الموسوعة الفقهية الكويتية

رُعَافٌ

التَّعْرِيفُ:
1 - الرُّعَافُ لُغَةً: اسْمٌ مِنْ رَعَفَ رَعْفًا، وَهُوَ خُرُوجُ الدَّمِ مِنَ الأَْنْفِ، وَقِيل: الرُّعَافُ الدَّمُ نَفْسُهُ، وَأَصْلُهُ السَّبْقُ وَالتَّقَدُّمُ، وَفَرَسٌ رَاعِفٌ أَيْ سَابِقٌ، وَسُمِّيَ الرُّعَافُ بِذَلِكَ؛ لأَِنَّهُ يَسْبِقُ عِلْمَ الشَّخْصِ الرَّاعِفِ (1) .
وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لِهَذَا اللَّفْظِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (2) .

الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالرُّعَافِ:
انْتِقَاضُ الْوُضُوءِ بِالرُّعَافِ:
2 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْوُضُوءَ لاَ يُنْتَقَضُ بِخُرُوجِ شَيْءٍ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ كَدَمِ الْفَصْدِ، وَالْحِجَامَةِ، وَالْقَيْءِ، وَالرُّعَافِ، سَوَاءٌ قَل ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ؛ لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَلَمْ يَزِدْ
__________
(1) المصباح المنير مادة (رعف) ، والحطاب 1 / 470، 471
(2) حاشية الدسوقي 1 / 201، وجواهر الإكليل 1 / 38، وفتح القدير 1 / 35.

(22/262)


عَلَى غَسْل مَحَاجِمِهِ. (1) وَبِهَذَا قَال عُمَرُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ أَبِي أَوْفَى، وَجَابِرٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةُ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَطَاوُسٌ، وَعَطَاءٌ، وَمَكْحُولٌ وَرَبِيعَةُ، وَأَبُو ثَوْرٍ. قَال الْبَغَوِيُّ: وَهُوَ قَوْل أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ (2) .
وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ أَنَّ الرُّعَافَ لاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إِلاَّ إِذَا كَانَ فَاحِشًا كَثِيرًا (3) . أَمَّا كَوْنُ الْكَثِيرِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، فَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ عَنْ دَمِ الاِسْتِحَاضَةِ: إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ، وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلاَةَ، وَفِي رِوَايَةٍ: تَوَضَّئِي لِكُل صَلاَةٍ. (4)
وَلأَِنَّهُ نَجَاسَةٌ خَارِجَةٌ مِنَ الْبَدَنِ أَشْبَهَتِ الْخَارِجَ مِنَ السَّبِيل. وَأَمَّا كَوْنُ الْقَلِيل لاَ يَنْقُضُ فَلِمَفْهُومِ قَوْل ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الدَّمِ إِذَا كَانَ فَاحِشًا
__________
(1) حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم " احتجم فصلى ولم يتوضأ، ولم يزد على غسل محاجمه " أخرجه الدارقطني (1 / 151 - 152 - ط دار المحاسن) ، والبيهقي (1 / 141 - ط دائرة المعارف العثمانية) ، وضعفه.
(2) المجموع 2 / 54، وموهب الجليل 1 / 471، والمنتقى 1 / 83.
(3) المراد بالكثير ما فحش في نفس كل أحد بحسبه (كشاف القناع 1 / 124)
(4) حديث عائشة: " إنما ذلك عرق " أخرجه الترمذي (1 / 217، 218 - ط الحلبي) وقال: " حديث حسن صحيح ".

(22/263)


فَعَلَيْهِ الإِْعَادَةُ. قَال أَحْمَدُ: عِدَّةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ تَكَلَّمُوا فِيهِ، وَابْنُ عُمَرَ عَصَرَ بَثْرَةً فَخَرَجَ الدَّمُ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَابْنُ أَبِي أَوْفَى عَصَرَ دُمَّلاً، وَذَكَرَ أَحْمَدُ غَيْرَهُمَا، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فَكَانَ إِجْمَاعًا (1) .
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ الْقَائِلُونَ بِنَقْضِ الْوُضُوءِ بِسَيَلاَنِ الدَّمِ عَنْ مَوْضِعِهِ أَنَّ الرُّعَافَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَكَذَا لَوْ نَزَل الدَّمُ مِنَ الرَّأْسِ إِلَى مَا لاَنَ مِنَ الأَْنْفِ وَلَمْ يَظْهَرْ عَلَى الأَْرْنَبَةِ نَقَضَ الْوُضُوءَ. وَهُوَ مَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ وَالأَْوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ، قَال الْخَطَّابِيُّ: وَهُوَ قَوْل أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، وَحَكَاهُ غَيْرُهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَعَنْ عَطَاءٍ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى (2) .
وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوُضُوءُ مِنْ كُل دَمٍ سَائِلٍ (3)
وَوَجْهُ الاِسْتِدْلاَل أَنَّ مِثْل هَذَا التَّرْكِيبِ يُفْهَمُ مِنْهُ الْوُجُوبُ (4) .
كَمَا احْتَجُّوا بِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَصَابَهُ قَيْءٌ أَوْ رُعَافٌ أَوْ قَلَسٌ أَوْ مَذْيٌ فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ ثُمَّ
__________
(1) كشاف القناع 1 / 124، والمغني 2 / 184.
(2) الفتاوى الخانية بهامش الهندية 1 / 36، والمجموع 2 / 54.
(3) حديث: " الوضوء من كل دم سائل " أخرجه الدارقطني (1 / 157 - ط دار المحاسن) من حديث تميم الداري، وأعله الدارقطني بالانقطاع في سنده، وبجهالة راويين فيه.
(4) البناية 1 / 200، وفتح القدير والعناية 1 / 35 نشر دار إحياء التراث العربي.

(22/263)


لْيَبْنِ عَلَى صَلاَتِهِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ لاَ يَتَكَلَّمُ. (1)
وَنَقَل الْعَيْنِيُّ أَنَّ وَجْهَ الاِسْتِدْلاَل بِالْحَدِيثِ مِنْ وُجُوهٍ:
الأَْوَّل: أَنَّهُ أَمَرَ بِالْبِنَاءِ وَأَدْنَى دَرَجَاتِ الأَْمْرِ الإِْبَاحَةُ وَالْجَوَازُ، وَلاَ جَوَازَ لِلْبِنَاءِ إِلاَّ بَعْدَ الاِنْتِقَاضِ، فَدَل بِعِبَارَتِهِ عَلَى الْبِنَاءِ وَعَلَى الاِنْتِقَاضِ بِمُقْتَضَاهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَمَرَ بِالْوُضُوءِ وَمُطْلَقُ الأَْمْرِ لِلْوُجُوبِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ أَبَاحَ الاِنْصِرَافَ، وَهُوَ لاَ يُبَاحُ بَعْدَ الشُّرُوعِ إِلاَّ بِهِ (2) .
هَذَا وَمَنْ يَرَى أَنَّ الرُّعَافَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ يَعْتَبِرُ الرُّعَافَ الدَّائِمَ عُذْرًا مِنَ الأَْعْذَارِ الَّتِي تُبِيحُ الْعِبَادَةَ مَعَ وُجُودِ الْعُذْرِ (3) .
3 - وَشَرْطُ اعْتِبَارِ الرُّعَافِ عُذْرًا ابْتِدَاءً عِنْدَ هَؤُلاَءِ الْفُقَهَاءِ أَنْ يَسْتَوْعِبَ اسْتِمْرَارُهُ وَقْتَ الصَّلاَةِ كَامِلاً. بِمَعْنَى أَنَّ مَنْ حَصَل لَهُ الرُّعَافُ وَاسْتَمَرَّ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ أَوَّل صَلاَةٍ إِلاَّ فِي آخِرِ
__________
(1) حديث: " من أصابه قيء، أو رعاف، أو قلس، أو مذي فلينصرف فليتوضأ ثم ليبن على صلاته وهو في ذلك لا يتكلم " أخرجه ابن ماجه (1 / 385 - 389 - ط الحلبي) من حديث عائشة، وقال البوصيري في " مصباح الزجاجة " (1 / 223 - ط دار الجنان) : " هذا إسناد ضعيف ".
(2) البناية 1 / 202، فتح القدير 1 / 35.
(3) الاختيار 1 / 29، وكشاف القناع 1 / 217، ومطالب أولي النهى 1 / 263.

(22/264)


وَقْتِهَا؛ لِعَدَمِ ثُبُوتِ حُكْمِ دَائِمِ الْحَدَثِ لَهُ، وَاحْتِمَال انْقِطَاعِهِ، فَإِنِ اسْتَمَرَّ الْحَدَثُ إِلَى آخِرِ وَقْتِ الصَّلاَةِ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ دَائِمِ الْحَدَثِ، فَيَصِحُّ أَنْ يُصَلِّيَ الثَّانِيَةَ أَوْ مَا بَعْدَهَا فِي أَوَّل وَقْتِهَا (1) .
كَمَا يُشْتَرَطُ أَنْ لاَ يَمْضِيَ عَلَى الرَّاعِفِ وَقْتُ صَلاَةٍ إِلاَّ وَالرُّعَافُ فِيهِ مَوْجُودٌ، حَتَّى لَوِ انْقَطَعَ الرُّعَافُ وَقْتًا كَامِلاً خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ عُذْرٍ مِنْ وَقْتِ الاِنْقِطَاعِ (2) .
4 - وَمَنْ بِهِ رُعَافٌ دَائِمٌ يَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُل صَلاَةٍ، وَيُصَلِّي بِهِ مَا شَاءَ مِنَ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِل، هَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِنْ خَرَجَ مِنْهُ الدَّمُ، أَمَّا إِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ فَلاَ يَتَوَضَّأُ عِنْدَهُمْ (3) .
وَيُنْتَقَضُ وُضُوءُ الرَّاعِفِ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٍ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَعِنْدَ زُفَرَ يُنْتَقَضُ بِدُخُول الْوَقْتِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِأَيِّهِمَا كَانَ، وَهُوَ قَوْل أَبِي يَعْلَى (4) .
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ مَنْ رَعَفَ قَبْل الدُّخُول فِي الصَّلاَةِ فَإِنَّهُ يُؤَخِّرُ الصَّلاَةَ لآِخِرِ الْوَقْتِ الاِخْتِيَارِيِّ إِذَا كَانَ يَرْجُو انْقِطَاعَ الرُّعَافِ، أَمَّا إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لاَ يَنْقَطِعُ فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِهِ عَلَى تِلْكَ الْحَال فِي أَوَّل الْوَقْتِ، إِذْ لاَ فَائِدَةَ فِي
__________
(1) الفتاوى الهندية 1 / 40، ومطالب أولي النهى 1 / 262.
(2) الفتاوى الهندية 1 / 41، والاختيار 1 / 30.
(3) الفتاوى الهندية 1 / 41، ومطالب أولي النهى 1 / 264.
(4) الاختيار 1 / 29، والمغني 1 / 341، وكشاف القناع 1 / 216، ومطالب أولي النهى 1 / 264.

(22/264)


تَأْخِيرِهِ، ثُمَّ إِنِ انْقَطَعَ فِي وَقْتِهِ لَيْسَتْ عَلَيْهِ إِعَادَةٌ (1)

بِنَاءُ الرَّاعِفِ عَلَى صَلاَتِهِ:
5 - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الرُّعَافَ لاَ يُفْسِدُ الصَّلاَةَ فَيَجُوزُ لِلرَّاعِفِ الْبِنَاءُ عَلَى صَلاَتِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: مَنْ أَصَابَهُ قَيْءٌ أَوْ رُعَافٌ أَوْ قَلَسٌ أَوْ مَذْيٌ فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ ثُمَّ لْيَبْنِ عَلَى صَلاَتِهِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ لاَ يَتَكَلَّمُ (2) وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُصَلِّي خَلْفَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَعَفَ فَانْصَرَفَ وَتَوَضَّأَ وَبَنَى عَلَى صَلاَتِهِ (3) .
وَنَقَل الْبَاجِيُّ عَنِ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّ الرُّعَافَ لاَ يُبْطِل الصَّلاَةَ وَلاَ يَمْنَعُ الْبِنَاءَ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: الدَّمُ مِنَ الْخَبَثِ لاَ تَصِحُّ الصَّلاَةُ مَعَهُ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ. فَمَنْ رَعَفَ فِي الصَّلاَةِ وَظَنَّ دَوَامَهُ لآِخِرِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ تَمَادَى فِي صَلاَتِهِ وُجُوبًا عَلَى حَالَتِهِ الَّتِي هُوَ بِهَا، وَلاَ فَائِدَةَ فِي الْقَطْعِ مَا لَمْ يَخْشَ مِنْ تَمَادِيهِ تَلَطُّخَ فُرُشِ الْمَسْجِدِ وَلَوْ خَشِيَهُ وَلَوْ بِقَطْرَةٍ قَطَعَ صَوْنًا لِلْمَسْجِدِ مِنَ النَّجَاسَةِ. وَإِنْ لَمْ
__________
(1) الحطاب 1 / 471، والشرح الصغير 1 / 270.
(2) حديث: " من أصابه قيء. . . " تقدم تخريجه ف 2
(3) بدائع الصنائع 1 / 220، والدسوقي 1 / 207، والمنتقى شرح الموطأ 1 / 83، والحطاب 1 / 484.

(22/265)


يَظُنَّ دَوَامَهُ لآِخِرِ الْمُخْتَارِ بَل ظَنَّ انْقِطَاعَهُ فِيهِ أَوْ شَكَّ فَلاَ يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ سَائِلاً، أَوْ قَاطِرًا، أَوْ رَاشِحًا.
فَإِذَا كَانَ الدَّمُ سَائِلاً، أَوْ قَاطِرًا وَلَمْ يُلَطِّخْهُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ فَتْلُهُ، فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْبِنَاءِ وَالْقَطْعِ، وَاخْتَارَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْقَطْعَ، فَقَال: هُوَ أَوْلَى، وَهُوَ الْقِيَاسُ.
قَال زَرُّوقٌ: إِنَّ الْقَطْعَ أَنْسَبُ بِمَنْ لاَ يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ فِي الْعِلْمِ، وَاخْتَارَ جُمْهُورُ الأَْصْحَابِ (الْمَالِكِيَّةُ) الْبِنَاءَ لِعَمَل أَهْل الْمَدِينَةِ، وَقِيل: هُمَا سِيَّانِ، وَذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ مَا يُفِيدُ وُجُوبَ الْبِنَاءِ.
أَمَّا إِذَا كَانَ الدَّمُ رَاشِحًا بِأَنْ لَمْ يَسِل وَلَمْ يَقْطُرْ بَل لَوَّثَ طَاقَتَيِ الأَْنْفِ وَجَبَ تَمَادِي الرَّاعِفِ فِي الصَّلاَةِ وَفَتْل الدَّمِ إِنْ أَمْكَنَ بِأَنْ لَمْ يَكْثُرْ، أَمَّا إِذَا لَمْ يُمْكِنْ لِكَثْرَتِهِ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ السَّائِل وَالْقَاطِرِ فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْقَطْعِ وَالْبِنَاءِ.
6 - وَيَخْرُجُ مُرِيدُ الْبِنَاءِ لِغَسْل الدَّمِ حَال كَوْنِهِ مُمْسِكًا أَنْفَهُ مِنْ أَعْلاَهُ وَهُوَ مَارِنُهُ، لاَ مِنْ أَسْفَلِهِ مِنَ الْوَتْرَةِ لِئَلاَّ يَبْقَى الدَّمُ فِي طَاقَتَيْ أَنْفِهِ، فَإِذَا غَسَلَهُ بَنَى عَلَى مَا تَقَدَّمَ لَهُ بِشُرُوطٍ سِتَّةٍ:
1 - أَنْ لاَ يَتَلَطَّخَ بِالدَّمِ بِمَا يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ. أَمَّا إِذَا تَلَطَّخَ بِمَا زَادَ عَلَى دِرْهَمٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ قَطْعُ الصَّلاَةِ وَيَبْتَدِئُهَا مِنْ أَوَّلِهَا بَعْدَ غَسْل الدَّمِ.
2 - أَنْ لاَ يُجَاوِزَ أَقْرَبَ مَكَانٍ مُمْكِنٍ لِغَسْل الدَّمِ فِيهِ، فَإِنْ جَاوَزَ الأَْقْرَبَ مَعَ الإِْمْكَانِ إِلَى أَبْعَدَ مِنْهُ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ.

(22/265)


3 - أَنْ يَكُونَ الْمَكَانُ الَّذِي يَغْسِل الدَّمَ فِيهِ قَرِيبًا فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا بَطَلَتْ صَلاَتُهُ.
4 - أَنْ لاَ يَسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَإِنِ اسْتَدْبَرَهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنَ الْمَذْهَبِ. وَقَال اللَّخْمِيُّ: إِذَا اسْتَدْبَرَ الرَّاعِفُ الْقِبْلَةَ لِطَلَبِ الْمَاءِ لَمْ تَبْطُل صَلاَتُهُ. وَقَال الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ وَجَمَاعَةٌ: يَخْرُجُ كَيْفَ أَمْكَنَهُ (1) .
5 - أَنْ لاَ يَطَأَ فِي مَشْيِهِ عَلَى نَجَاسَةٍ، وَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا، وَإِلاَّ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ النَّجَاسَةُ رَطْبَةً أَمْ يَابِسَةً، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنْ أَرْوَاثِ الدَّوَابِّ وَأَبْوَالِهَا، أَمْ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَسَوَاءٌ أَوَطِئَهَا عَمْدًا أَمْ سَهْوًا.
6 - أَنْ لاَ يَتَكَلَّمَ فِي مُضِيِّهِ لِلْغَسْل، فَإِنْ تَكَلَّمَ عَامِدًا أَوْ جَاهِلاً بَطَلَتْ صَلاَتُهُ (2) .
7 - ثُمَّ الرَّاعِفُ لاَ يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُنْفَرِدًا أَوْ مُقْتَدِيًا أَوْ إِمَامًا، فَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَلَهُ أَنْ يَبْنِيَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَمَالِكٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَبِهِ قَال مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ؛ لأَِنَّ مَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ وَمَا لاَ يَمْنَعُهُ لاَ يَخْتَلِفُ فِيهِ الْفَذُّ وَغَيْرُهُ، كَالسَّلاَمِ مِنَ اثْنَتَيْنِ فِيمَا طَال وَفِيمَا قَصُرَ - وَالْمَأْمُومُ لَهُ الْبِنَاءُ بِاتِّفَاقِ الْمَالِكِيَّةِ - وَلأَِنَّهُ قَدْ عَمِل شَيْئًا مِنَ الصَّلاَةِ فَلاَ يُبْطِلُهُ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْهُ؛ وَلأَِنَّهُ قَدْ حَازَ فَضِيلَةَ أَوَّل
__________
(1) المنتقى 1 / 83.
(2) الشرح الصغير 1 / 270 - 276، والحطاب 1 / 478 - 482

(22/266)


الْوَقْتِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ فَلاَ يَفُوتُ ذَلِكَ عَلَيْهِ كَفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ.
وَالْقَوْل الآْخَرُ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّ الرَّاعِفَ لَيْسَ لَهُ الْبِنَاءُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ (1) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَانْصَرَفَ وَتَوَضَّأَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ أَتَمَّ صَلاَتَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي افْتَتَحَ الصَّلاَةَ فِيهِ؛ لأَِنَّهُ إِذَا أَتَمَّ الصَّلاَةَ حَيْثُ هُوَ فَقَدْ سَلِمَتْ صَلاَتُهُ عَنِ الْمَشْيِ، لَكِنَّهُ صَلَّى وَاحِدَةً فِي مَكَانَيْنِ، وَإِنْ عَادَ إِلَى مُصَلاَّهُ فَقَدْ أَدَّى جَمِيعَ الصَّلاَةِ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ لَكِنْ مَعَ زِيَادَةِ مَشْيٍ فَاسْتَوَى الْوَجْهَانِ فَيُخَيَّرُ.
وَقَال بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: يُصَلِّي فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تَوَضَّأَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ، وَلَوْ أَتَى الْمَسْجِدَ تَفْسُدُ صَلاَتُهُ؛ لأَِنَّهُ تَحَمَّل زِيَادَةَ مَشْيٍ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ.
وَعَامَّةُ الْحَنَفِيَّةِ قَالُوا: لاَ تَفْسُدُ صَلاَتُهُ؛ لأَِنَّ الْمَشْيَ إِلَى الْمَاءِ وَالْعَوْدَ إِلَى مَكَانِ الصَّلاَةِ أُلْحِقَ بِالْعَدَمِ شَرْعًا.
وَإِنْ كَانَ الرَّاعِفُ مُقْتَدِيًا فَانْصَرَفَ وَتَوَضَّأَ فَإِنْ لَمْ يَفْرُغْ إِمَامُهُ مِنَ الصَّلاَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ لأَِنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُقْتَدِي بَعْدُ، وَلَوْ لَمْ يَعُدْ وَأَتَمَّ بَقِيَّةَ صَلاَتِهِ فِي بَيْتِهِ لاَ يُجْزِئُهُ؛ لأَِنَّهُ إِنْ صَلَّى مُقْتَدِيًا بِإِمَامِهِ لاَ يَصِحُّ لاِنْعِدَامِ شَرْطِ الاِقْتِدَاءِ، وَهُوَ اتِّحَادُ الْبُقْعَةِ إِلاَّ إِذَا كَانَ بَيْتُهُ قَرِيبًا مِنَ الْمَسْجِدِ بِحَيْثُ يَصِحُّ الاِقْتِدَاءُ، وَإِنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا فِي بَيْتِهِ فَسَدَتْ
__________
(1) بدائع الصنائع 1 / 223، والمنتقى 1 / 83، والحطاب 1 / 484.

(22/266)


صَلاَتُهُ؛ لأَِنَّ الاِنْفِرَادَ فِي حَال وُجُوبِ الاِقْتِدَاءِ يُفْسِدُ صَلاَتَهُ؛ لأَِنَّ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ تَغَايُرًا، وَقَدْ تَرَكَ مَا كَانَ عَلَيْهِ وَهُوَ الصَّلاَةُ مُقْتَدِيًا، وَمَا أَدَّى وَهُوَ الصَّلاَةُ مُنْفَرِدًا لَمْ يُوجَدْ لَهُ ابْتِدَاءُ تَحْرِيمِهِ وَهُوَ بَعْضُ الصَّلاَةِ؛ لأَِنَّهُ صَارَ مُنْتَقِلاً عَمَّا كَانَ هُوَ فِيهِ إِلَى هَذَا فَيَبْطُل ذَلِكَ، وَمَا حَصَل فِيهِ بَعْضُ الصَّلاَةِ فَلاَ يَخْرُجُ عَنْ كُل الصَّلاَةِ بِأَدَاءِ هَذَا الْقَدْرِ (1) .
وَالْمَالِكِيَّةُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْمُقْتَدِيَ يَبْنِي فِي الرُّعَافِ، إِلاَّ أَنَّ الأَْفْضَل عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يَقْطَعَ الْمُقْتَدِي الرَّاعِفُ الصَّلاَةَ بِكَلاَمٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيَغْسِل عَنْهُ الدَّمَ، ثُمَّ يَبْتَدِئَ الصَّلاَةَ كَيْ يَخْرُجَ مِنَ الْخِلاَفِ وَيُؤَدِّيَ الصَّلاَةَ بِاتِّفَاقٍ (2) . وَإِذَا عَادَ الرَّاعِفُ يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَغِل بِقَضَاءِ مَا سَبَقَ بِهِ فِي حَال تَشَاغُلِهِ بِالْوُضُوءِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَسَحْنُونٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ؛ لأَِنَّهُ لاَ حَقَّ فَكَأَنَّهُ خَلْفَ الإِْمَامِ، فَيَقُومُ مِقْدَارَ قِيَامِ الإِْمَامِ مِنْ غَيْرِ قِرَاءَةٍ، وَمِقْدَارَ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ، وَلاَ يَضُرُّهُ إِنْ زَادَ أَوْ نَقَصَ (3) .
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَيَقُولُونَ عَلَى الْمَذْهَبِ فِيمَا إِذَا اجْتَمَعَ لِلرَّاعِفِ الْقَضَاءُ وَالْبِنَاءُ: أَنْ يُقَدِّمَ الْبِنَاءَ عَلَى الْقَضَاءِ؛ لأَِنَّ الْقَضَاءَ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ إِكْمَال مَا فَعَلَهُ الإِْمَامُ بَعْدَ دُخُولِهِ مَعَهُ (4) . وَهَذَا جَائِزٌ
__________
(1) بدائع الصنائع 1 / 223.
(2) مواهب الجليل 1 / 484، والمنتقى 1 / 83.
(3) بدائع الصنائع 1 / 223، والشرح الصغير 1 / 281.
(4) الشرح الصغير 1 / 280 - 281

(22/267)


عِنْدَ جُمْهُورِ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا، فَقَدْ قَال الْكَاسَانِيُّ: لَوْ تَابَعَ إِمَامَهُ أَوَّلاً ثُمَّ اشْتَغَل بِقَضَاءِ مَا سَبَقَ بِهِ بَعْدَ تَسْلِيمِ الإِْمَامِ جَازَتْ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلاَثَةِ خِلاَفًا لِزُفَرَ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ فِي أَفْعَال الصَّلاَةِ الْوَاحِدَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ شَرْطٌ (1) .
وَلِلتَّفْصِيل (ر: قَضَاءُ الْفَوَائِتِ) .
8 - أَمَّا إِذَا كَانَ الرَّاعِفُ إِمَامًا فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالاِسْتِخْلاَفِ فَيَتَوَضَّأُ، أَوْ يَغْسِل الدَّمَ - كَمَا يَقُول الْمَالِكِيَّةُ - وَيَبْنِي عَلَى صَلاَتِهِ عَلَى نَحْوِ مَا ذُكِرَ فِي الْمُقْتَدِي، لأَِنَّهُ بِالاِسْتِخْلاَفِ تَحَوَّلَتِ الإِْمَامَةُ إِلَى الثَّانِي، وَصَارَ هُوَ كَوَاحِدٍ مِنَ الْمُقْتَدِينَ (2) .
(ر: اسْتِخْلاَف) .

أَثَرُ الرُّعَافِ عَلَى الصَّوْمِ:
9 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَنْ رَعَفَ فَأَمْسَكَ أَنْفَهُ فَخَرَجَ الدَّمُ مِنْ فِيهِ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَى حَلْقِهِ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّ مَنْفَذَ الأَْنْفِ إِلَى الْفَمِ دُونَ الْجَوْفِ، فَهُوَ مَا لَمْ يَصِل إِلَى الْجَوْفِ لاَ شَيْءَ فِيهِ، وَمَنْ دَخَل دَمُ رُعَافِهِ حَلْقَهُ فَسَدَ صَوْمُهُ. أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فَيُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَاتِهِمْ أَنَّ مَا يَصِل إِلَى جَوْفِ الصَّائِمِ بِلاَ قَصْدٍ لاَ يُفْطِرُ (3) .
وَلِلتَّفْصِيل (ر: صَوْم) .
__________
(1) بدائع الصنائع 1 / 223.
(2) بدائع الصنائع 1 / 224، والحطاب 1 / 484.
(3) فتح القدير 1 / 258 نشر دار إحياء التراث العربي، والحطاب 2 / 425، وروضة الطالبين 2 / 356، 359، وكشاف القناع 1 / 322.

(22/267)


رَعْيٌ

التَّعْرِيفُ:
1 - الرَّعْيُ: مَصْدَرُ رَعَى الْكَلأََ وَنَحْوَهُ يَرْعَى رَعْيًا، يُقَال: الْمَاشِيَةُ رَعَتِ الْكَلأََ أَيْ أَكَلَتْهُ، وَالرَّاعِي يَرْعَى الْمَاشِيَةَ أَيْ يَحُوطُهَا وَيَحْفَظُهَا، وَالْجَمْعُ رُعَاةٌ مِثْل قَاضٍ وَقُضَاةٍ، وَرِعَاءٌ مِثْل جَائِعٍ وَجِيَاعٍ، وَرُعْيَانٌ مِثْل شَابٍّ وَشُبَّانٍ (1) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ لِلرَّعْيِ عَنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
2 - الأَْصْل فِي الرَّعْيِ الإِْبَاحَةُ لِقَوْل الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلاَثٍ: فِي الْكَلأَِ (2) وَالْمَاءِ وَالنَّارِ (3) فَالْكَلأَُ يَنْبُتُ فِي مَوَاتِ الأَْرْضِ يَرْعَاهُ النَّاسُ وَلَيْسَ لأَِحَدٍ أَنْ يَخْتَصَّ بِهِ دُونَ أَحَدٍ أَوْ يَحْجِزَهُ عَنْ غَيْرِهِ.
__________
(1) لسان العرب والمصباح المنير.
(2) الكلأ: اسم لحشيش ينبت من غير صنع العبد.
(3) حديث: " المسلمون شركاء في ثلاث. . . " أخرجه أبو داود (3 / 751 - تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث رجل من المهاجرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

(22/268)


وَكَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا غَزَا الرَّجُل مِنْهُمْ حَمَى بُقْعَةً مِنَ الأَْرْضِ لِمَاشِيَتِهِ يَرْعَاهَا يَذُودُ النَّاسَ عَنْهَا، فَأَبْطَل النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ، وَجَعَل النَّاسَ فِيهَا شُرَكَاءَ يَتَعَاوَرُونَهُ بَيْنَهُمْ.
وَقَدْ يَعْرِضُ لِلرَّعْيِ بَعْضُ الأَْحْكَامِ الأُْخْرَى وَتَفْصِيلُهَا فِيمَا يَلِي:

مَنْعُ أَهْل قَرْيَةٍ رَعْيَ غَيْرِ مَوَاشِيهِمْ:
3 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لأَِهْل قَرْيَةٍ أَنْ يَمْنَعُوا غَيْرَهُمْ مِنْ رَعْيِ مَوَاشِيهِمْ فِي مَرَاعِي الْقَرْيَةِ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لَوْ أَنَّ جَمَاعَةً عَمَّرُوا بَلَدًا اخْتَصُّوا بِحَرِيمِهِ، وَحَرِيمُهُ: مَا يُمْكِنُ الاِحْتِطَابُ مِنْهُ، وَالرَّعْيُ فِيهِ عَلَى الْعَادَةِ مِنَ الذَّهَابِ وَالإِْيَابِ مَعَ مُرَاعَاةِ الْمَصْلَحَةِ وَالاِنْتِفَاعِ بِالْحَطَبِ وَجَلْبِ الدَّوَابِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ غُدُوًّا وَرَوَاحًا فِي الْيَوْمِ، فَيَخْتَصُّونَ بِهِ. وَلأَِهْل الْقَرْيَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مَنْعُ غَيْرِهِمْ وَلاَ يَخْتَصُّ بِهِ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ لأَِنَّهُ مُبَاحٌ لِلْجَمِيعِ (1) .

رَعْيُ حَشِيشِ الْحَرَمِ:
4 - يَجُوزُ رَعْيُ حَشِيشِ الْحَرَمِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَأَبِي يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ
__________
(1) بدائع الصنائع 8 / 3848 - ط الإمام، الشرح الصغير 4 / 188، نهاية المحتاج 5 / 331، الموسوعة 17 / 219 مصطلح (حريم) فقرة 12

(22/268)


الْحَنَابِلَةِ؛ لأَِنَّ الْهَدْيَ كَانَ يَدْخُل إِلَى الْحَرَمِ، فَيَكْثُرُ فِيهِ، فَلَمْ يُنْقَل أَنَّهُمْ كَانُوا يُكَمِّمُونَ أَفْوَاهَهُ؛ وَلأَِنَّ بِهِمْ حَاجَةً إِلَى ذَلِكَ فَأَشْبَهَ الإِْذْخِرَ.
وَلاَ يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَهِيَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ؛ لأَِنَّهُ لَمَّا مَنَعَ مِنَ التَّعَرُّضِ لِحَشِيشِ الْحَرَمِ اسْتَوَى فِيهِ تَعَرُّضُ الشَّخْصِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِإِرْسَال الْبَهِيمَةِ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّ فِعْل الْبَهِيمَةِ يُضَافُ إِلَى صَاحِبِهَا، كَمَا فِي الصَّيْدِ فَإِنَّهُ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِ التَّعَرُّضَ اسْتَوَى فِيهِ اصْطِيَادُهُ بِنَفْسِهِ وَبِإِرْسَال الْكَلْبِ (1) .
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى حُرْمَةِ التَّعَرُّضِ لِحَشِيشِ الْحَرَمِ بِمَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ، فَلَمْ تَحِل لأَِحَدٍ قَبْلِي وَلاَ تَحِل لأَِحَدٍ بَعْدِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، لاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا، وَلاَ يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلاَ تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلاَّ لِمُعَرِّفٍ. (2)

أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْ الرَّعْيِ فِي الْحِمَى:
5 - لاَ يَجُوزُ لأَِحَدٍ مِنَ الْوُلاَةِ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ
__________
(1) بدائع الصنائع 2 / 210 - 211، جواهر الإكليل 1 / 198، ومغني المحتاج 1 / 527، والمغني لابن قدامة 3 / 349 - 352، الموسوعة 17 / 192، مصطلح (حرم) فقرة 11
(2) حديث: " إن الله حرم مكة. . . . " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 46 - ط السلفية) .

(22/269)


أَصْحَابِ الْمَوَاشِي عَنْ مَرَاعِي مَوَاتٍ أَوْ حِمًى لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلاَثٍ: الْكَلأَِ وَالْمَاءِ وَالنَّارِ (1) . وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ حِمَى إِلاَّ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ (2) فَإِنَّ الْمَعْنَى لاَ يَحْمِي لِنَفْسِهِ إِلاَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأَِنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ، وَلَوْ وَقَعَ كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ؛ لأَِنَّ مَصْلَحَتَهُ مَصْلَحَتُهُمْ، أَوْ بِأَنَّ الْمَعْنَى لاَ حِمَى إِلاَّ حِمَى مِثْل حِمَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ كَوْنِهِ لاَ عِوَضَ فِيهِ وَلاَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الإِْمَامِ أَخْذُ الْعِوَضِ مِمَّنْ يَرْعَى فِيهِ كَالْمَوَاتِ (3) .

ضَمَانُ الرَّاعِي:
6 - لاَ ضَمَانَ عَلَى الرَّاعِي الْمُسْتَأْجِرِ فِيمَا تَلِفَ مِنَ الْمَاشِيَةِ مَا لَمْ يَتَعَدَّ أَوْ يُقَصِّرَ فِي حِفْظِهَا؛ لأَِنَّهُ مُؤْتَمَنٌ عَلَى حِفْظِهَا فَلَمْ يَضْمَنْ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ كَالْمُودَعِ؛ وَلأَِنَّهَا عَيْنٌ قَبَضَهَا بِحُكْمِ الإِْجَارَةِ فَلَمْ يَضْمَنْهَا مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ كَالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، فَأَمَّا مَا تَلِفَ بِتَعَدِّيهِ فَيَضْمَنُهُ بِغَيْرِ خِلاَفٍ.
__________
(1) حديث: " المسلمون شركاء في ثلاث. . . . " سبق تخريجه ف 2
(2) حديث: " لا حمى إلا لله ورسوله " أخرجه البخاري (الفتح 5 / 44 - ط السلفية) من حديث الصعب بن جثامة.
(3) الأحكام السلطانية للماوردي 187، الأحكام السلطانية لأبي يعلى 224، مطالب أولي النهى 4 / 201، نهاية المحتاج 5 / 338، القليوبي وعميرة 3 / 93، مواهب الجليل 6 / 6 - 7

(22/269)


وَإِنِ اخْتَلَفَ صَاحِبُ الْمَاشِيَةِ مَعَ الرَّاعِي فِي التَّعَدِّي وَعَدَمِهِ، فَالْقَوْل قَوْل الرَّاعِي؛ لأَِنَّهُ أَمِينٌ، وَإِنْ فَعَل فِعْلاً اخْتَلَفَا فِي كَوْنِهِ تَعَدِّيًا رَجَعَا إِلَى أَهْل الْخِبْرَةِ، وَإِذَا خَافَ الرَّاعِي الْمَوْتَ عَلَى شَاةٍ مَثَلاً وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهَا تَمُوتُ إِنْ لَمْ يَذْبَحْهَا فَذَبَحَهَا فَلاَ يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا، وَإِذَا اخْتَلَفَا فَالْقَوْل قَوْل الرَّاعِي (1) .

إِجَارَةُ الرَّاعِي:
7 - الرَّاعِي إِمَّا أَنْ يَكُونَ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا أَوْ أَجِيرًا خَاصًّا، فَتَجْرِي عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا أَحْكَامُ الإِْجَارَةِ وَيُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: إِجَارَة ف. 150 (ج 1 ص 301) .

سَقْيُ الرَّاعِي مِنْ لَبَنِ الْغَنَمِ الَّتِي يَرْعَاهَا:
8 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ) إِلَى أَنَّهُ لاَ يَحِل لَبَنُ الْمَاشِيَةِ إِلاَّ بِإِذْنِ صَاحِبِهَا أَوْ عِلْمِ طِيبِ نَفْسِهِ، أَوْ لِمَنْ كَانَ مُضْطَرًّا فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ قَدْرَ دَفْعِ الْحَاجَةِ.
وَدَلِيلُهُمْ حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ يَحْلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ امْرِئٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرَبَتُهُ فَتُكْسَرَ خِزَانَتُهُ فَيُنْتَقَل طَعَامُهُ، فَإِنَّمَا تُخَزِّنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَاشِيَتِهِمْ أَطْعِمَاتِهِمْ، فَلاَ يَحْلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِهِ. (2)
__________
(1) الفتاوى الهندية 5 / 226، المدونة 1 / 241، المغني لابن قدامة 6 / 126 - 127
(2) حديث: " لا يحلبن أحد ماشية امرئ بغير إذنه " أخرجه البخاري (الفتح 5 / 88 - ط السلفية) ، ومسلم (3 / 1352 - ط الحلبي) من حديث ابن عمر.

(22/270)


قَال ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: (فِي الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ أَنْ يَأْخُذَ الْمُسْلِمُ مِنْ مَال الْمُسْلِمِ شَيْئًا إِلاَّ بِإِذْنِهِ، وَإِنَّمَا خُصَّ اللَّبَنُ بِالذِّكْرِ لِتَسَاهُل النَّاسِ فِيهِ، فَنَبَّهَ بِهِ عَلَى مَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ، وَبِهَذَا أَخَذَ الْجُمْهُورُ، سَوَاءٌ كَانَ بِإِذْنٍ خَاصٍّ، أَوْ بِإِذْنٍ عَامٍّ، وَاسْتَثْنَى كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ مَا إِذَا عَلِمَ بِطِيبِ نَفْسِ صَاحِبِهِ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ إِذْنٌ خَاصٌّ وَلاَ عَامٌّ) . اهـ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى الْجَوَازِ مُطْلَقًا فِي الأَْكْل وَالشُّرْبِ سَوَاءٌ عَلِمَ بِطِيبِ نَفْسِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَدَلِيلُهُمْ فِي ذَلِكَ: مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ مَرْفُوعًا: إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ عَلَى مَاشِيَةٍ فَإِنْ كَانَ فِيهَا صَاحِبُهَا فَلْيَسْتَأْذِنْهُ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فَلْيَحْتَلِبْ وَلْيَشْرَبْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا فَلْيُصَوِّتْ ثَلاَثًا، فَإِنْ أَجَابَهُ فَلْيَسْتَأْذِنْهُ، وَإِلاَّ فَلْيَحْتَلِبْ وَلْيَشْرَبْ وَلاَ يَحْمِل (1) .
وَكَذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: إِذَا أَتَيْتَ عَلَى رَاعٍ فَنَادِهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ، فَإِنْ أَجَابَكَ، وَإِلاَّ فَاشْرَبْ فِي غَيْرِ أَنْ تُفْسِدَ (2) .
__________
(1) حديث: " إذا أتى أحدكم على ماشية فإن كان صاحبها فيها. . . . " أخرجه أبو داود (3 / 89 - تحقيق عزت عبيد دعاس) ، والترمذي (3 / 581 - ط الحلبي) وحسنه الترمذي.
(2) حديث: " إذا أتيت على راع فناده ثلاث مرار. . . . . " أخرجه ابن ماجه (2 / 771 - ط الحلبي) ، والبيهقي (9 / 259 - 260 - ط دائرة المعارف العثمانية) وأعله البيهقي، ولكن يشهد له حديث سمرة بن جندب المتقدم.

(22/270)


قَال ابْنُ حَجَرٍ: وَمِنْهُمْ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِوُجُوهٍ مِنَ الْجَمْعِ مِنْهَا حَمْل الإِْذْنِ عَلَى مَا إِذَا عَلِمَ بِطِيبِ نَفْسِ صَاحِبِهِ، وَالنَّهْيِ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَعْلَمْ، وَمِنْهَا تَخْصِيصُ الإِْذْنِ بِابْنِ السَّبِيل دُونَ غَيْرِهِ، أَوْ بِالْمُضْطَرِّ، أَوْ بِحَال الْمَجَاعَةِ، وَهِيَ مُتَقَارِبَةٌ (1) .
__________
(1) الفتاوى الهندية 5 / 86، المدونة 4 / 436، فتح الباري 5 / 88 - 89، عمدة القاري 12 / 278 - 279

(22/271)


رَغَائِبُ

التَّعْرِيفُ:
1 - الرَّغَائِبُ جَمْعُ رَغِيبَةٍ وَهِيَ لُغَةً الْعَطَاءُ الْكَثِيرُ، أَوْ مَا حُضَّ عَلَيْهِ مِنْ فِعْل الْخَيْرِ (1) .
وَالرَّغِيبَةُ اصْطِلاَحًا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى مَا قَالَهُ الدُّسُوقِيُّ هِيَ: مَا رَغَّبَ فِيهِ الشَّارِعُ وَحْدَهُ وَلَمْ يَفْعَلْهُ فِي جَمَاعَةٍ. وَقَال الشَّيْخُ عُلَيْشٌ: صَارَتِ الرَّغِيبَةُ كَالْعَلَمِ بِالْغَلَبَةِ عَلَى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ.
وَقَالُوا أَيْضًا: الرَّغِيبَةُ هِيَ مَا دَاوَمَ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فِعْلِهِ بِصِفَةِ النَّوَافِل، أَوْ رَغَّبَ فِيهِ بِقَوْلِهِ: مَنْ فَعَل كَذَا فَلَهُ كَذَا، قَال الْحَطَّابُ: وَلاَ خِلاَفَ أَنَّ أَعْلَى الْمَنْدُوبَاتِ يُسَمَّى سُنَّةً وَسَمَّى ابْنُ رُشْدٍ النَّوْعَ الثَّانِيَ رَغَائِبَ، وَسَمَّاهُ الْمَازِرِيُّ فَضَائِل، وَسَمَّوُا النَّوْعَ الثَّالِثَ مِنَ الْمَنْدُوبَاتِ نَوَافِل (2) .
وَالرَّغَائِبُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ: صَلاَةٌ بِصِفَةٍ خَاصَّةٍ تُفْعَل أَوَّل رَجَبٍ أَوْ فِي مُنْتَصَفِ شَعْبَانَ.
__________
(1) لسان العرب والأضداد للجاحظ مادة: (رغب)
(2) الحطاب 1 / 39، الدسوقي 1 / 318، والموسوعة 8 / 32، مصطلح (بدعة) فقرة 23

(22/271)


الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
2 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ صَلاَةَ الرَّغَائِبِ فِي أَوَّل جُمُعَةٍ مِنْ رَجَبٍ، أَوْ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ بِكَيْفِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ، أَوْ بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ مِنَ الرَّكَعَاتِ بِدْعَةٌ مُنْكَرَةٌ (1) .
قَال النَّوَوِيُّ: وَهَاتَانِ الصَّلاَتَانِ بِدْعَتَانِ مَذْمُومَتَانِ مُنْكَرَتَانِ قَبِيحَتَانِ، وَلاَ تَغْتَرَّ بِذِكْرِهِمَا فِي كِتَابِ قُوتِ الْقُلُوبِ وَالإِْحْيَاءِ، وَلَيْسَ لأَِحَدٍ أَنْ يَسْتَدِل عَلَى شَرْعِيَّتِهِمَا بِمَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَال: الصَّلاَةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ (2) فَإِنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِصَلاَةٍ لاَ تُخَالِفُ الشَّرْعَ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ (3) .
قَال إِبْرَاهِيمُ الْحَلَبِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: قَدْ حَكَمَ الأَْئِمَّةُ عَلَيْهَا بِالْوَضْعِ قَال فِي الْعِلْمِ الْمَشْهُورِ: حَدِيثُ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ مَوْضُوعٌ (4) ، قَال أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ حِبَّانَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ
__________
(1) القليوبي وعميرة 1 / 216، غنية الْمُتَمَليِّ في شرح منية المصلي - حلبي كبير - ص 433
(2) حديث: " الصلاة خير موضوع " أخرجه أحمد (5 / 178 - ط الميمنية) من حديث أبي ذر، وأورده الهيثمي في المجمع (1 / 160 - ط القدسي) وقال: " فيه المسعودي وهو ثقة اختلط ".
(3) المجموع للنووي 4 / 256.
(4) حلبي كبير ص 434 للشيخ إبراهيم الحلبي - ط دار سعادت، عارف أفندي مطبعة سنده أولنمشدر سنة 1325 هـ، حاشية ابن عابدين 1 / 461 - 476، القليوبي وعميرة 1 / 216، الفروع 1 / 569 - 570، الاعتصام للشاطبي 1 / 232، إنكار البدع والحوادث ص 63 - 67

(22/272)


مُهَاجِرٍ يَضَعُ الْحَدِيثَ عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَدِيثُ أَنَسٍ مَوْضُوعٌ؛ لأَِنَّ فِيهِ إِبْرَاهِيمَ بْنَ إِسْحَاقَ قَال أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ يُقَلِّبُ الأَْخْبَارَ وَيَسُوقُ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ وَهْبُ بْنُ وَهْبٍ الْقَاضِي أَكْذَبُ النَّاسِ ذَكَرَهُ فِي الْعِلْمِ الْمَشْهُورِ، وَقَال أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ: صَلاَةُ الرَّغَائِبِ مَوْضُوعَةٌ عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذِبٌ عَلَيْهِ (1) .
قَال: وَقَدْ ذَكَرُوا عَلَى بِدْعِيَّتِهِمَا وَكَرَاهِيَتِهِمَا عِدَّةَ وُجُوهٍ مِنْهَا: أَنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الأَْئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ لَمْ يُنْقَل عَنْهُمْ هَاتَانِ الصَّلاَتَانِ، فَلَوْ كَانَتَا مَشْرُوعَتَيْنِ لَمَا فَاتَتَا السَّلَفَ، وَإِنَّمَا حَدَثَتَا بَعْدَ الأَْرْبَعِمِائَةِ، قَال الطُّرْطُوشِيُّ أَخْبَرَنِي الْمَقْدِسِيُّ قَال: لَمْ يَكُنْ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ قَطُّ صَلاَةُ الرَّغَائِبِ فِي رَجَبٍ وَلاَ صَلاَةُ نِصْفِ شَعْبَانَ، فَحَدَثَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ أَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا رَجُلٌ مِنْ نَابُلُسَ يُعْرَفُ بِابْنِ الْحَيِّ، وَكَانَ حَسَنَ التِّلاَوَةِ فَقَامَ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ الأَْقْصَى لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَأَحْرَمَ خَلْفَهُ رَجُلٌ، ثُمَّ انْضَافَ ثَالِثٌ وَرَابِعٌ فَمَا خَتَمَ إِلاَّ وَهُمْ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ، ثُمَّ جَاءَ فِي الْعَامِ الْقَابِل فَصَلَّى مَعَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَانْتَشَرَتْ فِي الْمَسْجِدِ الأَْقْصَى وَبُيُوتِ النَّاسِ وَمَنَازِلِهِمْ، ثُمَّ اسْتَقَرَّتْ كَأَنَّهَا سُنَّةٌ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا. أ. هـ.
(ر: بِدْعَة ف 23) وَانْظُرْ لِلتَّفْصِيل مُصْطَلَحَ (صَلاَةُ الرَّغَائِبِ) .
__________
(1) الموضوعات لابن الجوزي 2 / 124 - 126 نشر دار السلفية.

(22/272)


الرَّغِيبَةُ بِمَعْنَى سُنَّةِ الْفَجْرِ:
3 - الرَّغِيبَةُ تَدُل عَلَى سُنَّةِ صَلاَةِ الْفَجْرِ فِي اصْطِلاَحِ الْمَالِكِيَّةِ، وَرُتْبَتُهَا عِنْدَهُمْ أَعْلَى مِنَ الْمَنْدُوبَاتِ وَدُونَ السُّنَنِ، وَالْمَنْدُوبَاتُ عِنْدَهُمْ كَالنَّوَافِل الرَّاتِبَةِ الَّتِي تُصَلَّى مَعَ الْفَرَائِضِ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا وَالسُّنَنُ عِنْدَهُمْ نَحْوُ الْوِتْرِ وَالْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَالاِسْتِسْقَاءِ.
وَعِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ: رَكْعَتَا الْفَجْرِ سُنَّةٌ لأَِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَاهَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ (1) .
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ رَكْعَتَا الْفَجْرِ مِنْ أَقْوَى السُّنَنِ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ هُمَا مِنَ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ (2) وَانْظُرْ لِلتَّفْصِيل مُصْطَلَحَ: (صَلاَةُ الْفَجْرِ) .
__________
(1) حديث: " قضاء الرسول صلى الله عليه وسلم لركعتي الفجر بعد طلوع الشمس " أخرجه مسلم (1 / 471 - 472 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(2) الحطاب 1 / 34 - 39، والدسوقي 1 / 318، وبداية المجتهد 1 / 205، والبدائع 1 / 285، والقليوبي وعميرة 1 / 210، والفروع 1 / 544.

(22/273)


رِفَادَةٌ

التَّعْرِيفُ
1 - الرِّفْدُ بِالْكَسْرِ الْعَطَاءُ وَالصِّلَةُ، وَبِالْفَتْحِ الْقَدَحُ الضَّخْمُ وَيُكْسَرُ، وَالرِّفْدُ مَصْدَرُ رَفَدَهُ يَرْفِدُهُ أَيْ أَعْطَاهُ، وَالإِْرْفَادُ: الإِْعَانَةُ وَالإِْعْطَاءُ، وَالاِرْتِفَادُ: الْكَسْبُ، وَالاِسْتِرْفَادُ: الاِسْتِعَانَةُ. وَالتَّرَافُدُ: التَّعَاوُنُ.
وَالرِّفَادَةُ شَيْءٌ كَانَتْ قُرَيْشٌ تَتَرَافَدُ بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَيُخْرِجُ كُل إِنْسَانٍ مَالاً بِقَدْرِ طَاقَتِهِ، فَيَجْمَعُونَ مِنْ ذَلِكَ مَالاً عَظِيمًا أَيَّامَ الْمَوْسِمِ فَيَشْتَرُونَ بِهِ لِلْحَاجِّ الْجُزُرَ (الإِْبِل) ، وَالطَّعَامَ، وَالزَّبِيبَ لِلنَّبِيذِ، فَلاَ يَزَالُونَ يُطْعِمُونَ النَّاسَ حَتَّى تَنْقَضِيَ أَيَّامُ مَوْسِمِ الْحَجِّ، وَكَانَتِ الرِّفَادَةُ وَالسِّقَايَةُ لِبَنِي هَاشِمٍ، وَالسِّدَانَةُ وَاللِّوَاءُ لِبَنِي عَبْدِ الدَّارِ، وَكَانَ أَوَّل مَنْ قَامَ بِالرِّفَادَةِ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ، وَسُمِّيَ هَاشِمًا لِهَشْمِهِ الثَّرِيدَ (1) .
__________
(1) الصحاح والقاموس واللسان والمصباح مادة: (رفد) ، والكليات 2 / 368 ط. دمشق، وقد أخرج أحمد (6 / 401 - ط الميمنية) عن أبي محذورة عن أبيه أو عن جده قال: " جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان لنا ولموالينا، والسقاية لبني هاشم، والحجابة لبني عبد الدار " وأورده الهيثمي في المجمع 3 / 285 ط. القدسي وقال: " رواه أحمد والطبراني في الأوسط والكبير، وفيه هذيل بن بلال الأشعري، وثقه أحمد وغيره، وضعفه النسائي وغيره ".

(22/273)


الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - السِّدَانَةُ:
2 - وَمَعْنَاهُ خِدْمَةُ الْكَعْبَةِ. تَقُول سَدَنْتُ الْكَعْبَةَ أَسْدُنُهَا سَدْنًا إِذَا خَدَمْتَهَا، فَالْوَاحِدُ سَادِنٌ وَالْجَمْعُ سَدَنَةٌ، وَالسِّدَانَةُ بِالْكَسْرِ الْخِدْمَةُ، وَالسِّدْنُ السِّتْرُ وَزْنًا وَمَعْنًى (1) .

ب - الْحِجَابَةُ:
3 - الْحِجَابَةُ اسْمٌ مِنَ الْحَجْبِ مَصْدَرُ حَجَبَ يَحْجُبُ، وَمِنْهُ قِيل لِلسِّتْرِ: حِجَابٌ، لأَِنَّهُ يَمْنَعُ الْمُشَاهَدَةَ، وَقِيل لِلْبَوَّابِ حَاجِبٌ، لأَِنَّهُ يَمْنَعُ مِنَ الدُّخُول (2) . وَمِنْهُ حِجَابَةُ الْكَعْبَةِ، وَكَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِبَنِي عَبْدِ الدَّارِ.

ج - السِّقَايَةُ:
4 - وَهِيَ مَوْضِعٌ يُتَّخَذُ لِسَقْيِ النَّاسِ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْوَضْعُ الْمُتَّخَذُ لِسِقَايَةِ الْحَاجِّ فِي الْمَوْسِمِ (3) .

د - الْعِمَارَةُ:
5 - الْعِمَارَةُ اسْمُ مَصْدَرٍ مِنْ عَمَّرْتُ الدَّارَ عَمْرًا أَيْ بَنَيْتُهَا، وَمِنْهُ عِمَارَةُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (4) .
__________
(1) المصباح مادة: (سدن) .
(2) المصباح مادة: (حجب) .
(3) المصباح مادة: (سقي) ، وروح المعاني 10 / 66 ط. الفكر.
(4) المصباح مادة: (عمر) ، روح المعاني 10 / 66 ط. الفكر.

(22/274)


مَكَانَةُ الرِّفَادَةِ فِي الشَّرْعِ:
6 - الرِّفَادَةُ وَالسِّقَايَةُ وَالْعِمَارَةُ وَالْحِجَابَةُ مِنَ الأُْمُورِ الَّتِي كَانَتْ تَفْتَخِرُ بِهَا قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَيَعْتَبِرُونَهَا مِنَ الأَْعْمَال الَّتِي يَمْتَازُونَ بِهَا عَنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْعَرَبِ، فَهُمْ حَمَاةُ الْبَيْتِ يَصُدُّونَ الأَْذَى عَنْهُ، وَيُطْعِمُونَ وَيَسْقُونَ مَنْ جَاءَهُ حَاجًّا أَوْ زَائِرًا، وَقَدْ بَلَغَ بِهِمُ الأَْمْرُ أَنْ جَعَلُوا هَذِهِ الأَْعْمَال كَعَمَل مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ، وَقَدْ أَنْكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيل اللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (1) .

الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
7 - الرِّفَادَةُ مَشْرُوعَةٌ لإِِقْرَارِ الإِْسْلاَمِ لَهَا، وَهِيَ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ؛ لأَِنَّهَا إِكْرَامٌ لِلْحُجَّاجِ وَهُمْ ضُيُوفُ الرَّحْمَنِ، وَهِيَ صَدَقَةٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ، وَصِلَةٌ لِغَيْرِهِمْ.
__________
(1) سورة التوبة / 19.

(22/274)


رَفَثٌ

التَّعْرِيفُ:
1 - الرَّفَثُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْفَاءِ - فِي اللُّغَةِ: الْجِمَاعُ وَغَيْرُهُ مِمَّا يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُل وَالْمَرْأَةِ مِنْ تَقْبِيلٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَكُونُ فِي حَالَةِ الْجِمَاعِ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْفُحْشِ.
وَقَال قَوْمٌ: الرَّفَثُ هُوَ قَوْل الْخَنَا، وَالْفُحْشِ، وَاحْتَجَّ هَؤُلاَءِ بِخَبَرِ: إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلاَ يَرْفُثْ، وَلاَ يَصْخَبْ (1) .
وَقَال أَبُو عُبَيْدَةَ: الرَّفَثُ: اللَّغْوُ مِنَ الْكَلاَمِ. يُقَال: رَفَثَ فِي كَلاَمِهِ يَرْفُثُ، وَأَرْفَثَ إِذَا تَكَلَّمَ بِالْقَبِيحِ، ثُمَّ جُعِل كِنَايَةً عَنِ الْجِمَاعِ وَعَنْ كُل مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، فَالرَّفَثُ بِاللِّسَانِ: ذِكْرُ الْمُجَامَعَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا، وَالرَّفَثُ بِالْيَدِ، اللَّمْسُ، وَبِالْعَيْنِ: الْغَمْزُ، وَالرَّفَثُ بِالْفَرْجِ: الْجِمَاعُ (2) .
__________
(1) حديث: " إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 118 - ط السلفية) ، ومسلم 2 / 807 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(2) تاج العروس، وتفسير الرازي، وتفسير ابن كثير، في تفسير آية (فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ) .

(22/275)


وَفِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ: لاَ يَخْرُجُ الرَّفَثُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
2 - الرَّفَثُ بِمَعْنَى مُبَاشَرَةِ النِّسَاءِ بِالْجِمَاعِ أَوْ غَيْرِهِ فِي الْعِبَادَاتِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ عَلَى التَّفْصِيل التَّالِي:
الرَّفَثُ فِي الصَّوْمِ:
3 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَهْل الْعِلْمِ فِي أَنَّ مَنْ جَامَعَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عَمْدًا ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ أَنَّهُ يَأْثَمُ، وَيَفْسُدُ صَوْمُهُ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، سَوَاءٌ أَنْزَل أَمْ لَمْ يُنْزِل، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أُحِل لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} (1) وَالرَّفَثُ هُنَا الْجِمَاعُ (2) .
وَكَالْجِمَاعِ فِي الإِْثْمِ وَإِفْسَادِ الصَّوْمِ وَالْقَضَاءِ الإِْنْزَال بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ بِقُبْلَةٍ أَوْ بِلَمْسٍ وَلَوْ بِدُونِ جِمَاعٍ، فَإِنْ قَبَّل أَوْ لَمَسَ أَوْ ضَمَّهَا إِلَيْهِ فَلَمْ يُنْزِل لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ، وَهُوَ مَحَل اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ (3) .
أَمَّا الْجِمَاعُ نَاسِيًا فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُفْسِدُ الصَّوْمَ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي يَأْكُل وَيَشْرَبُ نَاسِيًا: فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ. (4)
__________
(1) سورة البقرة / 187.
(2) أسنى المطالب 1 / 414، فتح القدير 2 / 253) ، المغني 3 / 120، حاشية الدسوقي 1 / 509.
(3) المصادر السابقة.
(4) حديث: " فليتم صومه " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 155 - ط السلفية) ، ومسلم (2 / 809 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.

(22/275)


وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي الأَْكْل وَالشُّرْبِ ثَبَتَ فِي الْجِمَاعِ لِلاِسْتِوَاءِ فِي الرُّكْنِيَّةِ (1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي ظَاهِرِ النَّصِّ عِنْدَهُمْ: إِنَّ النَّاسِيَ كَالْمُتَعَمِّدِ فَيَفْسُدُ صَوْمُهُ إِذَا جَامَعَ نَاسِيًا، وَقَالُوا: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَرَ الَّذِي جَامَعَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ بِالْكَفَّارَةِ وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْ كَوْنِهِ عَمْدًا (2) . وَلَوِ افْتَرَقَ الْحَال لَسَأَل وَاسْتَفْصَل؛ وَلأَِنَّهُ يَجِبُ التَّعْلِيل بِمَا تَنَاوَلَهُ لَفْظُ السَّائِل وَهُوَ الْوُقُوعُ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي الصَّوْمِ، وَلأَِنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ يَحْرُمُ الْوَطْءُ فِيهِ، فَاسْتَوَى فِيهَا عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ كَالْحَجِّ (3) .
وَالتَّفْصِيل فِي بَابِ (الصَّوْمِ) .

الرَّفَثُ فِي الاِعْتِكَافِ:
4 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الرَّفَثَ فِي الاِعْتِكَافِ مُحَرَّمٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (4) فَإِنْ جَامَعَ مُتَعَمِّدًا فَسَدَ اعْتِكَافُهُ بِإِجْمَاعِ أَهْل الْعِلْمِ؛ لأَِنَّ الْجِمَاعَ إِذَا حُرِّمَ فِي الْعِبَادَةِ أَفْسَدَهَا كَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ.
__________
(1) فتح القدير 2 / 24، أسنى المطالب 1 / 414، 417
(2) حديث: " أمر الذي جامع في نهار رمضان بالكفارة " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 161 ط السلفية) من حديث عائشة.
(3) المغني 3 / 121، حاشية الدسوقي 1 / 527.
(4) سورة البقرة / 187.

(22/276)


وَاخْتَلَفُوا فِي الْجِمَاعِ نَاسِيًا، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، إِلَى أَنَّهُ إِنْ جَامَعَ الْمُعْتَكِفُ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا بَطَل اعْتِكَافُهُ؛ لأَِنَّ مَا حُرِّمَ فِي الاِعْتِكَافِ اسْتَوَى عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ فِي إِفْسَادِهِ كَالْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْجِدِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ جَامَعَ نَاسِيًا فَلاَ يَبْطُل اعْتِكَافُهُ.
أَمَّا التَّقْبِيل وَاللَّمْسُ بِشَهْوَةٍ فَهُوَ حَرَامٌ، وَيَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ إِنْ أَنْزَل لِعُمُومِ آيَةِ: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} أَمَّا إِنْ كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ مِثْل أَنْ تَغْسِل رَأْسَهُ أَوْ تُنَاوِلَهُ شَيْئًا فَلاَ بَأْسَ بِهِ (1) . لأَِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَانَ يُدْنِي رَأْسَهُ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فَتُرَجِّلُهُ. (2)
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (اعْتِكَاف) .

الرَّفَثُ فِي الإِْحْرَامِ:
5 - الرَّفَثُ فِي الإِْحْرَامِ مُحَرَّمٌ، وَهَذَا مَحَل اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ
__________
(1) فتح القدير 2 / 313، حاشية الدسوقي 1 / 544، وأسنى المطالب 1 / 434، المغني 3 / 197 - 198
(2) حديث: " كان يدني رأسه لعائشة وهو معتكف " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 273 - ط السلفية) ، ومسلم (1 / 244 - ط الحلبي) .

(22/276)


رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَال فِي الْحَجِّ} (1) فَإِنْ جَامَعَ فِي الْفَرْجِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَسَدَ نُسُكُهُ؛ لأَِنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ إِنْ كَانَ عَامِدًا، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَجُلاً سَأَلَهُ فَقَال: إِنِّي وَاقَعْتُ امْرَأَتِي وَنَحْنُ مُحْرِمَانِ، فَقَال: أَفْسَدْتَ حَجَّكَ انْطَلِقْ أَنْتَ وَأَهْلُكَ مَعَ النَّاسِ فَاقْضُوا مَا يَقْضُونَ وَحُل إِذَا حَلُّوا، فَإِذَا كَانَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِل فَاحْجُجْ أَنْتَ وَأَهْلُكَ مَعَ النَّاسِ وَأَهْدِيَا هَدْيًا، فَإِنْ لَمْ تَجِدَا فَصُومَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعْتُمْ.
أَمَّا إِنْ جَامَعَ الْمُحْرِمُ نَاسِيًا فَقَال الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: هُوَ كَمَنْ جَامَعَ عَامِدًا، قَالُوا: لأَِنَّ الْفَسَادَ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الاِرْتِفَاقِ فِي الإِْحْرَامِ ارْتِفَاقًا مَخْصُوصًا، وَهَذَا لاَ يَنْعَدِمُ بِهَذِهِ الْعَوَارِضِ، وَالْحَجُّ لَيْسَ بِمَعْنَى الصَّوْمِ، لأَِنَّ حَالاَتِ الإِْحْرَامِ مُذَكِّرَةٌ لَهُ كَالصَّلاَةِ؛ وَلأَِنَّهُ شَيْءٌ لاَ يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ كَالشَّعْرِ إِذَا حَلَقَهُ، وَالصَّيْدِ إِذَا قَتَلَهُ، فَهَذِهِ الثَّلاَثَةُ يَسْتَوِي فِيهَا الْعَمْدُ، وَالنِّسْيَانُ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لاَ يَفْسُدُ حَجُّهُ؛ لأَِنَّهُ عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ الْكَفَّارَةُ بِإِفْسَادِهَا، فَتَخْتَلِفُ بِالْمَذْكُورَاتِ فِي الْحُكْمِ كَالصَّوْمِ.
أَمَّا الْمُبَاشَرَةُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، فَإِنْ أَنْزَل فَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِنْ لَمْ يُنْزِل فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ
__________
(1) سورة البقرة / 197.

(22/277)


الْفُقَهَاءِ فِي حُرْمَتِهِ (1) .
أَمَّا فَسَادُ الْحَجِّ وَوُجُوبُ الْكَفَّارَةِ وَنَوْعِهَا، وَبَقِيَّةُ أَحْكَامِ الرَّفَثِ فِي الإِْحْرَامِ، فَيُرْجَعُ فِي تَفْصِيل ذَلِكَ إِلَى مُصْطَلَحِ (إِحْرَام) .
__________
(1) فتح القدير 2 / 456، المغني 3 / 340، وأسنى المطالب 1 / 512، والشرح الصغير مع حاشية الصاوي 2 / 94 - 95

(22/277)


رَفْضٌ

التَّعْرِيفُ:
1 - الرَّفْضُ فِي اللُّغَةِ: التَّرْكُ: يُقَال: رَفَضْتُ الشَّيْءَ أَرْفُضُهُ بِالضَّمِّ، وَأَرْفِضُهُ بِالْكَسْرِ رَفْضًا: إِذَا تَرَكْتَهُ (1) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: جَعْل مَا وُجِدَ مِنَ الْعِبَادَةِ وَالنِّيَّةِ كَالْمَعْدُومِ (2) .

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْفَسْخُ:
2 - الْفَسْخُ نَقْضُ الشَّيْءِ وَإِزَالَتُهُ. تَقُول: فَسَخْتُ الْبَيْعَ وَالنِّكَاحَ إِذَا نَقَضْتَهُمَا (3) .
وَفِي هَذَا حَدِيثُ: كَانَ فَسْخُ الْحَجِّ رُخْصَةً لأَِصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (4) " وَفَسْخُ الْحَجِّ: أَنْ يَنْوِيَ
__________
(1) لسان العرب.
(2) مواهب الجليل 1 / 240، الزرقاني 1 / 66.
(3) لسان العرب.
(4) حديث: " كان فسخ الحج رخصة لأصحاب النبي " ورد من حديث بلال بن الحارث قال: قلت: يا رسول الله، فسخ الحج لنا خاصة، أو لمن بعدنا؟ قال: بل لكم خاصة. أخرجه أبو داود (2 / 399 - 400 - تحقيق عزت عبيد دعاس) ونقل المنذري عن الإمام أحمد أنه قال: " إنه لا يثبت " كذا في مختصر السنن (2 / 331 - نشر دار المعرفة) ولكن معناه ثابت من حديث أبي ذر في صحيح مسلم (2 / 897 - ط الحلبي) .

(22/278)


الْحَجَّ أَوَّلاً ثُمَّ يُبْطِلَهُ وَيَجْعَلَهُ عُمْرَةً. وَيُحِل ثُمَّ يَعُودَ فَيُحْرِمَ بِحَجَّةٍ. وَفِي ذَلِكَ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي بَحْثَيْ: إِحْرَام: (1 179) وَحَجّ: (5 287) .

ب - الإِْفْسَادُ:
3 - الإِْفْسَادُ مِنْ فَسَدَ الشَّيْءُ، وَأَفْسَدَهُ هُوَ: وَهُوَ ضِدُّ الصَّلاَحِ (1) .

ج - الإِْبْطَال:
4 - الإِْبْطَال هُوَ إِفْسَادُ الشَّيْءِ وَإِزَالَتُهُ حَقًّا كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ أَوْ بَاطِلاً، وَاصْطِلاَحًا: الْحُكْمُ عَلَى الشَّيْءِ بِالْبُطْلاَنِ سَوَاءٌ وُجِدَ صَحِيحًا ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ سَبَبُ الْبُطْلاَنِ، وَهُوَ مُرَادِفٌ لِلرَّفْضِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.

الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالرَّفْضِ:
أ - رَفْضُ نِيَّةِ الْوُضُوءِ:
5 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ النِّيَّةَ رُكْنٌ فِي الْوُضُوءِ، فَإِذَا رَفَضَ النِّيَّةَ بَعْدَ كَمَال الْوُضُوءِ فَلاَ يُؤَثِّرُ هَذَا الرَّفْضُ.
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا رَفَضَ النِّيَّةَ فِي أَثْنَاءِ
__________
(1) لسان العرب.

(22/278)


الْوُضُوءِ، فَإِنْ رَجَعَ وَكَمَّلَهُ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ قَرِيبًا عَلَى الْفَوْرِ فَلاَ يُؤَثِّرُ أَيْضًا. أَمَّا إِذَا رَفَضَهُ فِي أَثْنَائِهِ، ثُمَّ لَمْ يُكْمِلْهُ عَلَى الْفَوْرِ، بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ أَوْ كَمَّلَهُ عَلَى الْفَوْرِ بِنِيَّةِ التَّبَرُّدِ أَوِ التَّنْظِيفِ، فَإِنَّهُ يَبْطُل وَيُعِيدُ مَا تَمَّ بِهَذِهِ النِّيَّةِ (1) .
وَالتَّفْصِيل فِي (وُضُوء) .

ب - رَفْضُ نِيَّةِ الصَّلاَةِ:
6 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ رَفْضَ نِيَّةِ الصَّلاَةِ فِي أَثْنَائِهَا مُبْطِلٌ لَهَا، كَأَنْ قَطَعَ النِّيَّةَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلاَةِ، أَوْ عَزَمَ عَلَى قَطْعِهَا، أَوْ تَرَدَّدَ هَل يَقْطَعُ أَمْ يَسْتَمِرُّ فِيهَا؟ وَطَال التَّرَدُّدُ، أَوْ يَأْتِي بِمَا يَتَنَافَى مَعَ نِيَّةِ الصَّلاَةِ؛ لأَِنَّهُ قَطَعَ حُكْمَ النِّيَّةِ قَبْل إِتْمَامِ صَلاَتِهِ فَفَسَدَتْ كَمَا لَوْ سَلَّمَ فِيهَا يَنْوِي قَطْعَ الصَّلاَةِ، وَلأَِنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ فِي جَمِيعِ الصَّلاَةِ، وَقَدْ قَطَعَهَا بِمَا حَدَثَ، فَفَسَدَتْ (2) .
وَالتَّفْصِيل فِي (نِيَّة) (وَصَلاَة) .

ج - رَفْضُ نِيَّةِ الصَّوْمِ
7 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ: إِلَى أَنَّ رَفْضَ نِيَّةِ الصَّوْمِ يُبْطِل الصَّوْمَ وَلَوْ لَمْ يَفْعَل مَا يُفْسِدُ الصِّيَامَ.
__________
(1) مواهب الجليل 1 / 240، الزرقاني 1 / 66، روضة الطالبين 1 / 19 - 50، كشاف القناع 1 / 86، 87
(2) الزرقاني 1 / 196، مواهب الجليل 1 / 515، نهاية المحتاج 1 / 457، روضة الطالبين 1 / 225، كشاف القناع 1 / 317، المغني 1 / 466 - 468

(22/279)


وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَقَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: إِلَى أَنَّ رَفْضَ نِيَّةِ الصَّوْمِ لاَ يُبْطِل الصَّوْمَ إِلاَّ بِمُبَاشَرَةِ مَا يُفْطِرُ (1) .
وَلِلتَّفْصِيل انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (صَوْم) .

د - رَفْضُ الإِْحْرَامِ:
8 - رَفْضُ الإِْحْرَامِ لاَ يُبْطِلُهُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ (2) . (ر: إِحْرَام ف 128) .
جَاءَ فِي التَّاجِ وَالإِْكْلِيل " إِنَّ رَافِضَ إِحْرَامِهِ لَيْسَ رَفْضُهُ بِمُضَادٍّ لِمَا هُوَ فِيهِ؛ لأَِنَّهُ إِنَّمَا رَفَضَ مَوَاضِعَ يَأْتِيهَا فَإِذَا رَفَضَ إِحْرَامَهُ ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُخَاطَبُ بِهَا فَفَعَلَهَا لَمْ يَحْصُل لِرَفْضِهِ حُكْمٌ ".
وَقَال فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ: وَإِنْ قَال فِي إِحْرَامِهِ مَتَى شِئْتُ أَحْلَلْتُهُ، أَوْ إِنْ أَفْسَدْتُهُ لَمْ أَقْضِهِ، لَمْ يَصِحَّ (3) ".
وَالتَّفْصِيل فِي (إِحْرَام) .

هـ - رَفْضُ الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ:
9 - إِذَا أَحْرَمَ الْمَكِّيُّ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ أَرْدَفَهَا بِإِحْرَامِ الْحَجِّ فَلاَ يَخْلُو مِنْ ثَلاَثِ صُوَرٍ:
__________
(1) الدر المختار 2 / 123، التاج والإكليل 3 / 48، روضة الطالبين 1 / 225، المغني 3 / 118، كشاف القناع 2 / 316.
(2) التاج والإكليل 3 / 8 - 49، روضة الطالبين 1 / 225.
(3) كشاف القناع 2 / 409، والتاج والإكليل 3 / 48.

(22/279)


الأُْولَى: الإِْحْرَامُ بِالْحَجِّ قَبْل الْبَدْءِ بِطَوَافِ الْعُمْرَةِ:
يَجُوزُ إِدْخَال الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ بِأَدَاءِ أَعْمَال كِلاَ النُّسُكَيْنِ، وَيَكُونُ قَارِنًا عِنْدَهُمْ، سَوَاءٌ أَكَانَ مَكِّيًّا أَمْ آفَاقِيًّا، بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمْ مِنْ جَوَازِ الْقِرَانِ لِلْمَكِّيِّ (1) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: صَحَّ ذَلِكَ لِلآْفَاقِيِّ، وَيَصِيرُ قَارِنًا، وَلاَ يَصِحُّ لِلْمَكِّيِّ، فَإِذَا أَضَافَ الْمَكِّيُّ إِحْرَامَ الْحَجِّ عَلَى إِحْرَامِ الْعُمْرَةِ وَلَمْ يَبْدَأْ بِطَوَافِ الْعُمْرَةِ، عَلَيْهِ أَنْ يَرْفُضَ الْعُمْرَةَ وَيَمْضِيَ عَلَى حَجَّتِهِ، وَعَلَيْهِ دَمُ الرَّفْضِ وَقَضَاءُ الْعُمْرَةِ؛ لأَِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مَعْصِيَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَكِّيِّ، وَالنُّزُوعُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ لاَزِمٌ. وَإِنَّمَا يَرْفُضُ الْعُمْرَةَ دُونَ الْحَجِّ؛ لأَِنَّهَا أَقَل عَمَلاً وَأَخَفُّ مُؤْنَةً مِنَ الْحَجَّةِ، فَكَانَ رَفْضُهَا أَيْسَرَ.
وَوَجْهُ وُجُوبِ الدَّمِ وَالْعُمْرَةِ قَضَاءً، هُوَ أَنَّهُ تَحَلَّل مِنَ الْعُمْرَةِ قَبْل وَقْتِ التَّحَلُّل فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ كَالْمُحْصَرِ، وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْعُمْرَةُ قَضَاءً بِسَبَبِ شُرُوعِهِ فِيهَا بِالإِْحْرَامِ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ (2) .
__________
(1) المواق مع الحطاب 3 / 50، 51، ومغني المحتاج 1 / 514، والمغني لابن قدامة 3 / 72، 484
(2) البدائع 2 / 169، 170، وفتح القدير 3 / 43، 44، والزيلعي 2 / 74، 75

(22/280)


الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: الإِْحْرَامُ بِالْحَجِّ بَعْدَ تَمَامِ طَوَافِ الْعُمْرَةِ:
صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ لاَ يَصِحُّ إِدْخَال الإِْحْرَامِ بِالْحَجِّ بَعْدَ الطَّوَافِ لِلْعُمْرَةِ لاِتِّصَال إِحْرَامِهِ بِمَقْصُودِهِ وَهُوَ أَعْظَمُ أَفْعَالِهَا فَلاَ يَنْصَرِفُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى غَيْرِهَا، كَمَا عَلَّلَهُ الشَّافِعِيَّةُ (1) .
وَلأَِنَّهُ شَارِعٌ فِي التَّحَلُّل مِنَ الْعُمْرَةِ فَلَمْ يَجُزْ إِدْخَال الْحَجِّ عَلَيْهَا، كَمَا لَوْ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، كَمَا عَلَّلَهُ الْحَنَابِلَةُ (2) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: يَسْتَمِرُّ فِي أَعْمَال الْعُمْرَةِ وَيَرْفُضُ الْحَجَّ؛ لأَِنَّ الْعُمْرَةَ مُؤَدَّاةٌ، وَالْحَجَّ غَيْرُ مُؤَدًّى فَكَانَ رَفْضُ الْحَجِّ امْتِنَاعًا عَنِ الأَْدَاءِ وَرَفْضُ الْعُمْرَةِ إِبْطَالاً لِلْعَمَل، وَالاِمْتِنَاعُ عَنِ الْعَمَل دُونَ الإِْبْطَال، وَقَدْ قَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (3) فَكَانَ رَفْضُ الْحَجِّ أَوْلَى.
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ مَنْ أَتَمَّ أَكْثَرَ أَشْوَاطِ الطَّوَافِ، كَأَنْ طَافَ لِلْعُمْرَةِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فَأَكْثَرَ فَهُوَ فِي حُكْمِ مَنْ أَتَمَّ جَمِيعَهَا؛ لأَِنَّ لِلأَْكْثَرِ حُكْمَ الْكُل (4) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَصِحُّ إِضَافَةُ الإِْحْرَامِ بِالْحَجِّ
__________
(1) مغني المحتاج 1 / 514.
(2) المغني لابن قدامة 3 / 484.
(3) سورة محمد / 33.
(4) فتح القدير 3 / 44، وتبيين الحقائق للزيلعي 2 / 74، 75

(22/280)


بَعْدَ الطَّوَافِ لِلْعُمْرَةِ، وَيَصِيرُ قَارِنًا لَكِنَّهُ يُكْرَهُ، مَعَ تَفْصِيلٍ عِنْدَهُمْ (1) .

الثَّالِثَةُ: الإِْحْرَامُ بِالْحَجِّ بَعْدَ أَنْ طَافَ أَقَل أَشْوَاطِ الْعُمْرَةِ:
قَال الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمْ، وَالْحَنَابِلَةُ: يَصِحُّ إِدْخَال الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ قَبْل تَمَامِ الطَّوَافِ وَيَمْضِي فِي أَعْمَالِهِمَا وَيَصِيرُ قَارِنًا (2) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ قَوْل بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ: لَوْ شَرَعَ فِي الطَّوَافِ وَلَوْ بِخُطْوَةٍ، ثُمَّ أَحْرَمَ فَإِنَّهُ لاَ يَصِحُّ؛ لاِتِّصَال إِحْرَامِهِ بِمَقْصُودِهِ، وَهُوَ الطَّوَافُ، فَلاَ يَنْصَرِفُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى غَيْرِ الْعُمْرَةِ (3) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا أَحْرَمَ الْمَكِّيُّ بِعُمْرَةٍ، وَطَافَ أَقَل مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْوَاطٍ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْفُضَ أَحَدَ النُّسُكَيْنِ: (الْحَجَّ أَوِ الْعُمْرَةَ) ، لأَِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مَعْصِيَةٌ، وَالنُّزُوعُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ لاَزِمٌ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا:
فَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: يَرْفُضُ الْحَجَّ؛ لأَِنَّ إِحْرَامَ الْعُمْرَةِ قَدْ تَأَكَّدَ بِأَدَاءِ الشَّيْءِ مِنْ أَعْمَالِهَا وَهُوَ الطَّوَافُ، وَإِحْرَامُ الْحَجِّ لَمْ يَتَأَكَّدْ بِأَيِّ عَمَلٍ،
__________
(1) الحطاب وبهامشه المواق 3 / 53، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 2 / 28، 29
(2) الحطاب 3 / 50، 51، والمغني لابن قدامة 3 / 472.
(3) مغني المحتاج 1 / 514، والحطاب مع المواق 3 / 50، 51

(22/281)


وَرَفْعُ غَيْرِ الْمُتَأَكِّدِ أَيْسَرُ؛ وَلأَِنَّ رَفْضَ الْحَجِّ امْتِنَاعٌ عَنِ الْعَمَل، وَرَفْضُ الْعُمْرَةِ إِبْطَالٌ لِلْعَمَل، وَالاِمْتِنَاعُ دُونَ الإِْبْطَال.
وَقَال أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَرْفُضُ الْعُمْرَةَ، وَيَمْضِي فِي الْحَجِّ؛ لأَِنَّ الْعُمْرَةَ أَدْنَى حَالاً وَأَقَل أَعْمَالاً وَأَيْسَرُ قَضَاءً؛ لِكَوْنِهَا غَيْرَ مُؤَقَّتَةٍ بِالْوَقْتِ، فَكَانَ رَفْضُ الْعُمْرَةِ أَوْلَى (1) .

أَثَرُ الرَّفْضِ وَجَزَاؤُهُ:
10 - إِذَا رَفَضَ الْحَجَّ عَلَى قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ فَعَلَيْهِ لِرَفْضِهِ دَمٌ؛ لأَِنَّهُ تَحَلَّل مِنْهُ قَبْل وَقْتِ التَّحَلُّل فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ كَالْمُحْصَرِ، وَعَلَيْهِ كَذَلِكَ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ؛ لأَِنَّ الْحَجَّةَ وَجَبَتْ بِالشُّرُوعِ، وَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَلِعَدَمِ إِتْيَانِهِ بِأَفْعَال الْحَجَّةِ فِي السَّنَةِ الَّتِي أَحْرَمَ فِيهَا فَصَارَ كَفَائِتِ الْحَجِّ. وَإِذَا رَفَضَ الْعُمْرَةَ عَلَى قَوْلِهِمَا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَقَضَاءُ الْعُمْرَةِ؛ لأَِنَّهُ أَدَّى الْحَجَّ، وَالْعُمْرَةُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِالشُّرُوعِ (2) .
هَذَا، وَإِنْ مَضَى فِيهِمَا، وَلَمْ يَرْفُضِ الْحَجَّ وَلاَ الْعُمْرَةَ صَحَّ؛ لأَِنَّهُ أَدَّى أَفْعَالَهُمَا كَمَا الْتَزَمَهُمَا غَيْرَ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُمَا، وَالنَّهْيُ لاَ يَمْنَعُ تَحَقُّقَ الْفِعْل
__________
(1) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني 2 / 169، 170، وتبيين الحقائق للزيلعي 2 / 74، 75، وفتح القدير مع الهداية 3 / 43 - 45
(2) المراجع السابقة.

(22/281)


كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، لَكِنْ يَلْزَمُهُ دَمٌ لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا؛ لأَِنَّهُ تَمَكَّنَ النُّقْصَانُ فِي عَمَلِهِ؛ لاِرْتِكَابِهِ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ، وَهَذَا دَمُ إِجْبَارٍ فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ، وَدَمُ شُكْرٍ فِي حَقِّ الآْفَاقِيِّ (1) .
وَتَفْصِيل هَذِهِ الأَْحْكَامِ فِي (إِحْرَام) وَ (قِرَان ف 22 - 27)
__________
(1) الهداية مع شروحها 3 / 45.

(22/282)


رَفْعُ الْحَرَجِ
التَّعْرِيفُ -
رَفْعُ الْحَرَجِ: مُرَكَّبٌ إِضَافِيٌّ، تَتَوَقَّفُ مَعْرِفَتُهُ عَلَى مَعْرِفَةٍ لَفْظِيَّةٍ، فَالرَّفْعُ لُغَةً: نَقِيضُ الْخَفْضِ فِي كُل شَيْءٍ، وَالتَّبْلِيغُ، وَالْحَمْل، وَتَقْرِيبُكَ الشَّيْءَ، وَالأَْصْل فِي مَادَّةِ الرَّفْعِ الْعُلُوُّ، يُقَال: ارْتَفَعَ الشَّيْءُ ارْتِفَاعًا إِذَا عَلاَ، وَيَأْتِي بِمَعْنَى الإِْزَالَةِ. يُقَال: رُفِعَ الشَّيْءُ: إِذَا أُزِيل عَنْ مَوْضِعِهِ.
قَال فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ: الرَّفْعُ فِي الأَْجْسَامِ حَقِيقَةٌ فِي الْحَرَكَةِ وَالاِنْتِقَال، وَفِي الْمَعَانِي مَحْمُولٌ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْمَقَامُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ (1) وَالْقَلَمُ لَمْ يُوضَعْ عَلَى الصَّغِيرِ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ لاَ تَكْلِيفَ، فَلاَ مُؤَاخَذَةَ (2) .
وَالْحَرَجُ فِي اللُّغَةِ: الْمَكَانُ الضَّيِّقُ الْكَثِيرُ
__________
(1) حديث: " رفع القلم عن ثلاثة. . . . " أخرجه أبو داود (4 / 558 - تحقيق عزت عبيد دعاس) ، والحاكم (2 / 59 - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث عائشة، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(2) لسان العرب والقاموس المحيط والمصباح المنير ولسان العرب، مادة: (رفع) .

(22/282)


الشَّجَرِ، وَالضِّيقُ وَالإِْثْمُ، وَالْحَرَامُ، وَالأَْصْل فِيهِ الضِّيقُ. قَال ابْنُ الأَْثِيرِ: الْحَرَجُ فِي الأَْصْل: الضِّيقُ، وَيَقَعُ عَلَى الإِْثْمِ وَالْحَرَامِ.
تَقُول رَجُلٌ حَرِجٌ وَحَرَجٌ إِذَا كَانَ ضَيِّقَ الصَّدْرِ. وَقَال الزَّجَّاجُ: الْحَرَجُ فِي اللُّغَةِ أَضْيَقُ الضِّيقِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ ضَيِّقٌ جِدًّا.
فَرَفْعُ الْحَرَجِ فِي اللُّغَةِ: إِزَالَةُ الضِّيقِ، وَنَفْيُهُ عَنْ مَوْضِعِهِ. ثُمَّ إِنَّ مَعْنَى الرَّفْعِ فِي الاِصْطِلاَحِ لاَ يَخْرُجُ عَنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ (1) .
وَالْحَرَجُ فِي الاِصْطِلاَحِ مَا فِيهِ مَشَقَّةٌ وَضِيقٌ فَوْقَ الْمُعْتَادِ (2) ، فَهُوَ أَخَصُّ مِنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ. وَرَفْعُ الْحَرَجِ: إِزَالَةُ مَا فِي التَّكْلِيفِ الشَّاقِّ مِنَ الْمَشَقَّةِ بِرَفْعِ التَّكْلِيفِ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ بِتَخْفِيفِهِ أَوْ بِالتَّخْيِيرِ فِيهِ، أَوْ بِأَنْ يُجْعَل لَهُ مَخْرَجٌ، كَمَا سَبَقَ فِي الْمَوْسُوعَةِ فِي مُصْطَلَحِ (تَيْسِير) .
فَالْحَرَجُ وَالْمَشَقَّةُ مُتَرَادِفَانِ، وَرَفْعُ الْحَرَجِ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بَعْدَ الشِّدَّةِ خِلاَفًا لِلتَّيْسِيرِ. وَالْفُقَهَاءُ وَالأُْصُولِيُّونَ قَدْ يُطْلِقُونَ عَلَيْهِ أَيْضًا " دَفْعَ الْحَرَجِ " " وَنَفْيَ الْحَرَجِ (3) ".
__________
(1) الكليات 2 / 388 منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي - دمشق 1975 م، المغرب 193 دار الكتاب العربي.
(2) الموافقات للشاطبي تعليق الشيخ عبد الله دراز 2 / 159 المكتبة التجارية 1955م
(3) فواتح الرحموت 1 / 156 دار صادر، الأشباه والنظائر لابن نجيم 80، أحكام القرآن لابن العربي 2 / 302 دار الكتاب العربي.

(22/283)


الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - التَّيْسِيرُ:
2 - التَّيْسِيرُ: السُّهُولَةُ وَالسِّعَةُ، وَهُوَ مَصْدَرُ يَسَّرَ، وَالْيُسْرُ ضِدُّ الْعُسْرِ، وَفِي الْحَدِيثِ: إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ (1) أَيْ أَنَّهُ سَهْلٌ سَمْحٌ قَلِيل التَّشْدِيدِ، وَالتَّيْسِيرُ يَكُونُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيزِ قَوْلُهُ: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} (2) . وَقَوْلُهُ: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} (3) .
وَلاَ يَخْرُجُ مَعْنَاهُ الاِصْطِلاَحِيُّ عَنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ. وَالنِّسْبَةُ بَيْنَ التَّيْسِيرِ وَرَفْعِ الْحَرَجِ أَنَّ رَفْعَ الْحَرَجِ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بَعْدَ شِدَّةٍ.

ب - الرُّخْصَةُ:
3 - الرُّخْصَةُ: التَّسْهِيل فِي الأَْمْرِ وَالتَّيْسِيرُ، يُقَال: رَخَّصَ الشَّرْعُ لَنَا فِي كَذَا تَرْخِيصًا وَأَرْخَصَ إِرْخَاصًا إِذَا يَسَّرَهُ وَسَهَّلَهُ. وَرَخَّصَ لَهُ فِي الأَْمْرِ: أَذِنَ لَهُ فِيهِ بَعْدَ النَّهْيِ عَنْهُ، وَتَرْخِيصُ اللَّهِ لِلْعَبْدِ فِي أَشْيَاءَ: تَخْفِيفُهَا عَنْهُ، وَالرُّخْصَةُ فِي الأَْمْرِ وَهُوَ خِلاَفُ التَّشْدِيدِ (4) .
__________
(1) حديث: " إن الدين يسر. . . . " أخرجه البخاري (الفتح 1 / 93 - ط السلفية) من حديث أبي هريرة.
(2) سورة الليل / 7.
(3) سورة الليل / 10.
(4) لسان العرب، والمصباح المنير مادة: (رخص) .

(22/283)


فَالرُّخْصَةُ فُسْحَةٌ فِي مُقَابَلَةِ التَّضْيِيقِ وَالْحَرَجِ (1) .

ج - الضَّرَرُ:
4 - الضَّرَرُ فِي اللُّغَةِ ضِدُّ النَّفْعِ، وَهُوَ النُّقْصَانُ يَدْخُل فِي الشَّيْءِ (2) ، فَالضَّرَرُ قَدْ يَكُونُ أَثَرًا مِنْ آثَارِ عَدَمِ رَفْعِ الْحَرَجِ.

رَفْعُ الْحَرَجِ مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ:
5 - رَفْعُ الْحَرَجِ مَقْصِدٌ مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ وَأَصْلٌ مِنْ أُصُولِهَا، فَإِنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَقْصِدْ إِلَى التَّكْلِيفِ بِالشَّاقِّ وَالإِْعْنَاتِ فِيهِ، وَقَدْ دَل عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَانْعَقَدَ الإِْجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ.
فَمِنَ الْكِتَابِ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا جَعَل عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (3) وقَوْله تَعَالَى: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} وقَوْله تَعَالَى (4) : {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَل عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} (5) وقَوْله تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (6) وقَوْله تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ
__________
(1) المستصفى 1 / 98 دار صادر.
(2) لسان العرب والمصباح المنير مادة: (ضرر) .
(3) سورة الحج: 78
(4) سورة البقرة / 286.
(5) سورة المائدة / 6.
(6) سورة البقرة / 185.

(22/284)


الإِْنْسَانُ ضَعِيفًا} (1) .
وَمِنَ السُّنَّةِ قَوْل النَّبِيِّ: بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ (2) . وَحَدِيثُ عَائِشَةَ: مَا خُيِّرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلاَّ اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا (3) .
وَانْعَقَدَ الإِْجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِ الْحَرَجِ فِي التَّكْلِيفِ، وَهُوَ يَدُل عَلَى عَدَمِ قَصْدِ الشَّارِعِ إِلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ وَاقِعًا لَحَصَل فِي الشَّرِيعَةِ التَّنَاقُضُ وَالاِخْتِلاَفُ، وَذَلِكَ مَنْفِيٌّ عَنْهَا، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ وَضْعُ الشَّرِيعَةِ عَلَى قَصْدِ الإِْعْنَاتِ وَالْمَشَقَّةِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ عَلَى قَصْدِ الرِّفْقِ وَالتَّيْسِيرِ، كَانَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا تَنَاقُضًا وَاخْتِلاَفًا، وَهِيَ مُنَزَّهَةٌ عَنْ ذَلِكَ.
ثُمَّ مَا ثَبَتَ أَيْضًا مِنْ مَشْرُوعِيَّةِ الرُّخَصِ، وَهُوَ أَمْرٌ مُتَطَوَّعٌ بِهِ، وَمِمَّا عُلِمَ مِنْ دِينِ الأُْمَّةِ بِالضَّرُورَةِ، كَرُخَصِ الْقَصْرِ، وَالْفِطْرِ، وَالْجَمْعِ، وَتَنَاوُل الْمُحَرَّمَاتِ فِي الاِضْطِرَارِ. فَإِنَّ هَذَا نَمَطٌ يَدُل قَطْعًا عَلَى مُطْلَقِ رَفْعِ الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ.
وَكَذَلِكَ مَا جَاءَ مِنَ النَّهْيِ عَنْ التَّعَمُّقِ
__________
(1) سورة النساء / 28.
(2) حديث: " بعثت بالحنيفية السمحة " أخرجه ابن سعد في الطبقات (1 / 192 - ط دار صادر) من حديث حبيب بن أبي ثابت مرسلاً.
(3) حديث: " ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا " أخرجه البخاري (الفتح 12 / 86 - ط السلفية) ، ومسلم (4 / 1813 - ط الحلبي) .

(22/284)


وَالتَّكَلُّفِ فِي الاِنْقِطَاعِ عَنْ دَوَامِ الأَْعْمَال. وَلَوْ كَانَ الشَّارِعُ قَاصِدًا لِلْمَشَقَّةِ فِي التَّكْلِيفِ لَمَا كَانَ ثَمَّ تَرْخِيصٌ وَلاَ تَخْفِيفٌ؛
وَلأَِجْل ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ مِنَ الأَْحْكَامِ عَلَى الصَّبِيِّ الْعَاقِل لِقُصُورِ الْبَدَنِ، أَوْ لِقُصُورِهِ وَقُصُورِ الْعَقْل، وَلاَ عَلَى الْمَعْتُوهِ الْبَالِغِ لِقُصُورِ الْعَقْل. وَلَمْ يَجِبْ قَضَاءُ الصَّلاَةِ فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَانْتَفَى الإِْثْمُ فِي خَطَأِ الْمُجْتَهِدِ، وَكَذَا فِي النِّسْيَانِ وَالإِْكْرَاهِ.
قَال الشَّاطِبِيُّ: إِنَّ الأَْدِلَّةَ عَلَى رَفْعِ الْحَرَجِ فِي هَذِهِ الأُْمَّةِ بَلَغَتْ مَبْلَغَ الْقَطْعِ (1) .

أَقْسَامُ الْحَرَجِ:

يَنْقَسِمُ الْحَرَجُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ إِلَى قِسْمَيْنِ:
6 - الأَْوَّل: حَقِيقِيٌّ، وَهُوَ مَا كَانَ لَهُ سَبَبٌ مُعَيَّنٌ وَاقِعٌ، أَوْ مَا تَحَقَّقَ بِوُجُودِهِ مَشَقَّةٌ خَارِجَةٌ عَنِ الْمُعْتَادِ كَحَرَجِ السَّفَرِ وَالْمَرَضِ.
الثَّانِي: تَوَهُّمِيٌّ، وَهُوَ مَا لَمْ يُوجَدِ السَّبَبُ الْمُرَخِّصُ لأَِجْلِهِ، وَلَمْ تَكُنْ مَشَقَّةٌ خَارِجَةٌ عَنِ الْمُعْتَادِ عَلَى وَجْهٍ مُحَقَّقٍ (2) .
وَالْقِسْمُ الأَْوَّل هُوَ الْمُعْتَبَرُ بِالرَّفْعِ وَالتَّخْفِيفِ؛ لأَِنَّ الأَْحْكَامَ لاَ تُبْنَى عَلَى الأَْوْهَامِ، وَالْحَرَجُ
__________
(1) الموافقات 1 / 340 المكتبة التجارية الكبرى 1955 م، مسلم الثبوت 1 / 168 دار صادر بذيل المستصفى.
(2) الموافقات 1 / 333، 334 وما بعدها المكتبة التجارية الكبرى.

(22/285)


الْحَقِيقِيُّ يَنْقَسِمُ مِنْ حَيْثُ وَقْتِ تَحَقُّقِهِ إِلَى قِسْمَيْنِ:
الأَْوَّل: الْحَرَجُ الْحَالِيُّ: وَهُوَ مَا كَانَتْ مَشَقَّتُهُ مُتَحَقِّقَةً فِي الْحَال، كَالشُّرُوعِ فِي عِبَادَةٍ شَاقَّةٍ فِي نَفْسِهَا، وَكَالْحَرَجِ الْحَاصِل لِلْمَرِيضِ بِاسْتِعْمَال الْمَاءِ، أَوِ الْحَاصِل لِغَيْرِ الْمُسْتَطِيعِ عَلَى الْحَجِّ أَوْ رَمْيِ الْجِمَارِ بِنَفْسِهِ إِنْ مَنَعْنَاهُ مِنَ الاِسْتِنَابَةِ (1) .
الثَّانِي: الْحَرَجُ الْمَالِيُّ: وَهُوَ مَا يَلْحَقُ الْمُكَلَّفَ بِسَبَبِ الدَّوَامِ عَلَى فِعْلٍ لاَ حَرَجَ مِنْهُ. كَمَا كَانَ مِنْ شَأْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَقَال: كُنْتُ أَصُومُ الدَّهْرَ، وَأَقْرَأُ الْقُرْآنَ كُل لَيْلَةٍ فَإِمَّا ذَكَرْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِمَّا أَرْسَل إِلَيَّ فَأَتَيْتُهُ، فَقَال لِي: أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ الدَّهْرَ، وَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ كُل لَيْلَةٍ؟ فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُول اللَّهِ، وَلَمْ أُرِدْ بِذَلِكَ إِلاَّ الْخَيْرَ، قَال: فَإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ مِنْ كُل شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَل مِنْ ذَلِكَ. قَال: فَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا. قَال: فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ كَانَ أَعْبَدَ النَّاسِ، قَال: فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَمَا صَوْمُ دَاوُدَ؟ قَال: كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا. قَال: وَاقْرَأِ الْقُرْآنَ فِي كُل شَهْرٍ قَال: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَل مِنْ ذَلِكَ، قَال: فَاقْرَأْهُ فِي كُل عِشْرِينَ قَال: فَقُلْتُ:
__________
(1) الأشباه والنظائر للسيوطي ص 77 دار الكتب العلمية 1983 م.

(22/285)


يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَل مِنْ ذَلِكَ، قَال: فَاقْرَأْهُ فِي كُل عَشْرٍ قَال: قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَل مِنْ ذَلِكَ. قَال: فَاقْرَأْهُ فِي كُل سَبْعٍ وَلاَ تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ. فَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا. قَال: فَشَدَّدْتُ، فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيَّ، قَال: وَقَال لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكَ لاَ تَدْرِي لَعَلَّكَ يَطُول بِكَ عُمُرٌ. قَال: فَصِرْتُ إِلَى الَّذِي قَال لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا كَبِرْتُ وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ قَبِلْتُ رُخْصَةَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) .
قَال الشَّاطِبِيُّ: إِنَّ دُخُول الْمَشَقَّةِ وَعَدَمَهُ عَلَى الْمُكَلَّفِ فِي الدَّوَامِ أَوْ غَيْرِهِ لَيْسَ أَمْرًا مُنْضَبِطًا بَل هُوَ إِضَافِيٌّ مُخْتَلِفٌ بِحَسَبِ اخْتِلاَفِ النَّاسِ فِي قُوَّةِ أَجْسَامِهِمْ أَوْ فِي قُوَّةِ عَزَائِمِهِمْ، أَوْ فِي قُوَّةِ يَقِينِهِمْ (2) .
وَيَنْقَسِمُ الْحَرَجُ مِنْ حَيْثُ الْقُدْرَةُ عَلَى الاِنْفِكَاكِ وَعَدَمِهِ إِلَى عَامٍّ وَخَاصٍّ.
فَالْحَرَجُ الْعَامُّ هُوَ الَّذِي لاَ قُدْرَةَ لِلإِْنْسَانِ فِي الاِنْفِكَاكِ عَنْهُ غَالِبًا كَالتَّغَيُّرِ اللاَّحِقِ لِلْمَاءِ بِمَا لاَ يَنْفَكُّ عَنْهُ غَالِبًا، كَالتُّرَابِ وَالطُّحْلُبِ وَشِبْهِ ذَلِكَ.
وَالْحَرَجُ الْخَاصُّ هُوَ مَا كَانَ فِي قُدْرَةِ الإِْنْسَانِ الاِنْفِكَاكُ عَنْهُ غَالِبًا، كَتَغَيُّرِ الْمَاءِ بِالْخَل وَالزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِ.
__________
(1) حديث عبد الله بن عمرو قال: " كنت أصوم الدهر " أخرجه مسلم (2 / 813 - 814 - ط الحلبي) .
(2) الاعتصام للشاطبي 1 / 244، 249، 255 المكتبة التجارية الكبرى 1955 م

(22/286)


7 - هَذَا تَقْسِيمُ الشَّاطِبِيِّ، وَهُنَاكَ مَنْ يُقَسِّمُ الْحَرَجَ إِلَى عَامٍّ وَخَاصٍّ مِنْ حَيْثُ شُمُول الْحَرَجِ وَعَدَمِهِ. فَالْعَامُّ مَا كَانَ عَامًّا لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ، وَالْخَاصُّ مَا كَانَ بِبَعْضِ الأَْقْطَارِ، أَوْ بَعْضِ الأَْزْمَانِ، أَوْ بَعْضِ النَّاسِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
قَال ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِذَا كَانَ الْحَرَجُ فِي نَازِلَةٍ عَامَّةٍ فِي النَّاسِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ، وَإِذَا كَانَ خَاصًّا لَمْ يُعْتَبَرْ عِنْدَنَا، وَفِي بَعْضِ أُصُول الشَّافِعِيِّ اعْتِبَارُهُ ".
كَمَا يُمْكِنُ تَقْسِيمُ الْحَرَجِ إِلَى بَدَنِيٍّ وَنَفْسِيٍّ.
فَالْبَدَنِيُّ: مَا كَانَ أَثَرُهُ وَاقِعًا عَلَى الْبَدَنِ كَوُضُوءِ الْمَرِيضِ الَّذِي يَضُرُّهُ الْمَاءُ، وَصَوْمِ الْمَرِيضِ، وَكَبِيرِ السِّنِّ، وَتَرْكِ الْمُضْطَرِّ أَكْل الْمَيْتَةِ.
وَالنَّفْسِيُّ: مَا كَانَ أَثَرُهُ وَاقِعًا عَلَى النَّفْسِ، كَالأَْلَمِ وَالضِّيقِ بِسَبَبِ مَعْصِيَةٍ أَوْ ذَنْبٍ صَدَرَ مِنْهُ، وَقَدْ قَال ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا جَعَل عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} إِنَّمَا ذَلِكَ سِعَةُ الإِْسْلاَمِ مَا جَعَل اللَّهُ مِنَ التَّوْبَةِ وَالْكَفَّارَاتِ (1) .

شُرُوطُ الْحَرَجِ الْمَرْفُوعِ:
8 - لَيْسَ كُل حَرَجٍ مَرْفُوعًا. بَل هُنَاكَ شُرُوطٌ لاَ بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِهَا لاِعْتِبَارِ رَفْعِ الْحَرَجِ وَهِيَ:
(1) أَنْ يَكُونَ الْحَرَجُ حَقِيقِيًّا، وَهُوَ مَا لَهُ سَبَبٌ مُعَيَّنٌ وَاقِعٌ، كَالْمَرَضِ وَالسَّفَرِ، أَوْ مَا تَحَقَّقَ بِوُجُودِهِ
__________
(1) الموافقات للشاطبي 2 / 159 وما بعدها، وأحكام القرآن لابن العربي 3 / 310.

(22/286)


مَشَقَّةٌ خَارِجَةٌ عَنِ الْمُعْتَادِ. وَمِنْ ثَمَّ فَلاَ اعْتِبَارَ بِالْحَرَجِ التَّوَهُّمِيِّ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُوجَدِ السَّبَبُ الْمُرَخِّصُ لأَِجْلِهِ، إِذْ لاَ يَصِحُّ أَنْ يُبْنَى حُكْمٌ عَلَى سَبَبٍ لَمْ يُوجَدْ بَعْدُ، كَمَا أَنَّ الظُّنُونَ وَالتَّقْدِيرَاتِ غَيْرِ الْمُحَقَّقَةِ رَاجِعَةٌ إِلَى قِسْمِ التَّوَهُّمَاتِ، وَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ. وَكَذَلِكَ أَهْوَاءُ النَّاسِ، فَإِنَّهَا تُقَدِّرُ أَشْيَاءَ لاَ حَقِيقَةَ لَهَا. فَالصَّوَابُ أَنَّهُ لاَ اعْتِبَارَ بِالْمَشَقَّةِ وَالْحَرَجِ حِينَئِذٍ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّوَهُّمَ غَيْرُ صَادِقٍ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَْحْوَال (1) .
(2) أَنْ لاَ يُعَارِضَ نَصًّا. فَالْمَشَقَّةُ وَالْحَرَجُ إِنَّمَا يُعْتَبَرَانِ فِي مَوْضِعٍ لاَ نَصَّ فِيهِ، وَأَمَّا فِي حَال مُخَالَفَةِ النَّصِّ فَلاَ يُعْتَدُّ بِهِمَا (2) .
وَهُنَاكَ تَفْصِيلٌ وَخِلاَفٌ يَأْتِي فِي تَعَارُضِ رَفْعِ الْحَرَجِ مَعَ النَّصِّ.
(3) أَنْ يَكُونَ عَامًّا. قَال ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِذَا كَانَ الْحَرَجُ فِي نَازِلَةٍ عَامَّةٍ فِي النَّاسِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ، وَإِذَا كَانَ خَاصًّا لَمْ يُعْتَبَرْ عِنْدَنَا، وَفِي بَعْضِ أُصُول الشَّافِعِيِّ اعْتِبَارُهُ، وَذَلِكَ يُعْرَضُ فِي مَسَائِل الْخِلاَفِ (3) .
وَقَدْ فَسَّرَ الشَّاطِبِيُّ الْحَرَجَ الْعَامَّ بِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي لاَ قُدْرَةَ لِلإِْنْسَانِ عَلَى الاِنْفِكَاكِ عَنْهُ، كَالتَّغَيُّرِ اللاَّحِقِ لِلْمَاءِ بِالتُّرَابِ وَالطُّحْلُبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا
__________
(1) الموافقات 1 / 333 وما بعدها.
(2) الأشباه والنظائر لابن نجيم 83
(3) أحكام القرآن لابن العربي 3 / 310.

(22/287)


لاَ يَنْفَكُّ عَنْهُ غَالِبًا، وَالْخَاصُّ هُوَ مَا يَطَّرِدُ الاِنْفِكَاكُ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ كَتَغَيُّرِ الْمَاءِ بِالْخَل وَالزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِ (1) .

أَسْبَابُ رَفْعِ الْحَرَجِ:
9 - أَسْبَابُ رَفْعِ الْحَرَجِ هِيَ السَّفَرُ، وَالْمَرَضُ، وَالإِْكْرَاهُ، وَالنِّسْيَانُ، وَالْجَهْل، وَالْعُسْرُ، وَعُمُومُ الْبَلْوَى، وَالنَّقْصُ، وَتَفْصِيلُهَا فِي مُصْطَلَحِ (تَيْسِير (2)) .
قَال النَّوَوِيُّ: وَرُخَصُ السَّفَرِ ثَمَانِيَةٌ:
مِنْهَا: مَا يَخْتَصُّ بِالطَّوِيل قَطْعًا وَهُوَ الْقَصْرُ، وَالْفِطْرُ، وَالْمَسْحُ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ.
وَمِنْهَا: مَا لاَ يَخْتَصُّ بِهِ قَطْعًا، وَهُوَ تَرْكُ الْجُمُعَةِ، وَأَكْل الْمَيْتَةِ.
وَمِنْهَا: مَا فِيهِ خِلاَفٌ، وَالأَْصَحُّ اخْتِصَاصُهُ بِهِ وَهُوَ الْجَمْعُ.
وَمِنْهَا: مَا فِيهِ خِلاَفٌ، وَالأَْصَحُّ عَدَمُ اخْتِصَاصِهِ بِهِ، وَهُوَ التَّنَفُّل عَلَى الدَّابَّةِ، وَإِسْقَاطُ الْفَرْضِ بِالتَّيَمُّمِ.
وَاسْتَدْرَكَ ابْنُ الْوَكِيل رُخْصَةً تَاسِعَةً، صَرَّحَ بِهَا الْغَزَالِيُّ وَهِيَ:
مَا إِذَا كَانَ لَهُ نِسْوَةٌ وَأَرَادَ السَّفَرَ، فَإِنَّهُ يُقْرِعُ
__________
(1) الموافقات 2 / 159 وما بعدها.
(2) الموسوعة 14 / 213 وما بعدها.

(22/287)


بَيْنَهُنَّ، وَيَأْخُذُ مَنْ خَرَجَتْ لَهَا الْقُرْعَةُ، وَلاَ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ لِضَرَّاتِهَا إِذَا رَجَعَ. (ر: تَيْسِير) .

كَيْفِيَّةُ رَفْعِ الْحَرَجِ:
رَفْعُ الْحَرَجِ ابْتِدَاءً:
10 - لاَ يَتَعَلَّقُ التَّكْلِيفُ بِمَا فِيهِ الْحَرَجُ ابْتِدَاءً فَضْلاً مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَلِذَلِكَ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ مِنَ الأَْحْكَامِ عَلَى الصَّبِيِّ الْعَاقِل، وَلاَ عَلَى الْمَعْتُوهِ الْبَالِغِ، وَلَمْ يَجِبْ قَضَاءُ الصَّلاَةِ فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ (1) . كَمَا أَنَّ هُنَاكَ الْكَثِيرَ مِنَ الأَْحْكَامِ وَالتَّشْرِيعَاتِ الَّتِي جَاءَتْ ابْتِدَاءً لِرَفْعِ الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ عَنِ النَّاسِ، وَلَوْلاَهَا لَوَقَعَ النَّاسُ فِيهِمَا. وَمِنْهَا مَشْرُوعِيَّةُ الْخِيَارِ، إِذْ إِنَّ الْبَيْعَ يَقَعُ غَالِبًا مِنْ غَيْرِ تَرَوٍّ وَيَحْصُل فِيهِ النَّدَمُ فَيَشُقُّ عَلَى الْعَاقِدِ، فَسَهَّل الشَّارِعُ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِجَوَازِ الْفَسْخِ فِي مَجْلِسِهِ وَمِنْهَا الرَّدُّ بِالْعَيْبِ وَالتَّحَالُفُ وَالإِْقَالَةُ وَالْحَوَالَةُ وَالرَّهْنُ وَالضَّمَانُ وَالإِْبْرَاءُ وَالْقَرْضُ وَالشَّرِكَةُ وَالصُّلْحُ وَالْحَجْرُ وَالْوَكَالَةُ وَالإِْجَارَةُ وَالْمُزَارَعَةُ وَالْمُسَاقَاةُ وَالْمُضَارَبَةُ وَالْعَارِيَّةُ الْوَدِيعَةُ لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ الْعَظِيمَةِ فِي أَنَّ كُل وَاحِدٍ لاَ يَنْتَفِعُ إِلاَّ بِمَا هُوَ مِلْكُهُ، وَلاَ يَسْتَوْفِي إِلاَّ مِمَّنْ عَلَيْهِ حَقُّهُ، وَلاَ يَأْخُذُهُ إِلاَّ بِكَمَالِهِ، وَلاَ يَتَعَاطَى أُمُورَهُ إِلاَّ بِنَفْسِهِ، فَسَهُل الأَْمْرُ بِإِبَاحَةِ الاِنْتِفَاعِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ بِطَرِيقِ الإِْجَارَةِ وَالإِْعَارَةِ وَالْقَرْضِ، وَبِالاِسْتِعَانَةِ
__________
(1) تيسير التحرير 2 / 253 مصطفى البابي الحلبي 1350 هـ، مسلم الثبوت 1 / 169 دار صادر.

(22/288)


بِالْغَيْرِ وَكَالَةً وَإِيدَاعًا وَشَرِكَةً وَمُضَارَبَةً وَمُسَاقَاةً، وَبِالاِسْتِيفَاءِ مِنْ غَيْرِ الْمَدْيُونِ حَوَالَةً، وَبِالتَّوْثِيقِ عَلَى الدَّيْنِ بِرَهْنٍ وَكَفِيلٍ وَضَمَانٍ وَحَجْرٍ، وَبِإِسْقَاطِ بَعْضِ الدَّيْنِ صُلْحًا أَوْ كُلِّهِ إِبْرَاءً.
وَمِنْ تِلْكَ الأَْحْكَامِ الَّتِي جَاءَتْ لِرَفْعِ الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ أَيْضًا جَوَازُ الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ؛ لأَِنَّ لُزُومَهَا شَاقٌّ فَتَكُونُ سَبَبًا لِعَدَمِ تَعَاطِيهَا، وَمِنْهَا لُزُومُ الْعُقُودِ اللاَّزِمَةِ، وَإِلاَّ لَمْ يَسْتَقِرَّ بَيْعٌ وَلاَ غَيْرُهُ.
وَمِنْهَا مَشْرُوعِيَّةُ الطَّلاَقِ لِمَا فِي الْبَقَاءِ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ مِنَ الْمَشَقَّةِ وَالْحَرَجِ عِنْدَ التَّنَافُرِ، وَكَذَا مَشْرُوعِيَّةُ الْخُلْعِ وَالاِفْتِدَاءِ وَالرَّجْعَةِ فِي الْعِدَّةِ قَبْل الثَّلاَثِ، وَلَمْ يُشْرَعْ دَائِمًا لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ عَلَى الزَّوْجَةِ (1) .

رَفْعُ الْحَرَجِ عِنْدَ تَحَقُّقِ وُجُودِهِ:
11 - قَدْ يَأْتِي الْحَرَجُ وَالْمَشَقَّةُ فِي التَّكَالِيفِ مِنْ أَسْبَابٍ خَارِجِيَّةٍ، إِذْ إِنَّ نَفْسَ التَّكْلِيفِ لَيْسَ فِيهِ مَشَقَّةٌ وَحَرَجٌ بَل فِيهِ كُلْفَةٌ أَيْ مَشَقَّةٌ مُعْتَادَةٌ، وَإِنَّمَا يَأْتِي الْحَرَجُ بِسَبَبِ اقْتِرَانِ التَّكْلِيفِ بِأُمُورٍ أُخْرَى كَالْمَرَضِ وَالسَّفَرِ، وَلِلشَّارِعِ أَنْوَاعٌ مُتَعَدِّدَةٌ مِنَ التَّخْفِيفَاتِ تُنَاسِبُ تِلْكَ الْمَشَاقَّ وَتَكُونُ تِلْكَ
__________
(1) الأشباه والنظائر لابن نجيم 69، 80 دار مكتبة الهلال 1980 م، الأشباه والنظائر للسيوطي 78، 79 دار الكتب العلمية 1983 م الطبعة الأولى.

(22/288)


التَّخْفِيفَاتُ بِالإِْسْقَاطِ أَوِ التَّنْقِيصِ أَوِ الإِْبْدَال أَوِ التَّقْدِيمِ أَوِ التَّأْخِيرِ أَوِ التَّرْخِيصِ أَوِ التَّغْيِيرِ، وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (رُخْصَة) وَمُصْطَلَحِ (تَيْسِير) .

تَعَارُضُ رَفْعِ الْحَرَجِ مَعَ النَّصِّ:
12 - النَّصُّ إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَطْعِيًّا أَوْ ظَنِّيًّا، وَالظَّنِّيُّ إِمَّا أَنْ يَشْهَدَ لَهُ أَصْلٌ قَطْعِيٌّ أَوْ لاَ. وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي عَدَمِ اعْتِبَارِ الْحَرَجِ الْمُعَارِضِ لِلنَّصِّ الْقَطْعِيِّ، وَكَذَا الظَّنِّيُّ الرَّاجِعُ إِلَى أَصْلٍ قَطْعِيٍّ، فَيَجِبُ حِينَئِذٍ الأَْخْذُ بِالنَّصِّ وَتَرْكُ الْحَرَجِ (1) .
ثُمَّ إِنَّ الْفُقَهَاءَ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي الظَّنِّيِّ الْمُعَارِضِ لأَِصْلٍ قَطْعِيٍّ كَرَفْعِ الْحَرَجِ، وَلاَ يَشْهَدُ لَهُ أَصْلٌ قَطْعِيٌّ.
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى الأَْخْذِ بِالنَّصِّ وَعَدَمِ اعْتِبَارِ الْحَرَجِ، قَال ابْنُ نُجَيْمٍ فِي الأَْشْبَاهِ: الْمَشَقَّةُ وَالْحَرَجُ إِنَّمَا يُعْتَبَرَانِ فِي مَوْضِعٍ لاَ نَصَّ فِيهِ، وَأَمَّا مَعَ النَّصِّ بِخِلاَفِهِ فَلاَ، وَلِذَا قَال أَبُو حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٌ: بِحُرْمَةِ رَعْيِ حَشِيشِ الْحَرَمِ وَقَطْعِهِ إِلاَّ الإِْذْخِرَ لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَْرْضَ. .
__________
(1) الموافقات 3 / 15، 16 المكتبة التجارية الكبرى بتعليق الشيخ عبد الله دراز.

(22/289)


لاَ يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلاَ تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهُ إِلاَّ مَنْ عَرَّفَهَا، وَلاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا (1) .
قَال السَّرَخْسِيُّ: وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ الْبَلْوَى فِي مَوْضِعٍ لاَ نَصَّ فِيهِ بِخِلاَفِهِ، فَأَمَّا مَعَ وُجُودِ النَّصِّ فَلاَ يُعْتَدُّ بِهِ.
وَقَال أَبُو يُوسُفَ: لاَ بَأْسَ بِالرَّعْيِ؛ لأَِنَّ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْحَرَمَ لِلْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ يَكُونُونَ عَلَى الدَّوَابِّ وَلاَ يُمْكِنُهُمْ مَنْعُ الدَّوَابِّ مِنْ رَعْيِ الْحَشِيشِ فَفِي ذَلِكَ مِنَ الْحَرَجِ مَا لاَ يَخْفَى فَيُرَخَّصُ فِيهِ لِدَفْعِ الْحَرَجِ.
وَنَقَل الشَّاطِبِيُّ عَنِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ قَوْلَهُ: إِذَا جَاءَ خَبَرُ الْوَاحِدِ مُعَارِضًا لِقَاعِدَةٍ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ هَل يَجُوزُ الْعَمَل بِهِ أَمْ لاَ؟ فَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: لاَ يَجُوزُ الْعَمَل بِهِ، وَقَال الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ، وَتَرَدَّدَ مَالِكٌ فِي الْمَسْأَلَةِ. قَال: وَمَشْهُورُ قَوْلِهِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْمُعَوَّل أَنَّ الْحَدِيثَ إِنْ عَضَّدَتْهُ قَاعِدَةٌ أُخْرَى قَال بِهِ، وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ تَرَكَهُ. قَال الشَّاطِبِيُّ: وَلَقَدِ اعْتَمَدَهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ لِصِحَّتِهِ فِي الاِعْتِبَارِ، كَإِنْكَارِهِ لِحَدِيثِ إِكْفَاءِ الْقُدُورِ الَّتِي طُبِخَتْ مِنَ الإِْبِل وَالْغَنَمِ قَبْل قَسْمِ الْغَنِيمَةِ، تَعْوِيلاً عَلَى أَصْل رَفْعِ الْحَرَجِ الَّذِي يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ،
__________
(1) حديث: " إن هذا البلد حرمه الله. . . . . . . " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 46 - 47 - ط السلفية) ومسلم (2 / 986 - 987 - ط الحلبي) من حديث ابن عباس واللفظ لمسلم.

(22/289)


فَأَجَازَ أَكْل الطَّعَامِ قَبْل الْقَسْمِ لِمَنِ احْتَاجَ إِلَيْهِ، وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا يَرْجِعُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ (1) .
حَيْثُ قَال بَعْدَ ذِكْرِهِ: وَلَيْسَ لِهَذَا عِنْدَنَا حَدٌّ مَعْرُوفٌ وَلاَ أَمْرٌ مَعْمُولٌ بِهِ فِيهِ " إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْمَجْلِسَ مَجْهُول الْمُدَّةِ، وَلَوْ شَرَطَ أَحَدٌ الْخِيَارَ مُدَّةً مَجْهُولَةً لَبَطَل إِجْمَاعًا، فَكَيْفَ يَثْبُتُ بِالشَّرْعِ حُكْمٌ لاَ يَجُوزُ شَرْطًا بِالشَّرْعِ؟ فَقَدْ رَجَعَ إِلَى أَصْلٍ إِجْمَاعِيٍّ، وَأَيْضًا فَإِنَّ قَاعِدَةَ الضَّرَرِ وَالْجَهَالَةِ قَطْعِيَّةٌ، وَهِيَ تُعَارِضُ هَذَا الْحَدِيثَ الظَّنِّيَّ (2) .

قَوَاعِدُ الأَْدِلَّةِ الأُْصُولِيَّةِ وَالْقَوَاعِدُ الْفِقْهِيَّةُ الْمُرَاعَى فِيهَا رَفْعُ الْحَرَجِ:
13 - لَمَّا كَانَ رَفْعُ الْحَرَجِ مَقْصِدًا مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ، وَأَصْلاً مِنْ أُصُولِهَا، فَقَدْ ظَهَرَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَْدِلَّةِ الأُْصُولِيَّةِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ.
فَمِنَ الأَْدِلَّةِ الأُْصُولِيَّةِ الْمُرَاعَى فِيهَا رَفْعُ الْحَرَجِ الْمَصَالِحُ الْمُرْسَلَةُ. قَال الشَّاطِبِيُّ: إِنَّ حَاصِل الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ يَرْجِعُ إِلَى حِفْظِ أَمْرٍ ضَرُورِيٍّ،
__________
(1) حديث خيار المجلس نصه: " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 328 - ط السلفية) ، ومسلم (3 / 1164 - ط الحلبي) من حديث حكيم بن حزام.
(2) الموافقات 3 / 17 وما بعدها، المبسوط للسرخسي 4 / 105 دار المعرفة الطبعة الثانية، الأشباه والنظائر لابن نجيم 83 دار مكتبة الهلال 1980 م

(22/290)


وَرَفْعِ حَرَجٍ لاَزِمٍ فِي الدِّينِ (1) .
وَكَذَا الاِسْتِحْسَانُ، قَال السَّرْخَسِيُّ: كَانَ شَيْخُنَا الإِْمَامُ يَقُول: الاِسْتِحْسَانُ تَرْكُ الْقِيَاسِ وَالأَْخْذُ بِمَا هُوَ أَوْفَقُ لِلنَّاسِ، وَقِيل: الاِسْتِحْسَانُ طَلَبُ السُّهُولَةِ فِي الأَْحْكَامِ فِيمَا يُبْتَلَى فِيهِ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ، وَقِيل: الأَْخْذُ بِالسِّعَةِ وَابْتِغَاءُ الدَّعَةِ، ثُمَّ قَال: وَحَاصِل هَذِهِ الْعِبَارَاتِ أَنَّهُ تَرْكُ الْعُسْرِ لِلْيُسْرِ، وَهُوَ أَصْلٌ فِي الدِّينِ قَال اللَّهُ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (2) . وَقَال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ وَمُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حِينَ وَجَّهَهُمَا إِلَى الْيَمَنِ: يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا (3) .
وَمِنَ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ فِي ذَلِكَ قَاعِدَةُ: الْمَشَقَّةُ تَجْلُبُ التَّيْسِيرَ. وَقَال الْعُلَمَاءُ: يَتَخَرَّجُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ جَمِيعُ رُخَصِ الشَّرْعِ وَتَخْفِيفَاتِهِ. وَبِمَعْنَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ قَوْل الشَّافِعِيِّ: إِذَا ضَاقَ الأَْمْرُ اتَّسَعَ. قَال ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: وُضِعَتِ الأَْشْيَاءُ فِي الأُْصُول عَلَى أَنَّهَا إِذَا ضَاقَتِ اتَّسَعَتْ، وَإِذَا اتَّسَعَتْ ضَاقَتْ.
وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ الرُّخَصُ، وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ لِدَفْعِ الْحَرَجِ وَنَفْيِهِ عَنِ الأُْمَّةِ.
__________
(1) الاعتصام 2 / 114 المكتبة التجارية.
(2) سورة البقرة / 185.
(3) حديث: " يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا " أخرجه البخاري (الفتح 10 / 524 - ط السلفية) ، ومسلم (3 / 1359 - ط الحلبي) من حديث أبي موسى الأشعري.

(22/290)


وَكَذَا قَاعِدَةُ الضَّرَرُ يُزَال، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ مِنْ قَوَاعِدَ، كَالضَّرُورَاتِ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ وَالْحَاجَةُ تَنْزِل مَنْزِلَةَ الضَّرُورَةِ.
وَمِنَ الأُْمُورِ الَّتِي تَنْفِي الْحَرَجَ النَّفْسِيَّ لَدَى الْمُذْنِبِ التَّوْبَةُ، وَالإِْسْلاَمُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ، وَالْكَفَّارَاتُ بِأَنْوَاعِهَا الْمُخْتَلِفَةِ، قَال ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَا جَعَل عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (1) إِنَّمَا ذَلِكَ سِعَةُ الإِْسْلاَمِ مَا جَعَل اللَّهُ مِنَ التَّوْبَةِ وَالْكَفَّارَاتِ (2) .
__________
(1) سورة الحج / 78.
(2) المبسوط 10 / 145، الأشباه والنظائر للسيوطي 76 وما بعدها و 83 وما بعدها، دار الكتب العلمية 1983 م، والأشباه والنظائر لابن نجيم 75 و 85 وما بعدها، دار الهلال 1980 م. والموافقات 2 / 158 المكتبة التجارية الكبرى.

(22/291)


رِفْقٌ

التَّعْرِيفُ
1 - الرِّفْقُ فِي اللُّغَةِ: لِينُ الْجَانِبِ، وَلَطَافَةُ الْفِعْل، وَإِحْكَامُ الْعَمَل، وَالْقَصْدُ فِي السَّيْرِ (1) .
وَالرِّفْقُ يُرَادِفُهُ الرَّحْمَةُ، وَالشَّفَقَةُ، وَاللُّطْفُ، وَالْعَطْفُ، وَيُقَابِلُهُ الشِّدَّةُ، وَالْعُنْفُ، وَالْقَسْوَةُ وَالْفَظَاظَةُ.
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ لِلرِّفْقِ عَنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ (2) .

حُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ:
2 - حُكْمُ الرِّفْقِ عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ الاِسْتِحْبَابُ، فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ فِي كُل شَيْءٍ (3) ، لِقَوْلِهِ فِي حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَْمْرِ كُلِّهِ (4) .
__________
(1) الصحاح واللسان والمصباح مادة: (رفق) ، المغرب وأساس البلاغة مادة: (رفق) .
(2) فتح الباري 10 / 449 ط الرياض.
(3) فتح الباري 10 / 449 ط الرياض.
(4) حديث: " إن الله يحب الرفق في الأمر كله " أخرجه البخاري (الفتح 10 / 449 - ط السلفية) .

(22/291)


وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا: إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لاَ يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ (1) . وَلِقَوْلِهِ: إِنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ زَانَهُ، وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ (2) .
وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الْخَيْرِ. (3) وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ يُحْرَمُ الرِّفْقَ يُحْرَمُ الْخَيْرَ. (4) وَقَدْ يَخْرُجُ عَنِ الاِسْتِحْبَابِ كَالرِّفْقِ بِالْوَالِدَيْنِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ، وَالرِّفْقِ بِالْكُفَّارِ الْحَرْبِيِّينَ فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مُحَمَّدٌ رَسُول اللَّهِ وَاَلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (5) .

وَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ الرِّفْقَ فِي عَدَدٍ مِنَ الْمَسَائِل.

رِفْقُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالْمُكَلَّفِينَ:
3 - يَتَّضِحُ رِفْقُ اللَّهِ تَعَالَى بِعِبَادِهِ الْمُكَلَّفِينَ فِيمَا
__________
(1) حديث: " إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف " أخرجه مسلم (4 / 200 - ط الحلبي) من حديث عائشة.
(2) حديث: " إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه " أخرجه مسلم (4 / 2004 - ط الحلبي) من حديث عائشة.
(3) حديث: " من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من الخير ". أخرجه الترمذي (4 367 - ط الحلبي) من حديث أبي الدرداء، وقال: " حديث حسن صحيح "
(4) حديث: " من يحرم الرفق يحرم الخير " أخرجه مسلم (4 / 2003 - ط الحلبي) من حديث جرير بن عبد الله.
(5) سورة الفتح / 29.

(22/292)


شَرَعَهُ لَهُمْ مِنَ الأَْحْكَامِ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمْ يُكَلِّفْهُمْ إِلاَّ بِمَا يَدْخُل تَحْتَ قُدْرَتِهِمْ وَطَاقَتِهِمْ بِلاَ مَشَقَّةٍ، فَقَدْ أَمَرَهُمْ بِالصَّلاَةِ وَبِصَوْمِ رَمَضَانَ إِلاَّ أَنَّهُ شَرَعَ لَهُمُ الرُّخَصَ الَّتِي تُخَفِّفُ عَنْهُمُ الْمَشَقَّةَ الْحَاصِلَةَ مِنْ تِلْكَ الْعِبَادَاتِ، فَرَخَّصَ لَهُمُ الْفِطْرَ وَالْقَصْرَ وَالْجَمْعَ فِي الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ، وَأَبَاحَ لَهُمُ الْمَحْظُورَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ إِنْ كَانَتْ تِلْكَ الضَّرُورَةُ مُسَاوِيَةً لِلْمَحْظُورِ أَوْ تَزِيدُ عَلَيْهِ، كَإِبَاحَةِ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ، وَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِمْ مِنَ الْعِبَادَاتِ إِلاَّ مَا هُوَ يَسِيرٌ عَلَيْهِمْ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا مِنَ النَّوَافِل مَا يُطِيقُونَ، وَأَلاَّ يَتَحَمَّلُوا مِنْهَا مَا فِيهِ مَشَقَّةٌ زَائِدَةٌ عَلَيْهِمْ رِفْقًا بِهِمْ؛ لأَِنَّ تِلْكَ الْمَشَقَّةَ تُؤَدِّي إِلَى عَدَمِ الْمُدَاوَمَةِ عَلَى تِلْكَ الأَْعْمَال، وَقَدْ نَهَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ التَّنَطُّعِ وَالتَّكَلُّفِ وَقَال: خُذُوا مِنَ الأَْعْمَال مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَنْ يَمَل حَتَّى تَمَلُّوا (1) . وَقَال أَيْضًا: الْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا (2) فَإِنَّ الشَّارِعَ الْحَكِيمَ لَمْ يَقْصِدْ مِنَ التَّكَالِيفِ الَّتِي فَرَضَهَا عَلَى عِبَادِهِ الْعَنَتَ وَالْمَشَقَّةَ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ بِأَدِلَّتِهِ فِي مُصْطَلَحِ (تَيْسِير) (وَرُخْصَة) (وَرَفْعُ الْحَرَجِ) .
__________
(1) حديث: " خذوا من الأعمال ما تطيقون " أخرجه مسلم (2 / 811 - ط الحلبي) من حديث عائشة.
(2) حديث: " القصد القصدَ تبلغوا " أخرجه البخاري (الفتح 11 / 394 - ط السلفية) من حديث أبي هريرة.

(22/292)


الرِّفْقُ بِالْوَالِدَيْنِ:
4 - أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالرِّفْقِ بِالْوَالِدَيْنِ وَالإِْحْسَانِ إِلَيْهِمَا وَبِرِّهِمَا فِي عَدَدٍ مِنَ الآْيَاتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُل تَعَالَوْا أَتْلُو مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (1) قَوْله تَعَالَى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّل مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (2) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (بِرُّ الْوَالِدَيْنِ) .

الرِّفْقُ بِالْجَارِ:
5 - أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالرِّفْقِ بِالْجَارِ، وَالإِْحْسَانِ إِلَيْهِ، وَحِفْظِهِ وَالْقِيَامِ بِحَقِّهِ فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ} (3) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (جِوَار (4)) .

رِفْقُ الإِْمَامِ بِالْمَأْمُومِينَ:
6 - يُسَنُّ لِلإِْمَامِ أَنْ يَرْفُقَ بِالْمَأْمُومِينَ وَذَلِكَ
__________
(1) سورة الأنعام / 151.
(2) سورة الإسراء 23 - 24، وانظر الموسوعة الفقهية 8 / 63.
(3) سورة النساء / 36.
(4) الموسوعة الفقهية 16 / 216.

(22/293)


بِالتَّخْفِيفِ بِالْقِرَاءَةِ وَالأَْذْكَارِ، وَفِعْل الأَْبْعَاضِ وَالْهَيْئَاتِ، وَيَأْتِي بِأَدْنَى الْكَمَال مُرَاعَاةً لِلْمَرِيضِ وَالضَّعِيفِ وَصَاحِبِ الْحَاجَةِ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالْكَبِيرَ (1) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِمَامَةُ الصَّلاَةِ (2)) .

الرِّفْقُ بِالْغَيْرِ وَتَجَنُّبُ إِيذَائِهِ فِي مَوَاطِنِ الاِزْدِحَامِ لِلْعِبَادَةِ:
7 - مِنْ سُنَنِ الطَّوَافِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ اسْتِلاَمُ الْحَجَرِ وَتَقْبِيلُهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ، اكْتَفَى بِالإِْشَارَةِ إِلَيْهِ بِيَدِهِ أَوْ بِعُودٍ، وَعِنْدَ غَيْرِ الْمَالِكِيَّةِ يُقَبِّل مَا أَشَارَ بِهِ إِلَيْهِ، وَيُكَبِّرُ، وَلاَ يُؤْذِي غَيْرَهُ لأَِجْل أَنْ يَصِل إِلَيْهِ وَيُقَبِّلَهُ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا عُمَرُ: إِنَّكَ رَجُلٌ قَوِيٌّ لاَ تُزَاحِمْ عَلَى الْحَجَرِ فَتُؤْذِي الضَّعِيفَ، إِنْ وَجَدْتَ خَلْوَةً فَاسْتَلِمْهُ، وَإِلاَّ فَاسْتَقْبِلْهُ فَهَلِّل وَكَبِّرْ (3) . وَهَذَا كُلُّهُ
__________
(1) حديث: " إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف " أخرجه البخاري (الفتح 2 / 199 - ط السلفية) من حديث أبي هريرة.
(2) الموسوعة الفقهية 6 / 213 ف 27 - 28
(3) حديث: " يا عمر، إنك رجل قوي. . . . " أخرجه أحمد (1 / 28 - ط الميمنية) ، وقال الهيثمي في المجمع (3 / 241 - ط القدسي) " رواه أحمد، وفيه راو لم يسم ".

(22/293)


مُسْتَحَبٌّ، وَمَحَل اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ (1) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي بَحْثِ (الْحَجَرُ الأَْسْوَدُ) مِنَ الْمَوْسُوعَةِ ح 17 107

الرِّفْقُ فِي تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ:
8 - يَنْبَغِي لِمَنْ يَتَصَدَّى لِتَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ أَنْ يَأْخُذَ نَفْسَهُ بِمَا يُحْمَدُ قَوْلاً وَفِعْلاً، وَأَنْ يَتَحَلَّى بِمَكَارِمِ الأَْخْلاَقِ حَتَّى يَكُونَ عَمَلُهُ مَقْبُولاً، وَقَوْلُهُ مَسْمُوعًا، قَال تَعَالَى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (2) .
وَمِنْ وَسَائِل تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ التَّعْرِيفُ بِاللُّطْفِ وَالرِّفْقِ، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِْيمَانِ. (3)
وَخُصُوصًا مَعَ مَنْ يُخَافُ شَرُّهُ كَالظَّالِمِ الْمُتَسَلِّطِ (4) . وَالْجَاهِل إِذَا لَمْ يَكُنْ مُعَانِدًا.
وَيَدُل عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ بَوْل الأَْعْرَابِيِّ فِي
__________
(1) حاشية ابن عابدين 2 / 165 - 166 ط المصرية، جواهر الإكليل 1 / 378 - ط المعرفة، روضة الطالبين 3 / 85 - ط. المكتب الإسلامي، كشاف القناع 2 / 458 ط. النصر، المغني 3 / 371 ط. الرياض.
(2) سورة آل عمران / 159.
(3) حديث: " من رأى منكم منكرًا. . . " أخرجه مسلم (1 / 69 - ط الحلبي) من حديث أبي سعيد الخدري.
(4) الموسوعة الفقهية 6 / 250 فقرة 5، 7 / 244 فقرة 19

(22/294)


الْمَسْجِدِ. فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَال فِي الْمَسْجِدِ فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ، فَقَال لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ (1) . وَفِيهِ الرِّفْقُ بِالْجَاهِل وَتَعْلِيمُهُ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ غَيْرِ تَعْنِيفٍ وَلاَ إِيذَاءٍ إِذَا لَمْ يَأْتِ بِالْمُخَالَفَةِ اسْتِخْفَافًا أَوْ عِنَادًا (2) .

الرِّفْقُ بِالْخَدَمِ:
9 - الرِّفْقُ بِالْخَدَمِ وَحُسْنُ مُعَامَلَتِهِمْ مِنَ الأُْمُورِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاَلَّتِي جَرَى عَلَيْهَا عَمَل الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، فَقَدْ أَمَرَ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ نُحْسِنَ مُعَامَلَتَهُمْ، وَنَرْفُقَ بِهِمْ فِي الْمَطْعَمِ وَالْمَلْبَسِ وَالْعَمَل، فَنُطْعِمَهُمْ مِنْ طَعَامِنَا وَنُلْبِسَهُمْ مِنْ لِبَاسِنَا وَلاَ نُكَلِّفَهُمْ بِالأَْعْمَال الَّتِي يَشُقُّ عَلَيْهِمُ الْقِيَامُ بِهَا، فَإِنْ فَعَلْنَا ذَلِكَ فَعَلَيْنَا أَنْ نُعِينَهُمْ، فَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنِ الْمَعْرُورِ قَال: لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبْذَةِ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ وَعَلَى غُلاَمِهِ حُلَّةٌ فَسَأَلْتُهُ، عَنْ ذَلِكَ
__________
(1) حديث: " أن أعرابيًا بال في المسجد. . . . . . " أخرجه البخاري (الفتح 1 / 323 - ط السلفية) .
(2) فتح الباري 1 / 322 - 325 ط. الرياض، صحيح مسلم بشرح النووي 3 / 190 - 191 ط. المصرية، تحفة الأحوذي 1 / 457 - 459 ط. المدني، سنن أبي داود 3 / 263 - 265 ط. التركية، سنن ابن ماجه 1 / 175 - 176 ط. التركية.

(22/294)


فَقَال: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلاً فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَقَال لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُل وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ. (1)
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (خِدْمَة) .

الرِّفْقُ بِالْحَيَوَانِ:
10 - مِمَّا وَرَدَ فِي الرِّفْقِ بِالْحَيَوَانَاتِ النَّهْيُ عَنْ صَبْرِهَا وَتَعْذِيبِهَا، وَبَيَانُ فَضْل سَاقِيهَا وَالإِْنْفَاقِ عَلَيْهَا، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنَ الأَْنْعَامِ أَمْ مِنْ غَيْرِهَا. فَمِمَّا وَرَدَ فِي النَّهْيِ عَنْ صَبْرِ الْبَهَائِمِ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ مَرَّ بِفِتْيَانٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ نَصَبُوا طَيْرًا وَهُمْ يَرْمُونَهُ، وَقَدْ جَعَلُوا لِصَاحِبِ الطَّيْرِ كُل خَاطِئَةٍ مِنْ نَبْلِهِمْ فَلَمَّا رَأَوُا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا، فَقَال ابْنُ عُمَرَ: مَنْ فَعَل هَذَا؟ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ فَعَل هَذَا، إِنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ مَنِ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا (2) . وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَال: نَهَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ
__________
(1) حديث أبي ذر: " إني ساببت رجلاً. . . . " أخرجه البخاري (الفتح 1 / 84 - ط السلفية) . وانظر فتح الباري 5 - 174 ط. الرياض.
(2) 2) حديث ابن عمر: " مر بفتيان من قريش. . . . " أخرجه مسلم (3 / 1550 - ط الحلبي) .

(22/295)


يُقْتَل شَيْءٌ مِنَ الدَّوَابِّ صَبْرًا (1) .
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: لاَ تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا (2) . وَمَعْنَى صَبْرِ الْبَهَائِمِ كَمَا قَال الْعُلَمَاءُ أَنْ تُحْبَسَ وَهِيَ حَيَّةٌ لِتُقْتَل بِالرَّمْيِ وَنَحْوِهِ وَهُوَ مَعْنَى لاَ تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا، أَيْ لاَ تَتَّخِذُوا الْحَيَوَانَ غَرَضًا تَرْمُونَ إِلَيْهِ كَالْغَرَضِ (أَيِ الْهَدَفِ) مِنَ الْجُلُودِ وَغَيْرِهَا، وَهَذَا النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ وَلِهَذَا قَال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ: لَعَنَ اللَّهُ مَنْ فَعَل هَذَا؛ وَلأَِنَّهُ تَعْذِيبٌ لِلْحَيَوَانِ، وَتَضْيِيعٌ لِمَالِيَّتِهِ، وَتَفْوِيتٌ لِذَكَاتِهِ إِنْ كَانَ مُذَكًّى، وَلِمَنْفَعَتِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُذَكًّى (3) . حَتَّى مَا يُذْبَحُ مِنَ الْحَيَوَانِ لأَِكْلِهِ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرِّفْقِ بِهِ، بِإِحْدَادِ الشَّفْرَةِ وَإِرَاحَةِ الذَّبِيحَةِ. قَال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِْحْسَانَ عَلَى كُل شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ (4) .
وَمِمَّا وَرَدَ فِي فَضْل مَنْ سَقَى حَيَوَانًا رِفْقًا بِهِ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
__________
(1) حديث جابر: " نهى أن يقتل شيء من الدواب صبرًا. . . . " أخرجه مسلم (3 / 1550 ط الحلبي) .
(2) حديث ابن عباس: " لا تتخذوا شيئًا فيه الروح غرضًا. . . . " أخرجه مسلم (3 / 1549 ط الحلبي) .
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 13 / 107 - 108 ط - الأولى.
(4) حديث: " إن الله كتب الإحسان. . . . " أخرجه مسلم (3 / 1548 - ط الحلبي) من حديث شداد بن أوس.

(22/295)


رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ، فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَل فِيهَا فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُل الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَال الرَّجُل: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبُ مِنَ الْعَطَشِ مِثْل الَّذِي كَانَ بَلَغَ بِي، فَنَزَل الْبِئْرَ فَمَلأََ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهَ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ، قَالُوا: يَا رَسُول اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا؟ فَقَال: فِي كُل ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ (1) .

وَأَمَّا النَّفَقَةُ عَلَى الْحَيَوَانِ رِفْقًا وَرَحْمَةً بِهِ، فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ الإِْنْفَاقِ عَلَى الْمَمْلُوكِ مِنْهُ دِيَانَةً، وَاخْتَلَفُوا فِي الإِْجْبَارِ عَلَيْهَا وَالْقَضَاءِ بِهَا عَلَى مَنْ عِنْدَهُ بَهِيمَةٌ لاَ يُنْفِقُ عَلَيْهَا، مَعَ اتِّفَاقِهِمْ جَمِيعًا عَلَى وُجُوبِهَا وَلُزُومِهَا عَلَيْهِ، فَذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لاَ يُجْبَرُ عَلَيْهَا؛ لأَِنَّ الْجَبْرَ عَلَى الْحَقِّ يَكُونُ عِنْدَ الطَّلَبِ وَالْخُصُومَةِ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ، وَلاَ خَصْمَ، فَلاَ يُجْبَرُ، وَلَكِنْ تَجِبُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَيْهَا؛ لأَِنَّ فِي تَرْكِهِ جَائِعًا تَعْذِيبَ الْحَيَوَانِ بِلاَ فَائِدَةٍ وَتَضْيِيعَ الْمَال، وَقَدْ نَهَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ؛ وَلأَِنَّهُ سَفَهٌ لِخُلُوِّهِ عَنِ الْعَاقِبَةِ الْحَمِيدَةِ، وَالسَّفَهُ حَرَامٌ عَقْلاً (2) .
__________
(1) حديث: " بينما رجل يمشي بطريق. . . . . . . . " أخرجه البخاري (الفتح 10 / 438 - ط السلفية) .
(2) بدائع الصنائع 4 / 40 ط. الجمالية، ابن عابدين 2 / 688 - 689 - ط. بولاق، فتح القدير 3 / 355 - 356 ط. الأميرية، الاختيار 4 / 14 ط. المعرفة، الفتاوى الهندية 1 / 573 - 574 ط. المكتبة الإسلامية.

(22/296)


وَذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ نَفَقَةَ الدَّابَّةِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَرْعًى وَاجِبَةٌ، وَيَقْضِي بِهَا، لأَِنَّ تَرْكَهُ مُنْكَرٌ، وَإِزَالَتُهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ بِهِ، خِلاَفًا لِقَوْل ابْنِ رُشْدٍ يُؤْمَرُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ، وَدَخَل فِي الدَّابَّةِ هِرَّةٌ عَمِيَتْ فَتَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَى مَنِ انْقَطَعَتْ عِنْدَهُ حَيْثُ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى الاِنْصِرَافِ، فَإِنْ قَدَرَتْ عَلَيْهِ لَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهَا؛ لأَِنَّ لَهُ طَرْدَهَا (1) .
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَرِيبٌ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمَالِكِيَّةُ وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، فَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّ مَنْ مَلَكَ دَابَّةً لَزِمَهُ عَلَفُهَا وَسَقْيُهَا، وَيَقُومُ مَقَامَ الْعَلَفِ وَالسَّقْيِ تَخْلِيَتُهَا لِتَرْعَى وَتَرِدَ الْمَاءَ، إِنْ كَانَتْ مِمَّا يَرْعَى وَيَكْتَفِي بِهِ لِخِصْبِ الأَْرْضِ وَنَحْوِهِ وَلَمْ يَكُنْ مَانِعُ ثَلْجٍ وَغَيْرِهِ، فَإِنْ أَجْدَبَتِ الأَْرْضُ وَلَمْ يَكْفِهَا الرَّعْيُ لَزِمَهُ أَنْ يُضِيفَ إِلَيْهِ مِنَ الْعَلَفِ مَا يَكْفِيهَا، وَيَطَّرِدُ هَذَا فِي كُل حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ (يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لَهُ) ، وَإِذَا امْتَنَعَ الْمَالِكُ مِنْ ذَلِكَ أَجْبَرَهُ السُّلْطَانُ فِي الْمَأْكُولَةِ عَلَى بَيْعِهَا أَوْ صِيَانَتِهَا عَنِ الْهَلاَكِ بِالْعَلَفِ أَوِ التَّخْلِيَةِ لِلرَّعْيِ أَوْ ذَبْحِهَا. وَفِي غَيْرِ الْمَأْكُولَةِ عَلَى الْبَيْعِ أَوِ
__________
(1) حاشية الدسوقي 2 / 522 ط. الفكر، جواهر الإكليل 1 / 407ط. المعرفة، الخرشي 4 / 201 - 202 ط. بولاق، الزرقاني 4 / 258 - 259 ط. الفكر، التاج والإكليل مع مواهب الجليل 4 / 206 - 207 ط. النجاح.

(22/296)


الصِّيَانَةِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَل نَابَ الْحَاكِمُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا يَرَاهُ وَيَقْتَضِيهِ الْحَال، وَعَنِ ابْنِ الْقَطَّانِ أَنَّهُ لاَ يُخَلِّيهَا لِخَوْفِ الذِّئْبِ وَغَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ بَاعَ الْحَاكِمُ الدَّابَّةَ أَوْ جُزْءًا مِنْهَا أَوْ أَكْرَاهَا، فَإِنْ لَمْ يَرْغَبْ فِيهَا لِعَمًى أَوْ زَمَانَةٍ (مَرَضٌ مُزْمِنٌ) أَنْفَقَ عَلَيْهَا بَيْتُ الْمَال (1) .
وَقَوْل الْحَنَابِلَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَقَوْل الشَّافِعِيَّةِ، فَقَدْ جَاءَ فِي الْكَافِي أَنَّ مَنْ مَلَكَ بَهِيمَةً لَزِمَهُ الْقِيَامُ بِعَلَفِهَا لِمَا رَوَى أَنَسٌ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا إِذْ هِيَ حَبَسَتْهَا، وَلاَ هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُل مِنْ خَشَاشِ الأَْرْضِ (2) . فَإِنِ امْتَنَعَ مِنَ الإِْنْفَاقِ عَلَيْهَا أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهَا، فَإِنْ أَبَى أُكْرِيَتْ وَأُنْفِقَ عَلَيْهَا، فَإِنْ أَمْكَنَ وَإِلاَّ بِيعَتْ، كَمَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ إِذَا أَعْسَرَ بِنَفَقَتِهَا (3) .
وَتَذْكُرُ كُتُبُ الْحَنَابِلَةِ أَيْضًا أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى مَالِكِ الدَّابَّةِ أَنْ يُحَمِّلَهَا مَا لاَ تُطِيقُ حَمْلَهُ؛ لأَِنَّ
__________
(1) روضة الطالبين 9 / 120 ط. المكتب الإسلامي، حاشية القليوبي 4 / 94 ط. الحلبي، نهاية المحتاج 7 / 229 - 231 - ط. المكتبة الإسلامية، الشرواني 8 / 370 - 374 ط. دار صادر، الجمل على المنهج 4 / 527 - 529 ط. التراث، المهذب 2 / 169 - 170ط. الحلبي.
(2) حديث: " عذبت امرأة في هرة. . . . " أخرجه البخاري (الفتح 6 / 515 - ط السلفية) ، ومسلم (4 / 2022 - ط الحلبي) واللفظ لمسلم.
(3) الكافي 3 / 390 ط. المكتب الإسلامي.

(22/297)


الشَّارِعَ مَنَعَ تَكْلِيفَ الإِْنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ مَا لاَ يُطِيقُ؛ وَلأَِنَّ فِيهِ تَعْذِيبًا لِلْحَيَوَانِ الَّذِي لَهُ حُرْمَةٌ فِي نَفْسِهِ وَإِضْرَارًا بِهِ. وَيَحْرُمُ أَنْ يَحْلُبَ مِنْ لَبَنِهَا مَا يَضُرُّ بِوَلَدِهَا؛ لأَِنَّ كِفَايَتَهُ وَاجِبَةٌ عَلَى مَالِكِهِ، وَسُنَّ لِلْحَالِبِ أَنْ يَقُصَّ أَظْفَارَهُ لِئَلاَّ يَجْرَحَ الضَّرْعَ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرُوهُ فِي هَذَا الْبَابِ (1) .
__________
(1) كشاف القناع 5 / 493 - 95 ط. النصر، الإنصاف 9 / 414 - 415 ط. التراث، القواعد لابن رجب 32 ق 23، ص 138 ق 75، المبدع 8 / 228 - 229 ط. المكتب الإسلامي، المغني 7 / 634 - 635 ط. الرياض.

(22/297)


رُفْقَةٌ

التَّعْرِيفُ:
1 - الرُّفْقَةُ فِي اللُّغَةِ: الصُّحْبَةُ، وَالرُّفْقَةُ أَيْضًا اسْمُ جَمْعٍ وَمُفْرَدُهُ رَفِيقٌ، وَالْجَمْعُ مِنْهُ رِفَاقٌ وَرُفَقَاءُ، وَهُمُ الْجَمَاعَةُ الَّتِي تُرَافِقُ الرَّجُل فِي السَّفَرِ (1) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ الشَّرْعِيِّ لاَ يَخْرُجُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الصَّحْبُ:
2 - الصَّحْبُ اسْمُ جَمْعٍ لِصَاحِبٍ، وَهُوَ مِنْ صَحِبَهُ أَصْحَبُهُ صُحْبَةً، وَالأَْصْل فِي هَذَا الإِْطْلاَقِ لِمَنْ حَصَل لَهُ رَوِيَّةٌ وَمُجَالَسَةٌ (2) .

ب - الرَّكْبُ:
3 - الرَّكْبُ فِي الأَْصْل: جَمَاعَةُ رُكْبَانِ الإِْبِل فِي السَّفَرِ، ثُمَّ اتُّسِعَ فِيهِ وَأُطْلِقَ عَلَى رُكْبَانِ أَيِّ وَسِيلَةٍ مِنْ وَسَائِل السَّفَرِ (3) .
__________
(1) تاج العروس.
(2) المصباح المنير.
(3) تاج العروس ولسان العرب والمصباح المنير.

(22/298)


ج - النَّفَرُ:
4 - النَّفَرُ وَالنَّفِيرُ فِي اللُّغَةِ: الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ. وَالْجَمْعُ أَنْفَارٌ. وَيُطْلَقُ عَلَى عَشِيرَةِ الرَّجُل وَقَوْمِهِ، قَال الْفَرَّاءُ: نَفَرُ الرَّجُل رَهْطُهُ (1) ".

د - الرَّهْطُ:
5 - الرَّهْطُ فِي اللُّغَةِ: قَوْمُ الرَّجُل وَعَشِيرَتُهُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ قَوْمِ شُعَيْبٍ: {وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ (2) } وَيُطْلَقُ عَلَى الْجَمَاعَةِ مِنَ الرِّجَال مِنْ ثَلاَثَةٍ إِلَى عَشَرَةٍ كَالنَّفَرِ (3) .

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
6 - يُسْتَحَبُّ لِمَنْ يُسَافِرُ أَنْ يُسَافِرَ مَعَ رُفْقَةٍ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُسَافِرَ الرَّجُل مُنْفَرِدًا، وَلاَ تُزَال الْكَرَاهَةُ إِلاَّ بِثَلاَثَةٍ (4) ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الْوِحْدَةِ مَا أَعْلَمُ مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ (5) وَلِخَبَرِ: الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ، وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ وَالثَّلاَثَةُ رَكْبٌ (6) فَيَنْبَغِي أَنْ يَسِيرَ مَعَ النَّاسِ
__________
(1) تاج العروس ولسان العرب والمصباح المنير.
(2) سورة هود / 19.
(3) لسان العرب والمصباح المنير وتاج العروس.
(4) المجموع 4 / 389.
(5) حديث: " لو يعلم الناس ما في الوحدة " أخرجه البخاري الفتح (6 / 138 - ط السلفية)
(6) حديث: " الراكب شيطان " أخرجه الترمذي (4 / 193 - ط الحلبي) . وقال: " حديث حسن ".

(22/298)


وَلاَ يَنْفَرِدَ بِطَرِيقٍ، وَلاَ يَرْكَبَ اثْنَانِ الطَّرِيقَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ الرُّفْقَةُ مِنْ أَهْل الصَّلاَحِ الَّذِينَ يُحِبُّونَ الْخَيْرَ وَيَكْرَهُونَ الشَّرَّ، يُذَكِّرُونَهُ إِنْ نَسِيَ، وَإِنْ ذَكَرَ أَعَانُوهُ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ الرُّفْقَةُ مِنَ الأَْصْدِقَاءِ وَالأَْقَارِبِ الْمَوْثُوقِينَ، لأَِنَّهُمْ أَعْوَنُ لَهُ فِي مُهِمَّاتِهِ، وَأَرْفَقُ بِهِ فِي أُمُورِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْرِصَ عَلَى إِرْضَاءِ رُفَقَائِهِ فِي جَمِيعِ طَرِيقِهِ، وَأَنْ يَحْتَمِل مَا يَصْدُرُ مِنْهُمْ مِنْ هَفَوَاتٍ، وَيَصْبِرَ عَلَى مَا يَقَعُ مِنْهُمْ فِي بَعْضِ الأَْوْقَاتِ (1) .
7 - وَيَنْبَغِي لِلرُّفْقَةِ أَنْ يُؤَمِّرُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَفْضَلَهُمْ، وَأَجْوَدَهُمْ رَأْيًا، وَأَنْ يُطِيعُوهُ، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالاَ: قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا خَرَجَ ثَلاَثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ (2) قَال النَّوَوِيُّ: يُسْتَحَبُّ لِلرُّفْقَةِ أَلاَّ يَشْتَرِكُوا فِي الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَالنَّفَقَةِ، لأَِنَّ تَرْكَ الْمُشَارَكَةِ أَسْلَمُ مِنْهُ، لأَِنَّهُ يَمْتَنِعُ بِسَبَبِهَا مِنَ التَّصَرُّفِ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ مِنَ الصَّدَاقَةِ، وَغَيْرِهَا، وَلَوْ أَذِنَ شَرِيكُهُ لَمْ يُوثَقْ بِاسْتِمْرَارِهِ، فَإِنْ شَارَكَ جَازَ، وَاسْتُحِبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى مَا دُونَ حَقِّهِ؛ وَلأَِنَّهُ رُبَّمَا أَفْضَى إِلَى النِّزَاعِ.
أَمَّا اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى طَعَامٍ يَوْمًا بِيَوْمٍ، أَوْ يَأْكُلُوا
__________
(1) المجموع 4 / 391.
(2) حديث: " إذا خرج ثلاثة في سفر " أخرجه أبو داود (3 / 81 - تحقيق عزت عبيد دعاس) وحسنه النووي في رياض الصالحين (ص 376 - ط المكتب الإسلامي) .

(22/299)


كُل يَوْمٍ عِنْدَ أَحَدِهِمْ تَنَاوُبًا فَحَسَنٌ (1) .
فَقَدْ رُوِيَ: أَنَّ أَصْحَابَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: يَا رَسُول اللَّهِ، إِنَّا نَأْكُل وَلاَ نَشْبَعُ، فَقَال عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: فَلَعَلَّكُمْ تَفْتَرِقُونَ، قَالُوا: نَعَمْ. قَال: فَاجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ يُبَارِكْ لَكُمْ فِيهِ (2) .

اشْتِرَاطُ وُجُودِ رُفْقَةٍ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ:
8 - يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ وُجُودُ رُفْقَةٍ يَخْرُجُ مَعَهُمْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي جَرَتْ عَادَةُ بَلَدِهِ بِالْخُرُوجِ فِيهِ، إِذَا كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا، وَأَنْ يَسِيرُوا السَّيْرَ الْمُعْتَادَ، فَإِنْ خَرَجُوا قَبْل الْوَقْتِ الْمُعْتَادِ، أَوْ أَخَّرُوا الْخُرُوجَ بِحَيْثُ لاَ يَصِلُونَ إِلَى مَكَّةَ إِلاَّ بِالسَّيْرِ بِأَكْثَرَ مِنْ مَرْحَلَةٍ فِي كُل يَوْمٍ، أَوْ كَانُوا يَسِيرُونَ فَوْقَ الْعَادَةِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَجُّ، أَمَّا إِنْ كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا بِحَيْثُ لاَ يَخَافُ الْوَاحِدُ فِيهِ لَزِمَهُ الْحَجُّ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ رُفْقَةً وَلاَ غَيْرَهُ لِلْوَحْشَةِ. وَالتَّفْصِيل فِي (حَجّ) .
هَذَا فِي حَقِّ الرَّجُل.
9 - أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلاَ يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَجُّ وَلاَ يَجُوزُ لَهَا
__________
(1) كشاف القناع 2 / 387، المجموع للنووي 4 / 386، وانظر القوانين الفقهية ص 290
(2) حديث: " فلعلكم تفترقون. . . . " أخرجه أبو داود (4 / 138 - تحقيق عزت عبيد دعاس) ، وأعله ابن حجر كما في فيض القدير للمناوي (1 / 152 - ط. المكتبة التجارية) .

(22/299)


السَّفَرُ إِلاَّ مَعَ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ، لِحَدِيثِ لاَ تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلاَ يُدْخَل عَلَيْهَا إِلاَّ وَمَعَهَا مَحْرَمٌ (1) .
وَحَدِيثِ لاَ يَحِل لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا حُرْمَةٌ (2) .
وَهَذَا مَحَل اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ لاَ تَخْرُجُ إِلاَّ مَعَ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ تَخْرُجُ مَعَ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ أَوْ جَمَاعَةٍ مِنَ النِّسَاءِ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا لَمْ تَجِدِ الْمَرْأَةُ مَحْرَمًا وَلاَ زَوْجًا تَخْرُجُ مَعَهُ، أَوِ امْتَنَعَا مِنَ الْخُرُوجِ مَعَهَا جَازَ أَنْ تَخْرُجَ لِلسَّفَرِ الْوَاجِبِ مَعَ رُفْقَةٍ مَأْمُونَةٍ، وَقَالُوا: وَالرُّفْقَةُ الْمَأْمُونَةُ رِجَالٌ صَالِحُونَ، أَوْ نِسَاءٌ صَالِحَاتٌ، وَأَوْلَى إِنِ اجْتَمَعَا. وَقَال صَاحِبُ مَوَاهِبِ الْجَلِيل: قَال مَالِكٌ: إِذَا أَرَادَتِ الْمَرْأَةُ الْحَجَّ وَلَيْسَ لَهَا وَلِيٌّ فَلْتَخْرُجْ مَعَ مَنْ تَثِقُ بِهِ مِنَ الرِّجَال وَالنِّسَاءِ، فَإِنْ كَانَ وَلِيٌّ فَأَبَى أَنْ يَحُجَّ مَعَهَا فَلاَ أَرَى بَأْسًا أَنْ تَخْرُجَ مَعَ مَنْ ذَكَرْتُ لَكَ. وَقَال
__________
(1) حديث: " لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها إلا ومعها محرم " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 72 - ط السلفية) من حديث ابن عباس.
(2) حديث: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة " أخرجه البخاري (الفتح 2 / 566 - ط السلفية) من حديث أبي هريرة، ومسلم (2 / 977 - ط الحلبي) .

(22/300)


أَيْضًا: وَتَخْرُجُ الْمَرْأَةُ مَعَ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ ".
أَمَّا سَفَرُ التَّطَوُّعِ وَالْمُبَاحِ فَلاَ يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ فِيهِ إِلاَّ مَعَ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ. وَقَيَّدَ الْبَاجِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ الْمَنْعَ بِالْعَدَدِ الْقَلِيل مِنَ الرُّفْقَةِ. أَمَّا الْقَوَافِل الْعَظِيمَةُ فَهِيَ كَالْبِلاَدِ فَيَجُوزُ فِيهَا سَفَرُهَا، دُونَ نِسَاءٍ أَوْ مَحَارِمَ (1) .
وَالتَّفْصِيل فِي (حَجّ) .

الرُّفْقَةُ فِي السَّفَرِ بِمَنْزِلَةِ الأَْهْل فِي الْحَضَرِ:
10 - يَجِبُ عَلَى الرُّفْقَةِ فِي سَفَرٍ دَفْنُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَتَجْهِيزُهُ، فَإِنْ لَمْ يَدْفِنُوهُ أَثِمُوا، وَلِلْحَاكِمِ تَعْزِيرُهُمْ (2) .
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرُّفْقَةِ فِي السَّفَرِ الشِّرَاءُ لِلْمَرِيضِ مِنْ مَالِهِ إِذَا احْتَاجَ إِلَى ذَلِكَ، كَمَا يَجُوزُ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَشْتَرُوا مِنْ مَالِهِ؛ لأَِنَّ الرُّفْقَةَ فِي السَّفَرِ بِمَنْزِلَةِ الأَْهْل فِي الْحَضَرِ.

بَيْعُ الرُّفْقَةِ مَتَاعَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ.
11 - قَال الْحَنَفِيَّةُ: لِلرُّفْقَةِ بَيْعُ مَتَاعِ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ، وَمَرْكَبِهِ، وَحَمْلُهُ إِلَى وَرَثَتِهِ بَعْدَ مُؤْنَةِ التَّجْهِيزِ، وَلاَ يَجُوزُ ذَلِكَ لأَِجْنَبِيٍّ؛ لأَِنَّ الرَّفِيقَ مَأْذُونٌ لَهُ فِي ذَلِكَ دَلاَلَةً، كَمَا يَجُوزُ لَهُ الإِْحْرَامُ عَنْهُ
__________
(1) مواهب الجليل 2 / 521 وما بعده، حاشية العدوي 1 / 455، والقوانين الفقهية ص 290
(2) روضة الطالبين 2 / 143.

(22/300)


إِذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ، وَكَذَا إِنْفَاقُهُ عَلَيْهِ، جَاءَ فِي حَاشِيَةِ ابْنِ عَابِدِينَ: وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي سَفَرٍ لَهُ: مَاتَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَبَاعَ كُتُبَهُ، وَأَمْتِعَتَهُ، فَقِيل لَهُ: كَيْفَ تَفْعَل ذَلِكَ وَلَسْتَ بِقَاضٍ؟ فَقَال: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ (1) } وَلأَِنَّهُ لَوْ حَمَل أَمْتِعَتَهُ إِلَى أَهْلِهِ لاَحْتَاجَ إِلَى نَفَقَةٍ رُبَّمَا تَسْتَغْرِقُ الْمَتَاعَ (2) .

شَهَادَةُ الرُّفْقَةِ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ:
12 - يَثْبُتُ قَطْعُ الطَّرِيقِ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ مِنَ الرُّفْقَةِ بِشَرْطِ: أَلاَّ يَتَعَرَّضَا لأَِنْفُسِهِمَا، وَلَيْسَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَبْحَثَ عَنْهُمَا هَل هُمَا مِنَ الرُّفْقَةِ أَمْ لاَ، فَإِنْ بَحَثَ فَلَهُمَا أَلاَّ يُجِيبَا، وَإِنْ تَعَرَّضَا لأَِنْفُسِهَا بِأَنْ قَالاَ: قَطَعَ عَلَيْنَا هَؤُلاَءِ الطَّرِيقَ فَأَخَذُوا مَالَنَا وَمَال رُفْقَتِنَا لَمْ تُقْبَل شَهَادَتُهُمَا، لأَِنَّهُمَا صَارَا عَدُوَّيْنِ (3) . (ر: شَهَادَة) .

سُؤَال الْمُسَافِرِ رُفْقَتَهُ عَنِ الْمَاءِ:
13 - يَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ إِنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً لِلْوُضُوءِ أَنْ يَسْأَل رُفْقَتَهُ عَنِ الْمَاءِ، وَأَنْ يَسْتَوْعِبَهُمْ بِالسُّؤَال، بِأَنْ يُنَادِيَ فِيهِمْ: مَنْ مَعَهُ مَاءٌ؟ فَإِنْ تَيَمَّمَ قَبْل سُؤَال الرُّفْقَةِ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ. وَالتَّفْصِيل فِي: (تَيَمُّم) .
__________
(1) سورة البقرة / 230.
(2) ابن عابدين 3 / 323، 5 / 127.
(3) روضة الطالبين 10 / 167.

(22/301)


جَوَازُ السَّفَرِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ خَشْيَةَ فَوَاتِ الرُّفْقَةِ:
14 - يَجُوزُ لِمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ أَنْ يُسَافِرَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَبْل صَلاَةِ الْجُمُعَةِ إِذَا كَانَ يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ بِتَخَلُّفِهِ عَنِ الرُّفْقَةِ (ر: صَلاَةُ الْجُمُعَةِ) .

(22/301)


رُقى
انْظُرْ: رُقْيَة

(23/5)


رُقْبَى
التَّعْرِيفُ:
1 - الرُّقْبَى فِي اللُّغَةِ: مِنَ الْمُرَاقَبَةِ. يُقَال: رَقَبْتُهُ، وَأَرْقَبْتُهُ، وَارْتَقَبْتُهُ: انْتَظَرْتُهُ. وَأَنْ يَقُول الرَّجُل: أَرْقَبْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ، أَوْ هِيَ لَكَ رُقْبَى مُدَّةَ حَيَاتِكَ عَلَى أَنَّكَ إِنْ مِتَّ قَبْلِي عَادَتْ إِلَيَّ، وَإِنْ مِتُّ قَبْلَكَ فَهِيَ لَكَ وَلِعَقِبِكَ.
وَسُمِّيَتِ الرُّقْبَى لأَِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَرْقُبُ مَوْتَ صَاحِبِهِ. وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: هِيَ أَنْ يَقُول الرَّجُل لِلآْخَرِ: إِنْ مِتَّ قَبْلِي فَدَارُكَ لِي، وَإِنْ مِتُّ قَبْلَكَ فَدَارِي لَكَ (1) .

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْعُمْرَى:
2 - الْعُمْرَى - وَهِيَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْمِيمِ مَعَ الْقَصْرِ - مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْعُمُرِ، وَهُوَ الْحَيَاةُ، وَمَعْنَاهَا: أَنْ يَقُول الرَّجُل: أَعْمَرْتُكَ دَارِي هَذِهِ أَوْ
__________
(1) المصباح المنير، الصحاح، نيل الأوطار2 / 119، المغني 5 / 686، الهداية 3 / 230، نهاية المحتاج 5 / 410، الوجيز 1 / 249، والقوانين الفقهية ص 377.

(23/5)


هِيَ لَكَ عُمْرَى مُدَّةَ حَيَاتِكَ، فَإِذَا مِتَّ فَهِيَ لِعَقِبِكَ.

ب - الْهِبَةُ وَالإِْعَارَةُ وَالْمَنِيحَةُ:
3 - الْهِبَةُ: تَمْلِيكُ الْعَيْنِ بِلاَ عِوَضٍ. وَالْعَارِيَّةُ: تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِلاَ عِوَضٍ. وَالْمَنِيحَةُ: الشَّاةُ أَوِ النَّاقَةُ يُعْطِيهَا صَاحِبُهَا رَجُلاً لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا ثُمَّ يَرُدَّهَا إِذَا انْقَطَعَ اللَّبَنُ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
4 - الرُّقْبَى نَوْعٌ مِنَ الْهِبَةِ، كَانَ الْعَرَبُ يَتَعَامَلُونَ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَكَانَ الرَّجُل مِنْهُمْ يَقُول لِلرَّجُل: أَرْقَبْتُكَ دَارِي أَوْ أَرْضِي فِي حَيَاتِكَ، فَإِذَا مِتَّ قَبْلِي رَجَعَتْ إِلَيَّ، وَإِنْ مِتُّ قَبْلَكَ اسْتَقَرَّتْ لَكَ. وَسُمِّيَتْ رُقْبَى: لأَِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَرْقُبُ الآْخَرَ مَتَى يَمُوتُ لِتَرْجِعَ إِلَيْهِ (1) .
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِهَا، فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّهَا جَائِزَةٌ، وَهِيَ لِمَنْ أُرْقِبَهَا، وَلاَ تَرْجِعُ إِلَى الْمُرْقِبِ، وَيَلْغُو الشَّرْطُ، وَاسْتَدَلُّوا بِخَبَرِ: مَنْ أَعْمَرَ شَيْئًا فَهُوَ لِمُعْمَرِهِ مَحْيَاهُ وَمَمَاتَهُ، وَلاَ تَرْقُبُوا، فَمَنْ أَرْقَبَ شَيْئًا فَهُوَ سَبِيلُهُ (2) . وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: الرُّقْبَى جَائِزَةٌ (3) وَفِي رِوَايَةٍ الْعُمْرَى
__________
(1) المصادر السابقة.
(2) حديث: " من أعمر شيئًا فهو لمعمره محياه. . . " أخرجه أبو داود (3 / 821 - تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث زيد بن ثابت وإسناده حسن لغيره يشهد له ما بعده.
(3) حديث: " الرقبى جائزة ". أخرجه النسائي (6 / 269 - ط المكتبة التجارية) من حديث زيد بن ثابت، وإسناده صحيح.

(23/6)


جَائِزَةٌ لأَِهْلِهَا وَالرُّقْبَى جَائِزَةٌ لأَِهْلِهَا (1) ، وَقَالُوا: فَهَذِهِ نُصُوصٌ تَدُل عَلَى مِلْكِ الْمُعْمَرِ وَالْمُرْقَبِ (بِالْفَتْحِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا) وَبُطْلاَنِ شَرْطِ الْعَوْدِ إِلَى الْمُرْقِبِ (2) .
وَقَال أَبُو يُوسُفَ: قَوْل الْمُرْقِبِ: دَارِي لَكَ، تَمْلِيكٌ، وَقَوْلُهُ: رُقْبَى شَرْطٌ فَاسِدٌ فَيَلْغُو.
وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: إِنَّ الرُّقْبَى بَاطِلَةٌ؛ لأَِنَّ مَعْنَى الرُّقْبَى: إِنْ مِتُّ قَبْلَكَ فَهُوَ لَكَ وَإِنْ مِتَّ قَبْلِي رَجَعَتْ إِلَيَّ، وَهَذَا تَعْلِيقُ التَّمْلِيكِ بِالْخَطَرِ (أَيِ الأَْمْرُ الْمُتَرَدِّدُ بَيْنَ الْوُقُوعِ وَعَدَمِهِ) فَيَبْطُل.
وَلِخَبَرِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَجَازَ الْعُمْرَى وَرَدَّ الرُّقْبَى (3) وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ الرُّقْبَى تَكُونُ الْعَيْنُ عَارِيَّةً؛ لأَِنَّهُ يَتَضَمَّنُ إِطْلاَقَ الاِنْتِفَاعِ بِهِ (4) .
__________
(1) حديث: " العمرى جائزة لأهلها، والرقبى جائزة لأهلها ". أخرجه الترمذي (3 / 625 - ط الحلبي) وقال: " حديث حسن ".
(2) المغني 5 / 686، نهاية المحتاج 5 / 410، الوجيز 1 / 249، كشاف القناع 4 / 308، نيل الأوطار 2 / 119.
(3) خبر أن النبي صلى الله عليه وسلم " أجاز العمرى ورد الرقبى ". قال الزيلعي في نصب الراية (4 / 128 - ط المجلس العلمي) : " غريب " يعني أنه لا أصل له، وتعقبه ابن قطلوبغا فقال: " رواه الإمام محمد بن الحسن بهذا اللفظ ". كذا في منية الألمعي (ص63 - ط المجلس العلمي) .
(4) الهداية 3 / 230، رد المحتار على الدر المختار 4 / 520، الزرقاني 7 / 104.

(23/6)


رَقَبَة

التَّعْرِيفُ:
1 - الرَّقَبَةُ فِي اللُّغَةِ: الْعُنُقُ، وَقِيل: أَعْلاَهُ، وَقِيل: مُؤَخَّرُ أَصْل الْعُنُقِ.
وَالْجَمْعُ رَقَبٌ، وَرِقَابٌ، وَرَقَبَاتٌ، وَأَرْقُبٌ، وَهِيَ فِي الأَْصْل اسْمٌ لِلْعُضْوِ الْمَعْرُوفِ، فَجُعِلَتْ كِنَايَةً عَنْ جَمِيعِ ذَاتِ الإِْنْسَانِ تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِبَعْضِهِ، أَوْ إِطْلاَقًا لِلْجُزْءِ وَإِرَادَةَ الْكُل، وَسُمِّيَتِ الْجُمْلَةُ بِاسْمِ الْعُضْوِ لِشَرَفِهَا، وَالرَّقَبَةُ: الْمَمْلُوكُ، وَأَعْتَقَ رَقَبَةً أَيْ نَسَمَةً، وَفَكَّ رَقَبَةً أَيْ أَطْلَقَ أَسِيرًا.
وَيُقَال: أَعْتَقَ اللَّهُ رَقَبَتَهُ، وَلاَ يُقَال: أَعْتَقَ اللَّهُ عُنُقَهُ.
وَجُعِلَتِ الرَّقَبَةُ اسْمًا لِلْمَمْلُوكِ، كَمَا عَبَّرَ بِالظَّهْرِ عَنِ الْمَرْكُوبِ.
وَسُمِّيَ الْحَافِظُ: الرَّقِيبَ، وَذَلِكَ إِمَّا لِمُرَاعَاتِهِ رَقَبَةَ الْمَحْفُوظِ، وَإِمَّا لِرَفْعِهِ رَقَبَتَهُ (1) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ لاَ تَخْرُجُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ
__________
(1) لسان العرب، والمصباح المنير، وغريب القرآن للأصفهاني مادة: (رقب) .

(23/7)


الأَْحْكَامُ الإِْجْمَالِيَّةُ:
أ - مَسْحُ الرَّقَبَةِ فِي الْوُضُوءِ:
2 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى اسْتِحْبَابِ مَسْحِ الرَّقَبَةِ بِظَهْرِ يَدَيْهِ لاَ الْحُلْقُومِ إِذْ لَمْ يَرِدْ بِذَلِكَ سُنَّةٌ عِنْدَ الْوُضُوءِ.
وَهُنَاكَ قَوْلٌ لَدَى الْحَنَفِيَّةِ: بِأَنَّ مَسْحَ الرَّقَبَةِ سُنَّةٌ، وَلَيْسَ مُسْتَحَبًّا فَقَطْ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى كَرَاهَةِ مَسْحِ الرَّقَبَةِ فِي الْوُضُوءِ، لِعَدَمِ وُرُودِ ذَلِكَ فِي وُضُوئِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَلأَِنَّ هَذَا مِنَ الْغُلُوِّ فِي الدِّينِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُسْتَحَبُّ مَسْحُ الرَّقَبَةِ أَوِ الْعُنُقِ فِي الْوُضُوءِ، لِعَدَمِ ثُبُوتِ ذَلِكَ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ إِطَالَةُ الْغُرَّةِ بِغَسْلٍ زَائِدٍ عَلَى الْوَاجِبِ مِنَ الْوَجْهِ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِ، وَغَايَتُهَا غَسْل صَفْحَةِ الْعُنُقِ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الرَّأْسِ، لِحَدِيثِ: إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيل غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَل (1)
ب - إِضَافَةُ الطَّلاَقِ إِلَى الرَّقَبَةِ.
3 - أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ إِذَا أَضَافَ
__________
(1) حديث: " إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين. . " أخرجه البخاري (الفتح 1 / 235 - ط السلفية) ، ومسلم (1 / 216 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة. وانظر حاشية ابن عابدين 1 / 84، مغني المحتاج 1 / 61، جواهر الإكليل 1 / 16، الخرشي على مختصر سيدي خليل 1 / 140، كشاف القناع 1 / 100.

(23/7)


الطَّلاَقَ إِلَى رَقَبَةِ زَوْجَتِهِ أَوْ عُنُقِهَا، كَأَنْ يَقُول: طَلَّقْتُ رَقَبَتَهَا أَوْ عُنُقَهَا، أَوْ خَاطَبَهَا بِطَلَّقْتُ رَقَبَتَكِ أَوْ عُنُقَكِ، فَإِنَّ الطَّلاَقَ يَقَعُ؛ لأَِنَّهَا جُزْءٌ يُسْتَبَاحُ بِنِكَاحِهَا فَتُطَلَّقُ بِهِ (1) .

ج - إِضَافَةُ الظِّهَارِ إِلَى الرَّقَبَةِ:
4 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْمُظَاهِرَ لَوْ شَبَّهَ رَقَبَةَ زَوْجَتِهِ أَوْ عُنُقَهَا بِظَهْرِ أُمِّهِ فَهُوَ مُظَاهِرٌ.
وَذَهَبَ فُقَهَاءُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَوْ شَبَّهَ عُضْوًا مِنْ زَوْجَتِهِ بِرَقَبَةِ أُمِّهِ أَوْ عُنُقِهَا فَهُوَ مُظَاهِرٌ كَذَلِكَ.
وَذَهَبَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمُظَاهِرٍ حَتَّى يُشَبِّهَ جُمْلَةَ امْرَأَتِهِ؛ لأَِنَّهُ لَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ لاَ يَمَسُّ عُضْوًا مِنْهَا لَمْ يَسْرِ إِلَى غَيْرِهِ مِنَ الأَْعْضَاءِ، فَكَذَلِكَ الْمُظَاهِرُ (2) .
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ لَوْ شَبَّهَهَا بِرَقَبَةِ الأُْمِّ أَوْ عُنُقِهَا لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا؛ لأَِنَّهُ شَبَّهَهَا بِعُضْوٍ مِنَ الأُْمِّ لاَ يَحْرُمُ النَّظَرُ إِلَيْهِ، وَيَكُونُ مُظَاهِرًا عِنْدَهُمْ إِذَا شَبَّهَهَا بِعُضْوٍ يَحْرُمُ النَّظَرُ إِلَيْهِ مِنَ الأُْمِّ كَالْفَرْجِ وَالْفَخِذِ وَالْبَطْنِ وَنَحْوِهَا.
__________
(1) حاشية ابن عابدين 2 / 435، تحفة المحتاج 7 / 38، مغني المحتاج 3 / 290، المغني لابن قدامة 7 / 242، جواهر الإكليل 1 / 350، الخرشي على مختصر خليل 4 / 53.
(2) حاشية ابن عابدين 2 / 574، الخرشي 4 / 102، مغني المحتاج 3 / 352، المغني لابن قدامة 7 / 346، كشاف القناع 5 / 369.

(23/8)


الرَّقَبَةُ بِمَعْنَى الإِْنْسَانِ الْمَمْلُوكِ:
5 - تَرِدُ الرَّقَبَةُ بِمَعْنَى الإِْنْسَانِ الْمَمْلُوكِ فِي أَبْوَابِ الْعِتْقِ، وَالْمُكَاتَبَةِ، وَالْكَفَّارَاتِ، وَعَدَّدَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ شُرُوطًا لِلرَّقَبَةِ الَّتِي تَعْتِقُ مِنْ أَجْل كَفَّارَةِ إِفْسَادِ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ، وَكَذَلِكَ الظِّهَارِ، وَالْقَتْل، وَالْيَمِينِ، وَالنَّذْرِ مِنْهَا (1) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي الأَْبْوَابِ الْمَذْكُورَةِ وَفِي مُصْطَلَحِ: (رِقّ) .
__________
(1) حاشية ابن عابدين 2 / 578، مغني المحتاج 3 / 362، 4 / 107، القوانين الفقهية ص128، 248، حاشية العدوي 2 / 96، المغني لابن قدامة 7 / 359.

(23/8)