الموسوعة الفقهية الكويتية

لُؤْلُؤٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - اللؤلؤ مَعْرُوفٌ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ جَمْعُ لُؤْلُؤَةٍ، وَهِيَ الدُّرَّةُ، وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى لآَلِئُ. وَيُقَال تَلأَْلأََ النَّجْمُ وَالْقَمَرُ وَالنَّارُ وَالْبَرْقُ:. أَضَاءَ وَلَمَعَ. وَفِي الْمُعْجَمِ الْوَسِيطِ: يَتَكَوَّنُ اللُّؤْلُؤُ فِي الأَْصْدَافِ مِنْ رَوَاسِبَ أَوْ جَوَامِدَ صُلْبَةٍ لَمَّاعَةٍ مُسْتَدِيرَةٍ فِي بَعْضِ الْحَيَوَانَاتِ الْمَائِيَّةِ الدَّنِيَّا مِنَ الرِّخْوِيَّاتِ (1) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
يَتَعَلَّقُ بِاللُّؤْلُؤِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:

أ - زَكَاةُ اللُّؤْلُؤِ
2 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لاَ زَكَاةَ فِي لُؤْلُؤٍ وَسَائِرِ الْجَوَاهِرِ - وَإِنْ سَاوَتْ أُلُوفًا كَمَا يَقُول الْحَنَفِيَّةُ - لأَِنَّهَا مُعَدَّةٌ لِلاِسْتِعْمَال
__________
(1) لسان العرب، والمعجم الوسيط.

(35/182)


فَأَشْبَهَتِ الْمَاشِيَةَ الْعَامِلَةَ، إِلاَّ أَنْ تَكُونَ لِلتِّجَارَةِ فَيَجِبُ فِيهَا مَا يَجِبُ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ. وَقَال النَّوَوِيُّ: لاَ زَكَاةَ فِيمَا سِوَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مِنَ الْجَوَاهِرِ كَالْيَاقُوتِ وَالْفَيْرُوزَجِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ وَالزُّمُرُّدِ وَالزَّبَرْجَدِ. وَإِنْ حَسُنَتْ صَنْعَتُهَا وَكَثُرَتْ قِيمَتُهَا. وَقَال الزُّهْرِيُّ: يَجِبُ الْخُمُسُ فِي اللُّؤْلُؤِ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ: أَنَّ فِيهِ الزَّكَاةَ، لأَِنَّهُ خَارِجٌ عَنْ مَعْدِنٍ، فَأَشْبَهَ الْخَارِجَ عَنْ مَعْدِنِ الأَْرْضِ. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لاَ شَيْءَ فِيهِ، لأَِنَّهُ صَيْدٌ فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ زَكَاةٌ كَصَيْدِ الْبَرِّ، وَلأَِنَّهُ لاَ نَصَّ وَلاَ إِجْمَاعَ عَلَى الْوُجُوبِ فِيهِ، وَلاَ يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى مَا فِيهِ الزَّكَاةُ، فَلاَ وَجْهَ لإِِيجَابِهَا فِيهِ (1) .
وَالتَّفْصِيل فِي (زَكَاةٌ ف) .

ب - رَمْيُ الْجِمَارِ بِاللُّؤْلُؤِ
3 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُ اللُّؤْلُؤُ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ، لاِشْتِرَاطِ كَوْنِ الْمَرْمِيِّ مِنْ أَجْزَاءِ الأَْرْضِ، وَكَوْنِ الْمَرْمِيِّ حَجَرًا، وَلأَِنَّ رَمْيَ الْجِمَارِ بِاللُّؤْلُؤِ فِيهِ إِعْزَازٌ لاَ إِهَانَةَ كَمَا يَقُول الْحَنَفِيَّةُ (2) .
__________
(1) حاشية ابن عابدين 2 / 14، وحاشية الدسوقي 1 / 461، ومغني المحتاج 1 / 394، والمجموع للنووي 6 / 6، وكشاف القناع 2 / 235، والمغني لابن قدامة 3 / 27 - 28.
(2) حاشية ابن عابدين 2 / 180، والقليوبي وعميرة 2 / 121، وحاشية الدسوقي والشرح الكبير 2 / 50، وكشاف القناع 2 / 501، ومطالب أولي النهى 2 / 420.

(35/183)


ج - السَّلَمُ فِي اللُّؤْلُؤِ:
4 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ السَّلَمُ فِيمَا لَوِ اسْتَقْصَى وَصْفَهُ - الَّذِي لاَ بُدَّ مِنْهُ فِي السَّلَمِ - عَزَّ وُجُودُهُ كَاللُّؤْلُؤِ الْكِبَارِ وَالْيَوَاقِيتِ، لأَِنَّهُ لاَ بُدَّ فِيهَا مِنَ التَّعَرُّضِ لِلْحَجْمِ وَالشَّكْل وَالْوَزْنِ وَالصَّفَاءِ، وَاجْتِمَاعُ مَا يُذْكَرُ فِيهَا مِنْ هَذِهِ الأَْوْصَافِ نَادِرٌ، أَمَّا اللُّؤْلُؤُ الصِّغَارُ فَيَصِحُّ السَّلَمُ فِيهَا كَيْلاً وَوَزْنًا، وَلاَ نَظَرَ لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ فِيهَا. وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى جَوَازِ السَّلَمِ فِي اللُّؤْلُؤِ إِلاَّ أَنْ يَنْدُرَ وُجُودُهُ لِكَوْنِهِ كَبِيرًا كِبَرًا خَارِجًا عَنِ الْمُعْتَادِ فَلاَ يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ. وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ صِحَّةِ السَّلَمِ فِي اللُّؤْلُؤِ مُطْلَقًا، لأَِنَّهُ لاَ يَنْضَبِطُ كَالْجَوَاهِرِ كُلِّهَا، لأَِنَّهُ يَخْتَلِفُ اخْتِلاَفًا مُتَبَايِنًا بِالْكِبَرِ وَالصِّغَرِ وَالْحُسْنِ وَالتَّدْوِيرِ وَزِيَادَةِ ضَوْئِهَا (1) .

د - اللُّؤْلُؤُ فِي بَطْنِ السَّمَكَةِ الْمَبِيعَةِ:
5 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ اللُّؤْلُؤِ فِي بَطْنِ السَّمَكَةِ الْمَبِيعَةِ فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لَوِ اشْتَرَى سَمَكَةً فَوَجَدَ فِي بَطْنِهَا لُؤْلُؤَةً فَإِنْ كَانَتْ فِي الصَّدَفِ تَكُونُ
__________
(1) حاشية ابن عابدين على الدر المختار 4 / 205، وحاشية الدسوقي 3 / 215، والقليوبي وعميرة 2 / 252، وكشاف القناع 3 / 291.

(35/183)


لِلْمُشْتَرِي، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي الصَّدَفِ، فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ اصْطَادَ السَّمَكَةَ يَرُدُّهَا الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ، وَتَكُونُ عِنْدَ الْبَائِعِ بِمَنْزِلَةِ اللُّقَطَةِ يُعَرِّفُهَا حَوْلاً ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهَا، وَلَوْ وَجَدَ لُؤْلُؤَةً فِي بَطْنِ السَّمَكَةِ الَّتِي فِي بَطْنِ السَّمَكَةِ فَهِيَ لِلْبَائِعِ، وَلَوْ وَجَدَ فِي بَطْنِهَا صَدَفًا فِيهِ لَحْمٌ وَفِي اللَّحْمِ لُؤْلُؤَةٌ كَمَا تَكُونُ اللُّؤْلُؤُ فِي الأَْصْدَافِ فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي، وَكَذَا لَوِ اشْتَرَى أَصْدَافًا لِيَأْكُل مَا فِيهَا مِنَ اللَّحْمِ فَوَجَدَ فِي بَعْضِهَا لُؤْلُؤَةً فِي اللَّحْمِ فَهِيَ لَهُ.
قَالُوا: وَلَوِ اشْتَرَى دَجَاجَةً فَوَجَدَ فِيهَا لُؤْلُؤَةً فَهِيَ لِلْبَائِعِ (1) .
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوِ اشْتَرَى سَمَكَةً فَوَجَدَ فِي بَطْنِهَا لُؤْلُؤَةً، فَإِنْ كَانَتْ مَثْقُوبَةً فَلُقَطَةٌ مَوْضِعُهَا بَيْتُ الْمَال، وَإِلاَّ فَقِيل لِلْبَائِعِ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَقِيل لِلْمُشْتَرِي (2) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لاَ تَدْخُل فِي الْبَيْعِ لُؤْلُؤَةٌ وُجِدَتْ فِي بَطْنِ سَمَكَةٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، بَل هِيَ لِلصَّيَّادِ إِلاَّ إِنْ كَانَ فِيهَا أَثَرُ مِلْكٍ كَثُقْبٍ وَلَمْ يَدَّعِهَا فَتَكُونُ لُقَطَةً لَهُ، لأَِنَّ يَدَ الْمُشْتَرِي مَبْنِيَّةٌ عَلَى يَدِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ إِنْ صَادَهَا فِي بَحْرِ الْجَوَاهِرِ وَإِلاَّ فَهِيَ لُقَطَةٌ مُطْلَقًا (3) .
وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ إِنِ اصْطَادَ سَمَكَةً
__________
(1) الفتاوى الهندية 3 / 38.
(2) شرح الزرقاني على خليل 5 / 182.
(3) حاشية الجمل على شرح المنهج 3 / 195.

(35/184)


فِي الْبَحْرِ فَوَجَدَ فِي بَطْنِهَا دُرَّةٌ غَيْرَ مَثْقُوبَةٍ فَهِيَ لِلصَّائِدِ، لأَِنَّ الظَّاهِرَ ابْتِلاَعُهَا مِنْ مَعْدِنِهَا لأَِنَّ الدُّرَّ يَكُونُ فِي الْبَحْرِ، قَال تَعَالَى: {وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} (1) ؛ وَإِنْ بَاعَ الصَّائِدُ السَّمَكَةَ غَيْرَ عَالِمٍ بِالدُّرَّةِ لَمْ يَزَل مِلْكُهُ عَنْهَا فَتُرَدُّ إِلَيْهِ، لأَِنَّهُ إِذَا عَلِمَ مَا فِي بَطْنِهَا لَمْ يَبِعْهُ وَلَمْ يَرْضَ بِزَوَال مِلْكِهِ عَنْهُ فَلَمْ يَدْخُل فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَتِ الدُّرَّةُ مَثْقُوبَةً أَوْ مُتَّصِلَةً بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَلُقَطَةٌ لاَ يَمْلِكُهَا الصَّيَّادُ بَل يُعَرِّفُهَا، وَكَذَا لَوْ وَجَدَهَا فِي عَيْنٍ أَوْ نَهْرٍ - وَلَوْ كَانَ النَّهْرُ مُتَّصِلاً بِالْبَحْرِ - فَلُقَطَةٌ، عَلَى الصَّيَّادِ تَعْرِيفُهَا.
وَمِثْلُهُ لَوِ اصْطَادَ السَّمَكَةَ مِنْ عَيْنٍ أَوْ نَهْرٍ غَيْرِ مُتَّصِلٍ بِالْبَحْرِ فَكَالشَّاةِ فِي أَنَّ مَا وُجِدَ فِي بَطْنِهَا مِنْ دُرَّةٍ مَثْقُوبَةٍ لُقَطَةٌ، لأَِنَّ الْعَيْنَ وَالنَّهْرَ غَيْرَ الْمُتَّصِل لَيْسَ مَعْدِنًا لِلدُّرِّ، فَإِنْ كَانَ النَّهْرُ مُتَّصِلاً بِالْبَحْرِ وَكَانَتِ الدُّرَّةُ غَيْرَ مَثْقُوبَةٍ فَهِيَ لِلصَّيَّادِ (2) .

هـ - لُبْسُ اللُّؤْلُؤِ لِلرِّجَال:
6 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ لُبْسِ اللُّؤْلُؤِ لِلرِّجَال. فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ إِلَى حُرْمَةِ لُبْسِ اللُّؤْلُؤِ لِلرِّجَال لِكَوْنِهِ مِنْ حُلِيِّ النِّسَاءِ فَفِي
__________
(1) سورة النحل / 14.
(2) كشاف القناع 4 / 222 - 223

(35/184)


لُبْسِهِ تَشَبُّهٌ بِهِنَّ (1) . وَنَقَل الرَّمْلِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ كَرَاهَةَ لُبْسِ اللُّؤْلُؤِ لِلرِّجَال، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ مِنْ زِيِّ النِّسَاءِ (2) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُبَاحُ لِلرَّجُل أَنْ يَتَحَلَّى بِاللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْجَوَاهِرِ (3) .
__________
(1) حاشية ابن عابدين على الدر المختار 5 / 269 - 270.
(2) نهاية المحتاج 2 / 361.
(3) كشاف القناع 2 / 239، والآداب الشرعية لابن مفلح 3 / 511

(35/185)


لاَحِقٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - اللاحق فِي اللُّغَةِ: اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ لَحِقَ، يُقَال: لَحِقْتُ بِهِ أَلْحَقُ لَحَاقًا: أَدْرَكْتُهُ، وَأَلْحَقْتُ زَيْدًا بِعَمْرٍو: أَتْبَعْتُهُ إِيَّاهُ (1) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: عَرَّفَهُ الْحَنَفِيَّةُ - وَهُوَ اصْطِلاَحٌ خَاصٌّ بِهِمْ - بِأَنَّهُ مَنْ فَاتَتْهُ الرَّكَعَاتُ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا بَعْدَ اقْتِدَائِهِ بِعُذْرٍ، كَغَفْلَةٍ وَزَحْمَةٍ وَسَبْقِ حَدَثٍ وَنَحْوِهَا، أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ بِأَنْ سَبَقَ إِمَامَهُ فِي رُكُوعٍ وَسُجُودٍ (2) . وَعَرَّفَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَدْرَكَ أَوَّل الصَّلاَةِ وَفَاتَهُ مِنَ الآْخِرِ بِسَبَبِ النَّوْمِ أَوِ الْحَدَثِ (3) .

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْمَسْبُوقُ:
2 - المسبوق - عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - مَنْ سَبَقَهُ الإِْمَامُ
__________
(1) المصباح المنير، والصحاح مادة: (لحق) .
(2) الدر المختار بهامش رد المختار 1 / 399.
(3) تبيين الحقائق للزيلعي 1 / 138

(35/185)


بِكُل الرَّكَعَاتِ، بِأَنِ اقْتَدَى بِهِ بَعْدَ رُكُوعِ الرَّكْعَةِ الأَْخِيرَةِ، أَوْ بِبَعْضِهَا بِأَنِ اقْتَدَى بِهِ بَعْدَ رُكُوعِ الرَّكْعَةِ الأُْولَى (1) . وَالْفَرْقُ بَيْنَ اللاَّحِقِ وَالْمَسْبُوقِ أَنَّ الْمَسْبُوقَ تَفُوتُهُ رَكْعَةٌ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ أَوَّل الصَّلاَةِ، وَاللاَّحِقُ تَفُوتُهُ رَكْعَةٌ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ آخِرِ الصَّلاَةِ أَوْ وَسَطِهَا، وَهَذَا إِذَا كَانَ اقْتِدَاؤُهُ فِي أَوَّل الصَّلاَةِ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ اقْتِدَاؤُهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ فَاتَهُ بَعْضُ الصَّلاَةِ بِالنَّوْمِ أَوْ نَحْوِهِ يَكُونُ لاَحِقًا مَسْبُوقًا، كَمَا حَرَّرَهُ ابْنُ عَابِدِينَ (2) .

ب - الْمُدْرِكُ:
3 - المدرك - عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - مَنْ صَلَّى الصَّلاَةَ كَامِلَةً مَعَ الإِْمَامِ، أَيْ أَدْرَكَ جَمِيعَ رَكَعَاتِهَا مَعَهُ، سَوَاءٌ أَدْرَكَ مَعَهُ التَّحْرِيمَةَ، أَوْ أَدْرَكَهُ فِي جُزْءٍ مِنْ رُكُوعِ الرَّكْعَةِ الأُْولَى إِلَى أَنْ قَعَدَ مَعَهُ الْقَعْدَةَ الأَْخِيرَةَ. فَالْمُدْرِكُ لَمْ يَفُتْهُ شَيْءٌ مِنْ رَكَعَاتِ صَلاَتِهِ بِخِلاَفِ اللاَّحِقِ وَالْمَسْبُوقِ (3) .

الْحَالاَتُ الَّتِي يَشْمَلُهَا حُكْمُ اللاَّحِقِ
4 - ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ اللاَّحِقَ يَشْمَل حَالاَتٍ مُخْتَلِفَةً فِي بَعْضِهَا يَكُونُ التَّخَلُّفُ بِعُذْرٍ، كَمَا إِذَا نَامَ الْمُؤْتَمُّ بَعْدَ الاِقْتِدَاءِ بِالإِْمَامِ نَوْمًا
__________
(1) رد المحتار وبهامشه الدر المختار 1 / 400 - 401.
(2) نفس المرجع 1 / 399.
(3) نفس المرجع

(35/186)


لاَ يُنْقَضُ بِهِ الْوُضُوءُ، أَوْ زُوحِمَ بِسَبَبِ كَثْرَةِ النَّاسِ فِي الْجُمُعَةِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَدَاءِ الرَّكْعَةِ الأُْولَى مَعَ الإِْمَامِ وَقَدَرَ عَلَى الْبَاقِي، أَوْ سَبَقَهُ حَدَثٌ فَخَرَجَ مِنَ الصَّفِّ لِلْوُضُوءِ فَفَاتَتْهُ رَكْعَةٌ أَوْ أَكْثَرُ ثُمَّ عَادَ، أَوِ الطَّائِفَةُ الأُْولَى فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ الَّذِينَ بِهِمُ الإِْمَامُ أَوَّل الصَّلاَةِ فَرَجَعُوا إِلَى مَكَانِ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (1) .
وَيَكُونُ التَّخَلُّفُ فِي بَعْضِ الْحَالاَتِ بِغَيْرِ عُذْرٍ كَمَا إِذَا سَبَقَ إِمَامَهُ فِي رُكُوعٍ وَسُجُودٍ فَيَقْضِي رَكْعَةً، لأَِنَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ قَبْل الإِْمَامِ لَغْوٌ فَيَنْتَقِل مَا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ إِلَى الأُْولَى فَبَقِيَتْ عَلَيْهِ رَكْعَةٌ هُوَ لاَحِقٌ فِيهَا، كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَابِدِينَ (2) .

الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِاللاَّحِقِ
أَوَّلاً - كَيْفِيَّةُ إِتْمَامِ صَلاَةِ اللاَّحِقِ:
5 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ إِتْمَامِ الْمَأْمُومِ الصَّلاَةَ إِذَا سَبَقَهُ الإِْمَامُ بِرُكْنٍ أَوْ رَكْعَةٍ أَوْ أَكْثَرَ وَهُمَا فِي الصَّلاَةِ وَيُسَمِّيهِ الْحَنَفِيَّةُ لاَحِقًا بَيْنَمَا لاَ يَصْطَلِحُ سَائِرُ الْفُقَهَاءِ عَلَى هَذِهِ التَّسْمِيَةِ، وَفِيمَا يَلِي حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِوَصْفِهِ لاَحِقًا، وَعِنْدَ غَيْرِهِمْ بِدُونِ هَذَا الْوَصْفِ.
6 - قَال الْحَنَفِيَّةُ: اللاَّحِقُ فِي حُكْمِ الْمُصَلِّي
__________
(1) رد المحتار 1 / 399، والفتاوى الهندية 1 / 92.
(2) رد المحتار وبهامشه الدر المختار 1 / 399 - 400

(35/186)


خَلْفَ الإِْمَامِ فَيُصَلِّي عَلَى تَرْتِيبِ صَلاَةِ الإِْمَامِ، فَيَبْدَأُ بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ بِعُذْرٍ بِلاَ قِرَاءَةٍ، وَلاَ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ إِذَا سَهَا فِيهِ، ثُمَّ يُتَابِعُ الإِْمَامَ إِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ فَرَغَ عَكْسَ الْمَسْبُوقِ، فَإِنَّهُ يُتَابِعُ إِمَامَهُ ثُمَّ يَقْضِي مَا فَاتَهُ وَيَقْرَأُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ إِذَا سَهَا فِيهِ، وَلاَ يَتَغَيَّرُ فَرْضُ اللاَّحِقِ بِنِيَّةِ الإِْقَامَةِ لَوْ كَانَ مُسَافِرًا بِخِلاَفِ الْمَسْبُوقِ.
وَوَجْهُ التَّفْرِقَةِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِل أَنَّ اللاَّحِقَ فِي حُكْمِ الْمُصَلِّي خَلْفَ الإِْمَامِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُؤْتَمِّ، وَالْمُؤْتَمُّ لاَ قِرَاءَةَ عَلَيْهِ، وَإِذَا سَهَا لاَ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَأَمَّا الْمَسْبُوقُ إِذَا سَهَا فِيمَا يَقْضِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ السَّجْدَةُ وَالْقِرَاءَةُ لأَِنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُنْفَرِدِ (1) .
وَإِذَا كَانَ اللاَّحِقُ مَسْبُوقًا أَيْضًا بِأَنِ اقْتَدَى فِي أَثْنَاءِ صَلاَةِ الإِْمَامِ وَسُبِقَ بِرَكْعَةٍ يُصَلِّي مَا سُبِقَ بِهِ فِي آخِرِ صَلاَتِهِ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ: لَوْ سُبِقَ بِرَكْعَةٍ مِنْ ذَوَاتِ الأَْرْبَعِ، وَنَامَ فِي رَكْعَتَيْنِ يُصَلِّي أَوَّلاً مَا نَامَ فِيهِ، ثُمَّ مَا أَدْرَكَهُ مَعَ الإِْمَامِ ثُمَّ مَا سُبِقَ بِهِ فَيُصَلِّي رَكْعَةً مِمَّا نَامَ فِيهِ مَعَ الإِْمَامِ وَيَقْعُدُ مُتَابَعَةً لَهُ لأَِنَّهَا ثَانِيَةُ إِمَامِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي الأُْخْرَى مِمَّا نَامَ فِيهِ وَيَقْعُدُ لأَِنَّهَا ثَانِيَتُهُ ثُمَّ يُصَلِّي الَّتِي انْتَبَهَ فِيهَا، وَيَقْعُدُ مُتَابَعَةً لإِِمَامِهِ لأَِنَّهَا رَابِعَةٌ،
__________
(1) الدر المختار مع حاشية رد المحتار 1 / 400، وبدائع الصنائع للكاساني 1 / 175، والفتاوى الهندية 1 / 92.

(35/187)


وَكُل ذَلِكَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ، لأَِنَّهُ مُقْتَدٍ، ثُمَّ يُصَلِّي الرَّكْعَةَ الَّتِي سُبِقَ بِهَا بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ (1) .
وَهَذَا التَّرْتِيبُ فِي إِتْمَامِ صَلاَةِ اللاَّحِقِ وَاجِبٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ - خِلاَفًا لِزُفَرَ - حَتَّى لَوِ صَلَّى الرَّكْعَةَ الَّتِي أَدْرَكَهَا مَعَ الإِْمَامِ ثُمَّ مَا نَامَ فِيهِ، ثُمَّ مَا سُبِقَ بِهِ، أَوْ صَلَّى أَوَلاَ مَا سُبِقَ بِهِ ثُمَّ مَا نَامَ فِيهِ ثُمَّ مَا أَدْرَكَهُ مَعَ الإِْمَامِ أَوْ عَكَسَ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَلاَ تَفْسُدُ صَلاَتُهُ عِنْدَهُمْ خِلاَفًا لِزُفَرَ (2) .
7 - وَقَال الْمَالِكِيَّةُ:
إِنْ زُوحِمَ مُؤْتَمٌّ عَنْ رُكُوعٍ مَعَ إِمَامٍ حَتَّى رَفَعَ الإِْمَامُ رَأْسَهُ مِنْهُ مُعْتَدِلاً مُطْمَئِنًّا قَبْل إِتْيَانِ الْمَأْمُومِ بِأَدْنَى الرُّكُوعِ، أَوْ نَعَسَ أَيْ نَامَ الْمُؤْتَمُّ نَوْمًا خَفِيفًا لاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ أَوْ حَصَل لَهُ نَحْوُهُ كَسَهْوٍ وَإِكْرَاهٍ وَحُدُوثِ مَرَضٍ مَنَعَهُ مِنَ الرُّكُوعِ مَعَ إِمَامِهِ اتَّبَعَ الْمَأْمُومُ الإِْمَامَ أَيْ فَعَل مَا فَاتَهُ بِهِ إِمَامُهُ لِيُدْرِكَهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ مِنْ سُجُودٍ أَوْ جُلُوسٍ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وُجُوبًا، وَهَذَا إِذَا حَصَل الْمَانِعُ لِلْمَأْمُومِ فِي غَيْرِ الرَّكْعَةِ الأُْولَى، لِثُبُوتِ مَأْمُومِيَّتِهِ بِإِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ الأُْولَى مَا لَمْ يَرْفَعِ الإِْمَامُ رَأْسَهُ مِنْ سُجُودِ غَيْرِ الأُْولَى بِأَنِ اعْتَقَدَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ يُدْرِكُ الإِْمَامَ فِي ثَانِيَةِ سَجْدَتَيْهِ، فَإِنِ اعْتَقَدَ ذَلِكَ أَوْ
__________
(1) (1) حاشية رد المحتار 1 / 400، وشرح منية المصلي ص469 - 470
(2) (2) شرح منية المصلي ص469 - 470، ورد المحتار 1 / 400، والفتاوى الهندية 1 / 92.

(35/187)


ظَنَّهُ فَاتَّبَعَهُ فَرَفَعَ الإِْمَامُ مِنَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ قَبْل أَنْ يَلْحَقَهُ فِيهَا أَلْغَى مَا فَعَلَهُ وَانْتَقَل مَعَ الإِْمَامِ فِيمَا هُوَ فِيهِ، وَيَقْضِي رَكْعَةً بَعْدَ سَلاَمِ الإِْمَامِ، هَذَا فِي غَيْرِ الأُْولَى.
أَمَّا فِي الأُْولَى فَمَتَى رَفَعَ الإِْمَامُ مِنَ الرُّكُوعِ مُعْتَدِلاً مُطْمَئِنًّا تَرَكَ الرُّكُوعَ الَّذِي فَاتَهُ مَعَهُ فَيَخِرُّ سَاجِدًا إِنْ كَانَ الإِْمَامُ مُتَلَبِّسًا بِهِ، وَيَقْضِي رَكْعَةً بَعْدَ سَلاَمِ الإِْمَامِ، فَإِنْ خَالَفَ وَرَكَعَ وَلَحِقَهُ بَطَلَتْ إِنِ اعْتَدَّ بِالرَّكْعَةِ لأَِنَّهُ قَضَاءٌ فِي صُلْبِ صَلاَةِ الإِْمَامِ، وَإِنْ أَلْغَاهُ لَمْ تَبْطُل وَيَحْمِلُهُ عَنْهُ الإِْمَامُ.
وَإِذَا زُوحِمَ عَنْ سَجْدَةٍ أَوْ سَجْدَتَيْنِ مِنَ الأُْولَى أَوْ غَيْرِهَا فَلَمْ يَسْجُدْهَا حَتَّى قَامَ الإِْمَامُ لِمَا تَلِيهَا فَإِنْ لَمْ يَطْمَعْ فِي سُجُودِهَا قَبْل عَقْدِ إِمَامِهِ الرَّكْعَةَ الَّتِي تَلِيهَا تَمَادَى وُجُوبًا عَلَى تَرْكِ السَّجْدَةِ أَوِ السَّجْدَتَيْنِ وَتَبِعَ إِمَامَهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ، وَقَضَى رَكْعَةً بَعْدَ سَلاَمِ إِمَامِهِ، وَإِنْ طَمِعَ فِيهَا قَبْل عَقْدِ إِمَامِهِ سَجَدَهَا وَتَبِعَهُ فِي عَقْدِ مَا بَعْدَهَا، فَإِنْ تَخَلَّفَ ظَنُّهُ فَلَمْ يُدْرِكْهُ بَطَلَتْ عَلَيْهِ الرَّكْعَةُ الأُْولَى لِعَدَمِ الإِْتْيَانِ بِسُجُودِهَا، وَالثَّانِيَةُ لِعَدَمِ إِدْرَاكِ رُكُوعِهَا مَعَهُ.
وَإِنْ تَمَادَى عَلَى تَرْكِ السَّجْدَةِ وَقَضَى رَكْعَةً لاَ سُجُودَ عَلَيْهِ بَعْدَ سَلاَمِهِ لِزِيَادَةِ رَكْعَةِ النَّقْصِ إِذِ الإِْمَامُ يَحْمِلُهَا عَنْهُ، وَذَلِكَ إِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ تَرَكَهُ، وَأَمَّا إِنْ شَكَّ فِي تَرْكِهَا وَقَضَى الرَّكْعَةَ

(35/188)


فَإِنَّهُ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلاَمِ لاِحْتِمَال زِيَادَةِ الرَّكْعَةِ الَّتِي أَتَى بِهَا بَعْدَ سَلاَمِ إِمَامِهِ (1) .
وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الْغَفْلَةِ وَالنُّعَاسِ وَالْمُزَاحَمَةِ عِنْدَ أَشْهَبَ وَابْنِ وَهْبٍ فِي أَنَّهُ يُبَاحُ مَعَهَا قَضَاءُ مَا فَاتَ، وَنَقَل الْمَوَّاقُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ الْمُزَاحِمَ أُعْذِرَ، لأَِنَّهُ مَغْلُوبٌ (2) وَذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِلَى أَنَّ الْمُزَاحَمَةَ بِخِلاَفِ الْغَفْلَةِ وَالنُّعَاسِ، فَلاَ يُبَاحُ مَعَهَا قَضَاءُ مَا فَاتَ مِنَ الرُّكُوعِ، لأَِنَّ الزِّحَامَ فِعْل آدَمِيٍّ يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ مِنْهُ فَعُدَّ الْمُزَاحِمُ عَنِ الرُّكُوعِ مُقَصِّرًا فَتُلْغَى تِلْكَ الرَّكْعَةُ، وَالنَّاعِسُ وَالْغَافِل مَغْلُوبَانِ بِفِعْل اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَعُذِرَا (3) .
8 - وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ تَخَلَّفَ بِرُكْنٍ فِعْلِيٍّ عَامِدًا بِلاَ عُذْرٍ بِأَنْ فَرَغَ الإِْمَامُ مِنْهُ وَهُوَ فِيمَا قَبْلَهُ، كَأَنْ رَفَعَ الإِْمَامُ رَفْعَ الاِعْتِدَال وَالْمَأْمُومُ فِي قِيَامِ الْقِرَاءَةِ لَمْ تَبْطُل صَلاَتُهُ فِي الأَْصَحِّ، لأَِنَّهُ تَخَلُّفٌ يَسِيرٌ، سَوَاءٌ أَكَانَ طَوِيلاً كَالْمِثَال الْمُتَقَدِّمِ أَمْ قَصِيرًا كَأَنْ رَفَعَ الإِْمَامُ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ الأُْولَى وَهَوَى مِنَ الْجِلْسَةِ بَعْدَهَا لِلسُّجُودِ وَالْمَأْمُومُ فِي السَّجْدَةِ الأُْولَى.
وَالْقَوْل الثَّانِي وَهُوَ مُقَابِل الأَْصَحِّ: تَبْطُل لِمَا
__________
(1) جواهر الإكليل 1 / 69 - 70، والشرح الكبير بهامش الدسوقي 1 / 302 - 303.
(2) التاج والإكليل بهامش الحطاب 2 / 54.
(3) نفس المرجع السابق.

(35/188)


فِيهِ مِنَ الْمُخَالَفَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ. أَمَّا إِذَا تَخَلَّفَ بِدُونِ رُكْنٍ، كَأَنْ رَكَعَ الإِْمَامُ دُونَ الْمَأْمُومِ ثُمَّ لَحِقَهُ قَبْل أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، أَوْ تَخَلَّفَ بِرُكْنٍ بِعُذْرٍ لَمْ تَبْطُل صَلاَتُهُ قَطْعًا. وَإِنْ تَخَلَّفَ بِرُكْنَيْنِ فِعْلِيَّيْنِ بِأَنْ فَرَغَ الإِْمَامُ مِنْهُمَا وَهُوَ فِيمَا قَبْلَهُمَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ، كَأَنْ تَخَلَّفَ لِقِرَاءَةِ السُّورَةِ أَوْ لِتَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ، لِكَثْرَةِ الْمُخَالَفَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَا طَوِيلَيْنِ أَوْ طَوِيلاً وَقَصِيرًا. وَإِنْ كَانَ عُذْرٌ بِأَنْ أَسْرَعَ الإِْمَامُ قِرَاءَتَهُ مَثَلاً، أَوْ كَانَ الْمَأْمُومُ بَطِيءَ الْقِرَاءَةِ وَرَكَعَ الإِْمَامُ قَبْل إِتْمَامِ الْمَأْمُومِ الْفَاتِحَةَ فَقِيل يَتْبَعُهُ لِتَعَذُّرِ الْمُوَافَقَةِ، وَتَسْقُطُ الْبَقِيَّةُ لِلْعُذْرِ فَأَشْبَهَ الْمَسْبُوقَ، وَالصَّحِيحُ: لاَ يَتْبَعُهُ بَل يُتِمُّهَا وُجُوبًا، وَيَسْعَى خَلْفَ الإِْمَامِ عَلَى نَظْمِ صَلاَةِ نَفْسِهِ مَا لَمْ يُسْبَقْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثَةِ أَرْكَانٍ بَل بِثَلاَثَةٍ فَمَا دُونَهَا - كَمَا قَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ - مَقْصُودَةٌ فِي نَفْسِهَا وَهِيَ الطَّوِيلَةُ أَخْذًا مِنْ صَلاَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُسْفَانَ، فَلاَ يُعَدُّ مِنْهُمَا الْقَصِيرُ، وَهُوَ الاِعْتِدَال وَالْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، فَإِنْ سُبِقَ بِأَكْثَرَ مِنَ الثَّلاَثَةِ فَقِيل: يُفَارِقُهُ بِالنِّيَّةِ لِتَعَذُّرِ الْمُوَافَقَةِ. وَالأَْصَحُّ: لاَ تَلْزَمُهُ الْمُفَارَقَةُ بَل يَتْبَعُهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ، ثُمَّ يَتَدَارَكُ بَعْدَ سَلاَمِ الإِْمَامِ مَا فَاتَهُ كَالْمَسْبُوقِ.

(35/189)


وَلَوْ لَمْ يُتِمَّ الْمَأْمُومُ الْفَاتِحَةَ لِشَغْلِهِ بِدُعَاءِ الاِفْتِتَاحِ أَوِ التَّعَوُّذِ وَقَدْ رَكَعَ الإِْمَامُ فَمَعْذُورٌ فِي التَّخَلُّفِ لإِِتْمَامِهَا كَبَطِيءِ الْقِرَاءَةِ فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ (1) .
9 - وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الإِْمَامَ إِذَا سَبَقَ الْمَأْمُومَ بِرُكْنٍ كَامِلٍ، مِثْل أَنْ يَرْكَعَ وَيَرْفَعَ قَبْل رُكُوعِ الْمَأْمُومِ لِعُذْرٍ مِنْ نُعَاسٍ أَوْ غَفْلَةٍ أَوْ زِحَامٍ أَوْ عَجَلَةِ الإِْمَامِ فَإِنَّ الْمَأْمُومَ يَفْعَل مَا سُبِقَ بِهِ وَيُدْرِكُ إِمَامَهُ وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَحَكَى فِي الْمُسْتَوْعَبِ رِوَايَةً أَنَّهُ لاَ يُعْتَدُّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ. وَإِنْ سَبَقَهُ بِرَكْعَةٍ كَامِلَةٍ أَوْ أَكْثَرَ فَإِنَّهُ يَتْبَعُ إِمَامَهُ، وَيَقْضِي مَا سَبَقَهُ بِهِ كَالْمَسْبُوقِ، قَال أَحْمَدُ، فِي رَجُلٍ نَعَسَ خَلْفَ الإِْمَامِ حَتَّى رَكْعَتَيْنِ قَال: كَأَنَّهُ أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ، فَإِذَا سَلَّمَ الإِْمَامُ رَكْعَتَيْنِ، وَعَنْهُ: يُعِيدُ الصَّلاَةَ. وَإِنْ سَبَقَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ رُكْنٍ وَأَقَل مِنْ رَكْعَةٍ ثُمَّ زَال عُذْرُهُ فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَتْبَعُ إِمَامَهُ، وَلاَ يُعْتَدُّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ.
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ إِنْ سَبَقَهُ بِرُكْنَيْنِ بَطَلَتْ تِلْكَ الرَّكْعَةُ، وَإِنْ سَبَقَهُ بِأَقَل مِنْ ذَلِكَ فَعَلَهُ وَأَدْرَكَ إِمَامَهُ، ثُمَّ نُقِل عَنْ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ فِيمَنْ زُحِمَ عَنِ السُّجُودِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ يَنْتَظِرُ زَوَال الزِّحَامِ ثُمَّ يَسْجُدُ
__________
(1) مغني المحتاج 1 / 256 - 257.

(35/189)


وَيَتْبَعُ الإِْمَامَ مَا لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ الرُّكُوعِ فِي الثَّانِيَةِ مَعَ الإِْمَامِ، فَعَلَى هَذَا يَفْعَل مَا فَاتَهُ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ رُكْنٍ (1) .

حُكْمُ صَلاَةِ اللاَّحِقِ بِمُحَاذَاةِ الْمَرْأَةِ
10 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ حَاذَتِ الْمُقْتَدِيَ مُشْتَهَاةٌ فِي صَلاَةٍ مُطْلَقَةٍ مُشْتَرَكَةٍ تَحْرِيمَةً وَأَدَاءً فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ بِلاَ حَائِلٍ تَفْسُدُ صَلاَتُهُ، وَالْمُدْرِكُ وَاللاَّحِقُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، لأَِنَّ اللاَّحِقَ بَانٍ تَحْرِيمَتَهُ عَلَى تَحْرِيمَةِ الإِْمَامِ حَقِيقَةً لاِلْتِزَامِهِ مُتَابَعَتَهُ، كَمَا أَنَّهُ بَانٍ أَدَاءَهُ فِيمَا يَقْضِيهِ عَلَى أَدَاءِ الإِْمَامِ تَقْدِيرًا بِالْتِزَامِهِ الْمُتَابَعَةَ، فَتَثْبُتُ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا مَا لَمْ تَنْتَهِ أَفْعَال الصَّلاَةِ فَاللاَّحِقُ فِيمَا يَقْضِي كَأَنَّهُ خَلْفَ الإِْمَامِ تَقْدِيرًا، وَلِهَذَا لاَ يَقْرَأُ وَلاَ يَلْزَمُهُ السُّجُودُ بِسَهْوِهِ. بِخِلاَفِ مَا إِذَا كَانَا مَسْبُوقَيْنِ وَحَاذَتْهُ فِيمَا يَقْضِيَانِ حَيْثُ لاَ تَفْسُدُ صَلاَتُهُ وَإِنْ كَانَا بَانِيَيْنِ فِي حَقِّ التَّحْرِيمَةِ، لأَِنَّهُمَا مُنْفَرِدَانِ فِيمَا يَقْضِيَانِ، وَلِهَذَا يَقْرَآنِ، وَيَلْزَمُهُمَا السُّجُودُ بِسَهْوِهِمَا (2) .

اسْتِخْلاَفُ اللاَّحِقِ
11 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَوْ صَلَّى الإِْمَامُ رَكْعَةً ثُمَّ أَحْدَثَ فَاسْتَخْلَفَ رَجُلاً نَامَ عَنْ
__________
(1) الشرح الكبير بذيل المغني 2 / 14 - 15.
(2) تبيين الحقائق 1 / 136 - 138، وفتح القدير 5 / 256 - 257.

(35/190)


هَذِهِ الرَّكْعَةِ وَقَدْ أَدْرَكَ أَوَّلَهَا أَوْ كَانَ ذَهَبَ لِيَتَوَضَّأَ جَازَ لَكِنْ لاَ يَنْبَغِي لِلإِْمَامِ أَنْ يُقَدِّمَهُ، وَلاَ لِذَلِكَ الرَّجُل أَنْ يَتَقَدَّمَ، وَإِنْ قُدِّمَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَخَّرَ، وَيُقَدِّمُ هُوَ غَيْرَهُ، لأَِنَّ غَيْرَهُ أَقْدَرُ عَلَى إِتْمَامِ صَلاَةِ الإِْمَامِ، فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى الْبِدَايَةِ بِمَا فَاتَهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَل وَتَقَدَّمَ جَازَ، لأَِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الإِْتْمَامِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِذَا تَقَدَّمَ يَنْبَغِي أَنْ يُشِيرَ إِلَيْهِمْ بِأَنْ يَنْتَظِرُوهُ لِيُصَلِّيَ مَا فَاتَهُ وَقْتَ نَوْمِهِ أَوْ ذَهَابِهِ لِلتَّوَضُّؤِ، ثُمَّ يُصَلِّيَ بِهِمْ بَقِيَّةَ الصَّلاَةِ، لأَِنَّهُ مُدْرِكٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ الأَْوَّل فَالأَْوَّل (1) . (ر: اسْتِخْلاَفٌ ف 27 - 31) .

لاَزِم

انْظُرْ: لُزُوم.

لاَطِيَة

انْظُرْ: شِجَاج، وَسِمْحَاق
__________
(1) تبيين الحقائق 1 / 152، وبدائع الصنائع 1 / 228.

(35/190)


لِبَأٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - اللِّبَأُ عَلَى وَزْنِ فِعَلٍ بِكَسْرِ الْفَاءِ، وَفَتْحِ الْعَيْنِ، فِي اللُّغَةِ: أَوَّل مَا يَنْزِل مِنَ اللَّبَنِ بَعْدَ الْوِلاَدَةِ، وَقَال أَبُو زَيْدٍ: وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ ثَلاَثَ حَلْبَاتٍ، وَأَقَلُّهُ حَلْبَةٌ، يُقَال: لَبَأَتِ الشَّاةُ وَلَدَهَا: أَرْضَعَتْهُ اللِّبَأَ، وَلَبَأَتِ الشَّاةُ حَلَبَتْ لِبَأَهَا. وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (1) .

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْفَصْحُ:
2 - الْفَصْحُ هُوَ مِنْ أَفْصَحَ اللَّبَنُ: ذَهَبَ عَنْهُ اللِّبَأُ، يُقَال: أَفْصَحَتِ الشَّاةُ، وَالنَّاقَةُ: خَلَصَ لَبَنُهَا: صَفَا، وَأَفْصَحَتِ النَّاقَةُ إِذَا انْقَطَعَ لِبَؤُهَا، وَجَاءَ اللَّبَنُ بَعْدَهُ (2) .
__________
(1) المصباح المنير، ولسان العرب، ونهاية المحتاج 7 / 211، وروض الطالب 3 / 445.
(2) لسان العرب " فصح ".

(35/191)


الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
3 - نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الأُْمِّ إِرْضَاعُ وَلَدِهَا اللِّبَأَ وَإِنْ وُجِدَتْ غَيْرُهَا، وَقَالُوا: لأَِنَّ الْوَلَدَ لاَ يَعِيشُ أَوْ لاَ يَقْوَى غَالِبًا بِدُونِهِ. وَمُدَّتُهُ يَسِيرَةٌ: قِيل يُقَدَّرُ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، وَقِيل بِسَبْعَةٍ، وَقِيل: يُرْجَعُ فِي مُدَّتِهِ لأَِهْل الْخِبْرَةِ، وَمَعَ وُجُوبِهِ عَلَيْهَا، لَهَا طَلَبُ الأُْجْرَةِ إِنْ كَانَ لِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ، كَمَا يَجِبُ إِطْعَامُ الْمُضْطَرِّ بِالْبَدَل " ثَمَنِ الْمِثْل " وَهَل تَضْمَنُ إِنِ امْتَنَعَتْ وَمَاتَ؟ جَاءَ فِي حَاشِيَةِ الشَّبْرَامَلِّسِيِّ: الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ عَدَمُ الضَّمَانِ، لأَِنَّهُ لَمْ يَحْصُل مِنْهَا فِعْلٌ يُحَال عَلَيْهِ سَبَبُ الْهَلاَكِ، قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ أَمْسَكَ الطَّعَامَ عَنِ الْمُضْطَرِّ وَهَلَكَ فَإِنَّهُ لاَ يَضْمَنُهُ (1) .

لِبَاس

انْظُرْ: أَلْبِسَة
__________
(1) نهاية المحتاج 7 / 211 مع حاشية الشبراملسي، وروض الطالب 3 / 445، وتحفة المحتاج 8 / 350 مع حاشية الشرواني على هامشه.

(35/191)


لِبَاسُ الْمَرْأَةِ
التَّعْرِيفُ:
1 - اللباس مَا يَسْتُرُ الْجِسْمَ. جَمْعُهُ أَلْبِسَةٌ وَلُبُسٌ. يُقَال: لَبِسَ الثَّوْبَ لُبْسًا اسْتَتَرَ بِهِ، وَالزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِبَاسٌ لِلآْخَرِ، وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيزِ: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} (1) وَلِبَاسُ كُل شَيْءٍ غِشَاؤُهُ، وَلِبَاسُ التَّقْوَى الإِْيمَانُ أَوِ الْحَيَاءُ أَوِ الْعَمَل الصَّالِحُ. وَيُقَال: رَجُلٌ لِبَاسٌ: كَثِيرُ اللِّبَاسِ وَكَثِيرُ اللُّبْسِ (2) . وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (3) .

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الزِّينَةُ:
2 - الزينة فِي اللُّغَةِ مَا يُتَزَيَّنُ بِهِ، وَيَوْمُ الزِّينَةِ يَوْمُ الْعِيدِ، وَالزَّيْنُ ضِدُّ الشَّيْنِ (4) ، وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى
__________
(1) سورة البقرة / 187.
(2) مختار الصحاح للرازي.
(3) حاشية الجمل 2 / 78، والمفردات للراغب الأصفهاني.
(4) مختار الصحاح.

(35/192)


اللُّغَوِيِّ.
وَالزِّينَةُ أَعَمُّ مِنَ اللِّبَاسِ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
3 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَلْبَسَ مِنَ الْمَلاَبِسِ مَا يُغَطِّي جَمِيعَ عَوْرَتِهَا (1) لِقَوْل اللَّهِ عَزَّ وَجَل: {وَقُل لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِْرْبَةِ مِنَ الرِّجَال أَوِ الطِّفْل الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (2) قَال ابْنُ كَثِيرٍ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} أَيْ لاَ يُظْهِرْنَ شَيْئًا مِنَ الزِّينَةِ لِلأَْجَانِبِ إِلاَّ مَا لاَ يُمْكِنُ إِخْفَاؤُهُ، قَال ابْنُ مَسْعُودٍ: كَالرِّدَاءِ وَالثِّيَابِ يَعْنِي عَلَى
__________
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 270، 5 / 223، وجواهر الإكليل شرح مختصر خليل 1 / 41، وحاشية الجمل 4 / 508، ونهاية المحتاج إلى شرح المنهاج 2 / 5 - 6، والمجموع شرح المهذب 3 / 165، والمغني 1 / 615.
(2) سورة النور / 31.

(35/192)


مَا كَانَ يَتَعَاطَاهُ نِسَاءُ الْعَرَبِ مِنَ الْمُقَنَّعَةِ الَّتِي تُجَلِّل ثِيَابَهَا وَمَا يَبْدُو مِنْ أَسَافِل الثِّيَابِ فَلاَ حَرَجَ عَلَيْهَا فِيهِ لأَِنَّ هَذَا لاَ يُمْكِنُ إِخْفَاؤُهُ (1) . وَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا دَخَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ رِقَاقٌ، فَأَعْرَضَ عَنْهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَال: يَا أَسْمَاءُ إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَحِيضَ لَمْ تَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلاَّ هَذَا وَهَذَا، وَأَشَارَ إِلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ (2) . وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ. وَالتَّفْصِيل فِي (سَتْرُ الْعَوْرَةِ ف 2 وَمَا بَعْدَهَا) وَ (عَوْرَةٌ ف 3 وَمَا بَعْدَهَا) .

اللِّبَاسُ الَّذِي يَصِفُ أَوْ يَشِفُّ
4 - لِبَاسُ الْمَرْأَةِ قَدْ يَكْشِفُ عَنِ الْعَوْرَةِ، وَقَدْ يَسْتُرُهَا وَلَكِنَّهُ يَصِفُ حَجْمَهَا، وَهُوَ فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ غَيْرُ شَرْعِيٍّ. فَإِنْ كَانَ يَكْشِفُ عَنْهَا بِحَيْثُ يُرَى لَوْنُ الْجِلْدِ مِنْ تَحْتِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَمَامَ زَوْجِهَا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَمَامَ الأَْجَانِبِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الصَّلاَةِ أَوْ خَارِجَهَا. وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (أَلْبِسَةٌ ف 15)
__________
(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير 3 / 274.
(2) حديث عائشة " أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . ". أخرجه أبو داود (4 / 358) من حديث عائشة وقال: هذا حديث مرسل، خالد بن دريك لم يدرك عائشة رضي الله عنها.

(35/193)


و (سَتْرُ الْعَوْرَةِ ف 2 وَمَا بَعْدَهَا) ، وَ (صَلاَةٌ ف) ، وَ (عَوْرَةٌ ف 3 وَمَا بَعْدَهَا) .

اللِّبَاسُ الْمَنْسُوجُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ
5 - يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَلْبَسَ اللِّبَاسَ الْمَنْسُوجَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ سَوَاءٌ لِلْحَاجَةِ أَوْ لِغَيْرِهَا، وَسَوَاءٌ كَثُرَ أَوْ قَل، وَسَوَاءٌ زَادَ الطَّرْزُ عَلَى قَدْرِ أَرْبَعِ أَصَابِعَ أَوْ لاَ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْمُطَرَّزُ قَدْرَ الْعَادَةِ أَمْ لاَ (1) .
وَاسْتَدَل الْفُقَهَاءُ عَلَى ذَلِكَ بِمَا وَرَدَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال:. أُحِل الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ لإِِنَاثِ أُمَّتِي، وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهَا (2) ". فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اسْتِعْمَال الذَّهَبِ وَكَذَلِكَ الْحَرِيرِ لِلنِّسَاءِ بِسَائِرِ وُجُوهِ الاِسْتِعْمَال (3) .

تَشَبُّهُ النِّسَاءِ بِالرِّجَال فِي اللِّبَاسِ:
6 - يَحْرُمُ تَشَبُّهُ النِّسَاءِ بِالرِّجَال فِي زِيِّهِنَّ فَلاَ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَلْبَسَ لِبَاسًا خَاصًّا بِالرِّجَال (4) ، لأَِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ
__________
(1) حاشية ابن عابدين 5 / 224، وحاشية الجمل 2 / 86، والمغني لابن قدامة 1 / 626.
(2) حديث: " أحل الذهب والحرير لإناث من أمتي وحرم على ذكورها ". أخرجه النسائي (8 / 161) وحسنه ابن المديني كما في التلخيص لابن حجر (1 / 53) .
(3) حاشية الجمل 2 / 81.
(4) حاشية الجمل 2 / 78، وكشاف القناع 1 / 82.

(35/193)


الرِّجَال بِالنِّسَاءِ وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَال (1) ". وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: فَلَوِ اخْتَصَّتِ النِّسَاءُ أَوْ غَلَبَ فِيهِنَّ زِيٌّ مَخْصُوصٌ فِي إِقْلِيمٍ، وَغَلَبَ فِي غَيْرِهِ تَخْصِيصُ الرِّجَال بِذَلِكَ الزِّيِّ - كَمَا قِيل إِنَّ نِسَاءَ قُرَى الشَّامِ يَتَزَيَّنَّ بِزِيِّ الرِّجَال الَّذِينَ يَتَعَاطَوْنَ الْحَصَادَ وَالزِّرَاعَةَ وَيَفْعَلْنَ ذَلِكَ - فَهَل يَثْبُتُ فِي كُل إِقْلِيمٍ مَا جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِهِ بِهِ، أَوْ يُنْظَرُ لأَِكْثَرِ الْبِلاَدِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالأَْقْرَبُ الأَْوَّل. وَقَدْ صَرَّحَ الإِْسْنَوِيُّ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي لِبَاسِ وَزِيِّ كُلٍّ مِنَ النَّوْعَيْنِ حَتَّى يَحْرُمَ التَّشَبُّهُ بِهِنَّ فِيهِ بِعُرْفِ كُل نَاحِيَةٍ حَسَنٌ (2) .

لِبَاسُ الْمَرْأَةِ أَمَامَ الْخَاطِبِ
7 - الْمَخْطُوبَةُ أَجْنَبِيَّةٌ عَنِ الْخَاطِبِ وَعَلَى ذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَلْبَسَ مَا يَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِهَا خَلاَ الْقَدْرِ الَّذِي يُبَاحُ لِلْخَاطِبِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذَا الْقَدْرِ، وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (خِطْبَةٌ ف 29) .

لِبَاسُ الْمَرْأَةِ فِي الإِْحْدَادِ:
8 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي لُبْسِ الْمَرْأَةِ الْمُحَدِّةِ لِبَعْضِ الثِّيَابِ عَلَى وَجْهِ الزِّينَةِ، وَفِي لُبْسِ
__________
(1) (1) حديث: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 10 / 332) من حديث ابن عباس.
(2) حاشية الجمل 2 / 78.

(35/194)


الْحُلِيِّ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِحْدَادٌ ف 13 وَمَا بَعْدَهَا) .

لِبَاسُ الْمَرْأَةِ فِي الصَّلاَةِ
9 - يَجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلاَةِ لِلرَّجُل وَالْمَرْأَةِ فِي حَال تَوَفُّرِ السَّاتِرِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُل مَسْجِدٍ} (1) ، قَال ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: الْمُرَادُ بِالزِّينَةِ الثِّيَابُ فِي الصَّلاَةِ، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ يَقْبَل اللَّهُ صَلاَةَ حَائِضٍ إِلاَّ بِخِمَارٍ (2) ": أَيِ الْبَالِغَةِ. وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (عَوْرَةٌ ف 13) .

لِبَاسُ الْمَرْأَةِ فِي الإِْحْرَامِ
10 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُحْرِمَةِ لُبْسُ مَا يُغَطِّي وَجْهَهَا. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: لاَ نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلاَفًا بَيْنَ أَهْل الْعِلْمِ، إِلاَّ مَا رُوِيَ عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّهَا كَانَتْ تُغَطِّي وَجْهَهَا وَهِيَ مُحْرِمَةٌ، وَيَحْتَمِل أَنَّهَا كَانَتْ تُغَطِّيهِ بِالسُّدْل عِنْدَ الْحَاجَةِ فَلاَ يَكُونُ اخْتِلاَفًا (3) وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (إِحْرَامٌ ف 66 وَمَا بَعْدَهَا) .
__________
(1) سورة الأعراف / 31.
(2) (2) حديث: " لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار ". أخرجه أبو داود (1 / 421) والترمذي (1 / 215) من حديث عائشة، وحسنه الترمذي.
(3) الهداية مع فتح القدير 2 / 403، والخرشي 2 / 345، وجواهر الإكليل 1 / 186، وحاشية الجمل 4 / 501، ونهاية المحتاج 3 / 330، والمغني لابن قدامة 3 / 305.

(35/194)


لَبَّةٌ

التَّعْرِيفُ:
1 - اللبة فِي اللُّغَةِ وَسَطُ الصَّدْرِ وَالْمَنْحَرُ وَمَوْضِعُ الْقِلاَدَةِ مِنَ الصَّدْرِ، وَالْجَمْعُ لَبَّاتٌ وَلِبَابٌ (1) . وَاللَّبَّةُ فِي الاِصْطِلاَحِ: هِيَ الْمَنْحَرُ مِنَ الصَّدْرِ، وَهِيَ الْوَهْدَةُ الَّتِي بَيْنَ أَصْل الْعُنُقِ وَالصَّدْرِ (2) .

الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
2 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ السُّنَّةَ فِي التَّذْكِيَةِ الشَّرْعِيَّةِ لِلإِْبِل تَحْصُل بِالنَّحْرِ فِي اللَّبَّةِ فِي حَال الاِخْتِيَارِ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: بَعَثَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُدَيْل بْنَ وَرْقَاءَ عَلَى جَمَلٍ أَوْرَقَ يَصِيحُ فِي فِجَاجِ مِنًى أَلاَ إِنَّ الذَّكَاةَ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ (3) ".
__________
(1) لسان العرب، والمصباح المنير، والمعجم الوسيط مادة (لبب) .
(2) المغرب ص 419، وكشاف القناع 6 / 206.
(3) (3) حديث أبي هريرة: " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بديل بن ورقاء. . . ". أخرجه الدارقطني (4 / 283) ونقل الزيلعي في نصب الراية (4 / 185) عن ابن عبد الهادي أنه قال: هذا إسناد ضعيف بمرة.

(35/195)


وَحَقِيقَةُ النَّحْرِ عِنْدَهُمْ قَطْعُ الأَْوْدَاجِ فِي اللَّبَّةِ (1) . وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَجِبُ تَذْكِيَةُ الإِْبِل بِالنَّحْرِ وَحَقِيقَتُهُ الطَّعْنُ فِي اللَّبَّةِ طَعْنًا يُفْضِي إِلَى الْمَوْتِ وَإِنْ لَمْ تَقْطَعِ الْحُلْقُومَ وَالْوَدَجَانِ (2) . وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (ذَبَائِحُ ف 43) .

لَبْس

انْظُرْ: الْتِبَاس

لُبْس

انْظُرْ: أَلْبِسَة
__________
(1) حاشية ابن عابدين على الدر المختار 1 / 192، وروضة الطالبين 3 / 207، وكشاف القناع 6 / 206.
(2) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 2 / 100، والتاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 3 / 220، والشرح الصغير 2 / 157 - 158.

(35/195)


لَبَن
التَّعْرِيفُ:
1 - اللبن فِي اللُّغَةِ: سَائِلٌ أَبْيَضُ يَكُونُ فِي إِنَاثِ الآْدَمِيِّينَ وَالْحَيَوَانِ، وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ، وَالْجَمْعُ أَلْبَانٌ، وَوَاحِدَتُهُ لَبِنَةٌ.
وَاللِّبَأُ: أَوَّل اللَّبَنِ عِنْدَ الْوِلاَدَةِ، وَلَبَنُ كُل شَجَرَةٍ: مَاؤُهَا عَلَى التَّشْبِيهِ، وَشَاةٌ لَبُونٌ: ذَاتُ اللَّبَنِ غَزِيرَةً كَانَتْ أَوْ بَكِيئَةً (1) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

مَا يَتَعَلَّقُ بِاللَّبَنِ مِنْ أَحْكَامٍ:
يَتَعَلَّقُ بِاللَّبَنِ أَحْكَامٌ مُتَعَدِّدَةٌ مِنْهَا:
الطَّاهِرُ وَالنَّجِسُ مِنَ الأَْلْبَانِ وَمَا يَحِل شُرْبُهُ مِنْهَا:
2 - اللَّبَنُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ حَيَوَانٍ أَوْ مِنْ آدَمِيٍّ فَإِنْ كَانَ مِنْ حَيَوَانٍ حَيٍّ مَأْكُول اللَّحْمِ كَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَهُوَ طَاهِرٌ بِلاَ خِلاَفٍ (2) ،
__________
(1) مختار الصحاح. والبكيئة: قليلة اللبن.
(2) بدائع الصنائع 1 / 63، 5 / 43، وحاشية ابن عابدين 1 / 138، 5 / 194، 216، وحاشية الدسوقي 1 / 50 - 51، ونهاية المحتاج 1 / 227، وكشاف القناع 1 / 194.

(35/196)


لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَْنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ} (1) . إِلاَّ أَنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي طَهَارَةِ لَبَنِ بَعْضِ الْحَيَوَانَاتِ، تَبَعًا لاِخْتِلاَفِهِمْ فِي حِل أَكْلِهَا، فَمَا حَل أَكْلُهُ كَانَ لَبَنُهُ طَاهِرًا، وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ:

أ - لَبَنُ الْفَرَسِ:
3 - لبن الْفَرَسِ طَاهِرٌ حَلاَلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ،. وَاخْتَلَفَ النَّقْل عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ الْكَرَاهَةَ فِي سُؤْرِهِ كَمَا فِي لَبَنِهِ، وَقِيل: لاَ بَأْسَ بِلَبَنِهِ، لأَِنَّهُ لَيْسَ فِي شُرْبِهِ تَقْلِيل آلَةِ الْجِهَادِ (2) . وَلَبَنُ الْفَرَسِ نَجِسٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ بِنَاءً عَلَى تَبَعِيَّةِ اللَّبَنِ لِلَّحْمِ، فَقَدْ قَالُوا: لَبَنُ غَيْرِ الآْدَمِيِّ تَابِعٌ لِلَحْمِهِ فِي الطَّهَارَةِ بَعْدَ التَّذْكِيَةِ فَإِنْ كَانَ لَحْمُهُ طَاهِرًا بَعْدَ التَّذْكِيَةِ وَهُوَ الْمُبَاحُ وَالْمَكْرُوهُ الأَْكْل فَلَبَنُهُ طَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ نَجِسًا بَعْدَ التَّذْكِيَةِ وَهُوَ مُحَرَّمُ الأَْكْل فَلَبَنُهُ نَجِسٌ، وَالْفَرَسُ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ الْمُحَرَّمَةِ عِنْدَهُمْ (3) .
__________
(1) سورة النحل / 66.
(2) حاشية ابن عابدين 5 / 216، وتكملة فتح القدير 8 / 421، نشر دار إحياء التراث العربي، ونهاية المحتاج 1 / 227، ومغني المحتاج 1 / 80، والمغني 8 / 591.
(3) شرح الدردير مع حاشية الدسوقي 1 / 50 - 51، وجواهر الإكليل 1 / 9، 218.

(35/196)


ب - لَبَنُ الْحُمُرِ الأَْهْلِيَّةِ:
4 - رَخَّصَ فِي أَلْبَانِ الْحُمُرِ الأَْهْلِيَّةِ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَالزُّهْرِيُّ، بَيْنَمَا هِيَ نَجِسَةٌ مُحَرَّمَةٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (1) .

ج - لَبَنُ الْجَلاَّلَةِ
5 - الْجَلاَّلَةُ ذَاتُ اللَّبَنِ مِمَّا يُؤْكَل لَحْمُهُ كَالإِْبِل أَوِ الْبَقَرِ أَوِ الْغَنَمِ الَّتِي يَكُونُ أَغْلَبُ أَكْلِهَا النَّجَاسَةَ كَرِهَ شُرْبَ لَبَنِهَا الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - كَمَا قَال النَّوَوِيُّ - إِذَا ظَهَرَ نَتْنُ مَا تَأْكُلُهُ فِي رِيحِهَا وَعَرَقِهَا. وَمُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ شُرْبَ لَبَنِهَا حَرَامٌ، وَالأَْصْل فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَال: نَهَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْل الْجَلاَّلَةِ وَأَلْبَانِهَا (2) ". وَلأَِنَّ لَحْمَهَا إِذَا تَغَيَّرَ يَتَغَيَّرُ لَبَنُهَا. وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لَبَنُ الْجَلاَّلَةِ طَاهِرٌ، وَلاَ يُكْرَهُ شُرْبُهُ، كَمَا رَخَّصَ الْحَسَنُ فِي لُحُومِهَا وَأَلْبَانِهَا، لأَِنَّ الْحَيَوَانَاتِ لاَ تَنْجُسُ بِأَكْل النَّجَاسَاتِ بِدَلِيل أَنَّ شَارِبَ الْخَمْرِ لاَ يُحْكَمُ بِتَنْجِيسِ أَعْضَائِهِ (3) .
__________
(1) حاشية ابن عابدين 5 / 216، ومغني المحتاج 1 / 80، ونهاية المحتاج 1 / 227، وكشاف القناع 1 / 195، والمغني 8 / 587، وجواهر الإكليل 1 / 9، 218، والدسوقي 1 / 50 - 51، 2 / 117.
(2) (3) حديث: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها ". أخرجه الترمذي (4 / 270) وقال: حديث حسن غريب.
(3) بدائع الصنائع 5 / 40، وحاشية ابن عابدين 5 / 216، وجواهر الإكليل 1 / 216 - 217، ومغني المحتاج 4 / 304، وأسنى المطالب 1 / 568، والمغني 8 / 593 - 594.

(35/197)


د - لَبَنُ مَيْتَةِ مَأْكُول اللَّحْمِ:
6 - لَبَنُ مَيْتَةِ مَأْكُول اللَّحْمِ مِنَ الْحَيَوَانِ نَجِسٌ وَذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْل أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَذَلِكَ لأَِنَّ اللَّبَنَ مَائِعٌ فِي وِعَاءٍ نَجِسٍ فَكَانَ نَجِسًا كَمَا لَوْ حُلِبَ فِي وِعَاءٍ نَجِسٍ. وَعِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لَبَنُ مَيْتَةِ مَأْكُول اللَّحْمِ طَاهِرٌ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَْنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ} (1) "، وَصَفَ اللَّبَنَ مُطْلَقًا بِالْخُلُوصِ وَالسُّيُوغِ مَعَ خُرُوجِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ، وَهَذَا آيَةُ الطَّهَارَةِ، وَكَذَا الآْيَةُ خَرَجَتْ مَخْرَجَ الاِمْتِنَانِ، وَالْمِنَّةُ فِي مَوْضِعِ النِّعْمَةِ تَدُل عَلَى الطَّهَارَةِ، وَالصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَكَلُوا الْجُبْنَ لَمَّا دَخَلُوا الْمَدَائِنَ، وَهُوَ يُعْمَل بِالإِْنْفَحَةِ، وَهِيَ تُؤْخَذُ مِنْ صِغَارِ الْمَعْزِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ اللَّبَنِ، وَذَبَائِحُهُمْ مَيْتَةٌ (2) . مَا سَبَقَ إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَيَوَانِ الْحَيِّ الْمَأْكُول اللَّحْمِ وَمَيْتَتِهِ،
7 - وَذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ
__________
(1) سورة النحل / 66.
(2) بدائع الصنائع 1 / 63، والكافي لابن عبد البر 1 / 440، ونهاية المحتاج 1 / 227، ومغني المحتاج 1 / 80، والمغني 1 / 74.

(35/197)


لَبَنَ الْحَيَوَانَاتِ الْمُتَّفَقِ عَلَى حُرْمَةِ أَكْلِهَا نَجِسٌ حَيَّةً كَانَتْ أَوْ مَيِّتَةً، يَقُول ابْنُ قُدَامَةَ: حُكْمُ الأَْلْبَانِ حُكْمُ اللَّحْمَانِ (1) ، وَفِي نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ: لَبَنُ مَا لاَ يُؤْكَل كَلَبَنِ الأَْتَانِ نَجِسٌ لِكَوْنِهِ مِنَ الْمُسْتَحِيلاَتِ فِي الْبَاطِنِ فَهُوَ نَجِسٌ (2) ، وَفِي جَوَاهِرِ الإِْكْلِيل: لَبَنُ غَيْرِ الآْدَمِيِّ الْمَحْلُوبِ فِي حَال الْحَيَاةِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ تَابِعٌ لِلَحْمِهِ فِي الطَّهَارَةِ وَعَدَمِهَا (3) ، وَفِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: الْحِمَارُ الأَْهْلِيُّ لَحْمُهُ حَرَامٌ فَكَذَلِكَ لَبَنُهُ (4) .

لَبَنُ الآْدَمِيِّ:
8 - لَبَنُ الآْدَمِيِّ الْحَيِّ طَاهِرٌ بِاتِّفَاقٍ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِنَ امْرَأَةٍ أَمْ مِنْ رَجُلٍ إِذْ لاَ يَلِيقُ بِكَرَامَتِهِ أَنْ يَكُونَ مَنْشَؤُهُ نَجِسًا. أَمَّا لَبَنُ الآْدَمِيِّ الْمَيِّتِ فَهُوَ طَاهِرٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ، لأَِنَّ اللَّبَنَ لاَ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ بَل هُوَ طَاهِرٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَإِنْ تَنَجَّسَ الْوِعَاءُ الأَْصْلِيُّ لَهُ، وَنَجَاسَةُ الظَّرْفِ إِنَّمَا تُوجِبُ نَجَاسَةَ الْمَظْرُوفِ إِذَا لَمْ يَكُنِ الظَّرْفُ مَعْدِنًا لِلْمَظْرُوفِ وَمَوْضِعًا لَهُ فِي الأَْصْل، فَأَمَّا إِذَا كَانَ فِي الأَْصْل مَوْضِعُهُ وَمَظَانُّهُ فَنَجَاسَتُهُ لاَ تُوجِبُ نَجَاسَةَ الْمَظْرُوفِ.
__________
(1) المغني 8 / 587.
(2) نهاية المحتاج 1 / 227.
(3) جواهر الإكليل 1 / 9.
(4) الفتاوى الهندية 5 / 290.

(35/198)


وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ لَبَنَ الآْدَمِيِّ الْمَيِّتِ نَجِسٌ، وَقِيل: إِنَّهُ طَاهِرٌ (1) .

بَيْعُ اللَّبَنِ:
9 - بَيْعُ لَبَنِ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُول اللَّحْمِ بَعْدَ حَلْبِهِ جَائِزٌ بِلاَ خِلاَفٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، لأَِنَّهُ طَاهِرٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ مَقْدُورٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ. وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي عِدَّةِ مَسَائِل.

أ - بَيْعُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ:
10 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ. وَقَدْ عَلَّلَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ مَجْهُول الصِّفَةِ وَالْمِقْدَارِ، فَقَدْ يَرَى امْتِلاَءَ الضَّرْعِ مِنَ السِّمَنِ فَيَظُنُّ أَنَّهُ مِنَ اللَّبَنِ، وَلأَِنَّ اللَّبَنَ قَدْ يَكُونُ صَافِيًا وَقَدْ يَكُونُ كَدِرًا، وَذَلِكَ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَمْ يَجُزْ، وَلأَِنَّهُ بَيْعُ عَيْنٍ لَمْ تُخْلَقْ.
وَعَلَّل الْحَنَفِيَّةُ الْمَنْعَ بِأَنَّ اللَّبَنَ لاَ يَجْتَمِعُ فِي الضَّرْعِ دُفْعَةً وَاحِدَةً، بَل شَيْئًا فَشَيْئًا فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ عَلَى وَجْهٍ يَتَعَذَّرُ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا، فَكَانَ الْمَبِيعُ مَعْجُوزَ التَّسْلِيمِ عِنْدَ الْبَيْعِ فَلاَ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُبَاعَ صُوفٌ عَلَى ظَهْرِ غَنَمٍ، أَوْ لَبَنٌ فِي ضَرْعٍ (2) ".
__________
(1) بدائع الصنائع 4 / 8 - 9، والدسوقي 1 / 50 - 51، والحطاب 1 / 93، ونهاية المحتاج 1 / 227، والمغني 4 / 288، 7 / 540.
(2) (3) حديث: " نهى أن يباع صوف على ظهر غنم، أو لبن في ضرع " أخرجه الدارقطني (3 / 14) والبيهقي (5 / 340) ورجح البيهقي أن المحفوظ هو عن ابن عباس موقوفًا عليه.

(35/198)


وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ بَيْعَ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ لِشِيَاهٍ بِأَعْيَانِهَا فِي إِبَّانِ لَبَنِهَا إِذَا سَمَّى شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً وَكَانَ قَدْ عَرَفَ وَجْهَ حِلاَبِهَا وَكَانَتِ الْغَنَمُ كَثِيرَةً. أَمَّا إِنْ كَانَ الشَّاةَ أَوِ الشَّاتَيْنِ فَاشْتَرَى رَجُلٌ حِلاَبَهَا عَلَى كَذَا وَكَذَا شَهْرًا بِكَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا فَلاَ، إِلاَّ أَنْ يَبِيعَ لَبَنَهَا كَيْلاً كُل قِسْطٍ بِكَذَا وَكَذَا. وَكَذَلِكَ أَجَازَ بَيْعَ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ الْحَسَنُ وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَكَرِهَهُ طَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ (1) .

بَيْعُ لَبَنِ الآْدَمِيِّ:
11 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى جَوَازِ بَيْعِ لَبَنِ الآْدَمِيَّةِ إِذَا حُلِبَ، لأَِنَّهُ لَبَنٌ طَاهِرٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ، وَلأَِنَّهُ لَبَنٌ أُبِيحَ شُرْبُهُ، فَأُبِيحَ بَيْعُهُ قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الأَْنْعَامِ، وَلأَِنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ فِي إِجَارَةِ الظِّئْرِ، فَأَشْبَهَ الْمَنَافِعَ. وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ قَوْل جَمَاعَةٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، لأَِنَّ اللَّبَنَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَالدَّلِيل عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالْمَعْقُول، أَمَّا
__________
(1) بدائع الصنائع 5 / 148، وحاشية ابن عابدين 4 / 108، والمدونة 4 / 296 - 297، ونهاية المحتاج 3 / 416، والمهذب 1 / 273، والمغني 4 / 231.

(35/199)


إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ فَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُمَا حَكَمَا فِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ بِالْقِيمَةِ، وَبِالْعَقْرِ بِمُقَابَلَةِ الْوَطْءِ، وَمَا حَكَمَا بِوُجُوبِ قِيمَةِ اللَّبَنِ بِالاِسْتِهْلاَكِ، وَلَوْ كَانَ مَالاً لَحَكَمَا، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمَا أَحَدٌ فَكَانَ إِجْمَاعًا، وَأَمَّا الْمَعْقُول فَلأَِنَّهُ لاَ يُبَاحُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ شَرْعًا عَلَى الإِْطْلاَقِ، بَل لِضَرُورَةِ تَغْذِيَةِ الطِّفْل، وَمَا حَرُمَ الاِنْتِفَاعُ بِهِ شَرْعًا إِلاَّ لِضَرُورَةٍ لاَ يَكُونُ مَالاً، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَنَّ النَّاسَ لاَ يَعُدُّونَهُ مَالاً، وَلاَ يُبَاعُ فِي سُوقٍ مِنَ الأَْسْوَاقِ، وَلأَِنَّهُ جُزْءٌ مِنَ الآْدَمِيِّ، وَالآْدَمِيُّ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ مُحْتَرَمٌ مُكَرَّمٌ، وَلَيْسَ مِنَ الْكَرَامَةِ وَالاِحْتِرَامِ ابْتِذَالُهُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ.
وَكَرِهَ بَيْعَهُ أَحْمَدُ (1) .
وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لاَ فَرْقَ بَيْنَ لَبَنِ الْحُرَّةِ وَلَبَنِ الأَْمَةِ فِي عَدَمِ جَوَازِ الْبَيْعِ، لأَِنَّ الآْدَمِيَّ لَمْ يُجْعَل مَحَلًّا لِلْبَيْعِ إِلاَّ بِحُلُول الرِّقِّ فِيهِ، وَالرِّقُّ لاَ يَحِل إِلاَّ فِي الْحَيِّ، وَاللَّبَنُ لاَ حَيَاةَ فِيهِ، فَلاَ يُحِلُّهُ الرِّقُّ، فَلاَ يَكُونُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ بَيْعُ لَبَنِ الأَْمَةِ لأَِنَّهُ جُزْءٌ مِنْ آدَمِيٍّ هُوَ مَالٌ، فَكَانَ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ كَسَائِرِ أَجْزَائِهِ (2) .
__________
(1) بدائع الصنائع 5 / 145، والفروق للقرافي وتهذيبه 3 / 240 - 241، ونهاية المحتاج 1 / 227، والمغني 4 / 288.
(2) بدائع الصنائع 5 / 145.

(35/199)


السَّلَمُ فِي اللَّبَنِ:
12 - يَجُوزُ السَّلَمُ فِي اللَّبَنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَفِي الأَْصَحِّ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَيُشْتَرَطُ ذِكْرُ جِنْسِ حَيَوَانِهِ وَنَوْعِهِ وَمَأْكُولِهِ مِنْ مَرْعًى أَوْ عَلَفٍ مُعَيَّنٍ بِنَوْعِهِ.
وَاللَّبَنُ الْمُطْلَقُ يُحْمَل عَلَى الْحُلْوِ وَإِنْ جَفَّ.
وَيَصِحُّ السَّلَمُ فِي اللَّبَنِ كَيْلاً وَوَزْنًا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَيُوزَنُ بِرَغْوَتِهِ، وَلاَ يُكَال بِهَا لأَِنَّهَا لاَ تُؤَثِّرُ فِي الْمِيزَانِ.
وَنَقَل الْمَرْوَزِيُّ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي اللَّبَنِ إِذَا كَانَ كَيْلاً أَوْ وَزْنًا.
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَهَذَا أَصَحُّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، لأَِنَّ الْغَرَضَ مَعْرِفَةُ قَدْرِهِ وَخُرُوجُهُ مِنَ الْجَهَالَةِ وَإِمْكَانُ تَسْلِيمِهِ مِنْ غَيْرِ تَنَازُعٍ، فَبِأَيِّ قَدْرٍ قَدَّرَهُ جَازَ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لاَ يَصِحُّ السَّلَمُ فِي حَامِضِ اللَّبَنِ لأَِنَّ حُمُوضَتَهُ عَيْبٌ إِلاَّ فِي مَخِيضٍ لاَ مَاءَ فِيهِ، فَيَصِحُّ فِيهِ وَلاَ يَضُرُّ وَصْفُهُ بِالْحُمُوضَةِ لأَِنَّهَا مَقْصُودَةٌ فِيهِ. وَيَصِحُّ السَّلَمُ فِي الْمَخِيضِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَلَوْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ، لأَِنَّ الْمَاءَ يَسِيرٌ يُتْرَكُ لأَِجْل الْمَصْلَحَةِ، وَقَدْ جَرَتِ الْعَادَةُ بِهِ، فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ السَّلَمِ فِيهِ (1) .
__________
(1) مغني المحتاج 2 / 109، والمغني 4 / 319.

(35/200)


وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ نَقَل الْمَوَّاقُ عَنِ الْمُدَوَّنَةِ: لاَ بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي اللَّبَنِ وَالْجِصِّ وَالزِّرْنِيخِ وَشِبْهِ ذَلِكَ (1) . وَاخْتَلَفَتِ النُّقُول عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَفِي الْبَدَائِعِ: يُشْتَرَطُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ إِلَى وَقْتِ الأَْجَل، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ أَوْ عِنْدَ مَحَل الأَْجَل، أَوْ كَانَ مَوْجُودًا فِيهِمَا لَكِنَّهُ انْقَطَعَ مِنْ أَيْدِي النَّاسِ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ كَالثِّمَارِ وَالْفَوَاكِهِ وَاللَّبَنِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، لاَ يَجُوزُ السَّلَمُ عِنْدَنَا.
بَيْنَمَا جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: إِذَا أَسْلَمَ فِي اللَّبَنِ فِي حِينِهِ كَيْلاً أَوْ وَزْنًا مَعْلُومًا إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ جَازَ (2) .

الاِنْتِفَاعُ بِلَبَنِ مَاشِيَةِ الْغَيْرِ
: 13 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ قَوْل الْمَالِكِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّ مَنْ مَرَّ بِمَاشِيَةِ غَيْرِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحْلِبَهَا لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا إِلاَّ بِإِذْنِ صَاحِبِهَا، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: لاَ يَحْلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ امْرِئٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرَبَتَهُ فَتُكْسَرَ خِزَانَتُهُ فَيَنْتَقِل طَعَامُهُ، فَإِنَّمَا تَخْزُنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَاشِيَتِهِمْ أَطْعِمَتَهُمْ، فَلاَ يَحْلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلاَّ
__________
(1) التاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 4 / 537.
(2) بدائع الصنائع 5 / 211، والفتاوى الهندية 3 / 182.

(35/200)


بِإِذْنِهِ - وَفِي رِوَايَةٍ -: فَإِنَّ مَا فِي ضُرُوعِ مَوَاشِيهِمْ مِثْل مَا فِي مَشَارِبِهِمْ (1) ، وَلِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ يَحِل لاِمْرِئٍ مِنْ مَال أَخِيهِ إِلاَّ مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ (2) .
وَاسْتَثْنَى كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ مَا إِذَا عَلِمَ بِطِيبِ نَفْسِ صَاحِبِهِ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ إِذْنٌ خَاصٌّ وَلاَ عَامٌّ.
وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لأَِحْمَدَ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ مَرَّ بِمَاشِيَةٍ أَنْ يَحْلِبَ وَيَشْرَبَ وَلاَ يَحْمِل مَعَهُ شَيْئًا، لِمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ عَلَى مَاشِيَةٍ فَإِنْ كَانَ فِيهَا: صَاحِبُهَا فَلْيَسْتَأْذِنْهُ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فَلْيَحْتَلِبْ وَلْيَشْرَبْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَحَدٌ فَيُصَوِّتُ ثَلاَثًا: فَإِنْ أَجَابَهُ أَحَدٌ فَلْيَسْتَأْذِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ فَلْيَحْتَلِبْ وَلْيَشْرَبْ وَلاَ يَحْمِل (3) .
وَقَال ابْنُ حَجَرٍ: ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ إِلَى الْجَوَازِ مُطْلَقًا فِي الأَْكْل وَالشُّرْبِ، سَوَاءٌ عَلِمَ بِطِيبِ نَفْسِ صَاحِبِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ.
وَالأَْقْوَال الَّتِي رُدَّتْ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ هِيَ
__________
(1) (1) حديث: " لا يحلبن أحد ماشية أحدٍ. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 5 / 88) ومسلم (3 / 1325) واللفظ للبخاري، والرواية الثانية للبيهقي (9 / 358) .
(2) (2) حديث: " لا يحل لامرئ في مال أخيه. . . ". أخرجه البيهقي (6 / 97) من حديث ابن عباس، وإسناده حسن.
(3) حديث: " إذا أتى أحدكم على ماشية. . . ". أخرجه الترمذي (3 / 581) من حديث سمرة بن جندب، وقال: حديث حسن غريب.

(35/201)


بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْمُحْتَاجِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُحْتَاجِ فَقَدْ قَالُوا: إِنْ كَانَ مُحْتَاجًا جَازَ لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ خِلاَفٍ (1) (أَيْ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْمَذْهَبِ) .

بَيْعُ اللَّبَنِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ:
14 - الأَْلْبَانِ مِنَ الرِّبَوِيَّاتِ الَّتِي لاَ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ إِذَا كَانَتْ جِنْسًا وَاحِدًا إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يُعْتَبَرُ جِنْسًا وَاحِدًا مِنَ الأَْلْبَانِ وَمَا لاَ يُعْتَبَرُ.
فَعِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ الأَْظْهُرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ الأَْلْبَانُ أَجْنَاسٌ، لأَِنَّهَا تَتَوَلَّدُ مِنَ الْحَيَوَانِ، وَالْحَيَوَانُ أَجْنَاسٌ، فَالضَّأْنُ وَالْمَعْزُ جِنْسٌ وَاحِدٌ لاَ يُبَاعُ أَحَدُهُمَا بِالآْخَرِ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، وَالْبَقَرُ وَالْجَوَامِيسُ جِنْسٌ وَاحِدٌ لاَ يُبَاعُ أَحَدُهُمَا بِالآْخَرِ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَعَلَى ذَلِكَ يَجُوزُ بَيْعُ لَبَنِ الْبَقَرِ بِلَبَنِ الْغَنَمِ مُتَفَاضِلاً.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَمُقَابِل الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الأَْلْبَانَ جِنْسٌ وَاحِدٌ، أَلْبَانُ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ وَالْبَقَرِ وَالْجَوَامِيسِ فَلاَ يُبَاعُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ (2) .
__________
(1) الفواكه الدواني 2 / 375، وفتح الباري 5 / 88 - 89، والمجموع للنووي 9 / 46 - 47 تحقيق المطيعي، والمغني 8 / 599 - 600.
(2) حاشية ابن عابدين 4 / 185، والدسوقي 3 / 50، وجواهر الإكليل 2 / 19، ومغني المحتاج 2 / 24 - 27، والمغني 4 / 37.

(35/201)