
ويخمَّس المنقول من الفيء كالغنيمة عند الشافعية، فيكون الخمس لمن ذكرته
آية الغنائم: {واعلموا أنما غنمتم من شيء} [الأنفال:41/ 8] ويقسم الخمس
خمسة أسهم: سهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم ويجعل بعد وفاته في مصالح
المسلمين، وسهم ذوي القربى وهم بنو هاشم وبنو المطلب، وسهم اليتامى، وسهم
المساكين، وسهم أبناء السبيل.
وأما عقارات الفيء فتوقف لمصالح بيت مال المسلمين، لآية الفيء السابقة: {ما
أفاء الله على رسوله من أهل القرى فللَّه وللرسول ولذي القربى واليتامى
والمساكين وابن السبيل} [الحشر:7/ 59] ومن مصارف الفيء: النفقة على أسر
المجاهدين والشهداء، وهم المرتزقة، وعلى العلماء ونحوهم ممن تحتاج إليهم
الأمة.
_________
(1) أخرجه البخاري ومسلم والنسائي عن جابر بن عبد الله بلفظ «أعطيت خمساً
لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض
مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم
ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت
إلى الناس عامة» ويروى عن جماعة آخرين من الصحابة، وهو حديث متواتر (الجامع
الصغير: ص 471، مجمع الزوائد: 65/ 6، تلخيص الحبير، الطبعة الجديدة بمصر:
140/ 3).
(8/5895)
3 - الغنيمة:
الغنيمة في اللغة: الفوز بالشيء بلا مشقة، واصطلاحاً: هي ما أخذ من أموال
أهل الحرب عنوة بطريق القهر والغلبة (1)، وللغنائم أحكام:
الحكم الأول ـ ثبوت الحق والملك فيها:
إن حق الغانمين في تملك الغنائم عند الحنفية يتدرج في مراتب ثلاث، يثبت في
أولها أصل الحق العام، ويتأكد في ثانيها هذا الحق، ويتخصص في ثالثها حق كل
مجاهد به.
ففي المرتبة الأولى ـ يتعلق أصل الحق العام في تملك الغنيمة للغانمين بمجرد
الأخذ والاستيلاء، ولكن لا تثبت الملكية قبل الإحراز بدار الإسلام عند
الحنفية (2).
وعند بقية الأئمة والشيعة الزيدية والإمامية: تنتقل ملكية أموال العدو إلى
الغانمين بمجرد الاستيلاء، فيثبت لهم الملك في الغنيمة قبل الإحراز بدار
الإسلام (3).
إلا أن الراجح عند الشافعية أن تملك أموال الأعداء لا يثبت إلا بالاستيلاء
مع القسمة أو اختيار التملك (4).
وقد فرع الحنفية على الأصل المقرر عندهم هذه الفروع الفقهية:
أـ إذا مات واحد من الغانمين في دار الحرب لا يورث نصيبه.
_________
(1) آثار الحرب، المرجع السابق.
(2) فتح القدير: 309/ 4، البدائع: 121/ 7.
(3) آثار الحرب: ص 556 ومابعدها.
(4) مغني المحتاج: 234/ 4، المهذب: 241/ 2.
(8/5896)
ب ـ إذا باع الإمام شيئاً من الغنائم، لا
لحاجة المجاهدين، لا يجوز.
جـ ـ إذا أتلف أحد الغانمين شيئاً، لا يضمنه.
د ـ إذا لحق المدد الجيش في دار الحرب، فأحرزوا جميعهم الغنائم إلى دار
الإسلام، يشاركونهم في القسمة.
هـ ـ إذا قسم الإمام الغنيمة في دار الحرب قسمة مجازفة بدون اجتهاد ولا
لحاجة المجاهدين، فإن القسمة لا تصح.
وأما عند الأئمة الآخرين فإن حكم هذه الفروع على العكس تماماً مما هو مقرر
لدى الحنفية.
وأما فائدة ثبوت أصل الحق العام في الغنيمة عند الحنفية فهو يظهر فيما يلي:
إذا أسلم الأسير في دار الحرب، فإنه لا يكون حراً، ويدخل في قسمة الغنيمة،
وإذا أسلم قبل الأسر يكون حراً، ولا يدخل في القسمة؛ لأنه بالأسر يتعلق به
حق الغانمين، فإذا وجد الإسلام قبل الأسر لم يتعلق به حق أحد.
ولو أسلم أرباب الأموال قبل الإحراز بدار الإسلام، فإن أموالهم لا تكون
خاصة بهم، وإنما يساهمون مع غيرهم من المجاهدين في القسمة والاستحقاق، بسبب
اشتراكهم مع المجاهدين في الإحراز بدار الإسلام، فيكونون كالمدد اللاحق
بالجيش.
وكذلك ليس لأحد المجاهدين أن يأخذ شيئاً من الغنائم من غير حاجة، لثبوت أصل
الحق العام للغانمين فيما غنموه، ولو لم يثبت أصل الحق، لكان المال الذي
غنم بمنزلة المباح (1).
_________
(1) راجع البدائع: 121/ 7 وما بعدها، فتح القدير: 309/ 4 وما بعدها، تبيين
الحقائق: 251/ 3.
(8/5897)
استدل الحنفية على مذهبهم بأن الاستيلاء
إنما يفيد الملك إذا ورد على مال مباح غير مملوك لأحد، وهذا المعنى لم
يتوافر في الغنيمة؛ لأنها مملوكة للأعداء في الأصل، ولم تزل ملكيتهم عنها
إلا بالإحراز بدار الإسلام.
واستدل غير الحنفية بأن سبب الملك هو الاستيلاء التام، وقد وجد فيفيد
الملك، كالاستيلاء على سائر المباحات كالحطب والحشيش ونحوهما، ثم إن الأدلة
الدالة على استحقاق الغنيمة عامة، مثل قوله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من
شيء} [الأنفال:41/ 8] الآية (1).
وفي المرتبة الثانية ـ أي بعد الإحراز بدار الإسلام قبل القسمة: يتأكد الحق
العام في الغنيمة ويستقر على ملك الغانمين، ولكن لا يثبت الملك أيضاً عند
الحنفية.
ولهذا قالوا: لو مات أحد المجاهدين، يورث نصيبه، ولو باع الإمام شيئاً من
الغنيمة أو قسمها، جاز، ولو لحقهم مدد لا يشاركون الغانمين، وإذا أتلف أحد
شيئاً من الغنيمة يضمنه.
وفي المرتبة الثالثة ـ أي بعد الإحراز والقسمة يثبت الملك الخاص لكل واحد
من المجاهدين فيما هو نصيبه؛ لأن القسمة إفراز الأنصباء وتعيينها (2).
أوجه الانتفاع بالغنيمة في دار الحرب:
إذا تم الاستيلاء على الغنائم، فلا بأس بالانتفاع بها عند الحنفية قبل
الإحراز بدار الإسلام، وذلك بالأكل والشرب والعلف والحطب منها، لعموم حاجة
الغانمين، سواء أكان المنتفع غنياً أم فقيراً؛
_________
(1) المرجعان السابقان للشافعية (مغني المحتاج والمهذب)، المغني: 422/ 8.
(2) راجع فتح القدير: 310/ 4، البدائع: 122/ 7، تبيين الحقائق: 252/ 3.
(8/5898)
لأن في إلزام الغني حمل الطعام والعلف من
دار الإسلام إلى دار الحرب، مدة الذهاب والإياب والإقامة، حرجاً عظيماً،
فكانت الحاجة عامة.
ولا يباح لهم بيع شيء مما يباح الانتفاع به، إذ لا ضرورة إلى البيع، ولو
باع أحدهم شيئاً ردّ ثمنه إلى الغنيمة، إن تم البيع قبل قسمة الغنيمة. أما
بعد القسمة: فإن كان البائع غنياً تصدق بقيمة المبيع على الفقراء، لتعذر
توزيعه على الغانمين، وإن كان البائع فقيراً أخذ القيمة؛ لأن المبيع، لو
كان موجوداً، لكان له حق أكله.
وكذلك إذا فضل شيء من الطعام والعلف من الغانمين بعد الإحراز بدا ر
الإسلام، فإنه قبل القسمة يرد إلى الغنيمة إن كان حامله غنياً، وإن كان
فقيراً يأكل منه. أما بعد القسمة: فإن كان حامل الطعام أو العلف غنياً،
تصدق به على الفقراء إن كان موجوداً، وبقيمته إن كان هالكاً، وإن كان
فقيراً ينتفع به.
فإن لم يفضل شيء في يد من أخذ الطعام والعلف قبل الإحراز بدار الإسلام،
فإنه لا يجوز الانتفاع بشيء من الغنيمة بعد الإحراز بدار الإسلام، لزوال
المبيح، وهي الضرورة (1).
وأما ما عدا الطعام والعلف من الأموال: فلا يباح للمجاهدين أن يأخذوا شيئاً
منها، لتعلق حق الجماعة بها، إلا أنه إذا احتاج أحدهم إلى استعمال شيء من
السلاح أو الدواب أو الثياب، لصيانة سلاحه ودابته وثيابه، فلا بأس
باستعماله، فإن استغنى عنه رده إلى المغنم؛ لأن المحظور يستباح للضرورة،
والضرورة تقدر بقدرها (2).
_________
(1) تبيين الحقائق، المرجع السابق: ص 252 وما بعدها. البدائع: 124/ 7،
الكتاب مع اللباب: 121/ 4.
(2) المراجع السابقة.
(8/5899)
وإذا أراد المسلمون العودة إلى دار الإسلام
ومعهم مواشٍ أو أسلحة، ولم يقدروا على نقلها إلى دار الإسلام، ذبحوا
المواشي وأحرقوها بعد الذبح، وأتلفوا الأسلحة حتى لا يستفيد منها العدو.
الحكم الثاني ـ كيفية ومكان قسمة الغنائم:
إن كيفية توزيع الغنائم موضحة في قوله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء،
فأن لله خمسه، وللرسول، ولذي القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل إن
كنتم آمنتم بالله، وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان،
والله على كل شيء قدير} [الأنفال:41/ 8] فتقسم الغنيمة خمسة أسهم: الخمس
لمن ذكرتهم الآية والأربعة الأخماس للغانمين، وهذا ما بينه ابن عباس: قال:
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا بعث سرية، فغنموا، خمَّس الغنيمة،
فضرب ذلك الخمس في خمسة، ثم قرأ: {واعلموا أنما غنمتم من شيء ... }
[الأنفال:41/ 8] الآية، فجعل سهم الله وسهم الرسول واحداً، ولذي القربى،
فجعل هذين السهمين قوة في الخيل والسلاح، وجعل سهم اليتامى والمساكين وابن
السبيل لا يعطيه غيرهم، وجعل الأسهم الأربعة الباقية: للفرس سهمين، ولراكبه
سهماً، وللراجل سهماً (1).
ويقول بعض العلماء: تقسم الغنيمة على ستة أسهم، منها سهم الكعبة.
وقال الإمام مالك: إن أمرالقسمة موكول إلى نظر الإمام، ومصروف في مصالح
المسلمين. وما ذكر في الآية تنبيه على أهم من يدفع إليهم الخمس (2).
_________
(1) رواه البيهقي: والطبراني وفي سنده متروك (راجع سنن البيهقي: 324/ 6،
مجمع الزوائد: /340، نصب الراية: 426/ 3 وما بعدها، تلخيص الحبير، الطبعة
المصرية: 99/ 3 وما بعدها).
(2) آثار الحرب: هامش ص 629.
(8/5900)
وسهم الرسول صلّى الله عليه وسلم عند جمهور
الفقهاء: كان يأخذ منه الرسول كفايته لنفسه وعياله ويدخر منه مؤنة سنة، ثم
يصرف الباقي في مصالح المسلمين العامة كشراء الأسلحة ونحوها، لقوله صلّى
الله عليه وسلم: «إنا معشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة» (1).
والصحيح عند الحنفية أن سهم ذوي القربى كان يصرف للفقراء منهم دون
الأغنياء. وقال جمهور الفقهاء: يشترك الغني والفقير والنساء في سهم
القرابة، لإطلاق الآية: {ولذي القربى} [الأنفال:41/ 8] ولأن النبي صلّى
الله عليه وسلم أعطى العباس منه، وكان من أغنياء قريش، وكان الزبير يأخذ
سهم أمه صفية عمة النبي صلّى الله عليه وسلم.
ثم اختلف الناس في سهم الرسول صلّى الله عليه وسلم وسهم ذي القربى بعد
وفاته.
فقالت طائفة، منهم الشافعية: سهم الرسول عليه السلام للخليفة من بعده.
وقالت طائفة: سهم ذي القربى لقرابة الخليفة. وأجمعوا أن جعلوا هذين السهمين
في المصالح العامة كالخيول والأسلحة للجهاد في سبيل الله.
وقالت الحنفية: سقط سهم الرسول بموته؛ لأنه كان يأخذه بوصف الرسالة، لا
بوصف الإمامة. وهذا مخالف لجمهور الأئمة.
والمراد بذي القربى هنا: هم بنو هاشم
وبنو طالب دون بني عبد شمس وبني نوفل؛ لأن الأوائل لم يفارقوا الرسول صلّى
الله عليه وسلم في جاهلية ولا إسلام، كما قال الرسول صلّى الله عليه وسلم،
وشبك بين أصابعه (2). ويصرف اليوم في المصالح العامة.
_________
(1) حديث متواتر مروي عن ثلاثة عشر صحابياً، منهم عمر الذي روى الحديث عنه
مالك بن أوس بن الحدثان الذي روى حديثه الجماعة، إلا ابن ماجه، واللفظ
المذكور عن أبي هريرة (راجع النظم المتناثر من الحديث المتواتر للسيد محمد
بن جعفر الكتاني: ص 138، جامع الأصول: 300/ 3 وما بعدها، تلخيص الحبير،
الطبعة المصرية: 134/ 3).
(2) رواه البخاري وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن جبير بن مطعم
(جامع الأصول: 295/ 3، نصب الراية: 425/ 3، تلخيص الحبير، الطبعة المصرية:
101/ 3، نيل الأوطار: 69/ 8).
(8/5901)
والخلاصة: أن مذاهب الفقهاء في قسمة خمس
الغنيمة بعد عهد النبوة مايأتي:
قال الحنفية: تقسم على ثلاثة أسهم: سهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم
لأبناء السبيل.
وأما ذكر الله تعالى في الخمس فإما هو لافتتاح الكلام، تبركاً باسمه تعالى.
وسهم النبي صلّى الله عليه وسلم سقط بموته، كما سقط الصَّفي: وهو شيء كان
يصطفيه النبي صلّى الله عليه وسلم لنفسه، أي يختاره من الغنيمة، مثل درع
وسيف. وسهم ذوي القربى كانوا يستحقونه في زمن النبي صلّى الله عليه وسلم
بالنصرة له، وبعد وفاته بالفقر لانقطاع النصرة.
وقال الشافعي وأحمد والظاهرية وجمهور المحدثين: توزع الغنيمة على خمسة
أسهم:
أولها ـ سهم المصالح (سهم الله ورسوله) وثانيها ـ سهم ذوي القربى وهم بنو
هاشم من أولاد فاطمة وغيرها، وثلاثة أسهم أخرى إلى ما نص الله عليهم.
وقال الإمام مالك: إن القسمة مفوض أمرها إلى الإمام، يفعل ما يراه مصلحة
(1).
وأما الأربعة الأخماس: فهي للغانمين،
ويساهم فيها الرجل المسلم المقاتل بأن يكون من أهل القتال، ودخل المعركة
على قصد القتال، سواء قاتل أم لم يقاتل؛ لأن الجهاد إرهاب للعدو.
_________
(1) آثار الحرب: هامش ص 628 وما بعدها، البدائع: 125/ 7، بداية المجتهد:
277/ 1، مغني المحتاج: 94/ 3.
(8/5902)
أما المرأة
والصبي المميز والذمي: فليس لهم سهم كامل؛ لأنهم ليسوا من أهل
القتال، ولكن يرضخ (1) لهم بحسب ما يرى الإمام من عنايتهم.
ومقدار الاستحقاق يختلف بحسب ما إذا كان القاتل فارساً أوراجلاً، فقال أبو
حنيفة والشيعة الإمامية: يعطى للفارس سهمان، وللراجل سهم واحد.
وقال الصاحبان وجمهور العلماء والشيعة الزيدية: يعطى للفارس ثلاثة أسهم،
وللراجل سهم واحد.
وسبب تفضيل الفارس على الراجل: هو أن
المحارب كان في الماضي يملك الفرس التي يخرج بها للجهاد، ويلتزم بمؤونتها.
ومذهب الجمهور أصوب لصحة ثبوته عن الرسول صلّى الله عليه وسلم، فإنه كما
روى ابن ماجه والبيهقي أن الرسول صلّى الله عليه وسلم أسهم يوم حنين للفارس
ثلاثة أسهم: للفرس سهمان وللرجل سهم (2).
وأما حديث الدارقطني الذي نصه: «للفارس سهمان وللراجل سهم» ففي إسناده ضعيف
وفي متنه وهم (3).
_________
(1) الرضخ لغة: العطاء ليس بالكثير، وشرعاً: مال تقديره إلى رأي الإمام
محله الخمس كالنفل. والنفل في الشرع: الزيادة من خمس الغنيمة كما سبق
بيانه.
(2) رواه ابن ماجه بهذا اللفظ، وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي
وأحمد والبيهقي عن ابن عمر (نيل الأوطار: 281/ 8 وما بعدها، الإلمام: ص
502، جامع الأصول: 272/ 3، سنن ابن ماجه: 102/ 2، سنن البيقهي: 325/ 6).
(3) رواه ابن عباس، وقال عنه الزيلعي: غريب، وفي الباب أحاديث، منها حديث
مجمِّع بن جارية أخرجه أبو داود وأحمد والطبراني وابن أبي شيبة والدارقطني
والبيهقي والحاكم، قال ابن القطان: وعلة هذا الحديث الجهل بحال يعقوب بن
مجمع (نصب الراية: 416/ 3، آثار الحرب: حاشية ص629 وما بعدها، والمراجع
التي فيه).
(8/5903)
ولا يسهم لأكثر من فرس واحد عند أبي حنيفة
ومحمد وزفر؛ لأن الإسهام للخيل في الأصل، ثبت على خلاف القياس، إلا أن
الشرع ورد به لفرس واحد، فالزيادة عليها ترد إلى أصل القياس. وقال أبو
يوسف: يسهم لفرسين إذا كانتا مع الفارس؛ لأن المجاهد قد يحتاج إلى فرسين
يركب أحدهما، فإذا عيي ركب الآخر (1).
وصف المقاتل المستحق للغنيمة: المعتبر
في تحديد وصف المقاتل بكونه فارساً أو راجلاً في ظاهر الرواية عند الحنفية:
هو وقت دخوله دار الحرب بقصد الجهاد، حتى إنه إذا دخل تاجراً، فإنه لا
يستحق شيئاً من الغنيمة، ولو دخل فارساً ثم مات فرسه يستحق سهم الفرسان،
ودليلهم أن إرهاب العدو يحصل بمجرد اجتياز حدود دار الحرب، وأن معرفة حقيقة
القتال وشهود الوقعة أمر متعذر أو متعسر، فيعتبر بالنسبة لكل المستحقين
السبب المفضي إلى القتال ظاهراً، وهو اجتياز الحدود.
ويترتب على هذا المذهب أيضاً أنه لو دخل المجاهد إلى دار الحرب راجلاً، ثم
اشترى فرساً، أو وهب له، أو ورثه، أو استعاره، أو استأجره، فقاتل فارساً:
فله سهم الراجل، لاعتبار حالة دخوله إلى دار الحرب. وقيل: له سهم فارس.
وأما الصورة العكسية لهذا، وهي أنه لو دخل فارساً، ثم باع فرسه، أو آجره أو
وهبه، أو أعاره، فقاتل، وهو راجل: فإنه في ظاهر المذهب يستحق سهم راجل، كما
في السير الكبير لمحمد؛ لأنه لما باع فرسه مثلاً تبين أنه لم يقصد الجهاد
فارساً، بل قصد به التجارة، والعبرة في الاستحقاق: اجتياز الحدود بقصد
_________
(1) البدائع: 126/ 7، فتح القدير: 323/ 4، تبيين الحقائق: 254/ 3.
(8/5904)
الجهاد. وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما
الله أنه يستحق سهم الفرسان، بحسب حالته وقت مجاوزة الحدود (1).
وقال جمهور الفقهاء: المعتبر في تحديد وصف المستحق للغنيمة هو من حضر
المعركة بنية القتال وإن لم يقاتل مع الجيش (2)، لقول أبي بكر وعمر رضي
الله تعالى عنهما: «إنما الغنيمة لمن شهد الوقعة» (3) قال الماوردي: ولا
مخالف لهما من الصحابة.
ويترتب على هذا: أنه لو لحق المدد بالمسلمين بعد انقضاء القتال، فإنهم لا
يستحقون شيئاً من الغنيمة، خلافاً للحنفية، كما سبق لدينا: وهو أن المدد
يشارك المقاتلة في الغنائم قبل القسمة، أو قبل إحرازها بدار الإسلام.
مكان قسمة الغنائم:
يرى جمهور الفقهاء والظاهرية والشيعة الإمامية والزيدية: أنه يجوز قسمة
الغنائم في دار الحرب بعد انهزام العدو، بل إنه يستحب؛ لأن النبي صلّى الله
عليه وسلم اعتمر من الجِعْرانَة (موضع بين مكة والطائف) حيث قسم غنائم حنين
(واد بينه وبين مكة ثلاثة أميال) (4) وقسم الرسول عليه الصلاة والسلام
الغنائم بذي الحُليفة (ميقات
_________
(1) فتح القدير: 326/ 4، البدائع، المرجع نفسه: ص 127، تبيين الحقائق: 255/
3.
(2) بداية المجتهد: 380/ 1، مغني المحتاج: 102/ 3، المغني: 419/ 8.
(3) رواه الشافعي رحمه الله تعالى وابن أبي شيبة عن عمر، قال الزيلعي: غريب
مرفوعاً، وهو موقوف على عمر، ورواه الطبراني والبيهقي وقال: هو الصحيح من
قول عمر، وأخرجه ابن عدي عن علي (نصب الراية: 408/ 3، تلخيص الحبير: 102/
3، 108).
(4) رواه البخاري عن أنس، وذكره الطبراني في الأوسط من حديث قتادة عن أنس
(تلخيص الحبير، الطبعة المصرية: 105/ 3، مجمع الزوائد: 238/ 5، المنتقى على
الموطأ: 199/ 3).
(8/5905)
أهل المدينة) (1)، وافتتح بلاد بني
المصطلق، فقسم الرسول أموالهم في دارهم (2).
ويقول الحنفية: لا يجوز قسمة الغنائم في دار الحرب، حتى يخرج الجيش إلى دار
الإسلام. هذا إذا كان المكان غير متصل بدار الإسلام، فإن كان متصلاً بها،
ففتح وأجري عليه حكم الإسلام، كما هو شأن غنائم حنين، فلا بأس بالقسمة.
والسبب في عدم جواز القسمة عندهم هو أن ملكية الغنائم لا تتم إلا
بالاستيلاء، ولا يتم الاستيلاء إلا بالإحراز في دار الإسلام. ومع هذا إذا
قسم الإمام الغنائم بدار الحرب عن اجتهاد، أو لحاجة المجاهدين، فتصح
القسمة، أو للإيداع فتحل إذا لم يكن عند الإمام وسائط نقل أو حمولة (3).
استيلاء الكفار على أموال المسلمين:
قال جمهور الفقهاء ومنهم الحنفية: يملك الكفار أموال المسلمين، أو الذميين
في دار الإسلام بالقهر والغلبة، إلا أن الحنفية قالوا: لا يثبت تملكهم
لأموالنا إلا بالإحراز في دار الحرب، فلو تمكن المسلمون من غلبتهم وأخذوا
ما في أيديهم لا يصير ملكاً لهم، وعليهم ردها إلى أربابها بغير شيء، وكذا
لو قسموها في دار الإسلام، ثم غلبهم المسلمون، فأخذوها من أيديهم، فإنها
ترد إلى أصحابها؛ لأن قسمتهم لا تعتبر جائزة لعدم وجود الملكية.
_________
(1) راجع العيني شرح البخاري: 311/ 14. وذو الحليفة الآن: ميقات أهل
المدينة، ويسمى آبار علي، ويقع في مكان أعلى قليلاً من الينبع، ولم يكن
حينئذ من دار الإسلام.
(2) سنن البيهقي: 54/ 9، ذكره الشافعي في الأم، واستنبطه البيهقي من حديث
أبي سعيد الذي ذكر فيه أنهم سبوا كرائم العرب، وأنهم أرادوا الاستمتاع
والعزل (تلخيص الحبير، الطبعة المذكورة: 105/ 3 وما بعدها، الأموال لأبي
عبيد: ص 119).
(3) راجع الموضوع في آثار الحرب: ص 631 وما بعدها.
(8/5906)
وقال الشافعية والظاهرية: لا يملك الكافر
مال المسلم أو الذمي بطريق الغنيمة.
الأدلة:
أدلة الجمهور:
1 - استدل الحنفية بأن الكفار استولوا على مال مباح غير مملوك، ومن استولى
على مال مباح غير مملوك يملكه، كمن استولى على الحطب والحشيش والصيد،
والدليل عل أنه غير مملوك أنه زال ملك المسلم عنه باستيلاء العدو وإحرازه
في بلاده؛ لأنه حينئذ لا يتمكن من الانتفاع بماله إلا بدخوله دار الحرب،
وهو غير مستطاع.
واستدل غير الحنفية: بأن الاستيلاء سبب للملك، فيثبت قبل الحيازة إلى دار
الحرب، كاستيلاء المسلمين على مال غيرهم.
2 - قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لمن وجد بعيره في الغنيمة: «إن
وجدته لم يقسم فخذه، وإن وجدته قد قسم فأنت أحق به بالثمن إن أردته» (1)
فهذا يدل على تملك الأعداء للبعير، وأولوية مالكه الأول بعينه. وللجمهور
أدلة أخرى.
واستدل الشافعية بأدلة، منها أن ابن عمر ذهب له فرس، فأخذها العدو، فظهر
عليهم المسلمون، فرد عليه في زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وأبَق
(هرب) له عبد، فلحق بالروم، فظهر عليهم المسلمون، فرده عليه خالد بن الوليد
بعد النبي صلّى الله عليه وسلم في
_________
(1) رواه مالك والدارقطني عن عبد الملك بن ميسرة عن ابن عباس (نصب الراية:
434/ 3).
(8/5907)
زمن أبي بكر الصديق، والصحابة متوافرون من
غير نكير منهم (1). قال القسطلاني: وفيه دليل للشافعية وجماعة على أن أهل
الحرب لا يملكون بالغلبة شيئاً من مال المسلمين، ولصاحبه أخذه قبل القسمة
وبعدها (2).
رد المال على صاحبه: إذا افترضنا أن
العدو ظفر بأموال المسلم أو الذمي، ثم تغلب المسلمون على أعدائهم، فإذا عرف
صاحب المال قبل قسمة الغنيمة، فإنه يجب رد هذه الأموال على أصحابها عند
جماهير العلماء، ومنهم أئمة المذاهب الأربعة.
أما إذا كانت الغنيمة قد قسمت، ثم عرف صاحب المال، فله أخذه بعد دفع قيمته
عند المالكية والحنفية، والحنابلة في الأظهر عن أحمد، والزيدية.
وقال الشافعية والظاهرية والشيعة الإمامية: إن صاحب المال يستحقه من غير
شيء، ويعطى من كان عنده ثمنه من خمس المصالح؛ لأنه يشق نقض القسمة (3).
أموال الحربي الذي أسلم قبل تمام الفتح:
إذا أسلم الحربي قبل أن يتم الفتح الإسلامي لبلده، فما أثر هذا الإسلام على
ماله الكائن في دار الحرب؟
يرى المالكية في الراجح عندهم: أن مال هذا الشخص يعتبر فيئاً وغنيمة إذا
ظفر المسلمون ببلاده، سواء بقي في دار الحرب أم فرَّ إلى دار الإسلام.
_________
(1) رواه البخاري ومالك في الموطأ وأبو داود وابن ماجه والدارقطني عن ابن
عمر (راجع فتح الباري: 111/ 6، العيني شرح البخاري: 2/ 15، سنن ابن ماجه:
102/ 2، نصب الراية: 435/ 3، نيل الأوطار: /292).
(2) القسطلاني شرح البخاري: 172/ 5.
(3) راجع آثار الحرب: ص 613 وما بعدها.
(8/5908)
وهو رأي الحنفية والإمامية والزيدية في
العقار والأرض، أما المنقول: فإن الإسلام يعصمه، ولكنهم اشترطوا أن يكون
المنقول تحت يد صاحبه.
وقال الشافعية والحنابلة والظاهرية: إن الإسلام يعصم المال، سواء أكان
عقاراً أم منقولاً.
وسبب الخلاف بين الفقهاء: هو أن العاصم للمال والدم، هل هو الإسلام أو
الدار؟
فالفريق الأول يقول: إن العاصم هو الدار، فما لم يحز المسلم ماله وولده
بدار الإسلام، وأصيب في دار الكفر، فهوفيء. وقال الفريق الثاني: العاصم هو
الإسلام (1).
_________
(1) آثار الحرب، المرجع نفسه: ص 622 ومابعدها.
(8/5909)
|