الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي

الفَصْل الثّامن عَشر: المناسخة: تعريفها، تصحيح المسائل، اختصار مسائل المناسخات (1):
أولاً ـ تعريف المناسخة: المناسخة مفاعلة من النسخ بمعنى النقل والتحويل. والمراد بها هنا: انتقال نصيب بعض الورثة بموته قبل القسمة إلى من يرث منه.
فهي أن يموت من ورثة الميت الأول واحد أو أكثر قبل قسمة التركة.
_________
(1) السراجية: ص 157 - 163، الدر المختار: 566/ 5 وما بعدها، اللباب: 210/ 4 - 212، القوانين الفقهية: ص 400، الرحبية: ص 69، مغني المحتاج: 36/ 3، المغني: 197/ 6.

(10/7907)


فتارة يموت من ورثة الميت الأول واحد فقط، وتارة يموت أكثر، وفي الحالتين تارة يمكن الاختصار قبل العمل، وتارة لا يمكن. فهذه أربعة أحوال.

ثانياً ـ تصحيح المسائل: إذا مات إنسان، وخلف تركة وورثة، ولم تقسم التركة حتى مات بعض ورثته وخلف ورثة، فاختلف وضع الوارث أو حظوظ الورثة، فطريق العمل: أن تصحح مسألة الميت الأول بالقواعد السابقة، وتحفظ سهام الميت الثاني منها، وتعمل له مسألة أخرى، ثم تصحح مسألة الميت الثاني بتلك القواعد أيضاً.
ثم تنظر بين سهام الميت الثاني من التصحيح الأول؛ وبين التصحيح الثاني، فلا يخلو الأمر من ثلاثة أحوال: هي المماثلة، والموافقة، والمباينة.
أما المماثلة: فهي أن تنقسم سهام الميت الثاني على مسألته: فتصح المسألتان مما تصح منه المسألة الأولى، مثل:
مات عن زوج، وأم، وعم: المسألة من (6)، للزوج النصف (3)، وللأم الثلث (2)، وللعم الباقي (1)، ثم مات الزوج عن ثلاثة بنين، فننظر فنجد سهامه وهي (3) منقسمة على ورثته، فتصح المسألتان من (6)، للأم (2)، وللعم (1)، وللأبناء الثلاثة (3).
وأما المباينة: فهي ألا تنقسم سهام الميت الثاني على مسألته، كما إذا مات الزوج في المثال الأول عن (5) بنين، فسهامه الثلاثة لا تنقسم عليهم، وتباين مسألته، فاضرب جميع مسألته وهي (5) في المسألة الأولى وهي (6)، فالحاصل (30)، ومنه تصح المسألتان، للأم (5×2=10)، وللعم (5×1=5)، وللأبناء الخمسة (15)، أي فمن له شيء من المسألة الأولى أخذه مضروباً في المسألة الثانية، ومن له شيء من المسألة الثانية أخذه مضروباً في سهام مورثه.

(10/7908)


وأما الموافقة: فهي أن توافق سهام الميت الثاني مسألته بجزء من الأجزاء، كالنصف أو الثلث، كما إذا مات الزوج في المثال الأول عن ستة بنين، فسهامه الثلاثة لاتنقسم على مسألته، ولكنها توافق مسألته بالنصف، فيؤخذ وَفْق مسألته وهو (2) ويضرب في مسألة الميت الأول وهي (6) فيحصل (12)، ومنها تصح المسألتان، فمن له شيء من المسألة الأولى أخذه مضروباً في وَفْق المسألة الثانية، ومن له شيء من المسألة الثانية أخذه مضروباً في وَفْق المسألة الأولى.
موت شخص ثالث: فإذا مات شخص ثالث، فخذ سهامه من الجامعة لمسألتي الميت الأول والثاني، فإن انقسمت على مسألته، صحت الثالثة مما صحت منه المسألتان الأوليان.
وإن باينتها، فاضربها فيما صحت منه الجامعة بين المسألتين.
وإن وافقتها، فاضرب وَفْقها فيما صحت منه أيضاً.
فما بلغ فمنه تصح المسائل الثلاث، ثم اعتبر ذلك كمسألة واحدة أولى.
ومسألة الميت الرابع كالثانية، وهكذا.
فلو فرضنا مثال المباينة على حاله، وماتت الأم عن أربعة إخوة لأب، ثم مات العم عن عشرة بنين وهكذا.
ففي حال موت الأم عن أربعة إخوة: يكون بين حاصل المسألة (30) وبين الأربعة عدد الإخوة موافقة، فيقسم كل منهما على (2)، ثم يضرب (30×2=60) ومنه تصح، فيعطى للإخوة (2×10=20)، وللأبناء الخمسة (2×15=30)، وللعم (2×5=10).

(10/7909)


وفي حال موت العم عن عشرة بنين: يمكن قسمة نصيبه وهو (20) على الأبناء بدون كسر، فيعطى لكل ابن (2).

ثالثاً ـ اختصار مسائل المناسخات:
اختصار مسائل المناسخات نوعان: اختصار المسائل، واختصار السهام.

1 - أما اختصار المسائل: فهي أن تكون السهام في المسألة الثانية، مثل ما بقي من سهام الأولى، والورثة هم أولئك، بأن يكونوا عصبة.
2 - وأما اختصار السهام: فيكون بعد تصحيح المسائل وقسمتها، بأن تعتبر سهام الورثة، فربما توافقت بجزء من الأجزاء، فتردها إليه، وترد المسألة إلى مثل ذلك.
وتبدأ في الاستقراء: بأن تنظر النصف: فإن لم تجده، لم تطلب ما يتركب منه كالربع والثمن، وجزء الـ (16) وما أشبه ذلك. وإن وجدته طلبت ما يتركب منه.
ثم تطلب الثلث، فإن لم تجده، لم تطلب ما يتركب منه كالسدس والتسع وجزء الـ (12) والـ (18).
ثم تنظر إلى الخمس: فإن لم تجده، لم تطلب العشر، ولا جزء الـ (15) ونحوه.
ثم تطلب السبع، ثم أجزاء الـ (11)، والـ (13) ونحوها.
وإن وجدت للسهام مخرجين، أخذت ما يتولد منهما، مثل أن تجد النصف والثلث، فتأخذ السدس، أو النصف والخمس فتأخذ العشر، أو السبع والثلث، فتأخذ جزء الـ (21)، وقس على مثل هذا.

(10/7910)


وإذا كان في سهام الورثة عدد فرد واحد، لم تطلب النصف، ولا ما يتركب منه، بل تطلب الثلث، أو السبع أو التسع، فإن كان خمسة فاطلب الخمس وما يتركب منه من مخرج فرد.
وإن شئت طلبت الموافقة عند الفراغ من كل مسألة، وإن شئت تركتها إلى آخره.
وفي طريق الموافقة طريق آخر: وهو أن توافق بين أقل الأنصباء، وبين ما يليه، فإن لم يتوافقا علمت أنه لا اختصار في المسألة. وإن توافقا طلبت الموافقة بين مخرج ذلك الجزء وبين سهام من بقي.

أمثلة اختصار المسائل:
1 - زوجة، وأم، وعشرة إخوة، وعشر أخوات لأب، مات منهم ثمانية إخوة، وسبع أخوات: للزوجة 4/ 1، وللأم 6/ 1، والباقي بين من بقي على سبعة، وتصح من (12).
2 - زوجة، وأم، وأب، وخمسة بنين، وثلاث بنات، مات ابن منهم، ثم ماتت بنت، ثم الزوجة، ثم ابن، ثم الأب، ثم ابن، ثم الأم، ثم بنت، صار الميراث لمن بقي وهم ابنان وبنت، فيقسم المال بينهم على خمسة. وهذا إذا كانت الزوجة هي أم البنين والبنات، ولا وارث لها غيرهم.
3 - زوجة، وابنان، وثلاث بنات، مات أحد الابنين، فالأولى من (8)، إذا أسقطت منها سهمي الابن بقي (6)، والسهمان أيضاً بينهم على (6)؛ لأن الابن الذي مات ترك: أماً، وأخاً، وثلاث أخوات، فقد استوت سهام الثانية وما بقي من سهام الأولى، فاقسم المال بينهم على (6).

(10/7911)


4 - مات عن خمسة بنين، وخمس بنات، ثم مات منهم ابنان وابنتان، فلا تصحح، بل تقسم المال بين من بقي على (9)، ولو صححتها على عمل المناسخات، لوجدت سهامهم ترجع بالموافقة إلى (9).
5 - ثلاث أخوات، وابن عم هو زوج إحداهن: تصح المسألة من (7)، لأن أصلها من (3) للأخوات الثلثان (2)، ولابن العم (1)، فيضرب عدد الرؤوس (3) أخوات في أصل المسألة (3=9)، ثم ماتت الأخت التي هي زوجة ابن العم عن سهمين، فورثها زوجها وأختاها، فتعول من (6) إلى (7)، وسهامهن الأولى (7)، فتقسم المال بينهم على ذلك، ولو عملتها بالمناسخة لصحت من (63) بضرب أصلي المسألتين: (7×9) فتأخذ الأخت الأولى (2×9=18)، ومثلها الثانية، ويأخذ الزوج (27).
6 - ماتت عن زوج، وأبوين، وخمسة بنين، وخمس بنات، وثلاثة إخوة، وثلاث أخوات.
ثم مات الزوج، ثم الأم، ثم الأب، ثم ماتت بنت، ثم ابن، فبموت الزوج يرثه أولاده، وبموت الأم يرثها زوجها الأب، وأولادها الذين هم الإخوة والأخوات، فإذا مات الأب، عاد ماله إليهم، فصار لهم الثلث، وللأولاد الثلثان. وبموت الابن، ثم البنت، يعود نصيبهما إلى إخوتهما، وأخواتهما، فاقسم الثلثين بين من بقي منهم، وهم أربعة ذكور، وأربع إناث، على (12)، والثلث على (9)، وسهمان على (12) توافق بالنصف إلى (6)، والستة توافق التسعة بالثلث، فاضرب ثلث أحدهما في الآخر، يكون (18)، ثم في ثلثه، يكون (54)، ومنها تصح.

(10/7912)


أمثلة اختصار السهام:
1 - زوجة، وابن، وبنت، ثم ماتت البنت، تصح المسألتان من (12) للزوجة التي هي أم البنت الميتة (4)، وللابن الذي هو أخ البنت الباقي تعصيباً وهو (8)؛ لأن أصل المسألة الأولى (4)، وأصل المسألة الثانية (3)، فيضربان ببعضهما، فيكون للأم (3+1)، وللابن (6+2).
2 - زوجة، أبوان، ابنتان، ابن ابن، بنت ابن، ثم ماتت الزوجة والأبوان، تصح من (243)، وتوافق بالتسع، لأن تقسيم (243÷9=27)، فترجع إلى (27)، للبنتين (24)، ولابن الابن سهمان، ولبنت الابن سهم.
3 - زوجة، وابنان، وبنت: مات ابن، ثم بنت، تصح من (1080)، للزوجة (26)، وللابن (784)، وبينهما توافق بالثمن، فترجع إلى (135) للزوجة منها (37)، وللابن (98).
4 - زوجة، وأبوان، وابن ابن، وبنت ابن: ماتت الزوجة، ثم الأم، ثم الأب، تصح من (144)، وتختصر إلى (12)، للبنت (9)، ولابن الابن سهمان، ولبنت الابن سهم.
5 - زوجة، أم، ثلاثة بنين، وبنت: ماتت الزوجة، ثم الأم، وخلفت زوجاً وبنتاً. فللزوجة 8/ 1 وهو (3)، وللأم 6/ 1 وهو (4)، والباقي وهو (17) للبنين والبنات.
يقال: المسألة من (24)، وتصح من (168) بضرب (7 × 24)، وسهام الزوجة ترجع إلى أولادها، فصار لهم (20)، ثم ماتت الأم عن أربعة أسهم، لهم منها سهم، فصار لهم (21)، وهي منقسمة عليهم، ولزوجها سهم ولبنتها سهمان، وبتصحيحها من (168)، توافق السهام بالأسباع، لأن تقسيم (168÷7=24)، فترجع إلى (24).

(10/7913)


أمثلة تتطلب الاستيضاح عن صفة الميت والورثة:
هناك مسائل يستفهم فيها عن صفة الميت أهو ذكر أم أنثى، وعن الورثة أهم من أم واحدة، أم من أمهات؛ لأن الحكم يختلف فيما ذكر، والأنساب تتغير، والميراث يقل ويكثر.
1 - أخوان من أب، وأختان من أم وأب، مات أحد الأخوين، فيسأل: هل هو وأخوه من أم واحدة أو من أمين، فإنهما إن كانا من أم واحدة، كان الآخر أخاه من أمه وأبيه، فميراثه كله له، وإن كانا من أمين ورثوا كلهم.
2 - أختان من أم، وأختان من أب وأم، ثم ماتت إحدى الأختين من الأم، يسأل هل هما من أب واحد أو لا، فإن كانا من أب واحد، كانت الأخت الباقية من أب وأم، والأختان الأخريان من أم، وإن كانا من أبوين فهن جميعاً أخوات لأم.
3 - خمس أخوات، وعم، يسأل: هل الميت رجل أو امرأة، وهل الأخوات من أم الميت، أو من أب، أو منهما، أوبعضهن من أم، وبعضهن من أب؛ لأن الحكم يختلف بذلك.
4 - أربع بنات وعم، ماتت إحداهن، يسأل عنهن، هل هن من أم واحدة أو من أمهات شتى.
5 - مات شخص عن أبوين وابنتين، ثم ماتت إحدى الابنتين، وتركت زوجاً، يسأل، هل الميت رجل أو امرأة، فإن كان الميت امرأة، فهل ابنتاها من زوج أو من زوجين، وهذه هي المسألة المأمونة التي امتحن بها يحيى بن أكثم.

(10/7914)


6 - زوج وأربع بنات وعم، ماتت إحدى البنات، يسأل عن الزوج: هل هو أبو الميتة أو لا، وهل الباقيات من زوج واحد أو من أزواج.
7 - ترك أخوين وجدتين، ثم مات أحد الأخوين، يسأل عن الأخوين هل هما من أب وأم، أو لا، فإن كانا من أب ورثته أم الأب وحدها، وإن كانا من أم ورثته أم الأم وحدها، وإن كانا من أب وأم، ورثته الجدتان.
8 - عشرة أبناء عم، مات أحدهم، يسأل عن أمهم، أواحدة هي أم لا؟
9 - أبوان وثلاثة إخوة، ماتت الأم، يسأل هل الأب زوجها، أو هي مطلقة منه.