الفقه
الإسلامي وأدلته للزحيلي الفَصْلُ الثّالث: الوصاية
المبحث الأول ـ أنواع الأوصياء (1):
الوصي في الجملة أنواع ثلاثة: وصي الخليفة، ووصي القاضي، والوصي المختار.
أما وصي الخليفة: فهو من يوصي له الخليفة بالبيعة إذا كان صالحاً للخلافة.
ويجوز الاستخلاف شرعاً، قال في المهذب (2): من تثبت له الخلافة على الأمة،
جاز له أن يوصي بها إلى من يصلح لها؛ لأن أبا بكر رضي الله عنه وصى إلى
عمر، ووصى عمر رضي الله عنه إلى أهل الشورى رضي الله عنهم، ورضيت الصحابة
رضي الله عنهم بذلك.
يفهم منه أنه لا بد من بيعة الوصي من قبل الأمة.
وأما وصي القاضي أو الحاكم: فهو الذي يعينه القاضي للإشراف على شؤون
القصَّر المالية.
وأما الوصي المختار: فهو الذي يختاره الشخص في حياته قبل موته للنظر في
تدبير شؤون القاصر المالية. والاسم الوصاية. ويلاحظ أن قبول الوصاية للقوي
_________
(1) الكلام عن الأوصياء يناسب عنوان هذا الباب وهو الوصايا.
(2) 449/ 1، وانظر أيضاً غاية المنتهى: 379/ 2.
(10/7576)
عليها قربة؛ لأنه تعاون على البر والتقوى،
ولقوله تعالى: {ويسألونك عن اليتامى، قل إصلاح لهم خير} [البقرة:220/ 2].
وقال الحنفية والحنابلة: وترك ذلك أولى لمافيه من الخطر.
والكلام هنا في أحكام الوصي المختار وشروطه فيما يمس شؤون القاصرين، وهو
المأمور بالتصرف بعد الموت، ويُعنون له عادة في كتب الفقه بالموصى إليه.
وقد بحثت في الحجر أهم أحكامه.
المبحث الثاني ـ أركان الوصاية:
الوصاية لها جوانب أو أركان أربعة بتعبير غير الحنفية: هي موص، ووصي، وموصى
فيه، وصيغة. وسأذكر بالترتيب أحكام هذه الأركان (1).
1 - الموصي: تنفذ الوصية بالاتفاق من كل
حر مكلف (بالغ عاقل) مختار. ويصح في رأي الشافعية إيصاء السكران، وكذا
يشترط كون الموصي رشيداً، فالأب المحجور عليه لا وصية له على ولده بسبب
الصغر أو السفه. ويصح عند المالكية والحنابلةإيصاء المميز.
ويشترط عند الشافعية في الموصي أيضاً في أمر الأ طفال: أن تكون له ولاية
عليهم من جهة الشرع، وهو الأب والجد وإن علا، فلا يصح الإيصاء عليهم من
الأخ والعم والوصي والقيم، وكذا الأم على المذهب. ولا يجوز للأب على الصحيح
نصب وصي على الأطفال ونحوهم، والجد حي حاضر، بصفة الولاية عليهم؛ لأن
ولايته ثابتة شرعاً، فليس له نقل الولاية عنه، كولاية التزويج.
_________
(1) الدر المختار: 494/ 5 - 513، الشرح الصغير: 604/ 4 - 612، الشرح
الكبير: 452/ 4 وما بعدها، مغني المحتاج: 74/ 3 - 78، المهذب: 463/ 1 -
464، كشاف القناع: 436/ 4 - 445، غاية المنتهى: 378/ 2 وما بعدها، الهداية
مع تكملة فتح القدير: 49/ 8 - 503.
(10/7577)
وقال الشافعية والحنابلة: ليس للوصي إيصاء
لغيره إلا أن يؤذن له فيه، فإن أذن له به، جاز له في الأظهر عند الشافعية.
وأجاز المالكية للأم الإيصاء على أولادها بشروط: هي أن يكون المال قليلاً
قلة نسبية كستين ديناراً، وأن يورث المال عنها بأن كان المال لها وماتت،
وألا يكون للموصى عليه ولي من أب أو وصي أب أو وصي قاضٍ. فإن كثر المال،
فليس لها الإيصاء، ولو كان المال للولد من غير الأم كأبيه أو من هبة، فليس
لها الإيصاء، بل ترفع الأمر للحاكم. وإن كان للولد ولي آخر من أب أو وصي،
فلا وصية لها على أولادها.
2 - الوصي: شرط الوصي تكليف (بلوغ وعقل)
وحرية، وعدالة ولو ظاهرة، وخبرة بشؤون التصرف في الموصى به (وهو الرشد
المالي) وأمانة وإسلام.
فلا يصح الإيصاء إلى صبي ومجنون؛ لأنه في ولاية الغير، فكيف يلي أمر غيره.
ولا إلى عبد ولو بإذن سيده عند الحنفية والشافعية، لأن الرقيق لا يتصرف في
مال أبيه، فكيف يصلح وصياً لغيره، وأجاز المالكية والحنابلة وصاية العبد
بإذن سيده، لأنه أهل للرعاية على المال، لقوله صلّى الله عليه وسلم:
«والخادم راع في مال سيده، وهو مسؤول عنه» (1).
ولا إلى فاسق أو خائن؛ لأن الوصاية، ولاية وائتمان. وإذا كان الوصي عدلاً،
ثم طرأ عليه الفسق، فإنه يعزل، فإن تصرف فتصرفه مردود.
_________
(1) أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي عن ابن عمر.
(10/7578)
ولا يصح إلى غير رشيد لا يهتدي إلى التصرف
الحسن في الموصى به لسفه أو مرض أو هرم أو تغفل، إذ لا مصلحة في تولية
أمثال هؤلاء.
ولا يصح إلى غير أمين، فلو ثبتت خيانته وجب عزله عن الوصية، ولا إلى كافر
من مسلم، إذ لا ولاية لكافر على مسلم، ولأنه متهم، قال تعالى: {ولن يجعل
الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً} [النساء:141/ 4] وقال سبحانه: {يا أيها
الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم، لا يألونكم خبالاً، ودوا ما عنتم}
[آل عمران:118/ 3].
لكن تجوز وصية الذمي إلى ذمي أو إلى مسلم فيما يتعلق بأولاد الكفار، بشرط
كون الذمي عدلاً في دينه، كما يجوز أن يكون ولياً لهم، وكذلك بشرط كون
المسلم عدلاً.
وإذا كان العدل ضعيفاً أو عاجزاً يضم إليه قوي أمين.
ولم يشترط الحنابلة لصحة الإيصاء القدرة على العمل، فيصح الإيصاء إلى ضعيف.
وأجاز الحنابلة وصية المنتظر: وهو من تنتظر أهليته بأن يجعله وصياً بعد
بلوغه، أو بعد حضوره من غيبته ونحوه كالإفاقة من الجنون وزوال الفسق
والسفه، والإسلام.
ولا تشترط الذكورة ولا البصر، فيصح كون المرأة وصياً؛ لأنها من أهل
الشهادة، ولأن سيدنا عمر رضي الله عنه أوصى إلى ابنته حفصة رضي الله عنها
(1)، وأم الأطفال أولى من غيرها من النساء، عند توافر الشروط السابقة،
_________
(1) رواه أبو داود.
(10/7579)
لوفور شفقتها. ويصح كون الأعمى وصياً، لأنه
من أهل الشهادة، فجازت الوصية إليه كالبصير، ولأنه متمكن من التوكيل لغيره
فيما لا يتمكن من مباشرته بنفسه.
تعدد الأوصياء: يجوز تعدد الأوصياء،
فيمكن أن يوصى لاثنين بلفظ واحد، مثل جعلتكما وصيين، أو بلفظين في زمن
أوزمنين، لما روي أن فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم جعلت النظر
في وقفها إلى علي كرم الله وجهه، فإن حدث به حدث رفعه إلى ابنيها،
فيليانها.
وليس لأحدهما الانفراد بالتصرف، سواء أكان التعيين بعقد واحد أم بعقدين في
رأي الحنفية والمالكية (1) إلا بتصريح الموصي بجواز الانفراد، وإلا عند
الحنفيةإذا أجاز أحدهما تصرف صاحبه، وعليهما التعاون في التصرفات، فلا
يستقل أحدهما ببيع أو اشتراء أو نكاح أو غيرها إلا بتوكيل. فإن مات أحدهما
أو اختلفا في أمر كبيع أوشراء أو تزويج نظر الحاكم عند المالكية فيما فيه
الأصلح من استقلال الحي في الوصاية أو جعل غيره معه، أو رد فعل أحدهما حال
الاختلاف أو إمضائه. وليس لأحد الوصيين إيصاء لغيره في حياته بلا إذن من
صاحبه، فإن أذن له جاز. وليس لهما قَسْم المال الذي أوصاهما عليه. وقال
الحنفية: إن أوصى الموصي في حال الموت أوالجنون أو ما يوجب العزل إلى آخر
أو إلى الحي من الوصيين عمل بإيصائه، وإن لم يوص ضم القاضي إليه غيره.
وكذلك قرر الشافعي والحنابلة (2): ليس لأحد الوصيين الانفراد بالتصرف إلا
بتصريح الموصي بالانفراد؛ لأن الموصي لم يرض إلا بتصرفهما، وانفراد
_________
(1) الدر المختار ورد المحتار: 496/ 5 - 499، الشرح الصغير: 608/ 4.
(2) المهذب: 463/ 1، كشاف القناع: 438/ 4 وما بعدها، مغني المحتاج: 77/ 3
ومابعدها.
(10/7580)
أحدهما يخالف ذلك. فإن أجاز الموصي لأحدهما
الانفراد بالتصرف جاز، لرضا الموصي به، فإن ضعف أحدهما أو فسق أو مات، في
حال رضا الموصي بالانفراد، جاز للآخر أن يتصرف، ولا يقام مقام الآخر غيره؛
لأن الموصي رضي بنظر كل واحد منهما وحده.
أما في حال الإيصاء لهما فإن ضعف أحدهما ضم إليه من يعينه، وإن فسق أحدهما
أو مات، أقام الحاكم من يقوم مقامه؛ لأن الموصي لم يرض بنظر أحدهما
منفرداً، ولا يجوز للحاكم أن يفوض جميع التصرف إلى الثاني؛ لأن الموصي لم
يرض باجتهاده وحده، فهم في ذلك كالحنفية.
وهذا في الوصايا غير المعينة، أما رد الأعيان المستحقة كالمغصوبات والودائع
والأعيان الموصى بها وقضاء دين يوجد جنسه في التركة، فلأحد الوصيين
الاستقلال به.
واستثنى الحنفية من مبدأ بطلان انفراد أحد الوصيين عشر حالات للضرورة؛ هي
شراء كفن الموصي، وتجهيزه، والخصومة في حقوقه؛ لأنهما لا يجتمعان عليه
عادة، ولو اجتمعا لم يتكلم إلا أحدهما غالباً.
وشراء حاجة الطفل مما لا بد منه كالطعام والكسوة؛ لأن في تأخيره لحوق ضرر
به.
وقبول الهبة للطفل؛ لأن في تأخيره خشية الفوات.
وإعتاق عبد معين، لعدم الاحتياج فيه إلى الرأي، بخلاف إعتاق ما ليس بمعين،
فإنه محتاج إليه.
ورد وديعة وتنفيذ وصية معينتين، إذ لا حاجة إلى التشاور.
(10/7581)
وبيع ما يخاف تلفه، وجمع أموال ضائعة.
وزاد بعض الحنفية سبعة أخرى: وهي رد المغصوب، والمشترى شراء فاسداً، وقسمة
كيلي أو وزني مع شريك الموصي، وطلب دين، وقضاء دين بجنس حقه، وحفظ مال
اليتيم؛ إذ كل من وقع في يده وجب عليه حفظه، ورد ثمن المبيع ببيع من
الموصي، وإجارة نفس اليتيم في أعمال حرة.
واتفق الحنفية والشافعية على أنه إذا اختلف الوصيان في حفظ المال، فإنه
يقسم بينهما نصفين إن كان قابلاً للقسمة، وإلا فيتهايآن زماناً أو يودعانه
عند آخر؛ لأن لهما ولاية الإيداع.
وقال الحنابلة: لا يقسم المال بينهما؛ لأنهما شريكان في الحفظ الملازم
للشركة في التصرف، وإنما يجعل المال في مكان تحت أيديهما، فإن تعذر ذلك
ختما عليه، ودفع إلى أمين القاضي.
3 - الموصى فيه:
لا يصح الإيصاء إلا في تصرف معلوم يملك الموصي فعله، ليعلم الوصي ما أوصي
به إليه، ليحفظه ويتصرف فيه؛ ولأن الإيصاء كالوكالة، والوصي يتصرف بالإذن،
فلم يجز إلا في معلوم يملكه الموصي، مثل الإيصاء في قضاء الدين، وتوزيع
الوصية والنظر في أمر غير رشيد من طفل ومجنون وسفيه، ورد الودائع إلى
أهلها، واستردادها ممن هي عنده، ورد مغصوب، وإيصاء إمام بخلافة، وإقامة حد
قذف، وهذا الأخير عند الحنابلة والشافعية (1)، ويستوفيه الوصي للموصي نفسه،
لا إلى الموصى إليه.
_________
(1) كشاف القناع: 441/ 4، مغني المحتاج: 75/ 3 - 77.
(10/7582)
ويصح عند الحنابلة الإيصاء بتزويج بنت ولو
صغيرة دون تسع، ولوصي الأب إجبارها إذا كانت بكراً، أو ثيباً دون تسع،
كالأب؛ لأنه نائبه كوكيله. ولا يصح عند الشافعية الإيصاء بتزويج طفل وبنت
مع وجود الجد؛ لأن الصغير والصغيرة لا يزوجهما غير الأب والجد، ولحديث:
«السلطان ولي من لا ولي له» (1) لكن إن بلغ الصبي، واستمر نظر الوصي عليه
لسفه، اعتبر إذنه في نكاحه.
ومتى خصّ وصايته بحفظ أو نحوه أو عمَّ اتبع قوله، وإن أطلق الإيصاء في أمر
الأطفال، ولم يذكر التصرف، كان له التصرف في المال وحفظه اعتماداً على
العرف.
4 - الصيغة:
تنعقد الوصاية بالإيجاب والقبول بالاتفاق، كأن يقول الموصي: أوصيت إليك أو
فوضت إليك ونحوهما، كأقمتك مقامي في أمر أولادي بعد موتي، أوجعلتك وصياً.
وتكفي إشارة الأخرس وكتابته، ومثله عند الشافعية الناطق معتقل اللسان؛ بأن
أشار بالوصية برأسه أو بقوله: نعم بعد قراءة كتاب الوصية عليه؛ لأنه عاجز
كالأخرس.
ويشترط في الإيصاء القبول؛ لأنه عقد تصرف، فأشبه الوكالة، ويكون القبول على
التراخي في الأصح عند الشافعية (2)، وهو موافق لمذهب الحنفية.
_________
(1) أخرجه أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجه عن عائشة (نيل الأوطار: 118/
6).
(2) مغني المحتاج: 77/ 3.
(10/7583)
وذكر الحنفية (1): أن الوصي إذا رد الوصاية
بعلم الموصي صح الرد، فإن لم يعلم لا يصح الرد بغيبته، لئلا يصير مغروراً
من جهته. وإن سكت الموصى إليه، فمات الموصي فله الرد والقبول، إذ لا تغرير
هنا. وإن سكت الموصى إليه ثم رد بعد موت الموصي، ثم قبل، صح الإيصاء، إلا
إذا نفذ قاض رده، فلا يصح قبوله بعدئذ. ويلزم عقد الوصية ببيع شيء من
التركة وإن جهل الشخص كونه وصياً، فإن علم الوصي بالوصاية ليس بشرط في صحة
تصرفه.
ويصح عند الحنفية والحنابلة قبول الوصي الإيصاء إليه في حياة الموصي؛ لأنه
إذن في التصرف، فصح قبوله بعد العقد كالوكالة. بخلاف الوصية بالمال، فإنها
تمليك في وقت، فلم يصح القبول قبله. ويصح القبول أيضاً بعد موت الموصي؛
لأنها نوع وصية، فيصح قبولها حينئذ كوصية المال، ومتى قبل صار وصياً. ويقوم
فعل التصرف مقام اللفظ، كما في الوكالة، بالاتفاق، ولا يشترط القبول لفظاً.
ولا يصح في الأصح عند الشافعية قبول الوصي ورده في حياة الموصي؛ لأنه لم
يدخل وقت التصرف كالوصية له بالمال، فلو قبل في حياته، ثم رد بعد وفاته
لفات العقد، أما لو رد في حياته ثم قبل بعد وفاته صح العقد.
ويجوز في الإيصاء التوقيت والتعليق (2)، مثال الأول: أوصيت إليك سنة أو إلى
بلوغ ابني أو إلى قدوم زيد. ومثال الثاني: إذا مت فقد أوصيت إليك؛ لأن
الوصاية تحتمل الجهالات والأخطار، فكذا التوقيت والتعليق، ولأن الإيصاء
كالإمارة، وقد أمَّر النبي صلّى الله عليه وسلم زيد بن حارثة على سرية في
غزوة مؤتة، وقال: «إن أصيب زيد، فجعفر، وإن أصيب جعفر، فعبد الله بن رواحة»
(3).
_________
(1) الدر المختار: 495/ 5.
(2) مغني المحتاج: 77/ 3.
(3) رواه البخاري.
(10/7584)
المبحث الثالث ـ
أحكام تصرفات الوصي:
1) ـ البيع والشراء:
قال الحنفية (1): يصح بيع الوصي وشراؤه من أجنبي بما يتغابن فيه الناس
عادة، وهو الغبن اليسير؛ لأنه لا يمكن التحرز عنه، لا بما لا يتغابن فيه
عادة وهو الغبن الفاحش (2)؛ لأن ولايته مقيدة بالمصلحة، فليس للوصي بيع شيء
من مال اليتيم بغبن فاحش، ويصح له البيع بالغبن اليسير.
وإن باع الوصي، أو اشترى مال اليتيم لنفسه: فإن كان وصي القاضي لا يجوز
مطلقاً؛ لأنه وكيله. وإن كان وصي الأب، جاز عند أبي حنيفة بشرط توافر منفعة
ظاهرة للصغير: وهي قدر النصف زيادة أو نقصاً. ولم يجز مطلقاً عند الصاحبين.
ويجوز للأب بيع مال صغير من نفسه بمثل القيمة، وبما يتغابن فيه عادة، وهو
الغبن اليسير، وإلا فلا يجوز.
وهذا كله في المنقول. ويجوز للوصي البيع على الكبير الغائب في غير العقار،
ويجوز له مطلقاً بيع العقار لوفاء دين، أو لخوف هلاك العقار. فإن كان
الموصى عليه الكبير حاضراً، فليس للوصي التصرف في التركة أصلاً، إلا إذا
كان على الميت دين، أو أوصى بوصية، ولم تقض الورثة الديون، ولم ينفذوا
الوصية من مالهم، فإنه يبيع التركة كلها إن كان الدين محيطاً بها، وبمقدار
الدين إن لم يحط بها، وله بيع ما زاد على الدين أيضاً عند أبي حنيفة خلافاً
للصاحبين،
_________
(1) الدر المختار: 500/ 5 - 503، 512 - 513.
(2) الصحيح في تفسير الغبن الفاحش عند الحنفية: أنه مالا يدخل تحت تقويم
المقومين.
(10/7585)
وبقولهما يفتى. وينفِّذ الوصية بمقدار
الثلث، ولو باع لتنفيذها شيئاً من التركة جاز بمقدارها باتفاق الحنفية.
ويجوز للوصي بيع عقار صغير من أجنبي، لا من نفسه، بضعف قيمته، أو لنفقة
الصغير، أو أداء دين الميت، أو لتنفيذ وصية مرسلة (1) لانفاذ لها إلا منه،
أو لكون غلاته لا تزيد على مؤنته (تكاليفه) أو لخوف خرابه، أو نقصانه، أو
كونه في يد متغلب، كأن استرده منه الوصي، ولا بينة له، وخاف أن يأخذه
المتغلب منه بعدئذ، تمسكاً بما كان له من اليد، فللوصي بيعه، وإن لم يكن
لليتيم حاجة إلى ثمنه.
هذا إذا كان الوصي لا من قبل أم أو أخ ونحوهما من الأقارب غير الأب والجد
والقاضي، فإن المعين من قبل أم أوأخ ونحوهما لا يملك بيع العقار مطلقاً،
ولا شراء غير طعام وكسوة.
أما الأب المحمود عند الناس أو مستور الحال، فله في الأصح بيع عقار ولده
الصغير بدون المسوغات المذكورة، لتوافر الشفقة الكاملة عنده على ولده.
وللأب أو الجد بيع مال الصغير من الأجنبي بمثل قيمته إذا لم يكن فاسد
الرأي. فإن كان فاسد الرأي، لم يجز بيعه العقار؛ وللصغير نقض البيع بعد
بلوغه، إلا إذا باعه بضعف القيمة. وكذلك لا يجوز له في الرواية المفتى بها
بيع المنقول إلا بضعف القيمة.
ويملك الأب والجد بيع مال أحد طفليه للآخر، ولا يجوز ذلك للوصي.
وليس للوصي أن يتجر في مال اليتيم لنفسه، فإن فعل تصدق بالربح في رأي
_________
(1) الوصية المرسلة: هي التي لم تقيد بنسبة كثلث أو ربع مثلاً، كما إذا
أوصى بمئة مثلاً.
(10/7586)
أبي حنيفة ومحمد، ويجوز له أن يتجر في مال
اليتيم لليتيم، ولا يجبر على تنمية مال اليتيم.
وأجاز الجمهور غير الحنفية للوصي التصرف في مال الصغير بحسب المصلحة للصغير
أو للحاجة.
أما الموصى عليه الكبير فقال المالكية (1): ليس لوصي الميت في حال الحضر أن
يبيع التركة أوشيئاً منها لقضاء دين أو تنفيذ وصية إلا بحضرة الكبير (2)
الموصى عليه، إذ لا تصرف للوصي في مال الكبير، فإن غاب الكبير أوأبى من
البيع نظر الحاكم في شأن البيع، فإما أن يأمر الوصي بالبيع أو يأمر من يبيع
معه للغائب، أو يقسم ما ينقسم. فإن لم يرفع الأمر للحاكم، وباع الوصي رد
بيعه إن كان المبيع قائماً، فإن فات بيد المشتري بهبة أو صبغ ثوب، أو نسج
غزل، أو أكل طعام، وكان قد أصاب وجه البيع، فالمستحسن إمضاء البيع.
أما في حال السفر، فلو مات شخص فلوصيه بيع متاعه. وعروضه؛ لأنه يثقل حمله.
وقال الحنابلة (3): إن دعت الحاجة لبيع بعض العقار، لحاجة صغار، وفي بيع
بعضه ضرر، مثل أن ينقص الثمن على الصغار، باع الوصي العقار كله على الصغار،
وعلى الكبار إن أبوا البيع، أو كانوا غائبين؛ لأن الوصي قائم مقام الأب،
وللأب بيع الكل، فالوصي كذلك، ولأنه وصي يملك بيع البعض، فملك بيع الكل،
كما لو كان الكل صغاراً، أو الدين مستغرقاً، ولأن الدين متعلق بكل جزء من
التركة.
_________
(1) الشرح الكبير: 453/ 4، الشرح الصغير: 607/ 4.
(2) المراد بالكبير: البالغ.
(3) كشاف القناع: 444/ 4، غاية المنتهى: 381/ 2.
(10/7587)
2) ـ التوكيل
والإيصاء للغير:
أجاز الحنفية والمالكية (1) إيصاء الوصي لغيره، ووصي الوصي سواء أوصي إليه
في مال الوصي أو في مال موصيه، هو وصي في التركتين.
ولم يجز الشافعية والحنابلة (2) للوصي الإيصاء لغيره إلا بإذن الموصي؛ لأن
الوصي يتصرف بالإذن، فلم يملك الوصية، كالوكيل.
وكذلك لا يجوز عند هذا الفريق الثاني للوصي توكيل غيره إلا فيما لم تجر به
العادة أن يتولاه بنفسه، كما هو الشأن في الوكيل، كأن كان ما عهد إليه
بالوصية فيه كثير الجوانب، متعدد الجهات، بحيث يحتاج الوصي إلى من يعينه
على أدائه، وكذلك لو كان العمل شاقاً لا يقدر مثله على القيام به، ويحتاج
إلى شخص قوي يؤديه، أو كان العمل يفتقر إلى مهارة كالهندسة ونحوها، فيجوز
له توكيل غيره ممن يقوم بمثل هذه الأمور (3).
3) ـ المضاربة بمال الموصى عليه، واقتضاء
الدين، والإنفاق بالمعروف والختان، وإخراج زكاة الفطر، وضمان القرض:
قال المالكية (4): للوصي دفع مال الموصى عليه للغير يعمل فيه قراضاً
(مضاربة) بجزء من الربح، أو إبضاعاً: أي بدفع دراهم لمن يشتري بها سلعة،
كمتاع من بلد المنشأ من غير ربح، لاشتماله على نفع للصبي، وللوصي ألا يدفع؛
إذ لا يجب عليه تنمية مال اليتيم، كما تبين عند الحنفية في الاتجار.
_________
(1) الدر المختار ورد المحتار: 499/ 5، الشرح الصغير: 611/ 4.
(2) كشاف القناع: 440/ 4، المهذب: 464/ 1، غاية المنتهى: 379/ 2.
(3) المهذب: 464/ 1، تكملة المجموع: 152/ 15.
(4) الشرح الصغير: 609/ 4 - 610.
(10/7588)
وللوصي اقتضاء الدين ممن هو عليه، بل يجب
عليه ذلك.
وللوصي تأخير الدين إذا كان حالاً لمصلحة في التأخير.
وللوصي الإنفاق على الطفل الذي في وصايته بالمعروف، بحسب حال الطفل والمال
من قلة أو كثرة، وله الإنفاق عليه في ختانه وعُرْسه. وله دفع نفقة لموصى
عليه، إن قلَّت مما لا يخاف عليه إتلافه، كجمعة أو شهر، فإن خاف إتلافه دفع
له مياومة أي يوماً فيوماً. وهذا متفق عليه. وأضاف الحنفية: وللوصي الإنفاق
على اليتيم في تعلم القرآن والأدب إن تأهل لذلك، وإلا فلينفق عليه بقدر ما
يتعلم القراءة الواجبة في الصلاة.
وللوصي إخراج زكاة فطر الموصى عليه عنه وعمن تلزمه نفقته من مال اليتيم
كأمه الفقيرة. وله إخراج زكاته من حرث وماشية ونقد وعروض تجارية.
وقال الحنفية (1): لا يملك الوصي ومثله الأب إقراض مال اليتيم، فإن أقرض
ضمن، ويملك القاضي ذلك. ولو أخذ الوصي المال قرضاَ لنفسه، لا يجوز ويكون
ديناً عليه.
4) ـ القسمة عن الموصى له:
قال الحنفية (2): تصح قسمة الوصي حال كونه نائباً عن ورثة كبار غيَّب أو
صغار، مع الموصى له بالثلث، ولا رجوع للورثة على الموصى له إن ضاع قسطهم مع
الوصي، لصحة قسمته حينئذ.
وأما قسمته عن الموصى له الغائب، أو الحاضر بلا إذنه، مع الورثة ولو
_________
(1) الدر المختار ورد المحتار: 503/ 5.
(2) المرجع السابق: ص 499 وما بعدها، 512.
(10/7589)
صغاراً فلا تصح، وحينئذ فيرجع الموصى له
بثلث ما بقي من المال إذا ضاع قسطه؛ لأنه كالشريك مع الوصي، ولا يضمن
الوصي؛ لأنه أمين.
وصح قسمة القاضي، وأخذه قسط الموصى له، إن غاب الموصى له، وهذا في المكيل
والموزون؛ لأن القسمة فيهما إفراز. أما في غيرهما فلا تجوز القسمة لأنها
مبادلة كالبيع، وبيع مال الغير لا يجوز، فكذا القسمة.
ويملك الأب لا الجد قسمة مال مشترك بينه وبين الصغير، بخلاف الوصي.
وقال المالكية (1) كالحنفية: لا يقسم الوصي على غائب من الورثة، بلا حاكم،
فإن قسم بدون حاكم نقضت القسمة، والمشترون للتركة أو بعضها التي باعها
الوصي من غير حضور الكبير أو وكيله، ومن غير رفع الأمر للحاكم، العالمون
بالأمر، حكمهم حكم الغاصب لا غلة لهم، ويضمنون ما يتلف حتى بسبب سماوي.
وكذلك قال الحنابلة (2): مقاسمة الوصي للموصى له نافذة على الورثة؛ لأنه
نائب عنهم، ففعله كفعلهم، ومقاسمة الوصي للورثة على الموصى له لا تنفذ؛
لأنه ليس نائباً عنه، كتصرف الفضولي.
5) ـ إقرار الوصي بدين على الميت، وهل الوصي
أولى بالولاية أو الجد؟ قال الحنفية (3): لا يجوز للوصي الإقرار
بدين على الميت، ولا بشيء من تركته أنه لفلان؛ لأنه إقرار على الغير إلا أن
يكون المقر وارثاً، فيصح في حصته.
ولو أقر الوصي بعين لآخر، ثم ادعى أنه للصغير لا يسمع إقراره.
_________
(1) الشرح الصغير: 607/ 4، الشرح الكبير: 453/ 4.
(2) كشاف القناع: 441/ 4.
(3) الدر المختار: 504/ 5.
(10/7590)
ووصي الأب أحق عند الحنفية بمال الطفل من
جده، فإن لم يكن للأب وصي، فالجد، ويكون ترتيب الولاية في مال الصغير على
النحو التالي: للأب ثم وصيه، ثم وصي وصيه ولو بعُد، فلو مات الأب ولم يوص
فالولاية لأبي الأب ثم وصيه، ثم وصي وصيه، فإن لم يكن فللقاضي ومنصوبه. وقد
سبق بيان ترتيب الأولياء عند غير الحنفية.
6) ـ دفع المال للمحجور وترشيد المحجور:
قال الحنفية (1): لو دفع الوصي المال إلى اليتيم قبل ظهور رشده (2) بعد
البلوغ والإدراك، فضاع المال، ضمن الوصي عند الصاحبين؛ لأنه دفعه إلى من
ليس له أن يدفع إليه. وظهور الرشد يكون بالبينة. أما إذا ظهر رشده ولو قبل
الإدراك، فدفع إليه فلا يضمن.
وقال أبو حنيفة بعدم الضمان إذا دفعه إليه بعد خمس وعشرين سنة؛ لأن له
حينئذ ولاية الدفع إليه.
وكذلك قال المالكية (3): مثل الصاحبين: لا يقبل قول الوصي في الدفع لمال
المحجور بعد الرشد إلا ببينة، ولو طال الزمن بعد الرشد، قال تعالى: {فإذا
دفعتم إليهم أموالهم، فأشهدوا عليهم، وكفى بالله حسيباً} [النساء:6/ 4].
وقال الحنفية: الأصل أن كل شيء كان الوصي مسلطاً عليه، فإنه يصدق فيه،
ومالا فلا، فيقبل قول الوصي فيما يدعيه من الإنفاق بلا بينة إلا في مسائل
أهمها ما يأتي:
_________
(1) المرجع السابق: ص 501.
(2) الرشد: هو كونه مصلحاً في ماله.
(3) الشرح الصغير: 612/ 4.
(10/7591)
إذا ادعى قضاء دين الميت من ماله بعد بيع
التركة، قبل قبض ثمنها. أو أن اليتيم استهلك في صغره مال شخص آخر، فدفع
ضمانه، أو أذن له بتجارة، فلحقته ديون، فقضاها عنه، أو ادعى أداء خراج أرضه
وكان ادعاؤه في وقت الادعاء أي يوم الخصومة لا يصلح للزراعة، أوأنفق على
محرمه الذي مات.
أو أنفق على اليتيم في ذمته، أو من مال نفسه حال غيبة ماله، وأراد الرجوع.
أو أنه زوَّج اليتيم امرأة، ودفع مهرها من ماله، وهي الآن ميتة، ولم يقر
اليتيم بالزواج. فإن أقر اليتيم بالتزويج، فللوصي الرجوع بالمهر، سواء
أكانت المرأة حية أم ميتة.
أو اتجر الوصي وربح، ثم ادعى أنه كان مضارباً.
ففي هذه الأحوال يكون القول لليتيم، والوصي ضامن، إلا أن يبرهن بالبينة.
ويرى الحنابلة (1): أن الوصي لا يقبل قوله إلا ببينة كمدعي الدين، إلا في
حال الضرورة كنفقات التجهيز والتكفين في السفر.
7) ـ شهادة الأوصياء:
قال أبو حنيفة (2): تبطل شهادة الوصيين لوارث صغير بمال مطلقاً (3)،
_________
(1) كشاف القناع: 441/ 4.
(2) الدر المختار: 505/ 5، الهداية مع تكملة الفتح: 503/ 8.
(3) أي سواء انتقل إليه من الميت أم لا؛ لأن التصرف في مال الصغير للوصي،
سواء أكان من التركة أم لا.
(10/7592)
ولوارث كبير بمال الميت، وتصح شهادتهما
بغير مال الميت لانقطاع ولايتهما عنه، فلا تهمة حينئذ؛ لأن الميت أقام
الوصي مقام نفسه في تركته لا في غيرها.
أما بطلان الشهادة للوارث الصغير، فلأن للوصي ولاية التصرف في ماله، فتكون
شهادة الوصيين مظهرة ولاية التصرف لأنفسهما في المشهود به، وأما بطلان
الشهادة للوارث الكبير، فلأن للوصي ولاية الحفظ وولاية بيع المنقول عند
غيبة الوارث، فتحققت التهمة. وهذا هو الراجح لدى الحنفية.
وقال الصاحبان: إن شهد الوصيان لوارث كبير، جازت الشهادة في الوجهين، أي
سواء بمال الميت أو بغير مال الميت؛ لأنه لا يثبت لهما ولاية التصرف في
التركة إذا كانت الورثة كباراً، فعريت الشهادة عن التهمة.
8) ـ رجوع الوصي على مال اليتيم:
قال الحنفية (1): يرجع الوصي في مال الطفل إذا باع ما أصابه من التركة،
وهلك ثمنه معه، فاستحق المال المبيع، ثم يرجع الطفل على الورثة بحصته،
لانتقاض القسمة باستحقاق ما أصابه.
9) ـ فض النزاع بين الوصي والموصى عليه:
الوصي أمين في رأي جمهور الفقهاء (2)، فلا يضمن هلاك مال الموصى عليه،
ويقبل قوله بيمينه إذا بلغ الصبي واختلف هو والوصي في النفقة أو مقدارها.
_________
(1) الدر المختار: 500/ 5.
(2) الدر المختار: 500/ 5، 508، الشرح الصغير: 611/ 4، المهذب: 464/ 1،
مغني المحتاج: 78/ 3.
(10/7593)
وبناء عليه قال الشافعية: فلو قال الوصي:
أنفقت عليك، وقال الصبي: لم تنفق علي، فالقول قول الوصي؛ لأنه أمين، وتتعذر
عليه إقامة البينة على النفقة.
وإن اختلفا في قدر النفقة، فقال الوصي: أنفقت عليك في كل سنة مائة دينار،
وقال الصبي: بل أنفقت علي خمسين ديناراً، فإن كان ما يدعيه الوصي من النفقة
بالمعروف، فالقول قوله؛ لأنه أمين، وإن كان أكثر من النفقة بالمعروف، فعليه
الضمان؛ لأنه فرط في الزيادة.
وإن اختلفا في المدة: فقال الوصي: أنفقت عشر سنين، وقال الصبي: خمس سنين،
ففيه وجهان، قال أكثر الشافعية: إن القول قول الصبي؛ لأنه اختلاف في مدة،
الأصل عدمها. وقال الاصطخري: إن القول قول الوصي، كما لو اختلفا في قدر
النفقة.
وإن اختلفا في دفع المال إلى الولد بعد البلوغ والرشد، صدق الولد بيمينه
على الصحيح، لمفهوم آية: {فأشهدوا عليهم} [النساء:6/ 4].
10) ـ جُعْل الوصي وانتفاعه بمال الموصى عليه: قال الحنفية (1): الصحيح أنه
لا أجر لوصي الميت، لكن له استحساناً الأكل من مال اليتيم إذا كان محتاجاً
لما يأتي، وإذا امتنع عن القيام بالوصية إلا بأجر لا يجبر على العمل؛ لأنه
متبرع، ولا جبر على المتبرع. فإذا رأي القاضي أن يجعل له أجرة المثل فلا
مانع منه.
وله الأكل من مال اليتيم وركوب دوابه بقدر الحاجة، لقوله تعالى: {ومن كان
فقيراً، فليأكل بالمعروف} [النساء:6/ 4].
_________
(1) الدر المختار ورد المحتار: 503/ 5 وما بعدها، 512.
(10/7594)
أما وصي القاضي فإن نصبه بأجر مثله، جاز.
وذكر الحنابلة (1) أنه يجوز أن يجعل الموصي أو الحاكم للوصي جُعْلاً
معلوماً كالوكالة.
11) ـ عزل الوصي:
اتفق الفقهاء على أن الوصي ينعزل بالحالات التالية (2):
أولاً ـ بإرادة الموصي أو الوصي أو القاضي: للموصي عزل الوصي متى شاء،
وللوصي عزل نفسه في حياة الموصي وبعد موته، كالوكالة؛ لأن العقد غير لازم،
وينعزل الوصي بعزل الموصي وإن لم يبلغه العزل بخلاف الوكيل عند أبي حنيفة.
وينعزل أيضاً بعزل القاضي وإن جار القاضي في العزل، ولكنه يأثم. وجواز عزل
الوصي نفسه مقيد بما إذا لم تتعين عليه الوصية، ولم يغلب على ظنه تلف المال
باستيلاء ظالم من قاض وغيره، فحينئذ ليس له عزل نفسه.
ثانياً ـ بالعجز التام أو الخيانة: لو ظهر للقاضي عجز الوصي أصلاً، استبدل
به غيره ويجب عزل الوصي بالخيانة.
ثالثاً ـ بالموت أو الجنون أو الفسق، لاستحالة التصرف بالموت. وعدم المصلحة
في الجنون والفسق.
رابعاً ـ بانتهاء الغاية من الوصاية أو انتهاء مدتها: فمن أوصي له في شيء
_________
(1) كشاف القناع: 441/ 4. والجعل: ما جعل للإنسان من شيء على فعل.
(2) الدرالمختار ورد المحتار: 495/ 5 ومابعدها، الشرح الصغير: 606/ 4، 609،
الشرح الكبير: 453/ 4، المهذب: 463/ 1، مغني المحتاج: 75/ 3، كشاف القناع:
440/ 4، 442، غاية المنتهى: 378/ 2 - 380.
(10/7595)
معين، لم يصر وصياً في غيره، وتنتهي
الوصاية بانتهاء الغاية منها، وبانتهاء المدة المقررة لها؛ لأن الوصي يتصرف
بالإذن، فكان تصرفه على حسب الإذن.
12) ـ الإنفاق للضرورة:
قال الحنابلة (1): إن مات إنسان لا وصي له، ولا حاكم ببلده الذي مات فيه،
أو مات في صحراء ونحوها كجزيرة لا عمران بها، جاز لمسلم حضره حيازة تركته،
وتولي أمر تجهيزه، ويفعل الأصلح في التركة من بيع وحفظ وحمل للورثة؛ لأنه
موضع ضرورة لحفظ مال المسلم عليه. ويكفنه من تركته إن كان له تركة، وإن لم
يكن له تركة جهزه من عنده، ورجع بما جهزة بالمعروف على تركته حيث كانت، أو
على من يلزمه كفنه إن لم يترك شيئاً، لأنه قام عنه بواجب. وذلك إن نوى
الرجوع أو استأذن حاكماً في تجهيزه. فإن نوى التبرع فلا رجوع له، كما لا
رجوع له إن لم ينو تبرعاً ولا رجوعاً.
_________
(1) كشاف القناع: 445/ 4.
(10/7596)
|