الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي

الفَصْلُ السّابع عَشر: أحكام متنوّعة: أبحث هنا طائفة من الأحكام التكميلية المتنوعة، وهي إرث غير المسلمين، وميراث الحمل، والمفقود، والأسير، والخنثى، وميراث الغرقى والهدمى والحرقى ونحوهم، وميراث من لا أب شرعياً له من ولد الزنا وولد اللعان، فتلك سبعة موضوعات يثبت فيها الإرث ما عدا الأول بالتقدير والاحتياط.
_________
(1) السراجية: ص 11، غاية المنتهى: 412/ 2.
(2) الشرح الصغير: 629/ 4، مغني المحتاج: 6/ 3.

(10/7879)


المبحث الأول ـ إرث غير المسلمين:
أشرت في موانع الإرث إليه، وبينت أن اختلاف الدين إسلاماً وكفراً مانع ـ عند الجمهور خلافاً لبعض الصحابة كمعاذ ومعاوية ـ من موانع الإرث، فلا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر، كما نصت أحاديث السنة.
والمعروف أن المرتد لا يرث غيره أصلاً، ولا يورث عند الجمهور، وإنما يكون ماله فيئاً يوضع في بيت المال. وقال أبو حنيفة: يورث عنه ماله الذي اكتسبه حال إسلامه فيكون توريثاً للمسلم من المسلم، وأما الذي اكتسبه بعد الردة، فيكون فيئاً لبيت المال، إذ لو أخذه ورثته لكان توريثاً للمسلم من غير المسلم، وهو لا يجوز. وأما المرتدة فمالها مطلقاً لورثتها؛ لأنها لا تقتل بسبب ردتها، بل تستتاب وتعزر حتى تعود إلى الإسلام أو تموت، فردتها لاتعتبر موتاً، والإسلام في حقها معتبر، بخلاف المرتد، فإنه يقتل بعد أن يستتاب ثلاثة أيام ولم يتب، فردته تعتبر في حقه موتاً، ولا يمكن اعتبار الإسلام في حقه حينئذ، فلا يكون أهلاً للملك، فلا يثبت حق الورثة فيما اكتسبه في حال الردة، فيصبح ككل الأموال التي لا مالك لها حقاً لبيت المال (1).
وأوضحت أيضاً أن غير المسلمين ملة واحدة، ولو اختلفت عقائدهم، فيرث عند الجمهور غير المالكية بعضهم من بعض، فاليهودي والنصراني يتوارث، لقوله تعالى: {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض} [الأنفال:73/ 8] من غير تفرقة.
يظهر مما ذكر أن غير المسلمين يتوارثون فيما بينهم بالأسباب التي يتوارثان بها المسلمون من قرابة وزوجية، لكن قد يتوارثون في بعض حالات الزواج والقرابة، التي لا يتوارث بها المسلمون.
_________
(1) السراجية: ص 225، اللباب: 197/ 4، المغني: 298/ 6 - 303، كشاف القناع: 528/ 4.

(10/7880)


ففي الزواج: إن كان من النوع الذي لا يقرون عليه بعد الإسلام فلا يثبت التوارث، كالزواج بالمحارم نسباً ورضاعاً مثل الأم والبنت والأخت، وكزواج الْمُطلّق امرأته المطلقة ثلاثاً قبل أن تتزوج بزوج آخر، وزواج امرأة قبل أن تنقضي عدتها.
وأما إن كان زواجهم مما يقرون عليه بعد الإسلام، فيثبت به التوارث، كالزواج بغير شهود، والزواج من امرأة أثناء عدتها من رجل غير مسلم، على ما هو الراجح من مذهب الحنفية.
وفي النسب: يثبت النسب عند غير المسلمين ولو من الزواج الباطل، فإذا تزوج مجوسي أخته أو بنته، ثبت بالزواج نسب النسل منه، وثبت التوارث بينه وبينه.

المبحث الثاني ـ ميراث الحمل:
شروط توريثه، أكثر مدة الحمل، أقل مدة الحمل، هل تقسم التركة عند وجود حمل؟ كم يقدر عدد الحمل؟ مقدار ما يوقف للحمل أو نصيب الحمل في التركة، كيفية توريث الحمل، تصحيح مسائل الحمل (1).

شروط توريث الحمل:
يرث الحمل (الولد في بطن أمه) بأن يوقف له نصيب معين عند الجمهور غير المالكية بشرطين:
1ً - أن يثبت وجوده حياً عند موت مورثه.
_________
(1) السراجية: ص 212 - 221، اللباب: 199/ 4، تبيين الحقائق: 241/ 6، الدر المختار: 565/ 5، الرحبية: ص 78 - 79، المغني: 313/ 6 - 320، القوانين الفقهية: ص 395.

(10/7881)


2ً - أن يولد حياً، ولو مات بعد دقائق، كي تثبت أهليته للتملك.
أما ثبوت وجود الحمل حياً: فيعرف بأن يولد في مدة يتيقن فيها أو يغلب على الظن وجوده في بطن أمه وقت وفاة مورثه، وهذه المدة هي مدة الحمل، التي سأوضح أكثرها وأقلها.
وأما ولادته حياً: فتثبت حياته عند الحنفية بخروج أكثره حياً؛ لأن للأكثر حكم الكل.
وتثبت حياته عند الجمهور بأن يولد حياً؛ لأن أهلية التملك لا تتحقق إلا بالوجود الكامل، وبه أخذ القانون في مصر (م 43) وسورية (م 300). وتعرف حياته بظهور أمارة من أمارات الحياة، كالصراخ والعطاس ونحوهما، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إذا استهل المولود وَرِث» (1)، فإن لم يظهر شيء من العلامات، أو حصل اختلاف في شيء منها، فللقاضي أن يستعين بأهل الخبرة من الأطباء أو ممن عاينوا الولادة.

أكثر مدة الحمل:
للفقهاء آراء في أكثر مدة الحمل، تعتمد على الاستقراء وسؤال الحوامل، إذ ليس فيها نص من الكتاب أو السنة، فيرث الحمل ويورث إن ولد لتمام أكثر مدة الحمل.
قال المالكية على المشهور: أكثرها خمس سنين.
وقال الشافعية، والحنابلة في الأصح: أكثرها أربع سنين.
_________
(1) رواه أبو داود عن أبي هريرة، وفي إسناده محمد بن إسحاق، وفيه مقال معروف، وروي عن ابن حبان تصحيح الحديث (نيل الأوطار: 67/ 6).

(10/7882)


وقال الحنفية: سنتان.
وقال الظاهرية: تسعة أشهر.
وقال محمد بن عبد الحكم من تلاميذ مالك: أكثرها سنة قمرية (354 يوماً).
وأما القانون المصري (م43) والسوري (م128) فقد أخذا برأي الأطباء وهو سنة شمسية (365 يوماً) وهو قريب من رأي ابن عبد الحكم مع التسامح في الفرق بين السنتين.

أقل مدة الحمل:
رأى جمهور الفقهاء: أن أقل مدة الحمل حتى يولد حياً هي ستة أشهر، لمجموع الآيتين: {وحمله وفصاله ثلاثون شهراً} [الأحقاف:15/ 46] {وفصاله في عامين} [لقمان:14/ 31] فإذا ذهب للفصال عامان، لم يبق للحمل إلا ستة أشهر. وهذا ما فهمه علي وابن عباس رضي الله عنهما.
وأخذ القانون في مصر (م 2/ 43) خلافاً للقانون السوري (م 128) برأي ابن تيمية وقول عند الحنابلة: وهو أن أقل مدة الحمل تسعة أشهر، اتباعاً للأعم الأغلب، فإن غالب النساء يضعن حملهن في تسعة أشهر.
وبناء عليه، تعلم حياة الحمل في القانون بالتفصيل الآتي:
أـ إن كان الحمل ولداً للمتوفى نفسه: بأن ترك زوجته حاملاً منه، أو معتدة منه، فيثبت نسب الحمل من الميت وإرثه منه إن وضعته لأكثر مدة الحمل فأقل وهي (365) يوماً. فإن ولدته لأكثر من سنة فلا يرث منه، إذ يكون علوقه حينئذ بعد الوفاة، فلا نسب ولا ميراث.

(10/7883)


ب ـ وإن كان الحمل من غير المتوفى: بأن ترك امرأة أبيه أو جده أو نحوهما من ورثته حاملاً، فيرث منه إن ولدته أمه لأقل مدة الحمل بعد موت المورث وهي تسعة أشهر (270 يوماً).
وسبب التفرقة بين الحالتين: أننا نريد في الحالة الأولى إثبات حملها منه، ثم توريثه بعدئذ، فأخذنا بأقصى مدة الحمل. أما في الحالة الثانية (الحامل من غير المتوفى) فإنا لا نريد إثبات نسب الحمل من أمه، فذلك له قواعده العامة، ولكنا نريد التأكد من وجوده عند وفاة المورث، وهو متأكد خلال تسعة أشهر من وفاة المورث، وما زاد عليه فأمر مشكوك فيه، والإرث لا يثبت بالشك.

هل تقسم التركة عند وجود حمل؟
1 - رأى المالكية: أن التركة لا تقسم حال وجود حمل، ويعد الحمل سبباً يُوقف به المال إلى الوضع، فيوقف قسمة التركة حتى الولادة، أو اليأس من الولادة؛ لأن في القسمة تسليطاً للورثة على أخذ المال والتصرف به، وفي استرداد الحمل حقه منهم خطر.
2 - ورأى الجمهور: أن التركة تقسم من غير انتظار الولادة، منعاً من إضرار الورثة، ومنع المالك من الانتفاع بملكه، ويؤخذ كفيل من الورثة، احتياطاً لحق الحمل من الضياع.

كم يقدر عدد الحمل؟
قد يكون الحمل واحداً أوأكثر، فكم يقدر عدده؟
المفتى به عند الحنفية وبه أخذ القانون في مصر وسورية: أن يقدر واحداً فقط؛ لأنه الغالب المعتاد في الحمل، وما زاد عن واحد، فهو نادر. ومع هذا

(10/7884)


نحتاط لتعدد الحمل، فيأخذ القاضي كفيلاً من الورثة الذين يتأثر نصيبهم بتعدد الحمل، لاسترداد ما أخذوه على أن الحمل واحد.
ويقدر عند الحنابلة اثنين؛ لأنه يقع أحياناً، ويعامل بقية الورثة بالأضر بتقدير الذكورة فيهما، أو في أحدهما، أو الأنوثة.
وقال أبو حنيفة: يقدر أربعة؛ لأنه قد يقع، ويعامل بقية الورثة بالأضر، بتقديرهم ذكوراً أو إناثاً.
والأصح عند الشافعية: أنه لا ضابط لعدد الحمل عندهم؛ إذ قد تلد المرأة أربعة أو خمسة أو ستة أو سبعة في بطن واحد.

نصيب الحمل في التركة:
تختلف أحوال الحمل، فقد يكون وارثاً وقد يكون غير وارث، وقد يكون ذكراً وقد يكون أنثى، وربما يولد حياً وربما يولد ميتاً، فما نصيبه الذي يوقف له؟
لا خلاف في أن الورثة إذا رضوا وقف قسمة التركة حتى يولد الحمل، فإن التركة تتجمد قسمتها حينئذ.
أـ فإن أبوا إلا القسمة، فإن كان الحمل محجوباً من الإرث، فلا يوقف له شيء من التركة، مثل: من مات عن: أخ شقيق، وأب، وأم حامل من غير أبيه، فتوزع التركة فوراً على الورثة وهو الأب والأم، والباقي للشقيق، والحمل محجوب بالأب؛ لأنه أخ لأم.
ب ـ وإن كان الحمل وحده هو الوارث، أو وجد معه وارث محجوب به، كما لو مات عن زوجة ابنه الحامل وأخيه لأم، فتوقف التركة كلها إلى الولادة، فإن ولد حياً أخذها، وإن ولد ميتاً أعطيت لغيره.

(10/7885)


جـ ـ وإن كان الحمل غير محجوب من الإرث، ومعه ورثة آخرون غير محجوبين به، فاختلف الفقهاء في مقدار ما يوقف له:
في رأي الشافعي الذي يقول: لا ينضبط الحمل، يدفع إلى أصحاب الفروض الذين لا تتغير أنصباؤهم بتعدد الحمل، ويوقف باقي التركة إلى الولادة.
وفي رأي أبي حنيفة المشهور عنه: يوقف له نصيب أربعة بنين، أو نصيب أربع بنات، أيهما أكثر، ويعطى بقية الورثة أقل الأنصباء.
وفي رأي محمد بن الحسن: يوقف نصيب ثلاثة بنين أو ثلاث بنات، أيهما أكثر.
والمفتى به عند الحنفية رأي أبي يوسف، وبه أخذ القانون المصري (م42) والسوري (م299): وهو أن يوقف له نصيب ابن واحد، أو بنت واحدة، أيهما أكثر. ونص القانون السوري: «يوقف للحمل من تركة المتوفى أكبر النصيبين على تقدير أنه ذكر ذكر أو أنثى».
وعلى القاضي أن يأخذ كفيلاً من الورثة الذين يرثون مع الحمل، وتتغير أنصباؤهم بتعدد الحمل، احتياطاً له، كيلا يضيع عليه بعض نصيبه حين يكون الرجوع على الوارث متعذراً.

كيفية توريث الحمل:
تقسم التركة على فرض أنه ذكر، ثم يقسم مرة أخرى على فرض أنه أنثى، فإن كان الحمل يرث على أحد الفرضين دون الآخر، اعتبر وارثاً مؤقتاً، واحتفظ له بنصيبه.

(10/7886)


وإن كان وارثاً على كلا التقديرين، ولكن نصيبه يختلف بالذكورة والأنوثة، احتفظ له بالنصيب الأكبر.
وإن لم يختلف نصيبه على كلا التقديرين، حفظ له ذلك النصيب.
أما الورثة الآخرون: فمن كان وارثاً على أحد التقديرين دون الآخر، اعتبر غير وارث موقتاً ولا يعطى شيئاً.
ومن كان وارثاً على التقديرين، ولكن نصيبه يختلف، يعطى النصيب الأقل.
ومن كان وارثاً على التقديرين، ولكن نصيبه لا يختلف، أعطي هذا النصيب.
والخلاصة: أن الحمل يعامل بأحسن حاليه، والوارث الآخر معه يعامل بأسوأ حاليه، وما بقي من الفروق يحفظ حتى الولادة.
فإن كان الحمل متوهماً أو ولد ميتاً بغير جناية، رد الموقوف على الورثة. وإن ولد حياً وكان واحداً، أعطي الموقوف له الذي يستحقه، ويرد الباقي على المستحقين.
وإن جاء متعدداً، يطالب الورثة والكفيل أيضاً برد الزائد على حقهم.

تصحيح مسائل الحمل:
الأصل في تصحيح مسائل الحمل: أن تصحح المسألة على تقديرين، أي على تقدير أن الحمل ذكر، وعلى تقدير أنه أنثى، ثم تنظر بين تصحيحي المسألتين:
أـ فإن توافقتا بجزء، فاضرب وَفْق أحدهما في جميع الآخر.

(10/7887)


ـ وإن تباينتا، فاضرب كل أحدهما في جميع الآخر. فالحاصل تصحيح المسألة، ثم اضرب في حال التباين نصيب من كان له شيء من مسألة ذكورته، في مسألة أنوثته. وفي حال التوافق اضرب وَفْق أحدهما في الآخر. واضرب أيضاً نصيب من كان له شيء من مسألة أنوثته في مسألة ذكورته حال التباين، أو في وَفْقها، كما هو المقرر في ميراث الخنثى.
ثم انظر في الحاصل من الضربين لكل واحد من الورثة، أيهما أقل، يعطى لذلك الوارث؛ لأن استحقاقه للأقل متيقن، والفرق بين الحاصلين موقوف من نصيب الوارث إلى أن يزول الاشتباه.
ففي بنت وأبوين وامرأة حامل: المسألة من (24) على تقدير أن الحمل ذكر، لأنه اجتمع فيها حينئذ سدسان وثمن والباقي، فللزوجة الثمن وهو (3)، ولكل واحد من الأبوين السدس وهو (4)، وللبنت مع الحمل الذكر الباقي وهو (13).
والمسألة من (27) على تقدير أن الحمل أنثى؛ لأنه اجتمع فيها على هذا التقدير ثمن وسدسان وثلثان، فهي منبرية، وتعول من (24) إلى (27)، فللأبوين (8)، وللمرأة (3)، وللبنت مع الحمل الأنثى (16). وبين عددي تصحيحي المسألتين أي (24 و 27) توافق بالثلث؛ لأن مخرجه وهو ثلاثة يعدهما معاً، فإذا ضرب وفق أحدهما أي ثلثه، وهو (8) من الأول، و (9) من الثاني، في جميع الآخر، صار الحاصل (216) سهماً ومنها تصح المسألة، فللزوجة في تقدير الذكورة (3 × 9) وفق مسألة الأنوثة = (27)، ولكل من الأبوين: (4 × 9 = 36) وهكذا ... وعلى تقدير الأنوثة للزوجة 3×8 = 24، ولكل من الأبوين (4×8= 32)، ويعطى الأبوان والزوجة الأقل.

(10/7888)


أمثلة:
1 ً - مات شخص عن: أخ شقيق، وأب، وأم حامل من غير أبيه: الحمل هنا غير وارث، لأن الأخ أو الأخت لأم محجوبان عن الميراث بالأب.
2ً - مات شخص عن: زوجة ابنه الحامل فقط، أو عن زوجة أبيه الحامل فقط: الحمل هنا هو الوارث الوحيد، لأنه في الحالة الأولى إما ابن ابن أو بنت ابن، الأول عاصب يحوز كل التركة، والثانية تحوز التركة فرضاً ورداً. وفي الحالة الثانية إما أخ لأب وهو عاصب يحوز كل التركة، أو أخت لأب تحوز كل التركة فرضاً ورداً.
وفي الحالتين يوقف كل التركة لحين الولادة.
3ً - مات شخص عن: زوجة، أب، أم، زوجة ابن حبلى: تقسم التركة على فرض الذكورة، أي أن الحمل ابن ابن، فيكون للزوجة الثمن 24/ 3، ولكل من الأب والأم السدس وهو (4) أسهم لكل منهما، والباقي (13) سهماً لابن الابن؛ لأنه عاصب.
ثم تقسم التركة على فرض الأنوثة، أي على أن الحمل بنت ابن، فيكون للزوجة الثمن 24/ 3، ولكل من الأب والأم السدس وهو (4) أسهم لكل منهما، ولبنت الابن النصف 24/ 12، ويرد السهم الباقي وهو (واحد) إلى الأب، فيكون له (5) أسهم.
فالأفضل للحمل أن يفرض كونه ذكراً، ويوقف له (13) سهماً من (24).
4ً - توفي شخص عن: زوجة، وأم حامل من أبي المتوفى، تقسم التركة أولاً على فرض الذكورة، أي على أن الحمل أخ شقيق، فيكون للزوجة الربع

(10/7889)


12/ 3، وللأم الثلث 12/ 4، وللشقيق الباقي تعصيباً وهو 12/ 5. ثم تقسم التركة على فرض الأنوثة، أي على أن الحمل أخت شقيقة، فيكون لها النصف 12/ 6، فتعول المسألة إلى 13.
وبتصحيح
المسألة (1)، نجد أن نصيب الأخ الشقيق (65) سهماً من (156)، ونصيب الأخت الشقيقة (72) سهماً من (156)، فيفرض كون الحمل أنثى؛ لأنه الأفضل له، ويوقف له 156/ 72.
5ً - توفيت امرأة عن: زوج، وأخت شقيقة، وزوجة أب حامل: إن فرض كون الحمل ذكراً، فللزوج النصف، وللشقيقة النصف، ولا شيء للأخ لأب؛ لأنه عاصب يأخذ الباقي بعد الفروض.
وإن فرض كون الحمل أنثى، كان للزوج النصف، وللشقيقة النصف، وللأخت لأب السدس تكملة الثلثين، فتعول المسألة إلى (7).
وحينئذ فالأفضل أن يفرض الحمل أنثى، ويوقف له سهم من سبعة.
6ً - توفي شخص عن: أب، أم، زوجة حامل، وبنت: تقسم التركة أولاً على فرض أن الحمل ذكر، أي ابن، فيكون للأب السدس 24/ 4، وللأم السدس 24/ 4، وللزوجة الثمن 24/ 3، والباقي (13) سهماً للبنت والابن تعصيباً، فيكون نصيب الابن بعد التصحيح (26) سهماً من (72).
ثم تقسم التركة على فرض أنه أنثى، فيكون للأب السدس، وللزوجة
_________
(1) عرفنا أن قاعدة التصحيح أن يضرب أصل المسألة أو عولها في أقل عدد يمكن معه أن يستحق كل وارث بانفراد قدراً من السهام برقم صحيح، وحاصل الضرب هو أصل المسألة بعد التصحيح.

(10/7890)


الثمن، وللبنتين الثلثان، لكل بنت ثلث، وأصل المسألة من (24)، وتعول إلى 27)، فيكون نصيب الحمل (8) من (27).
وبالتصحيح نجد أن نصيب الحمل على فرض أنه ذكر: (78) من (216)، ونصيبه على أنه أنثى (64 من 216)، فالأفضل للحمل أن يفرض ذكراً، ويؤخذ كفيل على البنت فقط؛ لأن نصيبها يقل بالتعدد.
7ً - ماتت امرأة عن: زوج، وأم حامل من أبي المتوفاة، وأختين شقيقتين، وأخوين لأم: تقسم التركة أولاً على فرض أنه ذكر، أي أنه أخ شقيق، فيكون للزوج النصف 6/ 3، وللأم السدس وهو سهم واحد، والثلث الباقي يشترك فيه الأخوان لأم والأختان الشقيقتان والأخ الشقيق، وتصح المسألة من (30)، فيكون للشقيق 30/ 3.
ثم تقسم التركة ثانياً على أنه أنثى أي أنه أخت شقيقة، فيكون للزوج النصف 6/ 3، وللأم السدس سهم واحد، وللشقيقات الثلاث الثلثان وهو 6/ 4، وللإخوة للأم الثلث وهو 6/ 2، فتعول المسألة إلى (10)، وتصح من (30)، فيكون للشقيقة 30/ 4.
فالأفضل للحمل أن يفرض أنثى، ويحفظ له 30/ 4، أما فرق الأنصبة وهو (6) أسهم، فيحفظ مع الأسهم الأربعة المحفوظة للحمل حين الولادة.

المبحث الثالث ـ ميراث المفقود:
تعريفه، أحكامه بعد تحديد مدة موته بالنسبة لزوجته وماله وإرثه، كيفية توريث المفقود، هل تتقدر مدة لوفاته، متى يبدأ اعتباره مفقوداً (1)؟
_________
(1) السراجية: ص 221 - 225، الرحبية: ص 76، المغني: 321/ 6 - 325، مغني المحتاج: 26/ 3، القوانين الفقهية: ص 216.

(10/7891)


تعريف المفقود: المفقود: هو الغائب الذي انقطع خبره، فلم تعرف حياته أوموته. ولا عبرة بمعرفة المكان أو الجهل به إذا كان مجهول الحياة أو الممات، فلو كان معلوم المكان، ولكنه لا تعرف حياته أو مماته فهو مفقود.
أحكامه: للمفقود أحكام ثلاثة تتعلق بتحديد المدة التي يحكم فيها بموته بعد مضيها، بالنسبة لزوجته، وماله، وإرثه من غيره.
أما بالنسبة لزوجته:
فالمفتى به عند الحنفية: تفويض الأمر إلى رأي الحاكم، ينظر ويجتهد، ويفعل ما يغلب على ظنه أنه المصلحة، لإطلاق قول علي رضي الله عنه: «امرأة المفقود امرأة ابتليت فلتصبر، لا تنكح حتى يأتيها يقين موته».
وفصل الحنابلة: فأخذوا بالرأي السابق في الغيبة التي يظن معها بقاؤه حياً، كأن خرج لسياحة أو تجارة أو طلب علم أو أداء حج في حالة الأمن، فيحكم القاضي بموته حين يغلب على ظنه أنه قد مات، وتقدير المدة متروك للقاضي.
أما إن غاب المفقود غيبة يغلب عليه فيها الهلاك، كالغيبة في أثناء حرب أو غارة أو في ميدان قتال، أو لقضاء مصلحة قريبة، فلم يعد، فيحكم القاضي بموته بعد أربع سنين من تاريخ فقده (1).
_________
(1) أخذ القانون المصري رقم 15 لسنة 1929 في حالة الغيبة التي يغلب فيها الهلاك بمذهب أحمد، وفي الحالة التي لا يغلب فيها الهلاك بقول صحيح عند الحنفية والحنابلة، فنصت المادة 21 على كلتا الحالتين:
«يحكم بموت المفقود الذي يغلب عليه الهلاك بعد أربع سنين من تاريخ فقده، وأما في جميع الأحوال الأخرى فيفوض أمر المدة التي يحكم بموت المفقود بعدها إلى القاضي، وذلك كله بعد التحري عنه بجميع الطرق الممكنة الموصلة إلى معرفة إن كان المفقود حياً أو ميتاً».

(10/7892)


والراجح عند المالكية: أنه يحكم بموت المفقود بعد أربعة أعوام من يوم رفع المرأة أمرها للقضاء، فإذا انقضى الأجل اعتدت عدة الوفاة، ثم تزوجت إن شاءت.
وفي قول لدى المالكية: يفرق القاضي بين الزوجين بمضي سنة فأكثر على الغياب.
وقال الشافعية: من فقد أو أسر، وانقطع خبره، لا يحكم بموته حتى تقوم بينة بموته، أو تمضي مدة يعلم أو يغلب على الظن أنه لا يعيش فوقها، كما هو حال أقرانه.

وأما بالنسبة لأمواله:
فقد اتفق أئمة المذاهب على أن المفقود يعتبر حياً بالنسبة إلى أمواله الثابتة ملكيتها له، وفي حقوقه الأخرى، حتى تقوم البينة على وفاته، أو يحكم القاضي بوفاته، وهذا هو الجانب السلبي للمفقود، ويترتب عليه ما يأتي:
لا يقسم ماله بين الورثة، وينفق القاضي من ماله على زوجته وأصوله وفروعه فقط؛ لأن هؤلاء تجب نفقتهم عليه في حضوره وغيابه. ولا تفسخ عقوده كالإجارة التي تنفسخ بموت أحد العاقدين عند الحنفية، وينصب القاضي وكيلاً عنه بقبض ديونه وحفظ ماله.
وتحفظ أمواله إلى أن ينكشف حاله، فإن ظهر حياً، أخذ أمواله، وإن ثبت موته بالبينة الشرعية، اعتبر ميتاً من الوقت الذي يثبت أنه مات فيه، ويرثه ورثته من ذلك الوقت، وإن حكم القاضي بموته، اعتبر ميتاً من حين الحكم، ويرثه ورثته من تاريخ الحكم فقط.

(10/7893)


والسبب في اعتباره حياً بالنسبة لماله هو استصحاب حال حياته التي كان عليها قبل الفقد، والأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يظهر خلافه بالدليل، فلا يورث؛ لأن شرط استحقاق الإرث تحقق موت المورث، وموته غير محقق.

وأما بالنسبة لإرثه من غيره:
فللفقهاء رأيان تبعاً لاختلافهم في حجية الاستصحاب:
فيرى جمهور الحنفية (1): أن المفقود لا تثبت له حقوق إيجابية من غيره، كالإرث والوصية من الآخرين، لا يرث من غيره ولا تثبت له الوصية من غيره؛ لأن الاستصحاب عندهم حجة للدفع لا للإثبات، أي أنه يصلح لأن يدفع به من ادعى تغير الحال، لا بقاء الأمر على ما كان، فاستصحاب حياته يفيده فقط في دفع ما يترتب على وفاته من اقتسام ماله بين الورثة، ومن فراق زوجته، وهذا هو الحق السلبي، ولا يفيده في انتقال ملكية الغير له، وهذا هو الحق الإيجابي، وبإيجاز يصلح الاستصحاب لدفع ملكية غيره لأمواله، لا لإثبات ملكيته من غيره. وعلى هذا فإنه لا يرث ولا وصية له؛ لأن شرط استحقاق الإرث والوصية ثبوت حياة الوارث والموصى له عند موت المورث والموصي، وحياة المفقود غير محققة، بل هناك احتمال أن يكون ميتاً، فهو لا يرث ولا يورث.
ويرى جمهور المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية والشيعة الإمامية (2): أن المفقود يرث من غيره، وإن لم يورث؛ لأن استصحاب الحال حجة مطلقاً للدفع
_________
(1) أصول السرخسي: 225/ 2، مرآة الأصول: 367/ 2، كشف الأسرار: ص 1098.
(2) مختصر ابن الحاجب: ص 217، مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول للتلمساني المالكي: ص 189، الإبهاج للسبكي: 111/ 3، شرح المحلي على جمع الجوامع: 285/ 2، المدخل إلى مذهب أحمد: ص 133، شرح روضة الناظر: 389/ 1، الإحكام لابن حزم: 590/ 5، محمد تقي الحكيم: ص 454.

(10/7894)


والإثبات، ما دام لم يقم دليل ما نع من الاستمرار، فحياة المفقود هي الأصل الثابت، فيرث من غيره، ولا يورث عنه ماله، أي أن الاستصحاب يثبت كلا الحقين الإيجاب والسلبي، إلا أن الحنابلة أضافوا أنه يورث ولا يرث بعد مضي أربع سنين على فقده.
وأخذ القانون المصري (م 45) والسوري (م 302) بهذا الرأي، ونص المادة: «يوقف للمفقود من تركة مورثه نصيبه فيها، فإن ظهر حياً، أخذه، وإن حكم بموته، رد نصيبه إلى من يستحقه من الورثة وقت موت مورثه. فإن ظهر حياً بعد الحكم بموته، أخذ ما بقي من نصيبه في أيدي الورثة».

كيفية توريث المفقود:
أـ إن كان المفقود هو الوارث الوحيد، وقفت له التركة كلها.
ب ـ وإن كان معه ورثة وارثون، قسمت التركة على افتراضين: افتراض أنه حي، وافتراض أنه ميت، ثم يوحد أصل المسألة في الحالتين، ويوقف له أفضل النصيبين، ويعطى كل وارث أسوأ النصيبين، ويحفظ ما قد يكون من فروق الأنصباء مع ما وقف للمفقود.
فإن ظهر المفقود حياً، أخذ ما وقف له.
وإن ثبت موته بعد موت مورثه بالبينة، رد نصيبه الموقوف له إلى ورثته الشرعيين.
وإن ثبت موته قبل موت مورثه، أو لم يثبت موته إلا بحكم القاضي، كان ما وقف له حقاً لورثة مورثه.

(10/7895)


أمثلة:
1 - توفي شخص عن ابن مفقود فقط، أو عن ابن مفقود وأخوين لأم: كان المفقود هنا هو الوارث الوحيد، لأن الأخوين لأم محجوبان به، فإن ظهر حياً أخذ التركة كلها، وإلا أخذها بيت المال في الحالة الأولى، أو الأخوان لأم في الحالة الثانية.
2 - توفي رجل عن: زوجة، وأب، وأم، وبنت، وابن مفقود:
أولاً ـ على فرض حياة المفقود تكون الورثة هكذا:
زوجة 8/ 1، أب 6/ 1، أم 6/ 1، بنت وابن هما عصبة، وأصل المسألة 24.
والسهام 3 4 4 (13)
وتصحح المسألة بضرب 3 عدد رؤوس العصبة في 24 أصل المسألة = (72).
فتكون السهام بعد التصحيح 9 12 12 39 للابن (26).
ثانياً ـ على فرض وفاة المفقود تكون الورثة هكذا:
زوجة 8/ 1، وأب 6/ 1، وأم 6/ 1، وبنت 2/ 1: الأصل 24.
والسهام 3، 4+1 4 12، الواحد المضاف للأب هو الباقي تعصيباً.
يحفظ للمفقود نصيبه على فرض كونه حياً وهو (26 من 72)، ويعطى لكل من الزوجة والأم نصيبهما، لعدم تغيره في الحالين، ويعطى لكل من الأب والبنت

(10/7896)


أبخس النصيبين، ويوقف الباقي. فإن ظهر المفقود حياً أخذ الموقوف له، وإن حكم بموته، كمل نصيب الأب والبنت.
3 - توفيت امرأة عن: زوج، وشقيقتين، وشقيق مفقود: تقسم التركة أولاً على فرض أن الشقيق حي، فيكون للزوج 2/ 1 أي (1) والشقيق مع أختيه عصبة يأخذون الباقي وهو (1)، وأصل المسألة (2)، وتصح من (8) بضرب (4) عدد الرؤوس في أصل المسألة (2).
ثم تقسم التركة على فرض أنه ميت، فيكون للزوج 2/ 1 وهو (3) وللشقيقتين الثلثان، وهما (4)، فتعول المسألة إلى (7).
ثم يوحد الأصل في المسألتين بضرب أصلي المسألتين (7 × 8 = 56) فيعطى للشقيق (7 × 2 = 14) توقف له، وذلك بضرب من له شيء في الحالة الأولى بـ (7) ومن له شيء في الحالة الثانية (الوفاة) يضرب في (8).
ويعطى للشقيقتين على فرض الحياة (7 × 2 = 14) وعلى فرض الموت (4 × 8 = 32) فيعطيان (14) أسوأ النصيبين.
ويعطى للزوج على فرض الحياة (4 × 7 = 28) وعلى فرض الموت (3 × 8=24)، فيعطى (24) أسوأ النصيبين، وتوقف فروق الأنصباء، وتحفظ مع نصيب المفقود. فإن ظهر أن المفقود حي فله 14، وللزوج 4، وإن ظهر أنه ميت أخذ الأختان فرق النصيب.
4 - مات رجل عن: زوجة، وأب، وأم، وابن مفقود: تقسم التركة أولاً على فرض أنه حي، فيكون للزوجة الثمن وهو (3 من 24)، وللأب السدس وهو (4)، وللأم السدس وهو (4)، وللابن الباقي وهو (13).

(10/7897)


ثم تقسم التركة على فرض أنه ميت، فيكون للزوجة الربع وهو (6) من (24)، وللأم ثلث الباقي وهو (6)، وللأب الباقي وهو (12) سهماً، ويوقف للابن (13) سهماً. ويوجد فروق بين المسألتين في حصة الزوجة والأب والأم، ويعطى للورثة أسوأ الأنصبة، فتعطى الزوجة (3) أسهم، ولكل من الأب والأم 4 أسهم.

هل تتقدر مدة لوفاة المفقود؟
قيل: تتقدر مدة لوفاة المفقود، وقيل: لا تتقدر، وإنما يجتهد القاضي.
أما المالكية والحنابلة: فقالوا: تقدر مدة، والراجح عند المالكية أن يمضي عليه سبعون سنة، والمعتمد عند الحنابلة: أن يمضي عليه تسعون سنة، واختار القانون السوري (م 205) التحديد ببلوغ المفقود ثمانين سنة.
وأما الحنفية في ظاهر الرواية والصحيح عند الشافعية: فقالوا: لا تتقدر، ويحكم بوفاته عند الحنفية حين يموت أقرانه الذين في بلده، فلا يبقى منهم أحد.
ويجتهد القاضي بحسب تقديره عند الشافعية، بأن تمضي مدة يعلم أو يغلب على الظن أنه لا يعيش فوقها.

متى يبدأ اعتباره مفقوداً؟
إذا ثبتت وفاة الغائب بالبينة، فإن حكم القاضي بالوفاة يستند إلى التاريخ الذي حددت البينة وفاته.
وإن اعتمد الحكم على الاجتهاد وغلبة الظن، فهناك قولان: قال أبو حنيفة

(10/7898)


ومالك: إن الحكم بموته يرجع إلى تاريخ فقدانه، فيعتبر ميتاً من تاريخ الفقد، فلا يرث ممن مات قبل الحكم، ويرث مال المفقود من كان موجوداً عند تاريخ فقدانه.
وقال الشافعي وأحمد: يعتبر ميتاً من تاريخ الحكم بوفاته، فيرث المفقود ممن مات قبل الحكم بوفاته، ويورث عنه ماله ممن كان موجوداً من ورثته عند الحكم بوفاته.

المبحث الرابع ـ ميراث الأسير:
الأسير إما حي أو مجهول الحياة (1):
أـ فإن كان الأسير معلوم الحياة، فيرث من غيره، ولا يورث عنه ماله؛ لأنه حي، فيعامل معاملة الأحياء، والمسلم من أهل دار الإسلام أينما كان، والأسر لا يؤثر شيئاً، فحكم الأسير كحكم سائر المسلمين في الميراث مالم يفارق دينه، فإن علم أنه فارق دينه، فحكمه حكم المرتد؛ إذ فرق بين من يرتد في دار الإسلام أو في دار الحرب.
ب ـ وإن كان مجهول الحال، فلا تعلم حياته ولا موته ولا ردته: فحكمه حكم المفقود فيما ذكر، فلا يقسم ماله، ولا تتزوج امرأته حتى ينكشف خبره.

المبحث الخامس ـ ميراث الخنثى:
الخنثى: من اجتمع فيه العضوان التناسليان: عضو الذكورة، وعضو الأنوثة، أو من لم يوجد فيه شيء منهما أصلاً. وهو نوعان: مشكل وغير مشكل (2).
_________
(1) السراجية: ص 228، مغني المحتاج: 26/ 3، المغني: 326/ 6.
(2) السراجية: ص 205 - 212، القوانين الفقهية: ص 395، الرحبية: ص 73 - 75، المغني: 253/ 6 - 258.

(10/7899)


أما الخنثى غير المشكل أو الواضح: فهو الذي ترجحت فيه صفة الذكورة أو الأنوثة، كأن تزوج فولد له ولد، فهذا رجل، أو تزوج فحملت، فهي أنثى، ويطبق عليه حكم كل منهما. وإن بال من آلة الرجال فهو رجل، والآلة الأخرى زيادة خَرْق في البدن، وإن بال من آلة النساء فهوأنثى، والآلة الأخرى زيادة نتوء في البدن. وعليه فإنه يختبر بالتبول، وظهور اللحية، والحيض، فإن لحق بالرجال ورث ميراث الرجل، إن لحق بالنساء ورث ميراثهن.
وأما المشكل: فهو من أشكل أمره، فلم تعرف ذكورته من أنوثته، كأن يبول مما يبول منه الرجال والنساء معاً، أو يظهر له لحية وثديان في آن واحد. والغالب مع تقدم الطب الحديث إنهاء إشكاله بإجراء عملية له، تؤدي إلى إيضاح أمره.

حكم ميراث المشكل:
لا يتصور كون المشكل زوجاً ولا زوجة؛ لأنه لا يصح زواجه ما دام مشكلاً، ولا يتصور بالتالي أن يكون أباً أوأماً أو جداً أو جدة؛ لأنه يصبح حينئذ غير مشكل.
وإنما يمكن أن يكون من فرع البنوة أو الأخوة أو العمومة، فيحصل الخلاف في إرثه، هل هو ذكر أو أنثى؟

لكن إن لم يختلف نصيبه بين الذكورة والأنوثة، فتوزع التركة بدون إشكال.
وإن كان يرث على فرض الذكورة أو الأنوثة، ولا يرث على فرض آخر، فلا يعطى من التركة شيئاً عند الحنفية، وعند الشافعية: يعطى الورثة الأقل، ويحفظ حقه حتى يتبين أمره، خلافاً للمالكية والحنابلة.
وإن اختلف نصيبه بين الذكورة والأنوثة، ففيه أربعة أقوال:

(10/7900)


1 - مذهب الحنفية المفتى به: يعطى أقل النصيبين أو أسوأ الحالين من فرض ذكورته أو أنوثته، ويعطى الورثة أحسن النصيبين، أي على عكس الحمل تماماً. وهذا ما أخذ به القانون المصري (م 46)، ولم ينص القانون السوري عليه لندرته، وإذا وجد يطبق هذا الرأي عملاً بالمادة (305) (1).
فمن توفي عن: زوجة، وأب، وأم، وولد خنثى: المسألة من (24)، تقسم التركة أولاً على فرض الذكورة، فيكون للزوجة 8/ 1 = (3)، وللأب 6/ 1 = (4)، وللأم 6/ 1 = (4)، وللابن الخنثى الباقي وهو (13).
ثم تقسم على فرض الأنوثة، فيكون للزوجة 8/ 1 = (3، وللأب 6/ 1 + الباقي = (5)، وللأم 6/ 1 = (4)، وللخنثى البنت: 2/ 1 = (12)، فيعطى الخنثى (12)؛ لأنه أدنى النصيبين، والذي يتأثر نصيبه هو الأب، فيعطى (5) أحسن الحالين.

2 - مذهب المالكية: يعطى الخنثى المشكل أمره نصف نصيب أنثى، ونصف نصيب ذكر. وإن كان يرث على فرض، ولا يرث على فرض آخر، فيعطى نصف نصيبه على فرض إرثه.
3 - مذهب الشافعية: يعطى أقل النصيبين لكل من الخنثى وبقية الورثة، ويوقف الباقي إلى أن يتبين أمره، أو يتصالح الورثة معه. ففي المثال السابق يعطى الخنثى (12)، والأب (4) فقط، ويوقف الباقي وهو (1) إلى أن تتضح حقيقته أو يتصالح الأب معه.
_________
(1) ونصها: «كل مالم يرد عليه نص في هذا القانون يرجع فيه إلى القول الأرجح في المذهب الحنفي»

(10/7901)


ولو مات رجل عن: ابن، وولد خنثى مشكل:
فبتقدير ذكورة الخنثى، يكون المال بينه وبين الابن بالسوية، لكل واحد منهما نصف المال، والمسألة من (2).
وبتقدير أنوثته، يكون للخنثى 3/ 1، وللابن 3/ 2، والمسألة من (3)، فيعطى الخنثى الثلث فقط، ويأخذ الابن النصف؛ لأنه متيقن، ويوقف السدس الباقي بينهما، حتى يتضح حال المشكل، أو يصطلحا.

وكيفية التصحيح: أن ينظر بين المسألتين: المسألة بتقدير ذكورته فقط، ومسألة تقدير أنوثته فقط، وذلك بالنسب الأربعة السابقة (من تماثل وتوافق وتداخل وتباين) ويحصل أقل عدد ينقسم على كل من المسألتين بالتقديرين، فما كان فهو الجامع بين المسألتين، ففي المسألة السابقة بين الثلاثة والاثنين تباين، فيضرب أحد الأصلين في الآخر، فيكون الحاصل ستة، فإن قسم الحاصل على مسألة الذكورة، كان للخنثى ثلاثة، وإن قسم على مسألة الأنوثة، كان للخنثى اثنان، وللذكر أربعة، فالأضر بالخنثى أنوثته، فيعطى سهمين، والأضر في حق الابن ذكورة الخنثى فيعطى ثلاثة، ويبقى السدس وهو واحد، فيوقف، فإن اتضحت الذكورة أخذه، وإن اتضحت الأنوثة، أخذه الابن. وإن لم يتضح يوقف إلى أن يصطلحا.
4 - مذهب الحنابلة:
أـ إن كان يرجى اتضاح حال الخنثى في المستقبل، فهم كالشافعية، يعامل مع بقية الورثة بأدنى النصيبين.
ب ـ وإن لم يرج اتضاح الحال، فهم كالمالكية يعطى نصف ميراث ذكر على

(10/7902)


فرض ذكورته، ونصف ميراث أنثى على فرض أنوثته، إن ورث في الحالين. وإن كان يرث على فرض دون فرض، فيعطى نصف نصيبه في حال الإرث.

المبحث السادس ـ ميراث الغَرْقى والهَدْمى والحَرْقى ونحوهم ممن جهل تاريخ وفاتهم: إذا جهلت وفاة المورث، بأن مات جماعة بينهم قرابة، ولا يُدْرى أيهم مات أولاً، كمن غرقوا في السفينة معاً، أو وقعوا في النار دَفْعة، أو سقط عليهم جدار أو سقف بيت، أو قتلوا في المعركة، ولم يعلم التقدم والتأخر في موتهم، أو جهل تاريخ الوفاة ولو لم يكونوا في حادث واحد.
فما الحكم في التوارث بينهم (1)؟

1 - قال الجمهور غير الحنابلة: لا توارث بينهم، ومال كلٍ لباقي ورثته الأحياء؛ لأن شرط الإرث أن تثبت وفاة المورث قبل وفاة الوارث، وحياة الوارث عند وفاة المورث. وهنا انتفى التيقن من حياة الوارث بعد موت مورثه بحسب الواقع والعلم، ويمتنع الترجيح بلا مرجح.
واستدلوا بما روى خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه أنه قال: أمرني أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ بتوريث أهل اليمامة، فورثت الأحياء من الأموات، ولم
_________
(1) السراجية: ص 229 - 231، الدر المختار: 543/ 5، 563، المبسوط: 27/ 30 - 28، بداية المجتهد: 348/ 2، القوانين الفقهية: ص 395، مغني المحتاج: 26/ 3، الرحبية: ص79، المغني: 308/ 6.

(10/7903)


أورث الأموات بعضهم عن بعض. وأمرني عمر ـ رضي الله عنه ـ بتوريث أهل طاعون عَمْوَاس، وكانت القبيلة تموت بأسرها، فورَّثت الأحياء من الأموات، ولم أورِّث الأموات بعضَهم من بعض. وهكذا نقل عن علي كرم الله تعالى وجهه في قتلى الجَمَل وصِفِّين.

2 - وقال الحنابلة: إذا مات المتوارثان، فجهل أولهما موتاً، ورث بعضهم من بعض، فيجعل أحدهما أولهما موتاً، ولكن لا يرث كل واحد منهما ما ورثه من مال صاحبه، وإلا لزم أن يرث كل واحد من مال نفسه.
واستدلوا برواية أخرى عن عمر وعلي وابن مسعود وشريح وإبراهيم النخعي والشعبي، أنهم قالوا: يرث بعضهم من بعض، يعني من ماله، دون ما ورثه من ميت معه.
وعليه، لو مات أخوان شقيقان في وقت واحد، وترك كل منهما: أماً وبنتاً وعماً، وتركة كل منهما (90) درهماً، يقسم عند الجمهور تركة كل واحد منهما، فيعطى لأم كل منهما السدس وهو (15)، وللبنت النصف وهو (45)، والباقي هو (30) للعم.
وعند الحنابلة: يفرض موت أحدهما أولاً، وتقسم تركته على ورثته، وفيهم أخوه، ثم يفرض موت الثاني كذلك، وما ورثه كل من الأخوين من أخيه، يقسم على الأحىاء فقط من ورثته.
وأخذ القانون المصري (م 3) والسوري (م 261) برأي الجمهور، ونص المادة: «إذا مات اثنان ولم يعلم أيهما مات أولاً، فلا استحقاق لأحدهما في تركة الآخر، سواء أكان موتهما في حادث واحد، أم لا».

(10/7904)


المبحث السابع ـ ميراث ولد الزنا واللعان واللقيط ممن لا أب له شرعياً:
قد لا يعرف نسب الولد من أبيه الشرعي، مثل هؤلاء، فكيف يرثون (1)؟
أما ولد الزنا: فهو الولد الذي أتت به أمه من طريق غير شرعي، أو هو ثمرة العلاقة المحرمة.

وأما ولد اللعان: فهو الولد الذي ولد على فراش زوجية صحيحة، وحكم القاضي بنفي نسبه من الزوج بعد الملاعنة الحاصلة بينه وبين زوجته. ويكون حكم القاضي عند الحنفية بمجرد الملاعنة، ويشترط الجمهور طلب الزوج نفي الولد.
وكل من ولد الزنا وولد اللعان: لا توارث بينه وبين أبيه وقرابة أبيه بالإجماع، وإنما يرث بجهة الأم فقط؛ لأن نسبه من جهة الأب منقطع، فلا يرث به، ومن جهة الأم ثابت، فنسبه لأمه قطعاً؛ لأن الشرع لم يعتبر الزنا طريقاً مشروعاً لإثبات النسب، ولأن ولد اللعان لم يثبت نسبه من أبيه.
فيرث كل منهما عند الأئمة الأربعة من أمه وقرابتها، وهم الإخوة لأم بالفرض لا غير، وترث منه أمه وإخوته من أمه فرضاً لا غير؛ لأن صلته بأمه مؤكدة لا شك فيها، ولا يتصور أن يرث هو أو يورث بالعصوبة، إلا بالولاء أو الولاد، فيرثه من أعتقه أوأعتق أمه، أو ولده بالعصوبة، وكذلك يرث معتقه أو معتق معتقه، أو ولده بالعصوبة أيضاً.
ورأي الشيعة الإمامية أنه لا توارث أيضاً بين ولد الزنا وبين أمه وقرابتها، كما هو الحال بالنسبة إلى أبيه الزاني وقرابته؛ لأن الميراث نعمة أنعم الله بها على
_________
(1) الدر المختار: 565/ 5، اللباب: 198/ 4، تبيين الحقائق: 214/ 6، المغني: 259/ 6 - 266، القوانين الفقهية: ص 394.

(10/7905)


الوارث، فلا يجوز أن يكون سببها الجريمة أي الزنا. أما ولد اللعان فيرث عندهم من أمه، إذ قد يكون أحد الأبوين المتلاعنين كاذباً في ادعائه، فلم تكن الجريمة هي السبب في نفي النسب.
لكن الرأي الأول في ولد الزنا أولى تخفيفاً على الولد، إذ الجريمة جريمة الأم، فلا يعاقب الولد بجريمة أمه؛ أما الأب فالنسب منه غير مؤكد. لذا أخذ به القانون المصري (م 47) والسوري (م 303) ونص المادة فيهما: «يرث ولد الزنى وولد اللعان من الأم وقرابتها، وترثهما الأم وقرابتها».
وجاء في السنة: «أيُّما رجل عاهر بحرة أو أمة، فالولد ولد الزنا، لا يرث ولايورث» (1) وعن النبي صلّى الله عليه وسلم: «أنه جعل ميراث ابن الملاعَنَة لأمه، ولورثتها من بعدها» (2). وفي حديث المتلاعنين الذي يرويه سهل بن سعد قال: «وكانت حاملاً، وكان ابنها ينسب إلى أمه، فجرت السنة أنه يرثها، وترث منه، ما فرض الله لها» (3).
وعلى ذلك لو مات شخص عن: أم وابن غير شرعي، فالتركة كلها للأم فرضاً ورداً، ولا شيء للابن.
ولو مات شخص عن: أم وأخ لأم، وأخ لأب غير شرعي، كان للأم الثلثان فرضاً ورداً، وللأخ لأم الثلث فرضاً ورداً، ولا شيء للأخ لأب؛ لأنه غير شرعي.
_________
(1) رواه الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وفي إسناده أبو محمد عيسى بن موسى القرشي الدمشقي وهو ليس بمشهور (نيل الأوطار: 66/ 6).
(2) رواه أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وفيه ابن لهيعة، وفيه مقال معروف (المرجع السابق).
(3) أخرجه البخاري ومسلم (المرجع السابق).

(10/7906)


وإذا توفي ولد الزنا أو اللعان عن أمه، وأبيها، وأخيها: كانت تركته كلها لأمه: الثلث فرضاً، والباقي رداً، ولا شيء لأبيها (جده لأمه) وأخيها (خاله)؛ لأنهما من ذوي الأرحام.
ولو توفي أحد هذين الولدين عن أم، وأخ لأم، كان للأم الثلثان فرضاً ورداً، وللأخ لأم الثلث فرضاً ورداً.

وأما اللقيط: فهو الطفل المفقود المطروح على الأرض عادة، خوفاً من مسؤولية إعالته، أوفراراً من تهمة الريبة.
وإذا مات اللقيط عن غير وارث، فماله عند الجمهور ما عدا رواية عن أحمد لبيت المال، بناء على قاعدة (الغرم بالغنم) فإن بيت المال هو المسؤول عن الإنفاق عليه، وتربيته وتعليمه، فتكون تركته له كالأموال الضائعة التي لا يعرف أصحابها.
ويروى عن أحمد وهو رأي ابن تيمية: أن إرثه لمن التقطه.