الفقه
الإسلامي وأدلته للزحيلي الفَصْلُ السّابع: حقوق الزّواج وواجباته
عرفنا أن الزواج كغيره من العقود ينشئ بين العاقدين الزوجين حقوقاً وواجبات
متبادلة، عملاً بمبدأ التوازن والتكافؤ وتساوي أطراف التعاقد الذي يقوم
عليه كل عقد. وقد أشار القرآن الكريم لهذا المبدأ وثبوت هذه الحقوق
والواجبات، فقال تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} [البقرة:228/ 2] أي
أن للنساء من الحقوق على الرجال مثل ما للرجال على النساء من واجبات، وأساس
توزيع تلك الحقوق والواجبات هو العرف والفطرة، ومبدأ: كل حق يقابله واجب.
وفي هذا الفصل مباحث ثلاثة:
الأول ـ حقوق الزوجة.
الثاني ـ حقوق الزوج.
الثالث ـ الحقوق المشتركة بين الزوجين.
المبحث الأول ـ حقوق الزوجة:
للزوجة حقوق مالية وهي المهر والنفقة، وحقوق غير مالية: وهي إحسان العشرة
والمعاملة الطيبة، والعدل.
(9/6842)
أما المهر: فقد تكلمت عنه تفصيلاً، وعُلم
أنه حق خاص للمرأة بالقرآن والسنة، لقوله تعالى: {وآتوا النساء صدُقاتهن
نحلة} [النساء:4/ 4]، وثبت في السنة أنه صلّى الله عليه وسلم لم يخل زواجاً
من مهر.
وأما النفقة: فيخصص لها مبحث خاص بها، وهي أمر مقرر في القرآن والسنة
أيضاً، لقوله تعالى: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف}
[البقرة:233/ 2] وعن معاوية القشيري: «أن النبي صلّى الله عليه وسلم سأله
رجل: ما حق المرأة على الزوج؟ قال: تُطعمها إذا طعِمت، وتكسوها إذا اكتسيت،
ولا تضرب الوجه، ولا تقبِّح، ولا تهجر إلا في البيت» (1) أي لا تقل
لامرأتك: قبحها الله، والهجر يكون في المضجع، لا أن يتحول الرجل عن المرأة
إلى دار أخرى، أو يحولها إليها.
والمراد من العشرة: ما يكون بين الزوجين من الألفة والاجتماع، ويلزم كل
واحد من الزوجين معاشرة الآخر بالمعروف من الصحبة الجميلة، وكف الأذى، وألا
يمطله حقه مع قدرته، ولا يظهر الكراهة فيما يبذله له، بل يعامله ببشر
وطلاقة، ولا يتبع عمله مِنَّة ولا أذى (2)؛ لأن هذا من المعروف، لقوله
تعالى: {وعاشروهن بالمعروف} [النساء:19/ 4] وقوله سبحانه: {ولهن مثل الذي
عليهن بالمعروف} [البقرة:228/ 2] قال أبو زيد: «تتقون الله فيهن كما عليهن
أن يتقين الله فيكم» وقال ابن عباس: «إني لأحب أن أتزين للمرأة، كما أحب أن
تتزين لي»؛ لأن الله تعالى يقول: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف}
[البقرة:228/ 2].
_________
(1) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه (نيل الأوطار: 211/ 6).
(2) كشاف القناع: 205/ 5.
(9/6843)
وثبت في السنة الأمر بمعاملة النساء خيراً،
وورد فيها بيان حقوق وواجبات كل من الزوجين، قال صلّى الله عليه وسلم:
«استوصوا بالنساء خيراً، فإنما هن عندكم عوانٍ (1) ليس تملكون منهن شيئاً
غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مُبَيِّنة، فإن فَعلْنَ فاهجروهن في المضاجع،
واضربوهن ضرباً غير مبرِّح (2)، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً».
«إن لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقاً.
فأما حقكم على نسائكم، فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذنَّ في بيوتكم
لمن تكرهون.
ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن» (3).
وقال عليه الصلاة والسلام أيضاً: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»
(4). «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم» (5).
ومن أهم حقوق الزوجة بإيجاز لما سبق بيانه في هذا الشأن (6):
1 ً - إعفاف الزوجة أو الاستمتاع: قال
المالكية: الجماع واجب على الرجل للمرأة إذا انتفى العذر. وقال الشافعي:
لايجب إلا مرة؛ لأنه حق له، فجاز له تركه كسكنى الدار المستأجرة، ولأن
الداعي إلى الاستمتاع الشهوة والمحبة، فلا يمكن إيجابه، والمستحب ألا
يعطلها، ليأمن الفساد.
_________
(1) عوان: جمع عانية، والعاني: الأسير.
(2) أي غير شديد ولا موجع.
(3) رواه ابن ماجه والترمذي وصححه عن عمرو بن الأحوص (نيل الأوطار: 210/
6).
(4) رواه الترمذي وصححه عن عائشة (نيل الأوطار: 206/ 6).
(5) رواه أحمد والترمذي وصححه عن أبي هريرة (المرجع السابق).
(6) البدائع: 334/ 2، الدر المختار: 521/ 2، 546 - 553، القوانين الفقهية:
ص 211 وما بعدها، المهذب: 65/ 2 - 69، كشاف القناع: 205/ 5 - 228.
(9/6844)
وقال الحنابلة: يجب على الزوج أن يطأ
الزوجة في كل أربعة أشهر مرة، إن لم يكن عذر؛ لأنه لو لم يكن واجباً لم يصر
باليمين (الإيلاء) على تركه واجباً، كسائر ما لا يجب، ولأن النكاح شرع
لمصلحة الزوجين، ودفع الضرر عنهما، وهو مفض إلى دفع ضرر الشهوة من المرأة
كإفضائه إلى دفعه عن الرجل، فيكون الوطء حقاً لهما جميعاً، فإن أبى الوطء
بعد انقضاء الأربعة الأشهر، أو أبى البيتوتة في ليلة من أربع ليال للمرأة
الحرة، بلا عذر لأحد الزوجين، فرِّق بينهما كما يفرق بسبب الإيلاء، وكما لو
منع النفقة، ولو قبل الدخول، أي يفرق بينهما إن لم يطأ بعد الزفاف لمدة
أربعة أشهر، وكما لو ظاهر من زوجته، ولم يكفر عن الظهار، بل إن الفسخ لتعذر
الوطء أولى من الفسخ لتعذر النفقة.
لكن إن سافر الزوج عن المرأة لعذر وحاجة، سقط حقها من القسم والوطء وإن طال
سفره للعذر. وإن لم يكن للمسافر عذر مانع من الرجوع وغاب أكثر من ستة أشهر،
فطلبت قدومه، لزمه القدوم، لما روى أبو حفص بإسناده عن يزيد بن أسلم قال:
بينا عمر بن الخطاب يحرس المدينة، فمرَّ بامرأة وهي تقول:
تطاول هذا الليل واسودَّ جانبه ..... ..... وطال علي أن لا خليل ألاعبه
فو الله لولا خشية الله والحيا ..... ..... لحرك من هذا السرير جوانبُه
فسأل عنها، فقيل له: زوجها غائب في سبيل الله، فأرسل إليها امرأة تكون
معها، وبعث إلى زوجها، فأقفله، ثم دخل على حفصة فقال: بُنَيَّة، كم تصبر
المرأة عن زوجها؟ فقالت: سبحان الله، مثلك يسأل مثلي عن هذا؟ فقال: لولا
أني أريد النظر للمسلمين، ما سألتك، فقالت: خمسة أشهر، ستة أشهر، فوقَّت
للناس في مغازيهم ستة أشهر، يسيرون شهراً، ويقيمون أربعة أشهر، ويرجعون في
شهر.
(9/6845)
ولزوم قدوم الزوج: إن لم يكن له عذر في
سفره كطلب علم أو كان في جهاد أو حج واجبين أو في طلب رزق يحتاج إليه، فإن
وجد عذر لم يلزمه القدوم؛ لأن صاحب العذر يعذر من أجل عذره.
ويكتب الحاكم للزوج الغائب ليقدم، فإن أبى أن يقدم من غير عذر، بعد مراسلة
الحاكم إليه، فسخ الحاكم نكاحه؛ لأنه ترك حقاً عليه يتضرر به.
2 - يحرم الوطء في الدبر، لقوله صلّى
الله عليه وسلم: «إن الله لا يستحي من الحق، لا تأتوا النساء في أدبارهن»
«لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها» (1) وعن أبي هريرة مرفوعاً:
«من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها، أو أتى عرافاً فصدقه، فقد كفر بما أنزل
على محمد» (2) وفي حديث آخر: «ملعون من أتى امرأة في دبرها» (3).
ويحرم وطء الحائض، ويسن لمن وطئ الحائض أن يتصدق بدينار إن وطئها في مقتبل
الدم، وبنصف دينار في إدباره، لما روى أبو داود والحاكم وصححه: «إذا واقع
الرجل أهله وهي حائض، إن كان دماً أحمر فليتصدق بدينار، وإن كان أصفر،
فليتصدق بنصف دينار».
ويجوز الاستمتاع بها فيما بين الأليتين، لقوله تعالى: {والذين هم لفروجهم
حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم، فإنهم غير ملومين}
[المؤمنون:5/ 23 - 6].
_________
(1) رواهما ابن ماجه وأحمد (نيل الأوطار: 200/ 6).
(2) رواه الأثرم وأحمد والترمذي. ورواه أبو داود بلفظ «فقد برئ مما أنزل»
(المرجع السابق).
(3) أخرجه أحمد وابن ماجه وأبو داود، وأخرجه الشافعي بنحوه عن خزيمة بن
ثابت، وفي إسناده مجهول (المرجع السابق).
(9/6846)
ويجوز وطؤها في الفرج مدبرة، لما روى جابر
قال: «كان اليهود يقولون: إذا جامع الرجل امرأته في فرجها من ورائها، جاء
الولد أحول» فأنزل الله تعالى: {نساؤكم حرث لكم، فأتوا حرثكم أنى شئتم}
[البقرة:223/ 2] من بين يديها ومن خلفها، غير ألا يأتيها إلا في المأتى وفي
لفظ: «يأتيها من حيث شاء مقبلة أو مدبرة إذا كان ذلك في الفرج» (1).
فإن أتاها في الدبر عزر إن علم تحريمه، لارتكابه معصية لا حد فيها ولا
كفارة.
قال الحنابلة: وإن تطاوع الزوجان على الوطء في الدبر، فُرِّق بينهما. وكذا
إن أكره الرجل زوجته على الوطء في الدبر، ونهي عنه فلم ينته، فرَّق بينهما،
كما يفرق بين الرجل الفاجر وبين من يفجر به من رقيقه.
3 - العزل (إلقاء مني الرجل خارج الفرج)
قال الشافعية: يكره العزل، لما روت جُذَامة بنت وهب، قالت: «حضرت رسول الله
صلّى الله عليه وسلم، فسألوه عن العزل، فقال: ذلك الوأد الخفي، وهو: {وإذا
الموءودة سئلت} [التكوير:8/ 81] (2).
وقال الغزالي: يجوز العزل، وهو المصحح عند المتأخرين لقول جابر: «كنا نعزل
على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم، والقرآن ينزل» (3) والقول بجواز
العزل متفق عليه بين المذاهب الأربعة، لحديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً عند
أحمد: «إنا نأتي النساء ونحب إتيانهن، فما ترى في العزل؟ فقال صلّى الله
عليه وسلم: «اصنعوا ما بدا لكم، فما قضى الله تعالى فهو كائن، وليس من كل
الماء يكون الولد».
_________
(1) متفق عليه.
(2) أخرجه أحمد ومسلم (نيل الأوطار: 196/ 6).
(3) رواه أحمد والبخاري ومسلم (متفق عليه) (نيل الأوطار: 195/ 6).
(9/6847)
ويكره العزل عن المرأة الحرة إلا بإذنها،
لما روي عن عمر قال: «نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يعزل عن الحرة
إلا بإذنها» (1).
4 - المعاشرة بالمعروف: يجب على الزوج
معاشرة الزوجة بالمعروف، لقوله تعالى: {وعاشروهن بالمعروف} [النساء:19/ 4].
ويجب عليه بذل ما يجب من حقها من غير مطل، للآية السابقة، ومن العشرة
بالمعروف: بذل الحق من غير مطل، ولقوله صلّى الله عليه وسلم: «مَطل الغني
ظلم» (2).
5 - العدل بين النسوة في المبيت والنفقة
كما تقدم: فمن كان له امرأتان أو أكثر، فيجب عليه عند الجمهور غير الشافعية
العدل بينهن، والقسم لهن، فيجعل لكل واحدة يوماً وليلة، سواء أكان الرجل
صحيحاً أم مريضاً أم مجبوباً، وسواء أكانت المرأة صحيحة أم مريضة أم حائضاً
أم نفساء أم محرمة بإحرام أم كتابية لقصد الأنس، ولأن النبي صلّى الله عليه
وسلم قسم لنسائه، وكان يقسم في مرضه، مع أن القسم لم يكن واجباً عليه.
قالت عائشة: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقسم لكل امرأة يومها
وليلتها (3)، وقالت عائشة أيضاً: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقسم
بيننا فيعدل، ويقول: اللهم إن هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما لا أملك»
(4). فإن شق على المريض القسم، استأذن أزواجه أن يكون عند إحداهن، لما روت
عائشة: «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعث إلى
_________
(1) رواه أحمد وابن ماجه.
(2) رواه أصحاب السنن إلا الترمذي، ورواه البيهقي، كلهم عن عمرو بن الشريد
عن أبيه بلفظ: «ليُّ الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته» ورواه أحمد وأصحاب الكتب
الستة وابن أبي شيبة والطبراني في معجمه الوسط عن أبي هريرة باللفظ المذكور
في الأصل.
(3) أخرجه أحمد والبخاري ومسلم.
(4) رواه أبو داود.
(9/6848)
نسائه فاجتمعن، فقال: إني لا أستطيع أن
أدور بينكن، فإن رأيتن أن تأذنَّ لي، فأكون عند عائشة، فعلت، فأذنَّ له»
(1) فإن لم يأذنَّ له أن يقيم عند إحداهن أقام عند إحداهن بقرعة أو اعتزلهن
جميعاً إن أحب ذلك تعديلاً بينهن.
وقال الشافعية: لا يجب ابتداء القسم على الرجل؛ لأن القسم لحقه، فجاز له
تركه، فإذا بات عند واحدة، لزمه المبيت للأخريات، ولو عنيناً أو مريضاً،
اقتداءً بفعل النبي.
والبدء بالقسم يكون بالقرعة، فلا يجوز للرجل أن يبدأ بواحدة من نسائه من
غير رضا البواقي إلا بقرعة، لحديث أبي هريرة المتقدم عند أبي داود: «من
كانت له امرأتان يميل إلى إحداهما على الأخرى، جاء يوم القيامة، وأحد شقيه
ساقط» ولأن البداءة بإحداهما من غير قرعة تدعو إلى النفور.
وإذا قسم لواحدة، لزمه القضاء للبواقي؛ لأنه إذا لم يقض، مال، فدخل في
الوعيد.
والقسم مطلوب عند الشافعية والحنابلة حتى في السفر، فلا يسافر مع واحدة إلا
بقرعة، كما ذكر سابقاً، ولم يوجب الحنفية والمالكية القسم في السفر،
واستثنى المالكية سفر القربة، فيقرع الرجل بين نسائه.
وإن سافرت المرأة بغير إذن الزوج، سقط حقها من القسْم والنفقة؛ لأن القسْم
للأنس، والنفقة للتمكين من الاستمتاع، وقد منعت المرأة ذلك بالسفر.
وعماد القسم الليل؛ لأنه يأوي فيه الإنسان إلى منزله، ويسكن إلى أهله،
وينام على فراشه مع زوجته عادة، والنهار للمعاش، قال الله تعالى: {وجعلنا
الليل لباساً، وجعلنا النهار معاشاً} [النبأ:10/ 78 - 11].
_________
(1) رواه أبو داود.
(9/6849)
ولإحدى الزوجات أن تهب حقها لبعض ضرائرها
مؤقتاً أو دائماً، لقول عائشة السابق: «غير أن سودة وهبت ليلتها لعائشة
تبتغي بذلك رضا رسول الله صلّى الله عليه وسلم».
وقد ذكرت أن الزوجة الجديدة لها عند الجمهور غير الحنفية سبع ليال إذا كانت
بكراً، وثلاث ليال إذا كانت ثيباً. وسوى الحنفية بين الجديدة والقديمة، فلا
تختص واحدة منهما بشيء.
أما واجب الزوجة: فلا يجب عليها خدمة
زوجها في الخبز والطحن والطبخ والغسل وغيرها من الخدمات، وعليه أن يأتيها
بطعام مهيأ إن كانت ممن لا تخدم نفسها؛ لأن المعقود عليه من جهتها هو
الاستمتاع فلا يلزمها ما سواه، لكن لا يجوز لمن تخدم نفسها وتقدر على
الخدمة أخذ الأجرة على عمل البيت، لوجوبه عليها ديانة، حتى ولو كانت شريفة؛
لأنه عليه الصلاة والسلام قسم الأعمال بين علي وفاطمة رضي الله عنهما، فجعل
أعمال الخارج على علي، والداخل على فاطمة مع أنها سيدة نساء العالمين.
المبحث الثاني ـ حقوق الزوج:
إن أهم حقوق الزوج ما يأتي (1):
1ً
- طاعة الزوجة لزوجها في الاستمتاع والخروج من
المنزل: فإذا تزوج رجل امرأة، وكانت أهلاً للجماع وجب تسليمها نفسها
بالعقد إذا طلب، ويجب عليه تسلمها إذا عرضت عليه؛ لأنه بالعقد يستحق الزوج
تسليم العوض، وهو أن
_________
(1) المراجع السابقة في بدء المطلب السابق.
(9/6850)
يسلمها مهرها المعجل. وقد نص الإمام أحمد
على أن التي يمكن الاستمتاع بها هي بنت تسع سنين فأكثر؛ لأن النبي صلّى
الله عليه وسلم «بنى بعائشة وهي بنت تسع سنين».
وتمهل الزوجة مدة بحسب العادة لإصلاح أمرها كاليومين والثلاثة؛ لأنه من
حاجتها، فإذا منع الرجل منه كان تعسيراً، فوجب إمهالها طلباً لليسر
والسهولة، والمرجع فيه إلى العرف بين الناس؛ لأنه لا تقدير فيه، فوجب
الرجوع فيه إلى العرف. ولا تمهل لعمل جهاز ونحوه.
وعلى الزوجة طاعة زوجها إذا دعاها إلى الفراش، ولو كانت على التنور أو على
ظهر قتَب، كما رواه أحمد وغيره، ما لم يشغلها عن الفرائض، أو يضرها؛ لأن
الضرر ونحوه ليس من المعاشرة بالمعروف. ووجوب طاعتها له لقوله تعالى: {ولهن
مثل الذي عليهن بالمعروف} [البقرة:228/ 2]، وقوله صلّى الله عليه وسلم: «لو
كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها» (1) وقوله
«أيما امرأة ماتت، وزوجها راض عنها، دخلت الجنة» (2) وقوله: «إذا دعا الرجل
امرأته إلى فراشه، فأبت أن تجيء، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة، حتى
تصبح» (3). ومن الطاعة: القرار في البيت متى قبضت معجل مهرها وهو تفرغها
لشؤون الزوجية والبيت ورعاية الأولاد في الصغر والكبر، فليس للزوجة الخروج
من المنزل ولو إلى الحج إلا بإذن زوجها، فله منعها من الخروج إلى المساجد
وغيرها، لما روى ابن عمر رضي الله عنه قال: رأيت امرأة أتت إلى النبي صلّى
الله عليه وسلم، وقالت: «يارسول الله، ما حق الزوج على زوجته؟ قال: حقه
عليها ألا تخرج من بيتها إلا
_________
(1) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن، عن أبي هريرة.
(2) رواه ابن ماجه والترمذي، وقال: حديث حسن غريب، عن أم سَلَمة.
(3) متفق عليه بين الشيخين عن أبي هريرة (نيل الأوطار: 207/ 6، رياض
الصالحين: ص 134 وما بعدها) لمراجعة هذه الأحاديث.
(9/6851)
بإذنه، فإن فعلت، لعنها الله وملائكة
الرحمة، وملائكة الغضب حتى تتوب أو ترجع، قالت: يا رسول الله، وإن كان لها
ظالماً؟ قال: وإن كان
لها ظالماً» (1) ولأن حق الزوج واجب، فلا يجوز تركه بما ليس بواجب.
لكن يكره ـ كما ذكر الشافعية ـ منعها من عيادة أبيها إذا أثقل في مرضه،
وحضور مواراته إذا مات؛ لأن منعها مما ذكر يؤدي إلى النفور ويغريها
بالعقوق، وأجاز الحنفية للمرأة الخروج بغير إذن زوجها إذا مرض أحد أبويها.
ويجب على المرأة في حال الخروج التزام الستر الشرعي، لا تظهر شيئاً من
جسدها غير الوجه والكفين؛ لأن في كشف شيء مما أوجب الله ستره تعريضاً
للفتنة والتطلع إليها، قال تعالى: {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}
[الأحزاب:33/ 33]. ومن التبرج: المشي بتكسر وحركات مثيرة، ومن التبرج أيضاً
أن تلبس المرأة ثوباً رقيقاً يصف ما تحته، قال صلّى الله عليه وسلم: «صنفان
من أهل النار لم أرهما بعد: نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات (2)، على
رؤوسهن أمثال أسنمة البخت المائلة (3)، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها،
وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا. ورجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون
بها الناس» (4) وقال عليه الصلاة والسلام أيضاً: «أيما امرأة استعطرت،
فخرجت فمرت على قوم ليجدوا ريحها، فهي زانية» (5).
_________
(1) رواه أبو داود الطيالسي عن ابن عمر.
(2) المراد بالكاسيات العاريات: اللاتي يلبسن الثياب الرقيقة التي لا تستر
ما تحتها. والمراد بالمائلات المميلات: اللاتي يتمايلن ويتبخترن في مشيهن
للافتتان بهن.
(3) البخت: نوع من الإبل المشهورة بكبر سنامها، والمراد أن النساء يعتنين
بشعورهن وبعظمنّ ذلك، بلف عمامة أو عصابة أو نفش الشعر ونحوه.
(4) رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة.
(5) رواه الحاكم عن أبي موسى.
(9/6852)
والتزام المرأة البيت لا بمعنى حبسها فيه
أو التضييق عليها هو خير شيء للمرأة، قال عليه الصلاة والسلام: «إن المرأة
عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من رحمة ربها، وهي في قعر
بيتها» (1) وهو يدل على وجوب الستر وعدم إظهار المرأة شيئاً من بدنها، وأن
في الخروج العمل على إغواء الشياطين لها وإغراء الرجال بها حتى تقع الفتنة.
وليس للزوجة صوم نفل أو تطوع إلا بإذن الزوج، لقوله صلّى الله عليه وسلم:
«لا يحل لامرأة أن تصوم، وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا
بإذنه» (2) وروى البزار عن ابن عباس: «أن امرأة من خثعم أتت رسول الله صلّى
الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، أخبرني ما حق الزوج على الزوجة، فإني
امرأة أيّم، فإن استطعت وإلا جلست أيَّماًَ؟ قال: فإن حق الزوج على زوجته
إن سألها نفسها، وهي على ظهر قتب ألا تمنعه، وألا تصوم تطوعاً إلا بإذنه،
فإن فعلت جاعت وعطشت ولا تقبل منها، ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه، فإن فعلت
لعنتها ملائكة السماء وملائكة الرحمة وملائكة العذاب، قالت: لا جرم، لا
أتزوج أبداً» (3).
ومنشأ حق الطاعة بالمعروف: إثبات الله درجة القوامة للرجال على النساء في
قوله تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض، وبما
أنفقوا من أموالهم} [النساء:34/ 4] أي إنما استحقوا هذه المزية لتميزهم
برجاحة العقل وقوة الجسد، وبما يلزمون به من الإنفاق على النساء من أموالهم
بتقديم المهر والنفقة الزوجية الدائمة.
_________
(1) رواه الترمذي عن ابن مسعود.
(2) متفق عليه عن أبي هريرة (رياض الصالحين، المكان السابق، نيل الأوطار:
211/ 6).
(3) رواه البزار، وفيه حسين بن قيس المعروف بحنش، وهو ضعيف، وقد وثقه حصين
بن نمير، وبقية رجاله ثقات ولا جرم، أي حقاً.
(9/6853)
2ً
- الأمانة: على الزوجة أن تحفظ غيبة
زوجها في نفسها وبيته وماله وولده، لحديث ابن الأحوص السابق: «أما حقكم على
نسائكم، فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذنَّ في بيوتكم لمن تكرهون»
وقوله صلّى الله عليه وسلم: «نساء قريش خير نساء ركبن الإبل، أحناه على طفل
في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده» وفي لفظ: «خير نساء ركبن الإبل صالح
نساء قريش» (1) ويؤكده الحديث المعروف: «كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته،
والأمير راع، والرجل راع على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده،
فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» (2) فعليها أن تحسن تربية أولادها على
الدين والفضيلة والقيام بالواجب.
3ً
- المعاشرة بالمعروف: يجب على المرأة
معاشرة الزوج بالمعروف من كف الأذى وغيره، كما عليه معاشرتها بالمعروف،
لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته
من الحور العين: لا تؤذيه، قاتلكِ الله، فإنما هو عندكِ دخيل، يوشك أن
يفارقك إلينا» (3) وقال صلّى الله عليه وسلم: «ما تركت بعدي فتنة هي أضر
على الرجال من النساء» (4).
4ً
- حق التأديب (5): للزوج الحق في تأديب
زوجته عند نشوزها أو عصيانها أمره بالمعروف لا في المعصية؛ لأن الله عز وجل
أمر بتأديب النساء بالهجر والضرب عند عدم طاعتهن، فإن تحققت الطاعة وجب
الكف عن التأديب لقوله
_________
(1) رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة (جامع الأصول: 134/ 10).
(2) متفق عليه بين الشيخين عن ابن عمر (رياض الصالحين: ص 135).
(3) رواه الترمذي عن معاذ بن جبل، وقال: حديث حسن (رياض الصالحين: ص 135).
(4) متفق عليه بين البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد (المرجع السابق).
(5) البدائع: 334/ 2، القوانين الفقهية: ص 212 ومابعدها، مغني المحتاج:
257/ 3 - 261، المهذب: 69/ 2 وما بعدها، كشاف القناع: 233/ 5 - 236.
(9/6854)
عز وجل: {فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن
سبيلاً} [النساء:34/ 4] ولا تحتاج المرأة الصالحة لتأديب لقوله تعالى:
{فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله} [النساء:34/ 4] وأما غير
الصالحة وهي التي تخل بحقوق الزوجية وتعصي الزوج فهي التي تكون بحاجة إلى
التأديب.
إن ولاية التأديب للزوج تكون إذا لم تطعه زوجته فيما يلزم طاعته، بأن كانت
ناشزة، والنشوز: معصيتها إياه فيما يجب عليها، وكراهة كل من الزوجين صاحبه،
والخروج من المنزل بغير إذن الزوج، لا إلى القاضي لطلب الحق منه. وأمارات
النشوز: إما بالفعل كالإعراض والعبوس والتثاقل إذا دعاها بعد لطف وطلاقة
وجه، وإما بالقول، كأن تجيبه بكلام خشن بعد أن كان بلين.
ويبدأ الزوج بالتأديب عند ظهور أمارات النشوز بالترتيب التالي:
أولاً ـ الوعظ والإرشاد: بأن يتكلم معها بكلام رقيق لين، بأن يقول لها:
كوني من الصالحات القانتات الحافظات للغيب، ولا تكوني من كذا وكذا، أو:
اتقي الله في الحق الواجب لي عليك، واحذري العقوبة، لقوله تعالى: {واللاتي
تخافون نشوزهن، فعظوهن} [النساء:34/ 4] وذلك بلا هجر ولا ضرب، ويبين لها أن
النشوز يسقط النفقة والقسم مع ضرائرها، فلعلها تبدي عذراً، أو تتوب عما وقع
منها بغير عذر. والخوف هنا بمعنى العلم، والأولى بقاؤه على ظاهره، فمن ظهر
له أمارة نشوز أو تحققه، وعظها.
ثانياً ـ الهجر في المضجع والإعراض: إن تحقق النشوز بأن عصيته وامتنعت من
إطاعته، أو خرجت من بيته بغير إذنه ونحوه، هجرها في المضجع ما شاء، لقوله
تعالى: {واهجروهن في المضاجع} [النساء:34/ 4] قال ابن عباس: «لا تضاجعها في
فراشك» و «قد هجر النبي صلّى الله عليه وسلم نساءه، فلم يدخل عليهن شهراً»
(1).
_________
(1) متفق عليه.
(9/6855)
وهجرها في الكلام ثلاثة أيام، لا فوقها،
لحديث أبي هريرة: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام» (1) والهجر:
ضد الوصل، والتهاجر: التقاطع.
ولا يضربها عند الجمهور، وقال النووي: الأظهر يضرب، لقوله تعالى: {فاهجروهن
في المضاجع واضربوهن} [النساء:34/ 4] والمراد: واهجروهن إن نشزن، واضربوهن
إن أصررن على النشوز، أي إن لم يتكرر نشوز الزوجة وعظها الزوج وهجرها في
المضجع وضربها في رأي الشافعية.
ثالثاً ـ الضرب غير المخوف: إن أصرت على النشوز ضربها عندئذ ضرباً غير مبرح
ـ أي غير شديد ـ ولا شائن، للآية السابقة {واضربوهن} [النساء:34/ 4] فظاهر
الآية وإن كان بحرف الواو الموضوعة للجمع المطلق، لكن المراد منه الجمع على
سبيل الترتيب، والواو يحتمل ذلك.
ويجتنب في أثناء الضرب: الوجه تكرمة له، ويجتنب البطن والمواضع المخوفة خوف
القتل، ويجتنب المواضع المستحسنة لئلا يشوهها، ويكون الضرب ـ كما أبان
الحنفية ـ عشرة أسواط فأقل، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «لا يجلد أحدكم فوق
عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله» (2) وقوله: «لا يجلد أحدكم امرأته جلد
العبد، ثم يضاجعها في آخر اليوم» (3). فإن تلفت من الجلد فلا ضمان عليه عند
الحنابلة والمالكية؛ لأن الضرب مأذون فيه شرعاً. وقال أبو حنيفة والشافعي:
إنه يضمن؛ لأن استيفاء الحق مقيد بشرط السلامة للآخرين.
ويكون الضرب أيضاً بيد على الكتف مثلاً، أو بعصا خفيفة أو بسواك ونحوه
_________
(1) رواه أبو داود والنسائي بإسناد على شرط البخاري ومسلم (الترغيب
والترهيب: 455/ 3).
(2) متفق عليه بين أحمد والشيخين وأصحاب السنن الأربعة عن أبي بردة بن
نيار، وهوصحيح.
(3) متفق عليه في الصحيحين (نيل الأوطار: 212/ 6).
(9/6856)
إن رأى الزوج هذا. والأولى الاكتفاء
بالتهديد وعدم الضرب، لما قالت عائشة: «ما ضرب رسول الله صلّى الله عليه
وسلم امرأة له ولا خادماً، ولا ضرب بيده شيئاً قط إلا في سبيل الله، أو
تنتهك محارم الله، فينتقم لله» (1).
رابعاً ـ طلب إرسال الحكمين: إن نفع الضرب لبعض النساء الشاذات، فبها
ونعمت، وإن لم ينفع وادعى كل من الزوجين ظلم صاحبه ولا بينة لهما، رفع
الأمر إلى القاضي لتوجيه حكمين إليهما، حكماً من أهله وحكماً من أهلها،
للإصلاح أو التفريق، لقوله تعالى: {وإن خفتم شقاق بينهما، فابعثوا حَكَماً
من أهله، وحَكَماً من أهلها، إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما}
[النساء:35/ 4].
والحكمان: حران مسلمان ذكران عدلان مكلفان فقيهان عالمان بالجمع والتفريق؛
لأن التحكيم يفتقر إلى الرأي والنظر، ويجوز أن يكونا من غير أهلهما؛
والأولى أن يكونا من غير أهلهما؛ لأن القرابة ليست شرطاً في الحكم ولا
الوكالة. وينبغي لهما أن ينويا الإصلاح لقوله تعالى: {إن يريدا إصلاحاً
يوفق الله بينهما} [النساء:35/ 4]، وأن يلطفا القول، وأن ينصفا، ويرغبا
ويخوفا، ولا يخصا بذلك أحد الزوجين دون الآخر، ليكون أقرب للتوفيق بينهما.
وينفذ عند المالكية تصرف الحكمين في أمر الزوجين بما رأياه من تطليق أو
خلع، من غيرإذن الزوج ولا موافقة الحاكم، بعد أن يعجز عن الإصلاح بينهما،
وإذا حكما بالفراق فهي طلقة بائنة.
وقال الشافعية والحنابلة: الحكمان وكيلان عن الزوجين، فلا يملكان تفريقاً
إلا بإذن الزوجين، فيأذن الرجل لوكيله فيما يراه من طلاق أوإصلاح، وتأذن
المرأة لوكيلها في الخلع والصلح على ما يراه.
_________
(1) رواه النسائي (نيل الأوطار: 211/ 6).
(9/6857)
وقال الحنفية: يرفع الحكمان ما يريدانه إلى
القاضي، والقاضي هو الذي يوقع الطلاق، وهو طلاق بائن، بناء على تقريرهما،
فليس للحكمين التفريق إلا أن يفوضا فيه.
5ً
- الاغتسال من الحيض والنفاس والجنابة:
قال الشافعية والحنابلة: للزوج إجبار الزوجة، ولو كانت ذمية على الغسل من
الحيض والنفاس؛ لأنه يمنع الاستمتاع الذي هو حق له، فيملك إجبارها على
إزالة ما يمنع حقه. وله إجبار الزوجة المسلمة البالغة على غسل جنابة؛ لأن
الصلاة واجبة عليها، ولا تتمكن منها إلا بالغسل؛ ولأن النفس تعاف من وطء
الجنب، ولا يجبر الزوجة الذمية على غسل الجنابة كالمسلمة التي دون البلوغ؛
لأن الاستمتاع لا يتوقف عليه، لإباحته بدونه.
وأضاف الحنابلة: أن للزوج إجبار الزوجة على غسل نجاسة؛ لأنه واجب عليها،
وله أيضاً إجبارها على اجتناب محرَّم لوجوبه عليها، وله إجبارها عى أخذ شعر
وظفر تعافه النفس، وإزالة وسخ؛ لأن المذكور يمنع كمال الاستمتاع.
وذكر الشافعية في التنظيف والاستحداد (حلق العانة) وغسل الجنابة وجهين: وجه
يملك إجبارها عليه؛ لأن كمال الاستمتاع يقف عليه. والثاني: لا يملك إجبارها
عليه؛ لأن الوطء لا يقف عليه.
6ً
- السفر بالزوجة: عرفنا أن للزوج بعد
أداء كل المهر المعجل أن يسافر بزوجته إذا كان مأموناً عليها (1).
_________
(1) الدر المختار: 495/ 2.
(9/6858)
المبحث الثالث ـ
الحقوق المشتركة بين الزوجين:
أغلب الحقوق السابقة خصوصاً حق الاستمتاع وما يتبعه هي حقوق مشتركة بين
الزوجين، لكن حق الزوج على زوجته أعظم من حقها عليه، لقوله تعالى: {وللرجال
عليهن درجة} [البقرة:228/ 2] وللحديث السابق عند أبي داود: «لو كنت آمراً
أحداً أن يسجد لأحد، لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن، لما جعل الله لهم
عليهن من الحق».
ويسن لكل من الزوجين تحسين الخُلُق لصاحبه والرفق به واحتمال أذاه وسوء
طباعه، لقوله تعالى: {والصاحب بالجنب} [النساء:36/ 4] أي الإحسان له،
وللحديث المتقدم: «استوصوا بالنساء خيراً» وحديث «خياركم خياركم لنسائه»
(1).
وليكن الزوج غيوراً من غير إفراط، لئلا ترمى بالشر من أجله.
وينبغي إمساك المرأة مع الكراهة لها، لقوله تعالى: {فإن كرهتموهن فعسى أن
تكرهوا شيئاً، ويجعل الله فيه خيراً كثيراًَ} [النساء:19/ 4] قال ابن عباس:
«ربما رزق منها ولداً، فجعل الله فيه خيراً كثيرا». وأخرج مسلم عن جابر بن
عبد الله، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «لا يَفْرَك مؤمن مؤمنة،
إن كره منها خلقاً، رضي منها خلقاً آخر» أي لايبغضها.
ولا ينبغي للرجل أن يعلم امرأته قدر ماله، ولا يفشي إليها سراً يخاف
إذاعته؛ لأنها تفشيه. ولا يكثر من الهبة لها، فإنه متى عودها شيئاً لم تصبر
عنه (2).
_________
(1) رواه ابن ماجه.
(2) كشاف القناع: 206/ 5.
(9/6859)
|