الفقه
الإسلامي وأدلته للزحيلي الفَصْلُ الثَّاني: حكم تبرّعات المريض مرض
الموت هل تعتبر تبرعات المريض مرض الموت في حكم
الوصية؟ مريض الموت: في رأي الشافعية والحنابلة (1) هو من تحقق فيه
شرطان:
أحدهما ـ أن يتصل بمرضه الموت. فلو صح في مرضه الذي تبرع فيه ثم مات بعد
ذلك، فحكم عطيته حكم عطية الصحيح؛ لأنه ليس بمرض الموت.
الثاني ـ أن يكون مخوفاً، والمرض المخوف: هو ما ألزم صاحبه الفراش، كالجذام
والطاعون والفالج النصفي أو الكلي في انتهائه ولم تطل مدته، والحمى المؤقتة
يوماً أو يومين، وإسهال يوم أو يومين. فهذا حكم صاحبه حكم الصحيح؛ لأنه لا
يخاف منه في العادة.
وقد أوضحت شروط مريض الموت في بحث
النظريات الفقهية في المذاهب الأخرى، وتبين أن الحنفية حددوا مدة مرض الموت
بسنة إذا لم يتزايد، فإن كان يتزايد فهو مرض موت ولو استمر سنين كثيرة.
أما تبرعات مريض الموت: فهي إما منجزة
وإما مضافة لما بعد الموت (2).
_________
(1) المهذب: 453/ 1، المغني: 84/ 6 وما بعدها.
(2) الدر المختار ورد المحتار: 467/ 5، 469، 481، البدائع: 370/ 7، الشرح
الكبير: 444/ 4، بداية المجتهد: 322/ 2، المهذب: 453/ 1، المغني: 71/ 6 -
95.
(10/7574)
1ً
- التبرعات المنجزة: مثل المحاباة (1)
والهبة المقبوضة والصدقة والعتق والوقف والإبراء من الدين والعفو عن
الجناية الموجبة للمال. وحكمها: أنه لا خلاف بين العلماء في أنها إن صدرت
في حال الصحة من غير محجور عليه، فهي من رأس المال.
وإن صدرت في مرض مخوف اتصل به الموت، فهي من ثلث المال في قول الجمهور،
للحديث السابق: «إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم، زيادة لكم في
أعمالكم»، ولأن الظاهر من هذه الحال الموت، فكانت عطيته فيها في حق ورثته
كالوصية، فلا تتجاوز الثلث.
وحكي عن أهل الظاهر في الهبة المقبوضة أنها من رأس المال.
2ً
- أما التبرعات أو العطايا المضافة لما بعد
الموت: فلها حكم الوصية، يتوقف نفاذها على الثلث، أو على إجازة
الورثة إن زادت على الثلث، بالاتفاق، لما روى أحمد عن أبي زيد الأنصاري:
«أن رجلاً أعتق ستة أعبد عند موته، ليس له مال غيرهم، فأقرع بينهم رسول
الله صلّى الله عليه وسلم، فأعتق اثنين، وأرقّ أربعة» (2).
أما القانون المدني المصري (م 916) والسوري (م 877) فقد جعلا التبرعات
المنجزة من المريض مرض الموت في حكم الوصية، بسبب ظهور قصد التبرعات منها،
ولما يحيط بها من دلائل وقرائن أحوال تدل على ذلك، وهذا يكفي لجعل التصرف
القانوني مضافاً إلى ما بعد الموت، وتسري عليه أحكام الوصية من كل وجه.
_________
(1) المحاباة في المرض: هي أن يعاوض بماله، ويسمح لمن عاوضه ببعض عوضه
(المغني: 92/ 6).
(2) رواه أحمد، وأبو داود بمعناه، وقال فيه: «لو شهدته قبل أن يدفن، لم
يدفن في مقابر المسلمين» وأخرجه أيضاً النسائي، ورجال إسناده رجال الصحيح
(نيل الأوطار: 41/ 6 ومابعدها).
(10/7575)
|