الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي

الفَصْلُ الثَّاني: الخُلْع فيه خمسة مباحث:
المبحث الأول ـ معنى الخلع ومشروعيته وألفاظه وحكمه ووقته وأركانه:
الخُلْع لغة: النزع والإزالة، وعرفاً بضم الخاء: إزالة الزوجية. وفقهاً له تعاريف في اصطلاح كل مذهب، فعند الحنفية (1): هو إزالة ملك النكاح المتوقفةُ على قبولها، بلفظ الخلع أو ما في معناه. فخرج بكلمة (ملك النكاح): الخلع في النكاح الفاسد وبعد البينونة والردة، فإنه لغو، وخرج بكلمة (المتوقفة على قبولها) أي المرأة: ما إذا قال: خلعتك ولم يذكر المال، ناوياً به الطلاق، فإنه يقع بائناً غير مسقط للحق، لعدم توقفه على قبول المرأة، فدل القبول على أن الخلع يكون ببدل، ومتى كان على بدل مالي لزم قبولها. وخرج بقوله (بلفظ الخلع) الطلاق على مال، فإنه غير مسقط للحقوق. وأما قوله (أو ما في معناه) فيدخل فيه لفظ (المبارأة) ولفظ (البيع والشراء) فإنه مسقط للحقوق ومنها المهر. والخلاصة: أن التعريف خاص بالخلع المسقط للحقوق، والواقع عادة في مقابل مال تفتدي به المرأة نفسها، فإن خالعها وقع الطلاق تطليقة بائنة، ولزمها المال.
_________
(1) الدر المختار ورد المحتار: 766/ 2 وما بعدها، فتح القدير: 199/ 3، اللباب: 64/ 3.

(9/7007)


والخلع عند المالكية (1): الطلاق بعوض، سواء أكان من الزوجة أم من غيرها من ولي أو غيره، أو هو بلفظ الخلع. وهو يدل على أن الخلع نوعان:
الأول ـ وهو الغالب ما كان في نظير عوض.
الثاني ـ ما وقع بلفظ الخلع، ولو لم يكن في نظير شيء، كأن يقول لها: خالعتك أو أنت مخالعة.
وبعبارة أخرى هو: أن تبذل المرأة أو غيرها للرجل مالاً على أن يطلقها، أو تسقط عنه حقاً لها عليه، فتقع به طلقة بائنة.
أي أنه عند المالكية يشمل الفرقة بعوض أو بدون عوض.
والخلع عند الشافعية (2): هو فُرْقة بين الزوجين بعوض بلفظ طلاق أو خلع، كقول الرجل للمرأة: طلقتك أو خالعتك على كذا، فتقبل.
وهذا أنسب التعاريف لاتفاقه مع المقصود بالخلع هنا وفي مفاهيم الناس ومع القانون النافذ في مصر وسورية.
والحنابلة (3) قالوا: الخلع: فراق الزوج امرأته بعوض يأخذه منها أو من غيرها، بألفاظ مخصوصة. وفائدته: تخليصها من الزوج على وجه لا رجعة له عليها إلا برضاها. ويصح الخلع عندهم في رواية على غير عوض، ولا شيء للزوج، كما قال المالكية، والراجح عند الحنابلة أن العوض ركن في الخلع فلا يصح تركه كالثمن في البيع، فإن خالعها بغير عوض لم يقع خلع ولا طلاق إلا إذا كان بلفظ الطلاق أو نيته، فيقع طلاقاً رجعياً.
_________
(1) الشرح الصغير: 517/ 2 وما بعدها، القوانين الفقهية: ص 232.
(2) مغني المحتاج: 262/ 3.
(3) كشاف القناع: 237/ 5، 244، المغني: 67/ 7.

(9/7008)


مشروعيته: الخلع جائز لا بأس به عند أكثر العلماء (1)، لحاجة الناس إليه بوقوع الشقاق والنزاع وعدم الوفاق بين الزوجين، فقد تبغض المرأة زوجها وتكره العيش معه لأسباب جسدية خَلْقية، أو خلُقية أو دينية، أو صحية لكبر أو ضعف أو نحو ذلك، وتخشى ألا تؤدي حق الله في طاعته، فشرع لها الإسلام في موازاة الطلاق الخاص بالرجل طريقاً للخلاص من الزوجية، لدفع الحرج عنها ورفع الضرر عنها، ببذل شيء من المال تفتدي به نفسها وتتخلص من الزواج، وتعوض الزوج ما أنفقه في سبيل الزواج بها. وقد حصر جمهور العلماء أخذ الفدية من مال الزوجة مقابل الطلاق في حال النشوز وفساد العشرة من قبل الزوجة.
ودل الكتاب والسنة على مشروعيته، أما الكتاب فقوله تعالى: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة:229/ 2] وقوله سبحانه: {فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً، فكلوه هنيئاً مريئاً} [النساء:4/ 4] وقوله: {فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً} [النساء:128/ 4].
وأما السنة: فحديث ابن عباس: «أن امرأة ثابت بن قيس جاءت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إني ما أعيب عليه في خلُق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: أتردّين عليه حديقته؟ قالت: نعم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: اقبل الحديقة، وطلِّقها تطليقة» (2) فهي لا تريد مفارقته لسوء خلقه ولا لنقصان دينه، وإنما كرهت كفران العشير، والتقصير فيما يجب له بسبب شدة البغض له، فأمرها النبي صلّى الله عليه وسلم أمر إرشاد وإصلاح لا إيجاب برد بستانه الذي أمهرها إياه، وهو أول خلع وقع في الإسلام، وفيه معنى المعاوضة.
_________
(1) بداية المجتهد: 66/ 2، الدر المختار: 767/ 2، مغني المحتاج: 262/ 3، المغني: 51/ 7.
(2) رواه البخاري والنسائي، ورواه ابن ماجه أيضاً (نيل الأوطار: 246/ 6).

(9/7009)


وشذ أبو بكر بن عبد الله المزيني عن الجمهور، فقال: لا يحل للزوج أن يأخذ من زوجته شيئاً، زاعماً أن قوله تعالى: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة:228/ 2] منسوخ بقوله تعالى: {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج، وآتيتم إحداهن قنطاراً، فلا تأخذوا منه شيئاً} [النساء:20/ 4] وهذا معناه عند الجمهور الأخذ بغير رضاها، وأما برضاها فجائز.

ألفاظ الخلع: للخلع عند الحنفية (1) ألفاظ خمسة: الخلع، والمبارأة، والطلاق، والمفارقة، والبيع والشراء، كأن يقول الرجل: خالعتك بكذا، أو بارأتك، أو فارقتك، أو طلقي نفسك على ألف، أو بعت نفسك أو طلاقك على كذا، وتقبل المرأة.
وذكر المالكية (2) له ألفاظاً أربعة: الخلع والمبارأة والصلح والفدية أو المفاداة، وكلها تؤول إلى معنى واحد وهو بذل المرأة العوض على طلاقها، إلا أن اسم الخلع يختص عادة ببذلها له جميع ما أعطاها، والصلح ببعضه، والفدية بأكثره، والمبارأة بإسقاطها عنه حقاً لها عليه.
وذكر الشافعية والحنابلة (3) أن الخلع يصح بلفظ الطلاق الصريح أو الكناية مع النية، وباللغة
غير العربية، ومن الكناية قوله: بعتك نفسك بكذا، فقالت: اشتريت، والصريح عند الشافعية لفظ الخلع والمفاداة، وعند الحنابلة لفظ الخلع والمفاداة والفسخ، والكناية عند الشافعية مثل لفظ الفسخ في الأصح، وكل كنايات الطلاق، والكناية عند الحنابلة: مثل بارأتك وأبرأتك وأبنتك.
_________
(1) الدر المختار: 770/ 2.
(2) بداية المجتهد: /66.
(3) مغني المحتاج: 262/ 3، 268، 269، المغني: 57/ 7 وما بعدها، غاية المنتهى: 103/ 3.

(9/7010)


حكمه الشرعي: يسن عند الحنابلة للرجل إجابة المرأة للخلع إن طلبته (1)، لقصة امرأة ثابت ابن قيس المتقدمة، إلا أن يكون للزوج ميل ومحبة لها، فيستحب صبرها، وعدم افتدائها. ويكره الخلع للمرأة مع استقامة الحال , لحديث ثوبان: أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس , فحرام عليها رائحة الجنة (2)» ولأنه عبث , فيكون مكروهاً. لكن يقع الخلع مع الكراهة للآية السابقة: {فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً} [النساء:4/ 4].
وذكر الحنفية: أنه إن كان النشوز (النفرة والجفاء) من قبل الزوج، كره له أن يأخذ منها عوضاً؛ لأنه أوحشها بالاستبدال، فلا يزيد في وحشتها بأخذ المال. وإن كان النشوز من قبل الزوجة، كره له أن يأخذ منها عوضاً أكثر مما أعطاها من المهر، فإن فعل ذلك بأن أخذ أكثر مما أعطاها، جاز في القضاء؛ لإطلاق قوله تعالى: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة:228/ 2].
وذكر الحنابلة (3) أن الخلع باطل والعوض مردود والزوجية بحالها في حالة العضل أو الإكراه
على الخلع، بأن ضارَّها بالضرب والتضييق عليها، أو منعها حقوقها من الق والنفقة ونحو ذلك، كما لو نقصها شيئاً من حقوقها ظلماً، لتفتدي نفسها، لقوله تعالى: {ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن} [النساء:4/ 19]، ولأن ما أكرهت على بذله من العوض مأخوذ بغير حق، فلم يستحق أخذه منها للنهي عنه، والنهي يقتضي الفساد، وذلك باسء لفظ الطلاق أونيته، فيقع رجعياً، ولم تبِن المرأة من زوجها لفساد العوض.
_________
(1) كشاف القناع: 237/ 5.
(2) رواه الخمسة إلا النسائي.
(3) كشاف القناع: 238/ 5، المغني: 53/ 7 وما بعدها.

(9/7011)


وكذلك قال الشافعية (1): يجوز الخلع لما فيه من دفع الضرر عن المرأة غالباً، ولكنه مكروه لما فيه من قطع النكاح الذي هو مطلوب الشرع، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «أبغض الحلال إلى الله الطلاق» وذلك إلا في حالتين:
الأولى ـ أن يخافا أو يخاف أحدهما ألا يقيما حدود الله، أي ما افترض الله في النكاح.
والثانية ـ أن يحلف بالطلاق الثلاث على فعل شيء لا بد له منه، أي كالأكل والشرب وقضاء الحاجة، فيخلعها، ثم يفعل الأمر المحلوف عليه، ثم يتزوجها فلا يحنث لانحلال اليمين بالفعلة الأولى، إذ لا يتناول إلا الفعلة الأولى، وقد حصلت.
والخلع عند المالكية على المشهور جائز مستوي الطرفين، وقيل: يكره، وهو قول ابن القصَّار، واشترطوا أن يكون خلع المرأة اختياراً منها وحباً في فراق الزوج من غير إكراه ولا ضرر منه، فإن انخرم أحد هذين الشرطين، نفذ الطلاق، ولم ينفذ الخلع (2).
ومنع قوم الخلع مطلقاً. وقال الحسن البصري: لا يجوز حتى يراها تزني.
وقال داود الظاهري: لا يجوز إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله.

هل يحتاج الخلع إلى قاضٍ؟ لا يفتقر الخلع إلى حاكم، كما أبان الحنابلة (3)، وهو رأي باقي الفقهاء، لقول عمر وعثمان رضي الله عنهما، ولأنه معاوضة، فلم يفتقر إلى القاضي كالبيع والنكاح، ولأنه قطع عقد بالتراضي، فأشبه الإقالة.
_________
(1) مغني المحتاج: 262/ 3.
(2) القوانين الفقهية: ص 232، بداية المجتهد: 68/ 2، حاشية الصاوي على الشرح الصغير: 517/ 2.
(3) المغني: 52/ 7.

(9/7012)


وقت الخلع: لا بأس بالخلع في الحيض، والطهر الذي أصابها فيه (1)؛ لأن المنع من الطلاق في الحيض من أجل دفع الضرر الذي يلحق المرأة بطول العدة، والخلع لإزالة الضرر الذي يلحقها بسوء العشرة والمقام مع من تكرهه وتبغضه، وهو أعظم من ضرر طول العدة، فجاز دفع أعلاهما بأدناهما، وهي قد رضيت به، مما يدل على رجحان مصلحتها، ولذا لم يسأل النبي صلّى الله عليه وسلم المختلعة عن حالها.
أركان الخلع: أركانه عند الجمهور غير الحنفية خمسة (2): القابل، والموجب، والعوض، والمعوض، والصيغة. فالقابل: الملتزم بالعوض، والموجب: الزوج أو وليه أو وكيله، والعوض: الشيء المخالع به، والمعوض: بُضْع الزوجة، أي الاستمتاع بها، والصيغة: مثل خالعتك أو خلعتك على كذا.
وحقيقة الخلع أو تحقق معناه هو المتضمن لتلك الأركان، فلا بد له من هذه الأمور الخمسة (3):
الأول ـ أن يصدر الإيجاب من الزوج أو وكيله أو وليه إن كان صغيراً أو سفيهاً غير رشيد.
الثاني ـ أن يكون ملك المتعة قائماً حتى يمكن إزالته، وذلك بقيام الزوجية حقيقة، أو حكماً كما هو حال المطلقة رجعياً ولا تزال في العدة. فإن لم تكن الزوجية قائمة حقيقة أو حكماً، لم يتحقق الخلع، فلا خلع في النكاح الفاسد؛ لأن الفاسد لا يفيد ملك المتعة، ولا خلع بعد الطلاق البائن أو انتهاء عدة الطلاق الرجعي.
_________
(1) المرجع السابق، المهذب: 71/ 2.
(2) حاشية الصاوي على الشرح الصغير: 517/ 2، مغني المحتاج: 363/ 3، المغني: 67/ 7، كشاف القناع: 244/ 5.
(3) الأحوال الشخصية للأستاذ الشيخ عبد الرحمن تاج: ص 344.

(9/7013)


الثالث ـ البدل من جانب الزوجة أو غيرها: وهو كل ما يصلح أن يكون مهراً من مال أو منفعة تقوم بالمال، غير أنه ليس لبدل الخلع حد أدنى بخلاف المهر، فيتحقق الخلع بأي بدل كثير أو قليل. ويستحب ألا يأخذ الرجل أكثر مما أعطى المرأة من الصداق عند أكثر العلماء (1).
ولا يلزم التصريح بالبدل، كما لا يلزم ذكر المهر في عقد الزواج، فالبدل في ذاته كالمهر لازم في الخلع على كل حال عند الحنفية والشافعية، فإذا قال الرجل: خالعتك، أو قال للمرأة: اختلعي مني، فقال: خالعتك، ولم يذكر أحدهما بدلاً، صح الخلع ولزم العوض. وقال المالكية وفي رواية عند الحنابلة: يقع الخلع بغير عوض. والراجح عند الحنابلة: أن العوض ركن في الخلع، فإن خالعها بغير عوض لم يقع خلع ولا طلاق إلا إذا كان بلفظ طلاق، فيكون طلاقاً رجعياً.
فإن استعمل الرجل أو المرأة لفظ المخالعة من غير قصد إلى الخلع بعوض، بل بقصد الطلاق المجرد، فيقع طلاق بائن، ولا يجب فيه مال على المرأة.
الرابع ـ الصيغة: وهي لفظ الخلع أو ما في معناه مما ذكر كالإبراء والمبارأة والفداء والافتداء، سواء أكان صريحاً أم كناية، فلا بد من صيغة معينة ومن لفظ الزوج، ولا يحصل بمجرد بذل المال؛ لأن الخلع الشرعي له آثار تختلف عن آثار الطلاق على مال. ولأنه تصرف في البضع (الاستمتاع بالمرأة) بعوض، فلم يصح بدون اللفظ كالنكاح والطلاق.
الخامس ـ قبول الزوجة: لأن الخلع من جانبها معاوضة، وكل معاوضة يلزم فيها قبول دافع العوض، ويلزم تحقق القبول في مجلس الإيجاب أو مجلس العلم به، فإذا قامت الزوجة من المجلس بعد سماع كلمةالمخالعة، أو بعد ما علمت بها من طريق الكتابة، فلا يصح قبولها بعدئذ.
_________
(1) المغني: المكان السابق.

(9/7014)


ويشترط توافق القبول والإيجاب، فإن قال الزوج: طلقتك بألف، فقالت: بثمانمائة، أو قال: طلقتك ثلاثاً بألف، فقبلت طلقة واحدة بثلت ألف، لم ينعقد الخلع ويعد لغواً، وكذا يعد لغواً عند الشافعية (1): إن قال: طلقتك بألف، فقالت: قبلت بألفين؛ لأنه يشترط عنده التطابق أو التوافق التام بين الإيجاب والقبول.
وهذا وقد اعتبر الحنفية ركن الخلع هو الإيجاب والقبول؛ لأنه عقد على الطلاق بعوض، فلا تقع الفرقة ولا يستحق العوض بدون القبول (2).

المبحث الثاني ـ صفة الخلع وما يترتب عليها:
الخلع في رأي المالكية والشافعية والحنابلة (3) معاوضة، فلا يحتاج لصحته قبض العوض، فلو تم من قبل الزوج، فماتت المرأة أو فلَّست، أخذ العوض من تركتها وأتبعت به، ويجوز رد العوض فيه بالعيب؛ لأن إطلاق العقد يقتضي السلامة من العيب، فثبت فيه الرد بالعيب كالمبيع والمهر، ويصح الخلع منجزاً بلفظ المعاوضة، لما فيه من معنى المعاوضة، ويصح معلقاً على شرط لما فيه من معنى الطلاق، ويملك العوض بالعقد، ويضمن بالقبض، لكن فصل الحنابلة في الضمان، فقالوا: العوض في الخلع كالعوض في الصداق والبيع: إن كان مكيلاً أو موزوناً، لم يدخل في ضمان الزوج، ولم يملك التصرف فيه إلا بقبضه، وإن كان غيرهما دخل في ضمانه بمجرد الخلع وصح تصرفه فيه.
_________
(1) مغني المحتاج: 269/ 3.
(2) البدائع: 145/ 3.
(3) الشرح الصغير مع حاشية الصاوي: 518/ 2، 531، مغني المحتاج: 269/ 3، المهذب: 72/ 2 - 73، المغني: 58/ 7، 66.

(9/7015)


إلا أن الشافعية قالوا: الخلع معاوضة فيها شَوْب تعليق، لتوقف وقوع الطلاق فيه على قبول دفع المال من الزوجة.
وذهب أبو حنيفة (1) إلى أن الخلع قبل قبول المرأة يمين من جانب الزوج فلا يصح الرجوع عنه؛ لأنه علق طلاقه على قبول المال، والتعليق يمين اصطلاحاً. ويعتبر معاوضة بمال من جانب الزوجة؛ لأنها التزمت بالمال في مقابل افتداء نفسها وخلاصها من الزوج، لكنها عند أبي حنيفة ليست معاوضة محضة، بل فيها شبه بالتبرعات؛ لأن بديل العوض ليس مالاً شرعاً، وإنما هو افتداء المرأة نفسها، فلا يكون الخلع معاوضة محضة. وقال الصاحبان: الخلع يمين بالنظر إلى الزوجين جميعاً.

ويترتب على اعتبار الخلع يميناً من جانب الزوج الآثار التالية: 1 ً - لا يصح رجوع الزوج عنه قبل قبول المرأة.
2ً - لا يقتصر إيجاب الزوج على مجلسه، فلو قام من المجلس قبل قبول الزوجة لا يبطل إيجابه بهذا القيام.
3ً - لا يصح للزوج أن يشترط الخيار لنفسه في مدة معلومة؛ لأنه لا يملك الرجوع عن الخلع، لأنه يمين من جانبه، فإذا اشترط الخيار كان الشرط باطلاً، ولكن لا يبطل الخلع به.
4ً - يجوز للزوج أن يعلق الخلع بشرط، وأن يضيفه إلى زمن مستقبل، مثل: إذا قدم فلان فقد خالعتك على كذا، أو خالعتك على كذا غداً أورأس الشهر القادم، والقبول للزوجة عند تحقق الشرط، أو حلول الوقت المضاف إليه.
_________
(1) الدر المختار ورد المحتار: 768/ 2 - 769، البدائع: 145/ 3.

(9/7016)


ومذهب الحنابلة (1): لا يصح تعليق الخلع على شرط، ومذهب المالكية والشافعية: يجوز تعليق الخلع كأن يقول: متى ما أعطيتني فأنت طالق.

ويترتب على اعتبار الخلع معاوضة لها شبه بالتبرعات من جانب الزوجة ما يأتي:
1ً - يصح للزوجة رجوعها عن الإيجاب إذا ابتدأت الخلع قبل قبول الزوج.
2ً - يقتصر قبول الزوجة في المجلس إن كانت حاضرة فيه، وفي مجلس علمها بالخلع إن كانت غائبة عن مجلس الإيجاب كالبيع. ولا يشترط حضور المرأة في المجلس، بل يتوقف الإيجاب على ما وراء المجلس بعكس عقد الزواج، فلو كانت غائبة فبلغها الخبر، فلها القبول في مجلس علمها به؛ لأنه في جانبها معاوضة.
3ً- يجوز للزوجة أن تشترط الخيار لنفسها في مدة معلومة يكون لها فيها الحق في القبول أو الرد، إذا ابتدأت الخلع، كأن تقول لزوجها: خالعتك على ألف على أن لي الخيار ثلاثة أيام، فإذا قبل الزوج صح الشرط، ولها أن تقبل أو ترفض؛ لأن الخلع من جانبها معاوضة، والمعاوضات يصح فيها اشتراط الخيار.
وقال الصاحبان والحنابلة (2): لا يصح اشتراط الخيار للزوجة؛ لأن الفرقة عند الحنابلة وقعت بالتلفظ بالخلع، وما وقع لا سبيل إلى رفعه، ولأن الخلع يمين الصاحبين بالنظر إلى الزوجين جميعاً، وليس معاوضة من جانب الزوجة، وإذا اشترط صح الخلع وبطل الشرط؛ لأنه لا يفسد بالعوض الفاسد، فلا يفسد بالشرط الفاسد كالنكاح.
_________
(1) كشاف القناع: 243/ 5.
(2) المرجع السابق، المغني: 60/ 7.

(9/7017)


4ً - لا يصح للزوجة تعليق الخلع ولا إضافته إلى زمن مستقبل؛ لأن الخلع من جانبها معاوضة وتمليك، والتمليكات لا تقبل التعليق ولا الإضافة.
5ً - لا تلزم الزوجة ببدل الخلع إلاإذا كانت أهلاً للتبرع، بأن كانت بالغة عاقلة رشيدة؛ لأن الخلع وإن اعتبر معاوضة من جانب الزوجة، ففيه شبه بالتبرعات.
وأخذ القانون السوري برأي المالكية والشافعية، فأجاز لكل من الزوجين الرجوع عن الإيجاب في المخالعة قبل قبول الآخر، نصت المادة (96) على أنه: «لكل من الطرفين الرجوع عن إيجابه في المخالعة قبل قبول الآخر».

المبحث الثالث ـ شروط الخلع:
يشترط في الخلع ما يأتي (1):
1ً - أهلية الزوج لإيقاع الطلاق: بأن يكون بالغاً عاقلاً في رأي الجمهور، وأجاز الحنابلة أن يكون مميزاً يعقله، فكل من لا يصح طلاقه لا يصح خلعه كالصبي والمجنون والمعتوه ومن اختل عقله لمرض أو كبر سن.

خلع السفيه: يصح الطلاق من كل مكلف (بالغ عاقل)، رشيد (2) أو سفيه،
_________
(1) البدائع: 147/ 3 - 149، الدر المختار ورد المحتار: 772/ 2 - 774، و 782 - 785، فتح القدير: 205/ 3 - 208، 218، اللباب: 65/ 3، الشرح الصغير: 519/ 2، 520، 524، 526 - 530، بداية المجتهد: 67/ 2 - 69، القوانين الفقهية: ص 232، مغني المحتاج: 263/ 3 - 267، غاية المنتهى: 103/ 3 - 105، كشاف القناع: 238/ 5 - 239، 244 - 251، المغني: 52/ 7 - 53، 61 - 66، 73، 83 - 89، الشرح الكبير مع الدسوقي: 348/ 2 - 350، المهذب: 71/ 2 - 74.
(2) الرشد عند الحنفية: كون الشخص مصلحاً في ماله، ولو كان فاسقاً، والحجر بالسفه يفتقر عند أبي يوسف إلى القضاء كالحجر بالدين.

(9/7018)


حر أو عبد؛ لأن كل واحد منهم يصح طلاقه، فيصح خلعه، ولأنه إذا ملك الطلاق بغير عوض، فبالعوض أولى. ولا يصح من غير الزوج أو وكيله.

خلع الولي: يصح الخلع من الحاكم ولي غير المكلف من صبي أو مجنون إذا كان في الخلع مصلحة.
ولم يجز أبو حنيفة والشافعي وأحمد للأب خلع زوجة ابنه الصغير والمجنون ولا طلاقها، وهكذا كل من لا يجوز له أن يطلِّق على الصغير والمجنون لا يجوز أن يخالع عليهما، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «إنما الطلاق لمن أخذ بالساق» والخلع في معنى الطلاق.
وقال مالك: يخالع الأب على ابنه الصغير وابنته الصغيرة؛ لأنه عنده يطلِّق على الابن، ويزوج الصغيرة.

خلع المريض: يصح خلع المريض مرض الموت؛ لأنه لو طلق بغير عوض لصح، فلأن يصح بعوض أولى، ولأن الورثة لا يفوتهم بخلعه شيء. وعبر المالكية عن ذلك بقولهم: ونفذ خلع المريض مرضاً مخوفاً، إشارة إلى أنه لا يحرم ابتداء لما فيه من إخراج وارث. وترثه على المشهور زوجته المخالعة في مرضه إن مات منه ككل مطلَّقة بمرض موت مخوف، حتى ولو انتهت عدتها وتزوجت بغيره، ولا يرثها هو إن ماتت في مرضه قبله، ولو كانت مريضة حال الخلع أيضاً؛ لأنه هو الذي أسقط ما كان يستحقه.
التوكيل في الخلع: يصح لكل من الزوجين أو من أحدهما التوكيل في الخلع، وكل من صح خلعه لنفسه جاز توكيله ووكالته، حراً كان أو عبداً، ذكراً أو أنثى، مسلما ًأو كافراً، محجوراً عليه لسفه أو رشيداً؛ لأن كل واحد منهم يجوز أن يوجب الخلع، فصح أن يكون وكيلاً وموكِّلاً فيه كالحر الرشيد، ولأن الخلع عقد معاوضة كالبيع.

(9/7019)


وإذا نقص الوكيل عما عينه له الموكل، كأن قال له: وكلتك على أن تخالعها بعشرة، فخالعها بخمسة، أو نقص الوكيل عن خلع المثل إن أطلق الموكل ولم يعين له شيئاً، لم يلزم الموكل بالخلع.
وإذا وكلت الزوجة وكيلاً ليخالعها، وعينت له شيئاً، أو أطلقت العبارة، وزاد وكيلها على ما عينت، أو على خلع المثل أن أطلقت، فعليه الزيادة. ولا يطالب الوكيل بالخلع بالبدل إلا إذا ضمنه، ويرجع به على المرأة.

خلع الفضولي: أجاز الحنفية والحنابلة الخلع من الفضولي، فإذا خاطب الفضولي الزوج بالخلع، فإن أضاف البدل إلى نفسه على وجه يفيد ضمانه له أو ملكه إياه، كاخلعها بألف علي، أو على أني ضامن، أو على ألفي هذه، ففعل، صح، والبدل عليه، فإن استحق البدل لزم الفضولي قيمته، ولا يتوقف الخلع حينئذ علي قبول المرأة.
وإن لم يضمن الفضولي البدل وأرسل الكلام، فقال: على ألف، فإن قبلت المرأة، لزمها تسليمه، أو قيمته إن عجزت.
وإن أضاف الفضولي البدل إلى غيره كفرس فلان، اعتبر قبول فلان هذا.
2ً - كون الزوجة محل الخلع وقابلته ممن عقد عليها عقد زواج صحيح، سواء أكانت مدخولاً بها، أم لا، ولو كانت مطلقة رجعياً ما دامت في العدة، وأن تكون ممن يصح تبرعها أو يطلق تصرفها في المال، بكونها مكلفة (بالغة عاقلة) غير محجور عليها، وأسباب الحجر خمسة: الرق والسفه والمرض والصبا والجنون، فلا يصح خلع الأمة إلا بإذن سيدها، ولا السفيهة اتفاقاً، ولا المريضة عند الشافعية والحنابلة لعدم صحة تصرفهما بالمال، ولا الصغيرة والمجنونة لانتفاء أهلية القبول.

(9/7020)


ولو اختلعت الأمة من زوجها على عوض بغير إذن سيدها، وقع الطلاق بائناً، ولا شيء عليها عند الحنفية والحنابلة والمالكية حتى تعتق.
وكذا عند الشافعية يطالبها بالعوض بعد العتق، لكن يستقر للزوج في ذمتها مهر المثل. وإذا كان الخلع بإذن السيد تعلق العوض في ذمته، كما لو أذن لعبده في الاستدانة.
وليس للأب وغيره من الأولياء خلع ابنته الصغيرة أو المجنونة أو السفيهة بشيء من مالها، ولا طلاقها بشيء من مالها؛ لأنه إنما يملك التصرف بما لها فيه حظ ومصلحة، وليس في هذا مصلحة، بل فيه إسقاط حقها الواجب لها.
وعلى هذا لا يصح خلع المحجور عليه لسفه أو صغر أو جنون لا بنفسها ولا بوليها ولا بإذنه، لأن الخلع تصرف في المال، وليست هي من أّهله، ولأنه ليس للولي الإذن في التبرعات، وهذا كالتبرع.
فإن خالع الزوج المحجور عليها بلفظ يكون طلاقاً، فهو طلاق رجعي، ولا يستحق عوضاً.
وقال الحنفية: يصح خلع المريضة، ولو اختلعت في مرضها فهو من الثلث؛ لأنها متبرعة في قبول المال، فيعتبر من الثلث، فإن ماتت في العدة، فله الأقل من بدل الخلع ومن ميراثه منها.
وقال المالكية: يحرم اختلاع المريضة مرض الموت، فيحرم عليها أن تخالع، كما يحرم الخلع على الزوج لإعانته لها على الحرام. لكن ينفذ الطلاق، ولا توارث بينهما إن كان الزوج صحيحاً، ولو ماتت في عدتها. أما لو كان الزوج مريضاً وخالع زوجته، ومات في مرضه، فترثه زوجته المخالعة، حتى ولو انقضت عدتها وتزوجت بغيره. ولا يرثها هو إن ماتت في مرضه قبله، حتى ولو كانت

(9/7021)


مريضة حال الخلع؛ لأنه هو الذي أسقط ما كان يستحقه، ككل مطلقة بمرض موت مخوف، فإنها ترثه إن مات من ذلك المرض، دون أن يرثها.
وقال الشافعية: إن خالعت الزوجة في مرض موتها وماتت: فإن لم يزد العوض على مهر المثل اعتبر من رأس المال، أي من جميع التركة، وإن زاد على مهر المثل، اعتبرت الزيادة من الثلث.
ويصح بالاتفاق خلع المحجور عليها لفلس، وبذلها للعوض صحيح؛ لأن لها ذمة يصح تصرفها، ويرجع عليها بالعوض إذا أيسرت وفك الحجر عنها، وليس للزوج مطالبتها في حال حجرها، كما لو استدانت منه أو باعها شيئاً في ذمتها.
3ً - أن يكون بدل الخلع مما يصلح أن يكون مهراً.
وهو عند الحنفية: أن يكون مالاً متقوماً موجوداً وقت الخلع معلوماً أو مجهولاً أو منفعة تقوم بالمال، فلا يصح خلع المسلمة على خمر أو خنزير أو ميتة أو دم، ويبطل العوض، ولا شيء للزوج، وتكون الفرقة طلاقاً بائناً؛ لأنه لما بطل العوض بقي لفظ الخلع، وهو كناية، وتقع الفرقة بالكنايات بينونة، أما لو كان الطلاق على مال، وبطل العوض كان طلاقاً رجعياً، لأنه بقي لفظ الطلاق، وهو صريح، والصريح طلاق رجعي.
والبدل عند الجمهور: كل ما يصح تملكه، سواء أكان مالاً عيناً، أم ديناً، أم منفعة، تحرزاً من الخمر والخنزير وما أشبه ذلك. فإن خالعها بمحرم كخمر أو خنزير أو مغصوب أو مسروق، فلا شيء له عليها وبانت منه عند المالكية والحنابلة كما قرر الحنفية، ويكون كالخلع بلا عوض، لأنه قد رضي بالإسقاط بغير عوض، فلا يستحق عليها شيئاً.

(9/7022)


وذكر الشافعية: أنه لو خالع بمجهول أو حرام، بانت منه بمهر المثل؛ لأنه المراد عند فساد العوض. ولو خالع بما ليس بمال كالدم، وقع الطلاق رجعياً؛ لأنه لم يطمع في شيء. وأما خلع الكفار بعوض غير مال فهو صحيح كما في أنكحتهم.

الخلع بمعدوم أو بمجهول: يصح الخلع عند الجمهور غير الشافعية إذا كان عوض الخلع مشتملاً على غرر أو معدوم ينتظر وجوده كجنين في بطن حيوان تملكه الزوجة، أو كان مجهولاً كأحد فرسين، أو غيرموصوف من عرض أو حيوان وثمرة لم يبد صلاحها، وعبد آبق، وبعير شارد، أو مضافاً لأجل مجهول، خلافاً لمهر النكاح، فليس كل ما يصلح عوضاً في الخلع، يصلح عوضاً في النكاح؛ لأن الخلع مبني على التوسع والتسامح، فيتحمل جهالة ونحوها لا يتحملها النكاح، ويصح الخلع على ما لا يصح مهراً بجهالة أو غرر.
وفرَّع الحنفية على قولهم بجواز جهالة عوض الخلع ولو جهالة فاحشة ما يأتي:
أـ إن قالت الزوجة لزوجها: (خالعني على ما في يدي) ولم يكن في يدها شيء، فخالعها، فلا شيء له عليها؛ لأنها لم تغرَّه بتسمية المال.
ب ـ وإن قالت له: (خالعني على ما في يدي من مال) ولم يكن في يدها شيء، فخالعها، ردت عليه مهرها؛ لأنها سمت مالاً لم يكن الزوج راضياً بالزوال إلا بالعوض، ولا وجه لإيجاب ما سمته المرأة من المال في يدها لجهالته، ولا لإيجاب مهر المثل؛ لأن البضع الذي يجب مهر المثل من أجله غير متقوم حالة الخروج من الملك بالخلع ونحوه، أما في حالة الدخول بعقد النكاح فهو متقوم، فتعين إيجاب ماقام به البضع على الزوج وهو المهر دفعاً للضرر عنه.

(9/7023)


جـ ـ وإن قالت له (خالعني على ما في يدي من دراهم) ولم يكن في يدها شيء، فخالعها، فعليها ثلاثة دراهم؛ لأنها سمت جمعاً من الدراهم، وأقل الجمع ثلاثة، ووافقهم الحنابلة (1) فيه.
د ـ وإن قالت له: (طلقني ثلاثاً بألف) فطلقها واحدة، فعليها ثلث الألف؛ لأن حرف الباء يَصْحَب الأعواض، والعوض ينقسم على المعوض، فهي لما طلبت الثلاث بألف، فقد طلبت كل واحدة بثلث الألف. والطلاق بائن لوجوب المال.
أما لو قالت: (طلقني ثلاثاً على ألف) فطلقها واحدة، فلا شيء عليها عند أبي حنيفة، وتقع طلقة رجعية؛ لأن كلمة (على) للشرط، والمشروط لا يتوزع على أجزاء الشرط، بخلاف الباء، لأنه للعوض، وهذا هو الصحيح عند الحنفية. وقال الصاحبان والشافعية (2): عليها ثلث الألف، وتقع طلقة بائنة؛ لأن كلمة (على) بمنزلة الباء في المعاوضات.
ولو قال الزوج لزوجته: (طلقي نفسك ثلاثاً بألف، أو على ألف) فطلقت نفسها واحدة، لم يقع عليها شيء؛ لأن الزوج مارضي بالبينونة إلا لتسلم له الألف كلها. وذلك بخلاف الحالة السابقة: (طلقني ثلاثاً بألف)؛ لأنها لما رضيت بالبينونة بألف، كانت ببعضها أرضى.
وأما الشافعية فقالوا: يشترط في عوض الخلع شروط الثمن من كونه متمولاً، معلوماً، مقدوراً على تسليمه، فلو خالع بمجهول أو خمر معلومة، أو نحوها، مما لا يتملك، بانت بمهر المثل؛ لأنه المراد عند فساد العقد، كما تقدم.
_________
(1) المغني: 61/ 7.
(2) المهذب: 75/ 2.

(9/7024)


مجمل شروط الخلع في بعض المذاهب: ذهب المالكية (1) إلى أنه لا يجوز الخلع إلا بثلاثة شروط:
الأول ـ أن يكون المبذول للرجل مما يصح تملكه وبيعه تحرزاً من الخمر والخنزير ونحوهما. ويصح عندهم بالمجهول والغرر، كما أوضحت.
الثاني ـ ألا يجر إلى ما لا يجوز كالخلع على السلف أو التأخير بدين أو الوضع على التعجيل، وشبه ذلك من أنواع الربا المذكورة في بحث الربا، فلا يصح الخلع مقابل التأخير في وفاء دين عليه، وقد حل أجله؛ فإنه لا شيء له عليها؛ لأن تأخير الحالّ سلف (2)، وقد جر لها نفعاً، وهو خلاص عصمتها منه، وتأخذ الدين منه حاّلاً.
ولا يصح أيضاً الخلع مقابل تعجيل دين مؤجل لها من بيع، ويبقى إلى أجله، وبانت منه؛ لأن التعجيل مقابل حل العصمة. فإن كان الدين من قرض، وجب عليها قبول التعجيل قبل الأجل، مثل الشيء المعين (العين) لأن الأجل في العين حق لمن هي عليه.
الثالث ـ أن يكون خلع المرأة اختياراً منها وحباً في فراق الزوج من غير إكراه ولا ضرر منه بها. فإن انخرم أحد هذين الشرطين نفذ الطلاق ولم ينفذ الخلع.
ومذهب الحنابلة (3) أن شروط الخلع تسع:
1 - بذل عوض.
2 - ممن يصح تبرعه، وزوج يصح طلاقه.
3 - غير هازلين.
4 - عدم عضلها إن بذلته.
5 - وقوعه بصيغته الصريحة أوالكناية،
_________
(1) القوانين الفقهية: ص 232، الشرح الصغير: 524/ 2.
(2) أي لأن من أخر ما عجل يعد سلفاً.
(3) غاية المنتهى: 103/ 3 وما بعدها، 110.

(9/7025)


والأولى: خلعت وفسخت وفاديت، والثانية: بارأتك، وأبرأتك، وأبنتك.
6 - عدم نيته طلاقاً.
7 - تنجيز.
8 - وقوعه على جميع الزوجة.
9 - عدم الحيلة، فيحرم الخلع حيلة لإسقاط يمين الطلاق أو تعليقه ولا يصح.

شروط الخلع في القانون السوري:
نصت المادة (95) من هذا القانون على أن يكون الزوج أهلاً لإيقاع الطلاق والزوجة محلاً للطلاق:
«
1ً - يشترط لصحة المخالعة أن يكون الزوج أهلاً لإيقاع الطلاق والمرأة محلاً له.
2ً - المرأة التي لم تبلغ سن الرشد إذا خولعت لا تلتزم ببدل الخلع إلا بموافقة ولي المال». وهذه الفقرة الثانية هي من مذهب المالكية.
ونصت المادة (96) على صفة الخلع أخذاً بمذهبي المالكية والشافعية في كون الخلع معاوضة:
«لكل من الطرفين الرجوع عن إيجابه في المخالعة قبل قبول الآخر» ونصت المادة (97) على بدل الخلع: وهو كل ما جاز أن يكون مهراً بالاتفاق:
«كل ما صح التزامه شرعاً، صلح أن يكون بدلاً في الخلع».
ونصت المادة (100) على حالة الخلع من غير بدل أخذاً بمذهبي المالكية والحنابلة:
«إذا صرح المتخالعان بنفي البدل، كانت المخالعة في حكم الطلاق المحض، وقع بها طلقة رجعية».

(9/7026)


المبحث الرابع ـ حكم أخذ بدل الخلع، والخلع في مقابل بعض المنافع والحقوق، والفرق بين الخلع والطلاق على مال:
يتبع بحث اشتراط بدل الخلع الكلام في مواضع ثلاثة: حكم أخذ بدل الخلع، والخلع في مقابل منفعة أو حق، والفرق بين الخلع والطلاق على مال.
حكم أخذ بدل الخلع:
بحث الفقهاء مبدأ مشروعية أخذ البدل في مقابل الخلع أو الطلاق على التفصيل التالي (1):
1ً - إن كانت الزوجة كارهة زوجها لقبح منظر أو سوء عشرة، وخافت ألا تؤدي حقه، جاز للزوج مخالعتها وأخذ عوض في نظير طلاقها، لكن يكره عند الحنفية أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها، لقصة امرأة ثابت بن قيس المتقدمة: «قال النبي صلّى الله عليه وسلم: أتردين إليه حديقته؟ فقالت: نعم وزيادة، فقال صلّى الله عليه وسلم: أما الزيادة فلا» (2). وهذا قول عطاء وطاوس والزهري وعمرو بن شعيب.
وأجاز الجمهور أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها ما دام النشوز من جهتها، لكن لا يستحب له ذلك، لقوله تعالى: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله، فإن خفتم ألا يقيما حدود الله، فلا جناح عليهما
_________
(1) البدائع: 150/ 3 وما بعدها، فتح القدير: 203/ 3 وما بعدها، القوانين الفقهية: ص 232، المهذب: 70/ 2 وما بعدها، المغني: 52/ 7 - 55، بداية المجتهد: 68/ 2.
(2) رواه أبو داود مرسلاً عن عطاء، وأخرجه الدارقطني عن أبي الزبير، وفي رواية ابن ماجه عن ابن عباس: «فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد» (نصب الراية 244/ 3، نيل الأوطار: 246/ 6).

(9/7027)


فيما افتدت به} [البقرة:229/ 2] فإنه تعالى نفى الإثم في أخذ الرجل من الزوجة مقابل طلاقها، قليلاً كان أو كثيراً. والنهي عن الزيادة في حديث ثابت محمول على خلاف الأولى.
ويروى عن ابن عباس وابن عمر أنهما قالا: «لو اختلعت امرأة من زوجها بميراثها وعقاص (1) رأسها، كان ذلك جائزاً» وقالت الرُبيِّع بنت مُعَوِّذ: اختلعت من زوجي بما دون عقاص رأسي، فأجاز ذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه (2). ولم يخالفه أحد من الصحابة، واشتهر هذا، فلم ينكر، فيكون إجماعاً، ولم يصح عن علي رضي الله عنه خلافه.
2ً - إن كان النفور والإعراض من جانب الزوج، يكره باتفاق العلماء، لقوله تعالى: {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج، وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً، أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً} [النساء:20/ 4].
ومثل هذا: لو أكره الزوج الزوجة أو اضطرها إلى طلب الخلع، فضيق عليها، وعاشرها معاشرة سيئة ليحملها على الطلاق، فلا يحل له أخذ شيء منها عند الحنفية والحنابلة والشافعية لقوله تعالى: {ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا} [البقرة:231/ 2] وقوله سبحانه: {ولا تعضُلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن} [النساء:4/ 19] هذا يدل على تحريم المخالعة لغير حاجة، ولأنه إضرار بها، والضرر حرام، لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا ضرر ولا ضرار».
وكذلك قال المالكية: لا يحل له أخذ شيء من الزوجة في حالة الإضرار، ولو أخذ شيئاً وجب عليه أن يرده إليها.
_________
(1) العقاص: هو الخيط الذي تربط به المرأة أطراف شعرها.
(2) أخرجه ابن سعد.

(9/7028)


3ً - وإن كان الكره من الجانبين، وخشيا التقصير أو التفريط في حقوق الزوجية، جاز الخلع وجاز أخذ البدل اتفاقاً، لقوله تعالى: {فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة:229/ 2].

الخلع في مقابل بعض المنافع والحقوق:
يصح أن يكون بدل الخلع من النقود، أو من المنافع المقومة بمال، كسكنى الدار وزراعة الأرض زمناً معلوماً، وكإرضاع ولدها أو حضانته أو الإنفاق عليه، أو من الحقوق كإسقاط نفقة العدة.

الخلع على الرضاع:
يصح الخلع على أن ترضع ولدها مدة الرضاع الواجب وهو سنتان؛ لأن الرضاع مما تصح المعاوضة عنه في غير الخلع، ففي الخلع أولى.
ويصح الخلع أيضاً عند الحنابلة (1) على إرضاع ولده مطلقاً دون تحديد مدة، وينصرف إلى ما بقي من الحولين؛ لأن الله تعالى قيَّد الرضاع بالحولين، فقال تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} [البقرة:233/ 2] وقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «لا رضاع بعد فصال» (2).
فإن ماتت المرضعة أو جف لبنها، فعليها أجر المثل لما بقي من المدة. وكذا عند الحنابلة إن مات الولد، وينفسخ الاتفاق بتلفه، وقال الشافعي: لا ينفسخ الاتفاق، ويأتيها بصبي ترضعه مكانه؛ لأن الصبي مستوفى به، لا معقوداً عليه.
_________
(1) المغني: 64/ 7.
(2) رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن جابر، وتتمته: «ولا يُتْم بعد احتلام» (نيل الأوطار: 315/ 6).

(9/7029)


الخلع على الحضانة أو كفالة الولد مدة معلومة:
يصح الخلع أيضاً على أن تحضن ولده مدة معلومة بلا أجر، وقال الشافعي: لا يصح الاتفاق حتى يذكر مدة الرضاع وقدر الطعام وجنسه، وقدر الإدام وجنسه ويكون المبلغ معلوماً مضبوطاً بالصفة كالمسلم فيه (1).
ومبنى الخلاف مسألة استئجار الأجير بطعامه وكسوته، الشافعية يوجبون تعيين الأجرة، لما روي عن أبي سعيد الخدري قال: «نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن استئجار الأجير حتى يُبيِّن له أجره» (2).
ولم يوجب الجمهور تعيين الأجر للعرف واستحسان المسلمين، ولقوله صلّى الله عليه وسلم: «إن موسى أجَر نفسه ثمانَ سنين أو عشر سنين على عِفَّة فرجه، وطعام بطنه» (3).
فلو تركت المرأة الولد وهربت أو مات الولد أو ماتت هي، وجب عليها أجر المثل عن المدة الباقية.

الخلع على بقاء الولد إلى البلوغ: إذا خالعت المرأة زوجها على أن يبقى ابنه عندها إلى البلوغ صح الخلع ولم يصح الشرط عند الحنفية؛ لأن الحق في الابن بعد انتهاء مدة الحضانة للأب، لا للأم. أما إن خالعت على إبقاء ابنتها منه إلى البلوغ، فيصح الخلع والشرط، والفرق بين الحالتين: أن الابن أحوج لأبيه بعد الحضانة وأقدر على تربيته من الأم، والبنت أحوج إلى تدريب أمهاوتعليمها وأقدر على ذلك من الأب.
وأجاز المالكية اشتراط بقاء الابن مع الأم إلى البلوغ؛ لأن مدة حضانة الابن عندهم إلى البلوغ، والبنت إلى أن تتزوج ويدخل الزوج بها.
_________
(1) المغني: 65/ 7.
(2) رواه أحمد (نيل الأوطار: 292/ 5).
(3) رواه أحمد وابن ماجه عن عُتْبة بن النُّدَّر (نيل الأوطار: 292/ 5).

(9/7030)


الخلع على إسقاط الحضانة: أما الخلع على إسقاط حق الحضانة: فيصح عند الحنفية، ولا يسقط حق الأم في الحضانة؛ لأن هذا الحق للولد، فلا تملك الأم التنازل عنه.
وأجاز المالكية في مشهور المذهب إسقاط الحضانة بالخلع وانتقالها إلى الأب بشرطين:
الأول ـ ألا يلحق الولد ضرر من مفارقة أمه.
الثاني ـ أن يكون الأب قادراً على حضانة الولد.
لكن المفتى به عند المالكية: أن الحضانه لا تنتقل بإسقاط الأم إلى الأب، ولكنها تنتقل إلى من يلي
الأم في حق الحضانة (1).

الخلع على نفقة الصغير:
يرى الحنفية والمالكية (2) أنه لو خالع الزوج امرأته على أن تنفق على ابنه الصغير مدة معلومة، صح الخلع: ولزمها الإنفاق في تلك المدة، فإن امتنعت، أو ماتت، أو مات الولد قبل انتهاء المدة، وجب عليها نفقة المثل في باقي المدة، وتؤخذ من تركتها في موتها.
وإن أعسرت أنفق الزوج عليها، ويرجع بالنفقة إن أيسرت. لكن قال المالكية: إن خالعها على أن تتحمل نفقة نفسهامدة حملها، لا تسقط في الأصح نفقة الحمل.
_________
(1) الدسوقي على الشرح الكبير: 349/ 2، الشرح الصغير: 522/ 2.
(2) الشرح الصغير: 521/ 2.

(9/7031)


الخلع مقابل الإبراء من نفقة العدة:
يصح الخلع في مقابل إبراء المرأة زوجها من نفقة العدة، ويبرأ الزوج منها (1)، وإن كان الساقط مجهولاً.
ويصح الخلع في مقابل إسقاط حق السكنى مدة العدة، ولا يسقط حقها؛ لأن سكنى المعتدة في بيت الزوجية واجب شرعي، لا تملك الزوجة إسقاطه، ولا تملك الزوجة أن تعفيه منه لقوله تعالى: {لا تخرجوهن من بيوتهن، ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} [الطلاق:1/ 65]، لكن إذا التزمت المرأة أن تدفع أجرة البيت من مالها، فيصح لها أن تعفي الزوج من هذه الأجرة.

موقف القانون السوري من الخلع على المنافع أو الحقوق:
نصت المادة (102) على إعفاء الزوج من أجرة الرضاع كما بينت عند الفقهاء:
1 - إذا اشترط في المخالعة إعفاء الزوج من أجرة رضاع الولد، أو اشترط إمساكها له مدة معلومة، وإنفاقها عليه، فتزوجت أو تركت الولد أو ماتت أو مات الولد، يرجع الزوج بما يعادل أجرة رضاع الولد أو نفقته عن المدة الباقية.
2 - إذا كانت الأم معسرة وقت المخالعة، أوأعسرت فيما بعد، يجبر الأب على نفقة الولد، وتكون ديناً له على الأم.
ونصت المادة (103) على عدم سقوط حق الحضانة بالخلع عملاً بمذهب الحنفية:
_________
(1) البدائع: 152/ 3.

(9/7032)


إذا اشترط الرجل في المخالعة إمساك الولد عنده مدة الحضانة، صحت المخالعة، وبطل الشرط، وكان لحاضنته الشرعية أخذه منه، ويلزم أبوه بنفقته وأجرة حضانته إن كان فقيراً.
ونصت المادة (101) على عدم إسقاط نفقة العدة إلا بالنص الصريح في الخلع:
نفقة العدة لا تسقط، ولا يبرأ الز وج المخالع منها إلا إذا نص عليها صراحة في عقد الخالعة.
ونصت المادة (104) على عدم التقاص بين نفقة الولد ودين الأب:
لا يجري التقاص بين نفقة الولد المستحقة على أبيه ودين الأب على حاضنته.

الفرق بين الخلع والطلاق على المال عند الحنفية:
الخلع والطلاق على مال وإن زال بكل منهما ملك الزواج، وعلى الرغم من أن كل واحد طلاق بعوض، يختلفان من وجوه ثلاثة هي (1):
الأول ـ لو كان الخلع على عوض باطل شرعاً، بأن وقع على ما ليس بمال متقوم، كخلع المسلمة على خمر أو خنزير أو ميتة، فلا شيء للزوج، ويقع الطلاق بائناً.
أما إذا بطل العوض في الطلاق على مال، بأن سميا ما ليس بمال متقوم، فإن الطلاق يقع رجعياً.
_________
(1) البدائع: 151/ 3 - 152، فتح القدير: 205/ 3، الكتاب مع اللباب: 65/ 3، 67، الفتاوى الهندية: 450/ 1.

(9/7033)


وذلك لأن الخلع كناية عند الحنفية، والكنايات توقع الفرقة بائنة. وأما الطلاق على مال فهو صريح، ويقع بائناً إذا صح العوض شرعاً، فإذا لم يصح فكأنه لم يكن، فبقي صريح الطلاق، فيكون رجعياً، وحينئذ يعمل كل من لفظي الخلع والطلاق المجردين عمله، فلفظ الخلع يكون كناية عن الطلاق، ولفظ الطلاق من أنواع الصريح الذي يقع به طلاق رجعي.
الثاني ـ يسقط بالخلع في رأي أبي حنيفة كل الحقوق الواجبة بسبب الزواج لأحد الزوجين على الآخر، كالمهر والنفقة الماضية المتجمدة أثناء الزواج، لكن لا تسقط نفقة العدة؛ لأنها لم تكن واجبة قبل الخلع، فلا يتصور إسقاطها بالخلع.
أما الطلاق على مال: فلا يسقط به شيء من حقوق الزوجين، ويجب به فقط المال المتفق عليه.
الثالث ـ الخلع مختلف في كونه طلاقاً بائناً أم فسخاً بين الفقهاء، فهو عند الجمهور (الحنفيةوالمالكية، والشافعية في أظهر القولين، وفي رواية عن أحمد) طلاق بائن يحتسب من عدد الطلقات. وفي رواية أخرى عن أحمد: أنه فسخ، فلا ينقص من عدد الطلقات. والمعتمد عند الحنابلة: أن الخلع فسخ بائن، لا ينقص به عدد الطلاق، ولو لم ينو خلعاً (1).
أما الطلاق على مال: فلا خلاف في كونه طلاقاً بائناً ينقص به عدد الطلقات.
_________
(1) المعتمد في فقه الإمام أحمد: 248/ 2.

(9/7034)


المبحث الخامس ـ آثار الخلع (أحكامه):
يترتب على الخلع الآثار التالية (1):

1 - يقع به طلقة بائنة، ولو بدون عوض أو نية في رأي الحنفية والمالكية، والشافعية في الراجح، وأحمد في رواية عنه لقوله تعالى: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة:229/ 2] وإنما يكون فداء إذا خرجت المرأة من سلطان الرجل، ولو لم يكن بائناً لملك الرجل الرجعة، وكانت تحت حكمه وقبضته، ولأن القصد إزالة الضرر عن المرأة، فلو جازت الرجعة لعاد الضرر.
وفي رواية أخرى عن أحمد هي الراجحة في المذهب أن الخلع فسخ، وهو رأي ابن عباس وطاوس، وعكرمة وإسحاق وأبي ثور؛ لأن الله تعالى قال: {الطلاق مرتان} [البقرة:229/ 2] ثم قال: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة:229/ 2] ثم قال: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره} [البقرة:230/ 2] فذكر الحق تعالى تطليقتين، والخلع، وتطليقة بعدها، فلو كان الخلع طلاقاً لكان الطلاق أربعاً بأن يكون الطلاق الذي لا تحل فيه المرأة المطلقة إلا بعد زوج هو الطلاق الرابع، ولأنها فرقة خلت عن صريح الطلاق ونيته، فكانت فسخاً كسائر الفسوخ.
والمعتمد لدى الحنابلة هو التفصيل: وهو أن الخلع طلاق بائن، إن وقع بلفظ الخلع والمفاداة ونحوهما أو بكنايات الطلاق، ونوى به الطلاق؛ لأنه كناية نوى بها الطلاق، فكانت طلاقاً.
_________
(1) البدائع: 144/ 3، 151، فتح القدير: 215/ 3، الدر المختار: 778/ 2، اللباب: 66/ 3، الشرح الصغير: 518/ 2، 526، 532، بداية المجتهد: 69/ 2، مغني المحتاج: 268/ 3، 271، 277، المهذب: 72/ 2، المغني: 56/ 7 - 59، غاية المنتهى: 101/ 3، كشاف القناع: 241/ 5.

(9/7035)


والخلع فسخ لا ينقص به عدد الطلاق حيث وقع بصيغته (1)، ولم ينو به طلاقاً، بأن وقع بلفظ الخلع أو الفسخ أوالمفاداة، ولا ينوي به الطلاق، فيكون فسخاً لا ينقص به عدد الطلاق.
والمبارأة: مثل أن يقول الرجل لزوجته: برئت من نكاحك على ألف، فقبلت، وهي كناية يقع بها الخلع بالنية عند الحنابلة، وأما عند الحنفية فهي كالخلع يقع بها الطلاق البائن بلا نية.
فإن طلق الرجل زوجته وأعطى لها مالاً من عنده، فليس بخلع، بل هو رجعي على المعتمد لدى المالكية؛ لأنه بمنزلة من طلق، وأعطى لزوجته المتعة.

2ً - لا يتوقف الخلع على قضاء القاضي، كما هو حكم كل طلاق يكون من الزوج.
3ً - لا يبطل الخلع بالشروط الفاسدة: إذا خالع الزوج على شرط إبقاء الطفل عنده قبل انتهاء مدة الحضانة، أو خالعت الزوجة زوجها على شرط ترك ابنها عندها بعد انتهاء زمن الحضانة، أو أن يكون لها حضانة الطفل ولو تزوجت بغير قريب محرم من الطفل، فالشرط باطل في كل ما ذكر، وينفذ الخلع.
4ً - يلزم الزوجة أداء بدل الخلع المتفق عليه، سواء أكان هو المهر أم بعضه أم شيئاً آخر سواه؛ لأن الزوج علق طلاقها على قبول البدل، وقد رضيت به، فيكون لازماً في ذمتها باتفاق الفقهاء.
5ً - يسقط بالخلع في رأي أبي حنيفة كل الحقوق والديون التي تكون لكل
_________
(1) صيغة الخلع عندهم نوعان: صريحة: وهي لفظ خلعت وفسخت وفاديت، وكناية: وهي لفظ بارأتك وأبرأتك وأبنتك.

(9/7036)


واحد من الزوجين في ذمة الآخر والتي تتعلق بالزواج الذي وقع الخلع منه كالمهر والنفقة الماضية المتجمدة؛ لأن المقصود منه قطع الخصومة والمنازعة بين الزوجين.
أما الديون أو الحقوق التي لأحد الزوجين على الآخر، والتي لا تتعلق بموضوع الزواج، كالقرض والوديعة والرهن وثمن المبيع ونحوها، فلا تسقط بالاتفاق. وكذا لا تسقط نفقةالعدة إلا بالنص على إسقاطها؛ لأنها تجب عند الخلع.
وقال الجمهور (بقية المذاهب) ومحمد: لا يسقط بالخلع شيء من حقوق الزوجية إلا إذا نص على إسقاطه، سواء بلفظ الخلع أوا لمبارأة، فهو تماماً كالطلاق على مال، يقع به الطلاق بائناً، ويجب فقط البدل المتفق عليه؛ لأن الحقوق لا تسقط إلا بما يدل على سقوطها قطعاً، وليس في الخلع دلالة على إسقاط الحقوق الثابتة؛ لأنه معاوضة من جانب الزوجة، والمعاوضات لا أثر لها في غير ما تراضى عليه الطرفان. وهذا هو الراجح المتفق مع العدالة؛ لأن الحق لا يسقط إلا بالإسقاط صراحة أو دلالة.

6ً - هل يرتدف على المختلعة طلاق؟ قال أبو حنيفة: يرتدف، سواء أكان على الفور أم على التراخي. وفي رأي الجمهور: لا يرتدف، إلا أن الإمام مالك قال: لا يرتدف، إلا إذا كان الكلام متصلاً. وقال الشافعي وأحمد: لا يرتدف، وإن كان الكلام متصلاً، فالمختلعة لا يلحقها طلاق بحال.
استدل أبو حنيفة بأثر: «المختلعة يلحقها الطلاق ما دامت في العدة».
واستدل الجمهور بقول ابن عباس وابن الزبير: إن المختلعة لا يلحقها طلاق، ولأنها لا تحل للزوج إلا بنكاح جديد، فلم يلحقها طلاقه كالمطلقة قبل الدخول أو المنقضية عدتها. وسبب الخلاف بين الرأيين أن العدة عند أبي حنيفة من أحكام

(9/7037)


النكاح، ولذا لا يجوز عنده أن ينكح مع المبتوتة أختها، فيرتدف الطلاق عنده. وعند الجمهور: من أحكام الطلاق، فلا يرتدف.

7ً - لا رجعة في رأي أكثر العلماء على المختلعة في العدة، سواء أكان الخلع فسخاً أم طلاقاً، لقوله تعالى: {فيما افتدت به} [البقرة:229/ 2] وإنما يكون فداء إذا خرجت به عن قبضة الرجل وسلطانه، وإذا كانت له الرجعة فهي تحت حكمه، ولأن القصد إزالة الضرر عن المرأة، فلو جاز ارتجاعها لعاد الضرر.
وحكي عن الزهري وسعيد بن المسيب أنهما قالا: الزوج بالخيار بين إمساك العوض ولا رجعة له، وبين رده وله الرجعة.
وأجمع أكثر العلماء على أن للرجل أن يتزوج المختلعة برضاها في عدتها. وقال بعض المتأخرين: لا يتزوجها هو ولا غيره في العدة.

8ً - الاختلاف في الخلع أو عوضه: إذا ادعت الزوجة خلعاً، فأنكره الزوج ولا بيِّنة له، صدّق بيمينه، إذ الأصل بقاء النكاح وعدم الخلع، والبينة عند الشافعية: شهادة رجلين.
وإن قال الزوج: طلقتك بكذا كألف، فقالت: بل طلقتني مجاناً أو لم تطلقني، بانت بقوله ولا عوض للزوج عليها إن حلفت على نفيه، أما البينونة فلإقراره، وأما عدم العوض فلأن الأصل براءة ذمتها، لكن لها النفقة والكسوة والسكنى في العدة.
وإن اختلف الزوجان في جنس العوض، هل هو دراهم أو دنانير أو في صفته كصحاح أو مكسرة، أو في قدر العوض، كأن قال: بألف، فقالت: بل بخمسمائة، أو في عدد الطلاق الذي وقع به الخلع، كقولها: سألتك ثلاث طلقات بألف، فقال: بل واحدة بألف، ولا بينة لواحد منهما:

(9/7038)


فقال مالك: القول قول الزوجة إن لم يكن هناك بيِّنة؛ لأنها مدعى عليها وهو مدع، وهو موافق لمذهب الحنفية، عملاً بالقاعدة الشرعية: «البينة على من ادعى واليمين على من أنكر».
وقال الشافعي: يتحالفان كما في البيع، ويكون على الزوجة مهر المثل؛ لأنه المردّ عند الاختلاف، لأن اختلافهما يشبه اختلاف المتبايعين.

آثار الخلع في القانون: أخذ القانون السوري بمذهب أبي حنيفة في أن الخلع يسقط حقوق كل من الزوج والزوجة تجاه الآخر من مهر ونفقة زوجية، حتى ولو لم يتفق الزوجان على بدل، وذلك في المادتين التاليتين:
(م 98) - إذا كانت المخالعة على مال غير المهر، لزم أداؤه، وبرئت ذمة المتخالعين من كل حق بالمهر والنفقة الزوجية.
(م 99) - إذا لم يسم المتخالعان شيئاً وقت المخالعة، برئ كل منهما من حقوق الآخر بالمهر والنفقة الزوجية.

(9/7039)