الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي

الفَصْل الرّابع: الولاية الولاية: هي تدبير الكبير الراشد شؤون القاصر الشخصية والمالية. والقاصر: من لم يستكمل أهلية الأداء، سواء أكان فاقداً لها كغير المميز أم ناقصها كالمميز.
وعرفها الحنفية بأنها: تنفيذ القول على الغير شاء أو أبى (1).
وقد عرفنا في بحث الزواج أن الولي ركن من أركان العقد عند غير الحنفية، وهو شرط صحة نكاح صغير ومجنون ورقيق في مذهب الحنفية.
وعرفنا في بحث النظريات الفقهية أن الولاية نوعان: ولاية على النفس وولاية على المال. والولاية على النفس: هي الإشراف على شؤون القاصر الشخصية من صيانة وحفظ وتأديب وتعليم وتطبيب وتزويج ونحو ذلك.
والولاية على المال: هي الإشراف على شؤون القاصر المالية من استثمار وتصرفات كالبيع والإجارة والرهن وغيرها.
وينقسم هذا الفصل إلى مبحثين بحسب نوع هاتين الولايتين أذكرهما بإجمال.
_________
(1) الدر المختار: 406/ 2.

(10/7327)


المبحث الأول ـ الولاية على النفس:
أولاً ـ الولي على النفس وصلاحياته: الولي على النفس في مذهب الحنفية (1): هو الابن ثم الأب ثم الجد أبو الأب، ثم الأخ، ثم العم، أي أن الولاية على النفس تثبت عندهم على القاصر للعصبات بحسب ترتيب الإرث: البنوة، فالأبوة، فالأخوة، فالعمومة. ويقدم الشقيق على من كان لأب فقط. فإن لم يوجد أحد من العصبات انتقلت ولاية النفس إلى الأم ثم باقي ذوي الأرحام.
وأما في مذهب المالكية فتثبت هذه الولاية على الترتيب التالي (2): البنوة، ثم الأبوة ثم الوصاية ثم الأخوة ثم الجدودة ثم العمومة. فالولي على النفس عندهم: هو الابن وابنه، ثم الأب ثم وصيه، ثم الأخ الشقيق وابنه، ثم الأخ لأب وابنه، ثم الجد أبو الأب، ثم العم وابنه. ويقدم الشقيق منهما على غير الشقيق، ثم القاضي في عصرنا.
ويجبر الولي على أخذ القاصر بعد انتهاء الحضانة؛ لأن الولاية على النفس حق من حقوق المولى عليه.
وصلاحيات ولي النفس: هي التأديب والتهذيب، ورعاية الصحة، والنمو الجسمي، والتعليم والتثقيف في المدارس، والإشراف على الزواج. وإذا كان القاصر أنثى وجب حمايتها وصيانتها، ولا يجوز للولي تسليمها إلى من يعلِّمها صناعة أو حرفة تختلط فيها بالرجال.
_________
(1) الدر المختار: 427/ 2 وما بعدها.
(2) القوانين الفقهية: ص 198، شرح الرسالة: 31/ 2 - 32 ويلاحظ أن الولاية الإجبارية في عقد الزواج يقدم فيها الأب على الابن عند المالكية، أما الولاية الاختيارية فيقدم فيها الابن على الأب.

(10/7328)


ثانياً ـ شروط الولي على النفس: يشترط في الولي على النفس (1): البلوغ والعقل (التكليف) والقدرة على تربية الولد، والأمانة على أخلاقه، والإسلام في حق المولى عليه المسلم أو المسلمة.
فلا ولاية لغير بالغ، ولا لغير عاقل، ولا لسفيه مبذر؛ لأن هؤلاء في حاجة إلى من يتولى شؤونهم، ولا ولاية لفاسق ماجن لا يبالي بما يفعل لأنه يضر بأخلاق القاصر وبماله. ولا ولاية لمهمل للولد كأن يتركه مريضاً، دون أن يحاول علاجه مع قدرته عليه، أو كأن يحرمه التعليم مع صلاحية الولد؛ لأن ذلك ضار بمصلحة القاصر.
وتنتقل الولاية حينئذ إلى الأصلح على وفق الترتيب المتقدم.

موقف القانون: نصت المادة (170) من القانون السوري على ولاية الأب والجد ولاية نفس ومال، وعلى صلاحيات الولي، وعلى ما يسقط ولايته:
1 - للأب ثم للجد العصبي ولاية على نفس القاصر وماله، وهما ملتزمان بالقيام عليه.
2 - لغيرهما من الأقارب بحسب الترتيب المبين في المادة (21) ولاية على نفسه دون ماله.
وأما نص المادة (21) فهو: الولي في الزواج هو العصبة بنفسه على ترتيب الإرث، بشرط أن يكون مَحْرماً.
_________
(1) الدر المختار: 406/ 2، 428 وما بعدها.

(10/7329)


ونصت المادة (1/ 22) على أنه: يشترط أن يكون الولي عاقلاً بالغاً.
3 - يدخل في الولاية النفسية: سلطة التأديب والتطبيب والتعليم والتوجيه إلى حرفة اكتسابية، والموافقة على التزويج، وسائر أمور العناية بشخص القاصر.
4 - يعتبر امتناع الولي عن إتمام تعليم الصغير حتى نهاية المرحلة الإلزامية سبباً لإسقاط ولايته، وتعتبر معارضة الحاضنة أو تقصيرها في تنفيذ ذلك سبباً مسقطاً لحضانتها.

ثالثاً ـ انتهاء الولاية على النفس:
تنتهي الولاية على النفس في رأي الحنفية في حق الغلام ببلوغه خمس عشرة سنة، أو بظهور علامة من علامات البلوغ الطبيعية، وكان عاقلاً مأموناً على نفسه. وإلا بقي في ولاية الولي.
وأما في حق الأنثى، فتنتهي هذه المرحلة بزواجها، فإن تزوجت صار حق إمساكها لزوجها، وإن لم تتزوج بقيت في ولاية غيرها إلى أن تصير مسنّة مأمونة على نفسها، فحينئذ يجوز لها أن تنفرد بالسكنى، أو تقيم مع أمها. ولم يحدد الحنفية هذه السن، والظاهر من كلامهم أن تصير عجوزاً لا يرغب فيها الرجال.
ولكن القضاء في مصر وسورية أجاز للأنثى إذا بلغت سن الرشد (21 سنة في مصر، و18 سنة في سورية) أن تنفرد بالسكنى عن ولي النفس، إذا كانت مأمونة على نفسها، ولا يخشى عليها الفتنة.
وأما في مذهب المالكية: فتنتهي الولاية على النفس بزوال سببها، وسببها الصغر وما في معناه: وهو الجنون والعته والمرض. وأما الأنثى فلا تنتهي الولاية النفسية عليها إلا بدخول الزوج بها، كما بان في بحث الحضانة.

(10/7330)


المبحث الثاني ـ الولاية على المال:
أولاً ـ الولي على المال:
إذا كان للقاصر مال، كان للأب الولاية على ماله حفظاً واستثماراً باتفاق المذاهب الأربعة، ثم اختلفوا فيمن تثبت له الولاية على مال القاصر بعد موت أبيه.
قال الحنفية: تثبت هذه الولاية للأب ثم لوصيه، ثم للجد أبي الأب ثم لوصيه، ثم للقاضي فوصيه.
وقال المالكية والحنابلة: تثبت هذه الولاية للأب ثم لوصيه، ثم للقاضي أو من يقيمه، ثم لجماعة المسلمين إن لم يوجد قاضٍ.
وقال الشافعية: تثبت هذه الولاية للأب، ثم للجد، ثم لوصي الباقي منهما، ثم للقاضي أو من يقيمه. وبه يتبين أنهم خالفوا المذاهب الأخرى في تقديم الجد على وصي الأب؛ لأن الجد كالأب عند عدمه، لوفور شفقته مثل الأب، ولذا تثبت له ولاية التزويج.
ولا تثبت ولاية المال لغير هؤلاء كالأخ والعم والأم إلا بوصاية من قبل الأب أو القاضي.
وتستمر هذه الولاية حتى يبلغ القاصر سن الرشد. فإذا بلغ رشيداً، ثم طرأ عليه الجنون أو العته مثلاً، فهل تعود الولاية عليه؟
قال المالكية والحنابلة: لا تعود الولاية لمن كانت له، وإنما تكون للقاضي؛ لأن الولاية سقطت بالبلوغ عاقلاً، والساقط لا يعود.

(10/7331)


وقال الحنفية والشافعية في الأرجح عندهم: تعود الولاية لمن كانت له قبل البلوغ؛ لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فإذا وجدت علة الولاية وجدت الولاية.
فإن كان الطارئ هو السفه: فإن الولاية على السفيه تكون في رأي الجمهور للقاضي أو من يعينه؛ لأن المقصود هو المحافظة على ماله، والنظر في مصالح الناس من صلاحيات القاضي.

حكم القانون: أخذ القانون المصري (م 1) رقم (119) لسنة (1952) والقانون السوري برأي الحنفية في ترتيب درجات الأولياء على المال، فنصت المادة (1/ 172) من القانون السوري على أنه: للأب والجد العصبي عند عدمه دون غيرهما ولاية على مال القاصر حفظاً وتصرفاً واستثماراً. وهذا يوافق المادة الأولى من القانون المصري.
ونصت المادة (176) من هذا القانون على تنصيب الأوصياء:
1 - يجوز للأب وللجد عند فقدان الأب أن يقيم وصياً مختاراً لولده القاصر أو الحمل، وله أن يرجع عن إيصائه.
2 - وتعرض الوصاية بعد الوفاة على المحكمة لتثبيتها.
3 - إن الوصاية في أموال القاصرين بعد وفاة الأب هي للوصي الذي اختاره الأب، وإن لم يكن قريباً لهم، على أن تعرض الوصاية على القاضي لتثبيتها فيما إذا كانت مستوفية لشروطها الشرعية. وهذا يوافق المادة (28) من القانون المصري.
ونصت المادة (177) منه على وصي المحكمة: إذا لم يكن للقاصر أو الحمل وصي مختار، تعين المحكمة وصياً. وهي تطابق المادة (29) من القانون المصري.

(10/7332)


ثانياً ـ شروط الولي على المال: يشترط لثبوت الولاية على المال ما يشترط لثبوت الولاية على النفس وهو ما يأتي (1):
1ً - أن يكون الولي كامل الأهلية، وذلك بالبلوغ والعقل والحرية؛ لأن فاقد الأهلية أو ناقصها ليس أهلاً للولاية على مال نفسه، فلا يكون أهلاً للولاية على مال غيره.
2ً - ألا يكون سفيهاً مبذراً محجوراً عليه: لأنه لا يلي أمور نفسه، فلا يلي أمور غيره.
3ً - أن يكون متحد الدين مع القاصر، فلو كان الأب غير مسلم فلا يلي أمور ابنه المسلم.

ثالثاً ـ تصرفات الولي على المال: تصرف الولي في مال القاصر مقيد بالمصلحة للمولى عليه، فلا يجوز له مباشرة التصرفات الضارة ضرراً محضاً كهبة شيء من مال المولى عليه أو التصدق به أو البيع والشراء بغبن فاحش، ويكون تصرفه باطلاً. وله مباشرة التصرفات النافعة نفعاً محضاً كقبول الهبة والصدقة والوصية، وكذا التصرفات المترددة بين الضرر والنفع كالبيع والشراء والإجارة والاستئجار والشركة والقسمة. ودليل هذا المبدأ قوله تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشدّه} [الإسراء:34/ 17].
_________
(1) الدر المختار: 406/ 2، 428 وما بعدها.

(10/7333)


تصرفات الأب: الأب المبذر ليس له ولاية على مال القاصر، وعليه تسليم المال إلى وصي يختاره. فإن كان غير مبذر، فله الولاية على مال القاصر، وله في رأي الحنفية والمالكية بيع مال القاصر والشراء له، سواء أكان المال منقولاً أم عقاراً، ما دام العقد بمثل الثمن أو بغبن يسير: وهو ما يتغابن فيه الناس عادة. ولا ينفذ على القاصر البيع أوالشراء بغبن فاحش: وهو ما لا يتغابن فيه الناس عادة. لكن المفتى به لدى الحنفية أن الشراء ينفذ على الولي، لإمكان نفاذه عليه، بعكس البيع فلا ينفذ؛ لأن فيه ضرراً ظاهراً على المولى عليه.
وله أن يبيع مال نفسه لولده الصغير ونحوه، وأن يشتري مال ولده لنفسه بمثل الثمن أو بغبن يسير، ويتولى الأب طرفي العقد، وتكون عبارته قائمة مقام الإيجاب والقبول، استثناء من مبدأ تعدد العاقد في العقود المالية، نظراً لوفور شفقة الأب على ولده.
وليس للأب أن يتبرع بشيء من مال الصغير ونحوه؛ لأن التبرع تصرف ضار ضرراً محضاً، فلا يملكه الولي ولو كان أباً.
وليس له أيضاً أن يقرض مال الصغير للغير، ولا أن يقترض لنفسه؛ لما في إقراضه من تعطيل استثمار المال.
ويجوز للأب في رأي أبي حنيفة ومحمد أن يرهن شيئاً من مال ولده في دين نفسه، قياساً على ما له من إيداع مال ولده. ولا يجوز هذا الرهن في رأي أبي يوسف وزفر؛ لأن في الرهن تعطيلاً لمنفعة المال، إذ يبقى محبوساً إلى سداد الدين.

حكم القانون: منع القانون المصري رقم (119) لسنة (1952) في المادة الخامسة منه تبرع الولي بشيء من مال القاصر، إلا لأداء واجب إنساني أو عائلي

(10/7334)


بإذن المحكمة. وهذا الاستثناء مخالف لرأي الفقهاء. ومنعت المادة السادسة منه التصرف في عقار القاصر ببيع أو إجارة لنفسه أو لزوجه أو لأقاربه أو لأقاربها إلى الدرجة الرابعة إلا إذا أذنت المحكمة بذلك، رعاية لمصلحة الصغير. ومنعت هذه المادة أيضاً أخذاً برأي أبي يوسف وزفر رهن مال الصغير في دين على الولي نفسه؛ لأن الرهن يفضي غالباً إلى استيفاء الدين من مال المرهون.
ومنعت المادة السابعة الأب من التصرف في عقار القاصر أو محله التجاري أو أوراقه المالية إذا زادت قيمتها على ثلاثمائة جنيه إلا بإذن المحكمة، رعاية لمصالح المولى عليه.
ومنعت المادة التاسعة الولي من إقراض مال القاصر واقتراضه إلا بإذن المحكمة، كما منعته المادة العاشرة من إيجار عقار القاصر لمدة تتجاوز بلوغه سن الرشد إلا بإذن المحكمة. وكذلك منعته المادة الحادية عشرة من الاستمرار في تجارة آلت للقاصر إلا بإذن المحكمة وفي حدود هذا الإذن. وهذا من قبيل الاحتياط لمصلحة القاصر.
وأجازت المادة الرابعة عشرة للأب وحده أن يتعاقد مع نفسه بالنيابة عن القاصر، سواء أكان ذلك لحسابه هو أم لحساب شخص آخر إلا إذا نص القانون على غير ذلك.
ونصت المادة الثالثة على أنه «لا يدخل في الولاية مايؤول للقاصر من مال بطريق التبرع إذا اشترط المتبرع ذلك».
وتتفق هذه الأحكام غالباً مع المقرر في القانون السوري، فنصت المادة (2/ 172) على أنه: «لا ينزع مال القاصر من يد الأب أو الجد العصبي ما لم تثبت خيانته أو سوء تصرفاته فيه، وليس لأحدهما التبرع بمال القاصر أو بمنافعه أصلاً،

(10/7335)


ولا يبيع عقاره أو رهنه إلا بإذن القاضي بعد تحقق المسوغ» وهذا من قبيل الاحتياط في صيانة مال القاصر؛ لأن الضرر في بيع عقاره أكثر من الضرر في بيع ماله المنقول غالباً.
ونصت المادة (171) على مضمون المادة الثالثة في القانون المصري: «إذا اشترط المتبرع بمال للقاصر عدم تصرف وليه به، تعين المحكمة وصياً خاصاً على هذا المال».
ونصت المادة (173) على أحوال نزع الولاية المالية من الأب والجد أو الحد منها: «إذا أصبحت أموال القاصر في خطر بسبب سوء تصرف الولي أو لأي سبب آخر، وخيف عليها منه، فللمحكمة أن تنزع ولايته أو تحد منها، ويجوز للقاضي أن يعهد إلى حاضنة القاصر ببعض أعمال الولي الشرعي المالية إذا تحقق له أن مصلحة القصار تقضي بذلك، وبعد سماع أقوال الولي».
وخصصت المادة (174) لأحوال إيقاف الولاية: «تقف الولاية إذا اعتبر الولي مفقوداً، أو حجر عليه أو اعتقل، وتعرضت باعتقاله مصلحة القاصر للضياع، ويعين للقاصر وصي مؤقت إذا لم يكن له ولي آخر».

الولي الخاص: ونصت المادة (175) على حالة تعيين ولي خاص: «تعين المحكمة ولياً خاصاً عند تعارض مصلحة القاصر مع مصلحة وليه، أو عند تعارض مصالح القاصرين بعضها مع بعض».
رابعاً ـ شروط الوصي المختار ـ وصي الأب وتصرفاته:
الوصي نوعان:

(10/7336)


1 ً - الوصي المختار: هو الذي يعينه الأب أو الجد للإشراف على أموال أولاده أو أحفاده.
2 ً - وصي القاضي: هو الذي يعينه القاضي للإشراف على التركة والأولاد.
وشروط الوصي أربعة:
1ً - البلوغ: وهو شرط في سائر التصرفات، فلا تثبت الولاية للصبي؛ لأنه قاصر النظر لا يهتدي إلى وجوه المصلحة أو المنفعة.
2ً - العقل: وهو شرط أيضاً في سائر التصرفات، فلا تثبت الولاية للمجنون ونحوه؛ لأنه لا يهتدي إلى حسن التصرف في حق نفسه، فلا يلي شؤون غيره.
أما اشتراط الفقهاء الحرية فلم يعد له معنى اليوم لإلغاء الرق.
3ً - الإسلام في حق المولى عليه المسلم: فلا ولاية لكافر على مسلم؛ لأن الإيصاء كالولاية، ولاولاية لغير المسلم على المسلم.
4ً - العدالة: فلا ولاية لفاسق؛ لأن الإشراف على مصالح الغير يتطلب استقامة ونزاهة وورعاً. والعدالة: اجتناب المعاصي الكبائر كالزنا والقذف وشرب الخمر والسرقة، وعدم الإصرار على الصغائر كإدمان التلصص على النساء. فإذا فقد شرط من هذه الشروط، صح الإيصاء عند الحنفية على المعتمد، ويعزله القاضي ويعين غيره.
ويصح الإيصاء للمرأة في رأي أكثرية العلماء؛ لأن عمر رضي الله عنه أوصى إلى ابنته حفصة أم المؤمنين، ولأنه تصح شهادتها وتصرفاتها المالية كالرجل، فتجوز وصايتها.

(10/7337)


ويصح الإيصاء للأعمى في رأي الجمهور؛ لأنه خبير يحسن التصرف كالمبصر، ولأنه تصح شهادته وولايته في الزواج وعلى أولاده الصغار، فصح الإيصاء إليه.

حكم القانون: نصت المادة (27) من القانون المصري رقم (119) لسنة 1952 على شروط الوصي ومن ليس أهلاً للوصاية، وهو نص المادة (178) من القانون السوري الآتية:
1 - يجب أن يكون الوصي عدلاً، قادراً على القيام بالوصاية، ذا أهلية كاملة، وأن يكون من ملةالقاصر.
2 - لا يجوز أن يكون وصياً:
أـ المحكوم عليه في جريمة سرقة أو إساءة الائتمان أو تزوير أو في جريمة من الجرائم المخلة بالأخلاق والآداب العامة.
ب ـ المحكوم بإفلاسه إلى أن يعاد إليه اعتباره.
جـ ـ من قرر الأب أو الجد عند عدمه حرمانه من التعيين قبل وفاته إذا ثبت ذلك ببينة خطية.
د ـ من كان بينه هو أو أحد أصوله أو فروعه أو زوجه وبين القاصر نزاع قضائي أو خلاف عائلي يخشى منه على مصلحة القاصر.
وهذ تفصيل مترتب على ما اشترطه الفقهاء.

الوصي المؤقت: نصت المادة (179) على حالة تعيين وصي مؤقت تشبه حالة تعيين ولي خاص في المادة (175) السابقة، ونصها هو ما يأتي:

(10/7338)


ينصب القاصي وصياً خاصاً مؤقتاً عند تعارض مصلحة القاصر مع مصلحة الوصي أو زوجه أو أحد أصوله أو فروعه، أو من يمثلهم الوصي، إن لم يبلغ هذا التعارض النزاع المنصوص عليه في المادة السابقة (أي المادة 178).
ونصت المادة (188) على حالة أخرى لتعيين وصي مؤقت:
1 - إذا رأت المحكمة كفَّ يد الوصي، عينت وصياً مؤقتاً لإدارة أموال القاصر إلى حين زوال سبب الكف أو تعيين وصي جديد.
2 - تسري على الوصي المؤقت أحكام الوصاية الواردة في هذا القانون.

وأما تصرفات الوصي المختار، فهي ما يأتي:
يملك وصي الأب أو الجد ما يملكه الأب إلا فيما يأتي بسبب عدم توافر الشفقة الكائنة عند الأب:
1ً - بيع العقار: لا يملك الوصي المختار بيع عقار القاصر إلا إذا كان هناك مسوغ شرعي، كأن يكون بيع العقار خيراً للصغير، وذلك فيما يأتي:
أـ بيع العقار بضعف قيمته فأكثر، فيستطيع الوصي شراء عقار أنفع مما باعه.
ب ـ أن تزيد ضريبة العقار ومصاريفه على غلاته.
جـ ـ أن يتعين بيع العقار لصرف ثمنه في نفقة القاصر.
2ً - بيع الوصي مال نفسه لليتيم أو شراء ماله لنفسه: لا يجوز للوصي المختار بيع ماله للقاصر أو شراء مال القاصر لنفسه إلا إذا كان في البيع والشراء منفعة ظاهرة. وتتحقق هذه المنفعة في رأي أبي حنيفة بأن يبيع العقار للقاصر بنصف

(10/7339)


القيمة، ويشتري منه العقار بضعف قيمته. وفي غير العقار: أن يبيع له ما يساوي (15 بعشرة)، ويشتري ما يساوي عشرة بخمسة عشر.
وقال الصاحبان والأئمة الآخرون: لا يجوز للوصي أن يبيع أو يشتري من مال الصغير مطلقاً.
وأما في القانون: فقد نصت المادة (38) من القانون المصري رقم (119) لسنة 1952 على منع الوصي من التبرع بمال القاصر إلا لأداء واجب إنساني أوعائلي وبإذن المحكمة. وهذا نفس المقرر بالنسبة للأب. ونصت المادة (180) سوري على أن: تبرع الوصي من مال القاصر باطل. ومنعت المادة (39) مصري و (182) سوري من طائفة من التصرفات إلا بإذن المحكمة وهي ما يأتي على الترتيب في القانون السوري:
أـ التصرف في أموال القاصر بالبيع أو الشراء أو المقايضة أو الشركة أو الإقراض أو الرهن أو أي نوع آخر من أنواع التصرفت الناقلة للملكية أو المترتبة لحق عيني.
ب ـ تحويل الديون التي تكون للقاصر وقبول الحوالة عليه.
جـ ـ استثمار الأموال وتصفيتها واقتراض المال للقاصر.
د ـ إيجار عقار القاصر لمدة أكثر من ثلاث سنوات في الأراضي الزراعية أو أكثر من سنة في المباني.
هـ ـ إيجار عقار القاصر لمدة تمتد إلى سنة بعد بلوغه سن الرشد.
وـ قبول التبرعات المقيدة بشرط أو رفضها.

(10/7340)


ز ـ الإنفاق من مال القاصر على من تجب عليه نفقتهم إلا إذا كانت النفقة محكوماً بها حكماً مبرماً.
ح ـ الصلح والتحكيم.
ط ـ الوفاء بالالتزامات التي تكون على التركة أو القاصر ما لم يكن قد صدر بها حكم مبرم.
ي ـ رفع الدعاوى إلا ما يكون في تأخيره ضرر للقاصر أو ضياع حق له.
ك ـ التنازع عن الدعاوى وإسقاط حقه في طرق المراجعة القانونية.
ل ـ التعاقد مع المحامين للخصومة عن القاصر.
م ـ تبديل التأمينات أو تعديلها.
ن ـ استئجار أموال القاصر أو إيجارها لنفسه أو لزوجه أو لأحد أقاربه أو أصهاره حتى الدرجة الرابعة أو لمن يكون الوصي نائباً عنه.
س ـ ما يصرف في تزويج القاصر.
ع ـ إصلاح عقار القاصر وترميمه وتبديل معالمه أوإنشاء بناء عليه أو هدمه أو غرس أغراس ونحو ذلك، ويتضمن الإذن في هذه الحالة تحديد مدى التصرف وخطة العمل.
ونصت المادة (181) على أن إجراء القسمة بالتراضي مع باقي الشركاء لا ينفذ إلا بتصديق القاضي.
وهذه القيود لا مانع منها شرعاً؛ لأن المقصود منها رعاية مصلحة القاصر والمحافظة على ماله، وهو مايريده الفقهاء.

(10/7341)


خامساًً ـ القاضي ووصيه وتصرفاته: إذا لم يوجد أب ولا جد ولا وصيهما، انتقلت الولاية للقاضي، لما له من الولاية العامة، فله أن يتصرف بنفسه في أموال القاصر بما فيه المصلحة. لكن العمل جرى على أن القاضي لا يشرف بنفسه على أموال الصغار، بل يعين وصياً من قبله يسمى (وصي القاضي) أو (الوصي المعين).
ويتصرف وصي القاضي كما يتصرف الوصي المختار، يتصرف في كل ما كان نافعاً للقاصر، ويعمل على حفظ ماله وتنميته، ويختلف عن الوصي المختار في حالات (1):
1 - ليس لوصي القاضي أن يشتري شيئاً لنفسه من مال القاصر ولا أن يبيع شيئاً. أما الوصي المختار فله ذلك إذا كان في تصرفه منفعة ظاهرة للقاصر، كما تقدم.
2 - وصي القاضي يقبل التخصيص، أما الوصي المختار فلا يقبل التخصيص على رأي أبي حنيفة.
3 - ليس لوصي القاضي أن يبيع مال القاصر لمن لا تقبل شهادته للوصي كأبيه أو ابنه، ولا أن يشتري منه شيئاً للقاصر، أما الوصي المختار فله أن يفعل ذلك.
4 - للقاضي سؤال وصيه عن مقدار التركة، وليس للوصي المختار ذلك.
5 - إذا أوصى وصي القاضي لآخر على تركته، لم يكن وصياً على التركتين، بخلاف الوصي المختار.
_________
(1) شرح قانون الأحوال الشخصية للأستاذ مصطفى السباعي: 62/ 2 ومابعدها.

(10/7342)


ليس لوصي القاضي الموكل بالخصومة في عقار القاصر قبضه إلا بإذن من القاضي، أو بتوكيل سابق فيه. أما الوصي المختار فيملك القبض من غير إذن.
7 - ليس لوصي القاضي إيجار القاصر، أما الوصي المختار فله ذلك.

حكم القانون: لم يفرق القانون المصري والسوري بين الوصي المختار وبين وصي القاضي في كل الحالات. وأخضع تصرفات الوصي لإشراف المحكمة، كما تقدم.
سادساً ـ انتهاء الولاية والوصاية: تنتهي الولاية على المال بزوال سببها وهو الصغر وبلوغه سن الرشد المالي. ويعرف الرشد عن طريق الاختبار والتجربة، فإذا تبين بالتجربة رشده، سلِّمت إليه أمواله وزالت الولاية عنه.
أما القانون المصري والسوري فقد حددا للرشد سناً معينة، وهي (21) سنة في مصر، و (18) سنة في سورية. نصت المادة (18) من قانون الولاية على المال في مصر على أنه تزول الولاية أو الوصاية على الصغير ببلوغه إحدى وعشرين سنة إلا إذا حكمت المحكمة قبل هذه السن باستمرار الولاية.
ونصت المادة (47) على انتهاء الوصاية بأحد الأمور الآتية:
1 - بلوغ القاصر إحدى وعشرين سنة إلا إذا تقرر استمرار الوصاية عليه.
2 - عودة الولاية للولي، وذلك إذا سلبت المحكمة الولاية من الولي وعينت وصياً على القاصر، ثم زال سبب سلب الولاية، فأمرت المحكمة بإعادتها.
3 - عزل القاضي أو قبول استقالته.

(10/7343)


4 - فقد الوصي أهليته، أو ثبوت غيبته أو موته أو موت القاصر، وذلك إذا صدر قرار من المحكمة بذلك إلا في حالة العته أو الجنون، فإنه تسري أحكام القانون المدني.
وعلى الوصي إذا انتهت الوصاية أن يسلم خلال ثلاثين يوماً بعد انتهائها جميع أموال القاصر التي في عهدته.
وحددت المادة (46) من القانون المدني السوري لسنة (1949) سن الرشد بتمام ثماني عشرة سنة شمسية كاملة.
ونصت المادة (189) من قانون الأحوال الشخصية السوري على ما يلي: تنتهي مهمة الوصي في الأحوال التالية:
أـ بموت القاصر.
ب ـ ببلوغه ثماني عشرة سنة إلا إذا قررت المحكمة قبل بلوغه هذه السن استمرار الوصاية عليه، أو بلغها معتوهاً أو مجنوناً.
جـ ـ بعودة الولاية للأب أو للجد.
د ـ بانتهاء العمل الذي أقيم الوصي الخاص لمباشرته أو انقضاء المدة التي حدد بها تعيين الوصي المؤقت.
هـ ـ بقبول استقالته.
وـ بزوال أهليته.
ز ـ بفقده.
ح ـ بعزله.

(10/7344)


ونصت المادة (191) على ما يلي كما هو المقرر في القانون المصري:
1 - على الوصي الذي انتهت وصايته أن يسلم في خلال ثلاثين يوماً من انتهائها الأموال التي في عهدته، ويقدم عنها حساباً مؤيداً بالمستندات إلى من يخلفه، أو إلى القاصر الذي بلغ سن الرشد، أو إلى ورثته إن توفي. وعليه أيضاً أن يقدم صورة عن الحساب إلى المحكمة، وإلى الناظر إن وجد.
2 - إذا توفي الوصي أو حجر عليه أوفقد، فعلى ورثته أو من يمثله تسليم أموال القاصر وتقديم الحساب.
3 - يباشر مدير الأيتام صلاحية الوصي بما يحقق مصلحة القاصر، إلى أن يعين الوصي الخلف للوصي الذي انتهت وصايته لأي سبب كان.

(10/7345)