الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي

الفَصْلُ السَّابع - نفقات الوقف: نفقة الوقف من ريعه بالاتفاق، مع اختلافات في شرط الواقف وغيره.
مذهب الحنفية (1): الواجب أن يبدأ من ريع الوقف أي غلته، بعمارته بقدر مايبقى الوقف على الصفة التي وقف عليها، وإن خرب بني على صفته، سواء شرط الواقف النفقة من الغلة أو لم يشرط؛ لأن قصد الواقف صرفه الغلة مؤبداً، ولاتبقى دائمة إلا بالعمارة، فيثبت شرط العمارة اقتضاء، ولأن الخراج بالضمان.
وإن وقف داراً على سكنى ولده، فالعمارة على من له السكنى من ماله؛ لأن الغرم بالغنم، فإن امتنع من له السكنى من العمارة، أو عجز بأن كان فقيراً، آجرها الحاكم لمن شاء، وعمرها بأجرتها كعمارة الواقف، ثم ردها بعد العمارة إلى من له السكنى؛ لأن عمارتها رعاية الحقين: حق الواقف وحق صاحب السكنى. ولا يجبر الممتنع على العمارة، لما فيه من إتلاف ماله. ولا تصح إجارة من له السكنى، بل المتولي أو القاضي. ولا عمارة على من له الاستغلال؛ لأنه لا سكنى له، وإنما عمارته على من له السكنى، فلو سكن لا تلزمه الأجرة الظاهرة، لعدم الفائدة، إلا إذا احتيج للعمارة، فيأخذها المتولي ليعمر بها.
وما انهدم من بناء الوقف وآلته: وهي الأداة التي يعمل بها كآلة الحراثة في ضيعة الوقف، أعاده الحاكم في عمارة الوقف إن احتاج الوقف إليه، وإن استغنى
_________
(1) فتح القدير: 53/ 5 ومابعدها، الكتاب مع اللباب: 184/ 2 ومابعدها، الدر المختار: 412/ 3 - 417.

(10/7670)


عنه أمسكه حتى يحتاج إلى عمارته فيصرفه فيها، حتى لا يتعذر عليه الصرف وقت الحاجة. وإن تعذر إعادة عينه، بيع وصرف ثمنه إلى المرمَّة (الإصلاح) صرفاً للبدل إلى مصرف المبدل.
ولايجوز أن يقسم المنهدم وكذا بدله بين مستحقي الوقف؛ لأنه جزء من العين الموقوفة، ولا حق لهم فيها، إنما حقهم في المنفعة، فلا يصرف لهم غير حقهم.

ومذهب المالكية (1) مثل الحنفية: يجب على الناظر إصلاح الوقف إن حصل به خلل من غلته، وإن شرط الواقف خلافه، فلا يتبع شرطه في الإصلاح؛ لأنه يؤدي إلى إتلافه وعدم بقائه، وهو لا يجوز.
ويكري الناظر دار السكنى الموقوفة إن حصل بها خلل، ويخرج الساكن منها، إن لم يصلحها بعد أن طلب منه الإصلاح، فإذا أصلحت رجعت بعد مدة الإجارة للموقوف عليه. وإن أصلحها لم يخرج منها.
فإن لم تكن للموقوف غلات، فينفق عليه من بيت المال، فإن لم يكن يترك حتى يخرب، ولا يلزم الواقف النفقة.
وينفق على خيول الجهاد ودوابه من بيت المال، ولا يلزم الواقف بشيء من نفقتها، ولا تؤجر لينفق عليها من غلتها. فإن لم يكن بيت مال للمسلمين أو لم يمكن التوصل إليه، بيع الحيوان، وعوِّض به سلاح ونحوه مما لا نفقة له.

ومذهب الشافعية والحنابلة (2): أن نفقة الموقوف ومؤن تجهيزه وعمارته من
_________
(1) الشرح الصغير: 124/ 4 ومابعدها، القوانين الفقهية: ص 372.
(2) المهذب: 445/ 1، مغني المحتاج: 395/ 2، المغني: 590/ 5، كشاف القناع: 293/ 4.

(10/7671)


حيث شرطها الواقف من ماله، أو من مال الوقف؛ لأنه لما اتبع شرطه في سبيل الوقف، وجب اتباع شرطه في نفقته. فإن لم يمكن فمن غلة الموقوف أو منافعه كغلة العقار؛ لأن الحفاظ على أصل الوقف لا يمكن إلا بالإنفاق عليه من غلته، فكان الإنفاق من ضرورته.
فإذا تعطلت منافعه، فالنفقة ومؤن التجهيز لا العمارة عند الشافعية من بيت المال. وأما عند الحنابلة: فإن تعطلت منافع الحيوان، فنفقته على الموقوف عليه؛ لأنه ملكه، ويحتمل وجوبها في بيت المال، ويجوز بيعه، كما سأبين.
وقال المالكية والحنابلة والشافعية عن زكاة الموقوف (1): إذا كان الوقف على قوم بأعيانهم فحصل لبعضهم من ثمر الشجر أو حب الأرض نصاب وهو خمسة أوسق، فعليهم الزكاة؛ لأنهم يملكون الناتج. وإذا صار الوقف للمساكين فلا زكاة فيه.
وأوجب الإمام مالك الزكاة على الواقف في الموقوف على غير المعين نحو الفقراء والمساكين إذا كان خمسة أوسق، بناء على أنه ملك الواقف، فيزكي على ملكه. وأما الموقوف على المعينين، فيشترط في حصة كل واحد منه خمسة أوسق.