المحلى
بالآثار شرح المجلى بالإختصار
المجلد
السابع
تابع كتاب الصيام
تابع مسائل في قضاء الصوم والكفارة
ومن مات وعليه صوم فرض من قضاء رمضان
...
بسم الله الرحمن الرحيم
775 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمُ فَرْضٍ مِنْ قَضَاءِ
رَمَضَانَ, أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ وَاجِبَةٍ فَفَرْضٌ عَلَى
أَوْلِيَائِهِ أَنْ يَصُومُوهُ عَنْهُ هُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ, وَلاَ
إطْعَامَ فِي ذَلِكَ أَصْلاً أَوْصَى بِهِ أَوْ لَمْ يُوصِ بِهِ فَإِنْ
لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ اُسْتُؤْجِرَ عَنْهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ
مَنْ يَصُومُهُ عَنْهُ، وَلاَ بُدَّ أَوْصَى بِكُلِّ ذَلِكَ أَوْ لَمْ
يُوصِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى دُيُونِ النَّاسِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي
ثَوْرٍ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ, وَغَيْرِهِمَا.
وقال أبو حنيفة, وَمَالِكٌ: إنْ أَوْصَى أَنْ يُطْعَمَ عَنْهُ أُطْعِمَ
عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ, وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ
فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ. وَالإِطْعَامُ عِنْدَ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ مُدٌّ
مُدٌّ, وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ صَاعٌ مِنْ غَيْرِ الْبُرِّ لِكُلِّ
مِسْكِينٍ, نِصْفُ صَاعٍ مِنْ الْبُرِّ أَوْ دَقِيقِهِ.
وَقَالَ اللَّيْثُ كَمَا قلنا. وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ,
وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ فِي النَّذْرِ خَاصَّةً.
قال أبو محمد: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي
بِهَا أَوْ دَيْنٍ} . نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, وَعَبْدُ
الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ, قَالَ عَبْدُ اللَّهِ:
نا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، نا
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، نا مُسْلِمُ بْنُ
الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيُّ, وَأَحْمَدُ
بْنُ عِيسَى، نا ابْنُ وَهْبٍ, وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَانِ: نا
إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَرَبْرِيُّ، نا الْبُخَارِيُّ، نا
مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ أَعْيَنَ، نا أَبِي. ثُمَّ اتَّفَقَ
مُوسَى, وَابْنُ وَهْبٍ كِلاَهُمَا، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ،
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ
الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ
مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ" وَبِهِ إلَى
مُسْلِمٍ.
(7/2)
نا أَبُو
سَعِيدٍ الأَشَجُّ، نا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، نا الأَعْمَشُ، عَنْ
سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ, وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ, وَمُسْلِمٍ
الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ, وَعَطَاءٍ, وَمُجَاهِدٍ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ سَائِلاً سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم
فَقَالَ: إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَقْضِيهِ
عَنْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ كَانَ
عَلَى أُمِّكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ عَنْهَا" قَالَ: نَعَمْ,
قَالَ: "فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى".
قال أبو محمد: سَمِعَهُ الأَعْمَشُ مِنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ, وَمِنْ
الْحَكَمِ, وَمِنْ سَلَمَةَ, وَسَمِعَهُ الْحَكَمُ, وَسَلَمَةُ مِنْ
مُجَاهِدٍ. وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي
شَيْبَةَ, وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ, وَعَلِيُّ بْنُ حَجَرٍ
السَّعْدِيِّ, قَالَ أَبُو بَكْرٍ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ,
وَقَالَ عَبْدٌ: نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ حَجَرٍ: نا عَلِيُّ بْنُ مِسْهَرٍ, ثُمَّ
اتَّفَقَ ابْنُ نُمَيْرٍ, وَسُفْيَانُ, وَعَلِيُّ بْنُ مِسْهَرٍ,
كُلُّهُمْ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ
عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ
فَقَالَتْ: "إنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ وَإِنَّهَا
مَاتَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَجَبَ أَجْرُكِ
وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ" قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ
كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا قَالَ: "صُومِي",
قَالَتْ: إنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا قَالَ:
حُجِّي عَنْهَا" . قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ فِي رِوَايَتِهِ: شَهْرَيْنِ,
وَاتَّفَقُوا عَلَى كُلٍّ مَا عَدَا ذَلِكَ.
قال أبو محمد: فَهَذَا الْقُرْآنُ, وَالسُّنَنُ الْمُتَوَاتِرَةُ
الْمُتَظَاهِرَةُ الَّتِي لاَ يَحِلُّ خِلاَفُهَا, وَكُلُّهُمْ
يَقُولُ: يُحَجُّ، عَنِ الْمَيِّتِ إنْ أَوْصَى بِذَلِكَ, ثُمَّ لاَ
يَرَوْنَ أَنْ يُصَامَ عَنْهُ وَإِنْ أَوْصَى بِذَلِكَ, وَكِلاَهُمَا
عَمَلُ بَدَنٍ, وَلِلْمَالِ فِي إصْلاَحِ مَا فَسَدَ مِنْهُمَا
مَدْخَلٌ بِالْهَدْيِ, وَبِالإِطْعَامِ, وَبِالْعِتْقِ, فَلاَ
الْقُرْآنَ اتَّبَعُوا, وَلاَ بِالسُّنَنِ أَخَذُوا، وَلاَ الْقِيَاسَ
عَرَفُوا, وَشُغِلُوا فِي ذَلِكَ بِأَشْيَاءَ: مِنْهَا أَنَّهُمْ
ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إلاَّ
مَا سَعَى} . وَذَكَرُوا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"إذَا مَاتَ الْمَيِّتُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ: عِلْمٌ
عَلَّمَهُ, أَوْ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ, أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو
لَهُ" . وَبِأَثَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ
إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ،
عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
قَالَ: "مَنْ مَرِضَ فِي رَمَضَانَ فَلَمْ يَزَلْ مَرِيضًا حَتَّى
مَاتَ لَمْ يُطْعَمْ عَنْهُ, وَإِنْ صَحَّ فَلَمْ يَقْضِهِ حَتَّى
مَاتَ أُطْعِمَ عَنْهُ" وقال بعضهم: قَدْ رُوِيَ، عَنْ عَائِشَةَ,
وَابْنِ عَبَّاسٍ وَهُمَا رَوَيَا الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ أَنَّهُمَا
لَمْ يَرَيَا الصِّيَامَ، عَنِ الْمَيِّتِ كَمَا رَوَيْتُمْ مِنْ
طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ،
عَنْ
(7/3)
عَبْدِ
الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ امْرَأَةٍ مِنْهُمْ اسْمُهَا عَمْرَةُ:
أَنَّ أُمَّهَا مَاتَتْ وَعَلَيْهَا مِنْ رَمَضَانَ فَقَالَتْ
لِعَائِشَةَ: أَقْضِيه عَنْهَا قَالَتْ: لاَ, بَلْ تَصَدَّقِي عَنْهَا
مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ. وَإِذَا
تَرَكَ الصَّاحِبُ الْخَبَرَ الَّذِي رُوِيَ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى
نَسْخِهِ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِ غَيْرُ ذَلِكَ, إذْ لَوْ
تَعَمَّدَ مَا رَوَاهُ لَكَانَتْ جُرْحَةً فِيهِ, وَقَدْ أَعَاذَهُمْ
اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ. وَقَالُوا: لاَ يُصَامُ عَنْهُ كَمَا
لاَ يُصَلَّى عَنْهُ
قال أبو محمد: هَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ, وَهُوَ كُلُّهُ لاَ
حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ, أَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:
{وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إلاَّ مَا سَعَى} فَحَقٌّ إلاَّ أَنَّ
الَّذِي أَنْزَلَ هَذَا هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ
يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ. وَهُوَ الَّذِي قَالَ لِرَسُولِهِ صلى الله
عليه وسلم: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ}. وَهُوَ
الَّذِي قَالَ: {مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}.
فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إلاَّ مَا سَعَى, وَمَا حَكَمَ
اللَّهُ تَعَالَى أَوْ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّ لَهُ مِنْ
سَعْيِ غَيْرِهِ عَنْهُ, وَالصَّوْمُ عَنْهُ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ.
وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ نَسُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الاِحْتِجَاجِ بِهَذِهِ
الآيَةِ فَقَالُوا: إنْ حَجَّ، عَنِ الْمَيِّتِ, أَوْ أَعْتَقَ عَنْهُ,
أَوْ تَصَدَّقَ عَنْهُ, فَأَجْرُ كُلِّ ذَلِكَ لَهُ، وَلاَ حَقَّ بِهِ,
فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ.
فَإِنْ قَالَ مِنْهُمْ قَائِلٌ: إنَّمَا يُحَجُّ عَنْهُ إذَا أَوْصَى
بِذَلِكَ, لاَِنَّهُ دَاخِلٌ فِيمَا سَعَى قلنا لَهُ: فَقُولُوا:
بِأَنْ يُصَامَ عَنْهُ كَمَا إذَا أَوْصَى بِذَلِكَ لاَِنَّهُ دَاخِلٌ
فِيمَا سَعَى. فَإِنْ قَالُوا: لِلْمَالِ فِي الْحَجِّ مَدْخَلٌ فِي
جَبْرِ مَا نَقَصَ مِنْهُ قلنا: وَلِلْمَالِ فِي الصَّوْمِ مَدْخَلٌ
فِي جَبْرِ مَا نَقَصَ مِنْهُ بِالْعِتْقِ وَالاِطِّعَامِ; وَكُلُّ
هَذَا مِنْهُمْ تَخْلِيطٌ, وَتَنَاقُضٌ, وَشَرْعٌ فِي الدِّينِ لَمْ
يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى وَهُمْ يُجِيزُونَ الْعِتْقَ عَنْهُ,
وَالصَّدَقَةَ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ فَبَطَلَ
تَمْوِيهُهُمْ بِهَذِهِ الآيَةِ.
وَأَمَّا إخْبَارُهُ عليه السلام بِأَنَّ عَمَلَ الْمَيِّتِ يَنْقَطِعُ
إلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ, فَصَحِيحٌ, وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ لَمْ يَخَافُوا
الْفَضِيحَةَ فِي احْتِجَاجِهِمْ بِهِ وَلَيْتَ شِعْرِي مَنْ قَالَ
لَهُمْ: إنَّ صَوْمَ الْوَلِيِّ، عَنِ الْمَيِّتِ هُوَ عَمَلُ
الْمَيِّتِ حَتَّى يَأْتُوا بِهَذَا الْخَبَرِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ
إلاَّ انْقِطَاعُ عَمَلِ الْمَيِّتِ فَقَطْ, وَلَيْسَ فِيهِ انْقِطَاعُ
عَمَلِ غَيْرِهِ أَصْلاً, وَلاَ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ; فَظَهَرَ
قُبْحُ تَمْوِيهِهِمْ فِي الاِحْتِجَاجِ بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فَلاَ تَحِلُّ رِوَايَتُهُ إلاَّ
عَلَى سَبِيلِ بَيَانِ فَسَادِهَا لِعِلَلٍ ثَلاَثٍ فِيهِ: إحْدَاهَا
أَنَّهُ مُرْسَلٌ, وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ فِيهِ الْحَجَّاجَ بْنَ
أَرْطَاةَ, وَهُوَ سَاقِطٌ, وَالثَّالِثَةُ: أَنَّ فِيهِ إبْرَاهِيمَ
بْنَ أَبِي يَحْيَى وَهُوَ كَذَّابٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ
عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ; لإِنَّ فِيهِ إيجَابَ
(7/4)
الإِطْعَامِ عَنْهُ إنْ صَحَّ بَعْدَ أَنْ مَرِضَ, وَالْحَنَفِيُّونَ,
وَالْمَالِكِيُّونَ لاَ يَقُولُونَ بِذَلِكَ, إلاَّ أَنْ يُوصِيَ
بِذَلِكَ, وَإِلاَّ فَلاَ.
فَإِنْ قَالُوا: مَعْنَى ذَلِكَ إنْ أَوْصَى بِهِ قلنا: كَذَبْتُمْ
وَزِدْتُمْ فِي الْخَبَرِ خِلاَفَ مَا فِيهِ, لإِنَّ فِيهِ إنْ مَاتَ
وَلَمْ يَصِحَّ لَمْ يُطْعَمْ عَنْهُ فَلَوْ أَرَادَ إلاَّ أَنْ
يُوصِيَ بِذَلِكَ لَمَا كَانَ لِتَفْرِيقِهِ بَيْنَ تَمَادِي مَرَضِهِ
حَتَّى يَمُوتَ فَلاَ يُطْعَمُ عَنْهُ, وَبَيْنَ صِحَّتِهِ بَيْنَ
مَرَضِهِ وَمَوْتِهِ فَيُطْعَمُ عَنْهُ; لاَِنَّهُ إنْ أَوْصَى
بِالإِطْعَامِ عَنْهُ, وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ أُطْعِمَ عَنْهُ
عِنْدَهُمْ; فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ الْهَالِكِ
وَعَادَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ.
وَأَمَّا تَمْوِيهُهُمْ بِأَنَّ عَائِشَةَ, وَابْنَ عَبَّاسٍ رَوَيَا
الْخَبَرَ وَتَرَكَاهُ فَقَوْلٌ فَاسِدٌ لِوُجُوهٍ:
أَحَدُهَا أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ مَا قَالُوا, لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى
إنَّمَا افْتَرَضَ عَلَيْنَا اتِّبَاعَ رِوَايَةِ الصَّاحِبِ، عَنِ
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَفْتَرِضْ عَلَيْنَا قَطُّ
اتِّبَاعَ رَأْيِ أَحَدِهِمْ.
وَالثَّانِي أَنَّهُ قَدْ يَتْرُكُ الصَّاحِبُ اتِّبَاعَ مَا رَوَى
لِوُجُوهٍ غَيْرِ تَعَمُّدِ الْمَعْصِيَةِ, وَهِيَ أَنْ يَتَأَوَّلَ
فِيمَا رَوَى تَأْوِيلاً مَا اجْتَهَدَ فِيهِ فَأَخْطَأَ فَأُجِرَ
مَرَّةً, أَوْ أَنْ يَكُونَ نَسِيَ مَا رَوَى فَأَفْتَى بِخِلاَفِهِ;
أَوْ أَنْ تَكُونَ الرِّوَايَةُ عَنْهُ بِخِلاَفِهِ وَهُمَا مِمَّنْ
رَوَى ذَلِكَ، عَنِ الصَّاحِبِ; فَإِذْ كُلُّ ذَلِكَ مُمْكِنُ فَلاَ
يَحِلُّ تَرْكُ مَا اُفْتُرِضَ عَلَيْنَا اتِّبَاعُهُ مِنْ سُنَنِ
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمَا لَمْ يَأْمُرْنَا
بِاتِّبَاعِهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ هَذِهِ الْعِلَلُ فَكَيْفَ
وَكُلُّهَا مُمْكِنٌ فِيهِ، وَلاَ مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: هَذَا
دَلِيلٌ عَلَى نَسْخِ الْخَبَرِ, لاَِنَّهُ يُعَارَضُ بِأَنْ يُقَالَ:
كَوْنُ ذَلِكَ الْخَبَرِ عِنْدَ ذَلِكَ الصَّاحِبِ دَلِيلٌ عَلَى
ضَعْفِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ بِخِلاَفِهِ, أَوْ لَعَلَّهُ قَدْ رَجَعَ،
عَنْ ذَلِكَ.
وَالثَّالِثُ أَنَّهُمْ إنَّمَا يَحْتَجُّونَ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ
إذَا وَافَقَتْ تَقْلِيدَ أَبِي حَنِيفَةَ, وَمَالِكٍ,
وَالشَّافِعِيِّ, وَأَمَّا إذَا خَالَفَ قَوْلُ الصَّاحِبِ رَأْيَ
أَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا فَأَهْوَنُ شَيْءٍ عِنْدَهُمْ إطْرَاحُ
رَأْيِ الصَّاحِبِ وَالتَّعَلُّقُ بِرِوَايَتِهِ وَهَذَا فِعْلٌ
يَدُلُّ عَلَى رِقَّةِ الدِّينِ وَقِلَّةِ الْوَرَعِ.
فَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها رَوَتْ فُرِضَتْ
الصَّلاَةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زِيدَ فِي صَلاَةِ الْحَضَرِ وَأُقِرَّتْ
صَلاَةُ السَّفَرِ عَلَى الْحَالَةِ الآُولَى. ثُمَّ رُوِيَ عَنْهَا
مِنْ أَصَحِّ طَرِيقِ الإِتْمَامِ فِي السَّفَرِ; فَتَعَلَّقَ
الْحَنَفِيُّونَ, وَالْمَالِكِيُّونَ بِرِوَايَتِهَا وَتَرَكُوا
رَأْيَهَا, إذْ خَالَفَتْ فِيهِ مَا رَوَتْ, وَهِيَ الَّتِي رَوَتْ
"أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا
(7/5)
فَنِكَاحُهَا بَاطِلٍ" ثُمَّ أَنْكَحَتْ بِنْتَ أَخِيهَا عَبْدِ
الرَّحْمَانِ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبُوهَا غَائِبٌ
بِالشَّامِ بِغَيْرِ إذْنِهِ, وَأَنْكَرَ ذَلِكَ إذْ بَلَغَهُ أَشَدَّ
الإِنْكَارِ, فَخَالَفُوا رَأْيَهَا وَاتَّبَعُوا رِوَايَتَهَا. وَهِيَ
الَّتِي رَوَتْ التَّحْرِيمَ بِلَبَنِ الْفَحْلِ ثُمَّ كَانَتْ لاَ
تُدْخِلُ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَهُ نِسَاءُ إخْوَتِهَا, وَتُدْخِلُ
عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَهُ بَنَاتُ أَخَوَاتِهَا, فَتَرَكُوا رَأْيَهَا
وَاتَّبَعُوا رِوَايَتَهَا. وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ طَرِيقٍ لاَ
تَصِحُّ عَنْهُ: إيجَابَ الْقَضَاءِ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ
فِي نَهَارِ رَمَضَانَ, وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُهُ صِيَامُ
الدَّهْرِ وَإِنْ صَامَهُ وَأَنَّهُ لاَ يَقْضِيهِ, فَتَرَكُوا
الثَّابِتَ مِنْ رَأْيِهِ لِلْهَالِكِ مِنْ رِوَايَتِهِ. وَرَوَى أَبُو
هُرَيْرَةَ فِي الْبَحْرِ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ
ثُمَّ رُوِّينَا عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ
إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ هِشَامٍ
الدَّسْتُوَائِيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ مَاءَانِ لاَ يُجْزِئَانِ مِنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ: مَاءُ
الْبَحْرِ وَمَاءُ الْحَمَّامِ. وَرُوِيَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي
صَدَقَةِ الْفِطْرِ "مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ" مِنْ طَرِيقٍ لاَ تَصِحُّ,
وَصَحَّ عَنْهُ مِنْ رَأْيِهِ صَاعٌ مِنْ بُرٍّ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ
فَتَرَكَ الْحَنَفِيُّونَ رَأْيَهُ لِرِوَايَتِهِ, وَهَذَا كَثِيرٌ
مِنْهُمْ جِدًّا وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ تُحَقِّقُ تَلاَعُبَ
الْقَوْمِ بِدِينِهِمْ.
وَالرَّابِعُ أَنْ نَقُولَ: لَعَلَّ الَّذِي رُوِيَ، عَنْ عَائِشَةَ
فِيهِ الإِطْعَامُ كَأَنْ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى مَاتَتْ فَلاَ صَوْمَ
عَلَيْهَا.
وَالْخَامِسُ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْفُتْيَا
بِمَا رُوِيَ مِنْ الصَّوْمِ، عَنِ الْمَيِّتِ كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ
هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى; فَصَحَّ أَنَّهُ قَدْ نَسِيَ, أَوْ
غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا اللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِهِ مِمَّنْ لَمْ
نُكَلَّفْهُ. وَقَدْ جَاءَ عَنِ السَّلَفِ فِي هَذَا أَقْوَالٌ.
رُوِّينَا، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ
السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ أَبِي يَزِيدَ الْمَدَنِيِّ: أَنَّ رَجُلاً
قَالَ لاَِخِيهِ عِنْدَ مَوْتِهِ: إنَّ عَلَيَّ رَمَضَانَيْنِ لَمْ
أَصُمْهُمَا فَسَأَلَ أَخُوهُ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ: بَدَنَتَانِ
مُقَلَّدَتَانِ, ثُمَّ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَانِ مَا شَأْنُ الْبُدْنِ
وَشَأْنُ الصَّوْمِ, أَطْعِمْ، عَنْ أَخِيكَ سِتِّينَ مِسْكِينًا.
قال أبو محمد: إنْ لَمْ يَكُنْ قَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي الْبَدَنَتَيْنِ
حُجَّةً فَلَيْسَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الإِطْعَامِ حُجَّةً،
وَلاَ فَرْقَ; وَلَعَلَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ مُطِيقًا لِلصَّوْمِ, أَوْ
لَعَلَّ ذَيْنَكَ الرَّمَضَانَيْنِ كَانَا، عَنْ تَعَمُّدٍ فَلاَ
قَضَاءَ فِي ذَلِكَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ:
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ:
(7/6)
إذَا
مَاتَ الرَّجُلُ عَلَيْهِ صِيَامُ رَمَضَانَ أُطْعِمَ عَنْهُ مَكَانَ
كُلِّ يَوْمٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ. وَمِنْ طَرِيقٍ صَحِيحَةٍ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ: إنْ مَاتَ الَّذِي عَلَيْهِ صَوْمٌ وَلَمْ يَصِحَّ
قَبْلَ مَوْتِهِ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَإِنْ صَحَّ أُطْعِمَ عَنْهُ،
عَنْ كُلِّ يَوْمٍ نِصْفُ صَاعٍ حِنْطَةً. وَعَنِ الْحَسَنِ إنْ لَمْ
يَصِحَّ حَتَّى مَاتَ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ, فَإِنْ صَحَّ فَلَمْ
يَقْضِ صَوْمَهُ حَتَّى مَاتَ أُطْعِمَ عَنْهُ، عَنْ كُلِّ يَوْمٍ
مَكُّوكٌ مِنْ بُرٍّ, وَمَكُّوكٌ مِنْ تَمْرٍ. وَرُوِيَ أَيْضًا، عَنْ
طَائِفَةٍ مُدٌّ، عَنْ كُلِّ يَوْمٍ, وَقَدْ جَاءَ عَنِ الْحَسَنِ: لاَ
إطْعَامَ فِي ذَلِكَ، وَلاَ صِيَامَ, وَأَيْضًا فَإِنَّ احْتِجَاجَ
الْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ بِتَرْكِ عَائِشَةَ, وَابْنِ
عَبَّاسٍ لِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لأَنَّهُمْ
خَالَفُوا عَائِشَةَ فِي هَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ فِي قَوْلِهَا أَنْ
يُطْعِمَ، عَنْ كُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ لِمِسْكِينٍ, وَهُمْ لاَ
يَقُولُونَ: بِهَذَا, فَإِنْ كَانَ تَرْكُ عَائِشَةَ لِلْخَبَرِ
حُجَّةً, فَقَوْلُهَا فِي نِصْفِ صَاعٍ حُجَّةٌ, وَإِنْ لَمْ يَكُنْ
قَوْلُهَا فِي نِصْفِ صَاعٍ حُجَّةً فَلَيْسَ تَرْكُهَا لِلْخَبَرِ
حُجَّةً, فَظَهَرَ أَنَّهُمْ إنَّمَا يَحْتَجُّونَ مِنْ قَوْلِ
الصَّاحِبِ بِمَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ فَقَطْ; فَإِذَا خَالَفَ مَنْ
قَلَّدُوهُ هَانَ عَلَيْهِمْ خِلاَفُ الصَّاحِبِ, وَهَذَا دَلِيلُ
سَوْءٍ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ.
وَأَمَّا قَوْلُ أَحْمَدَ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي ثَوْرٍ، نا
عَبْدُ الْوَهَّابِ، هُوَ ابْنُ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي
عَرُوبَةَ, وَرَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ،
عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ
فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ رَمَضَانُ وَنَذْرُ شَهْرٍ: يُطْعَمُ عَنْهُ
مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ وَيَصُومُ عَنْهُ وَلِيُّهُ نَذْرَهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: نا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ
عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ الْبُنَانِيِّ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ سُئِلَ، عَنْ رَجُلٍ مَاتَ وَعَلَيْهِ رَمَضَانُ
وَصَوْمُ شَهْرٍ فَقَالَ: يُطْعَمُ عَنْهُ لِرَمَضَانَ وَيُصَامُ
عَنْهُ النَّذْرُ, وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ; فَإِنْ كَانَ تَرْكُ
ابْنِ عَبَّاسٍ لِمَا تَرَكَ مِنْ الْخَبَرِ حُجَّةً فَأَخْذُهُ بِمَا
أَخَذَ مِنْهُ حُجَّةٌ, وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَخْذُهُ بِمَا أَخَذَ بِهِ
حُجَّةً فَتَرْكُهُ مَا تَرَكَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَمَا عَدَا هَذَا
فَتَلاَعُبٌ بِالدِّينِ.
وَأَمَّا قَوْلُنَا فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي ثَوْرٍ، نا عَبْدُ
الْوَهَّابِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ قَالَ: حَدَّثُونِي،
عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ:، أَنَّهُ قَالَ
فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ رَمَضَانُ: إنْ لَمْ يَجِدُوا مَا يُطْعَمُ
عَنْهُ صَامَهُ عَنْهُ وَلِيُّهُ, وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ
(7/7)
مَعْمَرٍ،
عَنِ ابْنِ طَاوُوس، عَنْ أَبِيهِ إذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ
صِيَامُ رَمَضَانَ قَضَى عَنْهُ بَعْضُ أَوْلِيَائِهِ, قَالَ مَعْمَرٌ:
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَبِهِ إلَى مَعْمَرٍ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ: مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرُ صِيَامٍ فَإِنَّهُ يَصُومُ
عَنْهُ بَعْضُ أَوْلِيَائِهِ.
قال أبو محمد: لَيْسَ قَوْلُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم،
أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ, وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ
أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ; لإِنَّ كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا فَقَدْ
أَوْجَبَ مَا أَوْجَبَ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ أَنْ يُوصِيَ الْمَيِّتُ
بِذَلِكَ. وقال أبو حنيفة, وَمَالِكٌ: لاَ شَيْءَ فِي ذَلِكَ إلاَّ
أَنْ يُوصِيَ بِالإِطْعَامِ فَيُطْعَمَ عَنْهُ وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا
قَبْلَهُمْ قَالَ بِهَذَا; إلاَّ رِوَايَةً، عَنِ الْحَسَنِ قَدْ صَحَّ
عَنْهُ خِلاَفُهَا.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: لاَ يُصَامُ عَنْهُ كَمَا لاَ يُصَلَّى عَنْهُ;
فَبَاطِلٌ وَقِيَاسٌ لِلْخَطَأِ عَلَى الْخَطَأِ بَلْ يُصَلَّى عَنْهُ
النَّذْرُ, وَصَلاَةُ فَرْضٍ إنْ نَسِيَهَا أَوْ نَامَ عَنْهَا وَلَمْ
يُصَلِّهَا حَتَّى مَاتَ; فَهَذَا دَخَلَ تَحْتَ, قَوْلِ رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى"
. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنْ تُصَلَّى
الرَّكْعَتَانِ إثْرَ الطَّوَافِ، عَنِ الْمَيِّتِ الَّذِي يُحَجُّ
عَنْهُ; وَهَذَا تَنَاقُضٌ مِنْهُمْ لاَ خَفَاءَ بِهِ. وَهَذَا قَوْلُ
إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ فِي قَضَاءِ الصَّلاَةِ، عَنِ الْمَيِّتِ.
وقال الشافعي: إنْ صَحَّ الْخَبَرُ قلنا بِهِ وَإِلاَّ فَيُطْعَمُ
عَنْهُ مُدٌّ، عَنْ كُلِّ يَوْمٍ. وَإِنَّمَا قلنا: إنَّ
الاِسْتِئْجَارَ لِذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنْ رَأْسِ
الْمَالِ مُقَدَّمٌ عَلَى دُيُونِ النَّاسِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى
الله عليه وسلم: "فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى".
قال أبو محمد: مِنْ الْكَبَائِرِ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: بَلْ دَيْنُ
النَّاسِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى مِنْ دَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى عَزَّ
وَجَلَّ وَقَدْ سَمِعَ هَذَا الْقَوْلَ.
(7/8)
776 -
مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ صَامَهُ بَعْضُ أَوْلِيَائِهِ أَجْزَأَ; لِعُمُومِ
الْخَبَرِ فِي ذَلِكَ, وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً فَاقْتَسَمُوهُ جَازَ
كَذَلِكَ أَيْضًا إلاَّ أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُ أَنْ يَصُومُوا كُلُّهُمْ
يَوْمًا وَاحِدًا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ
أُخَرَ} . فَلاَ بُدَّ مِنْ أَيَّامٍ مُتَغَايِرَةٍ, فَلَوْ لَمْ
يَصِحَّ حَتَّى مَاتَ فَلاَ شَيْءَ عَلَى أَوْلِيَائِهِ، وَلاَ
عَلَيْهِ; لإِنَّ الأَثَرَ إنَّمَا جَاءَ فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ
صَوْمٌ, وَهَذَا مَاتَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ صَوْمٌ لِقَوْلِ اللَّهِ
تَعَالَى: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا} فَإِذَا
لَمْ يَكُنْ فِي وُسْعِهِ الصَّوْمُ فَلَمْ يُكَلَّفْ, وَإِذَا لَمْ
يُكَلَّفْهُ فَقَدْ مَاتَ، وَلاَ صَوْمَ عَلَيْهِ.
(7/8)
وَالأَوْلِيَاءُ هُمْ ذَوُو الْمَحَارِمِ بِلاَ شَكٍّ وَلَوْ صَامَهُ
الأَبْعَدُ مِنْ بَنِي عَمِّهِ أَجْزَأَ عَنْهُ, لاَِنَّهُ وَلِيُّهُ,
فَإِنْ أَبَوْا مِنْ الصَّوْمِ فَهُمْ عُصَاةٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلاَ
شَيْءَ عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ ذَلِكَ الصَّوْمِ; لاَِنَّهُ قَدْ
نَقَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إلَيْهِمْ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم: "مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ صَامَ عَنْهُ
وَلِيُّهُ" . وَبِأَمْرِهِ عليه السلام الْوَلِيَّ أَنْ يَصُومَ
عَنْهُ.
(7/9)
777 -
مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ تَعَمَّدَ النُّذُورَ لِيُوقِعَهَا عَلَى وَلِيِّهِ
بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَيْسَ نَذْرًا، وَلاَ يَلْزَمُهُ هُوَ، وَلاَ
وَلِيُّهُ بَعْدَهُ, وَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ, وَقَدْ
صَحَّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا ناهُ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ يُوسُفَ، نا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عِيسَى، نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، نا
مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حَجَرٍ، نا
إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، نا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ،
عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ
الْحُصَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ
وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ".
قال علي: وهذا النَّذْرُ إنَّمَا يَكُونُ نَذْرًا إذَا قُصِدَ بِهِ
اللَّهُ تَعَالَى فَيَلْزَمُ حِينَئِذٍ فَإِذَا قُصِدَ بِهِ غَيْرُ
اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مَعْصِيَةٌ لاَ يَحِلُّ الْوَفَاءُ بِهِ،
وَلاَ يَلْزَمُ صَاحِبَهُ، وَلاَ غَيْرَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ.
(7/9)
778 -
مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ فَأَكْثَرَ, شُكْرًا لِلَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ, أَوْ تَقَرُّبًا إلَيْهِ تَعَالَى, أَوْ إنْ فَاقَ,
أَوْ إنْ أَرَاهُ اللَّهُ تَعَالَى أَمَلاً يَأْمُلُهُ لاَ مَعْصِيَةً
لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ الْمَأْمُولِ, فَفَرْضٌ
عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}.
نا عبد الله بن ربيع، نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، نا ابْنُ
الأَعْرَابِيِّ، نا أَبُو دَاوُد، نا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ،
عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الأَيْلِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ
بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ
اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلاَ
يَعْصِهِ". فَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ نَذْرِ مَعْصِيَةٍ كَمَنْ نَذَرَتْ
صَوْمَ يَوْمِ حَيْضَتِهَا أَوْ صَوْمَ يَوْمِ الْعِيدِ, وَنَحْوِ
ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَعْصِيَةٍ.
(7/9)
779 -
مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ نَذَرَ مَا لَيْسَ طَاعَةً، وَلاَ مَعْصِيَةً
كَالْقُعُودِ فِي دَارِ فُلاَنٍ أَوْ أَنْ لاَ يَأْكُلَ خُبْزًا
مَأْدُومًا أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا لَمْ يَلْزَمْهُ, وَلاَ حُكْمَ
لِهَذَا إلاَّ اسْتِغْفَارُ اللَّهِ تَعَالَى
(7/9)
780 -
مَسْأَلَةٌ: وَيُنْهَى، عَنِ النَّذْرِ جُمْلَةً فَإِنْ وَقَعَ لَزِمَ
كَمَا قَدَّمْنَا, رُوِّينَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى أَبِي
دَاوُد، نا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ
الْحَمِيدِ، عَنْ مَنْصُورٍ، هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى،
عَنِ النَّذْرِ وَيَقُولُ: "لاَ يَرُدُّ شَيْئًا وَإِنَّمَا
يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ" . فَفِي قَوْلِهِ عليه السلام:
"وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ". إيجَابٌ لِلْوَفَاءِ
بِهِ إذَا وَقَعَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى.
(7/10)
781 -
مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ عَلَيَّ لِلَّهِ تَعَالَى صَوْمُ يَوْمَ
أُفِيقُ, أَوْ قَالَ: يَوْمَ يَقْدَمُ فُلاَنٌ, أَوْ قَالَ يَوْمَ
أَنْطَلِقُ مِنْ سِجْنِي, أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا فَكَانَ مَا رَغِبَ
فِيهِ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا: لَمْ يَلْزَمْهُ صِيَامُ ذَلِكَ
الْيَوْمِ، وَلاَ قَضَاؤُهُ، وَلاَ صَوْمُ غَيْرِهِ; لاَِنَّهُ إنْ
كَانَ مَا رَغِبَ فِيهِ لَيْلاً فَلَمْ يَكُنْ فِي يَوْمٍ فَلاَ
يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ, وَإِنْ كَانَ نَهَارًا فَلاَ
يُمْكِنُهُ إحْدَاثُ صَوْمٍ لَمْ يُبَيِّتْهُ مِنْ اللَّيْلِ، وَلاَ
تَقَدَّمَ إلْزَامُ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ إيَّاهُ, وَلاَ يَلْزَمُهُ
صِيَامُ يَوْمٍ آخَرَ; لاَِنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَهَذَا قَوْلُ
أَبِي حَنِيفَةَ, وَالشَّافِعِيِّ وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: إنْ قَدِمَ
نَهَارًا صَامَ بَقِيَّةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ,
وقال مالك: إنْ قَدِمَ لَيْلاً صَامَ النَّاذِرُ غَدَ تِلْكَ
اللَّيْلَةِ.
(7/10)
782 -
مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ قَالَ فِي كُلِّ ذَلِكَ: عَلَيَّ صَوْمُ ذَلِكَ
الْيَوْمِ أَبَدًا فَإِنْ كَانَ لَيْلاً لَمْ يَلْزَمْهُ كَمَا
قَدَّمْنَا, لاَِنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهُ، وَلاَ يَلْزَمُ صِيَامُ
اللَّيْلِ, لاَِنَّهُ مَعْصِيَةٌ, فَإِنْ كَانَ نَهَارًا لَزِمَهُ فِي
الْمُسْتَأْنَفِ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ إذَا تَكَرَّرَ كَمَا
نَذَرَهُ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ, لاَِنَّهُ
غَيْرُ مَا نَذَرَ.
(7/10)
783 -
مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَفْطَرَ فِي صَوْمِ نَذْرٍ عَامِدًا أَوْ لِعُذْرٍ
فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ إلاَّ أَنْ يَكُونَ نَذَرَ أَنْ يَقْضِيَهُ
فَيَلْزَمُهُ, لاَِنَّهُ إذَا لَمْ يَنْذِرْ الْقَضَاءَ فَلاَ يَجُوزُ
أَنْ يُلْزَمَ مَا لَمْ يَنْذِرْهُ; إذْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ نَصٌّ.
(7/10)
784 -
مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمَيْنِ فَصَاعِدًا أَجْزَأَهُ
أَنْ يَصُومَ ذَلِكَ مُتَفَرِّقًا لاَِنَّهُ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِمَا
نَذَرَ.
(7/11)
785 -
مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ جُمُعَةٍ أَوْ قَالَ: شَهْرٍ لَمْ
يَجُزْ أَنْ يَصُومَ ذَلِكَ إلاَّ مُتَتَابِعًا، وَلاَ بُدَّ; فَإِنْ
تَعَمَّدَ فِي خِلاَلِ ذَلِكَ فِطْرًا لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ:
ابْتَدَأَهُ مِنْ أَوَّلِهِ لإِنَّ اسْمَ الْجُمُعَةِ وَالشَّهْرِ لاَ
يَقَعُ إلاَّ عَلَى أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ لاَ مُتَفَرِّقَةٍ,
فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ مَا نَذَرَ لاَ مَا لَمْ يَنْذِرْ; فَإِنْ لَمْ
يُتَابِعْ ذَلِكَ فَلَمْ يَأْتِ بِمَا نَذَرَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ
بِهِ.
(7/11)
786 -
مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ جُمُعَتَيْنِ أَوْ قَالَ:
شَهْرَيْنِ, وَلَمْ يَنْذِرْ التَّتَابُعَ فِي ذَلِكَ لَزِمَهُ أَنْ
يَصُومَ كُلَّ جُمُعَةٍ مُتَتَابِعَةٍ، وَلاَ بُدَّ, وَكُلُّ شَهْرٍ
مُتَتَابِعًا، وَلاَ بُدَّ, وَلَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْجُمُعَةِ
وَالْجُمُعَةِ, وَبَيْنَ الشَّهْرِ وَالشَّهْرِ لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا
إلاَّ أَنْ يَنْذِرَهُمَا مُتَتَابِعِينَ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ;
لاَِنَّهُ طَاعَةٌ زَائِدَةٌ.
(7/11)
787 -
مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ صَامَ الشَّهْرَ مَا بَيْنَ الْهِلاَلَيْنِ
لَزِمَهُ إتْمَامُهُ, فَإِنْ ابْتَدَأَ صِيَامَهُ بَعْدَ دُخُولِ
الشَّهْرِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلاَّ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا
مُتَّصِلَةٌ، وَلاَ بُدَّ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
"الشَّهْرُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ"، وَأَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا
وَعِشْرِينَ فَلاَ يَلْزَمُهُ زِيَادَةُ يَوْمٍ إلاَّ بِنَصٍّ وَارِدٍ،
وَلاَ نَصَّ فِي ذَلِكَ; وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ
اسْمُ مَا نَذَرَ مِنْ شَهْرٍ أَوْ أَكْثَرَ فَقَطْ; فَإِنْ نَذَرَ
نِصْفَ شَهْرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إلاَّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا,
لإِنَّ كَسْرَ يَوْمٍ لاَ يَلْزَمُهُ صِيَامُهُ لِمَنْ نَذَرَهُ, وَلاَ
يَجُوزُ أَنْ يُلْزَمَ يَوْمًا زَائِدًا لَمْ يُنْذَرْهُ.
(7/11)
788 -
مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ فَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: يَصُومُ
اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا لاَ يَعُدُّ فِيهَا رَمَضَانَ, وَلاَ يَوْمَ
الْفِطْرِ, وَالأَضْحَى, وَلاَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ, وَفِي هَذَا
عِنْدَنَا نَظَرٌ وَالْوَاجِبُ عِنْدَنَا أَنْ لاَ يَلْزَمَهُ شَيْءٌ;
لإِنَّ هَذِهِ الْفُتْيَا إلْزَامٌ لَهُ مَا لَمْ يَنْذِرْهُ; لإِنَّ
اسْمَ سَنَةٍ لاَ يَقَعُ إلاَّ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا
مُتَّصِلَةٍ لاَ مُبَدَّدَةٍ, وَهُوَ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ
بِنَذْرِهِ كَمَا نَذَرَهُ; فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُلْزَمَ مَا لَمْ
يَلْتَزِمْهُ، وَلاَ نَذَرَهُ, وَلاَ أَنْ يَلْتَزِمَ مَا لَمْ
يُمْكِنْ, وَمَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لاَ
يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا} وَمَنْ ادَّعَى هَاهُنَا
إجْمَاعًا فَقَدْ كَذَبَ; لاَِنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ
فِي ذَلِكَ بِرِوَايَةٍ، عَنْ صَاحِبٍ أَصْلاً, وَلاَ نَعْلَمُ فِي
ذَلِكَ قَوْلاً، عَنْ تَابِعٍ. وَقَدْ قَالَ فِيهَا أَبُو حَنِيفَةَ
يُفْطِرُ فِيهَا يَوْمَيْ الْفِطْرِ وَالأَضْحَى وَأَيَّامَ
التَّشْرِيقِ, ثُمَّ يَقْضِيهَا. وَقَالَ زُفَرُ: يُفْطِرُ الأَيَّامَ
الْمَذْكُورَةَ, وَلاَ يَقْضِيهَا. وقال مالك: يَصُومُ, وَيُفْطِرُ
الأَيَّامَ الْمَذْكُورَةَ, وَلاَ يَقْضِي رَمَضَانَ, وَلاَ الأَيَّامَ
الْمَذْكُورَةَ, إلاَّ أَنْ يَنْوِيَ قَضَاءَهَا. وَقَالَ اللَّيْثُ:
يَصُومُ
(7/11)
789 -
مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ صَوْمُ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ نَذْرًا
فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ لَزِمَهُ فَرْضًا أَنْ يَصُومَ ذَلِكَ
الْيَوْمِ لِرَمَضَانَ لاَ لِلنَّذْرِ أَصْلاً; فَإِنْ صَامَهُ
لِنَذْرِهِ أَوْ لِرَمَضَانَ وَلِنَذْرِهِ فَالإِثْمُ عَلَيْهِ، وَلاَ
يُجْزِئُهُ لاَ لِنَذْرِهِ، وَلاَ لِرَمَضَانَ; لإِنَّ أَمْرَ اللَّهِ
تَعَالَى مُتَقَدِّمٌ لِنَذْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَصُومَ
رَمَضَانَ، وَلاَ شَيْئًا مِنْهُ لِغَيْرِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ
تَعَالَى بِصِيَامِهِ مُخْلِصًا لَهُ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ; وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ.
(7/12)
790 -
مَسْأَلَةٌ: وَأَفْضَلُ الصَّوْمِ بَعْدَ الصِّيَامِ الْمَفْرُوضِ
صَوْمُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ. وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَصُومَ
أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَصْلاً, وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ مَعْصِيَةٌ
مِمَّنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بِهَا الْحُجَّةُ, وَلاَ يَحِلُّ صَوْمُ
الدَّهْرِ أَصْلاً.
نا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، نا
إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، نا الْفَرَبْرِيُّ، نا الْبُخَارِيُّ، نا
مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَنَا
الأَوْزَاعِيُّ، نا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي أَبُو
سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: حَدَّثَنِي
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ
اللَّهِ: "يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ
تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ
اللَّهِ قَالَ: "فَلاَ تَفْعَلْ, صُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ;
فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ
حَقًّا, وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا, وَإِنَّ لِزَوْرِكَ
عَلَيْكَ حَقًّا; وَإِنَّ
(7/12)
791 -
مَسْأَلَةٌ: قال أبو محمد: وَنَسْتَحِبُّ صِيَامَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ
مِنْ كُلِّ شَهْرٍ, وَنَسْتَحِبُّ صِيَامَ الاِثْنَيْنِ, وَالْخَمِيسِ,
وَكُلُّ هَذَا فَبِأَنْ لاَ يَتَجَاوَزَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ
الدَّهْرِ, فأما الثَّلاَثَةُ الأَيَّامِ فَلِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا فِي
حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَمَّا
الاِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسُ فَلِمَا ناهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ،
نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا
الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا، نا حُسَيْنٌ هُوَ الْجُعْفِيُّ، عَنْ
زَائِدَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الْمُسَيِّبِ، هُوَ ابْنُ رَافِعٍ، عَنْ
حَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم يَصُومُ الاِثْنَيْنِ, وَالْخَمِيسَ" . وَيَكْرَهُ
صَوْمَ شَهْرٍ تَامٍّ غَيْرِ رَمَضَانَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ فِعْلِهِ
صلى الله عليه وسلم.وَقَدْ ذَكَرْنَا مِثْلَ قَوْلِنَا آنِفًا، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ.
(7/17)
792 -
مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْفَرْضِ فَقَطْ فَحَسَنٌ لِمَا
قَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم لِلَّذِي سَأَلَهُ، عَنِ الدِّينِ فَأَخْبَرَهُ عليه السلام
بِوُجُوبِ رَمَضَانَ قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ قَالَ: "لاَ إلاَّ
أَنْ تَتَطَوَّعَ" وَذَكَرَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ
وَالْحَجِّ; فَقَالَ السَّائِلُ: وَاَللَّهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا،
وَلاَ أَنْقُصُ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ دَخَلَ الْجَنَّةَ إنْ صَدَقَ".
(7/17)
793 -
مَسْأَلَةٌ: وَنَسْتَحِبُّ صَوْمَ يَوْمِ عَاشُورَاءَ: وَهُوَ
التَّاسِعُ مِنْ الْمُحَرَّمِ وَإِنْ صَامَ الْعَاشِرَ بَعْدَهُ
فَحَسَنٌ. وَنَسْتَحِبُّ أَيْضًا صِيَامَ يَوْمِ عَرَفَةَ لِلْحَاجِّ
وَغَيْرِهِ.
نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، نا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، نا عَبْدُ
الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نا أَحْمَدُ
بْنُ عَلِيٍّ، نا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نا مُحَمَّدُ بْنُ
الْمُثَنَّى، نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، نا شُعْبَةُ، عَنْ غَيْلاَنَ
بْنِ جَرِيرٍ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيَّ،
عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم سُئِلَ، عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ فَقَالَ: "يُكَفِّرُ
السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ". وَسُئِلَ، عَنْ صَوْمِ يَوْمِ
عَاشُورَاءَ فَقَالَ "يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ".
وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نا
وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَنْ حَاجِبِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ الْحَكَمِ
بْنِ الأَعْرَجِ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، عَنْ صَوْمِ
عَاشُورَاءَ فَقَالَ: إذَا رَأَيْتَ هِلاَلَ الْمُحَرَّمِ فَاعْدُدْ
وَأَصْبِحْ يَوْمَ التَّاسِعِ صَائِمًا فَقُلْتُ: هَكَذَا كَانَ
مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم يَصُومُهُ قَالَ: نَعَمْ.
نا حَمَّادُ بْنُ مُفَرِّجٍ، نا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، نا
الدَّبَرِيُّ، نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي
(7/17)
794 -
مَسْأَلَةٌ: وَنَسْتَحِبُّ صِيَامَ أَيَّامِ الْعَشْرِ مِنْ ذِي
الْحِجَّةِ قَبْلَ النَّحْرِ لِمَا ناهُ حُمَامٌ، نا ابْنُ مُفَرِّجٍ،
نا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، نا الدَّبَرِيُّ، نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ،
عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ
الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ أَيَّامٍ أَحَبُّ إلَى
اللَّهِ فِيهِمْ الْعَمَلُ أَوْ أَفْضَلُ فِيهِنَّ الْعَمَلُ مِنْ
أَيَّامِ الْعَشْرِ" قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلاَ الْجِهَادُ
قَالَ: "وَلاَ الْجِهَادُ إلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ
فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ". قال أبو محمد: هُوَ عَشْرُ ذِي
الْحِجَّةِ, وَالصَّوْمُ عَمَلُ بِرٍّ; فَصَوْمُ عَرَفَةَ يَدْخُلُ فِي
هَذَا أَيْضًا.
(7/19)
795 -
مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ صَوْمُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ إلاَّ لِمَنْ
صَامَ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ فَلَوْ نَذَرَهُ
إنْسَانٌ كَانَ نَذْرُهُ بَاطِلاً, فَلَوْ كَانَ إنْسَانٌ يَصُومُ
يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا فَجَاءَهُ صَوْمُهُ فِي الْجُمُعَةِ
فَلْيَصُمْهُ.
نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، نا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، نا عَبْدُ
الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نا أَحْمَدُ
بْنُ عَلِيٍّ، نا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نا أَبُو كُرَيْبٍ، نا
حُسَيْنٌ هُوَ الْجُعْفِيُّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ هِشَامٍ، هُوَ ابْنُ
حَسَّانٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ
الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي، وَلاَ تَخُصُّوا
يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الأَيَّامِ إلاَّ أَنْ
يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ".
نا عبد الله بن ربيع، نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، نا أَحْمَدُ بْنُ
شُعَيْبٍ، نا إسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ هُوَ الْجَحْدَرِيُّ، نا
بِشْرٌ، هُوَ ابْنُ الْمُفَضَّلِ، نا سَعِيدٌ، هُوَ ابْنُ أَبِي
عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم عَلَى جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
وَهِيَ صَائِمَةٌ فَقَالَ لَهَا: أَصُمْتِ أَمْسِ قَالَتْ: لاَ قَالَ:
أَتُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا قَالَتْ: لاَ قَالَ: فَأَفْطِرِي.
وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ; وَمِنْ طَرِيقِ
جُوَيْرِيَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ. وَمِنْ طَرِيقِ جُنَادَةَ
الأَزْدِيُّ: وَلَهُ صُحْبَةٌ كُلُّهُمْ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله
عليه وسلم. وَبِهِ قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ سَعِيدٍ
الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَلاَءِ، هُوَ ابْنُ الشِّخِّيرِ أَنَّ
سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
قَالَ لِزَيْدِ بْنِ صَوْحَانَ: "اُنْظُرْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَلاَ
تُصَلِّهَا".
قَالَ عَلِيٌّ: لاَ نَعْلَمُ لَهُ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي
الله عنهم.
وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ
عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ السَّكَنِ قَالَ:
مَرَّ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِأَبِي ذَرٍّ يَوْمَ
جُمُعَةٍ وَهُمْ صِيَامٌ فَقَالَ: عَزَمْت عَلَيْكُمْ لِمَا
أَفْطَرْتُمْ فَإِنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ قَيْسُ بْنُ السَّكَنِ أَدْرَكَ
أَبَا ذَرٍّ وَجَالَسَهُ.
وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ نَهَى، عَنْ تَعَمُّدِ
صِيَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ،
عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ: لاَ تَصُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلاَّ أَنْ تَصُومَ قَبْلَهُ
أَوْ بَعْدَهُ. وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ; وَمُجَاهِدٍ,
وَالشَّعْبِيِّ, وَابْنِ سِيرِينَ وَغَيْرِهِمْ, وَذَكَرَهُ
إبْرَاهِيمُ عَمَّنْ لَقِيَ, وَإِنَّمَا لَقِيَ أَصْحَابَ ابْنِ
مَسْعُودٍ.
(7/20)
فإن قيل:
فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ شَيْبَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زَرٍّ،
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
كَانَ يَصُومُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرً وَقَلَّ مَا كَانَ
يُفْطِرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ.
وَمِنْ طَرِيقِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي
عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَلَّ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم مُفْطِرًا يَوْمَ جُمُعَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ لَيْثِ بْنِ
أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ طَاوُوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَلَّ مَا
رَأَيْتُهُ مُفْطِرًا يَوْمَ جُمُعَةٍ قَطُّ.
قال أبو محمد: لَيْثٌ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَأَمَّا خَبَرُ ابْنِ
مَسْعُودٍ فَصَحِيحٌ, وَالْقَوْلُ فِيهَا كُلُّهَا سَوَاءٌ, وَهُوَ
أَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا لاَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم، وَلاَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ, وَلاَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ,
وَلاَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إبَاحَةُ تَخْصِيصِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ
بِصِيَامٍ دُونَ يَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ يَوْمٍ بَعْدَهُ. وَنَحْنُ لاَ
نُنْكِرُ صِيَامَهُ إذَا صَامَ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا
بَعْدَهُ, وَلاَ يَحِلُّ أَنْ نَكْذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم فَنُخْبِرُ عَنْهُ بِمَا لَمْ يُخْبِرْ بِهِ عَنْهُ
صَاحِبُهُ, وَلاَ أَنْ نَحْمِلَ فِعْلَهُ عَلَى مُخَالِفَةِ أَمْرِهِ
أَلْبَتَّةَ إلاَّ بِبَيَانِ نَصٍّ صَحِيحٍ فَيَكُونَ حِينَئِذٍ
نَسْخًا أَوْ تَخْصِيصًا, قَالَ تَعَالَى آمِرًا لَهُ أَنْ يَقُولَ:
{وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ}
فَكَيْفَ وَقَدْ وَرَدَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, وطَاوُوس بَيَانُ
قَوْلِنَا بِأَصَحَّ مِنْ هَذِهِ الطُّرُقِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ
طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ.
نا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ:
كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَنْهَى، عَنْ افْتِرَادِ الْيَوْمِ كُلَّمَا
مَرَّ بِالإِنْسَانِ يَعْنِي، عَنْ صِيَامِهِ: فَصَحَّ نَهْيُ ابْنِ
عَبَّاسٍ، عَنْ افْتِرَادِ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ فِي الصَّوْمِ, فَدَخَلَ
فِي ذَلِكَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَغَيْرُهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُوس، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ
كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَتَحَرَّى يَوْمًا يَصُومُهُ, وَمَا نَعْلَمُ
لِمَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، مُخَالِفًا
أَصْلاً فِي النَّهْيِ، عَنْ تَخْصِيصِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ
بِالصِّيَامِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(7/21)
796 -
مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ نَذَرَ الْمَرْءُ صَوْمَ يَوْمَ يُفِيقُ, أَوْ
ذَلِكَ فَوَافَقَ يَوْمَ جُمُعَةٍ لَمْ يَلْزَمْ; لاَِنَّهُ لاَ
يَصُومُ يَوْمًا قَبْلَهُ, وَلاَ يَوْمًا بَعْدَهُ, وَلاَ وَافَقَ
صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ, وَلاَ يَجُوزُ صِيَامُهُ إلاَّ بِأَحَدِ
هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ.
(7/21)
797 -
مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ صَوْمُ اللَّيْلِ أَصْلاً, وَلاَ أَنْ
يَصِلَ الْمَرْءُ صَوْمَ يَوْمٍ بِصَوْمِ يَوْمٍ آخَرَ لاَ يُفْطِرُ
بَيْنَهُمَا, وَفُرِضَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ
فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَلاَ بُدَّ.
نا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، نا
إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، نا الْفَرَبْرِيُّ، نا الْبُخَارِيُّ، نا
إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، نا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ يَزِيدَ،
هُوَ ابْنُ الْهَادِي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
(7/21)
798 -
مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ الَّذِي مِنْ آخِرِ
شَعْبَانَ, وَلاَ صِيَامُ الْيَوْمِ الَّذِي قَبْلَ يَوْمِ الشَّكِّ
الْمَذْكُورِ إلاَّ مَنْ صَادَفَ يَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ
فَيَصُومُهُمَا حِينَئِذٍ لِلْوَجْهِ الَّذِي كَانَ يَصُومُهُمَا لَهُ
لاَ لاَِنَّهُ يَوْمُ شَكٍّ، وَلاَ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ
رَمَضَانَ.
نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، نا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، نا عَبْدُ
الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نا أَحْمَدُ
بْنُ عَلِيٍّ، نا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نا أَبُو بَكْرِ بْنُ
أَبِي شَيْبَةَ, وَأَبُو كُرَيْبٍ كِلاَهُمَا، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ
عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ
أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ،
وَلاَ يَوْمَيْنِ إلاَّ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْ".
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَمْرَهُ عليه السلام بِأَنْ لاَ يُصَامُ حَتَّى
يُرَى الْهِلاَلُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَمْرٍو.
نا عبد الله بن ربيع، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
عُثْمَانَ، نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ
الْعَزِيزِ، نا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، نا حَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ
النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ
وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا
ثَلاَثِينَ", قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ نُقَدِّمُ بَيْنَ
يَدَيْهِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَغَضِبَ وَقَالَ: "لاَ".
قال أبو محمد: نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ غَضَبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم هَذَا الْخَبَرُ يُوَضِّحُ أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ فِي
أَيِّ صَاحِبٍ، وَلاَ غَيْرِهِ أَصْلاً وَبِهَذَا يَقُولُ طَائِفَةٌ
مِنْ السَّلَفِ.
رُوِّينَا، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ: لاََنْ أُفْطِرَ
يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ أَقْضِيَهُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ
أَزِيدَ فِيهِ يَوْمًا لَيْسَ فِيهِ. وَعَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ كَانَ
يَنْهَى، عَنْ صَوْمِ الْيَوْمِ الَّذِي يَشُكُّ فِيهِ. وَعَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنْ صِلَةَ بْنِ أَشْيَمَ أَنَّهُ سَمِعَ
عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ فِي يَوْمِ الشَّكِّ فِي آخِرِ شَعْبَانَ
يَقُولُ: مَنْ صَامَ هَذَا الْيَوْمَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ.
وَعَنْ حُذَيْفَةَ; وَابْنِ عَبَّاسٍ; وَأَبِي هُرَيْرَةَ, وَعُمَرَ
بْنِ الْخَطَّابِ, وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ, وَأَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ: النَّهْيُ عَنْ صِيَامِهِ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ,
وَالضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّهُمَا قَالاَ: لَوْ صُمْت السَّنَةَ
كُلَّهَا لاََفْطَرْت الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ.
قال أبو محمد: وَرُوِيَ خِلاَفُ هَذَا، عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ: كَمَا
رُوِّينَا، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ:
لاََنْ أَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ
أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ. وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي
بَكْرٍ: أَنَّهَا كَانَتْ تَصُومُ يَوْمَ الشَّكِّ.
(7/23)
وَنا
يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَبْدِ الرَّحِيمِ، نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، نا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ، نا عُبَيْدُ
اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا
خَلَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً مِنْ شَعْبَانَ بَعَثَ مَنْ
يَنْظُرُ الْهِلاَلَ فَإِنْ حَالَ مِنْ دُونِ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ أَوْ
قَتَرَةٌ أَصْبَحَ صَائِمًا, وَإِنْ لَمْ يَرَ وَلَمْ يَحُلْ دُونَ
مَنْظَرِهِ أَصْبَحَ مُفْطِرًا. وَعَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ
أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ يَوْمَ الشَّكِّ. وَعَنِ الْقَاسِمِ بْنِ
مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَكْرَهُ صِيَامَ يَوْمِ الشَّكِّ إلاَّ
إنْ أُغْمِيَ دُونَ رُؤْيَةِ الْهِلاَلِ, وَعَنِ الْحَسَنِ
الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُصْبِحُ يَوْمَ الشَّكِّ صَائِمًا فَإِنْ
قَدِمَ خَبَرٌ بِرُؤْيَةِ الْهِلاَلِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نِصْفِ
النَّهَارِ أَتَمَّ صَوْمَهُ وَإِلاَّ أَفْطَرَ. وَبِالنَّهْيِ، عَنْ
صَوْمِهِ جُمْلَةً يَقُولُ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ, وَالشَّعْبِيُّ,
وَعِكْرِمَةُ, وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ, وَابْنُ سِيرِينَ
وَغَيْرُهُمْ.
قال أبو محمد: هَذَا ابْنُ عُمَرَ هُوَ رَوَى أَنْ لاَ يُصَامُ حَتَّى
يَرَى الْهِلاَلَ ثُمَّ كَانَ يَفْعَلُ مَا ذَكَرْنَا; وَاحْتَجَّ مَنْ
رَأَى صِيَامَ يَوْمِ الشَّكِّ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ،
عَنِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنِ
الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَلاَءِ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ
عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم
قَالَ لِرَجُلٍ: هَلْ صُمْت مِنْ سُرَرِ هَذَا الشَّهْرِ [شَيْئًا
يَعْنِي شَعْبَانَ] قَالَ: لاَ, قَالَ: فَإِذَا أَفْطَرْتَ مِنْ
صِيَامِ رَمَضَانَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ مَكَانَهُ.
وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، نا أَحْمَدُ بْنُ
حَنْبَلٍ، نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، نا شُعْبَةُ، عَنْ تَوْبَةَ
الْعَنْبَرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ
بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ:
أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يَصُومُ مِنْ
السَّنَةِ شَهْرًا تَامًّا إلاَّ شَعْبَانَ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْعَلاَءِ، عَنْ أَبِي
الأَزْهَرِ الْمُغِيرَةِ بْنِ فَرْوَةَ قَالَ: قَامَ مُعَاوِيَةُ بْنُ
أَبِي سُفْيَانَ فِي النَّاسِ فِي دَيْرِ مِسْحَلٍ الَّذِي عَلَى بَابِ
حِمْصٍ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا قَدْ رَأَيْنَا
الْهِلاَلَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا وَأَنَّا مُتَقَدِّمٌ بِالصِّيَامِ
فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَفْعَلَهُ فَلْيَفْعَلْهُ, فَقَامَ إلَيْهِ
مَالِكُ بْنُ هُبَيْرَةَ السَّبَائِيُّ فَقَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ
أَشَيْءٌ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمْ
شَيْءٌ مِنْ رَأْيِكَ فَقَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم يَقُولُ: "صُومُوا الشَّهْرَ وَسِرَّهُ".
قال أبو محمد: الْمُغِيرَةُ بْنُ فَرْوَةٍ غَيْرُ مَشْهُورٍ ثُمَّ لَوْ
صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ أَصْلاً, لإِنَّ
(7/24)
نَصَّهُ
"صُومُوا الشَّهْرَ وَسِرَّهُ" وَهُوَ بِلاَ شَكٍّ شَهْرُ رَمَضَانَ
لاَ مَا سِوَاهُ وَسِرَّهُ مُضَافٌ إلَيْهِ, وَلاَ يَخْلُو سِرُّهُ
مِنْ أَنْ يَكُونَ أَوَّلَهُ أَوْ آخِرَهُ أَوْ وَسَطَهُ وَأَيَّ
ذَلِكَ كَانَ فَهُوَ مِنْ رَمَضَانَ لاَ مِنْ شَعْبَانَ, وَلَيْسَ
فِيهِ: صُومُوا سِرَّ شَعْبَانَ; فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِهِ. وَأَمَّا
خَبَرُ أُمِّ سَلَمَةَ فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ; لإِنَّ كُلَّ مَنْ
كَانَ لَهُ صَوْمٌ مَعْهُودٌ فَوَافَقَ يَوْمَ الشَّكِّ فَلْيَصُمْهُ
كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ الَّذِي صَدَّرْنَا بِهِ, وَلاَ يَجُوزُ
أَنْ يُحْمَلَ صَوْمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهُ وَفِي
وَصْلِهِ شَعْبَانَ بِرَمَضَانَ إلاَّ عَلَى أَنَّهُ صَوْمٌ مَعْهُودٌ
كَانَ لَهُ.
وَأَمَّا خَبَرُ عِمْرَانَ فَصَحِيحٌ إلاَّ أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ
فِيهِ; لاَِنَّنَا لاَ نَدْرِي مَاذَا كَانَ يَقُولُ لَهُ النَّبِيُّ
صلى الله عليه وسلم لَوْ قَالَ لَهُ الرَّجُلُ: إنَّهُ صَامَ سِرَرَ
شَعْبَانَ أَيَنْهَاهُ أَمْ يُقِرُّهُ عَلَى ذَلِكَ وَالشَّرَائِعُ
الثَّابِتَةُ لاَ يَجُوزُ خِلاَفُهَا بِالظُّنُونِ، وَلاَ بِمَا لاَ
بَيَانَ فِيهِ, ثُمَّ لَوْ كَانَ فِي هَذِهِ الأَخْبَارِ بَيَانٌ
جَلِيٌّ بِإِبَاحَةِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ مِنْ شَعْبَانَ لَمَا
كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ; لإِنَّ صَوْمَ يَوْمِ الشَّكِّ وَغَيْرِهِ
كَانَ مُبَاحًا بِلاَ شَكٍّ فِي صَدْرِ الإِسْلاَمِ; لإِنَّ الصَّوْمَ
جُمْلَةً عَمَلُ بِرٍّ وَخَيْرٍ; فَلَمَّا صَحَّ نَهْيُ النَّبِيِّ صلى
الله عليه وسلم، عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْنِ قَبْلَ رَمَضَانَ إلاَّ لِمَنْ
كَانَ لَهُ صَوْمٌ يَصُومُهُ صَحَّ يَقِينًا لاَ مِرْيَةَ فِيهِ أَنَّ
الإِبَاحَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ قَدْ نُسِخَتْ وَبَطَلَتْ; لإِنَّ
الصَّوْمَ قَدْ كَانَ مُتَقَدِّمًا لِهَذَا النَّهْيِ بِنَصِّهِ كَمَا
هُوَ لاِسْتِثْنَائِهِ عليه السلام مَنْ كَانَ لَهُ صَوْمٌ
فَلْيَصُمْهُ, وَلاَ يَحِلُّ الْعَمَلُ بِشَيْءٍ قَدْ صَحَّ أَنَّهُ
مَنْسُوخٌ بِلاَ شَكٍّ، وَلاَ يَحِلُّ خِلاَفُ النَّاسِخِ وَمَنْ
ادَّعَى أَنَّ الْحَالَةَ الْمَنْسُوخَةَ قَدْ عَادَتْ، وَأَنَّ
النَّاسِخَ قَدْ بَطَلَ فَقَدْ كَذَبَ وَقَفَا مَا لاَ عِلْمَ لَهُ
بِهِ, وَقَالَ مَا لاَ دَلِيلَ لَهُ بِهِ أَبَدًا, وَالظَّنُّ أَكْذَبُ
الْحَدِيثِ.
(7/25)
799 -
مَسْأَلَةٌ: وَلاَ مَعْنَى لِلتَّلَوُّمِ فِي يَوْمِ الشَّكِّ,
لاَِنَّهُ إنْ كَانَ تَلَوُّمُهُ بِنِيَّةِ الصَّوْمِ فَقَدْ خَالَفَ
أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِتَرْكِ صَوْمِهِ
وَوَاقَعَ النَّهْيَ, وَإِنْ كَانَ تَلَوَّمُهُ بِغَيْرِ نِيَّةِ
الصَّوْمِ فَهُوَ عَنَاءٌ لاَ مَعْنَى لَهُ, وَتَرْكُ الْمُفْطِرِ
الأَكْلَ عَمَلٌ فَارِغٌ. وَقَدْ رُوِّينَا، عَنْ أَنَسٍ وَجَمَاعَةٍ
مَعَهُ تَعْجِيلَ الْفِطْرِ فِي أَوَّلِهِ.
(7/25)
800 -
مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ صَوْمُ الْيَوْمِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ
شَعْبَانَ تَطَوُّعًا أَصْلاً، وَلاَ لِمَنْ صَادَفَ يَوْمًا كَانَ
يَصُومُهُ.
نا عبد الله بن ربيع، نا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، نا مُحَمَّدُ
بْنُ بَكْرٍ، نا أَبُو دَاوُد، نا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نا عَبْدُ
الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ قَالَ: قَدِمَ عَبَّادُ
بْنُ كَثِيرٍ الْمَدِينَةَ فَمَالَ إلَى مَجْلِسِ الْعَلاَءِ
(7/25)
801 -
مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ صَوْمُ يَوْمِ الْفِطْرِ, وَلاَ يَوْمِ
الأَضْحَى لاَ فِي فَرْضٍ، وَلاَ فِي تَطَوُّعٍ وَهُوَ قَوْلُ
جُمْهُورِ النَّاسِ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سَأَلَ
رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ عَمَّنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ فَوَافَقَ يَوْمَ
أَضْحَى, أَوْ يَوْمَ فِطْرٍ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَمَرَ اللَّهُ
تَعَالَى بِوَفَاءِ النَّذْرِ, وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم، عَنْ صَوْمِ هَذَا الْيَوْمِ. وَرُوِّينَا، عَنْ عَطَاءٍ فِيمَنْ
نَذَرَ صَوْمَ شَوَّالٍ أَنَّهُ يُفْطِرُ يَوْمَ الْفِطْرِ ثُمَّ
يَصُومُ يَوْمًا مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ مَكَانَهُ وَيُطْعِمُ مَعَ
ذَلِكَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ.
(7/27)
قَالَ
عَلِيٌّ: إنَّمَا أَمَرَ عَزَّ وَجَلَّ بِالْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ إذَا
كَانَ طَاعَةً لاَ إذَا كَانَ مَعْصِيَةً, وَإِذْ صَحَّ نَهْيُ
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْفِطْرِ
وَالأَضْحَى, أَوْ أَيِّ يَوْمٍ نَهَى عَنْهُ فَصَوْمُ ذَلِكَ
الْيَوْمِ مَعْصِيَةٌ; وَلَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ
بِالْوَفَاءِ بِنَذْرٍ مَعْصِيَةٍ, وَقَدْ صَحَّ فِي ذَلِكَ آثَارٌ.
مِنْهَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي
عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ قَالَ: شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ
بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَقَالَ: هَذَانِ يَوْمَانِ نَهَى
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، عَنْ صِيَامِهِمَا: يَوْمُ
فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ, وَالْيَوْمُ الآخَرُ يَوْمَ تَأْكُلُونَ
فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ. وَصَحَّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي
هُرَيْرَةَ, وَأَبِي سَعِيدٍ مُسْنَدًا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ
الْحَسَنِ فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْهُ: "مَنْ
نَذَرَ أَنْ يَصُومَ الدَّهْرَ وَأَرَادَ بِذَلِكَ الْيَمِينَ:
فَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَهُ وَيُفْطِرَ: يَوْمَ الْفِطْرِ وَالأَضْحَى
وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ;، وَلاَ يُطْعِمُ شَيْئًا, لَكِنْ يُوصِي
عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ يُطْعَمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ نِصْفُ صَاعٍ ".
وَهَذَا تَخْلِيطٌ لاَ نَظِيرَ لَهُ.
(7/28)
802 -
مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ صِيَامُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ, وَهِيَ
ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ يَوْمِ الأَضْحَى, لاَ فِي قَضَاءِ
رَمَضَانَ, وَلاَ فِي نَذْرٍ, وَلاَ فِي كَفَّارَةٍ, وَلاَ
لِمُتَمَتِّعٍ بِالْحَجِّ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الْهَدْيِ وَهُوَ قَوْلُ
أَبِي حَنِيفَةَ, وَالشَّافِعِيِّ. وقال مالك: يَصُومُهَا
الْمُتَمَتِّعُ الْمَذْكُورُ كُلَّهَا, وَلاَ يَصُومُ النَّاذِرُ
مِنْهَا إلاَّ الْيَوْمَ الثَّالِثَ فَقَطْ;، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ
يُصَامَ شَيْءٌ مِنْهَا تَطَوُّعًا, وَلاَ فِي كَفَّارَةٍ.
نا عبد الله بن ربيع، نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، نا ابْنُ
الأَعْرَابِيِّ، نا أَبُو دَاوُد، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ
الْقَعْنَبِيُّ، نا مَالِكٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ
أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَلَى
أَبِيهِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَرَّبَ إلَيْهِمَا طَعَامًا فَقَالَ:
إنِّي صَائِمٌ فَقَالَ لَهُ: كُلْ فَهَذِهِ الأَيَّامُ الَّتِي كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا بِإِفْطَارِهَا
وَيَنْهَانَا، عَنْ صِيَامِهَا قَالَ مَالِكٌ: هِيَ أَيَّامُ
التَّشْرِيقِ.
نا حمام بْنُ أَحْمَدَ، نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، نا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ، نا بَكْرٌ، هُوَ ابْنُ حَمَّادٍ، نا
مُسَدَّدٌ، نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ
نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ، عَنْ بِشْرِ بْنِ سُحَيْمٍ:
"أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ
أَيَّامَ التَّشْرِيقِ أَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلاَّ
مُؤْمِنٌ, وَأَنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ".
(7/28)
قال أبو
محمد: تَفْرِيقُ مَالِكٍ بَيْنَ الْيَوْمَيْنِ وَبَيْنَ الْيَوْمِ
الثَّالِثِ لاَ وَجْهَ لَهُ أَصْلاً; فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ مَا
رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
عِيسَى، هُوَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ
بْنِ الزُّبَيْرِ, وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ
عُرْوَةُ: عَنْ عَائِشَةَ, وَقَالَ سَالِمٌ: عَنْ أَبِيهِ, ثُمَّ
اتَّفَقَا, قَالاَ: لَمْ يُرَخِّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ
يُصَمْنَ إلاَّ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ. وَقَدْ أَسْنَدَهُ، عَنْ
شُعْبَةَ: يَحْيَى بْنُ سَلاَّمٍ, وَلَيْسَ هُوَ مِمَّنْ يُحْتَجُّ
بِحَدِيثِهِ, فَإِنَّ هَذَا مَوْقُوفٌ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ,
وَابْنِ عُمَرَ، رضي الله عنهم, وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُسْنَدَ هَذَا إلَى
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالظَّنِّ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ
أَكْذَبُ" الْحَدِيثِ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا كَانَتْ
تَصُومُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ
الْقَطَّانِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي نَعَامَةَ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ أَيَّامَ
التَّشْرِيقِ. وَعَنْ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ كَانَ لاَ يُفْطِرُ إلاَّ
يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى. وَعَنِ الأَسْوَدِ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ
أَيَّامَ التَّشْرِيقِ. وَلَوْ كَانَ مُسْنَدًا لَكَانَ حُجَّةً عَلَى
الْمَالِكِيِّينَ; لاَِنَّهُ أَبَاحَ الْيَوْمَ الثَّالِثَ أَنْ
يَصُومَهُ النَّاذِرُ, وَهُوَ خِلاَفُ هَذَا الْخَبَرِ.
قال أبو محمد: عَهْدُنَا بِالْحَنَفِيِّينَ, وَالْمَالِكِيِّينَ
يَقُولُونَ فِيمَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ:
هَذَا لاَ يُقَالَ بِالرَّأْيِ, قَالُوا ذَلِكَ فِي تَيَمُّمِ جَابِرٍ
إلَى الْمَرْفِقَيْنِ. وَفِي قَوْلِ عَائِشَةَ، رضي الله عنها، لاُِمِّ
وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ إذْ بَاعَتْ مِنْهُ عَبْدًا إلَى
الْعَطَاءِ بِثَمَانِ مِائَةٍ ثُمَّ اشْتَرَتْهُ مِنْهُ
بِسِتِّمِائَةٍ: أَبْلِغْ زَيْدًا أَنَّهُ قَدْ أُبْطِلَ جِهَادُهُ
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنْ لَمْ يَتُبْ وَهُوَ
خَبَرٌ لاَ يَصِحُّ, وَخَالَفُوا بِذَلِكَ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ
الثَّابِتَةَ. وَفِي التَّيَمُّمِ إلَى الْكُوعَيْنِ, فَهَلاَّ قَالُوا
هُنَا فِي قَوْلِ عَائِشَةَ, وَابْنِ عُمَرَ: مِثْلُ هَذَا لاَ يُقَالُ
بِالرَّأْيِ وَعَهْدُنَا بِهِمْ يَقُولُونَ فِيمَا خَالَفَ
أَهْوَاءَهُمْ مِنْ السُّنَنِ مَا تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى: لاَ
يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ, وَرَدُّوا بِذَلِكَ الْوُضُوءَ مِنْ
مَسِّ الذَّكَرِ, فَهَلاَّ قَالُوا هَاهُنَا: هَذَا مِمَّا تَعْظُمُ
بِهِ الْبَلْوَى فَلاَ يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ, إذْ لَوْ
كَانَ النَّهْيُ عَنْ صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ صَحِيحًا مَا
خَفِيَ عَلَى عَائِشَةَ, وَأَبِي طَلْحَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ,
وَالأَسْوَدِ. وَعَهْدُنَا بِهِمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْخَبَرَ
الْمُضْطَرَبَ فِيهِ مَرْدُودٌ, وَادَّعُوا ذَلِكَ فِي حَدِيثِ: "لاَ
تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ، وَلاَ الْمَصَّتَانِ" فَهَذَا الْخَبَرُ أَشَدُّ
اضْطِرَابًا, لاَِنَّهُ رُوِيَ، عَنْ بِشْرٍ بْنِ سُحَيْمٍ, وَمَرَّةً
عَنْهُ، عَنْ عَلِيٍّ. وَعَهْدُنَا بِهِمْ يَقُولُونَ فِيمَا
وَافَقَهُمْ: هَذَا نَدْبٌ فَهَلاَّ قَالُوهُ هَاهُنَا وَعَهْدُنَا
بِهِمْ يَقُولُونَ: إذَا رَوَى الصَّاحِبُ خَبَرًا وَتَرَكَهُ فَهُوَ
دَلِيلٌ عَلَى نَسْخِهِ, وَعَائِشَةُ قَدْ رَوَتْ كَمَا ذَكَرْنَا
النَّهْيَ، عَنْ صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَتَرَكَتْ ذَلِكَ
فَكَانَتْ تَصُومُهَا تَطَوُّعًا; فَهَلاَّ تَرَكُوا هَاهُنَا
رِوَايَتَهَا لِرَأْيِهَا، وَلاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى أَنْ يَقُولَ
إنَّهُمَا وَابْنَ عَبَّاسٍ صَامَاهَا فِي تَمَتُّعِ الْحَجِّ; لإِنَّ
يَسَارَهُمَا وَيَسَارَ الأَسْوَدِ وَسَعَةَ أَمْوَالِهِمْ لاَِلْفِ
هَدْيٍ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يَجْهَلَهُ إلاَّ مَنْ لاَ عِلْمَ لَهُ
أَصْلاً.
(7/29)
803 -
مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ صَوْمٌ أُخْرِجَ مَخْرَجَ الْيَمِينِ كَأَنْ
يَقُولَ الْقَائِلُ: أَنَا لاَ أَدْخُلُ دَارَكَ فَإِنْ دَخَلْتُهَا
فَعَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ, أَوْ مَا جَرَى هَذَا الْمَجْرَى.
نا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغِيثٍ، نا أَبُو بَكْرٍ
مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: نا أَبِي، نا عَلِيُّ
بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، نا أَبُو عُبَيْدِ الْقَاسِمِ بْنُ سَلاَّمٍ،
نا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ،
عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلاَ يَحْلِفْ إلاَّ بِاَللَّهِ".
قال أبو محمد: فَصَارَ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى
مَعْصِيَةً, وَخِلاَفًا لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
فَإِذَا هُوَ كَذَلِكَ فَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم: "لاَ وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ" .
وَالنَّذْرُ اللاَّزِمُ: هُوَ الَّذِي يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ
تَعَالَى فَقَطْ, وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ, وَأَحْمَدَ بْنِ
حَنْبَلٍ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَغَيْرِهِمْ.
(7/30)
ولا يحل لذات الزوج أو السيد أن تصوم تطوعا بغير إذنه
...
804 – مسألة: ولا يحل لذات الزوج أو السيد أن تصةوم تطوعا بغير إذنه,
وأما الفرض كلها فتصومها أحب أم كره, فإن كان غائبا لا تقدر على
استئذانه أو تقدر فلتصم التطوع إن شائت.
نا عبد الله بن رببيع نا محمد بن أسحاق نا ابن الأعرابي نا أبو داود نا
الحسن بن علي – هو الحلواني – نا عبد الرزاق نا معمر عن همام بن منبه
أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصوم
المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه غير رمضان ولا تأذن في بيته وهو شاهدى
إلا بإذنه".
قال عي: البعل اسم للسيد وللزوج في اللغة, وصيام قضاء رمضان والكفارات
وكل نذر لها قبل نكاحها إياه مضموم إلى رمضان لأن الله افترض كل ذلك
كما افترض رمضان, وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ
إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ
الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} , فأسقط الله عز وجل الاختيار فيه ولا
إذن لأحد فييه ولا في تركه ولا في تغييره فلا مدخل للإستئذان فيما فيه
الخيار. وأما لا خيار فيه هو الذي يقتضي تخصصه عليه السلام إذن البعل
فيه. وبالله التوفيق.
(7/30)
805 -
مَسْأَلَةٌ: وَنَسْتَحِبُّ تَدْرِيبَ الصِّبْيَانِ عَلَى الصَّوْمِ فِي
رَمَضَانَ إذَا أَطَاقُوهُ وَلَيْسَ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ لِمَا قَدْ
ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "رُفِعَ
الْقَلَمُ، عَنْ ثَلاَثٍ" فَذَكَرَ فِيهِمْ "الصَّبِيَّ حَتَّى
يَحْتَلِمَ". وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ
وُجُوبَ الأَحْكَامِ بِالإِنْبَاتِ,
(7/30)
806 -
مَسْأَلَةٌ: وَيَجِبُ عَلَى مَنْ وَجَدَ التَّمْرَ أَنْ يُفْطِرَ
عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى الْمَاءِ وَإِلاَّ فَهُوَ عَاصٍ
لِلَّهِ تَعَالَى إنْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ فَعَنَدَ، وَلاَ
يَبْطُلُ صَوْمُهُ بِذَلِكَ; لإِنَّ صَوْمَهُ قَدْ تَمَّ وَصَارَ فِي
غَيْرِ صِيَامٍ; وَكَذَلِكَ لَوْ أَفْطَرَ عَلَى خَمْرٍ, أَوْ لَحْمِ
خِنْزِيرٍ, أَوْ زَنَى; فَصَوْمُهُ تَامٌّ وَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ
تَعَالَى.
نا عبد الله بن ربيع، نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، نا أَحْمَدُ بْنُ
شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نا سُفْيَانُ بْنُ
عُيَيْنَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ،
عَنِ الرَّبَابِ، عَنْ عَمِّهَا سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ يَبْلُغُ بِهِ
النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ
فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ فَإِنَّهُ بَرَكَةٌ, فَإِنْ لَمْ يَجِدْ
تَمْرًا فَالْمَاءُ فَإِنَّهُ طَهُورٌ".
نا عبد الله بن ربيع، نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، نا ابْنُ
الأَعْرَابِيِّ، نا أَبُو دَاوُد، نا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، نا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيِّ، نا
ثَابِتٌ الْبُنَانِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ:
كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ
قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ, فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَعَلَى
(7/31)
تَمَرَاتٍ; فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ". وَقَدْ
قَالَ قَوْمٌ: لَيْسَ هَذَا فَرْضًا; لاَِنَّهُ عليه السلام قَدْ
أَفْطَرَ فِي طَرِيقِ خَيْبَرٍ عَلَى السَّوِيقِ.فَقُلْنَا وَمَا
دَلِيلُكُمْ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَفْطَرَ بَعْدُ عَلَى تَمْرٍ,
أَوْ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ تَمْرٌ وَالسَّوِيقُ الْمَجْدُوحُ
بِالْمَاءِ, فَالْمَاءُ فِيهِ ظَاهِرٌ, فَهُوَ فِطْرٌ عَلَى الْمَاءِ.
وَأَيْضًا فَالْفِطْرُ عَلَى كُلِّ مُبَاحٍ مُوَافِقٌ لِلْحَالَةِ
الْمَعْهُودَةِ, وَالأَمْرُ بِالْفِطْرِ عَلَى التَّمْرِ فَإِنْ لَمْ
يَكُنْ فَعَلَى الْمَاءِ أَمْرٌ وَارِدٌ يَجِبُ فَرْضًا; وَهُوَ
رَافِعٌ لِلْحَالَةِ الآُولَى بِلاَ شَكٍّ,.وَادَّعَى قَوْمٌ
الإِجْمَاعَ عَلَى غَيْرِ هَذَا وَقَدْ كَذَبَ مَنْ ادَّعَى
الإِجْمَاعَ وَهُوَ لاَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُحْصِيَ فِي هَذَا
أَقْوَالَ عَشَرَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، رضي الله
عنهم،; وَذَكَرُوا إفْطَارَ عُمَرَ رضي الله عنه بِحَضْرَةِ
الصَّحَابَةِ عَلَى اللَّبَنِ.
قال أبو محمد: إنْ كَانَ هَذَا إجْمَاعًا أَوْ حُجَّةً فَقَدْ
خَالَفُوهُ وَأَوْجَبُوا الْقَضَاءَ بِخِلاَفِ قَوْلِ عُمَرَ فِي
ذَلِكَ, فَقَدْ اعْتَرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ خِلاَفَ الإِجْمَاعِ,
وَأَمَّا نَحْنُ فَلَيْسَ هَذَا عِنْدَنَا إجْمَاعًا, وَلاَ يَكُونُ
إجْمَاعًا إلاَّ مَا لاَ شَكَّ فِي أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ يَقُولُ بِهِ;
فَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ فَهُوَ كَافِرٌ: كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ,
وَالْحَجِّ إلَى مَكَّةَ, وَصَوْمِ رَمَضَانَ; وَنَحْوِ ذَلِكَ
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(7/32)
807 -
مَسْأَلَةٌ: وَيُسْتَحَبُّ فِعْلُ الْخَيْرِ فِي رَمَضَانَ: نا عبد
الله بن ربيع، نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، نا أَحْمَدُ بْنُ
شُعَيْبٍ أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد هُوَ الْمَهْرِيُّ، عَنِ ابْنِ
وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ، هُوَ ابْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسَ وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي
رَمَضَانَ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.
(7/32)
808 -
مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ دُعِيَ إلَى طَعَامٍ وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيُجِبْ;
فَإِذَا أَتَاهُمْ فَلْيَدْعُ لَهُمْ وَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ. نا
عبد الله بن ربيع، نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، نا ابْنُ
الأَعْرَابِيِّ، نا أَبُو دَاوُد، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، نا
أَبُو خَالِدٍ هُوَ الأَحْمَرُ، عَنْ هِشَامٍ، هُوَ ابْنُ حَسَّانَ،
عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ,
فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ, وَإِنْ كَانَ صَائِمًا
فَلْيُصَلِّ". قَالَ هِشَامٌ: وَالصَّلاَةُ الدُّعَاءُ.
(7/32)
ليلة
القدرِ
ليلة القدرِ واحدة في العام في كل
عامٍ
...
{لَيْلَةُ الْقَدْرِ}
809- مَسْأَلَةٌ: لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَاحِدَةٌ فِي الْعَامِ فِي كُلِّ
عَامٍ, فِي شَهْرِ رَمَضَانَ خَاصَّةً, فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ
خَاصَّةً, فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ بِعَيْنِهَا لاَ تَنْتَقِلُ أَبَدًا
إلاَّ أَنَّهُ لاَ يَدْرِي أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ أَيَّ لَيْلَةٍ هِيَ
مِنْ الْعَشْرِ الْمَذْكُورِ إلاَّ أَنَّهَا فِي وِتْرٍ مِنْهُ، وَلاَ
بُدَّ. فَإِنْ كَانَ الشَّهْرُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ فَأَوَّلُ
الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ بِلاَ شَكٍّ: لَيْلَةُ عِشْرِينَ مِنْهُ; فَهِيَ
إمَّا لَيْلَةُ عِشْرِينَ, وَأَمَّا لَيْلَةُ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ,
وَأَمَّا لَيْلَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ, وَأَمَّا لَيْلَةُ سِتٍّ
وَعِشْرِينَ, وَأَمَّا لَيْلَةُ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ; لإِنَّ هَذِهِ
هِيَ الأَوْتَارُ مِنْ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ. إنْ كَانَ الشَّهْرُ
ثَلاَثِينَ فَأَوَّلُ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ بِلاَ شَكٍّ: لَيْلَةُ
إحْدَى وَعِشْرِينَ, فَهِيَ إمَّا لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ,
وَأَمَّا لَيْلَةُ ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ, وَأَمَّا لَيْلَةُ خَمْسٍ
وَعِشْرِينَ, وَأَمَّا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ, وَأَمَّا لَيْلَةُ
تِسْعٍ وَعِشْرِينَ, لإِنَّ هَذِهِ هِيَ أَوْتَارُ الْعَشْرِ بِلاَ
شَكٍّ. وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: مَنْ يَقُمْ الْعَامَ يُدْرِكْهَا.
وَبُرْهَانُ قَوْلِنَا: أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ خَاصَّةً دُونَ سَائِرِ
الْعَامِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ
الْقَدْرِ} وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ
فِيهِ الْقُرْآنُ} فَصَحَّ أَنَّهُ أُنْزِلَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ
فِي شَهْرِ رَمَضَانَ; فَصَحَّ ضَرُورَةً أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ لاَ
فِي غَيْرِهِ; وَإِذْ لَوْ كَانَتْ فِي غَيْرِهِ لَكَانَ كَلاَمُهُ
تَعَالَى يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا بِالْمُحَالِ, وَهَذَا مَا لاَ
يَظُنُّهُ مُسْلِمٌ. وَرُوِيَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهَا فِي
لَيْلَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ لَيْلَةِ يَوْمَ بَدْرٍ.
وَبُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا: أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ
مِنْهُ، وَلاَ بُدَّ مَا ناهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، نا
أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، نا عَبْدُ الْوَهَّابُ بْنُ عِيسَى، نا أَحْمَدُ
بْنُ مُحَمَّدٍ، نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، نا مُسْلِمُ بْنُ
الْحَجَّاجِ،
(7/33)
حدثنا
مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، نا عَبْدُ الأَعْلَى، نا سَعِيدُ بْنُ
أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: "اعْتَكَفَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْعَشْرَ الأَوْسَطَ مِنْ
رَمَضَانَ يَلْتَمِسُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ قَبْلَ أَنْ تُبَانَ لَهُ
قَالَ فَلَمَّا انْقَضَيْنَ أَمَرَ بِالْبِنَاءِ فَقُوِّضَ ثُمَّ
أُبِينَتْ لَهُ أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ فَأَمَرَ
بِالْبِنَاءِ فَأُعِيدَ ثُمَّ خَرَجَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: يَا
أَيُّهَا النَّاسُ إنَّهَا كَانَتْ أُبِينَتْ لِي لَيْلَةُ الْقَدْرِ
وَإِنِّي خَرَجْتُ لاُِخْبِرَكُمْ بِهَا فَجَاءَ رَجُلاَنِ
يَحْتَقَّانِ مَعَهُمَا الشَّيْطَانُ فَنُسِّيتُهَا فَالْتَمِسُوهَا
فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ, وَالْتَمِسُوهَا فِي
التَّاسِعَةِ, وَالسَّابِعَةِ, وَالْخَامِسَةِ. ثُمَّ فَسَّرَهَا أَبُو
سَعِيدٍ فَقَالَ: إذَا مَضَتْ وَاحِدَةٌ وَعِشْرُونَ فَاَلَّتِي
تَلِيهَا اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ فَهِيَ التَّاسِعَةُ, فَإِذَا مَضَى
ثَلاَثٌ وَعِشْرُونَ فَاَلَّتِي تَلِيهَا السَّابِعَةُ, فَإِذَا مَضَى
خَمْسٌ وَعِشْرُونَ فَاَلَّتِي تَلِيهَا الْخَامِسَةُ".
قال أبو محمد: هَذَا عَلَى مَا قلنا مِنْ كَوْنِ رَمَضَانَ تِسْعًا
وَعِشْرِينَ. وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: نا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، نا
سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رِجَالاً رَأَوْا
أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم: "أَرَى رُؤْيَاكُمْ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ
فَاطْلُبُوهَا فِي الْوِتْرِ مِنْهَا" .
قال أبو محمد: هَذِهِ الأَخْبَارُ تُصَحِّحُ مَا قلنا: إذْ لَوْ
كَانَتْ تَنْتَقِلُ لَمَا كَانَ لاِِعْلاَمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه
وسلم حَقِيقَةٌ, لاَِنَّهَا كَانَتْ لاَ تَثْبُتُ; وَلَوَجَبَ إذْ
خَرَجَ لِيُخْبِرَهُمْ بِهَا أَنْ يُخْبِرَهُمْ بِهَا عَامًّا إلَى
يَوْمِ الْقِيَامَةِ, وَهَذَا مُحَالٌ; وَإِذَا نُسِّيهَا عليه السلام
فَمِنْ الْمُحَالِ الْبَاطِلِ أَنْ يَعْلَمَهَا أَحَدٌ بَعْدَهُ;
وَإِذْ لَمْ يَقْطَعْ عليه السلام بِرُؤْيَا مَنْ رَأَى مِنْ
أَصْحَابِهِ فَرُؤْيَا مَنْ بَعْدَهُمْ أَبْعَدُ مِنْ الْقَطْعِ بِهَا;
وَقَدْ رُوِيَ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ
وَعِشْرِينَ, وَلَيْسَ قَوْلُهُ بِأَوْلَى مِنْ قَوْلِ ابْنِ
مَسْعُودٍ.
فإن قيل: قَدْ جَاءَ أَنَّ عَلاَمَتَهَا أَنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ
حِينَئِذٍ لاَ شُعَاعَ لَهَا قلنا: نَعَمْ, وَلَمْ يَقُلْ عليه السلام:
إنَّ ذَلِكَ يَظْهَرُ إلَيْنَا فَنَعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ
يَعْلَمْهُ هُوَ عليه السلام; فَيَكُونُ ذَلِكَ أَوَّلَ طُلُوعِهَا
بِحَيْثُ لاَ يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ فِيهَا أَحَدٌ. فإن قيل: قَدْ قَالَ
عليه السلام: "إنَّهُ أُرِيَ أَنَّهُ
(7/34)
يَسْجُدُ
فِي صَبِيحَتِهَا فِي مَاءٍ وَطِينٍ" فَكَانَ ذَلِكَ صَبَاحَ لَيْلَةِ
إحْدَى وَعِشْرِينَ قلنا: نَعَمْ, وَقَدْ وَكَفَ الْمَسْجِدُ أَيْضًا
فِي صَبِيحَةِ لَيْلَةِ ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ فَسَجَدَ عليه السلام فِي
مَاءٍ وَطِينٍ.
رُوِّينَا هَذَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ سَعِيدِ
بْنِ عَمْرِو بْنِ سَهْلِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ
الأَشْعَثِ الْكِنْدِيِّ أَنَا أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ
حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى
عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
قَالَ: "أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا وَأَرَانِي
صَبِيحَتَهَا أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ" , قَالَ: فَمُطِرْنَا
لَيْلَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ فَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم فَانْصَرَفَ وَإِنَّ أَثَرَ الْمَاءِ وَالطِّينِ عَلَى
جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ. قَالَ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ
يَقُولُ: ثَلاَثٌ وَعِشْرُونَ وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ تَكُفَّ السَّمَاءُ
فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ كُلِّهَا فَبَقِيَ الأَمْرُ بِحَبْسِهِ.
وَمِنْ طَرَائِفِ الْوَسْوَاسِ: احْتِجَاجُ ابْنِ بُكَيْرٍ
الْمَالِكِيِّ فِي أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ بِقَوْلِ
اللَّهِ تَعَالَى: {سَلاَمٌ هِيَ} قَالَ: فَلَفْظَةُ "هِيَ" هِيَ
السَّابِعَةُ وَعِشْرُونَ مِنْ السُّورَةِ. قال أبو محمد: حَقُّ مَنْ
قَامَ هَذَا فِي دِمَاغِهِ أَنْ يُعَانِيَ بِمَا يُعَانِي بِهِ
سُكَّانُ الْمَارَسْتَانِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْبَلاَءِ, وَلَوْ
لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ هَذَا أَكْثَرُ مِنْ دَعْوَاهُ أَنَّهُ وَقَفَ
عَلَى مَا غَابَ مِنْ ذَلِكَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
وَلَمْ يَنْسَ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ مَا أَنْسَاهُ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ نَبِيَّهُ عليه السلام, وَمَنْ بَلَغَ إلَى هَذَا الْحَدِّ
فَجَزَاؤُهُ أَنْ يَخْذُلَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِثْلَ هَذَا
الْخِذْلاَنِ الْعَاجِلِ ثُمَّ فِي الآخِرَةِ أَشَدُّ تَنْكِيلاً.
(7/35)
810 -
مَسْأَلَةٌ: وَيُسْتَحَبُّ الاِجْتِهَادُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ
مِنْ رَمَضَانَ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ" وَإِنَّمَا تُلْتَمَسُ
بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ لاَ بِأَنَّ لَهَا صُورَةً وَهَيْئَةً يُمْكِنُ
الْوُقُوفُ عَلَيْهَا بِخِلاَفِ سَائِرِ اللَّيَالِي كَمَا يَظُنُّ
أَهْلُ الْجَهْلِ, إنَّمَا قَالَ تَعَالَى: {إنَّا أَنَزَلْنَاهُ فِي
لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ
أَمْرٍ حَكِيمٍ} وَقَالَ تَعَالَى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ
أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ
رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}
فَبِهَذَا بَانَتْ، عَنْ سَائِرِ اللَّيَالِي فَقَطْ وَالْمَلاَئِكَةُ
لاَ يَرَاهُمْ أَحَدٌ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. نَسْأَلُ
اللَّهَ تَعَالَى التَّوْفِيقَ وَالْهُدَى وَالْعِصْمَةَ آمِينَ.
تم كتاب الصيام والحمد لله رب العالمين كثيرا, وصلى الله على محمد عبده
ورسوله وسلم تسليما كثيراً.
(7/35)
|