الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي

الفَصْلُ الثَّالث: الحَضانة أو كَفالة الطّفل
يتضمن ستة مباحث هي:

الأول ـ معنى الحضانة وحكمها وصاحب الحق فيها.
الثاني ـ ترتيب درجات الحواضن أو مستحقي الحضانة من النساء والرجال.
الثالث ـ شروط استحقاق الحضانة أو شروط المحضون والحاضنة.
الرابع ـ أجرة الحضانة وتوابعها من السكنى والخدمة.
الخامس ـ مكان الحضانة والانتقال بالصغير إلى بلد آخر، وحق غير الحاضنة بزيارته.
السادس ـ مدة الحضانة، وما يترتب على انتهائها من ضم الولد لأبيه.
وبحثها يأتي تباعاً على الترتيب المذكور.

المبحث الأول ـ معنى الحضانة وحكمها وصاحب الحق فيها:
معنى الحضانة: الحضانة لغة مأخوذة من الحِِضن: وهو الجنب، وهي الضم إلى الجنب. وشرعاً: هي تربية الولد لمن له حق الحضانة. أو هي تربية وحفظ من

(10/7295)


لا يستقل بأمور نفسه عما يؤذيه لعدم تمييزه، كطفل وكبير مجنون. وذلك برعاية شؤونه وتدبير طعامه وملبسه ونومه، وتنظيفه
وغسله وغسل ثيابه في سن معينة ونحوها (1).
والحضانة نوع ولاية وسلطنة، لكن الإناث أليق بها؛ لأنهن أشفق وأهدى إلى التربية، وأصبر على القيام بها، وأشد ملازمة للأطفال. فإذا بلغ الطفل سناً معينة، كان الحق في تربيته للرجل؛ لأنه أقدر على حمايته وصيانته وتربيته من النساء.

وحكمها: أنها واجبة؛ لأن المحضون يهلك بتركها، فوجب حفظه من الهلاك، كما يجب الإنفاق عليه وإنجاؤه من المهالك (2).
وتتطلب الحضانة الحكمة واليقظة والانتباه والصبر والخلق الجم، حتى إنه يكره للإنسان أن يدعو على ولد أثناء تربيته، كما يكره أن يدعو على نفسه وخادمه وماله (3)، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء، فيستجيب له» (4)، وروى أبو موسى عن ابن عباس: «أن أوس بن عبادة الأنصاري دخل على النبي صلّى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن لي بنات، وأنا أدعو عليهن بالموت، فقال: يا ابن ساعدة، لا تدعو عليهن، فإن البركة في البنات، هن المجملات عند النعمة، والمعينات عند المصيبة، والممرضات عند الشدة، ثقلهن على الأرض، ورزقهن على الله» (5).
_________
(1) البدائع: 40/ 4، الشرح الصغير: 756/ 2، مغني المحتاج: 452/ 3، كشاف القناع: 576/ 5.
(2) المغني: 612/ 7، غاية المنتهى: 249/ 3، كشاف القناع: 576/ 5.
(3) مغني المحتاج: 464/ 3.
(4) رواه مسلم في كتابه، وأبو داود عن جابر بن عبد الله.
(5) ذكره في مغني المحتاج: 464/ 3.

(10/7296)


وأما صاحب الحق في الحضانة: فمختلف فيه بين الفقهاء (1)، فقيل: إن الحضانة حق للحاضن، وهو رأي الحنفية، والمالكية على المشهور وغيرهم؛ لأن له أن يسقط حقه ولو بغير عوض، ولو كانت الحضانة حقاً لغيره لما سقطت بإسقاطه.
وقيل: إنها حق للمحضون، فلو أسقطها هو سقطت.
والظاهر لدى العلماء المحققين أن الحضانة تتعلق بها ثلاثة حقوق معاً: حق الحاضنة، وحق المحضون، وحق الأب أو من يقوم مقامه، فإن أمكن التوفيق بين هذه الحقوق وجب المصير إليه، وإن تعارضت، قدم حق المحضون على غيره. وتفرع عن ذلك الأحكام الآتية (2):
1ً - تجبر الحاضنة على الحضانة إذا تعينت عليها، بأن لم يوجد غيرها.
2ً - لا تجبر الحاضنة على الحضانة إذا لم تتعين عليها؛ لأن الحضانة حقها، ولا ضرر على الصغير لوجود غيرها من المحارم.
3ً - إذا اختلعت المرأة من زوجها على أن تترك ولدها عند الزوج، فالخلع عند الحنفية صحيح والشرط باطل؛ لأن هذا حق الولد، أن يكون عند أمه ما دام محتاجاً إليها.
4ً - لا يصح للأب أن يأخذ الطفل من صاحبة الحق في الحضانة، ويعطيه لغيرها إلا لمسوغ شرعي.
_________
(1) الدر المختار ورد المحتار: 871/ 2، 875، القوانين الفقهية: ص 225، الشرح الصغير: 763/ 2.
(2) الأحوال الشخصية للأستاذ الشيخ عبد الرحمن تاج: ص 457، وللأستاذ الشيخ زكي الدين شعبان: ص 614.

(10/7297)


5ً - إذا كانت المرضعة غير الحاضنة للولد، فعليها إرضاعه عندها كما تقدم؛ حتى لا يفوت حقها في الحضانة.

المبحث الثاني ـ ترتيب درجات الحواضن أو مستحقي الحضانة:
قدم الفقهاء الحواضن بعضهن على بعض بحسب مصلحة المحضون، فجعلوا الإناث أليق بالحضانة؛ لأنهن أشفق، وأهدى إلى التربية، وأصبر على القيام بها، وأشد ملازمة للأطفال، كما تقدم، ثم قدموا في الجنس الواحد من كان أشفق وأقرب، ثم الرجال العصبات المحارم، واختلفوا أحياناً في ترتيب الدرجات بحسب ملاحظة المصلحة، على النحو التالي علماً بأن مستحقي الحضانة إما إناث فقط، وإما ذكور فقط، وإما الفريقان، وذلك في سن معينة، فإذا انتهت تلك السن، كان الرجال أقدر على تربية الطفل من النساء (1).

أولاً ـ من النساء: 1 - الأم أحق بحضانة الولد بعد الفرقة بطلاق أو وفاة بالإجماع لوفور شفقتها، إلا أن تكون مرتدة أو فاجرة فجوراً يضيع الولد به كزنا وغناء وسرقة ونياحة، أو غير مأمونة، بأن تخرج كل وقت، وتترك الولد ضائعاً.
ودليل تقديم الأم من السنة: ما روي أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقالت له: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وعاءً، وثديي له سقاءً،
_________
(1) البدائع: 41/ 4 - 44، الدر المختار: 871/ 2 وما بعدها، 877 وما بعدها، فتح القدير: 313/ 3 - 318، الكتاب مع اللباب: 101/ 3 - 103، القوانين الفقهية: ص 224، الشرح الصغير: 756/ 2 وما بعدها، المهذب: 169/ 2 - 171، مغني المحتاج: 452/ 3 - 454، كشاف القناع: 576/ 5 وما بعدها، غاية المنتهى: 249/ 3، المغني: 613/ 7، 619 - 624.

(10/7298)


وحِجري له حواء (1)، وإن أباه طلّقني وأراد أن ينتزعه مني، فقال: «أنت أحق به ما لم تنكحي» (2) وقال صلّى الله عليه وسلم: «من فرَّق بين والدة وولدها، فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة» (3).
وروي أن عمر بن الخطاب طلَّق زوجته أم عاصم، ثم أتى عليها وفي حِجرها عاصم، فأراد أن يأخذه منها، فتجاذباه بينهما حتى بكى الغلام، فانطلق إلى أبي بكر رضي الله عنهم، فقال له أبو بكر: «مسحها وحجرها وريحها خير له منك، حتى يشب الصبي فيختار لنفسه» (4).
2 - ثم أم الأم (الجدة الأم) لمشاركتها الأم في الإرث والولادة، ثم عند الحنفية، والشافعية في الجديد: أم الأب، لمشاركتها أم الأم في المعنى السابق، ثم أم أبي الأب، ثم أم أبي الجد للمعنى نفسه. وأخَّر المالكية أم الأب بعد الخالة وعمة الأم.
وقدم الحنابلة الأب ثم أمهاته بعد الجدة لأم، ثم الجد، ثم أمهاته.
3 - ثم الأخت عند الحنفية والشافعية والحنابلة ـ أخت المحضون الشقيقة، ثم عند الحنفية والحنابلة والمالكية الأخت لأم؛ لأن الحق من قبلها، ثم الأخت لأب، وعكس الشافعية فقدموا في الأصح الأخت لأب على الأخت لأم، لاشتراكها مع المحضون في النسب، ولقوة إرثها، فإنها قد تصير عصبة، ثم بنات الأخت الشقيقة، ثم لأم.
_________
(1) الحواء: المكان الذي يضم الشيء ويجمعه.
(2) رواه أبو داود والبيهقي والحاكم وصحح إسناده.
(3) رواه أحمد والترمذي والحاكم عن أبي أيوب وهو صحيح.
(4) رواه ابن أبي شيبة.

(10/7299)


والسبب في تقديم الأخوات عند الجمهور هؤلاء على الخالات والعمات: أنهن أقرب، وأنهن أولاد الأبوين، لذا قدمن في الميراث.
وقدم المالكية الخالة، ثم الجدة لأب وإن علت، ثم أبو المحضون على الأخت ـ أخت المحضون.
4 - ثم الخالة عند الحنفية والشافعية والحنابلة ـ خالة المحضون الشقيقة، ثم عند الحنفية والحنابلة والمالكية خالة لأم، ثم خالة لأب؛ لأن الشأن أن من كان من جهة الأم أشفق ممن كان من جهة الأب فقط. والأصح عند الشافعية تقديم خالة لأب، وعمة لأب على من كان من جهة الأم، لقوة الجهة كالأخت.
وقدم المالكية كما سبق الخالة ثم الجدة لأب وإن علت على الأخت.
5 - ثم بنات الأخت، ثم بنات الأخ في رأي الحنفية والشافعية، فالصحيح عندهم أن الخالة أولى من بنات الأخت أو الأخ؛ لأن بنت الأخ تدلي بقرابة الذكر، والخالة تدلي بقرابة الأم، فكانت الخالة أولى. وبنت الأخ أولى من العمة؛ لأن بنت الأخ أقرب، لأنها ولد الأب، والعمة ولد الجد، فكانت بنت الأخ أقرب، فكانت أولى، وذلك كما يقدم ابن الأخ في الميراث على العم.
ورأى المالكية والحنابلة أن العمة مقدمة على ابنة الأخ.
6 - ثم العمة اتفاقاً ـ عمةالمحضون، ثم عمة أبيه وهي أخت جد المحضون.

والحاصل أن ترتيب الحواضن من النساء في المذاهب كما يأتي:
أـ الحنفية: الأم، ثم أم الأم ثم أم الأب، ثم الأخوات، ثم الخالات، ثم بنات الأخت ثم بنات الأخ، ثم العمات، ثم العصبات بترتيب الإرث.

(10/7300)


ب ـ المالكية: الأم، ثم الجدة لأم، ثم الخالة، ثم الجدة لأب وإن علت، ثم الأخت، ثم العمة، ثم ابنة الأخ، ثم للوصي، ثم للأفضل من العصبة كما سيأتي:
جـ ـ الشافعية: الأم، ثم أم الأم، ثم أم الأب، ثم الأخوات، ثم الخالات ثم بنات الأخ وبنات الأخت، ثم العمات، ثم لكل ذي محرم وارث من العصبات على ترتيب الإرث، فهم كالحنفية.
د ـ الحنابلة: الأم، ثم أم الأم، ثم أم الأب، ثم الجد ثم أمهاته، ثم أخت لأبوين، ثم لأم، ثم لأب، ثم خالة لأبوين ثم لأم ثم لأب، ثم عمة، ثم خالة أم، ثم خالة أب، ثم عمته، ثم بنت أخ، ثم بنت عم أب، ثم باقي العصبة الأقرب فالأقرب.

موقف القانون: أخذ القانون السوري (م 1/ 139) برأي الحنفية:
1 - حق الحضانة للأم فلأمها وإن علت، فلأم الأب وإن علت، فللأخت الشقيقة، فللأخت لأم، فللأخت لأب، فلبنت الشقيقة، فبنت الأخت لأم، فبنت الأخت لأب، فللخالات، فللعمات بهذا الترتيب، ثم للعصبات من الذكور على ترتيب الإرث.

ثانياً ـ من الرجال:
إن لم يكن للمحضون أحد من النساء المذكورات، انتقلت الحضانة إلى الرجال على ترتيب العصبات الوارثين المحارم: الآباء والأجداد وإن علوا، ثم الإخوة وأبناؤهم وإن نزلوا، فالأعمام ثم بنوهم عند الحنفية وغيرهم على الصحيح عند الشافعية. ولكن لا تسلم مشتهاة لذكر وارث غير محرم للمحضون كابن

(10/7301)


العم، فلا حق له في حضانة البنت المشتهاة اتفاقاً تحرزاً من الفتنة، وله حضانة الطفل.
ثم إذا لم يكن للصغير عصبة من الرجال، انتقلت الحضانة عند الحنفية لذوي أرحام، فتكون للأخ لأم، ثم لابنه، ثم للعم لأم، ثم للخال الشقيق ثم لأم؛ لأن لهؤلاء ولاية في النكاح، فيكون لهم حق الحضانة. لكن لم يأخذ قانوننا السوري بهذا الرأي، واقتصر على العصبات دون ذوي الأرحام.
ورأى الحنفية أنه إذا اجتمع اثنان في درجة واحدة من القرابة كعمين، قدم الأورع، ثم الأسن غير الفاسق والمعتوه وابن عم لفتاة مشتهاة وهو غير مأمون.
وقال المالكية: إن لم يكن واحد من الإناث السابقات تنتقل الحضانة للوصي، ثم للأخ الشقيق أو لأم أو لأب، ثم للجد لأب الأقرب فالأقرب ثم ابن الأخ المحضون، ثم العم فابنه. ولا حضانة لجد لأم ولا خال، ثم المولى الأعلى: وهو من أعتق المحضون، فعصبته نسباً، فمواليه، فالأسفل: وهو من أعتقه والد المحضون.
ويقدم في المتساوين درجة كأختين وخالتين وعمتين بالصيانة والشفقة، فإن تساويا فالأسن.
وقال الشافعية: إن استوى اثنان في القرابة والإدلاء كالأخوين أو الأختين أو الخالتين أوا لعمتين، أقرع بينهما؛ لأنه لا يمكن اجتماعهما على الحضانة، ولا مزية لإحداهما على الأخرى، فوجب التقديم بالقرعة.
والأصح أنه إن عدم أهل الحضانة من العصبات والنساء، وللمحضون أقارب من رجال ذوي الأرحام ومن يدلي بهم، كالخال وأبي أم، فلا حضانة لهم، لفقد

(10/7302)


الإرث والمحرمية، أو لضعف القرابة، فلا حضانة لمن لا يرث من الرجال من ذوي الأرحام وهم ابن البنت وابن الأخت وابن الأخ من الأم وأبو الأم، والخال، والعم من الأم؛ لأن الحضانة لمن له قوة قرابة بالميراث من الرجال، وهذا لا يوجد في ذوي الأرحام من الرجال.
ورأى الحنابلة كالحنفية أن الحضانة عند فقد العصبات تثبت لذوي الأرحام الذكور والإناث، وأولاهم أبو أم، فأمهاته، فأخ لأم، فخال، ثم الحاكم يسلم المحضون لثقة يختاره.

تعدد أصحاب الحق: تبين مما اتفقت عليه المذاهب أنه إذا تعدد مستحقو الحضانة من درجة واحدة كإخوة أو أعمام، كان أولاهم بها أصلحهم للحضانة قدرة وخلقاً، فإن تساووا قدّم أكبرهم سناً، وقد نصت المادة (140) من القانون السوري على أنه: إذا تعدد أصحاب حق الحضانة، فللقاضي حق اختيار الأصلح.
مهمة الحاضنة والأب: على الأب رعاية المحضون وتأديبه وتعليمه العلم أو الحرفة، أما الأنثى فلا تؤجر في عمل أو خدمة؛ لأن المستأجر يخلو بها، وذلك سيء في الشرع (1).
وللحاضنة أماً أو غيرها قبض نفقة المحضون وكسوته وما يحتاج إليه من أبيه في أوقات منتظمة يومياً أوأسبوعياً أو شهرياً، بحسب اجتهاد الحاكم ومراعاة حال الأب. وليس للأب أن يقول للحاضنة: ابعثيه ليأكل عندي، ثم يعود لكِ، لما فيه من الضرر بالطفل، والإخلال بصيانته، وليس لها موافقته على طلبه (2).
_________
(1) الدر المختار وحاشية ابن عابدين: 883/ 2.
(2) الشرح الصغير: 764/ 2.

(10/7303)


المبحث الثالث ـ شروط استحقاق الحضانة، أو شروط المحضون والحاضنة:
شروط المحضون: المحضون: هو من لا يستقل بأمور نفسه عما يؤذيه لعدم تمييزه كطفل، وكبير مجنون أو معتوه، فلا تثبت الحضانة إلا على الطفل أو المعتوه. أما البالغ الرشيد فلا حضانة عليه، وهو الذي يختار الإقامة عند من شاء من أبويه. فإن كان البالغ رجلاً، فله الانفراد بنفسه لاستغنائه عن أبويه، ويستحب ألا ينفرد عنهما، ولا يقطع بره عنهما. وإن كان أنثى لم يكن لها الانفراد، ولأبيها منعها منه؛ لأنه لا يؤمن أن يدخل عليها من يؤذيها ويلحق العار بها وبأهلها، وإن لم يكن لها أب، فلوليها وأهلها منعها من الانفراد (1).

شروط الحواضن: أنواع ثلاثة: شروط عامة في النساء والرجال، وشروط خاصة بالنساء، وشروط خاصة بالرجال، وبعضها متفق عليه كالحرية والعقل والبلوغ والقدرة والأمانة وعدم كون الأنثى متزوجة بأجنبي عن الصغير، وكون الحاضن ذات رحم من الصغير، وبعضها مختلف فيه كالرشد والإسلام (2).
النوع الأول ـ الشروط العامة في النساء والرجال:
يشترط في الحاضن من النساء والرجال ما يأتي:
1ً - البلوغ: فلا حضانة للصغير ولو كان مميزاً؛ لأنه عاجز عن رعاية شؤون نفسه.
_________
(1) القوانين الفقهية: ص 225، المهذب: 169/ 2، مغني المحتاج: 452/ 3، كشاف القناع: 576/ 5، 581، المغني: 614/ 7.
(2) البدائع: 41/ 4 - 42، الدر المختار وابن عابدين: 871/ 2 - 874، 879، 880، الشرح الصغير: 758/ 2 - 762، مغني المحتاج: 454/ 3 - 456، 259، غاية المنتهى: 249/ 3 وما بعدها، كشاف القناع: 579/ 5 وما بعدها، المهذب: 169/ 2، بداية المجتهد: 56/ 2.

(10/7304)


2ً - العقل: فلا حضانة للمجنون والمعتوه؛ لأنهما في حاجة إلى من يرعى شؤونهما، فلا يحسن الواحد منهما القيام بمصالحه، فضلاً عن غيره.
واشترط المالكية الرشد، فلا حضانة لسفيه مبذر، لئلا يتلف مال المحضون أو ينفق عليه منه ما لا يليق.
وشرطوا أيضاً مع الحنابلة عدم المرض المنفر كالجذام والبرص، فلا حضانة لمن به شيء من المنفرات.
3ً - القدرة على تربية المحضون: وهي الاستطاعة على صون الصغير في خلقه وصحته، فلا حضانة للعاجز لكبر سن أو مرض أو شغل. فالمرأة المحترفة أو العاملة إن كان عملها يمنعها من تربية الصغير والعناية بأمره، لا تكون أهلاً للحضانة. وإن كان عملها لا يحول دون رعاية الصغير وتدبير شؤونه، لا يسقط حقها في الحضانة. وقد جرى العمل في مصر على أن الطبيبات والمعلمات ونحوهن، لا يسقط حقهن في الحضانة؛ لأن الواحدة منهن تستطيع إدارة أمر الطفل بنفسها وبالتعاون مع قريبتها أو النائبة عنها.
وقد نصت المادة (137) من القانون السوري على الشروط السابقة: يشترط لأهلية الحضانة البلوغ والعقل والقدرة على صيانة الولد صحة وخلقاً.
ونص القانون السوري (م 2/ 139) على أنه: لا يسقط حق الحاضنة بحضانة أولادها بسبب عملها إذا كانت تؤمن رعايتهم والعناية بهم بطريقة مقبولة.
ويعد الأعمى عاجزاً عن الحضانة لعدم تحقق المقصود به.
4ً - الأمانة على الأخلاق: فلا حضانة لغير أمين على تربية الولد وتقويم أخلاقه، كالفاسق رجلاً أو امرأة من سكير أو مشتهر بالزنا أو اللهو الحرام. لكن

(10/7305)


قيد ابن عابدين الفسق المانع من حضانة الأم بكونه فسقاً يضيع به الولد، فيكون لها حق الحضانة ولو كانت معروفة بالفجور، ما لم يصبح الولد في سن يعقل فيها فجور أمه، فينتزع منها، صوناً لأخلاقه من الفساد؛ لأنها غير أمينة. أما الرجل الفاسق العصبة فلا حضانة له.
واشترط المالكية أمن المكان: فلا حضانة لمن بيته مأوى للفساق، أو بجوارهم بحيث يخاف على البنت المشتهاة منهم الفساد، أوسرقة مال المحضون أو غصبه.
5ً - الإسلام شرط عند الشافعية والحنابلة: فلا حضانة لكافر على مسلم؛ إذ لا ولاية له عليه، ولأنه ربما فتنه عن دينه. ولم يشترط الحنفية والمالكية إسلام الحاضنة، فيصح كون الحاضنة كتابية أو غير كتابية، سواء أكانت أماً أم غيرها؛ لأنه صلّى الله عليه وسلم خيَّر غلاماً بين أبيه المسلم وأمه المشركة، فمال إلى الأم، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «اللهم اهده، فعدل إلى أبيه» (1)، ولأن مناط الحضانة الشفقة وهي لا تختلف باختلاف الدين.

لكن اختلف هؤلاء في مدة بقاء المحضون عند الحاضنة غير المسلمة:
فقال الحنفية: إنه يبقى عندها إلى أن يعقل الأديان، ببلوغه سن السابعة، أو يتضح أن في بقائه معها خطراً على دينه، بأن بدأت تعلمه أمور دينها أو تذهب به إلى معابدها، أو تعودِّه على شرب الخمر، وأكل لحم الخنزير. وهذا هو المعمول به في محاكم مصر.
وقال المالكية: إنه يبقى مع الحاضنة إلى انتهاء مدة الحضانة شرعاً، ولكنها
_________
(1) رواه أبو داود وغيره، وأجيب عنه من قبل الفريق الأول بأنه منسوخ أو محمول على أنه صلّى الله عليه وسلم عرف أنه يستجاب دعاؤه، وأنه يختار الأب المسلم. وقصده بتخييره استمالة قلب أمه.

(10/7306)


تمنع من تغذيته بالخمر ولحم الخنزير، فإن خشينا أن تفعل الحرام أعطي حق الرقابة إلى أحد المسلمين، ليحفظ الولد من الفساد.
واختلفوا أيضاً في إسلام الحاضن:
رأى الحنفية: أنه يشترط إسلام الحاضن واتحاد الدين، بخلاف الحاضنة؛ لأن الحضانة نوع من الولاية على النفس، ولا ولاية مع اختلاف الدين، ولأن حق الحضانة عندهم مبني على الميراث، ولا ميراث بالتعصيب للرجال مع اختلاف الدين، فلو كان الطفل مسيحياً أو يهودياً، وله أخوان، أحدهما مسلم والآخر غير مسلم، كان حق الحضانة لغير المسلم.
ورأى المالكية: أنه لا يشترط إسلام الحاضن أيضاً كالحاضنة؛ لأن حق الحضانة للرجل لا يثبت عندهم إلا إذا كان عنده من النساء من يصلح للحضانة كزوجة أو أم أو خالة أو عمة، فالحضانة في الحقيقة حق للمرأة.

النوع الثاني ـ شروط أخرى في النساء:
يشترط في المرأة أيضاً ما يأتي:
1ً - ألا تكون متزوجة بأجنبي عن الصغير أو بقريب غير محرم منه: وهو متفق عليه للحديث السابق: «أنت أحق به ما لم تنكحي» ولأنه يعامل الصغير بقسوة وكراهية، ولأنها مشغولة عنه بحق الزوج.
فإن كانت متزوجة بقريب محرم للمحضون كعمه وابن عمه وابن أخيه، فلا يسقط حقها في الحضانة، لأن من تزوجته له حق في الحضانة، وشفقته تحمله على رعايته، فيتعاونان على كفالته.

(10/7307)


وقد نصت المادة (138) من القانون السوري على ذلك: زواج الحاضنة بغير قريب محرم من المحضون يسقط حضانتها.
2ً - أن تكون ذات رحم محرم من الصغير كأمه وأخته وجدته: فلا حضانة لبنات العم أوالعمة، ولا لبنات الخال أو الخالة بالنسبة إلى الصبي، لعدم المحرمية، ولهن عند الحنفية الحق في حضانة الأنثى.
3ً - ألا تكون قد امتنعت من حضانته مجاناً والأب معسر لا يستطيع دفع أجرة الحضانة. فإن كان الأب معسراً وقبلت قريبة أخرى تربيته مجاناً، سقط حق الأولى في الحضانة. وهذا شرط عند الحنفية.
4ً - ألا تقيم الحاضنة بالصغير في بيت يبغضه ويكرهه، ولو كان قريباً له؛ لأن سكناها مع المبغض يعرضه للأذى والضياع. فلا حضانة للجدة إذا سكنت مع بنتها أم الطفل إذا تزوجت، إلا إذا انفردت بالسكنى عنها. وهذا شرط عند المالكية، واشترطوا أيضاً ألا يسافر ولي المحضون أو الحاضنة ستة برُد فأكثر، فإن أراد أحدهما السفر أخذ المحضون من حاضنته، كما سيأتي، إلا أن تسافر معه.
وشرط الشافعية والحنابلة أنه إذا كان المحضون رضيعاً: أن ترضعه الحاضنة، فإن لم يكن لها لبن، أو امتنعت من الإرضاع، فلا حضانة لها؛ لأن في تكليف الأب استئجار مرضعة تترك منزلها، وتنتقل إلى مسكن الحاضنة عسراً عليه، فلا يكلف ذلك.

النوع الثالث - شروط خاصة بالرجال:
يشترط في الرجل الحاضن أيضاً مايأتي:
1ً - أن يكون مَحْرماً للمحضون إذا كان أنثى مشتهاة: وهي التي حدد

(10/7308)


الحنابلة والحنفية سنها بسبع، حذراً من الخلوة بها، لانتفاء المحرمية بينهما، وإن لم تبلغ حد الشهوة أعطيت له بالاتفاق؛ لأنه لا فتنة. فلا يكون لابن العم حضانة ابنة عمه المشتهاة. وأجاز الحنفية إذا لم يكن للبنت عصبة غير ابن عمها إبقاءها عنده بأمر القاضي إذا كان مأموناً عليها، ولا يخشى عليها الفتنة منه.
وكذلك أجاز الحنابلة تسليمها لغير محرم ثقة إذا تعذر غيره. وأجاز الشافعية تسليمها لغير محرم إن رافقته بنته أو نحوها كأخته الثقة، وتسلم لها لا له، إن لم تكن في رحله، كما لو كان في الحضر، أما لو كانت بنته أو نحوها في رحله، فإنها تسلم إليه، فتؤمن الخلوة.
2ً - أن يكون عند الحاضن من أب أو غيره من يصلح للحضانة من النساء كزوجة أو أم أو خالة أو عمة؛ إذ لا قدرة ولا صبر للرجال على أحوال الأطفال كما للنساء. فإن لم يكن عند الرجل من يحضن من النساء فلا حق له في الحضانة. وهذا شرط عند المالكية.
واشترط المالكية أيضاً ألا يسافر عن المحضون ولي المحضون أو تسافر الحاضنة سفر نُقْلة، ستة بُرُد (1) فأكثر، فإن أراد الولي أو الحاضنة السفر المذكور، كان له أخذ المحضون من حاضنته إلا أن تسافر معه، بشرط كون السفر لموضع مأمون وأمن الطريق، وهو شرط يقيد شروط الحضانة للنساء.

ما يتبع شروط الحضانة من أمور:
أولاً ـ سقوط الحضانة: تسقط الحضانة بأربعة أسباب عند المالكية، وافقهم في أغلبها غيرهم.
_________
(1) البريد العربي: 12 ميلاً أو أربعة فراسخ، وتساوي 22176 م، والميل 1848 م، والستة برد 133 كم.

(10/7309)


1ً - سفر الحاضن سفر نقلة وانقطاع إلى مكان بعيد، وهو مقدار ستة بُرُد فأكثر، كما تقدم، فلو سافر ولي المحضون أو سافرت الحاضنة ستة برد فأكثر لا أقل منها، فللولي أخذ المحضون، وتسقط حضانة الحاضنة إلا أن تسافر معه. وقال الحنفية: يسقط الحق في الحضانة إذا سافرت الأم المطلقة إلى بلد بعيد لا يستطيع فيه الأب زيارة ولده في نهار يرجع فيه إلى بيته ويبيت فيه، وأما غير الأم فتسقط حضانتها بمجرد الانتقال. وقال الشافعية: يسقط الحق بالحضانة بالسفر لمكان مخوف أو بقصد النقلة، سواء أكان طويلاً أم قصيراً. وقال الحنابلة: يسقط الحق بالحضانة بالسفر لبلد يبعد بمقدار مسافة القصر فأكثر.
2ً - ضرر في بدن الحاضن كالجنون والجذام والبرص. وافقهم فيه الحنابلة.
3ً - الفسق أو قلة دينه من الحضانة، بأن كان غير مأمون على الولد؛ لعدم تحقق المصلحة المقصودة من الحضانة، وهذا متفق عليه. وقد نصت المادة (3/ 147) على أنه: «إذا ثبت أن الولي ـ ولو أباً ـ غير مأمون على الصغير أو الصغيرة، يسلمان إلى من يليه في الولاية، وذلك دون إخلال بحكم الفقرة الأولى من هذه المادة».
وأما نص الفقرة الأولى من هذه المادة فهو: «إذا كان الولي غير الأب، فللقاضي وضع الولد ذكراً أو أنثى عند الأصلح من الأم أو الولي أو من يقوم مقامهما، حتى تتزوج البنت أو تبلغ أو يبلغ الصبي سن الرشد».
4ً - تزوج الحاضنة ودخولها، إلا أن تكون جدة الطفل زوجاً لجده أو تتزوج الأم عماً له، فلا تسقط؛ لأن الجد أو العم مَحْرم للصغير. وهذا متفق عليه، كما تقدم.

(10/7310)


وكذا تسقط الحضانة عند الشافعية والحنابلة بالكفر، كما تسقط بالاتفاق بالجنون أو العته (1).

ثانياً ـ عودة الحق في الحضانة: إذا سقطت الحضانة لمانع من الموانع، ثم زال المانع، فهل تعود الحضانة؟ للفقهاء رأيان (2):
قال المالكية في المشهور: إذا سقطت حضانة الحاضنة لعذر كمرض وخوف مكان، وسفر ولي بالمحضون سفر نقلة، وسفرها لأداء فريضة الحج، ثم زال العذر بشفائها من المرض، وتحقق الأمن، والعودة من السفر الاضطراري، عادت الحضانة إليها؛ لأن المانع من الحضانة هو العذر الاضطراري، وقد زال، وإذا زال المانع عاد الممنوع.
أما إن تزوجت الحاضنة بأجنبي غير محرم ودخل بها، أو سافرت باختيارها لا لعذر، ثم تأيمت بأن فارقها الزوج بطلاق أو فسخ نكاح أو وفاة، أو عادت من السفر الاختياري، فلا تعود إليها الحضانة بعد زوال المانع؛ لأن سقوط الحضانة كان باختيارها، فلا تعذر.
وقال الجمهور (الحنفية والشافعية والحنابلة): إذا سقطت الحضانة لمانع، ثم زال المانع، عادت الحضانة إلى صاحبها، سواء أكان اضطرارياً كالمرض، أم
_________
(1) القوانين الفقهية: ص 224، الشرح الصغير: 759/ 2 وما بعدها، المقدمات الممهدات: 569/ 1 وما بعدها، الدر المختار ورد المحتار: 880/ 2، 884، مغني المحتاج: 456/ 3 - 458، كشاف القناع: 579/ 5 وما بعدها، المغني: 618/ 7.
(2) الدر المختار: 880/ 2، الشرح الصغير: 763/ 2 وما بعدها، مغني المحتاج: 456/ 3، كشاف القناع: 580/ 5.

(10/7311)


اختيارياً كالزواج والسفر والفسق، لزوال المانع. لكن ذلك عند الحنفية في الحال بالنسبة للبائن ولو قبل انقضاء العدة، أما الرجعية فلا بد من انقضاء العدة فيها.
وذكر الشافعية أن المطلَّقة تستحق الحضانة في الحال قبل انقضاء العدة على المذهب، بشرط رضا الزوج بدخول المحضون بيته إن كان له، فإن لم يرض لم تستحق.
وقرر الحنابلة استحقاق المطلقة الحضانة، ولو كان الطلاق رجعياً، ولو لم تنقض العدة.
وقد نصت المادة (141) من القانون السوري على أنه: «يعود حق الحضانة إذا زال سبب سقوطه».

ثالثاً ـ هل تجبر الأم على الحضانة؟ هذا بحث مفرع عن الحضانة، هل هي حق الحاضنة أو حق الولد (1)؟
المفتى به عند الحنفية أن الأم وغيرها لا تجبر على الحضانة إذا امتنعت، كما لا تجبر على الإرضاع، إلا إذا تعينت لهما، بأن لم يأخذ ثدي غيرها أو لم يكن للأب ولا للصغير مال، أو لم يوجد غيرها للحضانة. وهذا قول الشافعية والحنابلة، والمالكية أيضاً على المشهور عندهم، وبناء عليه: للأم إسقاط حقها في الحضانة، وإذا أرادت العود لا حق لها عند المالكية.
وتجبر الأم إذا لم يكن للصغير ذو رحم محرم، كيلا يضيع الولد.
_________
(1) الدر المختار وحاشية ابن عابدين: 875/ 2، الشرح الصغير: 763/ 2، مغني المحتاج: 456/ 3، المغني: 615/ 7 وما بعدها.

(10/7312)


وقيل: إنها تجبر على الحضانة مطلقاً، ولهذا لاتملك إسقاطها بالخلع، فلو خالعت الزوج على أن تترك له حق الحضانة، أو اشترط الزوج ترك الولد عنده، فالخلع صحيح عند الحنفية والشرط باطل، ولحاضنته أخذها منه، وهذا ما نصت عليه المادة (103) من القانون السوري، كما تقدم في بحث الخلع.

رابعاً ـ سكوت صاحب الحق في الحضانة عن طلبها: قال المالكية (1): إذا سكت صاحب الحق في الحضانة عن طلبها، يسقط حقه بالشروط الآتية:
1ً - أن يعلم بحقه في الحضانة: فإن كان لا يعلم بحقه وسكت عن طلب الحضانة لا يسقط حقه، مهما طالت مدة سكوته.
2ً - أن يعلم أن سكوته يسقط حقه في الحضانة: فإن كان يجهل ذلك فلا يبطل حقه فيها بالسكوت؛ لأن هذا أمر فرعي يعذر الناس بجهله.
3ً - أن تمضي سنة من تاريخ علمه باستحقاقه الحضانة: فلو مضى على علمه أقل من سنة وهو ساكت، ثم طلبها قبل مضي العام، قضي له باستحقاقها.
فإذا تزوجت الحاضنة بأجنبي ودخل بها، ولم يعلم بالزواج من انتقلت الحضانة له حتى فارقها زوجها بطلاق أو وفاة، استمرت الحضانة لها. وكذا إن علم بزواجها وسكت عن أخذ الولد عاماً، حتى فارقها زوجها، لم ينزعه منها، وبقي معها؛ لأن سكوته حتى مضت سنة، يسقط حقه بطلب الحضانة.
_________
(1) الشرح الصغير وحاشية الصاوي: 763/ 2 وما بعدها.

(10/7313)


المبحث الرابع ـ أجرة الحضانة وتوابعها من السكنى والخدمة:
هل تجب الأجرة على الحضانة؟ للفقهاء رأيان (1):
ليس للحاضن أجرة على الحضانة في رأي الجمهور غير الحنفية، سواء أكانت الحاضن أماً أم غيرها؛ لأن الأم تستحق النفقة إن كانت زوجة، وغير الأم نفقتها على غيرها وهو الأب. لكن إن احتاج المحضون إلى خدمة كطبخ طعامه وغسل ثيابه، فللحاضن الأجرة.
وقال الحنفية: لا تستحق الحاضنة أجرة على الحضانة إذا كانت زوجة أو معتدة لأبي المحضون في أثناء العدة، سواء عدة الطلاق الرجعي أو البائن في الأوجه، كما لا تستحق أجراً على الإرضاع، لوجوبهما عليها ديانة، ولأنها تستحق النفقة في أثناء الزوجية والعدة، وتلك النفقة كافية للحضانة.
أما بعد انقضاء العدة فتستحق أجرة الحضانة؛ لأنها أجرة على عمل.
وتستحق الحاضنة غير الزوجة أجرة الحضانة، مقابل قيامها بعمل من الأعمال، وتلك الأجرة غير أجرة الرضاع، ونفقة الولد، فهي ثلاثة واجبات.
وقد أخذ القانون السوري (م 143) برأي الحنفية، ونص هذه المادة: لا تستحق الأم أجرة للحضانة في حال قيام الزوجية أو في عدة الطلاق.

التفضيل بين الأم والمتبرعة بالحضانة:
يرى الحنفية (2): أن المتبرعة بالرضاع تقدم على الأم، إذا لم ترض بالإرضاع بلا أجر، أما المتبرعة بالحضانة: فإن كانت غير محرم للصغير، فلا تقدم على
_________
(1) الدر المختار ورد المحتار: 876/ 2، الشرح الصغير: 765/ 2، الفتاوى الهندية: 484/ 1.
(2) الدر المختار: 873/ 2.

(10/7314)


صاحبة الحق في الحضانة، وإن كانت محرماً للصغير فتقدم المتبرعة إذا كانت الأجرة في مال الصغير أو كان الأب معسراً، ولا تقدم في غير هاتين الحالتين.
وسبب التفرقة: أن المقصود من الرضاع التغذية، وهي تتحقق من غير المحارم كالمحارم، أما الحضانة فيقصد بها تربية الصغير وتعهده بالرعاية والعناية، وهذه أمور تحتاج إلى الشفقة والحنان، وتكون القريبة أشفق من البعيدة.
وإذا لم يوجد أحد يرضى بالحضانة مجاناً وكان الأب معسراً، ولم يكن للصغير مال، فإن الأم ومن يليها في استحقاق الحضانة تجبر على الحضانة، وتكون أجرتها ديناً على الأب إلى وقت اليسار، ولا يسقط هذا الدين إلا بالأداء أو بالإبراء.

أجرة مسكن الحضانة وأجرة الخادم:
اتفق الحنفية على المختار، والمالكية على المشهور (1) على وجوب أجرة مسكن الحضانة للحاضن والمحضون إذا لم يكن لهما مسكن؛ لأن أجرة المسكن من النفقة الواجبة للصغير، فتجب على من تجب عليه نفقته، باجتهاد القاضي أو غيره بحسب حال الأب.
وكذلك اتفقوا على وجوب أجرة للخادم إذا احتاج الصغير إلى خادم؛ لأنه من لوازم المعيشة. والظاهر أن المذاهب الأخرى متفقة مع هذا الرأي.

المكلف بنفقة الحضانة: يرى جمهور الفقهاء أن مؤنة (نفقة) الحضانة تكون في مال المحضون، فإن لم يكن له مال، فعلى الأب أو من تلزمه نفقته؛ لأنها من
_________
(1) الدر المختار ورد المحتار: 877/ 2، الشرح الصغير: 764/ 2، القوانين الفقهية: ص 225، مغني المحتاج: 452/ 3، كشاف القناع: 576/ 5، الشرح الكبير مع الدسوقي: 533/ 2.

(10/7315)


أسباب الكفاية والحفظ والإنجاء من المهالك. وإذا وجبت أجرة الحضانة فتكون ديناً لا يسقط بمضي المدة ولا بموت المكلف بها، أو موت المحضون، أو موت الحاضنة.
والمشهور عند المالكية: أن كراء المسكن للحاضنة والمحضونين على والدهم (1).

موقف القانون: نصت المادة (142) على المكلف بنفقة الحضانة: «أجرة الحضانة على المكلف بنفقة الصغير، وتقدر بحسب حال المكلف بها». ونصت المادة (44) على حالة إعسار المكلف بالنفقة وتبرع أحد المحارم بالحضانة: «إذا كان المكلف بأجرة الحضانة معسراً عاجزاً عنها وتبرع بحضانة الصغير أحد محارمه، خيرت الحاضنة بين إمساكه بلا أجرة، أو تسليمه لمن تبرع».
بدء استحقاق نفقات الحضانة:
يبدأ استحقاق نفقة الحضانة من أجرة ومسكن وخادم في رأي الحنفية كما يبدأ استحقاق أجرة الرضاع وقياساً عليها (2)، فإن كان هناك اتفاق على الحضانة بأجر معين، أو حكم قضائي بالأجر، استحقت الحاضنة الأجر من تاريخ الاتفاق أو الحكم.
وإذا لم يوجد اتفاق على الأجر، ولا حكم به، فإن كانت الحاضنة غير الأم، فلا تستحق أجرة على الحضانة إلا من تاريخ الاتفاق أو الحكم.
وإن كانت الحاضنة هي الأم، استحقت الأجرة من وقت قيامها بالحضانة بعد انقضاء العدة من غير توقف على تراض أو قضاء. وقيل: من يوم الاتفاق أو
_________
(1) المراجع السابقة.
(2) حاشية ابن عابدين: 931/ 2.

(10/7316)


الحكم. وقد أخذ القضاء المصري بالتفرقة بين الأم وبين غيرها في الإرضاع والحضانة.

المبحث الخامس ـ مكان الحضانة والانتقال بالصغير إلى بلد آخر، وحق زيارته:
مكان الحضانة: هو مكان الزوجين إذا كانت الزوجية بينهما قائمة. وللفقهاء آراء متقاربة في تحديد مواطن الحضانة وما يترتب عليه (1). أما الحنفية ففصلوا القول كما يأتي:
أـ إذا كانت الأم هي الحاضنة في حال قيام الزوجية، أو أثناء العدة من طلاق أو وفاة، فمكان الحضانة: هو المكان الذي تقيم فيه مع الزوج، ولا يجوز لها الانتقال به إلا بإذن الزوج؛ لأن الزوجة ملزمة بمتابعة زوجها والإقامة معه حيث يقيم، والمعتدة يلزمها البقاء في مسكن الزوجية، سواء مع الولد أو بدونه، لقوله تعالى: {لا تخرجوهن من بيوتهن، ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} [الطلاق:1/ 65].
ب ـ أما الأم المطلَّقة بعد انتهاء العدة: فمكان حضانتها هو أيضاً مكان إقامة الزوج، ولا يجوز لها الخروج من بلدة إلى أخرى بينهما تفاوت بحيث لا يمكن الوالد أن يبصر ولده، ثم يرجع في نهاره، إلا إذا انتقلت به إلى وطنها، وكان قد تزوجها (أي عقد عليها عقد الزواج) فيه. فإذا توافر هذان الشرطان: الوطن وكونه
_________
(1) الفتاوى الهندية: 484/ 1، الدر المختار: 884/ 2، الكتاب مع اللباب: 104/ 3، فتح القدير: 319/ 3 وما بعدها، القوانين الفقهية: ص 224، الشرح الصغير: 762/ 2، المهذب: 172/ 2، مغني المحتاج: 458/ 3 وما بعدها، غاية المنتهى: 250/ 3، المغني: 618/ 7، كشاف القناع: 581/ 5 وما بعدها.

(10/7317)


مكان العقد، جاز للأم الانتقال بالمحضون إليه، وإلا لم يجز، ويسقط حقها في الحضانة.
جـ ـ وأما الحاضنة الأخرى غير الأم كالجدة أو الأخت أو الخالة أو العمة، فلا يجوز لها الانتقال بالمحضون إلى غير بلد أبيه إلا بإذنه ورضاه، حتى لا يتضرر الولد، فلو انتقلت إلى بلد آخر بغير إذن الأب، سقط حقها في الحضانة.
وقال المالكية: مكان الحضانة للمطلقة بعد انقضاء العدة هو مكان إقامة والد المحضون. فليس لها السفر سفر نُقْلة وانقطاع من بلد إلى بلد ستة بُرُد (133 كم) فأكثر، فإن سافرت إلى مكان يبعد هذه المسافة عن بلد إقامة الأب، سقط حقها في الحضانة لاحتياج المحضون إلى رعاية الولي. ولا يسقط حقها في الحضانة بسفر التجارة والزيارة والحج ونحوه.
وذهب الشافعية إلى أنه إن كان السفر من أحد الزوجين المفترقين بالطلاق سفر حاجة كتجارة وحج، كان الولد المميز وغيره مع المقيم حتى يعود. وإن كان السفر من أحد الزوجين سفر نُقْلة، كان الأب أولى من الأم بالحضانة، بشرط أمن الطريق وأمن البلد المقصود بالسفر، حفظاً للنسب، فإنه يحفظه الآباء، أو رعاية لمصلحة التأديب والتعليم وسهولة الإنفاق.
فإن كان السفر مخوفاً، أو البلد الذي يسافر إليه مخوفاً، فالمقيم أحق بالحضانة للولد.
وقرر الحنابلة أنه متى أراد أحد الأبوين الانتقال بالمحضون إلى بلد آمن، مسافة القصر فأكثر، ليسكنه، فتسقط حضانة الحاضنة، ويكون الأب أحق، ما لم يرد بنقلته مضارتها، فإن أراد بنقلته مضارة الأم، لم يسقط حقها في الحضانة.

(10/7318)


انتقال الأب أو من يقوم مقامه إلى بلد آخر:
رأى الحنفية (1): أنه ليس للأب أو الولي مطلقاً إخراج المحضون من بلد أمه بلا رضاها ما بقيت حضانتها، فلو انتقل إلى بلد آخر غير بلد الحاضنة فليس له أخذ الولد معه ما دامت حضانتها قائمة، ولا يسقط حقها في الحضانة بانتقاله، سواء أكان البلد قريباً أم بعيداً، وسواء أكان السفر بقصد الإقامة أم التجارة أم الزيارة؛ لأن الحضانة حق الحاضنة، ولا يملك الولي إسقاط هذا الحق.
وسوّى المالكية (2) بين الحاضنة والولي في إسقاط حضانتها إذا سافر أحدهما إلى بلد آخر مسافة ستة بُرُد فأكثر بقصد الإقامة، فإذا سافر الولي، سواء أكان ولي مال كالأب والوصي أم ولي عصوبة كالعم، على المحضون ولو رضيعاً، سفراً بقصد التوطن والإقامة، لمسافة تبعد عن بلد الحاضنة ستة برد فأكثر، كان له أخذ الولد من حاضنته، بشرط أمن الطريق وأمن المكان المقصود، ويسقط حقها في الحضانة، إلا إذا سافرت مع الولي، فلا تسقط حينئذ حضانتها بانتقاله.
ودليلهم: أن حق الولي في الحضانة أقوى من حق الحاضنة؛ لأن التربية الروحية مقدمة على التربية البدنية، والولي أقدر من الحاضنة على تلك التربية.
وفرق الشافعية (3) بين سفر الحاجة وبين سفر النقلة، فإن أراد الولي أو الحاضنة سفر حاجة،
كان الولد المميز وغيره مع المقيم حتى يعود المسافر منهما، لما في السفر من الخطر والضرر.
وإن أراد أحدهما سفر نُقْلة، فالأب أولى، بشرط أمن طريقه وأمن البلد
_________
(1) الدر المختار: 885/ 2.
(2) الشرح الصغير: 761/ 2 وما بعدها.
(3) مغني المحتاج: 458/ 3 وما بعدها.

(10/7319)


المقصود له، كما قرر المالكية، وإن يكن هناك أمن، فيقرّ عند أمه، وليس لوليه أن يخرجه إلى دار الحرب.
والحنابلة (1) كالشافعية: فإنهم قالوا كما تقدم: متى أراد أحد الأبوين النقلة إلى بلد مسافة قصر فأكثر، وكان البلد والطريق آمناً، والقصد هو السكنى، فالأب أحق بالحضانة، سواء أكان المقيم هو الأب، أم المنتقل؛ لأن الأب في العادة هو الذي يقوم بتأديب الصغير وحفظ نسبه، فإذا لم يكن الولد في بلد الأب، ضاع.
والخلاصة: أن سفر الولي لا يسقط حق الحضانة للحاضنة في رأي الحنفية، ويسقطها في رأي الجمهور.

زيارة الولد:
حق الرؤية أو الزيارة لأحد الأبوين غير الحاضن مقرر شرعاً باتفاق الفقهاء، لصلةالرحم، ولكنهم ذكروا آراء مختلفة نسبياً، بحسب تقدير المصلحة لكل من الولد والوالد الذي يكون ولده في حضانة غيره.
قال الحنفية (2): إذا كان الولد عند الحاضنة، فلأبيه حق رؤيته، بأن تخرج الصغير إلى مكان يمكن الأب أن يراه فيه كل يوم. وإذا كان الولد عند أبيه لسقوط حق الأم في الحضانة، أو لانتهاء مدة الحضانة، فلأمه رؤيته، بأن يخرجه إلى مكان يمكنها أن تبصر ولدها، كل يوم. والحد الأقصى كل أسبوع مرة كحق المرأة في زيارة أبويها، والخالة مثل الأم، ولكن كما جرى القضاء في مصر، تكون زيارتها كل شهر مرة.
_________
(1) كشاف القناع: 581/ 5.
(2) الدر المختار ورد المحتار: 885/ 2.

(10/7320)


وقال المالكية (1): للأم أن ترى أولادها الصغار كل يوم مرة، وأولادها الكبار كل أسبوع مرة. والأب مثل الأم في الرؤية قبل بلوغ سن التعليم، وأما بعد بلوغ سن التربية والتعليم، فله مطالعة ولده من آن لآخر، أي الاطلاع عليه.
ويرى الشافعية (2): أن المميز إن اختار أباه بعد تخييره في سن التمييز، لم يمنعه زيارة أمه. ويمنع الأب الأنثى من زيارة أمها إذا اختارته لتألف الصيانة وعدم البروز للناس. والأم أولى منها بالخروج لزيارتها لسنها وخبرتها.
ولا يمنع الأب أم المحضون من زيارته، ذكراً أو أنثى؛ لأن في المنع قطعاً للرحم، لكن لا تطيل المكث، ويمكنها من الدخول، فإن بخل بدخولها إلى منزله، أخرجه إليها.
والزيارة مرة في أيام، أي في يومين فأكثر، لا في كل يوم، إلا إذا كان منزلها قريباً، فلا بأس بدخولها منزل الأب كل يوم.
فإن مرض المحضون، فالأم أولى بتمريضه، ذكراً أو أنثى؛ لأنها أهدى إليه، وأصبر عليه من الأب ونحوه. والتمريض يكون في بيت الأب إن رضي به، وإن لم يرض يكون التمريض في بيتها. ويجب الاحتراز في الحالين من الخلوة بها.
والحنابلة (3) كالشافعية قالوا: إن اختار المميز أباه، كان عنده ليلاً ونهاراً، ولا يمنع من زيارة أمه، ولا تمنع هي من تمريضه. وإن اختارها كان عندها ليلاً، وعند أبيه نهاراً ليؤدبه ويعلمه.
_________
(1) الشرح الكبير والدسوقي: 512/ 2، الشرح الصغير: 737/ 2.
(2) مغني المحتاج: 257/ 3.
(3) غاية المنتهى: 251/ 3 - 252، كشاف القناع: 583/ 5 وما بعدها، المغني: 617/ 7.

(10/7321)


وأما البنت فتكون عند أبيها بعد إتمام سن السابعة إلى الزفاف، ولا يمنع أحد الأبوين من زيارتها عند الآخر؛ لأن فيه حملاً على قطيعة الرحم، ولكن من غير أن يخلو الزوج بالأم، ولا يطيل المقام؛ لأن الأم صارت بالبينونة أجنبية منه، والورع إذا زارت ابنتها: تحري أوقات خروج أبيها إلى معاشه، لئلا يسمع كلامها، والكلام وإن كان غير عورة، لكن يحرم التلذذ بسماعه.
وإن مرضت البنت، فالأم أحق بتمريضها في بيت الأب، لحاجتها إليه.
والأم تزور ابنتها، والغلام يزور أمه على ما جرت به العادة، كاليوم في الأسبوع.

المبحث السادس ـ مدة الحضانة وما يترتب على انتهائها من ضم الولد لأبيه:
اتفق الفقهاء على أن الحضانة تبدأ منذ ولادة الطفل إلى سن التمييز، واختلفوا في بقائها بعد سن التمييز.
قال الحنفية (1): الحاضنة أماً أوغيرها أحق بالغلام حتى يستغني عن خدمة النساء، ويستقل بنفسه في الأكل والشرب واللبس والاستنجاء، وقدِّر زمن استقلاله بسبع سنين؛ لأنه الغالب، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «مروا أولادكم بالصلاة لسبع» والأمر بها لا يكون إلا بعد القدرة على الطهارة. وقيل: بتسع سنين.
والأم والجدة أحق بالفتاة الصغيرة حتى تبلغ بالحيض أو الإنزال أو السن؛ لأنها بعد الاستغناء تحتاج إلى معرفة آداب النساء، والمرأة على ذلك أقدر، وأما بعد
_________
(1) البدائع: 42/ 4 - 44، الدر المختار: 881/ 2.

(10/7322)


البلوغ فتحتاج إلى التحصين والحفظ، والأب فيه أقوى وأهدى. وبلوغ الصغيرة إما بتسع سنين أو بإحدى عشرة سنة.

والسبب في اختلاف الغلام والفتاة: هو أن القياس أو الأصل أن تتوقت الحضانة بالبلوغ فيهما جميعاً، لكن ترك القياس أو الأصل في الغلام بإجماع الصحابة؛ لما روي أن أبا بكر رضي الله عنه قضى بعاصم بن عمر لأمه ما لم يشبّ عاصم، أو تتزوج أمه. فبقي الحكم في الفتاة على أصل القياس؛ ولأن الغلام إذا استنغنى يحتاج إلى التأديب والتخلق بأخلاق الرجال واكتساب العلوم، والأب على ذلك أقدر وأقوم. والفتاة أحوج إلى تعلم آداب النساء والتخلق بأخلاقهن وخدمة البيت، والأم أقدر على ذلك بعدما تبلغ أو تحيض، فإذا بلغت احتاجت إلى الحماية والصيانة والحفظ عمن يطمع بها، والرجال على ما ذكر أقدر.
وقال المالكية (1): تستمر الحضانة في الغلام إلى البلوغ، على المشهور، ولو مجنوناً أو مريضاً، وفي الأنثى إلى الزواج ودخول الزوج بها، ولو كانت الأم كافرة. وهذا في الأم المطلقة أو من مات زوجها. وأما من في عصمة زوجها فهي حق للزوجين جميعاً.
ولا يخير الولد في رأي الحنفية والمالكية؛ لأنه لا قول له، ولا يعرف حظه، وقد يختار من يلعب عنده.
وقال الشافعية (2): إن افترق الزوجان ولهما ولد مميز (3) ذكر أو أنثى، وله
_________
(1) الشرح الصغير: 755/ 2 وما بعدها، القوانين الفقهية: ص 224 وما بعدها.
(2) المهذب: 171/ 2، مغني المحتاج: 456/ 3.
(3) سن التمييز غالباً سبع سنين أو ثمان تقريباً، وقد يتقدم على السبع وقد يتأخر عن الثمان، والحكم مداره عليه لا على السن

(10/7323)


سبع أو ثمان سنين، وصلح الزوجان للحضانة، حتى لو فضَل أحدهما الآخر ديناً أو مالاً أو محبة، وتنازعا في الحضانة، خيِّر بينهما، وكان عند من اختار منهما؛ «لأنه صلّى الله عليه وسلم خيَّر غلاماً بين أبيه
وأمه» (1) والغلامة كالغلام في الانتساب، ولأن القصد من الحضانة حفظ الولد، والمميز أعرف بحظه ومصلحته، فيرجع إليه.
والولد يتخير، ولو أسقط أحد الزوجين حقه قبل التخيير.
ولو اختار الولد أحد الأبوين، فامتنع من كفالته، كفله الآخر، فإن رجع الممتنع أعيد التخيير. وإن امتنع الأبوان وبعدهما مستحقان للحضانة كجد وجدة خيْر بينهما، وإلا أجبر بالحضانة من تلزمه نفقته؛ لأنها من جملة الكفالة. وإن صلح أحد الأبوين للحضانة دون الآخر بسبب جنون أو كفر أو رق أو فسق، أو زواج الأنثى أجنبياً، فالحق للآخر فقط، ولا تخيير لوجود المانع. فإن عاد صلاح الآخر عاد التخيير.
ويخير الولد أيضاً بين أم وجد، وكذا أخ أو عم أو أب مع أخت أو خالة في الأصح، فإن اختار أحدهما، ثم اختار الآخر، حوّل إليه؛ لأنه قد يظهر له الأمر، بخلاف ما ظنه، أويتغير حال من اختاره أولاً، ولأن الولد قد يقصد مراعاة الجانبين.
وقال الحنابلة (2): إذا بلغ الغلام غير المعتوه سبع سنين، خير بين أبويه، إذا تنازعا فيه، كما قال الشافعية، فكان مع من اختار منهما. ومتى اختار أحدهما، فسلم إليه، ثم اختار الآخر، رد إليه. ويخير الغلام بين أمه وعصبته؛ لأن علياً رضي الله عنه خيّر عمارة الجرمي بين أمه وعمه، ولأنه عصبة، فأشبه الأب.
وإنما يخير الغلام بشرطين:
_________
(1) رواه الترمذي وحسنه عن أبي هريرة.
(2) المغني: 614/ 7 - 617، غاية المنتهى: 251/ 3 وما بعدها، كشاف القناع: 582/ 5 وما بعدها.

(10/7324)


أحدهما ـ أن يكون الأبوان وغيرهما من أهل الحضانة: فإن كان أحدهما من غير أهل الحضانة، كان كالمعدوم، ويتعين الآخر.
الثاني ـ ألا يكون الغلام معتوهاً: فإن كان معتوهاً كان عندالأم، ولم يخير؛ لأن المعتوه بمنزلة الطفل، وإن كان كبيراً، لذا كانت الأم أحق بكفالة ولدها المعتوه بعد بلوغه.
أما الفتاة إذا بلغت سبع سنين، فالأب أحق بها، ولا تخير عندهم خلافاً للشافعية؛ لأن غرض الحضانة الحظ والمصلحة، والحظ للفتاة بعد السبع في الوجود عند أبيها؛ لأنها تحتاج إلى حفظ، والأب أولى به، فإن الأم تحتاج إلى من يحفظها ويصونها.
لكن إذا كانت البنت عند الأم أو عند الأب، فإنها تكون عنده ليلاً ونهاراً؛ لأن تأديبها وتخريجها في جوف البيت، كتعليمها الغزل والطبخ وغيرهما.

موقف القانون: قرر القانون المصري رقم (25) لسنة (1929) أن حق الحضانة ينتهي عند بلوغ الصغير سبع سنين، وبلوغ الصغيرة تسعاً. وكان هذا هو المقرر في القانون السوري، ثم عدل الحكم سنة (1975)، فنصت المادة (146) على أنه: تنتهي مدة الحضانة بإكمال الغلام التاسعة من عمره، والبنت الحادية عشرة.
مايترتب على انتهاء مدة الحضانة من ضم الولد لأبيه أو جده:
إذا انتهت مرحلةالحضانة، ضم الولد إلى الولي على النفس من أب أوجد، لا لغيرهما. ويظل للأب الحق في إمساك الصبي حتى يبلغ، فيخير بين أن ينفرد بالسكنى أو يسكن مع أي أبويه شاء، إلا إذا بلغ سفيهاً غير مأمون على نفسه،

(10/7325)


فيضمه الأب إليه، لدفع فتنة أو عار، ولتأديبه إذا وقع منه شيء. ولا يلزم الأب بالنفقة على الولد بعد البلوغ إلا أن يتبرع. فإن بلغ معتوهاً، كان عند الأم، سواء أكان ابناً أم بنتاً.
وأما الفتاة: فيضمها الأب أو الجد إذا كانت بكراً، وكذا إذا كانت ثيباً يخشى عليه الفتنة. فإن كان لا يخشى عليها، وكانت ذا خلق مستقيم وعقل سليم، وصارت مسنة بلغت سن الأربعين، فلها أن تنفرد بالسكنى حيث شاءت. ولا يلزم الأب بالإنفاق على الفتاة إذا رفضت السكنى معه أو متابعته بغير حق (1).
والخلاصة: إذا بلغ الولد أو البنت بكراً أو ثيباً، وكانا غير مأمونين، فلا خيار لهم بالانفراد بالسكنى، بل يضمهم الأب إليه.
_________
(1) الدر المختار ورد المحتار: 882/ 2 وما بعدها.

(10/7326)