الموسوعة
الفقهية الكويتية مَبْطُونٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمَبْطُونُ فِي اللُّغَةِ:
هُوَ عَلِيل الْبَطْنِ مِنَ الْبَطَنِ بِفَتْحِ الطَّاءِ يُقَال: بَطِنَ -
بِكَسْرِ الطَّاءِ - بَطْنًا إِذَا أَصَابَهُ مَرَضُ الْبَطْنِ، وَيُقَال
بُطِنَ بِصِيغَةِ الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُول: اعْتَل بَطْنُهُ فَهُوَ
مَبْطُونٌ. وَفِي الاِصْطِلاَحِ: قَال النَّوَوِيُّ: الْمَبْطُونُ صَاحِبُ
دَاءِ الْبَطْنِ وَهُوَ الإِْسْهَال وَقِيل: هُوَ الَّذِي بِهِ
الاِسْتِسْقَاءُ وَانْتِفَاخُ الْبَطْنِ وَقِيل: هُوَ الَّذِي يَشْتَكِي
بَطْنَهُ وَقِيل: هُوَ الَّذِي يَمُوتُ بِدَاءِ بَطْنِهِ مُطْلَقًا أَيْ
شَامِلاً لِجَمِيعِ أَمْرَاضِ الْبَطْنِ وَقَال ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ:
قِيل هُوَ صَاحِبُ الإِْسْهَال وَقِيل: إِنَّهُ صَاحِبُ الْقُولَنْجِ (1)
وَالْبَطِينُ: الْعَظِيمُ الْبَطْنُ (2) .
__________
(1) القولنج: بضم القاف وفتح اللام: وجع في المعى المسمى قولن، وهو شدة
المغص (المصباح المنير) .
(2) المصباح المنير، والمفردات، والمعجم الوسيط، وشرح صحيح مسلم 13 / 66،
ودليل الفالحين 4 / 145، مغني المحتاج 1 / 350، ومواهب الجليل 2 / 248.
(36/59)
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
2 - الْمَبْطُونُ مَرِيضٌ وَمَعْذُورٌ فَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ
الْمَرْضَى وَأَصْحَابِ الأَْعْذَارِ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحَاتِ:
(مَرَضٌ وَتَيْسِيرٌ ف 32) .
وَقَدْ نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى عَدِّ الْمَبْطُونِ شَهِيدًا إِذَا مَاتَ
فِي بِطْنَتِهِ لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ وَالْمَبْطُونُ وَالْغَرِيقُ
وَصَاحِبُ الْهَدْمِ وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيل اللَّهِ عَزَّ وَجَل (1) .
وَقَسَّمُوا الشُّهَدَاءَ إِلَى أَقْسَامٍ ثَلاَثَةٍ: الأَْوَّل: شَهِيدُ
الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ، وَالثَّانِي: شَهِيدُ الدُّنْيَا، وَالثَّالِثُ:
شَهِيدُ الآْخِرَةِ. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَبْطُونَ مِنْ شُهَدَاءِ
الآْخِرَةِ. وَاتَّفَقُوا عَلَى تَغْسِيل الْمَبْطُونِ مَعَ عَدِّهِ
شَهِيدًا.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (شَهِيدٌ ف 3، 5 وَتَغْسِيل الْمَيِّتِ ف 21)
.
__________
(1) حديث: " الشهداء خمسة. . . ". أخرجه البخاري (الفتح 2 / 139) ومسلم (3
/ 1521) من حديث أبي هريرة.
(36/60)
مُبَلِّغٌ
انْظُرْ: تَبْلِيغٌ
مَبِيتٌ
انْظُرْ: مُزْدَلِفَةُ مِنًى قَسْمٌ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ
(36/60)
مُتَارَكَةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمُتَارَكَةُ فِي اللُّغَةِ:
مَصْدَرُ تَارَكَ مِنَ التَّرْكِ وَهُوَ التَّخْلِيَةُ وَالْمُفَارَقَةُ
يُقَال: تَتَارَكُوا الأَْمْرَ بَيْنَهُمْ أَيْ تَرَكَهُ كُلٌّ مِنْهُمْ،
وَتَارَكَهُ الْبَيْعَ مُتَارَكَةً إِذَا خَلاَّهُ كُلٌّ مِنْهُمْ (1) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: لَمْ يُعَرِّفِ الْفُقَهَاءُ الْمُتَارَكَةَ
تَعْرِيفًا وَاضِحًا وَلَمْ يَسْتَعْمِل جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ لَفْظَ
الْمُتَارَكَةِ بَل اسْتَعَاضُوا عَنْهُ بِلَفْظِ الْفَسْخِ (2) وَلَكِنَّ
الْحَنَفِيَّةَ اسْتَعْمَلُوا لَفْظَ الْمُتَارَكَةِ فِي بَعْضِ الْعُقُودِ
الْفَاسِدَةِ بِمَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ فِي الْجُمْلَةِ (3) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الإِْبْطَال:
2 - الإِْبْطَال لُغَةً: إِفْسَادُ الشَّيْءِ وَإِزَالَتُهُ حَقًّا
__________
(1) القاموس المحيط، وتاج العروس، والمصباح المنير، ومختار الصحاح.
(2) شرح المنهاج للمحلي 2 / 280، والمغني 6 / 453.
(3) الدر المختار مع حاشية ابن عابدين 4 / 125، و2 / 351 - 352، وفتح
القدير والهداية 3 / 287.
(36/61)
كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ أَوْ بَاطِلاً (1)
. وَفِي الاِصْطِلاَحِ: هُوَ الْحُكْمُ عَلَى الشَّيْءِ بِالْبُطْلاَنِ
سَوَاءٌ وُجِدَ صَحِيحًا ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ سَبَبُ الْبُطْلاَنِ أَوْ
وُجِدَ وُجُودًا حِسِّيًّا لاَ شَرْعِيًّا وَيَسْتَعْمِلُهُ الْفُقَهَاءُ
بِمَعْنَى الْفَسْخِ وَالإِْفْسَادِ وَالإِْزَالَةِ وَالنَّقْضِ
وَالإِْسْقَاطِ مَعَ اخْتِلاَفٍ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ (2) .
رُكْنُ الْمُتَارَكَةِ
3 - قَال الْحَنَفِيَّةُ: الأَْصْل فِي الْمُتَارَكَةِ أَنْ تَكُونَ
بِاللَّفْظِ الْمُعَبَّرِ بِهِ عَنْهَا مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ كَتَرَكْتُ
وَفَسَخْتُ وَنَقَضْتُ، وَتَصِحُّ بِلَفْظِ الطَّلاَقِ فِي النِّكَاحِ
الْفَاسِدِ وَلاَ يَنْقُصُ بِهَا عَدَدُ الطَّلَقَاتِ عَلَى الزَّوْجِ (3)
.
وَيَحِل مَحَل اللَّفْظِ فِي أَغْلَبِ الأَْحْوَال الْفِعْل الْمُعَبَّرُ
بِهِ عَنْهَا مِثْل رَدِّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بَيْعًا فَاسِدًا عَلَى
بَائِعِهِ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ بِوَجْهٍ مِنَ
الْوُجُوهِ كَإِعَارَةٍ وَإِجَارَةٍ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مُتَارَكَةٌ
لِلْبَيْعِ فَتَصِحُّ وَيَبْرَأُ الْمُشْتَرِي مِنْ ضَمَانِهِ (4) . هَذَا
فِي الْمُعَاوَضَاتِ عَامَّةً. وَهَل يَكُونُ ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ
أَيْضًا؟ .
__________
(1) تاج العروس، والمفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني.
(2) القليوبي 3 / 33، 176، 4 / 44، ومطالب أولي النهى 3 / 231، والاختيار 2
/ 15.
(3) حاشية ابن عابدين 2 / 351 - 352.
(4) الدر المختار في هامش ابن عابدين عليه نقلاً عن القنية 4 / 125.
(36/61)
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: إِنَّ
الْحَنَفِيَّةَ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمُتَارَكَةَ فِي النِّكَاحِ
الْفَاسِدِ لاَ تَتَحَقَّقُ بَعْدَ الدُّخُول إِلاَّ بِالْقَوْل
كَتَرَكْتُكِ وَخَلَّيْتُ سَبِيلَكِ وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُول بِهَا
فَقِيل: تَكُونُ الْمُتَارَكَةُ بِالْقَوْل أَوْ بِالتَّرْكِ عَلَى قَصْدِ
عَدَمِ الْعَوْدِ إِلَيْهَا، وَقِيل: لاَ تَكُونُ إِلاَّ بِالْقَوْل كَحَال
مَا بَعْدَ الدُّخُول حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا وَمَضَى عَلَى عِدَّتِهَا
سُنُونَ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِآخَرَ هَذَا إِذَا تَرَكَهَا
مَعَ الْعَزْمِ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ إِلَيْهَا فَإِذَا تَرَكَهَا مِنْ
غَيْرِ عَزْمٍ عَلَى ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ مُتَارَكَةً عِنْدَ
الْحَنَفِيَّةِ، وَخَالَفَ زُفَرُ فِي ذَلِكَ وَعَدَّهَا مُتَارَكَةً
أَيْضًا وَأَوْجَبَ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ مِنْ تَارِيخِ آخِرِ لِقَاءٍ لَهُ
بِهَا (1) .
مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمُتَارَكَةِ مِنْ أَحْكَامٍ:
4 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ كُل مَبِيعٍ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ
رَدَّهُ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ بَيْعٍ
أَوْ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ: كَإِعَارَةٍ وَإِجَارَةٍ وَوَقَعَ فِي يَدِ
بَائِعِهِ فَهُوَ مُتَارَكَةٌ لِلْبَيْعِ وَبَرِئَ الْمُشْتَرِي مِنْ
ضَمَانِهِ (2) .
وَقَالُوا: يَثْبُتُ لِكُل وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ فِي النِّكَاحِ
الْفَاسِدِ فَسْخُهُ وَلَوْ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ دَخَل بِهَا
أَوْ لاَ فِي الأَْصَحِّ خُرُوجًا عَنِ
__________
(1) حاشية ابن عابدين 2 / 283، وبدائع الصنائع 2 / 335، وفتح القدير 3 /
287.
(2) الدر المختار 4 / 125.
(36/62)
الْمَعْصِيَةِ فَلاَ يُنَافِي وُجُوبَهُ
بَل يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا وَتَجِبُ الْعِدَّةُ
بَعْدَ الْوَطْءِ لاَ الْخَلْوَةِ لِلطَّلاَقِ لاَ لِلْمَوْتِ مِنْ وَقْتِ
التَّفْرِيقِ أَوْ مُتَارَكَةِ الزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ تَعْلَمِ الْمَرْأَةُ
بِالْمُتَارَكَةِ فِي الأَْصَحِّ (1) .
وَإِذَا تَمَّتِ الْمُتَارَكَةُ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَتَحَقَّقَ
رُكْنُهَا انْقَضَتْ كُل آثَارِ الْعَقْدِ الَّذِي وَرَدَتْ عَلَيْهِ
لاِنْتِقَاضِهِ بِهَا وَوَجَبَ رَدُّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَعْدَهَا إِلَى
الْحَالَةِ الَّتِي كَانَا عَلَيْهَا قَبْل التَّعَاقُدِ مَا أَمْكَنَ
فَيَتَرَادَّ الْمُتَعَاقِدَانِ الْبَدَلَيْنِ وَيَتَفَرَّقُ الزَّوْجَانِ
وَيَكُونُ كُل لِقَاءٍ لَهُمَا بَعْدَهُ حَرَامًا وَزِنًا يُوجِبُ
الْحَدَّ. فَإِذَا تَعَذَّرَ ذَلِكَ كَمَا لَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ بَعْدَ
الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَوْ وَلَدَتِ الْمَرْأَةُ بَعْدَ
الدُّخُول فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ ثُمَّ تَمَّتِ الْمُتَارَكَةُ وَجَبَ
عَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّ قِيمَةِ الْمَبِيعِ بَالِغًا مَا بَلَغَ
لِتَعَذُّرِ رَدِّ عَيْنِهِ كَمَا وَجَبَ عَلَى الزَّوْجَيْنِ التَّفَرُّقُ
إِثْرَ الْمُتَارَكَةِ مَعَ ثُبُوتِ نَسَبِ الْوَلَدِ، وَكَذَلِكَ
إِثْبَاتُ الْمَهْرِ وَوُجُوبُ الْعِدَّةِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ حِفْظًا
لِحَقِّ الشَّرْعِ فِي الْمَهْرِ وَالْعِدَّةِ وَحَقِّ الْوَلَدِ فِي
النَّسَبِ وَهِيَ مِنَ الْحُقُوقِ الَّتِي لاَ تَقْبَل الإِْلْغَاءَ (2) .
__________
(1) الدر المختار بهامش حاشية رد المحتار 2 / 351.
(2) المحلي على منهاج الطالبين 2 / 280، 335، والمغني 7 / 332 - 333، وابن
عابدين 2 / 945، وفتح القدير 3 / 287.
(36/62)
مَتَاعٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمَتَاعُ فِي اللُّغَةِ:
اسْمٌ لِكُل شَيْءٍ يُنْتَفَعُ بِهِ فَيَتَنَاوَل: مُتْعَةَ الْحَجِّ،
وَمُتْعَةَ الطَّلاَقِ، وَمَا يَسْتَمْتِعُ بِهِ الإِْنْسَانُ فِي
حَوَائِجِهِ مِمَّا يَلْبَسُهُ وَيَفْرِشُهُ، وَالسُّتُورُ وَالْمَرَافِقُ
كُلُّهَا (1) .
وَاصْطِلاَحًا: كُل مَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ عُرُوضِ الدُّنْيَا
قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا (2) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَتَاعِ:
مَتَاعُ الْبَيْتِ
2 - عَبَّرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَمَّا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ
تَوْفِيرُهُ لِزَوْجَتِهِ بِمَتَاعِ الْبَيْتِ، وَعَدَّدَ الآْخَرُونَ مَا
يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ فِي الْبَيْتِ وَسَمَّوْهُ آلاَتٍ
أَوْ أَدَوَاتٍ لِلنَّوْمِ أَوْ لِلطَّبْخِ وَغَيْرِهَا وَقَالُوا: إِنَّهُ
يَجِبُ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا آلاَتُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَطَبْخٍ،
وَلَهَا أَيْضًا مَسْكَنٌ يَلِيقُ بِهَا إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ
النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا (3) .
__________
(1) لسان العرب والكليات، ومتن اللغة.
(2) قواعد الفقه للبركتي (متاع) .
(3) الدر المختار 2 / 248، والشرح الصغير 2 / 733، وما بعدها، 837، وحاشية
الدسوقي 2 / 511، والقوانين الفقهية 222 ونهاية المحتاج 8 / 194، والمغني 7
/ 568.
(36/63)
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (نَفَقَةٌ) .
التَّنَازُعُ عَلَى مِلْكِيَّةِ الْمَتَاعِ
3 - الْقَاعِدَةُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ:
أَنَّ وَضْعَ الْيَدِ عَلَى الشَّيْءِ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ فِي
دَعْوَى الْمِلْكِيَّةِ إِنْ لَمْ يُوجَدْ حُجَّةٌ أَقْوَى مِنْهَا
كَالْبَيِّنَةِ فَيُقْضَى لِصَاحِبِ الْيَدِ بِيَمِينِهِ بِاتِّفَاقِ
الْفُقَهَاءِ.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (تَنَازُعُ الأَْيْدِي ف 2) .
وَإِذَا كَانَ الشَّيْءُ فِي يَدِهِمَا وَلَمْ يَكُنْ لأَِحَدِهِمَا
بَيِّنَةٌ يَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلآْخَرِ فَيُجْعَل بَيْنَهُمَا.
وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا وَنَكَل الآْخَرُ عَنِ الْيَمِينِ فَالْمُدَّعَى
بِهِ لِلْحَالِفِ، هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ لأَِحَدِهِمَا مَا يَصْلُحُ
لِلتَّرْجِيحِ فِي عُرْفٍ أَوْ ظَاهِرِ حَالٍ فَيُقْضَى لَهُ بِهِ
بِيَمِينِهِ.
وَعَلَى ذَلِكَ إِذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي مَتَاعِ بَيْتِ
الزَّوْجِيَّةِ أَوْ بَعْضِهِ فَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ مِلْكُهُ
أَوْ شَرِيكٌ فِيهِ وَلَمْ تُوجَدِ بَيِّنَةٌ يُحْكَمُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا
بِمَا يَلِيقُ بِهِ فِي الْعُرْفِ نَظَرًا إِلَى الظَّاهِرِ الْمُسْتَفَادِ
مِنَ الْعَادَةِ.
فَإِذَا تَنَازَعَا فِيمَا يَصْلُحُ لِلرِّجَال:
كَالْعِمَامَةِ وَالسَّيْفِ وَقُمْصَانِ الرِّجَال وَأَقْبِيَتِهِمْ
وَالسِّلاَحِ وَأَشْبَاهِهَا فَهِيَ لِلزَّوْجِ، وَإِنْ
(36/63)
نَازَعَهَا الزَّوْجُ فِيمَا يَخْتَصُّ
بِالنِّسَاءِ كَالْمُكْحُلَةِ وَالْمَقَانِعِ فَهُوَ لِلزَّوْجَةِ
اسْتِنَادًا إِلَى الظَّاهِرِ الْمُسْتَفَادِ مِنَ الْعَادَةِ (1) .
أَمَّا إِذَا تَنَازَعَا فِيمَا يَصْلُحُ لَهُمَا فَقَدِ اخْتَلَفَ
الْفُقَهَاءُ فِيهِ، فَقَال الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ: إِنَّهُ
لِلرَّجُل لأَِنَّ الْقَوْل فِي الدَّعَاوَى لِصَاحِبِ الْيَدِ بِخِلاَفِ
مَا يَخْتَصُّ بِهَا لأَِنَّهُ يُعَارِضُهُ ظَاهِرٌ أَقْوَى مِنْهُ (2) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنَّهُ بَيْنَهُمَا إِذَا كَانَ مِمَّا يَصْلُحُ
لَهُمَا (3) .
وَإِذَا اخْتَلَفَ أَحَدُهُمَا وَوَرَثَةُ الآْخَرِ فَمَا يَصْلُحُ
لأَِحَدِهِمَا فَهُوَ كَاخْتِلاَفِهِمَا، فَمَا كَانَ خَاصًّا بِالرِّجَال
فَهُوَ لِلرَّجُل أَوْ لِوَرَثَتِهِ، وَمَا يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ فَهُوَ
لَهَا أَوْ لِوَرَثَتِهَا.
أَمَّا مَا يَصْلُحُ لَهُمَا فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فَقَال
الْحَنَفِيَّةُ: هُوَ لِلْحَيِّ مِنْهُمَا لأَِنَّهُ لاَ يَدَ لِلْمَيِّتِ،
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: هُوَ بَيْنَ الْحَيِّ وَبَيْنَ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ
مِنْهُمَا (4) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ تَنَازُعَ الزَّوْجَيْنِ فِي مَتَاعِ
الْبَيْتِ كَتَنَازُعِ أَجْنَبِيَّيْنِ فِي شَيْءٍ بِيَدِهِمَا:
فَيَتَحَالَفَانِ فَيُجْعَل بَيْنَهُمَا إِنْ حَلَفَا، وَإِنْ نَكَل
أَحَدُهُمَا فَهُوَ لِلْحَالِفِ، وَلاَ
__________
(1) رد المحتار 4 / 432، وفتح القدير 6 / 209، والمدونة 2 / 266 وما بعدها،
وكشاف القناع 6 / 389 وما بعدها، وقواعد الأحكام 2 / 47.
(2) المصادر السابقة.
(3) كشاف القناع 6 / 389.
(4) المصادر السابقة.
(36/64)
فَرْقَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ مَا يَصْلُحُ
لأَِحَدِهِمَا وَمَا يَصْلُحُ لَهُمَا وَمَا لاَ يَصْلُحُ لِوَاحِدٍ
مِنْهُمَا. فَإِذَا نَازَعَهَا عَلَى مَقَانِعِهَا أَوْ نَازَعَتْهُ عَلَى
الْعِمَامَةِ وَقُمْصَانِ الرِّجَال وَالسِّلاَحِ فَإِنَّهُمَا
يَتَحَالَفَانِ إِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ وَكَذَا إِنْ تَنَازَعَا مَا
لاَ يَصْلُحُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا كَكُتُبِ الْفِقْهِ وَهُمَا غَيْرُ
فَقِيهَيْنِ وَمُصْحَفٍ وَهُمَا أُمِّيَّانِ (1)
وَلاَ فَرْقَ فِي الأَْحْكَامِ السَّابِقَةِ بَيْنَ مُفَارَقَةٍ وَمَنْ فِي
عِصْمَةِ الزَّوْجِ (2) .
اخْتِلاَفُ زَوْجَاتِ رَجُلٍ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ
4 - إِذَا تَنَازَعَتْ زَوْجَاتُ الرَّجُل فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فَإِنْ
كُنَّ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ الْمَتَاعَ الْخَاصَّ بِالنِّسَاءِ
يَكُونُ بَيْنَهُنَّ عَلَى السَّوَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ كُل وَاحِدَةٍ
مِنْهُنَّ فِي بَيْتٍ عَلَى حِدَةٍ فَمَا فِي بَيْتِ كُل امْرَأَةٍ هُوَ
بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا أَوْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَرَثَتِهِ عَلَى
مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ (3) .
تَخْلِيَةُ الْعَقَارِ الْمَبِيعِ مِنْ مَتَاعِ غَيْرِ الْمُشْتَرِي
5 - يُشْتَرَطُ فِي قَبْضِ غَيْرِ الْمَنْقُول تَخْلِيَتُهُ لِمُشْتَرٍ
وَتَفْرِيغُهُ مِنْ مَتَاعِ غَيْرِهِ (4) . وَالتَّفْصِيل فِي (قَبْضٌ ف 6)
.
__________
(1) نهاية المحتاج 8 / 363، وروض الطالب 4 / 424.
(2) البحر الرائق 7 / 246، وفتح القدير 6 / 209، وكشاف القناع 6 / 389.
(3) المصادر السابقة.
(4) حاشية الجمل 3 / 169.
(36/64)
إِلْقَاءُ الْمَتَاعِ لِخَوْفِ غَرَقِ
نَفْسٍ أَوْ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ
6 - إِذَا أَشْرَفَتْ سَفِينَةٌ بِهَا مَتَاعٌ وَرَاكِبٌ عَلَى غَرَقٍ
وَخِيفَ غَرَقُهَا جَازَ إِلْقَاءُ مَتَاعِهَا فِي الْبَحْرِ رَجَاءَ
سَلاَمَتِهَا وَيَجِبُ إِلْقَاءُ الْمَتَاعِ لِرَجَاءِ نَجَاةِ الرَّاكِبِ
الْمُحْتَرَمِ. وَكَذَلِكَ يَجِبُ إِلْقَاءُ الْحَيَوَانِ الْمُحْتَرَمِ
لِنَجَاةِ الآْدَمِيِّ الْمُحْتَرَمِ. فَإِنْ أَلْقَى مَتَاعَ غَيْرِهِ
بِلاَ إِذْنٍ مِنْهُ ضَمِنَهُ، وَإِنْ أَلْقَاهُ بِإِذْنِهِ فَلاَ ضَمَانَ،
وَلَوْ قَال شَخْصٌ: أَلْقِ مَتَاعَكَ فِي الْبَحْرِ وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ
أَوْ قَال: عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ ضَمِنَ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (ضَمَانٌ ف 145 سَفِينَةٌ ف 10) .
سَرِقَةُ مَتَاعِ الْمَسْجِدِ
7 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُقَامُ
حَدُّ السَّرِقَةِ عَلَى مَنْ سَرَقَ مَا أُعِدَّ لاِنْتِفَاعِ النَّاسِ
بِهِ مِنْ مَتَاعِ الْمَسْجِدِ كَالْحُصْرِ وَالْبُسُطِ وَقَنَادِيل
الإِْضَاءَةِ وَلَوْ كَانَتْ مُحْرَزَةً بِحَافِظٍ لأَِنَّ حَقَّ
السَّارِقِ فِي الاِنْتِفَاعِ بِهَا يُعْتَبَرُ شُبْهَةً تَدْرَأُ عَنْهُ
الْحَدَّ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (سَرِقَةٌ ف 38 - 40) .
(36/65)
مُتَّهَمٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمُتَّهَمُ لُغَةً:
مَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ التُّهْمَةُ وَالتُّهْمَةُ هِيَ: الشَّكُّ
وَالرِّيبَةُ وَاتَّهَمْتُهُ: ظَنَنْتُ بِهِ سُوءًا فَهُوَ تَهِيمٌ،
وَاتُّهِمَ الرَّجُل اتِّهَامًا: أَتَى بِمَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ (1) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ
(2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْمُدَّعَى عَلَيْهِ:
2 - الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: هُوَ مَنْ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ دَعْوَى
دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ أَوْ حَقٍّ وَالْمُدَّعِي: هُوَ مَنْ يَلْتَمِسُ
لِنَفْسِهِ ذَلِكَ قِبَل الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمُتَّهَمِ وَبَيْنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عُمُومٌ
وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ.
مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُتَّهَمِ مِنْ أَحْكَامٍ:
تَتَعَلَّقُ بِالْمُتَّهَمِ أَحْكَامٌ مُخْتَلِفَةٌ مِنْهَا:
__________
(1) المصباح المنير مادة (تهم) .
(2) الدر المختار 3 / 187 - ط. بولاق.
(36/65)
الْمُتَّهَمُ بِالْكَذِبِ فِي حَدِيثِ
رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
3 - عَدَّ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ الْمُتَّهَمَ بِالْكَذِبِ فِي
الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْكَذَّابِ مِنْ مَرَاتِبِ أَلْفَاظِ
التَّجْرِيحِ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ. وَقَال ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: تَجُوزُ
رِوَايَةُ حَدِيثِ مَنْ كَثُرَتْ غَفْلَتُهُ فِي غَيْرِ الأَْحْكَامِ
وَأَمَّا رِوَايَةُ أَهْل التُّهْمَةِ بِالْكَذِبِ فَلاَ تَجُوزُ إِلاَّ
مَعَ بَيَانِ حَالِهِمْ. وَالَّذِي يَتَبَيَّنُ مِنْ عَمَل الإِْمَامِ
أَحْمَدَ وَكَلاَمِهِ أَنَّهُ يَتْرُكُ الرِّوَايَةَ عَنِ الْمُتَّهَمِينَ
وَالَّذِينَ غَلَبَ عَلَيْهِمْ كَثْرَةُ الْخَطَأِ لِلْغَفْلَةِ وَسُوءِ
الْحِفْظِ. وَذَكَرَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ أَنَّ الْمُتَّهَمَ
بِالْفِسْقِ الْمُبْتَدِعَ الَّذِي لَمْ يَكْفُرْ بِبِدْعَتِهِ إِذَا كَانَ
دَاعِيَةً إِلَى بِدْعَتِهِ لَمْ تُقْبَل رِوَايَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ
دَاعِيَةً قُبِل وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ كَمَا قَال الْخَطِيبُ وَقَال
ابْنُ الصَّلاَحِ: وَهَذَا مَذْهَبُ الْكَثِيرِ أَوِ الأَْكْثَرِ وَهُوَ
أَعْدَلُهَا وَأَوْلاَهَا (1) .
الْمُتَّهَمُ فِي الْجَرَائِمِ
4 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْحُدُودَ لاَ تُقَامُ
عَلَى الْمُتَّهَمِ بِالتُّهْمَةِ. أَمَّا التَّعْزِيرُ بِالتُّهْمَةِ
فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ لِلْقَاضِي
تَعْزِيرَ الْمُتَّهَمِ إِذَا
__________
(1) ألفية الحديث مع فتح المغيث للحافظ العراقي ص176 - ط. دار الجيل -
بيروت، والعلل للترمذي 1 / 386 - 387، وشرح مقدمة ابن الصلاح ص114، وشرح
ألفية الحديث للحافظ العراقي ص49.
(36/66)
قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ ارْتَكَبَ
مَحْظُورًا وَلَمْ يَكْتَمِل نِصَابُ الْحُجَّةِ، أَوِ اسْتَفَاضَ عَنْهُ
أَنَّهُ يَعِيثُ فِي الأَْرْضِ فَسَادًا وَقَالُوا: إِنَّ الْمُتَّهَمَ
بِذَلِكَ إِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى فَلاَ يَجُوزُ
تَعْزِيرُهُ بَل يُعَزَّرُ مُتَّهَمُهُ وَإِنْ كَانَ مَجْهُول الْحَال
فَيُحْبَسُ حَتَّى يَنْكَشِفَ أَمْرُهُ، وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا
بِالْفُجُورِ فَيُعَزَّرُ بِالضَّرْبِ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ بِالْحَبْسِ،
وَقَالُوا: وَهُوَ الَّذِي يَسَعُ النَّاسَ وَعَلَيْهِ الْعَمَل.
(ر: تُهْمَةٌ ف 14) .
وَقَال الْمَاوَرْدِيُّ: الْجَرَائِمُ مَحْظُورَاتٌ شَرْعِيَّةٌ زَجَرَ
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا بِحَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ وَلَهَا عِنْدَ
التُّهْمَةِ حَال اسْتِبْرَاءٍ تَقْتَضِيهِ السِّيَاسَةُ الدِّينِيَّةُ
وَلَهَا عِنْدَ ثُبُوتِهَا وَصِحَّتِهَا حَال اسْتِيفَاءٍ تُوجِبُهُ
الأَْحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ.
فَأَمَّا حَالُهَا بَعْدَ التُّهْمَةِ وَقَبْل ثُبُوتِهَا وَصِحَّتِهَا
فَمُعْتَبَرٌ بِحَال النَّظَرِ فِيهَا فَإِنْ كَانَ حَاكِمًا رُفِعَ
إِلَيْهِ رَجُلٌ قَدِ اتُّهِمَ بِسَرِقَةٍ أَوْ زِنًا لَمْ يَكُنْ
لِتُهْمَةٍ بِهَا تَأْثِيرٌ عِنْدَهُ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْبِسَهُ
لِكَشْفٍ وَلاَ اسْتِبْرَاءٍ وَلاَ أَنْ يَأْخُذَهُ بِأَسْبَابِ
الإِْقْرَارِ إِجْبَارًا وَلَمْ يَسْمَعِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ فِي
السَّرِقَةِ إِلاَّ مِنْ خَصْمٍ مُسْتَحِقٍّ لِمَا قَرَفَ وَرَاعَى مَا
يَبْدُو مِنْ إِقْرَارِ الْمَتْهُومِ أَوْ إِنْكَارِهِ إِنِ اتُّهِمَ
بِالزِّنَا لَمْ يَسْمَعِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ يَذْكُرَ
الْمَرْأَةَ الَّتِي زَنَى بِهَا وَيَصِفَ مَا فَعَلَهُ بِهَا بِمَا
يَكُونُ زِنًا مُوجِبًا لِلْحَدِّ فَإِنْ أَقَرَّ حَدَّهُ بِمُوجِبِ
(36/66)
إِقْرَارِهِ وَإِنْ أَنْكَرَ وَكَانَتْ
بَيِّنَةً سَمِعَهَا عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَحْلَفَهُ فِي حُقُوقِ
الآْدَمِيِّينَ دُونَ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى إِذَا طَلَبَ الْخَصْمُ
الْيَمِينَ. وَإِنْ كَانَ النَّاظِرُ الَّذِي رُفِعَ إِلَيْهِ هَذَا
الْمَتْهُومُ أَمِيرًا كَانَ لَهُ مَعَ هَذَا الْمَتْهُومِ مِنْ أَسْبَابِ
الْكَشْفِ وَالاِسْتِبْرَاءِ مَا لَيْسَ لِلْقُضَاةِ وَالْحُكَّامِ
وَذَلِكَ مِنْ تِسْعَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلأَْمِيرِ أَنْ يَسْمَعَ قَرْفَ
الْمَتْهُومِ مِنْ أَعْوَانِ الإِْمَارَةِ مِنْ غَيْرِ تَحْقِيقٍ
لِلدَّعْوَى الْمُقَرَّرَةِ وَيَرْجِعَ إِلَى قَوْلِهِمْ فِي الإِْخْبَارِ
عَنْ حَال الْمَتْهُومِ وَهَل هُوَ مِنْ أَهْل الرِّيَبِ؟ وَهَل هُوَ
مَعْرُوفٌ بِمِثْل مَا قُرِفَ بِهِ أَمْ لاَ؟ فَإِنْ بَرَّءُوهُ مِنْ مِثْل
ذَلِكَ خَفَّتِ التُّهَمَةُ وَوُضِعَتْ وَعَجَّل إِطْلاَقَهُ وَلَمْ
يَغْلُظْ عَلَيْهِ وَإِنْ قَرَّفُوهُ بِأَمْثَالِهِ وَعَرَّفُوهُ
بِأَشْبَاهِهِ غَلُظَتِ التُّهَمَةُ وَقَوِيَتْ وَاسْتُعْمِل فِيهَا مِنْ
حَال الْكَشْفِ مَا يُنَاسِبُهُ وَلَيْسَ هَذَا لِلْقُضَاةِ.
الثَّانِي: أَنَّ لِلأَْمِيرِ أَنْ يُرَاعِيَ شَوَاهِدَ الْحَال
وَأَوْصَافَ الْمَتْهُومِ فِي قُوَّةِ التُّهْمَةِ وَضَعْفِهَا فَإِنْ
كَانَتِ التُّهَمَةُ زِنًا وَكَانَ الْمَتْهُومُ مُطِيعًا لِلنِّسَاءِ ذَا
فُكَاهَةٍ وَخَلاَبَةٍ قَوِيَتِ التُّهَمَةُ، وَإِنْ كَانَ بِضِدِّهِ
ضَعُفَتْ، وَإِنْ كَانَتِ التُّهَمَةُ بِسَرِقَةٍ وَكَانَ الْمَتْهُومُ
بِهَا ذَا عِيَارَةٍ (1) أَوْ فِي بَدَنِهِ آثَارٌ
__________
(1) قال ابن الأنباري: العيار من الرجال الذي يخلي نفسه وهواها لا يروعها
ولا يزجرها. (المصباح المنير) .
(36/67)
لِضَرْبٍ أَوْ كَانَ مَعَهُ حِينَ أُخِذَ
مُنَقِّبٌ قَوِيَتِ التُّهَمَةُ وَإِنْ كَانَ بِضِدِّهِ ضَعُفَتْ وَلَيْسَ
هَذَا لِلْقُضَاةِ أَيْضًا.
الثَّالِثُ: أَنَّ لِلأَْمِيرِ أَنْ يُعَجِّل حَبْسَ الْمَتْهُومِ
لِلْكَشْفِ وَالاِسْتِبْرَاءِ وَاخْتُلِفَ فِي مُدَّةِ حَبْسِهِ لِذَلِكَ
فَذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ
أَنَّ حَبْسَهُ لِلاِسْتِبْرَاءِ وَالْكَشْفِ مُقَدَّرٌ بِشَهْرٍ وَاحِدٍ
لاَ يَتَجَاوَزُهُ وَقَال غَيْرُهُ: بَل لَيْسَ بِمُقَدَّرٍ وَهُوَ
مَوْقُوفٌ عَلَى رَأْيِ الإِْمَامِ وَاجْتِهَادِهِ وَهَذَا أَشْبَهُ
وَلَيْسَ لِلْقُضَاةِ أَنْ يَحْبِسُوا أَحَدًا إِلاَّ بِحَقٍّ وَجَبَ.
الرَّابِعُ: أَنَّهُ يَجُوزُ لِلأَْمِيرِ مَعَ قُوَّةِ التُّهْمَةِ أَنْ
يَضْرِبَ الْمَتْهُومَ ضَرْبَ التَّعْزِيرِ لاَ ضَرْبَ الْحَدِّ لِيَأْخُذَ
بِالصِّدْقِ عَنْ حَالِهِ فِيمَا قُرِفَ بِهِ وَاتُّهِمَ، فَإِنْ أَقَرَّ
وَهُوَ مَضْرُوبٌ اعْتُبِرَتْ حَالُهُ فِيمَا ضُرِبَ عَلَيْهِ، فَإِنْ
ضُرِبَ لِيُقِرَّ لَمْ يَكُنْ لإِِقْرَارِهِ تَحْتَ الضَّرْبِ حُكْمٌ،
وَإِنْ ضُرِبَ لِيَصْدُقَ عَنْ حَالِهِ وَأَقَرَّ تَحْتَ الضَّرْبِ قُطِعَ
ضَرْبُهُ وَاسْتُعِيدَ إِقْرَارُهُ فَإِذَا أَعَادَهُ كَانَ مَأْخُوذًا
بِالإِْقْرَارِ الثَّانِي دُونَ الأَْوَّل، فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى
الإِْقْرَارِ الأَْوَّل وَلَمْ يَسْتَعِدْهُ لَمْ يُضَيَّقْ عَلَيْهِ أَنْ
يَعْمَل بِالإِْقْرَارِ الأَْوَّل وَإِنْ كَرِهْنَاهُ.
الْخَامِسُ: أَنَّهُ يَجُوزُ لِلأَْمِيرِ فِيمَنْ تَكَرَّرَتْ مِنْهُ
الْجَرَائِمُ وَلَمْ يَنْزَجِرْ عَنْهَا بِالْحُدُودِ أَنْ يَسْتَدِيمَ
(36/67)
حَبْسَهُ إِذَا اسْتَضَرَّ النَّاسُ
بِجَرَائِمِهِ حَتَّى يَمُوتَ، بَعْدَ أَنْ يَقُومَ بِقُوتِهِ وَكِسْوَتِهِ
مِنْ بَيْتِ الْمَال، لِيَدْفَعَ ضَرَرَهُ عَنِ النَّاسِ، وَإِنْ لَمْ
يَكُنْ ذَلِكَ لِلْقُضَاةِ.
السَّادِسُ: أَنَّهُ يَجُوزُ لِلأَْمِيرِ إِحْلاَفُ الْمَتْهُومِ
اسْتِبْرَاءً لِحَالِهِ، وَتَغْلِيظًا عَلَيْهِ فِي الْكَشْفِ عَنْ
أَمْرِهِ فِي التُّهْمَةِ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ
الآْدَمِيِّينَ، وَلاَ يُضَيِّقُ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَهُ بِالطَّلاَقِ
وَالْعِتَاقِ، وَلَيْسَ لِلْقُضَاةِ إِحْلاَفُ أَحَدٍ عَلَى غَيْرِ حَقٍّ،
وَلاَ أَنْ يُجَاوِزُوا الأَْيْمَانَ بِاللَّهِ إِلَى الطَّلاَقِ أَوِ
الْعِتْقِ.
السَّابِعُ: أَنَّ لِلأَْمِيرِ أَنْ يَأْخُذَ أَهْل الْجَرَائِمِ
بِالتَّوْبَةِ إِجْبَارًا، وَيُظْهِرَ مِنَ الْوَعِيدِ عَلَيْهِمْ مَا
يَقُودُهُمْ إِلَيْهَا طَوْعًا، وَلاَ يُضَيِّقُ عَلَيْهِمُ الْوَعِيدَ
بِالْقَتْل فِيمَا لاَ يَجِبُ فِيهِ الْقَتْل، لأَِنَّهُ وَعِيدُ إِرْهَابٍ
يَخْرُجُ عَنْ حَدِّ الْكَذِبِ إِلَى حَيِّزِ التَّعْزِيرِ وَالأَْدَبِ،
وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُحَقِّقَ وَعِيدَهُ بِالْقَتْل فَيَقْتُل فِيمَا لاَ
يَجِبُ فِيهِ الْقَتْل.
الثَّامِنُ: أَنَّهُ يَجُوزُ لِلأَْمِيرِ أَنْ يَسْمَعَ شَهَادَاتِ أَهْل
الْمِهَنِ وَمَنْ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْهُ الْقُضَاةُ إِذَا
كَثُرَ عَدَدُهُمْ.
التَّاسِعُ: أَنَّ لِلأَْمِيرِ النَّظَرَ فِي الْمُوَاثَبَاتِ وَإِنْ لَمْ
تُوجِدْ غُرْمًا وَلاَ حَدًّا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا
أَثَرٌ سَمِعَ قَوْل مَنْ سَبَقَ بِالدَّعْوَى، وَإِنْ
(36/68)
كَانَ بِأَحَدِهِمَا أَثَرٌ فَقَدْ ذَهَبَ
بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يَبْدَأُ بِسَمَاعِ دَعْوَى مَنْ بِهِ الأَْثَرُ
وَلاَ يُرَاعَى السَّبْقُ، وَالَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ
أَنَّهُ يَسْمَعُ قَوْل أَسْبَقِهِمَا بِالدَّعْوَى، وَيَكُونُ
الْمُبْتَدِئُ بِالْمُوَاثَبَةِ أَعْظَمَهُمَا جُرْمًا وَأَغْلَظَهُمَا
تَأْدِيبًا، وَيَجُوزُ أَنْ يُخَالِفَ بَيْنَهُمَا فِي التَّأْدِيبِ مِنْ
وَجْهَيْنِ:
أَحَدِهِمَا:
بِحِسَابِ اخْتِلاَفِهِمَا فِي الاِقْتِرَافِ وَالتَّعَدِّي،
وَالثَّانِي:
بِحَسَبِ اخْتِلاَفِهِمَا فِي الْهَيْبَةِ وَالتَّصَاوُنِ. وَإِذَا رَأَى
مِنَ الصَّلاَحِ فِي رَدْعِ السَّفِلَةِ أَنْ يُشَهِّرَهُمْ، وَيُنَادَى
عَلَيْهِمْ بِجَرَائِمِهِمْ، سَاغَ لَهُ ذَلِكَ. فَهَذِهِ أَوْجُهٌ يَقَعُ
بِهَا الْفَرْقُ فِي الْجَرَائِمِ بَيْنَ نَظَرِ الأُْمَرَاءِ وَالْقُضَاةِ
فِي حَال الاِسْتِبْرَاءِ وَقَبْل ثُبُوتِ الْحَدِّ لاِخْتِصَاصِ
الأَْمِيرِ بِالسِّيَاسَةِ وَاخْتِصَاصِ الْقُضَاةِ بِالأَْحْكَامِ (1) .
5 - وَقَال ابْنُ الْقَيِّمِ: دَعَاوَى التُّهَمِ وَهِيَ دَعْوَى
الْجِنَايَةِ وَالأَْفْعَال الْمُحَرَّمَةِ كَدَعْوَى الْقَتْل وَقَطْعِ
الطَّرِيقِ وَالسَّرِقَةِ وَالْقَذْفِ وَالْعُدْوَانِ يَنْقَسِمُ
الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِيهَا إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ:
فَإِنَّ الْمُتَّهَمَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بَرِيئًا لَيْسَ مِنْ أَهْل
تِلْكَ التُّهْمَةِ، أَوْ فَاجِرًا مِنْ أَهْلِهَا، أَوْ مَجْهُول الْحَال
لاَ يَعْرِفُ الْوَالِي وَالْحَاكِمُ حَالَهُ.
فَإِنْ كَانَ بَرِيئًا لَمْ تَجُزْ عُقُوبَتُهُ اتِّفَاقًا.
__________
(1) الأحكام السلطانية للماوردي ص219 - 221 ولأبي يعلى ص260.
(36/68)
وَاخْتَلَفُوا فِي عُقُوبَةِ الْمُتَّهِمِ
لَهُ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَصَحُّهُمَا يُعَاقَبُ صِيَانَةً لِتَسَلُّطِ
أَهْل الشَّرِّ وَالْعُدْوَانِ عَلَى أَعْرَاضِ الأَْبْرِيَاءِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُتَّهَمُ مَجْهُول الْحَال لاَ
يُعْرَفُ بِبِرٍّ وَلاَ فُجُورٍ، فَهَذَا يُحْبَسُ حَتَّى يَنْكَشِفَ
حَالُهُ عِنْدَ عَامَّةِ عُلَمَاءِ الإِْسْلاَمِ، وَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ
عِنْدَ أَكْثَرِ الأَْئِمَّةِ أَنَّهُ يَحْبِسُهُ الْقَاضِي وَالْوَالِي،
وَقَال أَحْمَدُ: قَدْ حَبَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي تُهْمَةٍ، قَال أَحْمَدُ: وَذَلِكَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ
لِلْحَاكِمِ أَمْرُهُ، وَقَدْ وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حَبَسَ فِي تُهْمَةٍ (1) .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَال: الْحَبْسُ فِي التُّهَمِ إِنَّمَا هُوَ لِوَالِي
الْحَرْبِ دُونَ الْقَاضِي. وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ الْحَبْسِ فِي
التُّهْمَةِ هَل هُوَ مُقَدَّرٌ أَوْ مَرْجِعُهُ إِلَى اجْتِهَادِ
الْوَالِي وَالْحَاكِمِ عَلَى قَوْلَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ
وَأَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُمَا، فَقَال الزُّبَيْرِيُّ: هُوَ مُقَدَّرٌ
بِشَهْرٍ، وَقَال الْمَاوَرْدِيُّ: غَيْرُ مُقَدَّرٍ.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمُتَّهَمُ مَعْرُوفًا بِالْفُجُورِ
كَالسَّرِقَةِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَالْقَتْل وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِذَا
جَازَ حَبْسُ الْمَجْهُول فَحَبْسُ هَذَا
__________
(1) حديث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس في تهمة ". أخرجه أبو داود (4
/ 46) والترمذي (4 / 28) ، وقال الترمذي: حديث حسن.
(36/69)
أَوْلَى، قَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَمَا
عَلِمْتُ أَحَدًا مِنَ الأَْئِمَّةِ يَقُول: إِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ
فِي جَمِيعِ هَذِهِ الدَّعَاوَى يَحْلِفُ وَيُرْسَل بِلاَ حَبْسٍ وَلاَ
غَيْرِهِ، فَلَيْسَ هَذَا عَلَى إِطْلاَقِهِ مَذْهَبًا لأَِحَدٍ مِنَ
الأَْئِمَّةِ الأَْرْبَعَةِ وَلاَ غَيْرِهِمْ مِنَ الأَْئِمَّةِ. وَيَسُوغُ
ضَرْبُ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْمُتَّهَمِينَ كَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزُّبَيْرَ بِتَعْذِيبِ الْمُتَّهَمِ
الَّذِي غَيَّبَ مَالَهُ حَتَّى أَقَرَّ بِهِ فِي قِصَّةِ كِنَانَةَ بْنِ
الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ (1) ، قَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ:
وَاخْتَلَفُوا فِيهِ هَل الَّذِي يَضْرِبُهُ الْوَالِي دُونَ الْقَاضِي
أَوْ كِلاَهُمَا أَوْ لاَ يَسُوغُ ضَرْبُهُ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَضْرِبُهُ الْوَالِي وَالْقَاضِي، وَهُوَ قَوْل
طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ. الثَّانِي: أَنَّهُ
يَضْرِبُهُ الْوَالِي دُونَ الْقَاضِي وَهَذَا قَوْل بَعْضِ أَصْحَابِ
أَحْمَدَ، وَالْقَوْل الثَّالِثُ: لاَ يُضْرَبُ، ثُمَّ قَالَتْ طَائِفَةٌ:
إِنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يَمُوتَ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي
الْمُبْتَدِعِ الَّذِي لَمْ يَنْتَهِ عَنْ بِدْعَتِهِ أَنَّهُ يُحْبَسُ
حَتَّى يَمُوتَ (2) .
__________
(1) حديث أمر النبي صلى الله عليه وسلم الزبير بتعذيب كنانة بن الربيع بن
أبي الحقيق. . . أورده ابن هشام في السيرة النبوية (3 / 351 - ط. مصطفى
الحلبي) .
(2) الطرق الحكمية ص100 - 104.
(36/69)
الْمُتَّهَمُ فِي الْقَسَامَةِ
6 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَسَامَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ
قَال: إِنَّ الأَْيْمَانَ تُوَجَّهُ إِلَى الْمُدَّعِينَ، فَإِنْ نَكَلُوا
عَنْهَا وُجِّهَتِ الأَْيْمَانُ إِلَى الْمُتَّهَمِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ
قَال: تُوَجَّهُ تِلْكَ الأَْيْمَانُ إِلَى الْمُتَّهَمِينَ ابْتِدَاءً،
فَإِنْ حَلَفُوا لَزِمَ أَهْل الْمَحَلَّةِ الدِّيَةُ. وَتَفْصِيل ذَلِكَ
يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (قَسَامَةٌ ف 17) .
تَحْلِيفُ الْمُتَّهَمِ فِي الأَْمَانَاتِ
7 - يَحْلِفُ الْمُودَعُ وَالْوَكِيل وَالْمُضَارِبُ وَكُل مَنْ يُصَدَّقُ
قَوْلُهُ عَلَى تَلَفِ مَا اؤْتُمِنَ عَلَيْهِ إِذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ
عَلَى خِيَانَتِهِ كَخَفَاءِ سَبَبِ التَّلَفِ وَنَحْوِهِ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (تُهْمَةٌ ف 15) .
وَإِذَا ادَّعَى الْمُودَعُ أَنَّهُ رَدَّ الْوَدِيعَةَ فَقَدْ قَال ابْنُ
يُونُسَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: يُفَرَّقُ بَيْنَ دَعْوَى الرَّدِّ
وَدَعْوَى الضَّيَاعِ، إِذْ إِنَّ رَبَّ الْوَدِيعَةِ فِي دَعْوَى الرَّدِّ
يَدَّعِي يَقِينًا أَنَّ الْمُودَعَ كَاذِبٌ، فَيَحْلِفُ، سَوَاءٌ أَكَانَ
مُتَّهَمًا أَمْ غَيْرَ مُتَّهَمٍ، وَفِي دَعْوَى الضَّيَاعِ لاَ عِلْمَ
لِرَبِّ الْوَدِيعَةِ بِحَقِيقَةِ دَعْوَى الضَّيَاعِ، وَإِنَّمَا هُوَ
مَعْلُومٌ مِنْ جِهَةِ الْمُودَعِ فَلاَ يَحْلِفُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ
مُتَّهَمًا.
وَقَال ابْنُ رُشْدٍ: الأَْظْهَرُ أَنْ تُلْحَقَ الْيَمِينُ إِذَا قَوِيَتِ
التُّهَمَةُ، وَتَسْقُطَ إِذَا ضَعُفَتْ (1) .
__________
(1) مواهب الجليل 5 / 264.
(36/70)
وَقَال مَالِكٌ: إِنْ كَانَ الْمُودَعُ
مَحَل تُهْمَةٍ فَوُجِّهَتْ إِلَيْهِ الْيَمِينُ وَنَكَل عَنْهَا ضَمِنَ
وَلاَ تُرَدُّ الْيَمِينُ هُنَا. وَصِفَةُ يَمِينِ الْمُتَّهَمِ أَنْ
يَقُول: لَقَدْ ضَاعَ وَمَا فَرَّطْتُ، وَغَيْرُ الْمُتَّهَمِ مَا
فَرَّطْتُ إِلاَّ أَنْ يَظْهَرَ كَذِبُهُ (1) .
رَدُّ شَهَادَةِ الْمُتَّهَمِ
8 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى رَدِّ شَهَادَةِ
الْمُتَّهَمِ إِذَا كَانَ مُتَّهَمًا بِالْمَحَبَّةِ وَالإِْيثَارِ أَوْ
بِالْعَدَاوَةِ أَوْ بِالْغَفْلَةِ وَالْغَلَطِ. وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي
مُصْطَلَحِ (تُهْمَةٌ ف 8 - 10، شَهَادَةٌ ف 26) .
الشَّكُّ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُتَّهَمُ
9 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ،
وَالأَْصْل فِي ذَلِكَ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:
قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادْرَءُوا
الْحُدُودَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنْ كَانَ لَهُ
مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ، فَإِنَّ الإِْمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي
الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ (2) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (شَكٌّ ف 38) .
__________
(1) شرح الزرقاني 5 / 122.
(2) حديث: " ادرءوا الحدود عن المسلمين. . ". أخرجه الترمذي (4 / 33) من
حديث عائشة، وضعفه ابن حجر في التلخيص (4 / 56) .
(36/70)
رُجُوعُ الْمُتَّهَمِ فِي إِقْرَارِهِ
- إِذَا أَقَرَّ الْمُتَّهَمُ بِحَقِّ مِنَ الْحُقُوقِ الَّتِي عَلَيْهِ
ثُمَّ رَجَعَ عَنْ إِقْرَارِهِ، فَإِنْ كَانَ الإِْقْرَارُ بِحَقٍّ مِنْ
حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ كَالْحُدُودِ،
فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ، وَذَهَبَ
الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى إِلَى أَنَّهُ
يُحَدُّ وَلاَ يُقْبَل رُجُوعُهُ. أَمَّا إِذَا أَقَرَّ بِحُقُوقِ
الْعِبَادِ، أَوْ بِحَقٍّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي لاَ
تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ كَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَالزَّكَاةِ،
ثُمَّ رَجَعَ فِي إِقْرَارِهِ فَإِنَّهُ لاَ يُقْبَل رُجُوعُهُ عَنْهَا
مِنْ غَيْرِ خِلاَفٍ. وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (إِقْرَارٌ ف 59 - 60)
.
صِحَّةُ إِقْرَارِ الْمُتَّهَمِ
11 - يُشْتَرَطُ فِي الْمُقِرِّ عَامَّةً شُرُوطٌ مِنْهَا:
عَدَمُ التُّهْمَةِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمُقِرِّ
لِصِحَّةِ إِقْرَارِهِ: أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُتَّهَمٍ فِي إِقْرَارِهِ؛
لأَِنَّ التُّهْمَةَ تُخِل بِرُجْحَانِ الصِّدْقِ عَلَى جَانِبِ الْكَذِبِ
فِي الإِْقْرَارِ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (إِقْرَارٌ ف 22 وَمَا بَعْدَهَا) .
(36/71)
مُتَحَيِّرَةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمُتَحَيِّرَةُ فِي اللُّغَةِ: مُشْتَقٌّ مِنْ مَادَّةِ حَيَرَ،
وَالتَّحَيُّرُ: التَّرَدُّدُ، وَتَحَيَّرَ الْمَاءُ: اجْتَمَعَ وَدَارَ،
وَتَحَيَّرَ الرَّجُل: إِذَا ضَل فَلَمْ يَهْتَدِ لِسَبِيلِهِ، وَتَحَيَّرَ
السَّحَابُ: لَمْ يَتَّجِهْ جِهَةً، وَاسْتَحَارَ الْمَكَانُ بِالْمَاءِ
وَتَحَيَّرَ: تَمَلأََّ (1) .
وَالْمُتَحَيِّرَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ: قَال الْحَنَفِيَّةُ: هِيَ مَنْ
نَسِيَتْ عَادَتَهَا وَتُسَمَّى الْمُضَلَّةَ وَالضَّالَّةَ (2) .
وَقَال النَّوَوِيُّ: وَلاَ يُطْلَقُ اسْمُ الْمُتَحَيِّرَةِ إِلاَّ عَلَى
مَنْ نَسِيَتْ عَادَتَهَا قَدْرًا وَوَقْتًا وَلاَ تَمْيِيزَ لَهَا،
وَأَمَّا مَنْ نَسِيَتْ عَدَدًا لاَ وَقْتًا وَعَكْسَهَا فَلاَ يُسَمِّيهَا
الأَْصْحَابُ مُتَحَيِّرَةً، وَسَمَّاهَا الْغَزَالِيُّ مُتَحَيِّرَةً،
وَالأَْوَّل هُوَ الْمَعْرُوفُ (3) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: الْمُتَحَيِّرَةُ هِيَ مَنْ نَسِيَتْ عَادَتَهَا
وَلَمْ يَكُنْ لَهَا تَمْيِيزٌ (4) . وَسُمِّيَتِ الْمَرْأَةُ فِي
__________
(1) لسان العرب، والقاموس المحيط.
(2) حاشية ابن عابدين على الدر المختار 1 / 190.
(3) المجموع للنووي 2 / 434.
(4) كشاف القناع 1 / 209، وشرح منتهى الإرادات 1 / 112.
(36/71)
هَذِهِ الْحَالَةِ مُتَحَيِّرَةً
لِتَحَيُّرِهَا فِي أَمْرِهَا وَحَيْضِهَا، وَتُسَمَّى أَيْضًا
الْمُحَيِّرَةَ - بِكَسْرِ الْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ - لأَِنَّهَا حَيَّرَتِ
الْفَقِيهَ فِي أَمْرِهَا (1) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْمُسْتَحَاضَةُ:
2 - الْمُسْتَحَاضَةُ: مَنْ يَسِيل دَمُهَا وَلاَ يَرْقَأُ، فِي غَيْرِ
أَيَّامٍ مَعْلُومَةٍ، لاَ مِنْ عِرْقِ الْحَيْضِ بَل مِنْ عِرْقٍ يُقَال
لَهُ: الْعَاذِل.
وَالْمُسْتَحَاضَةُ أَعَمُّ مِنَ الْمُتَحَيِّرَةِ.
ب - الْمُبْتَدَأَةُ:
3 - الْمُبْتَدَأَةُ مَنْ كَانَتْ فِي أَوَّل حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ (2) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمُتَحَيِّرَةِ وَالْمُبْتَدَأَةِ أَنَّ
الْمُبْتَدَأَةَ قَدْ تَكُونُ مُتَحَيِّرَةً.
ج - الْمُعْتَادَةُ:
4 - الْمُعْتَادَةُ: مَنْ سَبَقَ مِنْهَا مِنْ حِينِ بُلُوغِهَا دَمٌ
وَطُهْرٌ صَحِيحَانِ، أَوْ أَحَدُهُمَا بِأَنْ رَأَتْ دَمًا صَحِيحًا
وَطُهْرًا فَاسِدًا (3) .
أَنْوَاعُ الْمُتَحَيِّرَةِ
5 - الأَْصْل أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ هِيَ الْمُعْتَادَةُ النَّاسِيَةُ
__________
(1) المجموع 2 / 434، ومغني المحتاج 1 / 116، وكشاف القناع 1 / 209.
(2) حاشية ابن عابدين 1 / 190، ومجموعة رسائل ابن عابدين 1 / 67.
(3) المراجع السابقة.
(36/72)
لِعَادَتِهَا - كَمَا مَرَّ آنِفًا فِي
تَعْرِيفِ الْفُقَهَاءِ لِلْمُتَحَيِّرَةِ - لَكِنَّ الشَّافِعِيَّةَ
أَطْلَقُوا عَلَى الْمُبْتَدَأَةِ إِذَا لَمْ تَعْرِفْ وَقْتَ ابْتِدَاءِ
دَمِهَا مُتَحَيِّرَةً أَيْضًا.
قَال النَّوَوِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ الْمُتَحَيِّرَةِ لاَ يَخْتَصُّ
بِالنَّاسِيَةِ بَل الْمُبْتَدَأَةِ إِذَا لَمْ تَعْرِفْ وَقْتَ ابْتِدَاءِ
دَمِهَا كَانَتْ مُتَحَيِّرَةً وَجَرَى عَلَيْهَا أَحْكَامُهَا (1) .
وَالتَّحَيُّرُ كَمَا يَقَعُ فِي الْحَيْضِ يَقَعُ فِي النِّفَاسِ أَيْضًا
فَيُطْلَقُ عَلَى النَّاسِيَةِ لِعَادَتِهَا فِي النِّفَاسِ: مُتَحَيِّرَةً
(2) .
أَوَّلاً: الْمُتَحَيِّرَةُ فِي الْحَيْضِ
6 - الأَْصْل أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُل امْرَأَةٍ حِفْظُ عَادَتِهَا فِي
الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ عَدَدًا وَمَكَانًا، كَكَوْنِهِ خَمْسَةً مَثَلاً
مِنْ أَوَّل الشَّهْرِ أَوْ آخِرِهِ مَثَلاً.
فَإِذَا نَسِيَتْ عَادَتَهَا فَإِنَّهَا لاَ تَخْلُو مِنْ ثَلاَثَةِ
أَحْوَالٍ: لأَِنَّهَا إِمَّا أَنْ تَكُونَ نَاسِيَةً لِلْعَدَدِ، أَيْ
عَدَدِ أَيَّامِهَا فِي الْحَيْضِ مَعَ عِلْمِهَا بِمَكَانِهَا مِنَ
الشَّهْرِ أَنَّهَا فِي أَوَّلِهِ أَوْ آخِرِهِ مَثَلاً، أَوْ نَاسِيَةً
لِلْمَكَانِ أَيْ مَكَانِهَا مِنَ الشَّهْرِ عَلَى التَّعْيِينِ مَعَ
عِلْمِهَا عَدَدَ أَيَّامِ حَيْضِهَا، أَوْ نَاسِيَةً لِلْعَدَدِ
وَالْمَكَانِ، أَيْ بِأَنْ لَمْ تَعْلَمْ عَدَدَ أَيَّامِهَا وَلاَ
مَكَانَهَا مِنَ الشَّهْرِ، هَذَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ جُمْهُورُ
__________
(1) المجموع شرح المهذب 2 / 434.
(2) مجموعة رسائل ابن عابدين 1 / 76.
(36/72)
الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةُ
وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - وَيُعَبِّرُ الشَّافِعِيَّةُ عَنِ
الْعَدَدِ بِالْقَدْرِ، وَعَنِ الْمَكَانِ بِالْوَقْتِ، كَمَا يُعَبِّرُ
الْحَنَابِلَةُ عَنِ الْمَكَانِ بِالْمَوْضِعِ.
وَيُسَمِّي الْحَنَفِيَّةُ حَالَةَ النِّسْيَانِ فِي الْعَدَدِ
وَالْمَكَانِ إِضْلاَلاً عَامًّا، وَحَالَةَ النِّسْيَانِ فِي الْعَدَدِ
فَقَطْ أَوِ الْمَكَانِ فَقَطْ إِضْلاَلاً خَاصًّا (1) .
الإِْضْلاَل الْخَاصُّ:
أ - النَّاسِيَةُ لِلْعَدَدِ فَقَطْ (الإِْضْلاَل بِالْعَدَدِ) :
7 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْمُتَحَيِّرَةِ النَّاسِيَةِ
لِلْعَدَدِ فَقَطْ، فَالأَْصْل عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ
الْمُتَحَيِّرَةَ بِأَنْوَاعِهَا تَتَحَرَّى، فَإِنْ وَقَعَ تَحَرِّيهَا
عَلَى طُهْرٍ تُعْطَى حُكْمَ الطَّاهِرَاتِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى حَيْضٍ
تُعْطَى حُكْمَهُ، لأَِنَّ الظَّنَّ مِنَ الأَْدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ،
فَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ ظَنُّهَا عَلَى شَيْءٍ فَعَلَيْهَا الأَْخْذُ
بِالأَْحْوَطِ فِي الأَْحْكَامِ.
وَيَخْتَلِفُ حُكْمُ الْمُضَلَّةِ بِالْعَدَدِ بِاخْتِلاَفِ عِلْمِهَا
بِالْمَكَانِ، فَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّهَا تَطْهُرُ آخِرَ الشَّهْرِ
فَإِنَّهَا تُصَلِّي إِلَى عِشْرِينَ فِي طُهْرٍ بِيَقِينٍ وَيَأْتِيهَا
زَوْجُهَا، لأَِنَّ الْحَيْضَ لاَ يَزِيدُ عَلَى عَشْرَةٍ، ثُمَّ فِي
سَبْعَةٍ بَعْدَ الْعِشْرِينَ تُصَلِّي
__________
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 190، ومجموعة رسائل ابن عابدين 1 / 106 ط دار
سعاد ت 1325 هـ، ومغني المحتاج 1 / 116، وكشاف القناع 1 / 209.
(36/73)
بِالْوُضُوءِ - أَيْضًا - لِوَقْتِ كُل
صَلاَةٍ لِلشَّكِّ فِي الدُّخُول فِي الْحَيْضِ، حَيْثُ إِنَّهَا فِي كُل
يَوْمٍ مِنْ هَذِهِ السَّبْعَةِ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ الطُّهْرِ
وَالدُّخُول فِي الْحَيْضِ، لاِحْتِمَال أَنَّ حَيْضَهَا الثَّلاَثَةُ
الْبَاقِيَةُ فَقَطْ أَوْ شَيْءٌ مِمَّا قَبْلَهَا أَوْ جَمِيعُ
الْعَشْرَةِ، وَتَتْرُكُ الصَّلاَةَ فِي الثَّلاَثَةِ الأَْخِيرَةِ
لِلتَّيَقُّنِ بِالْحَيْضِ، ثُمَّ تَغْتَسِل فِي آخِرِ الشَّهْرِ غُسْلاً
وَاحِدًا، لأَِنَّ وَقْتَ الْخُرُوجِ مِنَ الْحَيْضِ مَعْلُومٌ لَهَا،
وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّهَا تَرَى الدَّمَ إِذَا جَاوَزَ الْعِشْرِينَ - أَيْ
أَنَّ أَوَّل حَيْضِهَا الْيَوْمُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ - فَإِنَّهَا
تَدَعُ الصَّلاَةَ ثَلاَثَةً بَعْدَ الْعِشْرِينَ، لأَِنَّ الْحَيْضَ لاَ
يَكُونُ أَقَل مِنْ ثَلاَثَةٍ، ثُمَّ تُصَلِّي بِالْغُسْل إِلَى آخِرِ
الشَّهْرِ لِتَوَهُّمِ الْخُرُوجِ مِنَ الْحَيْضِ، وَتُعِيدُ صَوْمَ هَذِهِ
الْعَشْرَةِ فِي عَشْرَةٍ أُخْرَى مِنْ شَهْرٍ آخَرَ، وَعَلَى هَذَا
يَخْرُجُ سَائِرُ الْمَسَائِل.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُتَحَيِّرَةِ: سُئِل ابْنُ الْقَاسِمِ
عَمَّنْ حَاضَتْ فِي شَهْرٍ عَشْرَةَ أَيَّامٍ، وَفِي آخَرَ سِتَّةَ
أَيَّامٍ، وَفِي آخَرَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتُحِيضَتْ كَمْ
تُجْعَل عَادَتُهَا؟ قَال: لاَ أَحْفَظُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا،
وَلَكِنَّهَا تَسْتَظْهِرُ عَلَى أَكْثَرِ أَيَّامِهَا، قَال صَاحِبُ
الطِّرَازِ: قَال ابْنُ حَبِيبٍ تَسْتَظْهِرُ عَلَى أَقَل أَيَّامِهَا إِنْ
كَانَتْ هِيَ الأَْخِيرَةَ لأَِنَّهَا الْمُسْتَقِرَّةُ، وَيَقُول ابْنُ
الْقَاسِمِ لَعَل عَادَتَهَا الأُْولَى عَادَتْ إِلَيْهَا بِسَبَبِ زَوَال
سَدٍّ مِنَ الْمَجَارِي، وَقَوْل مَالِكٍ الأَْوَّل: إِنَّهَا
(36/73)
تَمْكُثُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، لأَِنَّ
الْعَادَةَ قَدْ تَنْتَقِل (1) .
وَوَضَعَ الشَّافِعِيَّةُ قَاعِدَةً لِلْمُتَحَيِّرَةِ النَّاسِيَةِ
لِلْعَدَدِ وَالْمُتَحَيِّرَةِ النَّاسِيَةِ لِلْمَكَانِ، فَقَرَّرُوا
أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ إِنْ حَفِظَتْ شَيْئًا مِنْ عَادَتِهَا وَنَسِيَتْ
شَيْئًا كَأَنْ ذَكَرَتِ الْوَقْتَ دُونَ الْقَدْرِ أَوِ الْعَكْسَ،
فَلِلْيَقِينِ مِنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ حُكْمُهُ، وَهِيَ فِي الزَّمَنِ
الْمُحْتَمِل لِلطُّهْرِ وَالْحَيْضِ كَحَائِضٍ فِي الْوَطْءِ وَنَحْوِهِ،
وَطَاهِرٍ فِي الْعِبَادَاتِ - وَسَيَأْتِي تَفْصِيل ذَلِكَ - وَإِنِ
احْتَمَل انْقِطَاعًا وَجَبَ الْغُسْل لِكُل فَرْضٍ لِلاِحْتِيَاطِ، وَإِنْ
لَمْ يَحْتَمِلْهُ وَجَبَ الْوُضُوءُ فَقَطْ.
مِثَال الْحَافِظَةِ لِلْوَقْتِ دُونَ الْقَدْرِ كَأَنْ تَقُول: كَانَ
حَيْضِي يَبْتَدِئُ أَوَّل الشَّهْرِ، فَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْهُ حَيْضٌ
بِيَقِينٍ، لأَِنَّهُ أَقَل الْحَيْضِ، وَنِصْفُهُ الثَّانِي طُهْرٌ
بِيَقِينٍ، لأَِنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَمَا بَيْنَ
ذَلِكَ يَحْتَمِل الْحَيْضَ وَالطُّهْرَ وَالاِنْقِطَاعَ.
وَمِثَال الْحَافِظَةِ لِلْقَدْرِ دُونَ الْوَقْتِ كَأَنْ تَقُول: حَيْضِي
خَمْسَةٌ فِي الْعَشْرَةِ الأُْوَل مِنَ الشَّهْرِ، لاَ أَعْلَمُ
ابْتِدَاءَهَا، وَأَعْلَمُ أَنِّي فِي الْيَوْمِ الأَْوَّل طَاهِرٌ،
فَالسَّادِسُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ، وَالأَْوَّل طُهْرٌ بِيَقِينٍ
كَالْعَشَرَيْنِ الأَْخِيرَيْنِ، وَالثَّانِي إِلَى
__________
(1) الذخيرة للقرافي 1 / 384 - ط وزارة الأوقاف بدولة الكويت.
(36/74)
آخِرِ الْخَامِسِ مُحْتَمِلٌ لِلْحَيْضِ
وَالطُّهْرِ، وَالسَّابِعُ إِلَى آخِرِ الْعَاشِرِ مُحْتَمِلٌ لَهُمَا
وَلِلاِنْقِطَاعِ.
قَال النَّوَوِيُّ: قَال أَصْحَابُنَا: الْحَافِظَةُ لِقَدْرِ حَيْضِهَا
إِنَّمَا يَنْفَعُهَا حِفْظُهَا، وَتَخْرُجُ عَنِ التَّحَيُّرِ الْمُطْلَقِ
إِذَا حَفِظَتْ مَعَ ذَلِكَ قَدْرَ الدَّوْرِ وَابْتِدَاءَهُ، فَإِنْ
فَقَدَتْ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَتْ: كَانَ حَيْضِي خَمْسَةَ عَشَرَ
أَضْلَلْتُهَا فِي دَوْرِي، وَلاَ أَعْرِفُ سِوَى ذَلِكَ، فَلاَ فَائِدَةَ
فِيمَا ذَكَرَتْ لاِحْتِمَال الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَالاِنْقِطَاعِ فِي
كُل وَقْتٍ، وَكَذَا لَوْ قَالَتْ: حَيْضِي خَمْسَةَ عَشَرَ، وَابْتِدَاءُ
دَوْرِي يَوْمُ كَذَا وَلاَ أَعْرِفُ قَدْرَهُ، فَلاَ فَائِدَةَ فِيمَا
حَفِظَتْ لِلاِحْتِمَال الْمَذْكُورِ، وَلَهَا فِي هَذَيْنِ الْمِثَالَيْنِ
حُكْمُ الْمُتَحَيِّرَةِ فِي كُل شَيْءٍ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ النَّاسِيَةَ لِلْعَدَدِ فَقَطْ
تَجْلِسُ غَالِبَ الْحَيْضِ إِنِ اتَّسَعَ شَهْرُهَا لَهُ، وَشَهْرُ
الْمَرْأَةِ هُوَ الزَّمَنُ الَّذِي يَجْتَمِعُ لَهَا فِيهِ حَيْضٌ
وَطُهْرٌ صَحِيحَانِ، وَأَقَل ذَلِكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا
بِلَيَالِيِهَا يَوْمًا بِلَيْلَةٍ لِلْحَيْضِ - لأَِنَّهُ أَقَلُّهُ -
وَثَلاَثَةَ عَشَرَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا لِلطُّهْرِ - لأَِنَّهُ
أَقَلُّهُ - وَلاَ حَدَّ لأَِكْثَرِ شَهْرِ الْمَرْأَةِ، لأَِنَّهُ لاَ
حَدَّ لأَِكْثَرِ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ، لِحَدِيثِ حَمْنَةَ
بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: يَا رَسُول اللَّهِ إِنِّي
أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً شَدِيدَةً كَبِيرَةً، قَدْ مَنَعَتْنِي الصَّوْمَ
وَالصَّلاَةَ، فَقَال: تَحَيَّضِي سِتَّةَ
(36/74)
أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فِي
عِلْمِ اللَّهِ ثُمَّ اغْتَسِلِي (1) .
وَحَمْنَةُ امْرَأَةٌ كَبِيرَةٌ - قَالَهُ أَحْمَدُ - وَلَمْ يَسْأَلْهَا
عَنْ تَمْيِيزِهَا وَلاَ عَادَتِهَا فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ
نَاسِيَةً فَتُرَدُّ إِلَى غَالِبِ الْحَيْضِ إِنَاطَةً لِلْحُكْمِ
بِالأَْكْثَرِ، كَمَا تُرَدُّ الْمُعْتَادَةُ لِعَادَتِهَا.
وَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ شَهْرُهَا لِغَالِبِ الْحَيْضِ جَلَسَتِ الْفَاضِل
مِنْ شَهْرِهَا بَعْدَ أَقَل الطُّهْرِ، كَأَنْ يَكُونَ شَهْرُهَا
ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَإِنَّهَا تَجْلِسُ الزَّائِدَ عَنْ أَقَل
الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ فَقَطْ - وَهُوَ خَمْسَةُ أَيَّامٍ -
لِئَلاَّ يَنْقُصَ الطُّهْرُ عَنْ أَقَلِّهِ فَيَخْرُجَ عَنْ كَوْنِهِ
طُهْرًا، حَيْثُ إِنَّ الْبَاقِيَ مِنَ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ بَعْدَ
الثَّلاَثَةَ عَشَرَ - وَهُوَ أَقَل الطُّهْرِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ -
خَمْسَةُ أَيَّامٍ فَتَجْلِسُهَا فَقَطْ، وَإِنْ جَهِلَتْ شَهْرَهَا
جَلَسَتْ غَالِبَ الْحَيْضِ مِنْ كُل شَهْرٍ هِلاَلِيٍّ (2) .
(ب) النَّاسِيَةُ لِلْمَكَانِ فَقَطْ (الإِْضْلاَل بِالْمَكَانِ) :
8 - سَبَقَ بَيَانُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ فِي النَّاسِيَةِ لِلْمَكَانِ
فَقَطْ فِي الإِْضْلاَل بِالْعَدَدِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِنْ عَلِمَتْ
__________
(1) حديث: " تحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله. . . ". أخرجه أبو
داود (1 / 200) ، والترمذي (1 / 223) ، ونقل الترمذي تصحيحه عن البخاري.
(2) حاشية ابن عابدين 1 / 190، ومجموعة رسائل ابن عابدين 1 / 107 - 108،
والمجموع شرح المهذب 1 / 481 - 482، ومغني المحتاج 1 / 118 - ط مصطفى
الحلبي 1958م، وكشاف القناع 1 / 209.
(36/75)
أَيَّامَ حَيْضِهَا وَنَسِيَتْ
مَوْضِعَهَا: بِأَنْ لَمْ تَدْرِ أَكَانَتْ تَحِيضُ فِي أَوَّل الشَّهْرِ
أَوْ وَسَطِهِ أَوْ آخِرِهِ، فَإِنَّهَا تَجْلِسُ أَيَّامَ حَيْضِهَا مِنْ
أَوَّل كُل شَهْرِ هِلاَلِيٍّ لأَِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ جَعَل حَيْضَةَ حَمْنَةَ مِنْ أَوَّل الشَّهْرِ وَالصَّلاَةَ فِي
بَقِيَّتِهِ، وَلأَِنَّ دَمَ الْحَيْضِ جِبِلَّةٌ، وَالاِسْتِحَاضَةَ
عَارِضَةٌ، فَإِذَا رَأَتْهُ وَجَبَ تَقْدِيمُ دَمِ الْحَيْضِ.
وَإِنْ عَلِمَتِ الْمُسْتَحَاضَةُ عَدَدَ أَيَّامِهَا فِي وَقْتٍ مِنَ
الشَّهْرِ وَنَسِيَتْ مَوْضِعَهَا، بِأَنْ لَمْ تَدْرِ أَهِيَ فِي
أَوَّلِهِ أَمْ آخِرِهِ، فَإِنَّهَا لاَ تَخْلُو: إِمَّا أَنْ تَكُونَ
أَيَّامُهَا نِصْفَ الْوَقْتِ الَّذِي عَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا فِيهِ أَوْ
أَقَل، أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ كَانَتْ أَيَّامُهَا نِصْفَ الْوَقْتِ
الَّذِي عَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا فِيهِ فَأَقَل فَحَيْضُهَا مِنْ
أَوَّلِهَا، كَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّ حَيْضَهَا كَانَ فِي النِّصْفِ
الثَّانِي مِنَ الشَّهْرِ، فَإِنَّهَا تَجْلِسُ مِنْ أَوَّلِهِ، وَعَلَى
هَذَا الأَْكْثَرُ، وَهُنَاكَ وَجْهٌ أَنَّهَا تَتَحَرَّى، وَلَيْسَ لَهَا
حَيْضٌ بِيَقِينٍ بَل حَيْضُهَا مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَإِنْ زَادَتْ
أَيَّامُهَا عَلَى النِّصْفِ، مِثْل أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ حَيْضَهَا سِتَّةُ
أَيَّامٍ مِنَ الْعَشْرِ الأُْوَل مِنَ الشَّهْرِ ضُمَّ الزَّائِدُ إِلَى
النِّصْفِ - وَهُوَ فِي الْمِثَال يَوْمٌ - إِلَى مِثْلِهِ مِمَّا قَبْلَهُ
- وَهُوَ يَوْمٌ - فَيَكُونَانِ حَيْضًا بِيَقِينٍ، وَهُمَا الْيَوْمُ
الْخَامِسُ وَالسَّادِسُ فِي هَذَا الْمِثَال ثُمَّ يَبْقَى لَهَا
أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ تَتِمَّةُ عَادَتِهَا، فَإِنْ جَلَسَتْهَا مِنَ
الأَْوَّل عَلَى قَوْل الأَْكْثَرِ كَانَ حَيْضُهَا مِنْ أَوَّل
الْعَشَرَةِ إِلَى آخِرِ
(36/75)
السَّادِسِ، مِنْهَا يَوْمَانِ هُمَا
الْخَامِسُ وَالسَّادِسُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ.
وَالأَْرْبَعَةُ حَيْضٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَالأَْرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ
طُهْرٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَإِنْ جَلَسَتْ بِالتَّحَرِّي عَلَى الْوَجْهِ
الْمُقَابِل لِقَوْل الأَْكْثَرِ فَأَدَّاهَا اجْتِهَادُهَا إِلَى أَنَّهَا
مِنْ أَوَّل الْعَشَرَةِ فَهِيَ كَالَّتِي ذَكَرْنَا، وَإِنْ جَلَسَتِ
الأَْرْبَعَةَ مِنْ آخِرِ الْعَشَرَةِ كَانَتِ الأَْرْبَعَةُ حَيْضًا
مَشْكُوكًا فِيهِ، وَالْيَوْمَانِ قَبْلَهَا حَيْضٌ بِيَقِينٍ،
وَالأَْرْبَعَةُ الأُْوَل طُهْرٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَإِنْ قَالَتْ:
حَيْضَتِي سَبْعَةُ أَيَّامٍ مِنَ الْعَشَرَةِ، فَقَدْ زَادَتْ أَيَّامُهَا
يَوْمَيْنِ عَلَى نِصْفِ الْوَقْتِ فَتَضُمُّهُمَا إِلَى يَوْمَيْنِ
قَبْلَهُمَا فَيَصِيرُ لَهَا أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ حَيْضًا بِيَقِينٍ، مِنْ
أَوَّل الرَّابِعِ إِلَى آخِرِ السَّابِعِ، وَيَبْقَى لَهَا ثَلاَثَةُ
أَيَّامٍ تَجْلِسُهَا مِنْ أَوَّل الْعَشَرَةِ أَوْ بِالتَّحَرِّي عَلَى
الْوَجْهَيْنِ، وَهِيَ حَيْضٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَالنَّاسِيَةُ لِلْمَكَانِ فَقَطْ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لاَ تَخْلُو:
إِمَّا أَنْ تَضِل أَيَّامَهَا فِي ضِعْفِهَا أَوْ أَكْثَرَ أَوْ فِي أَقَل
مِنْ ضِعْفِهَا، فَإِنْ أَضَلَّتْ أَيَّامَهَا فِي ضِعْفِهَا أَوْ أَكْثَرَ
فَلاَ تَيَقُّنَ فِي يَوْمٍ مِنْهَا بِحَيْضٍ، كَمَا إِذَا كَانَتْ
أَيَّامُهَا ثَلاَثَةً فَأَضَلَّتْهَا فِي سِتَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَإِنْ
أَضَلَّتْ أَيَّامَهَا فِي أَقَل مِنَ الضِّعْفِ فَإِنَّهَا تَيَقُّنٌ
بِالْحَيْضِ فِي يَوْمٍ أَوْ أَيَّامٍ، كَمَا إِذَا أَضَلَّتْ ثَلاَثَةً
فِي خَمْسَةٍ فَإِنَّهَا تَيَقُّنٌ بِالْحَيْضِ فِي
(36/76)
الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنَ الْخَمْسَةِ،
فَإِنَّهُ أَوَّل الْحَيْضِ أَوْ آخِرُهُ أَوْ وَسَطُهُ بِيَقِينٍ
فَتَتْرُكُ الصَّلاَةَ فِيهِ.
وَيَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ: أَنَّهَا إِنْ عَلِمَتْ أَنَّ أَيَّامَهَا
ثَلاَثَةٌ فَأَضَلَّتْهَا فِي الْعَشَرَةِ الأَْخِيرَةِ مِنَ الشَّهْرِ،
فَإِنَّهَا تُصَلِّي مِنْ أَوَّل الْعَشَرَةِ بِالْوُضُوءِ لِوَقْتِ كُل
صَلاَةٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، لِلتَّرَدُّدِ فِيهَا بَيْنَ الْحَيْضِ
وَالطُّهْرِ، ثُمَّ تُصَلِّي بَعْدَهَا إِلَى آخِرِ الشَّهْرِ
بِالاِغْتِسَال لِوَقْتِ كُل صَلاَةٍ لِلتَّرَدُّدِ فِيهِ بَيْنَ الْحَيْضِ
وَالطُّهْرِ وَالْخُرُوجِ مِنَ الْحَيْضِ، إِلاَّ إِذَا تَذَكَّرَتْ وَقْتَ
خُرُوجِهَا مِنَ الْحَيْضِ فَتَغْتَسِل فِي كُل يَوْمٍ فِي ذَلِكَ
الْوَقْتِ مَرَّةً، كَأَنْ تَذَكَّرَتْ أَنَّهَا كَانَتْ تَطْهُرُ فِي
وَقْتِ الْعَصْرِ مَثَلاً وَلاَ تَدْرِي مِنْ أَيِّ يَوْمٍ، فَتُصَلِّي
الصُّبْحَ وَالظُّهْرَ بِالْوُضُوءِ لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ الْحَيْضِ
وَالطُّهْرِ، ثُمَّ تُصَلِّي الْعَصْرَ بِالْغُسْل لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ
الْحَيْضِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ، ثُمَّ تُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ
وَالْوَتْرَ بِالْوُضُوءِ لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ،
ثُمَّ تَفْعَل هَكَذَا فِي كُل يَوْمٍ مِمَّا بَعْدَ الثَّلاَثَةِ.
وَإِنْ أَضَلَّتْ أَرْبَعَةً فِي عَشَرَةٍ فَإِنَّهَا تُصَلِّي أَرْبَعَةً
مِنْ أَوَّل الْعَشَرَةِ بِالْوُضُوءِ، ثُمَّ بِالاِغْتِسَال إِلَى آخِرِ
الْعَشَرَةِ، وَكَذَلِكَ الْخَمْسَةُ إِنْ أَضَلَّتْهَا فِي ضِعْفِهَا
فَتُصَلِّي خَمْسَةً مِنْ أَوَّل الْعَشَرَةِ بِالْوُضُوءِ وَالْبَاقِي
بِالْغُسْل.
وَمَا سَبَقَ مِنَ الأَْمْثِلَةِ فِي إِضْلاَل الْعَدَدِ فِي الضِّعْفِ
أَوْ أَكْثَرَ، وَأَمْثِلَةُ إِضْلاَل الْعَدَدِ فِي
(36/76)
أَقَل مِنْ ضِعْفِهِ فَكَمَا لَوْ
أَضَلَّتْ سِتَّةً فِي عَشَرَةٍ، فَإِنَّهَا تَتَيَقَّنُ بِالْحَيْضِ فِي
الْخَامِسِ وَالسَّادِسِ، فَتَدَعُ الصَّلاَةَ فِيهِمَا، لأَِنَّهُمَا
آخِرُ الْحَيْضِ أَوْ أَوَّلُهُ أَوْ وَسَطُهُ، وَتَفْعَل فِي الْبَاقِي
مِثْل مَا تَفْعَل فِي إِضْلاَل الْعَدَدِ فِي الضِّعْفِ أَوْ أَكْثَرَ،
فَتُصَلِّي أَرْبَعَةً مِنْ أَوَّل الْعَشَرَةِ بِالْوُضُوءِ، ثُمَّ
أَرْبَعَةً مِنْ آخِرِهَا بِالْغُسْل لِتَوَهُّمِ خُرُوجِهَا مِنَ
الْحَيْضِ فِي كُل سَاعَةٍ مِنْهَا، وَإِنْ أَضَلَّتْ سَبْعَةً فِي
الْعَشَرَةِ فَإِنَّهَا تَتَيَقَّنُ فِي أَرْبَعَةٍ بَعْدَ الثَّلاَثَةِ
الأُْوَل بِالْحَيْضِ، فَتُصَلِّي ثَلاَثَةً مِنْ أَوَّل الْعَشَرَةِ
بِالْوُضُوءِ، ثُمَّ تَتْرُكُ أَرْبَعَةً، ثُمَّ تُصَلِّي ثَلاَثَةً
بِالْغُسْل، وَفِي إِضْلاَل الثَّمَانِيَةِ فِي الْعَشَرَةِ تَتَيَقَّنُ
بِالْحَيْضِ فِي سِتَّةٍ بَعْدَ الْيَوْمَيْنِ الأَْوَّلَيْنِ، فَتَدَعُ
الصَّلاَةَ فِيهَا، وَتُصَلِّي يَوْمَيْنِ قَبْلَهَا بِالْوُضُوءِ،
وَيَوْمَيْنِ بَعْدَهَا بِالْغُسْل، وَفِي إِضْلاَل التِّسْعَةِ فِي
عَشَرَةٍ تَتَيَقَّنُ بِثَمَانِيَةٍ بَعْدَ الأُْوَل أَنَّهَا حَيْضٌ،
فَتُصَلِّي أَوَّل الْعَشَرَةِ بِالْوُضُوءِ وَتَتْرُكُ ثَمَانِيَةً،
وَتُصَلِّي آخِرَ الْعَشَرَةِ بِالْغُسْلِ، وَلاَ يُتَصَوَّرُ إِضْلاَل
الْعَشَرَةِ فِي مِثْلِهَا (1) .
الإِْضْلاَل الْعَامُّ:
النَّاسِيَةُ لِلْعَدَدِ وَالْمَكَانِ
9 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ النَّاسِيَةَ
__________
(1) مجموعة رسائل ابن عابدين 1 / 106، 107 - ط. دار سعادت 1325 هـ، ومغني
المحتاج 1 / 118، وكشاف القناع 1 / 210 - 211 - ط. عالم الكتب 1983م.
(36/77)
لِلْعَدَدِ وَالْمَكَانِ عَلَيْهَا
الأَْخْذُ وُجُوبًا بِالأَْحْوَطِ فِي الأَْحْكَامِ، لاِحْتِمَال كُل
زَمَانٍ يَمُرُّ عَلَيْهَا لِلْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَالاِنْقِطَاعِ، وَلاَ
يُمْكِنُ جَعْلُهَا حَائِضًا دَائِمًا لِقِيَامِ الإِْجْمَاعِ عَلَى
بُطْلاَنِهِ، وَلاَ طَاهِرًا دَائِمًا لِقِيَامِ الدَّمِ، وَلاَ
التَّبْعِيضِ لأَِنَّهُ تَحَكُّمٌ، فَتَعَيَّنَ الاِحْتِيَاطُ
لِلضَّرُورَةِ لاَ لِقَصْدِ التَّشْدِيدِ عَلَيْهَا.
وَسَتَأْتِي كَيْفِيَّةُ الاِحْتِيَاطِ فِي الأَْحْكَامِ بِالتَّفْصِيل.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ النَّاسِيَةَ لِلْعَدَدِ وَالْمَكَانِ
تَجْلِسُ غَالِبَ الْحَيْضِ مِنْ أَوَّل كُل شَهْرٍ هِلاَلِيٍّ، فَإِنْ
عَرَفَتِ ابْتِدَاءَ الدَّمِ بِأَنْ عَلِمَتْ أَنَّ الدَّمَ كَانَ
يَأْتِيهَا فِي أَوَّل الْعَشَرَةِ الأَْوْسَطِ مِنَ الشَّهْرِ، وَأَوَّل
النِّصْفِ الأَْخِيرِ مِنْهُ وَنَحْوِهِ، فَهُوَ أَوَّل دَوْرِهَا
فَتَجْلِسُ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَتْ نَاسِيَةً لِلْعَدَدِ فَقَطْ، أَوْ
لِلْعَدَدِ وَالْمَوْضِعِ وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ مَا
تَجْلِسُهُ النَّاسِيَةُ لِلْعَدَدِ، أَوِ الْمَوْضِعِ أَوْ هُمَا مِنْ
حَيْضٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ كَحَيْضٍ يَقِينًا فِيمَا يُوجِبُهُ وَيَمْنَعُهُ،
وَكَذَا الطُّهْرُ مَعَ الشَّكِّ فِيهِ كَطُهْرٍ يَقِينًا، وَمَا زَادَ
عَلَى مَا تَجْلِسُهُ إِلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ كَطُهْرٍ مُتَيَقَّنٍ.
وَغَيْرِ زَمَنِ الْحَيْضِ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ إِلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ
اسْتِحَاضَةٌ.
وَإِذَا ذَكَرَتِ الْمُسْتَحَاضَةُ النَّاسِيَةُ لِعَادَتِهَا رَجَعَتْ
إِلَيْهَا وَقَضَتِ الْوَاجِبَ زَمَنَ الْعَادَةِ
(36/77)
الْمَنْسِيَّةِ، وَقَضَتِ الْوَاجِبَ
أَيْضًا زَمَنَ جُلُوسِهَا فِي غَيْرِهَا (1) .
كَيْفِيَّةُ الاِحْتِيَاطِ فِي الأَْحْكَامِ عِنْدَ مَنْ يَقُول بِهِ:
أ - الاِحْتِيَاطُ فِي الطَّهَارَةِ وَالصَّلاَةِ -
10 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ
تُصَلِّي الْفَرَائِضَ أَبَدًا وُجُوبًا لاِحْتِمَال طُهْرِهَا، وَلَهَا
فِعْل النَّفْل مُطْلَقًا: صَلاَتُهُ وَطَوَافُهُ وَصِيَامُهُ فِي
الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، قَالُوا: لأَِنَّهُ مِنْ مُهِمَّاتِ
الدِّينِ فَلاَ وَجْهَ لِحِرْمَانِهَا مِنْهُ وَكَذَا لَهَا فِعْل
الْوَاجِبِ وَالسُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، قَال ابْنُ
عَابِدِينَ: وَإِنَّمَا لاَ تَتْرُكُ السُّنَنَ الْمُؤَكَّدَةَ وَمِثْلَهَا
الْوَاجِبَ بِالأَْوْلَى لِكَوْنِهَا شُرِعَتْ جَبْرًا لِنُقْصَانِ
تَمَكُّنٍ فِي الْفَرَائِضِ، فَيَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمَ الْفَرَائِضِ.
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا تَغْتَسِل وُجُوبًا لِكُل فَرْضٍ إِنْ
جَهِلَتْ وَقْتَ انْقِطَاعِ الدَّمِ وَلَمْ يَكُنْ دَمُهَا مُتَقَطِّعًا،
وَيَكُونُ الْغُسْل بَعْدَ دُخُول الْوَقْتِ لاِحْتِمَال الاِنْقِطَاعِ
حِينَئِذٍ، وَإِنَّمَا تَفْعَلُهُ بَعْدَ دُخُول وَقْتِهِ لأَِنَّهَا
طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ كَالتَّيَمُّمِ، فَإِنْ عَلِمَتْ وَقْتَ
الاِنْقِطَاعِ كَعِنْدَ
__________
(1) البحر الرائق 1 / 121، وحاشية ابن عابدين 1 / 191 دار إحياء التراث
العربي، ومجموعة رسائل ابن عابدين 1 / 99، ونهاية المحتاج 1 / 346 مطبعة
مصطفى الحلبي 1967م، ومغني المحتاج 1 / 116، وكشاف القناع 1 / 210 - ط.
عالم الكتب 1983م.
(36/78)
الْغُرُوبِ لَمْ يَلْزَمْهَا الْغُسْل فِي
كُل يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِلاَّ عَقِبَ الْغُرُوبِ، وَذَاتُ التَّقَطُّعِ لاَ
يَلْزَمُهَا الْغُسْل زَمَنَ النَّقَاءِ لأَِنَّ الْغُسْل سَبَبُهُ
الاِنْقِطَاعُ وَالدَّمُ مُنْقَطِعٌ، وَلاَ يَلْزَمُهَا الْمُبَادَرَةُ
لِلصَّلاَةِ إِذَا اغْتَسَلَتْ عَلَى الأَْصَحِّ لَكِنْ لَوْ أَخَّرَتْ
لَزِمَهَا الْوُضُوءُ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا تَتَوَضَّأُ لِكُل صَلاَةٍ
كُلَّمَا تَرَدَّدَتْ بَيْنَ الطُّهْرِ وَدُخُول الْحَيْضِ، وَتَغْتَسِل
لِكُل صَلاَةٍ إِنْ تَرَدَّدَتْ بَيْنَ الطُّهْرِ وَالْخُرُوجِ مِنَ
الْحَيْضِ، فَفِي الأَْوَّل يَكُونُ طُهْرُهَا بِالْوُضُوءِ، وَفِي
الثَّانِي بِالْغُسْل.
مِثَال ذَلِكَ: امْرَأَةٌ تَذْكُرُ أَنَّ حَيْضَهَا فِي كُل شَهْرٍ
مَرَّةٌ، وَانْقِطَاعَهُ فِي النِّصْفِ الأَْخِيرِ، وَلاَ تَذْكُرُ غَيْرَ
هَذَيْنِ، فَإِنَّهَا فِي النِّصْفِ الأَْوَّل تَتَرَدَّدُ بَيْنَ
الدُّخُول وَالطُّهْرِ فَيَكُونُ طُهْرُهَا بِالْوُضُوءِ، وَفِي النِّصْفِ
الأَْخِيرِ تَتَرَدَّدُ بَيْنَ الطُّهْرِ وَالْخُرُوجِ فَيَكُونُ طُهْرُهَا
بِالْغُسْل، وَأَمَّا إِذَا لَمْ تَذْكُرْ شَيْئًا أَصْلاً فَهِيَ
مُتَرَدِّدَةٌ فِي كُل زَمَنٍ بَيْنَ الطُّهْرِ وَالدُّخُول فَحُكْمُهَا
حُكْمُ التَّرَدُّدِ بَيْنَ الطُّهْرِ وَالْخُرُوجِ بِلاَ فَرْقٍ، ثُمَّ
إِنَّهَا إِذَا اغْتَسَلَتْ فِي وَقْتِ صَلاَةٍ وَصَلَّتْ، ثُمَّ
اغْتَسَلَتْ فِي وَقْتِ الأُْخْرَى أَعَادَتِ الأُْولَى قَبْل
الْوَقْتِيَّةِ، وَهَكَذَا تَصْنَعُ فِي وَقْتِ كُل صَلاَةٍ احْتِيَاطًا،
لاِحْتِمَال حَيْضِهَا فِي وَقْتِ الأُْولَى وَطُهْرِهَا قَبْل خُرُوجِهِ،
فَيَلْزَمُهَا الْقَضَاءُ احْتِيَاطًا، وَهَذَا قَوْل أَبِي سَهْلٍ
(36/78)
وَاخْتَارَهُ الْبَرْكَوِيُّ (1) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُبْتَدَأَةَ الَّتِي اسْتَمَرَّ
بِهَا الدَّمُ إِنْ كَانَتِ اسْتَوْفَتْ تَمَامَ حَيْضِهَا بِنِصْفِ شَهْرٍ
أَوْ بِالاِسْتِظْهَارِ فَذَلِكَ الدَّمُ اسْتِحَاضَةٌ وَإِلاَّ ضَمَّتْهُ
لِلأَْوَّل حَتَّى يَحْصُل تَمَامُهُ بِالْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ
بِالاِسْتِظْهَارِ، وَمَا زَادَ فَاسْتِحَاضَةٌ.
وَأَمَّا الْمُعْتَادَةُ الَّتِي اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَإِنَّهَا
تَزِيدُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ عَلَى أَكْثَرِ عَادَتِهَا اسْتِظْهَارًا،
وَمَحَل الاِسْتِظْهَارِ بِالثَّلاَثَةِ مَا لَمْ تُجَاوِزْ نِصْفَ
الشَّهْرِ، ثُمَّ بَعْدَ أَنْ مَكَثَتِ الْمُبْتَدَأَةُ نِصْفَ شَهْرٍ،
وَبَعْدَ أَنِ اسْتَظْهَرَتِ الْمُعْتَادَةُ بِثَلاَثَةٍ أَوْ بِمَا
يُكْمِل نِصْفَ شَهْرٍ، تَصِيرُ إِنْ تَمَادَى بِهَا الدَّمُ
مُسْتَحَاضَةً، وَيُسَمَّى الدَّمُ النَّازِل بِهَا دَمَ اسْتِحَاضَةٍ
وَدَمَ عِلَّةٍ وَفَسَادٍ، وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ طَاهِرٌ تَصُومُ
وَتُصَلِّي وَتُوطَأُ (2) .
وَإِذَا مَيَّزَتِ الْمُسْتَحَاضَةُ الدَّمَ بِتَغَيُّرِ رَائِحَةٍ أَوْ
لَوْنٍ أَوْ رِقَّةٍ أَوْ ثِخَنٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ طُهْرٍ
فَذَلِكَ الدَّمُ الْمُمَيَّزُ حَيْضٌ لاَ اسْتِحَاضَةٌ، فَإِنِ اسْتَمَرَّ
بِصِفَةِ التَّمَيُّزِ اسْتَظْهَرَتْ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مَا لَمْ
تُجَاوِزْ نِصْفَ شَهْرٍ، ثُمَّ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ، وَإِلاَّ - بِأَنْ
لَمْ يَدُمْ بِصِفَةِ التَّمَيُّزِ
__________
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 191، ومجموعة رسائل ابن عابدين 1 / 100، ومغني
المحتاج 1 / 116 - 117، ونهاية المحتاج 1 / 349.
(2) الشرح الصغير 1 / 209 - 210.
(36/79)
بِأَنْ رَجَعَ لأَِصْلِهِ - مَكَثَتْ
عَادَتَهَا فَقَطْ وَلاَ اسْتِظْهَارَ (1) .
ب - الاِحْتِيَاطُ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ وَقَضَائِهِ
11 - اتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ
عِنْدَهُمْ عَلَى أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ تَصُومُ رَمَضَانَ كَامِلاً
وُجُوبًا، لاِحْتِمَال طَهَارَتِهَا فِي كُل يَوْمٍ.
وَقَدْ أَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ لَهَا صِيَامَ التَّطَوُّعِ خِلاَفًا
لِلْحَنَفِيَّةِ حَيْثُ مَنَعُوهَا مِنْهُ.
وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ قَضَاءِ رَمَضَانَ بِنَاءً عَلَى
اخْتِلاَفِهِمْ فِي أَكْثَرِ الْحَيْضِ.
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا تَصُومُ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرًا
آخَرَ كَامِلاً ثَلاَثِينَ يَوْمًا مُتَوَالِيَةً، فَيَحْصُل لَهَا مِنْ
كُلٍّ مِنْهُمَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَهَذَا إِذَا كَانَ رَمَضَانُ
كَامِلاً، فَإِنْ كَانَ نَاقِصًا فَإِنَّهُ يَحْصُل لَهَا مِنْهُ ثَلاَثَةَ
عَشَرَ يَوْمًا فَيَبْقَى لَهَا يَوْمَانِ سَوَاءٌ كَانَ رَمَضَانُ
كَامِلاً أَوْ نَاقِصًا، وَذَلِكَ إِنْ لَمْ تَعْتَدْ الاِنْقِطَاعَ
لَيْلاً كَأَنِ اعْتَادَتْهُ نَهَارًا، أَوْ شَكَّتْ لاِحْتِمَال أَنْ
تَحِيضَ فِيهِمَا أَكْثَرَ الْحَيْضِ، وَيَطْرَأُ الدَّمُ فِي يَوْمٍ
وَيَنْقَطِعُ فِي يَوْمٍ آخَرَ، فَيَفْسُدُ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ
كُلٍّ مِنَ الشَّهْرَيْنِ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا اعْتَادَتْ الاِنْقِطَاعَ
لَيْلاً فَإِنَّهُ لاَ يَبْقَى عَلَيْهَا شَيْءٌ.
وَإِذَا بَقِيَ عَلَيْهَا يَوْمَانِ فَأَكْثَرَ أَوْ أَقَل فَلَهَا فِي
قَضَائِهِ طَرِيقَانِ:
__________
(1) الشرح الكبير 1 / 213.
(36/79)
إِحْدَاهُمَا: طَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ:
وَتُجْرَى فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَمَا دُونَهَا، وَذَلِكَ أَنْ
تُضَعِّفَ مَا عَلَيْهَا وَتَزِيدَ عَلَيْهِ يَوْمَيْنِ، وَتَقْسِمَ
الْجَمِيعَ نِصْفَيْنِ فَتَصُومَ نِصْفَهُ فِي أَوَّل الشَّهْرِ،
وَنِصْفَهُ فِي أَوَّل النِّصْفِ الآْخَرِ، وَالْمَقْصُودُ بِالشَّهْرِ
هُنَا ثَلاَثُونَ يَوْمًا مَتَى شَاءَتِ ابْتَدَأَتْ، وَعَلَى هَذَا إِذَا
أَرَادَتْ صَوْمَ يَوْمَيْنِ فَإِنَّهَا تَصُومُ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ
يَوْمًا ثَلاَثَةً أَوَّلَهَا وَثَلاَثَةً مِنْ آخِرِهَا فَيَحْصُل
الْيَوْمَانِ لأَِنَّ غَايَةَ مَا يُفْسِدُهُ الْحَيْضُ سِتَّةَ عَشَرَ
يَوْمًا فَيَحْصُل لَهَا يَوْمَانِ عَلَى كُل تَقْدِيرٍ، لأَِنَّ الْحَيْضَ
إِنْ طَرَأَ فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ الأَْوَّل مِنْ صَوْمِهَا انْقَطَعَ
فِي أَثْنَاءِ السَّادِسَ عَشَرَ فَيَحْصُل الْيَوْمَانِ بَعْدَهُ، أَوْ
فِي الْيَوْمِ الثَّانِي انْقَطَعَ فِي السَّابِعَ عَشَرَ فَيَحْصُل
الأَْوَّل وَالأَْخِيرُ أَوْ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَيَحْصُل
الْيَوْمَانِ الأَْوَّلاَنِ، أَوْ فِي الْيَوْمِ السَّادِسَ عَشَرَ
انْقَطَعَ الْيَوْمُ الأَْوَّل فَيَحْصُل لَهَا الثَّانِي وَالثَّالِثُ،
أَوْ فِي السَّابِعَ عَشَرَ انْقَطَعَ فِي الثَّانِي فَيَحْصُل لَهَا
السَّادِسَ عَشَرَ وَالثَّالِثُ، أَوْ فِي الثَّامِنَ عَشَرَ انْقَطَعَ فِي
الثَّالِثِ فَيَحْصُل لَهَا السَّادِسَ عَشَرَ وَالسَّابِعَ عَشَرَ.
وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: طَرِيقَةُ الدَّارِمِيِّ وَاسْتَحْسَنَهَا
النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ، وَتُجْرَى فِي سَبْعَةِ أَيَّامٍ فَمَا
دُونَهَا، أَنْ تَصُومَ بِقَدْرِ مَا عَلَيْهَا بِزِيَادَةِ يَوْمٍ
مُتَفَرِّقٍ بِأَيِّ وَجْهٍ شَاءَتْ فِي خَمْسَةَ
(36/80)
عَشَرَ، ثُمَّ تُعِيدُ الصَّوْمَ كُل
يَوْمٍ غَيْرَ الزِّيَادَةِ يَوْمَ سَابِعَ عَشَرَ، وَلَهَا تَأْخِيرُهُ
إِلَى خَامِسَ عَشَرَ ثَانِيَةً، فَيُمْكِنُ قَضَاءُ يَوْمٍ بِصَوْمِ
يَوْمٍ، ثُمَّ الثَّالِثُ مِنَ الأَْوَّل، وَالسَّابِعَ عَشَرَ مِنْهُ،
لأَِنَّهَا قَدْ صَامَتْ بِقَدْرِ مَا عَلَيْهَا أَوَّلاً بِزِيَادَةِ
يَوْمٍ مُتَفَرِّقًا فِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَبِقَدْرِ مَا
عَلَيْهَا فِي سَابِعَ عَشَرَ فَيَقَعُ لَهَا فِي يَوْمٍ مِنَ الأَْيَّامِ
الثَّلاَثِ فِي الطُّهْرِ عَلَى كُل تَقْدِيرٍ.
وَهَذَا فِي غَيْرِ الصَّوْمِ الْمُتَتَابِعِ، أَمَّا الْمُتَتَابِعُ
بِنَذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ: فَإِنْ كَانَ سَبْعَةً فَمَا دُونَهَا صَامَتْهُ
وَلاَءً تَصُومُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، الثَّالِثَةُ مِنْهَا فِي سَابِعَ
عَشَرَ شُرُوعُهَا فِي الصَّوْمِ بِشَرْطِ أَنْ تُفَرِّقَ بَيْنَ كُل
مَرَّتَيْنِ مِنَ الثَّلاَثِ بِيَوْمٍ فَأَكْثَرَ حَيْثُ يَتَأَتَّى
الأَْكْثَرُ، وَذَلِكَ فِيمَا دُونَ السَّبْعِ فَلِقَضَاءِ يَوْمَيْنِ
وَلاَءً تَصُومُ يَوْمًا وَثَانِيَهُ، وَلِسَابِعَ عَشْرَةَ وَثَامِنَ
عَشْرَةَ وَيَوْمَيْنِ بَيْنَهُمَا وَلاَءً غَيْرَ مُتَّصِلَيْنِ بِشَيْءٍ
مِنَ الصَّوْمَيْنِ فَتَبْرَأُ، لأَِنَّ الْحَيْضَ إِنْ فُقِدَ فِي
الأَْوَّلَيْنِ صَحَّ صَوْمُهُمَا، وَإِنْ وُجِدَ فِيهِمَا صَحَّ
الأَْخِيرَانِ إِذْ لَمْ يَفْدِ فِيهِمَا، وَإِلاَّ فَالمُتَوَسِّطَانِ،
وَإِنْ وُجِدَ فِي الأَْوَّل دُونَ الثَّانِي صَحَّا - أَيْضًا - أَوْ
بِالْعَكْسِ.
فَإِنِ انْقَطَعَ قَبْل السَّابِعَ عَشَرَ صَحَّ مَعَ مَا بَعْدَهُ، وَإِنِ
انْقَطَعَ فِيهِ صَحَّ الأَْوَّل وَالثَّامِنَ عَشَرَ، وَتَخَلُّل
الْحَيْضِ لاَ يَقْطَعُ الْوَلاَءَ، وَإِنْ كَانَ الصَّوْمُ الَّذِي
تَخَلَّلَهُ قَدْرًا يَسَعُ وَقْتَ الطُّهْرِ لِضَرُورَةِ تَحَيُّرِ
الْمُسْتَحَاضَةِ،
(36/80)
فَإِنْ كَانَ الْمُتَتَابِعُ أَرْبَعَةَ
عَشَرَ فَمَا دُونَهَا صَامَتْ لَهُ سِتَّةَ عَشَرَ وَلاَءً، ثُمَّ تَصُومُ
قَدْرَ الْمُتَتَابِعِ أَيْضًا وَلاَءً بَيْنَ أَفْرَادِهِ وَبَيْنَهَا
وَبَيْنَ السِّتَّةَ عَشَرَ، فَلِقَضَاءِ ثَمَانِيَةٍ مُتَتَابِعَةٍ
تَصُومُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وَلاَءً فَتَبْرَأُ إِذِ الْغَايَةُ
بُطْلاَنُ سِتَّةَ عَشَرَ، فَيَبْقَى لَهَا ثَمَانِيَةٌ مِنَ الأَْوَّل
أَوْ مِنَ الآْخَرِ أَوْ مِنْهُمَا أَوْ مِنَ الْوَسَطِ، وَلِقَضَاءِ
أَرْبَعَةَ عَشَرَ تَصُومُ ثَلاَثِينَ، وَإِنْ كَانَ مَا عَلَيْهَا
شَهْرَانِ مُتَتَابِعَانِ صَامَتْ مِائَةً وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلاَءً
فَتَبْرَأُ، إِذْ يَحْصُل مِنْ كُل ثَلاَثِينَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا
فَيَحْصُل مِنْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سِتَّةٌ وَخَمْسُونَ، وَمِنْ عِشْرِينَ
الأَْرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ.
وَإِنَّمَا وَجَبَ الْوَلاَءُ لأَِنَّهَا لَوْ فَرَّقَتِ احْتَمَل وُقُوعَ
الْفِطْرِ فِي الطُّهْرِ فَيَقْطَعُ الْوَلاَءَ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ لاَ تُفْطِرُ فِي
رَمَضَانَ أَصْلاً، لاِحْتِمَال طَهَارَتِهَا كُل يَوْمٍ ثُمَّ إِنَّ لَهَا
حَالاَتٍ، لأَِنَّهَا إِمَّا أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ حَيْضَهَا فِي كُل شَهْرٍ
مَرَّةً أَوْ لاَ، وَعَلَى كُلٍّ إِمَّا أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ ابْتِدَاءَ
حَيْضِهَا بِاللَّيْل أَوْ بِالنَّهَارِ، أَوْ لاَ تَعْلَمُ، وَعَلَى كُلٍّ
إِمَّا أَنْ يَكُونَ الشَّهْرُ كَامِلاً أَوْ نَاقِصًا، وَعَلَى كُلٍّ
إِمَّا أَنْ تَقْضِيَ مَوْصُولاً أَوْ مَفْصُولاً.
فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ دَوْرَتَهَا فِي كُل شَهْرٍ مَرَّةٌ وَأَنَّ
ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا بِاللَّيْل أَوِ النَّهَارِ، أَوْ عَلِمَتْ أَنَّهُ
بِالنَّهَارِ وَكَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ ثَلاَثِينَ يَجِبُ عَلَيْهَا
(36/81)
قَضَاءُ اثْنَيْنِ وَثَلاَثِينَ إِنْ
قَضَتْ مَوْصُولاً بِرَمَضَانَ، وَثَمَانِيَةٍ وَثَلاَثِينَ إِنْ قَضَتْ
مَفْصُولاً، لأَِنَّهَا إِذَا عَلِمَتْ أَنَّ ابْتِدَاءَهُ بِالنَّهَارِ
يَكُونُ تَمَامُ حَيْضِهَا فِي الْحَادِي عَشَرَ وَإِذَا لَمْ تَعْلَمْ
أَنَّهُ بِاللَّيْل أَوِ النَّهَارِ يُحْمَل عَلَى أَنَّهُ بِالنَّهَارِ
أَيْضًا لأَِنَّهُ الأَْحْوَطُ، وَحِينَئِذٍ فَأَكْثَرُ مَا فَسَدَ مِنْ
صَوْمِهَا فِي الشَّهْرِ سِتَّةَ عَشَرَ.
إِمَّا أَحَدَ عَشَرَ مِنْ أَوَّلِهِ وَخَمْسَةٌ مِنْ آخِرِهِ أَوْ
بِالْعَكْسِ، فَعَلَيْهَا قَضَاءُ ضِعْفِهَا وَذَلِكَ عَلَى احْتِمَال أَنْ
تَحِيضَ فِي رَمَضَانَ مَرَّتَيْنِ، وَأَمَّا عَلَى احْتِمَال أَنْ تَحِيضَ
مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يَقَعُ لَهَا فِيهِ طُهْرٌ كَامِلٌ وَبَعْضُ
طُهْرٍ، وَذَلِكَ بِأَنْ تَحِيضَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ، وَحِينَئِذٍ
فَيَصِحُّ لَهَا صَوْمُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَتُعَامَل
بِالأَْضَرِّ احْتِيَاطًا فَتَقْضِي سِتَّةَ عَشَرَ، لَكِنْ لاَ
تَتَيَقَّنُ بِصِحَّتِهَا كُلِّهَا إِلاَّ بِقَضَاءِ اثْنَيْنِ
وَثَلاَثِينَ، وَالْمُرَادُ بِالْمَوْصُول أَنْ تَبْتَدِئَ مِنْ ثَانِي
شَوَّالٍ لأَِنَّ صَوْمَ يَوْمِ الْعِيدِ لاَ يَجُوزُ، وَبَيَانُ ذَلِكَ
أَنَّهُ إِذَا كَانَ رَمَضَانُ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا، فَيَوْمُ الْفِطْرِ
هُوَ السَّادِسُ مِنْ حَيْضِهَا الثَّانِي فَلاَ تَصُومُهُ، ثُمَّ لاَ
يُجْزِيهَا صَوْمُ خَمْسَةٍ بَقِيَّةَ حَيْضِهَا ثُمَّ يُجْزِيهَا فِي
أَرْبَعَةَ عَشَرَ، ثُمَّ لاَ يُجْزِيهَا فِي أَحَدَ عَشَرَ، ثُمَّ
يُجْزِيهَا فِي يَوْمَيْنِ، وَجُمْلَةُ ذَلِكَ اثْنَانِ وَثَلاَثُونَ،
وَإِنَّمَا كَانَ قَضَاءُ ثَمَانِيَةٍ وَثَلاَثِينَ فِي الْمَفْصُول
لاِحْتِمَال أَنَّ ابْتِدَاءَ الْقَضَاءِ وَافَقَ أَوَّل يَوْمٍ مِنْ
حَيْضِهَا فَلاَ يُجْزِيهَا الصَّوْمُ فِي أَحَدَ
(36/81)
عَشَرَ، ثُمَّ يُجْزِي فِي أَرْبَعَةَ
عَشَرَ، ثُمَّ لاَ يُجْزِي فِي أَحَدَ عَشَرَ، ثُمَّ يُجْزِي فِي
يَوْمَيْنِ، فَالْجُمْلَةُ ثَمَانِيَةٌ وَثَلاَثُونَ يَجِبُ عَلَيْهَا
صَوْمُهَا لِتَتَيَقَّنَ بِجَوَازِ سِتَّةَ عَشَرَ مِنْهَا.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ فِي شَرْحِ رِسَالَةِ الْبَرْكَوِيِّ: إِنَّهُ لاَ
يَلْزَمُ قَضَاءُ ثَمَانِيَةٍ وَثَلاَثِينَ إِلاَّ إِذَا فَرَضْنَا فَسَادَ
سِتَّةَ عَشَرَ مِنْ رَمَضَانَ مَعَ فَرْضِ مُصَادَفَةِ أَوَّل الْقَضَاءِ
لأَِوَّل الْحَيْضِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُمْكِنِ اجْتِمَاعُ الْفَرْضَيْنِ
لاَ يَلْزَمُ قَضَاءُ ثَمَانِيَةٍ وَثَلاَثِينَ بَل أَقَل، وَكَأَنَّهُمْ
أَرَادُوا طَرْدَ بَعْضِ الْفَصْل بِالتَّسْوِيَةِ تَيْسِيرًا عَلَى
الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي بِإِسْقَاطِ مُؤْنَةِ الْحِسَابِ، فَمَتَى
قَاسَتْ مُؤْنَتَهُ فَلَهَا الْعَمَل بِالْحَقِيقَةِ.
وَإِنْ كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ السَّابِقَةُ بِحَالِهَا وَكَانَ شَهْرُ
رَمَضَانَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ فَإِنَّهَا تَقْضِي فِي الْوَصْل اثْنَيْنِ
وَثَلاَثِينَ، وَفِي الْفَصْل سَبْعَةً وَثَلاَثِينَ، وَإِنَّمَا تَقْضِي
فِي الْوَصْل اثْنَيْنِ وَثَلاَثِينَ لأَِنَّا تَيَقَّنَّا بِجَوَازِ
الصَّوْمِ فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَبِفَسَادِهِ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ
فَيَلْزَمُهَا قَضَاءُ خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ لاَ يَجْزِيهَا الصَّوْمُ
فِي سَبْعَةٍ مِنْ أَوَّل شَوَّالٍ لأَِنَّهَا بَقِيَّةُ حَيْضِهَا عَلَى
تَقْدِيرِ حَيْضِهَا بِأَحَدَ عَشَرَ، ثُمَّ يُجْزِيهَا فِي أَرْبَعَةَ
عَشَرَ وَلاَ يُجْزِيهَا فِي أَحَدَ عَشَرَ ثُمَّ يُجْزِيهَا فِي يَوْمٍ.
وَكَانَ قَضَاؤُهَا فِي الْفَصْل سَبْعَةً وَثَلاَثِينَ لِجَوَازِ أَنْ
يُوَافِقَ صَوْمُهَا ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا فَلاَ
(36/82)
يُجْزِيهَا فِي أَحَدَ عَشَرَ ثُمَّ
يُجْزِيهَا فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ لاَ يُجْزِيهَا فِي أَحَدَ عَشَرَ
ثُمَّ يُجْزِيهَا فِي يَوْمٍ، وَقَوْل ابْنِ عَابِدِينَ السَّابِقُ يَجْرِي
هُنَا أَيْضًا.
وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا بِاللَّيْل وَشَهْرُ رَمَضَانَ
ثَلاَثُونَ فَتَقْضِي فِي الْوَصْل وَالْفَصْل خَمْسَةً وَعِشْرِينَ،
وَإِنْ كَانَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ تَقْضِي فِي الْوَصْل عِشْرِينَ وَفِي
الْفَصْل أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، وَإِنَّمَا كَانَ قَضَاؤُهَا خَمْسَةً
وَعِشْرِينَ فِي الْوَصْل وَالْفَصْل، أَمَّا فِي الْوَصْل فَلاِحْتِمَال
أَنَّ حَيْضَهَا خَمْسَةً مِنْ أَوَّل رَمَضَانَ بَقِيَّةُ الْحَيْضِ،
ثُمَّ طُهْرُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ حَيْضُهَا عَشْرَةٌ، فَالْفَاسِدُ
خَمْسَةَ عَشَرَ، فَإِذَا قَضَتْهَا مَوْصُولَةً فَيَوْمُ الْعِيدِ أَوَّل
طُهْرِهَا وَلاَ تَصُومُهُ، ثُمَّ يُجْزِيهَا الصَّوْمُ فِي أَرْبَعَةَ
عَشَرَ ثُمَّ لاَ يُجْزِي فِي عَشْرَةٍ ثُمَّ يُجْزِي فِي يَوْمٍ
وَالْجُمْلَةُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، وَإِنْ فُرِضَ أَنَّ حَيْضَهَا
عَشَرَةٌ مِنْ أَوَّل رَمَضَانَ وَخَمْسَةٌ مِنْ آخِرِهِ تَصُومُ
أَرْبَعَةً مِنْ أَوَّل شَوَّالٍ بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ لاَ تُجْزِيهَا
لأَِنَّهَا بَقِيَّةُ حَيْضِهَا، ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ تُجْزِيهَا،
وَالْجُمْلَةُ تِسْعَةَ عَشَرَ، وَالاِحْتِمَال الأَْوَّل أَحْوَطُ
فَيَلْزَمُهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، وَأَمَّا فِي الْفَصْل فَلاِحْتِمَال
أَنَّ ابْتِدَاءَ الْقَضَاءِ وَافَقَ أَوَّل يَوْمٍ مِنْ حَيْضِهَا فَلاَ
يُجْزِيهَا الصَّوْمُ فِي عَشْرَةٍ ثُمَّ يُجْزِي فِي خَمْسَةَ عَشَرَ،
ثُمَّ إِنَّهَا تَقْضِي فِي الْوَصْل عِشْرِينَ إِنْ كَانَ رَمَضَانُ
تِسْعَةً وَعِشْرِينَ، لأَِنَّهَا يُحْتَمَل أَنْ
(36/82)
تَحِيضَ خَمْسَةً مِنْ أَوَّل رَمَضَانَ
وَتِسْعَةً مِنْ آخِرِهِ، أَوْ عَشْرَةً مِنْ أَوَّلِهِ وَأَرْبَعَةً مِنْ
آخِرِهِ، فَالْفَاسِدُ فِيهِمَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَيُحْتَمَل أَنْ
تَحِيضَ فِي أَثْنَائِهِ كَأَنْ حَاضَتْ لَيْلَةَ السَّادِسِ وَطَهُرَتْ
لَيْلَةَ السَّادِسَ عَشَرَ وَالْفَاسِدُ فِيهِ عَشْرَةٌ، فَعَلَى
الأَْوَّل يَكُونُ أَوَّل الْقَضَاءِ وَهُوَ ثَانِي شَوَّالٍ أَوَّل
طُهْرِهَا فَتَصُومُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَتُجْزِيهَا، وَعَلَى الثَّانِي
يَكُونُ ثَانِي شَوَّالٍ سَادِسَ يَوْمٍ مِنْ حَيْضِهَا فَتَصُومُ خَمْسَةً
لاَ تُجْزِيهَا، ثُمَّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَتُجْزِيَهَا، وَالْجُمْلَةُ
تِسْعَةَ عَشَرَ، وَعَلَى الثَّالِثِ يَكُونُ أَوَّل الْقَضَاءِ أَوَّل
الْحَيْضِ فَتَصُومُ عَشَرَةً لاَ تُجْزِي ثُمَّ عَشْرَةً مِنَ الطُّهْرِ
فَتُجْزِيهَا عَنِ الْعَشْرَةِ الَّتِي عَلَيْهَا وَالْجُمْلَةُ عِشْرُونَ،
فَعَلَى الأَْوَّل يُجْزِيهَا قَضَاءُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَعَلَى
الثَّانِي تِسْعَةَ عَشَرَ، وَعَلَى الثَّالِثِ عِشْرِينَ فَتَلْزَمُهَا
احْتِيَاطًا، كَمَا أَنَّهَا تَقْضِي فِي الْفَصْل أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ
لاِحْتِمَال أَنَّ الْفَاسِدَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَأَنَّ الْقَضَاءَ
وَافَقَ أَوَّل يَوْمٍ مِنْ حَيْضِهَا فَتَصُومُ عَشَرَةً لاَ تُجْزِي
ثُمَّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ تُجْزِي وَالْجُمْلَةُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ.
وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا فِي كُل شَهْرٍ مَرَّةٌ وَعَلِمَتْ أَنَّ
ابْتِدَاءَهُ بِالنَّهَارِ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ بِالنَّهَارِ
فَإِنَّهَا تَقْضِي اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ مُطْلَقًا بِالْوَصْل
وَالْفَصْل، لأَِنَّهُ إِذَا كَانَ بِالنَّهَارِ يَفْسُدُ مِنْ صَوْمِهَا
أَحَدَ عَشَرَ، فَإِذَا قَضَتْ مُطْلَقًا احْتَمَل أَنْ يُوَافِقَ أَوَّل
الْقَضَاءِ أَوَّل الْحَيْضِ
(36/83)
فَتَصُومُ أَحَدَ عَشَرَ لاَ تُجْزِئُ
ثُمَّ أَحَدَ عَشَرَ تُجْزِئُ، وَالْجُمْلَةُ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ
تَخْرُجُ بِهَا عَنِ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ.
وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ ابْتِدَاءَهُ بِاللَّيْل تَقْضِي عِشْرِينَ
مُطْلَقًا، لأَِنَّ الْفَاسِدَ مِنْ صَوْمِهَا عَشْرَةٌ فَتَقْضِي
ضِعْفَهَا لاِحْتِمَال مُوَافَقَةِ الْقَضَاءِ أَوِ الْحَيْضِ، وَصَلَتْ
أَوْ فَصَلَتْ، هَذَا كُلُّهُ إِنْ لَمْ تَعْلَمِ الْمَرْأَةُ عَدَدَ
أَيَّامِهَا فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ.
أَمَّا إِنْ عَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا فِي كُل شَهْرٍ تِسْعَةٌ وَطُهْرَهَا
بَقِيَّةُ الشَّهْرِ، وَعَلِمَتْ أَنَّ ابْتِدَاءَهُ بِاللَّيْل،
فَإِنَّهَا تَقْضِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مُطْلَقًا وَصَلَتْ أَوْ فَصَلَتْ،
وَإِنْ لَمْ تَعْلَمِ ابْتِدَاءَهُ أَوْ عَلِمَتْ أَنَّهُ بِالنَّهَارِ
فَإِنَّهَا تَقْضِي عِشْرِينَ مُطْلَقًا، لأَِنَّ أَكْثَرَ مَا فَسَدَ مِنْ
صَوْمِهَا فِي الْوَجْهِ الأَْوَّل تِسْعَةٌ وَفِي الثَّانِي عَشَرَةٌ،
فَتَقْضِي ضِعْفَ ذَلِكَ، لاِحْتِمَال اعْتِرَاضِ الْحَيْضِ فِي أَوَّل
يَوْمٍ مِنَ الْقَضَاءِ.
وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ وَنَسِيَتْ طُهْرَهَا
فَإِنَّهُ يُحْمَل طُهْرُهَا عَلَى الأَْقَل خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا،
ثُمَّ إِنْ كَانَ رَمَضَانُ تَامًّا وَعَلِمَتِ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا
بِاللَّيْل فَإِنَّهَا تَقْضِي تِسْعَةً مُطْلَقًا، وَصَلَتْ أَوْ
فَصَلَتْ، لأَِنَّهُ يُحْتَمَل أَنَّهَا حَاضَتْ فِي أَوَّل رَمَضَانَ
ثَلاَثَةً ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ حَاضَتْ ثَلاَثَةً ثُمَّ
طَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَقَدْ فَسَدَ مِنْ صَوْمِهَا سِتَّةٌ، فَإِذَا
وَصَلَتِ الْقَضَاءَ جَازَ لَهَا بَعْدَ الْفِطْرِ خَمْسَةٌ ثُمَّ
(36/83)
تَحِيضُ ثَلاَثَةً فَتَفْسُدُ، ثُمَّ
تَصُومُ يَوْمًا فَتَصِيرُ تِسْعَةً، وَإِذَا فَصَلَتِ احْتَمَل اعْتِرَاضَ
الْحَيْضِ فِي أَوَّل يَوْمِ الْقَضَاءِ، فَيَفْسُدُ صَوْمُهَا فِي
ثَلاَثَةٍ ثُمَّ يَجُوزُ فِي سِتَّةٍ فَتَصِيرُ تِسْعَةً، وَأَمَّا إِذَا
كَانَ رَمَضَانُ نَاقِصًا فَإِذَا وَصَلَتْ جَازَ لَهَا بَعْدَ الْفِطْرِ
سِتَّةٌ تَكْفِيهَا، وَأَمَّا إِذَا فَصَلَتْ فَتَقْضِي تِسْعَةً كَمَا فِي
التَّمَامِ.
وَإِنْ لَمْ تَعْلَمِ ابْتِدَاءَهُ، أَوْ عَلِمَتْ أَنَّهُ بِالنَّهَارِ
فَإِنَّهَا تَقْضِي اثْنَيْ عَشَرَ مُطْلَقًا، لأَِنَّهُ يُحْتَمَل
أَنَّهَا حَاضَتْ فِي أَوَّل رَمَضَانَ فَيَفْسُدُ صَوْمُهَا فِي
أَرْبَعَةٍ ثُمَّ يَجُوزُ فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ يَفْسُدُ فِي
أَرْبَعَةٍ فَقَدْ فَسَدَ ثَمَانِيَةٌ، فَإِذَا قَضَتْ مَوْصُولاً جَازَ
بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ خَمْسَةٌ تَكْمِلَةَ طُهْرِهَا الثَّانِي، ثُمَّ
يَفْسُدُ أَرْبَعَةٌ ثُمَّ يَجُوزُ ثَلاَثَةٌ تَمَامَ الاِثْنَيْ عَشَرَ،
وَإِذَا فَصَلَتِ احْتَمَل عُرُوضَ الْحَيْضِ فِي أَوَّل الْقَضَاءِ،
فَيَفْسُدُ فِي أَرْبَعَةٍ ثُمَّ يَجُوزُ فِي ثَمَانِيَةٍ وَالْجُمْلَةُ
اثْنَا عَشَرَ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ رَمَضَانُ نَاقِصًا فَإِذَا وَصَلَتْ
جَازَ بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ سِتَّةٌ تَكْمِلَةَ طُهْرِهَا الثَّانِي،
ثُمَّ يَفْسُدُ أَرْبَعَةٌ، ثُمَّ يَجُوزُ يَوْمَانِ تَمَامَ الاِثْنَيْ
عَشَرَ، وَإِذَا فَصَلَتِ احْتَمَل عُرُوضَ الْحَيْضِ فِي أَوَّل
الْقَضَاءِ فَيَفْسُدُ فِي أَرْبَعَةٍ ثُمَّ يَجُوزُ فِي ثَمَانِيَةٍ
فَالْجُمْلَةُ اثْنَا عَشَرَ (1) .
__________
(1) مجموعة رسائل ابن عابدين 1 / 101 - 104 - ط دار سعادت 1325هـ، وحاشية
ابن عابدين 1 / 191، 192، ومغني المحتاج 1 / 117 و118 - ط. مصطفى البابي
الحلبي 1958م، والمجموع 2 / 447 وما بعدها المكتبة السلفية - المدينة
المنورة.
(36/84)
وَأَمَّا مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ فِي
الْمَوْضُوعِ فَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُهُ عِنْدَ الْكَلاَمِ عَنِ
الاِحْتِيَاطِ فِي الطَّهَارَةِ وَالصَّلاَةِ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: النَّاسِيَةُ لِوَقْتِهَا وَعَدَدِهَا تَجْلِسُ فِي
كُل شَهْرٍ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً يَكُونُ ذَلِكَ حَيْضَهَا ثُمَّ
تَغْتَسِل وَهِيَ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ مُسْتَحَاضَةٌ تَصُومُ وَتُصَلِّي
وَتَطُوفُ، وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهَا تَجْلِسُ أَقَل الْحَيْضِ.
ثُمَّ إِنْ كَانَتْ تَعْرِفُ شَهْرَهَا وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلشَّهْرِ
الْمَعْرُوفِ جَلَسَتْ ذَلِكَ مِنْ شَهْرِهَا، وَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ
شَهْرَهَا جَلَسَتْ مِنَ الشَّهْرِ الْمَعْرُوفِ لأَِنَّهُ الْغَالِبُ (1)
.
ج - الاِحْتِيَاطُ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ
12 - اتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ إِلَى
أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ يَحْرُمُ عَلَيْهَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي
غَيْرِ الصَّلاَةِ لاِحْتِمَال الْحَيْضِ، وَأَمَّا فِي الصَّلاَةِ
فَأَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ لَهَا أَنْ تَقْرَأَ الْقُرْآنَ مُطْلَقًا
فَاتِحَةً أَوْ غَيْرَهَا.
وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّهَا تَقْرَأُ
الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً قَصِيرَةً فِي كُل رَكْعَةٍ مِنَ الْفَرَائِضِ
وَالسُّنَنِ إِلاَّ الأَْخِيرَةَ أَوِ الأَْخِيرَتَيْنِ مِنَ الْفَرْضِ،
فَلاَ تَقْرَأُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ السُّورَةَ بَل تَقْرَأُ
الْفَاتِحَةَ فَقَطْ لِوُجُوبِهَا، كَمَا صَرَّحُوا بِجَوَازِ
__________
(1) المغني 1 / 321.
(36/84)
قِرَاءَتِهَا لِلْقُنُوتِ، قَال ابْنُ
عَابِدِينَ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى
لِلإِْجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْآنٍ، وَكَذَا
تُقْرَأُ سَائِرُ الدَّعَوَاتِ وَالأَْذْكَارِ.
وَمُقَابِل الْمَشْهُورِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا تُبَاحُ لَهَا
الْقِرَاءَةُ مُطْلَقًا خَوْفَ النِّسْيَانِ بِخِلاَفِ الْجُنُبِ لِقِصَرِ
زَمَنِ الْجَنَابَةِ.
وَقِيل: تَحْرُمُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلاَةِ
كَالْجُنُبِ الْفَاقِدِ لِلطَّهُورَيْنِ.
كَمَا اتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ إِلَى
حُرْمَةِ مَسِّهَا لِلْمُصْحَفِ، وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ حَمْلَهُ
بِطَرِيقِ الأَْوْلَى (1) .
وَقَال ابْنُ جُزَيٍّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: لاَ تَمْنَعُ الاِسْتِحَاضَةُ
شَيْئًا مِمَّا يَمْنَعُ مِنْهُ الْحَيْضُ (2) .
د - الاِحْتِيَاطُ فِي دُخُول الْمَسْجِدِ وَالطَّوَافِ
13 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ لاَ يَجُوزُ
لَهَا أَنْ تَدْخُل الْمَسْجِدَ.
وَأَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ لَهَا أَنْ تَدْخُل الْمَسْجِدَ وَتُصَلِّيَ
فِيهِ لَكِنْ يَحْرُمُ عَلَيْهَا أَنْ تَمْكُثَ فِيهِ، قَال فِي
الْمُهِمَّاتِ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ إِنْ كَانَ لِغَرَضِ دُنْيَوِيٍّ أَوْ لاَ
لِغَرَضٍ، وَمَحَل ذَلِكَ إِنْ أَمِنَتِ التَّلْوِيثَ.
وَأَمَّا الطَّوَافُ فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا لاَ
__________
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 191، ومجموعة رسائل ابن عابدين 1 / 99، 100،
ونهاية المحتاج 1 / 348، ومغني المحتاج 1 / 116.
(2) القوانين الفقهية / 32.
(36/85)
تَطُوفُ إِلاَّ لِلزِّيَارَةِ
وَالْوَدَاعِ، أَمَّا الزِّيَارَةُ فَلأَِنَّهُ رُكْنُ الْحَجِّ فَلاَ
يُتْرَكُ لاِحْتِمَال الْحَيْضِ، وَأَمَّا الْوَدَاعُ فَلأَِنَّهُ وَاجِبٌ
عَلَى غَيْرِ الْمَكِّيِّ، ثُمَّ إِنَّهَا تُعِيدُ طَوَافَ الزِّيَارَةِ
دُونَ الْوَدَاعِ بَعْدَ عَشْرَةِ أَيَّامٍ لِيَقَعَ أَحَدُهُمَا فِي
طُهْرٍ بِيَقِينٍ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ لَهَا أَنْ تَطُوفَ مُطْلَقًا
فَرْضًا أَوْ نَفْلاً وَكَيْفِيَّةُ طَوَافِهَا أَنْ تَفْعَلَهُ ثَلاَثَ
مَرَّاتٍ بِشَرْطِ الإِْمْهَال كَمَا فِي الصَّوْمِ، فَإِذَا أَرَادَتْ
طَوَافًا وَاحِدًا أَوْ عَدَدًا اغْتَسَلَتْ وَطَافَتْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ
وَصَلَّتْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تُمْهِل قَدْرًا يَسَعُ مِثْل طَوَافِهَا
وَغَسْلِهِ وَرَكْعَتَيْهِ ثُمَّ تَفْعَل ذَلِكَ ثَانِيَةً، ثُمَّ تُمْهِل
حَتَّى يَمْضِيَ تَمَامُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ أَوَّل
اشْتِغَالِهَا بِغُسْل الطَّوَافِ الأَْوَّل، وَتُمْهِل بَعْدَ الْخَمْسَةَ
عَشَرَ لَحْظَةً تَسَعُ الْغُسْل وَالطَّوَافَ وَرَكْعَتَيْهِ وَيَكُونُ
قَدْرَ الإِْمْهَال الأَْوَّل، ثُمَّ تَغْتَسِل وَتَطُوفُ وَتُصَلِّي
رَكْعَتَيْهِ مَرَّةً ثَالِثَةً، وَالْغُسْل وَاجِبٌ فِي كُل مَرَّةٍ
لِلطَّوَافِ.
وَأَمَّا الرَّكْعَتَانِ فَإِنْ قُلْنَا هُمَا سُنَّةٌ كَفَى لَهَا غُسْل
الطَّوَافِ وَإِنْ قُلْنَا وَاجِبَتَانِ فَثَلاَثَةُ أَوْجُهٍ:
الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ: يَجِبُ لِلصَّلاَةِ
وُضُوءٌ لاَ تَجْدِيدُ غُسْلٍ،
وَالثَّانِي: لاَ يَجِبُ تَجْدِيدُ غُسْلٍ وَلاَ وُضُوءٌ لأَِنَّهَا
تَابِعَةٌ لِلطَّوَافِ كَجُزْءٍ مِنْهُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُتَوَلِّي.
(36/85)
وَالثَّالِثُ: يَجِبُ تَجْدِيدُ الْغُسْل
حَكَاهُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ (1) .
هـ - الاِحْتِيَاطُ فِي الْوَطْءِ وَالْعِدَّةِ
- اتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ
وَطْءُ الْمُتَحَيِّرَةِ لاِحْتِمَال الْحَيْضِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ
قَوْلٌ ضَعِيفٌ بِأَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ، لأَِنَّ الاِسْتِحَاضَةَ عِلَّةٌ
مُزْمِنَةٌ وَالتَّحْرِيمُ دَائِمًا مُوقِعٌ فِي الْفَسَادِ.
وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ، إِذْ إِنَّهُمْ يَرَوْنَ عَلَى
الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ لاَ يُبَاحُ وَطْؤُهَا حَتَّى وَلَوْ
لَمْ تَكُنْ مُتَحَيِّرَةً إِلاَّ أَنْ يَخَافَ الزَّوْجُ عَلَى نَفْسِهِ،
لأَِنَّ بِهَا أَذًى فَيَحْرُمُ وَطْؤُهَا كَالْحَائِضِ، فَإِنَّ اللَّهَ
تَعَالَى مَنَعَ وَطْءَ الْحَائِضِ مُعَلِّلاً بِالأَْذَى بِقَوْلِهِ: {قُل
هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} أَمَرَ
بِاعْتِزَالِهِنَّ عَقِيبَ الأَْذَى مَذْكُورًا بِفَاءِ التَّعْقِيبِ،
وَلأَِنَّ الْحُكْمَ إِذَا ذُكِرَ مَعَ وَصْفٍ يَقْتَضِيهِ وَيَصْلُحُ لَهُ
عُلِّل بِهِ، وَالأَْذَى يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً فَيُعَلَّل بِهِ،
وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ فَيَثْبُتُ التَّحْرِيمُ فِي
حَقِّهَا (2) .
__________
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 192، ومجموعة رسائل ابن عابدين 1 / 99، والمجموع
للإمام النووي 2 / 476، والقليوبي وعميرة 1 / 106 مطبعة عيسى البابي
الحلبي، ومغني المحتاج 1 / 116.
(2) المغني 1 / 339، والإنصاف 1 / 382.
(36/86)
نَفَقَةُ الْمُتَحَيِّرَةِ
15 - قَال الشَّافِعِيَّةُ: يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ
الْمُتَحَيِّرَةِ، وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَيْهِ: الْغَزَالِيُّ فِي
الْخُلاَصَةِ (1) .
وَهَذَا مَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَاتِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ،
فَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي إِيجَابِ
النَّفَقَةِ احْتِبَاسٌ يَنْتَفِعُ بِهِ الزَّوْجُ بِالْوَطْءِ أَوْ
بِدَوَاعِيهِ (2) ، وَالثَّانِي مَوْجُودٌ فِي الْمُتَحَيِّرَةِ، وَمِنْ
هَذَا الْمُنْطَلَقِ فَإِنَّهُمْ أَوْجَبُوا نَفَقَةَ الرَّتْقَاءِ
وَالْقَرْنَاءِ (3) .
وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: إِنْ بَذَلَتِ الرَّتْقَاءُ أَوِ الْحَائِضُ أَوِ
النُّفَسَاءُ أَوِ النِّضْوَةُ الْخَلْقِ الَّتِي لاَ يُمْكِنُ وَطْؤُهَا
أَوِ الْمَرِيضَةُ تَسْلِيمَ نَفْسِهَا لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهَا، وَإِنْ
حَدَثَ بِهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا لأَِنَّ
الاِسْتِمْتَاعَ مُمْكِنٌ وَلاَ تَفْرِيطَ مِنْ جِهَتِهَا (4) .
وَالْمَالِكِيَّةُ تَخْرُجُ الْمُتَحَيِّرَةُ عِنْدَهُمْ مِنْ تَحَيُّرِهَا
بِاسْتِيفَاءِ تَمَامِ حَيْضِهَا بِنِصْفِ شَهْرٍ أَوْ بِالاِسْتِظْهَارِ
ثُمَّ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ طَاهِرٌ تَصُومُ
وَتُصَلِّي وَتُوطَأُ (5) فَتَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ لأَِنَّ شُرُوطَ
وُجُوبِ النَّفَقَةِ عِنْدَ
__________
(1) المجموع 2 / 478 - ط. السلفية.
(2) حاشية الطحطاوي على الدر 2 / 251.
(3) المرجع السابق.
(4) المغني 7 / 603.
(5) الشرح الصغير 1 / 209 - 210.
(36/86)
الْمَالِكِيَّةِ هِيَ: السَّلاَمَةُ مِنَ
الإِْشْرَافِ عَلَى الْمَوْتِ، وَبُلُوغُ الزَّوْجِ، وَإِطَاقَةُ
الزَّوْجَةِ لِلْوَطْءِ (1) وَالْمُسْتَحَاضَةُ صَالِحَةٌ لِلْوَطْءِ.
عِدَّةُ الْمُتَحَيِّرَةِ
16 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى
الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ وَالْحَنَفِيَّةُ فِي قَوْلٍ وَعِكْرِمَةُ
وَقَتَادَةُ وَأَبُو عُبَيْدٍ إِلَى أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ تَعْتَدُّ
بِثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ لاِشْتِمَال كُل شَهْرٍ عَلَى طُهْرٍ وَحَيْضٍ
غَالِبًا، وَلِعِظَمِ مَشَقَّةِ الاِنْتِظَارِ إِلَى سِنِّ الْيَأْسِ،
وَلأَِنَّهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُرْتَابَةٌ (2) ، فَدَخَلَتْ فِي
قَوْله تَعَالَى: {إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ} ،
وَلأَِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ حَمْنَةَ
بِنْتَ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنْ تَجْلِسَ فِي كُل شَهْرٍ
سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً (3) فَجَعَل لَهَا حَيْضَةً فِي كُل شَهْرٍ
تَتْرُكُ فِيهَا الصَّلاَةَ وَالصِّيَامَ وَيَثْبُتُ فِيهَا سَائِرُ
أَحْكَامِ الْحَيْضِ فَيَجِبُ أَنْ تَنْقَضِيَ بِهِ الْعِدَّةُ، لأَِنَّ
ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الْحَيْضِ (4) .
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ إِنْ بَقِيَ مِنَ الشَّهْرِ الَّذِي
طَلُقَتْ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا
__________
(1) الصاوي مع الشرح الصغير 2 / 730.
(2) مغني المحتاج 3 / 385، وروضة الطالبين 8 / 369، والمغني 7 / 467،
والإنصاف 9 / 286، وحاشية ابن عابدين 2 / 602 - ط. بولاق، وفتح القدير 3 /
291 ط بولاق.
(3) حديث حمنة سبق تخريجه ف 7.
(4) المغني 7 / 467.
(36/87)
عُدَّتِ الْبَقِيَّةُ قُرْءًا
لاِشْتِمَالِهَا عَلَى طُهْرٍ لاَ مَحَالَةَ، وَتَعْتَدُّ بَعْدَهُ
بِهِلاَلَيْنِ، فَإِنْ بَقِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَقَل لَمْ
تُحْتَسَبْ تِلْكَ الْبَقِيَّةُ لاِحْتِمَال أَنَّهَا حَيْضٌ فَتَبْتَدِئُ
الْعِدَّةَ مِنَ الْهِلاَل؛
لأَِنَّ الأَْشْهُرَ لَيْسَتْ مُتَأَصِّلَةً فِي حَقِّ الْمُتَحَيِّرَةِ،
وَإِنَّمَا حُسِبَ كُل شَهْرٍ فِي حَقِّهَا قُرْءًا لاِشْتِمَالِهِ عَلَى
حَيْضٍ وَطُهْرٍ غَالِبًا بِخِلاَفِ مَنْ لَمْ تَحِضْ وَالآْيِسَةِ حَيْثُ
يُكْمِلاَنِ الْمُنْكَسِرَ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ هَذَا فِي شَأْنِ الْمُتَحَيِّرَةِ الَّتِي
لَمْ تَحْفَظْ قَدْرَ دَوْرَتِهَا، أَمَّا إِذَا حَفِظَتْ قَدْرَ
الأَْدْوَارِ فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ بِثَلاَثَةٍ مِنْهَا، سَوَاءٌ أَكَانَتْ
أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ أَمْ أَقَل لاِشْتِمَالِهَا عَلَى
ثَلاَثَةِ أَطْهَارٍ، وَكَذَا لَوْ شَكَّتْ فِي قَدْرِ أَدْوَارِهَا
وَلَكِنَّهَا قَالَتْ: أَعْلَمُ أَنَّهَا لاَ تُجَاوِزُ سَنَةً مَثَلاً:
أَخَذَتْ بِالأَْكْثَرِ وَتَجْعَل السَّنَةَ دَوْرَهَا، ذَكَرَهُ
الدَّارِمِيُّ وَوَافَقَهُ النَّوَوِيُّ.
وَقِيل: تَعْتَدُّ الْمُتَحَيِّرَةُ بِمَا ذُكِرَ بَعْدَ الْيَأْسِ
لأَِنَّهَا قَبْلَهُ مُتَوَقِّعَةٌ لِلْحَيْضِ الْمُسْتَقِيمِ.
وَأَضَافُوا: إِنَّ مَحَل الْخِلاَفِ الْمَذْكُورِ فِي الْمُتَحَيِّرَةِ
بِالنِّسْبَةِ لِتَحْرِيمِ نِكَاحِهَا، أَمَّا الرَّجْعَةُ وَحَقُّ
السُّكْنَى، فَإِلَى ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ فَقَطْ قَطْعًا (1) .
وَقَال ابْنُ الْهُمَامِ: اعْلَمْ أَنَّ إِطْلاَقَهُمْ فِي الاِنْقِضَاءِ
بِثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ النَّاسِيَةِ
__________
(1) مغني المحتاج 2 / 385 - 386.
(36/87)
لِعَادَتِهَا لاَ يَصِحُّ إِلاَّ فِيمَا
إِذَا طَلَّقَهَا أَوَّل الشَّهْرِ، أَمَّا لَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَمَا
مَضَى مِنَ الشَّهْرِ قَدْرُ مَا يَصِحُّ حَيْضَةً يَنْبَغِي أَنْ
يُعْتَبَرَ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ غَيْرَ بَاقِي هَذَا الشَّهْرِ وَالْوَجْهُ
ظَاهِرٌ (1) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ وَإِسْحَاقُ إِلَى
أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ تَعْتَدُّ سَنَةً بِمَنْزِلَةِ مَنْ رُفِعَتْ
حَيْضَتُهَا لاَ تَدْرِي مَا رَفَعَهَا (2) ، قَال أَحْمَدُ: إِذَا كَانَتْ
قَدِ اخْتَلَطَتْ وَلَمْ تَعْلَمْ إِقْبَال الدَّمِ وَإِدْبَارَهُ
اعْتَدَّتْ لِمَا وَرَدَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَال فِي رَجُلٍ طَلَّقَ
امْرَأَتَهُ فَحَاضَتْ حَيْضَةً أَوْ حَيْضَتَيْنِ فَارْتَفَعَ حَيْضُهَا
لاَ تَدْرِي مَا رَفَعَهُ؟ تَجْلِسُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِذَا لَمْ
يَسْتَبِنْ بِهَا حَمْلٌ تَعْتَدُّ بِثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ فَذَلِكَ سَنَةٌ
(3) .
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ تَعْتَدُّ بِتِسْعَةِ
أَشْهُرٍ اسْتِبْرَاءً لِزَوَال الرِّيبَةِ لأَِنَّهَا مُدَّةُ الْحَمْل
غَالِبًا ثُمَّ تَعْتَدُّ بِثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ، وَتَحِل بَعْدَ السَّنَةِ،
حُرَّةً كَانَتْ أَمْ أَمَةً، وَقِيل: إِنَّ السَّنَةَ كُلَّهَا عِدَّةٌ،
قَال الدُّسُوقِيُّ: وَالصَّوَابُ أَنَّ الْخِلاَفَ لَفْظِيٌّ (4) .
وَالْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ تَنْقَضِي
__________
(1) فتح القدير 3 / 273 - ط. بولاق.
(2) الفواكه الدواني 2 / 92، وحاشية الدسوقي 2 / 470، والمغني 7 / 467.
(3) المغني 7 / 466، 467.
(4) حاشية الدسوقي 2 / 70 - ط. دار الفكر.
(36/88)
عِدَّتُهَا بِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ، قَال
ابْنُ عَابِدِينَ: وَأَمَّا مُمْتَدَّةُ الْحَيْضِ أَيْ مُمْتَدَّةُ
الدَّمِ أَوِ الْمُسْتَحَاضَةُ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْمُتَحَيِّرَةُ
الَّتِي نَسِيَتْ عَادَتَهَا، فَالْمُفْتَى بِهِ كَمَا فِي فَتْحِ
الْقَدِيرِ تَقْدِيرُ طُهْرِهَا بِشَهْرَيْنِ فَسِتَّةُ أَشْهُرٍ
لِلأَْطْهَارِ، وَثَلاَثُ حِيَضٍ بِشَهْرٍ احْتِيَاطًا قَال ابْنُ
عَابِدِينَ حَاصِلُهُ: أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا
بِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ (1) .
وَيَرَى الْمَيْدَانِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ - وَعَلَيْهِ الأَْكْثَرُ -
أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ يُقَدَّرُ حَيْضُهَا بِعَشَرَةٍ وَطُهْرُهَا
بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ إِلاَّ سَاعَةً فَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِتِسْعَةَ
عَشَرَ شَهْرًا وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ غَيْرَ أَرْبَعِ سَاعَاتٍ، لاِحْتِمَال
أَنَّ الطَّلاَقَ كَانَ بَعْدَ سَاعَةٍ مِنْ حَيْضِهَا فَلاَ تَحْسِبُ
هَذِهِ الْحَيْضَةَ وَذَلِكَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ إِلاَّ سَاعَةً، ثُمَّ
يُحْتَاجُ إِلَى ثَلاَثَةِ أَطْهَارٍ وَثَلاَثِ حِيَضٍ (2) .
وَقَال فِي عُمَدِ الأَْدِلَّةِ: الْمُسْتَحَاضَةُ النَّاسِيَةُ لِوَقْتِ
حَيْضِهَا تَعْتَدُّ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ (3) .
وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَال: إِنَّنَا مَتَى حَكَمْنَا
بِأَنَّ حَيْضَهَا سَبْعَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُل شَهْرٍ فَمَضَى لَهَا
شَهْرَانِ بِالْهِلاَل وَسَبْعَةُ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّل الثَّالِثِ فَقَدِ
انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَإِنْ قُلْنَا الْقُرُوءُ الأَْطْهَارُ
فَطَلَّقَهَا فِي آخِرِ شَهْرٍ ثُمَّ مَرَّ
__________
(1) حاشية ابن عابدين 2 / 602 - ط. بولاق. وانظر الطحطاوي على مراقي الفلاح
ص67.
(2) رسائل ابن عابدين ص99.
(3) الإنصاف 9 / 287.
(36/88)
لَهَا شَهْرَانِ وَهَل الثَّالِثُ
انْقَضَتْ عِدَّتُهَا (1) .
ثَانِيًا: الْمُتَحَيِّرَةُ فِي النِّفَاسِ
- يَجِبُ عَلَى كُل امْرَأَةٍ حِفْظُ عَادَتِهَا فِي الْحَيْضِ
وَالنِّفَاسِ عَدَدًا وَمَكَانًا (2) فَإِنْ أَضَلَّتْ عَادَتَهَا فِي
النِّفَاسِ وَلَمْ يُجَاوِزِ الدَّمُ أَرْبَعِينَ، فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ
أَنَّ كُلَّهُ نِفَاسٌ كَيْفَ كَانَتْ عَادَتُهَا وَتَتْرُكُ الصَّلاَةَ
وَالصَّوْمَ، فَلاَ تَقْضِي شَيْئًا مِنَ الصَّلاَةِ بَعْدَ
الأَْرْبَعِينَ.
فَإِنْ جَاوَزَ الأَْرْبَعِينَ تَتَحَرَّى، فَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ ظَنُّهَا
عَلَى شَيْءٍ مِنَ الأَْرْبَعِينَ أَنَّهُ كَانَ عَادَةً لَهَا قَضَتْ
صَلاَةَ الأَْرْبَعِينَ لِجَوَازِ أَنَّ نِفَاسَهَا كَانَ سَاعَةً،
وَلأَِنَّهَا لَمْ تَعْلَمْ كَمْ عَادَتُهَا حَتَّى تُرَدَّ إِلَيْهَا
عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ عَلَى الأَْكْثَرِ، فَإِنْ قَضَتْهَا فِي حَال
اسْتِمْرَارِ الدَّمِ تُعِيدُ بَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ لاِحْتِمَال حُصُول
الْقَضَاءِ أَوَّل مَرَّةٍ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ، وَالاِحْتِيَاطُ فِي
الْعِبَادَاتِ وَاجِبٌ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ حُكْمَ صَوْمِهَا إِذَا
أَضَلَّتْ عَادَتَهَا فِي النِّفَاسِ وَالْحَيْضِ مَعًا، وَتَخْرِيجُهُ
عَلَى مَا مَرَّ أَنَّهَا إِذَا وَلَدَتْ أَوَّل لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ
وَكَانَ الشَّهْرُ كَامِلاً، وَعَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا يَكُونُ
بِاللَّيْل أَيْضًا تَصُومُ رَمَضَانَ لاِحْتِمَال أَنَّ نِفَاسَهَا
سَاعَةٌ، ثُمَّ إِذَا قَضَتْ مَوْصُولاً تَقْضِي تِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ
لأَِنَّهَا تُفْطِرُ يَوْمَ
__________
(1) المغني لابن قدامة 7 / 467.
(2) رسائل ابن عابدين 1 / 99.
(36/89)
الْعِيدِ ثُمَّ تَصُومُ تِسْعَةً يُحْتَمَل
أَنَّهَا تَمَامُ نِفَاسِهَا فَلاَ تُجْزِيهَا ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ
وَهِيَ طُهْرٌ فَتُجْزِي، ثُمَّ عَشَرَةً تَحْتَمِل الْحَيْضَ فَلاَ
تُجْزِي، ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ هِيَ طُهْرٌ فَتُجْزِي، وَالْجُمْلَةُ
تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ صَحَّ مِنْهَا ثَلاَثُونَ.
وَلَوْ وَلَدَتْ نَهَارًا وَعَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا بِالنَّهَارِ أَوْ
لَمْ تَعْلَمْ تَقْضِي اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ لأَِنَّهَا تُفْطِرُ يَوْمَ
الْعِيدِ، ثُمَّ تَصُومُ عَشَرَةً لاَ تُجْزِئُ لاِحْتِمَال أَنَّهَا آخِرُ
نِفَاسِهَا ثُمَّ تَصُومُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا يُجْزِيهَا مِنْهَا
أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَلاَ تُجْزِي أَحَدَ عَشَرَ، ثُمَّ تَصُومُ خَمْسَةً
وَعِشْرِينَ كَذَلِكَ فَقَدْ صَحَّ لَهَا فِي الطُّهْرَيْنِ ثَمَانِيَةٌ
وَعِشْرُونَ، ثُمَّ تَصُومُ يَوْمَيْنِ تَمَامَ الثَّلاَثِينَ،
وَالْجُمْلَةُ اثْنَانِ وَسِتُّونَ.
وَعَلَى هَذَا يُسْتَخْرَجُ حُكْمُ مَا إِذَا قَضَتْهُ مَفْصُولاً وَمَا
إِذَا كَانَ الشَّهْرُ نَاقِصًا وَمَا إِذَا عَلِمَتْ عَدَدَ أَيَّامِ
حَيْضِهَا فَقَطْ (1) .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّ أَكْثَرَ زَمَنِ
النِّفَاسِ إِذَا تَمَادَى مُتَّصِلاً أَوْ مُنْقَطِعًا سِتُّونَ يَوْمًا
ثُمَّ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ وَلاَ تُسْتَظْهَرُ عَلَى السِّتِّينَ كَبُلُوغِ
الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَقَال الْخَرَشِيُّ بَعْدَ نَقْل هَذَا
الْقَوْل: وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لاَ تُعَوِّل عَلَى عَادَتِهَا خِلاَفًا
لِمَا فِي الإِْرْشَادِ (2) وَفِي
__________
(1) رسائل ابن عابدين 1 / 108.
(2) الخرشي 1 / 210، وانظر التاج والإكليل 1 / 376.
(36/89)
الإِْرْشَادِ: تُعَوِّل عَلَى عَادَتِهَا
(1) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُعْتَادَةَ النَّاسِيَةَ
لِعَادَتِهَا فِي النِّفَاسِ يَجْرِي فِيهَا الْخِلاَفُ الْجَارِي فِي
الْمُتَحَيِّرَةِ فِي الْحَيْضِ، فَفِي قَوْلٍ هِيَ كَالْمُبْتَدَأَةِ
فَتُرَدُّ إِلَى لَحْظَةٍ فِي قَوْلٍ، وَإِلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي
قَوْلٍ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ تُؤْمَرُ بِالاِحْتِيَاطِ، وَرَجَّحَ إِمَامُ
الْحَرَمَيْنِ - هُنَا - الرَّدَّ إِلَى مَرَدِّ الْمُبْتَدَأَةِ لأَِنَّ
أَوَّل النِّفَاسِ مَعْلُومٌ وَتَعْيِينُ أَوَّل الْهِلاَل لِلْحَيْضِ
تَحَكُّمٌ لاَ أَصْل لَهُ.
قَال الرَّافِعِيُّ: فَإِذَا قُلْنَا بِالاِحْتِيَاطِ فَإِنْ كَانَتْ
مُبْتَدَأَةً فِي الْحَيْضِ وَجَبَ الاِحْتِيَاطُ أَبَدًا، لأَِنَّ أَوَّل
حَيْضِهَا مَجْهُولٌ، وَالْمُبْتَدَأَةُ إِذَا جَهِلَتِ ابْتِدَاءَ دَمِهَا
كَانَتْ كَالْمُتَحَيِّرَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً نَاسِيَةً
لِعَادَتِهَا اسْتَمَرَّتْ - أَيْضًا - عَلَى الاِحْتِيَاطِ أَبَدًا،
وَإِنْ كَانَتْ ذَاكِرَةً لِعَادَةِ الْحَيْضِ فَقَدِ الْتَبَسَ عَلَيْهَا
الدَّوْرُ لاِلْتِبَاسِ آخِرِ النِّفَاسِ فَهِيَ كَمَنْ نَسِيَتْ وَقْتَ
الْحَيْضِ دُونَ قَدْرِهِ (2) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ زَادَ دَمُ النُّفَسَاءِ عَلَى أَرْبَعِينَ
يَوْمًا فَصَادَفَ عَادَةَ الْحَيْضِ فَهُوَ حَيْضٌ، وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ
عَادَةَ الْحَيْضِ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ، قَال أَحْمَدُ: إِذَا اسْتَمَرَّ
بِهَا الدَّمُ فَإِنْ كَانَ فِي أَيَّامِ حَيْضِهَا الَّذِي تَقْعُدُهُ
__________
(1) العدوي على الخرشي 1 / 210.
(2) المجموع 2 / 531.
(36/90)
أَمْسَكَتْ عَنِ الصَّلاَةِ وَلَمْ
يَأْتِهَا زَوْجُهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَيَّامٌ كَانَتْ
بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ تَتَوَضَّأُ لِكُل صَلاَةٍ وَتَصُومُ
وَتُصَلِّي إِنْ أَدْرَكَهَا رَمَضَانُ وَلاَ تَقْضِي وَيَأْتِيهَا
زَوْجُهَا (1) .
__________
(1) المغني 1 / 346.
(36/90)
مُتَرَدِّيَةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمُتَرَدِّيَةُ فِي اللُّغَةِ هِيَ الَّتِي تَقَعُ مِنْ جَبَلٍ أَوْ
تَطِيحُ فِي بِئْرٍ أَوْ تَسْقُطُ مِنْ مَوْضِعٍ مُشْرِفٍ فَتَمُوتُ، قَال
اللَّيْثُ: التَّرَدِّي هُوَ التَّهَوُّرُ فِي مَهْوَاةٍ، وَتَرَدَّى فِي
الْهُوَّةِ وَنَحْوِهَا، أَوْ مِنْ عَالٍ: سَقَطَ، وَرَدَى فِي الْبِئْرِ
أَوِ النَّهَرِ: سَقَطَ كَتَرَدَّى، وَالرَّدَى: الْهَلاَكُ،
وَأَرْدَيْتُهُ: أَهْلَكْتُهُ (1) .
وَيُقَال رَدَيْتُهُ بِالْحِجَارَةِ أَرْدِيهِ: رَمَيْتُهُ (2) .
وَالْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ لاَ يَخْرُجُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ
(3) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْمُنْخَنِقَةُ:
2 - الْمُنْخَنِقَةُ هِيَ الَّتِي تَمُوتُ خَنْقًا، وَهُوَ حَبْسُ
النَّفَسِ سَوَاءٌ فَعَل بِهَا ذَلِكَ آدَمِيٌّ أَوِ اتَّفَقَ لَهَا
__________
(1) لسان العرب، والقاموس، وتاج العروس، والمعجم الوسيط.
(2) معجم مقاييس اللغة.
(3) الشرقاوي على شرح التحرير 2 / 453، وكشاف القناع 6 / 208، وأحكام
القرآن لابن العربي 2 / 22، وأحكام القرآن لإلكيا الهراس 3 / 43.
(36/91)
ذَلِكَ فِي حَبْلٍ أَوْ بَيْنَ عُودَيْنِ
أَوْ نَحْوِهِ (1) .
ب - الْمَوْقُوذَةُ:
3 - الْمَوْقُوذَةُ هِيَ الشَّاةُ تُضْرَبُ حَتَّى تَمُوتَ مِنْ غَيْرِ
تَذْكِيَةٍ، وَقَدْ وَقَذَ الشَّاةَ وَقْذًا وَهِيَ مَوْقُوذَةٌ وَوَقِيذٌ:
قَتَلَهَا بِالْخَشَبِ (2) .
ج - النَّطِيحَةُ:
4 - النَّطِيحَةُ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ، وَهِيَ الشَّاةُ
تَنْطَحُهَا أُخْرَى أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ فَتَمُوتُ قَبْل أَنْ تُذَكَّى (3)
.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ هَذِهِ الأَْلْفَاظِ الثَّلاَثَةِ وَالْمُتَرَدِّيَةِ
أَنَّهَا جَمِيعًا لاَ تُؤْكَل مَا لَمْ تُدْرَكْ بِالتَّذْكِيَةِ
الشَّرْعِيَّةِ.
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
5 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى حُرْمَةِ أَكْل الْمُتَرَدِّيَةِ إِذَا لَمْ
تُدْرَكْ بِالذَّكَاةِ قَبْل مَوْتِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ
عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِل
لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ
وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَل السَّبُعُ إِلاَّ مَا
ذَكَّيْتُمْ} .
__________
(1) تفسير القرطبي 6 / 48، وأحكام القرآن للجصاص 3 / 304، وتفسير الطبري 6
/ 68، ولسان العرب، والقاموس.
(2) تفسير القرطبي 6 / 48، وتفسير الطبري 6 / 69، ولسان العرب، والقاموس،
والمصباح المنير.
(3) تفسير القرطبي 6 / 49، وتفسير الطبري 6 / 70، ولسان العرب، ومختار
الصحاح، وتاج العروس.
(36/91)
وَذَهَبُوا - أَيْضًا - إِلَى أَنَّ
الْمُتَرَدِّيَةَ إِذَا أُدْرِكَتْ ذَكَاتُهَا قَبْل أَنْ تَمُوتَ وَهِيَ
حَيَّةٌ فَهِيَ حَلاَلٌ، إِلاَّ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي ضَابِطِ
الْحَيَاةِ الَّتِي تُؤَثِّرُ مَعَهَا الذَّكَاةُ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (ذَبَائِحُ ف 17) .
(36/92)
مُتَشَابِهٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمُتَشَابِهُ لُغَةً: اسْمُ فَاعِلٍ، فِعْلُهُ تَشَابَهَ، يُقَال:
تَشَابَهَا، وَاشْتَبَهَا، أَشْبَهَ كُلٌّ مِنْهُمَا الآْخَرَ حَتَّى
الْتَبَسَا.
وَيُقَال: شَبَّهَهُ إِيَّاهُ وَبِهِ تَشْبِيهًا: مَثَّلَهُ.
وَيُقَال: أُمُورٌ مُشْتَبِهَةٌ وَمُشْبِهَةٌ: مُشْكِلَةٌ.
وَالشُّبْهَةُ: الاِلْتِبَاسُ، وَالْمِثْل.
وَشُبِّهَ عَلَيْهِ الأَْمْرُ تَشْبِيهًا: لُبِّسَ عَلَيْهِ (1) .
وَاصْطِلاَحًا: اخْتُلِفَ فِي تَعْرِيفِ الْمُتَشَابِهِ، وَالصَّحِيحُ
كَمَا قَال أَبُو مَنْصُورٍ: " مَا لاَ يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ
اللَّهُ ".
وَقَال ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: إِنَّهُ أَحْسَنُ الأَْقَاوِيل، وَهُوَ
الْمُخْتَارُ عَلَى طَرِيقَةِ السُّنَّةِ (2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْمُحْكَمُ:
2 - الْمُحْكَمُ: لُغَةً هُوَ غَيْرُ الْمَنْسُوخِ، أَوْ مَا
__________
(1) القاموس المحيط.
(2) البحر المحيط 1 / 450 - 452.
(36/92)
لاَ يَحْتَاجُ سَامِعُهُ إِلَى تَأْوِيلِهِ
لِبَيَانِهِ (1) .
وَاصْطِلاَحًا: اخْتُلِفَ فِيهِ، وَالصَّحِيحُ - كَمَا قَال أَبُو
مَنْصُورٍ - أَنَّهُ مَا أَمْكَنَ مَعْرِفَةُ الْمُرَادِ بِظَاهِرِهِ، أَوْ
بِدَلاَلَةٍ تَكْشِفُ عَنْهُ (2) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
3 - اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مُقْتَضَى الْمُتَشَابِهِ هَل هُوَ
الإِْيمَانُ بِهِ وَالْوُقُوفُ فِي تَأْوِيلِهِ، أَوِ الْعَمَل بِهِ
قَال الزَّرْكَشِيُّ: مُحْكَمُ الْقُرْآنِ يُعْمَل بِهِ، وَالْمُتَشَابِهُ:
يُؤْمَنُ بِهِ، وَيُوقَفُ فِي تَأْوِيلِهِ، إِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ دَلِيلٌ
قَاطِعٌ.
وَقَال أَبُو إِسْحَاقَ: وَلاَ يَجْرِي هَذَا الْخِلاَفُ فِي أَحْكَامِ
الشَّرِيعَةِ إِذْ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا إِلاَّ وَعُرِفَ بَيَانُهُ (3) .
وَالتَّفْصِيل فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
__________
(1) القاموس المحيط.
(2) البحر المحيط 1 / 452 - 453.
(3) البحر المحيط 1 / 452 - 453.
(36/93)
مُتْعَةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمُتْعَةُ - بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ - فِي اللُّغَةِ اسْمٌ
لِلتَّمْتِيعِ، كَالْمَتَاعِ، وَأَنْ تَتَزَوَّجَ امْرَأَةً تَتَمَتَّعُ
بِهَا أَيَّامًا ثُمَّ تُخَلِّي سَبِيلَهَا، وَأَنْ تَضُمَّ عُمْرَةً إِلَى
حَجِّكَ وَقَدْ تَمَتَّعْتَ وَاسْتَمْتَعْتَ، وَمَا يُتَبَلَّغُ بِهِ مِنَ
الزَّادِ (1) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ مَعْنَى لَفْظِ الْمُتْعَةِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ
مَا يُضَافُ إِلَيْهِ، فَمُتْعَةُ الْعُمْرَةِ: أَنْ يُحْرِمَ مِنَ
الْمِيقَاتِ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَيَفْرُغَ مِنْهَا،
ثُمَّ يُنْشِئَ حَجًّا مِنْ مَكَّةَ أَوْ مِنَ الْمِيقَاتِ الَّذِي
أَحْرَمَ مِنْهُ بِالْعُمْرَةِ، وَسُمِّيَتْ مُتْعَةً لِتَمَتُّعِ
صَاحِبِهَا بِمَحْظُورَاتِ الإِْحْرَامِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ، أَوْ
لِتَمَتُّعِهِ بِسُقُوطِ الْعَوْدَةِ إِلَى الْمِيقَاتِ لِلْحَجِّ.
وَالتَّفْصِيل فِي (إِحْرَامٌ ف 30) .
وَأَمَّا مُتْعَةُ النِّكَاحِ فَهِيَ أَنْ يَقُول الرَّجُل لاِمْرَأَةِ
خَالِيَةٍ مِنَ الْمَوَانِعِ أَتَمَتَّعُ بِكِ كَذَا مُدَّةً
__________
(1) القاموس المحيط.
(36/93)
بِكَذَا مِنَ الْمَال (1) .
وَأَمَّا مُتْعَةُ الطَّلاَقِ فَهِيَ كَمَا عَرَّفَهَا الشِّرْبِينِيُّ
الْخَطِيبُ: مَالٌ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ دَفْعُهُ لاِمْرَأَتِهِ
الْمُفَارَقَةِ فِي الْحَيَاةِ بِطَلاَقٍ وَمَا فِي مَعْنَاهُ بِشُرُوطٍ
(2) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمُتْعَةِ:
تَتَعَلَّقُ بِالْمُتْعَةِ أَحْكَامٌ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ نَوْعِ
الْمُتْعَةِ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:
أ - الْمُتْعَةُ لِلطَّلاَقِ
2 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْمُتْعَةِ لِلْمُطَلَّقَةِ
قَبْل الدُّخُول بِهَا وَلَمْ يُفْرَضْ لَهَا مَهْرٌ، لِقَوْل اللَّهِ
تَعَالَى: {لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ
تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى
الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ
حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (مُتْعَةُ الطَّلاَقِ) .
ب - مُتْعَةُ الْحَجِّ
3 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي مَشْرُوعِيَّةِ التَّمَتُّعِ
بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ
بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} .
__________
(1) الهداية وشروحها 2 / 384 - ط. الأميرية.
(2) مغني المحتاج 3 / 241.
(36/94)
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (تَمَتُّعٌ ف
4 وَمَا بَعْدَهَا) .
ج - مُتْعَةُ النِّكَاحِ 4 - وَيُطْلِقُ عَلَيْهَا الْفُقَهَاءُ نِكَاحَ
الْمُتْعَةِ وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى حُرْمَةِ هَذَا النِّكَاحِ
الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ،
وَكَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ (1) .
وَالتَّفْصِيل فِي (نِكَاحُ الْمُتْعَةِ) .
__________
(1) الهداية وشروحها 2 / 384 - ط. الأميرية، وحاشية الدسوقي 2 / 221،
وحاشية الصاوي على الشرح الصغير 2 / 351، ومغني المحتاج 3 / 142، والمغني
مع الشرح الكبير 7 / 571 - 572.
(36/94)
مُتْعَةُ الطَّلاَقِ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمُتْعَةُ لُغَةً: اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنَ الْمَتَاعِ، وَهُوَ جَمِيعُ
مَا يُنْتَفَعُ أَوْ يُسْتَمْتَعُ بِهِ (1) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ قَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: مَالٌ يَجِبُ عَلَى
الزَّوْجِ دَفْعُهُ لاِمْرَأَتِهِ الْمُفَارَقَةِ فِي الْحَيَاةِ بِطَلاَقٍ
وَمَا فِي مَعْنَاهُ بِشُرُوطٍ (2) .
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
2 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْحُكْمِ التَّكْلِيفِيِّ لِلْمُتْعَةِ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ
الْمُتْعَةَ تَجِبُ لِمُطَلَّقَةٍ قَبْل الدُّخُول إِنْ لَمْ يَجِبْ لَهَا
شَطْرُ مَهْرٍ بِأَنْ كَانَتْ مُفَوَّضَةً وَلَمْ يُفْرَضْ لَهَا شَيْءٌ
لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ
النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً
وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ
مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} .
__________
(1) تاج العروس للزبيدي.
(2) مغني المحتاج 3 / 241.
(36/95)
قَال الْبُهُوتِيُّ: وَالأَْمْرُ يَقْتَضِي
الْوُجُوبَ وَلاَ يُعَارِضُهُ قَوْلُهُ: {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ}
لأَِنَّ أَدَاءَ الْوَاجِبِ مِنَ الإِْحْسَانِ، وَقَال الشِّرْبِينِيُّ
الْخَطِيبُ: وَلأَِنَّ الْمُفَوَّضَةَ لَمْ يَحْصُل لَهَا شَيْءٌ فَتَجِبُ
لَهَا مُتْعَةٌ لِلإِْيحَاشِ أَمَّا إِذَا فُرِضَ لَهَا فِي التَّفْوِيضِ
شَيْءٌ فَلاَ مُتْعَةَ لَهَا لأَِنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ مَنْفَعَةَ
بُضْعِهَا فَيَكْفِي شَطْرُ مَهْرِهَا لِمَا لَحِقَهَا مِنَ الاِسْتِيحَاشِ
وَالاِبْتِذَال.
وَأَضَافَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى حَالَةِ وُجُوبِ الْمُتْعَةِ حَالَتَيْنِ
أُخْرَيَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا: تَكُونُ الْمُتْعَةُ فِيهَا مُسْتَحَبَّةً وَهِيَ
الْمُطَلَّقَةُ الْمَدْخُول بِهَا. سَوَاءٌ سُمِّيَ لَهَا مَهْرٌ أَوْ لَمْ
يُسَمَّ.
وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: تَكُونُ الْمُتْعَةُ فِيهَا غَيْرَ
مُسْتَحَبَّةٍ وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا قَبْل الدُّخُول وَقَدْ سَمَّى
لَهَا مَهْرًا.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: تَجِبُ الْمُتْعَةُ لِلْمُطَلَّقَةِ وَنَحْوِهَا
الْمَوْطُوءَةِ فِي الأَْظْهَرِ الْجَدِيدِ سَوَاءٌ أَفَوَّضَ طَلاَقَهَا
إِلَيْهَا فَطَلُقَتْ أَمْ عَلَّقَهُ بِفِعْلِهَا فَفَعَلَتْ، لِعُمُومِ
قَوْله تَعَالَى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} وَمُقَابِل
الأَْظْهَرِ وَهُوَ الْقَدِيمُ لاَ مُتْعَةَ لَهَا لاِسْتِحْقَاقِهَا
الْمَهْرَ وَفِيهِ غَنِيَّةٌ عَنِ الْمُتْعَةِ.
وَقَالُوا: وَكُل فُرْقَةٍ لاَ بِسَبَبِهَا بِأَنْ كَانَتْ مِنَ
(36/95)
الزَّوْجِ كَرِدَّتِهِ وَلِعَانِهِ
وَإِسْلاَمِهِ، أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ كَإِرْضَاعِ أُمِّ الزَّوْجِ أَوْ
بِنْتِ زَوْجَتِهِ وَوَطْءِ أَبِيهِ أَوِ ابْنِهِ لَهَا بِشُبْهَةٍ،
حُكْمُهَا كَالطَّلاَقِ فِي إِيجَابِ الْمُتْعَةِ وَعَدَمِهِ أَيْ إِذَا
لَمْ يَسْقُطْ بِهَا الشَّطْرُ، أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْفُرْقَةُ مِنْهَا
أَوْ بِسَبَبِهَا كَرِدَّتِهَا وَإِسْلاَمِهَا وَلَوْ تَبَعًا أَوْ
فَسَخَهُ بِعَيْبِهَا فَلاَ مُتْعَةَ لَهَا، سَوَاءٌ أَكَانَتْ قَبْل
الدُّخُول أَمْ بَعْدَهُ لأَِنَّ الْمَهْرَ يَسْقُطُ بِذَلِكَ وَوُجُوبُهُ
آكَدُ مِنْ وُجُوبِ الْمُتْعَةِ بِدَلِيل أَنَّهُمَا لَوِ ارْتَدَّا مَعًا
لاَ مُتْعَةَ وَيَجِبُ الشَّطْرُ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: تُسْتَحَبُّ الْمُتْعَةُ لِكُل مُطَلَّقَةٍ غَيْرِ
الْمُفَوَّضَةِ الَّتِي لَمْ يُفْرَضْ لَهَا (1) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ}
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: تُنْدَبُ الْمُتْعَةُ لِكُل مُطَلَّقَةٍ طَلاَقًا
بَائِنًا فِي نِكَاحٍ لاَزِمٍ، إِلاَّ الْمُخْتَلِعَةَ وَالْمَفْرُوضَ
لَهَا صَدَاقٌ وَطَلُقَتْ قَبْل الْبِنَاءِ وَمُخْتَارَةً لِعَيْبِ
الزَّوْجِ وَمُخَيَّرَةً وَمُمَلَّكَةً فِي الطَّلاَقِ وَطَلَّقَتْ
نَفْسَهَا (2) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} .
وَقَوْلُهُ {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَل
الْمُتْعَةَ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ وَالْمُحْسِنِينَ لاَ عَلَى
غَيْرِهِمَا (3) .
__________
(1) حاشية ابن عابدين 2 / 335، والهداية مع شروحها 2 / 448، ومغني المحتاج
3 / 241 - 242، وكشاف القناع 5 / 157 - 158.
(2) جواهر الإكليل 1 / 365.
(3) تفسير القرطبي 10 / 245.
(36/96)
مِقْدَارُ مُتْعَةِ الطَّلاَقِ
3 - لَمْ يَرِدْ نَصٌّ فِي تَحْدِيدِ مِقْدَارِ الْمُتْعَةِ وَلاَ
نَوْعِهَا.
وَالْوَارِدُ إِنَّمَا هُوَ اعْتِبَارُ حَال الزَّوْجِ مِنَ الإِْعْسَارِ
وَالْيَسَارِ، وَالأَْخْذِ بِالْمَعْرُوفِ.
قَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ
وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ} .
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ تُعْتَبَرُ بِحَالِهِ الْمُتْعَةُ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَهُمْ وَالشَّافِعِيَّةُ
إِلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي تَقْدِيرِ الْقَاضِي الْمُتْعَةَ حَال
الزَّوْجَيْنِ كِلَيْهِمَا.
وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ حَالُهُمَا مِنَ
الإِْعْسَارِ وَالْيَسَارِ كَالنَّفَقَةِ وَقَالُوا: الْمُتْعَةُ دِرْعٌ
وَخِمَارٌ وَمِلْحَفَةٌ لاَ تَزِيدُ عَلَى نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْل؛ لأَِنَّ
الْمُتْعَةَ خَلْفَهُ فَإِنْ كَانَا سَوَاءً فَالْوَاجِبُ الْمُتْعَةُ
لأَِنَّهَا الْفَرِيضَةُ بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَإِنْ كَانَ النِّصْفُ
أَقَل مِنَ الْمُتْعَةِ فَالْوَاجِبُ الأَْقَل، وَلاَ تَنْقُصُ الْمُتْعَةُ
عَنْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ.
وَاعْتَبَرَ الْكَرْخِيُّ حَال الزَّوْجَةِ وَاخْتَارَهُ الْقُدُورِيُّ
وَاعْتَبَرَ السَّرَخْسِيُّ حَال الزَّوْجِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يُعْتَبَرُ حَالُهُمَا أَيْ مَا يَلِيقُ
بِيَسَارِهِ وَنَحْوِ نَسَبِهَا وَصِفَاتِهَا الْمُعْتَبَرَةِ فِي مَهْرِ
الْمِثْل، وَقِيل: حَالُهُ لِظَاهِرِ الآْيَةِ، وَقِيل:
(36/96)
حَالُهَا لأَِنَّهَا كَالْبَدَل عَنِ
الْمَهْرِ وَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِهَا وَحْدَهَا وَقِيل: أَقَل مَالٍ يَجُوزُ
فِعْلُهُ صَدَاقًا.
وَقَالُوا: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لاَ تَنْقُصَ الْمُتْعَةُ عَنْ ثَلاَثِينَ
دِرْهَمًا أَوْ مُسَاوِيهَا وَيُسَنُّ أَلاَ تَبْلُغَ نِصْفَ مَهْرِ
الْمِثْل وَإِنْ بَلَغَتْهُ أَوْ جَاوَزَتْهُ جَازَ، وَقَال
الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ: لاَ تَزِيدُ وُجُوبًا عَلَى مَهْرِ الْمِثْل.
وَمَحَل ذَلِكَ مَا إِذَا فَرَضَ الْحَاكِمُ الْمُتْعَةَ، أَمَّا إِذَا
اتَّفَقَ عَلَيْهَا الزَّوْجَانِ فَلاَ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ أَيْ عَدَمُ
مُجَاوَزَتِهَا مَهْرَ الْمِثْل (1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: الْمُتْعَةُ مُعْتَبَرَةٌ بِحَال
الزَّوْجِ الْمُطَلِّقِ فِي يَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ عَلَى الْمُوسِعِ
قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ لِلآْيَةِ السَّابِقَةِ بِخِلاَفِ
النَّفَقَةِ فَإِنَّهَا تُقَدَّرُ بِحَالِهِمَا.
وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ أَعْلَى الْمُتْعَةِ خَادِمٌ إِذَا
كَانَ الزَّوْجُ مُوسِرًا وَأَدْنَاهَا إِذَا كَانَ فَقِيرًا كِسْوَةٌ
تُجْزِئُهَا فِي صَلاَتِهَا وَهِيَ دِرْعٌ وَخِمَارٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ
لِقَوْل ابْنِ عَبَّاسٍ: أَعْلَى الْمُتْعَةِ خَادِمٌ ثُمَّ دُونَ ذَلِكَ
النَّفَقَةُ ثُمَّ دُونَ ذَلِكَ الْكِسْوَةُ، وَقُيِّدَتِ الْكِسْوَةُ
بِمَا يُجْزِئُهَا فِي صَلاَتِهَا لأَِنَّ ذَلِكَ أَقَل الْكِسْوَةِ (2) .
__________
(1) حاشية ابن عابدين 2 / 336، ونهاية المحتاج 6 / 359.
(2) حاشية الدسوقي 2 / 425، وجواهر الإكليل 1 / 365، وكشاف القناع 5 / 158.
(36/97)
مُتَلاَحِمَةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمُتَلاَحِمَةُ فِي اللُّغَةِ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ تَلاَحَمَتِ
الشَّجَّةُ إِذَا أَخَذَتْ فِي اللَّحْمِ، أَوْ تَلاَحَمَتْ إِذَا بَرَأَتْ
وَالْتَحَمَتْ، قَال الْفَيُّومِيُّ: الْمُتَلاَحِمَةُ مِنَ الشِّجَاجِ
الَّتِي تَشُقُّ اللَّحْمَ وَلاَ تَصْدَعُ الْعَظْمَ، ثُمَّ تَلْتَحِمُ
بَعْدَ شَقِّهَا، وَقِيل: الَّتِي أَخَذَتْ فِي اللَّحْمِ وَلَمْ تَبْلُغِ
السِّمْحَاقَ (1) (أَيِ الْقِشْرَةَ الَّتِي تَفْصِل بَيْنَ اللَّحْمِ
وَالْعَظْمِ) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ عَرَّفَهَا أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ بِمَا يَقْرُبُ مِنَ
الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
قَال الزَّيْلَعِيُّ: الْمُتَلاَحِمَةُ هِيَ الَّتِي تَأْخُذُ فِي
اللَّحْمِ فَتَقْطَعُهُ كُلَّهُ ثُمَّ يَتَلاَحَمُ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْ
يَلْتَئِمُ وَيَتَلاَصَقُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ تَفَاؤُلاً عَلَى مَا يَؤُول
إِلَيْهِ (2) وَتُسَمَّى أَيْضًا مُلاَحِمَةً (3) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: هِيَ الَّتِي غَاصَتْ فِي اللَّحْمِ
__________
(1) لسان العرب، والمصباح المنير.
(2) تبيين الحقائق 6 / 132، ومغني المحتاج 4 / 26، كشاف القناع 6 / 51 -
52.
(3) مغني المحتاج 4 / 26.
(36/97)
بِتَعَدُّدِ أَيْ يَمِينًا وَشِمَالاً
وَلَمْ تَقْرُبْ لِلْعَظْمِ، فَإِنِ انْتَفَى التَّعَدُّدُ فَبَاضِعَةٌ (1)
.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
2 - الْحَارِصَةُ وَالدَّامِعَةُ وَالدَّامِيَةُ وَالْبَاضِعَةُ
وَالسِّمْحَاقُ كُلُّهَا شِجَاجٌ لَمْ تَصِل إِلَى الْعَظْمِ وَتَخْتَصُّ
بِالرَّأْسِ وَالْوَجْهِ، يَخْتَلِفُ مِقْدَارُ الشَّجَّةِ فِي كُلٍّ
مِنْهَا عَنِ الآْخَرِ.
وَتَشْتَرِكُ هَذِهِ الشِّجَاجُ مَعَ الْمُتَلاَحِمَةِ مِنَ الْحُكْمِ فِي
الْجُمْلَةِ، وَهُوَ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهَا حُكُومَةَ عَدْلٍ وَلاَ
يَجِبُ فِيهَا الْقِصَاصُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، كَمَا هُوَ
مُفَصَّلٌ فِي مُصْطَلَحَاتِهَا.
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
3 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ
رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي
الْمُتَلاَحِمَةِ وَإِنْ كَانَتْ عَمْدًا، لأَِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ
اعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ فِيهَا، وَلَيْسَ لَهَا حَدٌّ يَنْتَهِي إِلَيْهِ
السِّكِّينُ، كَمَا عَلَّلَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَإِنَّمَا تَجِبُ فِيهَا
حُكُومَةُ عَدْلٍ لأَِنَّهَا لَيْسَ فِيهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ مِنْ جِهَةِ
الشَّرْعِ، وَلاَ يُمْكِنُ إِهْدَارُهَا، فَتَجِبُ فِيهَا حُكُومَةُ
عَدْلٍ، قَال الزَّيْلَعِيُّ: وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ
النَّخَعِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ (2) .
__________
(1) جواهر الإكليل 2 / 259، وحاشية الدسوقي 4 / 251.
(2) تبيين الحقائق 6 / 133، وحاشية القليوبي مع شرح المنهاج 4 / 113، وكشاف
القناع 6 / 51 - 52.
(36/98)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ
الْقِصَاصِ فِي الْمُتَلاَحِمَةِ وَأَخَوَاتِهَا مَا قَبْل الْمُوضِحَةِ
إِذَا كَانَتْ عَمْدًا، وَذَلِكَ بِالْقِيَاسِ طُولاً وَعَرْضًا وَعُمْقًا
(1) .
وَهَذَا قَوْل الْحَنَفِيَّةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقَوْلٌ ضَعِيفٌ
عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِذَا تَيَسَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ، لِظَاهِرِ قَوْله
تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} ، قَال الزَّيْلَعِيُّ: إِنَّهُ هُوَ
الصَّحِيحُ، لأَِنْ يُمْكِنَ اعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ، إِذْ لَيْسَ
فِيهِ كَسْرُ الْعَظْمِ، وَلاَ خَوْفُ التَّلَفِ كَالْجَائِفَةِ،
فَيُسْبَرُ غَوْرُهَا بِمِسْبَارٍ ثُمَّ يَتَّخِذُ حَدِيدَةً بِقَدْرِ
ذَلِكَ فَيَقْطَعُ بِهَا مِقْدَارَ مَا قَطَعَ فَيَتَحَقَّقُ اسْتِيفَاءُ
الْقِصَاصِ بِذَلِكَ (2) .
وَلِتَفْصِيل أَحْكَامِ الْمُتَلاَحِمَةِ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ الشِّجَاجِ
يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (شِجَاجٌ ف 6) .
__________
(1) جواهر الإكليل 2 / 259، وحاشية الدسوقي مع الشرح الكبير 4 / 251.
(2) حاشية ابن عابدين 5 / 373، وحاشية القليوبي 4 / 113، وكشاف القناع 6 /
51 - 52.
(36/98)
مَتَوَلِّي
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمُتَوَلِّي فِي اللُّغَةِ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ تَوَلَّى الأَْمْرُ
إِذَا تَقَلَّدَهُ، وَيُقَال: تَوَلاَّهُ: اتَّخَذَهُ وَلِيًّا،
وَتَوَلَّيْتُ فُلاَنًا اتَّبَعْتُهُ وَرَضِيتُ بِهِ، وَأَصْلُهُ مِنَ
الْوَلِيِّ بِمَعْنَى الْقُرْبِ وَالنُّصْرَةِ (1) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: هُوَ مَنْ فُوِّضَ إِلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِي مَال
الْوَقْفِ (2) .
وَعَرَّفَهُ بَعْضُهُمْ: بِأَنَّهُ مَنْ تَوَلَّى أَمْرَ الأَْوْقَافِ
وَقَامَ بِتَدْبِيرِهَا (3) .
وَاسْتَعْمَل الشَّافِعِيَّةُ هَذِهِ الْكَلِمَةَ فِي بَيْعِ
التَّوْلِيَةِ، فَالْمُشْتَرِي الأَْوَّل مُوَلٍّ، وَمَنْ قَبِل
التَّوْلِيَةَ وَاشْتَرَى مِنْهُ مُتَوَلٍّ (4) .
وَالْمُرَادُ بِالْبَحْثِ هُنَا الْمُتَوَلِّي بِالْمَعْنَى الأَْوَّل.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
النَّاظِرُ:
2 - النَّاظِرُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ النَّظَرِ وَهُوَ الْفِكْرُ
__________
(1) المصباح المنير، ولسان العرب، ومتن اللغة.
(2) ابن عابدين 3 / 431.
(3) قواعد الفقه للبركتي.
(4) مغني المحتاج 2 / 76.
(36/99)
وَالتَّدَبُّرُ، يُقَال: نَظَرَ فِي
الأَْمْرِ: تَدَبَّرَ وَفَكَّرَ، وَيُسْتَعْمَل النَّظَرُ كَذَلِكَ
بِمَعْنَى الْحِفْظِ، يُقَال: نَظَرَ الشَّيْءَ: حَفِظَهُ (1) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ قَال الْبُهُوتِيُّ: النَّاظِرُ هُوَ الَّذِي يَلِي
الْوَقْفَ وَحِفْظَهُ، وَحِفْظَ رِيعِهِ، وَتَنْفِيذَ شَرْطِهِ (2) .
وَنَقَل ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْخَيْرِيَّةِ أَنَّ الْقَيِّمَ
وَالْمُتَوَلِّيَ وَالنَّاظِرَ فِي كَلاَمِهِمْ وَاحِدٌ ثُمَّ قَال: هَذَا
ظَاهِرٌ عِنْدَ الإِْفْرَادِ، أَمَّا لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ مُتَوَلِّيًا
وَنَاظِرًا عَلَيْهِ كَمَا يَقَعُ كَثِيرًا فَيُرَادُ بِالنَّاظِرِ
الْمُشْرِفُ (3) .
وَعَلَى ذَلِكَ فَالنَّاظِرُ أَعَمُّ مِنَ الْمُتَوَلِّي.
ب - الْمُشْرِفُ:
3 - الْمُشْرِفُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَشْرَفَ، يُقَال: أَشْرَفْتُ
عَلَيْهِ: اطَّلَعْتُ عَلَيْهِ (4) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ يُطْلِقُ الْفُقَهَاءُ لَفْظَ الْمُشْرِفِ عَلَى مَنْ
يَكُونُ لَهُ حِفْظُ مَال الْوَقْفِ دُونَ التَّصَرُّفِ فِيهِ، قَال ابْنُ
عَابِدِينَ: وَيُحْتَمَل أَنْ يُرَادَ بِالْحِفْظِ مُشَارَفَتُهُ: " أَيْ
مُرَاقَبَتُهُ " لِلْمُتَوَلِّي عِنْدَ التَّصَرُّفِ لِئَلاَّ يَفْعَل مَا
يَضُرُّ (5) .
وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ الْمُشْرِفِ وَالْمُتَوَلِّي هِيَ أَنَّ كُل
__________
(1) متن اللغة، والمصباح المنير، والمعجم الوسيط.
(2) كشاف القناع 4 / 269.
(3) رد المحتار 3 / 431.
(4) المصباح المنير.
(5) ابن عابدين 3 / 431.
(36/99)
وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعْمَل لِصَالِحِ
الْوَقْفِ، الْمُتَوَلِّي بِالتَّصَرُّفِ وَالْمُعَامَلَةِ، وَالْمُشْرِفُ
بِالْحِفْظِ وَالْمُرَاقَبَةِ.
مَشْرُوعِيَّةُ نَصْبِ الْمُتَوَلِّي
4 - مِنَ الْمُقَرَّرِ شَرْعًا أَنَّ الأَْمْوَال لاَ تُتْرَكُ سَائِبَةً،
وَأَمْوَال الْوَقْفِ تَحْتَاجُ إِلَى رِعَايَةٍ وَإِدَارَةٍ كَسَائِرِ
الأَْمْوَال، فَلاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ شَخْصٌ يَحْفَظُهَا
وَيُدِيرُ شُئُونَهَا، وَيَقُومُ بِعِمَارَتِهَا وَإِيجَارِهَا وَزَرْعِهَا
وَاسْتِغْلاَلِهَا وَتَحْصِيل رِيعِهَا، وَصَرْفِ غَلَّتِهَا إِلَى
مُسْتَحِقِّيهَا، وَهُوَ الْمُتَوَلِّي.
وَلاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُتَوَلِّي أَمِينًا قَادِرًا عَلَى إِدَارَةِ
شُئُونِ الْوَقْفِ حَتَّى تَتَحَقَّقَ مَقَاصِدُ الْوَقْفِ وَأَغْرَاضُ
الْوَاقِفِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ.
مَنْ يَكُونُ لَهُ حَقُّ الْوِلاَيَةِ وَنَصْبُ الْمُتَوَلِّي:
5 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْوَاقِفَ إِذَا اشْتَرَطَ
الْوِلاَيَةَ لِشَخْصٍ يُؤْخَذُ بِشَرْطِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَشْرُوطُ
لَهُ مِنْ أَقَارِبِ الْوَاقِفِ أَمْ مِنَ الأَْجَانِبِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ
مِنَ الْمُسْتَحِقِّينَ فِي الْغَلَّةِ أَمْ لاَ، وَذَلِكَ لأَِنَّ شَرْطَ
الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ مَا لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِلشَّرْعِ،
وَهَذَا إِذَا كَانَ الْمَشْرُوطُ لَهُ أَهْلاً لِلتَّوَلِّي مُسْتَكْمِلاً
لِشُرُوطِ الْوِلاَيَةِ عَلَى الْوَقْفِ (1) .
__________
(1) رد المحتار 3 / 361 و 409، وحاشية الدسوقي مع الشرح الكبير 4 / 88،
وروضة الطالبين 5 / 346، وكشاف القناع 4 / 265.
(36/100)
أَمَّا إِذَا لَمْ يَشْتَرِطِ الْوَاقِفُ
الْوِلاَيَةَ لأَِحَدٍ أَوْ شَرَطَهَا فَمَاتَ الْمَشْرُوطُ لَهُ
فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ:
فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: وِلاَيَةُ نَصْبِ الْقَيِّمِ إِلَى الْوَاقِفِ،
ثُمَّ لِوَصِيِّهِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ وَإِذَا مَاتَ الْمَشْرُوطُ لَهُ
قَبْل وَفَاةِ الْوَاقِفِ فَالرَّاجِحُ أَنَّ وِلاَيَةَ النَّصْبِ
لِلْوَاقِفِ، وَإِذَا مَاتَ بَعْدَ وَفَاةِ الْوَاقِفِ وَلَمْ يُوصِ (أَيِ
الْمَشْرُوطُ لَهُ) لأَِحَدٍ فَوِلاَيَةُ النَّصْبِ لِلْقَاضِي. وَمَا
دَامَ أَحَدٌ يَصْلُحُ لِلتَّوَلِّيَةِ مِنْ أَقَارِبِ الْوَاقِفِ لاَ
يُجْعَل الْمُتَوَلِّي مِنَ الأَْجَانِبِ لأَِنَّهُ أَشْفَقُ، وَمَنْ
قَصْدُهُ نِسْبَةُ الْوَقْفِ إِلَيْهِ (1) .
وَقَرِيبٌ مِنْهُ مَا قَالَهُ الْمَالِكِيَّةُ، لَكِنَّهُمْ صَرَّحُوا
بِأَنَّ النَّاظِرَ لَيْسَ لَهُ الإِْيصَاءُ بِالنَّظَرِ إِلَى غَيْرِهِ
إِلاَّ أَنْ يَجْعَل لَهُ الْوَاقِفُ ذَلِكَ.
فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنِ الْوَاقِفُ نَاظِرًا يَتَوَلَّى أَمْرَ الْوَقْفِ
الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ رَشِيدًا، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحِقُّ
غَيْرَ مُعَيَّنٍ، فَالْحَاكِمُ يُوَلِّي عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ (2) .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِنْ وَقَفَ وَلَمْ يَشْتَرِطِ التَّوْلِيَةَ
لأَِحَدٍ ثَلاَثَةُ طُرُقٍ.
قَال النَّوَوِيُّ: وَالَّذِي يَقْتَضِي كَلاَمَ مُعْظَمِ الأَْصْحَابِ
الْفَتْوَى بِهِ أَنْ يُقَال: إِنْ كَانَ
__________
(1) رد المحتار مع الدر المختار 3 / 410، 411.
(2) حاشية الدسوقي 4 / 88.
(36/100)
الْوَقْفُ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ
فَالتَّوْلِيَةُ لِلْحَاكِمِ، كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ
رِبَاطٍ، وَإِنْ كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ فَكَذَلِكَ إِنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ
يَنْتَقِل إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ جَعَلْنَاهُ لِلْوَاقِفِ أَوِ
الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ التَّوْلِيَةُ (1) .
أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَالُوا: إِنْ شَرَطَ النَّظَرَ لإِِنْسَانٍ
فَمَاتَ الْمَشْرُوطُ لَهُ فَلَيْسَ لِلْوَاقِفِ وِلاَيَةُ النَّصْبِ
لاِنْتِفَاءِ مِلْكِهِ، وَيَكُونُ النَّظَرُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إِنْ
كَانَ آدَمِيًّا مُعَيَّنًا كَزَيْدٍ، أَوْ جَمْعًا مَحْصُورًا،
كَأَوْلاَدِهِ أَوْ أَوْلاَدِ زَيْدٍ كُل وَاحِدٍ عَلَى حِصَّتِهِ.
أَمَّا إِذَا كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ غَيْرَ مَحْصُورٍ كَالْوَقْفِ
عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْغُزَاةِ أَوِ الْمَوْقُوفُ عَلَى
مَسْجِدٍ أَوْ مَدْرَسَةٍ أَوْ رِبَاطٍ أَوْ قَنْطَرَةٍ فَالنَّظَرُ
لِلْحَاكِمِ أَوْ مَنْ يَسْتَنِيبُهُ (2) .
مَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُتَوَلِّي
6 - يُشْتَرَطُ فِي الْمُتَوَلِّي عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ
الْعَدَالَةُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّصَرُّفِ وَالأَْمَانَةُ وَهَذَا فِي
الْجُمْلَةِ، وَاشْتَرَطَ بَعْضُهُمُ الإِْسْلاَمَ وَالتَّكْلِيفَ أَيْضًا،
وَفَصَّل بَعْضُهُمْ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:
7 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمُتَوَلِّي
الأَْمَانَةُ وَالْعَدَالَةُ، فَلاَ يُوَلَّى إِلاَّ أَمِينٌ قَادِرٌ
بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِبِهِ، لأَِنَّ الْوِلاَيَةَ مُقَيَّدَةٌ بِشَرْطِ
__________
(1) روضة الطالبين 5 / 347.
(2) كشاف القناع 4 / 268.
(36/101)
النَّظَرِ، وَلَيْسَ مِنَ النَّظَرِ
تَوْلِيَةُ الْخَائِنِ، لأَِنَّهُ يُخِل بِالْمَقْصُودِ، وَكَذَا
تَوْلِيَةُ الْعَاجِزِ لأَِنَّ الْمَقْصُودَ لاَ يَحْصُل بِهِ، وَيَسْتَوِي
فِيهِ الذَّكَرُ وَالأُْنْثَى، وَكَذَا الأَْعْمَى وَالْبَصِيرُ.
وَكَذَا الْمَحْدُودُ فِي قَذْفٍ إِذَا تَابَ لأَِنَّهُ أَمِينٌ.
وَقَالُوا مَنْ طَلَبَ التَّوْلِيَةَ عَلَى الْوَقْفِ لاَ يُعْطَى لَهُ،
وَهُوَ كَمَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ لاَ يُقَلَّدُ (1) .
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا شَرَائِطُ الأَْوْلَوِيَّةِ
لاَ شَرَائِطُ الصِّحَّةِ، وَأَنَّ النَّاظِرَ إِذَا فَسَقَ اسْتَحَقَّ
الْعَزْل، وَلاَ يَنْعَزِل، كَالْقَاضِي إِذَا فَسَقَ لاَ يَنْعَزِل عَلَى
الصَّحِيحِ الْمُفْتَى بِهِ.
ثُمَّ قَال: وَيُشْتَرَطُ لِلصِّحَّةِ (أَيْ صِحَّةِ تَوْلِيَةِ
الْوَاقِفِ) بُلُوغُهُ وَعَقْلُهُ، لاَ حُرِّيَّتُهُ وَإِسْلاَمُهُ،
وَعَلَى ذَلِكَ فَالصَّبِيُّ لاَ يَصْلُحُ نَاظِرًا.
ثُمَّ نُقِل عَنْ بَعْضِهِمُ الْقَوْل بِصِحَّةِ تَوْلِيَةِ الصَّبِيِّ،
وَوُفِّقَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِحَمْل عَدَمِ الْجَوَازِ عَلَى مَا إِذَا
كَانَ الصَّبِيُّ غَيْرَ أَهْلٍ لِلْحِفْظِ، بِأَنْ كَانَ لاَ يَقْدِرُ
عَلَى التَّصَرُّفِ، أَمَّا الْقَادِرُ عَلَيْهِ فَتَكُونُ تَوْلِيَتُهُ
مِنَ الْقَاضِي إِذْنًا لَهُ فِي التَّصَرُّفِ، كَمَا أَنَّ الْقَاضِيَ
يَمْلِكُ إِذْنَ الصَّبِيِّ، وَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ لاَ يَأْذَنُ لَهُ
(2) .
__________
(1) رد المحتار 3 / 385 نقلاً عن الإسعاف.
(2) المرجع السابق.
(36/101)
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَلَمْ
يَشْتَرِطُوا فِي النَّاظِرِ شُرُوطًا خَاصَّةً لَكِنَّهُمْ قَالُوا:
يَجْعَلُهُ الْمُحْبِسُ لِمَنْ يُوثَقُ بِهِ فِي دِينِهِ وَأَمَانَتِهِ،
فَإِنْ غَفَل الْمُحْبِسُ عَنْ ذَلِكَ كَانَ النَّظَرُ فِيهِ لِلْقَاضِي
يُقَدِّمُ لَهُ مَنْ يَقْتَضِيهِ (1) ، وَقَال الْحَطَّابُ: يُقَدِّمُ لَهُ
مَنْ يَرْتَضِيهِ (2) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: شَرْطُ النَّاظِرِ الْعَدَالَةُ وَإِنْ كَانَ
الْوَقْفُ عَلَى رُشَدَاءَ مُعَيَّنِينَ، لأَِنَّ النَّظَرَ وِلاَيَةٌ،
كَمَا فِي الْوَصِيِّ وَالْقَيِّمِ، وَالأَْوْجَهُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ
يُعْتَبَرُ فِي مَنْصُوبِ الْحَاكِمِ الْعَدَالَةُ الْبَاطِنَةُ،
وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْتَفَى فِي مَنْصُوبِ الْوَاقِفِ بِالْعَدَالَةِ
الظَّاهِرَةِ.
وَيُشْتَرَطُ فِيهِ كَذَلِكَ الْكِفَايَةُ، وَفَسَّرُوهَا بِقُوَّةِ
الشَّخْصِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيمَا هُوَ نَاظِرٌ فِيهِ،
فَإِنِ اخْتَلَّتْ إِحْدَاهُمَا نَزَعَ الْحَاكِمُ الْوَقْفَ مِنْهُ وَإِنْ
كَانَ الْمَشْرُوطُ لَهُ النَّظَرُ الْوَاقِفَ.
وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ شَرْطًا آخَرَ وَهُوَ الاِهْتِدَاءُ إِلَى
التَّصَرُّفِ، وَإِنْ كَانَ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ قَال: إِنَّ فِي
ذِكْرِ الْكِفَايَةِ كِفَايَةً عَنْ هَذَا الشَّرْطِ (3) .
أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدْ فَصَّلُوا بَيْنَ النَّاظِرِ الْمَشْرُوطِ
وَبَيْنَ مَنْ يَتَوَلَّى النَّظَرَ مِنْ قِبَل الْحَاكِمِ فَقَالُوا:
__________
(1) التاج والإكليل بهامش الحطاب 6 / 37.
(2) مواهب الجليل 6 / 37.
(3) مغني المحتاج 2 / 393، 394.
(36/102)
يُشْتَرَطُ فِي النَّاظِرِ الْمَشْرُوطِ:
الإِْسْلاَمُ وَالتَّكْلِيفُ وَالْكِفَايَةُ فِي التَّصَرُّفِ
وَالْخِبْرَةُ بِهِ وَالْقُوَّةُ عَلَيْهِ، لأَِنَّ مُرَاعَاةَ حِفْظِ
الْوَقْفِ مَطْلُوبَةٌ شَرْعًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ النَّاظِرُ مُتَّصِفًا
بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَمْ يُمْكِنْهُ مُرَاعَاةُ حِفْظِ الْوَقْفِ.
وَلاَ تُشْتَرَطُ فِيهِ الذُّكُورِيَّةُ وَلاَ الْعَدَالَةُ، وَيُضَمُّ
إِلَى الْفَاسِقِ عَدْلٌ، وَإِلَى الضَّعِيفِ قَوِيٌّ أَمِينٌ (1) .
وَظِيفَةُ الْمُتَوَلِّي
8 - وَظَائِفُ الْمُتَوَلِّي غَيْرُ مَحْصُورَةٍ عِنْدَ التَّوْلِيَةِ
الْمُطْلَقَةِ، فَلَهُ أَنْ يَعْمَل كُل مَا يَرَاهُ مَصْلَحَةً لِلْوَقْفِ
وَذَكَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ ضَابِطًا فَقَالُوا: يَتَحَرَّى
فِي تَصَرُّفَاتِهِ النَّظَرَ لِلْوَقْفِ وَالْغِبْطَةِ، لأَِنَّ
الْوِلاَيَةَ مُقَيَّدَةٌ بِهِ (2) .
وَذَكَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَمْثِلَةً لِهَذِهِ الْوَظَائِفِ، قَال
الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: وَظِيفَتُهُ عِنْدَ الإِْطْلاَقِ أَوْ
تَفْوِيضِ جَمِيعِ الأُْمُورِ: الْعِمَارَةُ وَالإِْجَارَةُ وَتَحْصِيل
الْغَلَّةِ وَقِسْمَتُهَا عَلَى مُسْتَحِقِّيهَا، وَحِفْظُ الأُْصُول
وَالْغَلاَّتِ عَلَى الاِحْتِيَاطِ، لأَِنَّهُ الْمَعْهُودُ فِي مِثْلِهِ،
فَإِنْ فُوِّضَ لَهُ بَعْضُ هَذِهِ الأُْمُورِ لَمْ يَتَعَدَّهُ اتِّبَاعًا
لِلشَّرْطِ كَالْوَكِيل (3) .
وَمِثْلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْحَنَابِلَةُ، وَأَضَافُوا عَلَيْهَا
__________
(1) كشاف القناع 4 / 270.
(2) الإسعاف ص54، ومواهب الجليل 6 / 40.
(3) مغني المحتاج 2 / 394.
(36/102)
وَظَائِفَ أُخْرَى، قَال الْحِجَّاوِيُّ:
وَظِيفَةُ النَّاظِرِ حِفْظُ الْوَقْفِ وَعِمَارَتُهُ وَإِيجَارُهُ
وَزَرْعُهُ وَمُخَاصَمَةٌ فِيهِ، وَتَحْصِيل رِيعِهِ مِنْ أُجْرَةٍ أَوْ
زَرْعٍ أَوْ ثَمَرٍ، وَالاِجْتِهَادُ فِي تَنْمِيَتِهِ، وَصَرْفُهُ فِي
جِهَاتِهِ مِنْ عِمَارَةٍ وَإِصْلاَحٍ وَإِعْطَاءِ مُسْتَحِقٍّ وَنَحْوِهِ،
وَلَهُ وَضْعُ يَدِهِ عَلَيْهِ، وَالتَّقْرِيرُ فِي وَظَائِفِهِ، وَنَاظِرُ
الْوَقْفِ يَنْصِبُ مَنْ يَقُومُ بِوَظَائِفِهِ مِنْ إِمَامٍ وَمُؤَذِّنٍ
وَقَيِّمٍ وَغَيْرِهِمْ، كَمَا أَنَّ لِلنَّاظِرِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ
نَصْبَ مَنْ يَقُومُ بِمَصْلَحَتِهِ (1) .
عَزْل الْمُتَوَلِّي
9 - الأَْصْل عِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ وَكِيلٌ عَنِ
الْغَيْرِ، يَتَصَرَّفُ بِإِذْنِهِ لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ
يَكُونُ هَذَا الْغَيْرُ، هَل هُوَ الْوَاقِفُ أَوِ الْمَوْقُوفُ
عَلَيْهِمْ وَالْمُسْتَحِقُّونَ؟ .
لِلْفُقَهَاءِ فِي الْمَسْأَلَةِ اتِّجَاهَانِ:
الاِتِّجَاهُ الأَْوَّل: أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ وَكِيلٌ عَنِ الْوَاقِفِ
حَال حَيَاتِهِ فَلَهُ عَزْلُهُ وَاسْتِبْدَالُهُ مُطْلَقًا، بِسَبَبٍ أَوْ
دُونَ سَبَبٍ، وَهَذَا مَا يَرَاهُ فُقَهَاءُ الْمَالِكِيَّةِ.
قَال الدُّسُوقِيُّ نَقْلاً عَنِ الْقَرَافِيِّ: الْقَاضِي لاَ يَعْزِل
نَاظِرًا إِلاَّ بِجُنْحَةٍ وَلِلْوَاقِفِ عَزْلُهُ وَلَوْ بِغَيْرِ
جُنْحَةٍ (2) .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَال النَّوَوِيُّ: لِلْوَاقِفِ أَنْ
__________
(1) الإقناع 3 / 14، 15.
(2) الدسوقي 4 / 88.
(36/103)
يَعْزِل مَنْ وَلاَّهُ، وَيَنْصِبَ
غَيْرَهُ، كَمَا يَعْزِل الْوَكِيل، وَكَأَنَّ الْمُتَوَلِّيَ نَائِبٌ
عَنْهُ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ (1) .
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ قَال فِي الإِْسْعَافِ: الْمُتَوَلِّي وَكِيل
الْوَاقِفِ، فَلَهُ عَزْلُهُ، وَإِنْ شَرَطَ عَلَى نَفْسِهِ عَدَمَ
الْعَزْل، وَإِذَا كَانَ النَّاظِرُ وَكِيلاً عَنِ الْوَاقِفِ فَلَهُ
أَحْكَامُ الْوَكِيل فِي حَالَةِ وَفَاةِ مُوَكِّلِهِ أَيْضًا، فَيَنْعَزِل
بِمَوْتِ الْوَاقِفِ، كَمَا يَنْعَزِل بِعَزْل نَفْسِهِ إِذَا عَلِمَ بِهِ
الْوَاقِفُ.
قَال فِي الإِْسْعَافِ: لَوْ جَعَل الْوِلاَيَةَ لِرَجُلٍ ثُمَّ مَاتَ
بَطَلَتْ وِلاَيَتُهُ بِنَاءً عَلَى الْوَكَالَةِ إِلاَّ أَنْ يَجْعَلَهَا
لَهُ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ فَيَصِيرُ وَصِيًّا بَعْدَ مَوْتِهِ
(2) .
الاِتِّجَاهُ الثَّانِي هُوَ: أَنَّ النَّاظِرَ وَكِيلٌ عَنِ
الْمُسْتَحِقِّينَ وَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ
عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَرَأْيِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ مِنَ
الْحَنَفِيَّةِ، وَعَلَى هَذَا فَإِذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ
لِغَيْرِهِ لَيْسَ لِلْوَاقِفِ أَنْ يَعْزِلَهُ إِلاَّ إِذَا كَانَ قَدْ
شَرَطَ لِنَفْسِهِ وِلاَيَةَ عَزْل الْمُتَوَلِّي، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ
فِي الإِْسْعَافِ، وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ قَائِمٌ
مَقَامَ أَهْل الْوَقْفِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ لاَ
يَنْعَزِل بِوَفَاةِ الْوَاقِفِ أَيْضًا (3) .
وَهَذَا كُلُّهُ فِي حَالَةِ الْعَزْل الْعَادِيِّ الَّتِي لَمْ
__________
(1) روضة الطالبين 5 / 349.
(2) الإسعاف ص53.
(3) المرجع السابق وانظر كشاف القناع 4 / 270، 272، وما بعدها.
(36/103)
يَصْدُرْ مِنَ الْمُتَوَلِّي فِيهَا مَا
يَسْتَوْجِبُ عَزْلَهُ.
أَمَّا إِذَا صَدَرَ مِنْهُ عَمَلٌ يَسْتَوْجِبُ عَزْلَهُ كَالْخِيَانَةِ
مَثَلاً فَلِلْقَاضِي عَزْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْمُتَوَلِّي هُوَ
الْوَاقِفُ، أَوْ شَرَطَ عَدَمَ عَزْل الْمُتَوَلِّي، لأَِنَّ الْوِلاَيَةَ
مُقَيَّدَةٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ وَالصَّلاَحِيَّةِ لِشُغْل التَّوْلِيَةِ
فَإِذَا فُقِدَتِ انْتَزَعَ الْحَاكِمُ الْوَقْفَ مِنْهُ.
قَال ابْنُ نُجَيْمٍ فِي الْبَحْرِ: وَيَعْزِل الْقَاضِي الْوَاقِفَ
الْمُتَوَلِّيَ عَلَى وَقْفِهِ لَوْ كَانَ خَائِنًا كَمَا يُعْزَل
الْوَصِيُّ الْخَائِنُ نَظَرًا لِلْوَقْفِ وَالْيُتْمِ، وَلاَ اعْتِبَارَ
بِشَرْطِ الْوَاقِفِ أَنْ لاَ يَعْزِلَهُ الْقَاضِي أَوِ السُّلْطَانُ،
لأَِنَّهُ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الشَّرْعِ فَبَطَل. وَاسْتُفِيدَ
مِنْهُ أَنَّ لِلْقَاضِي عَزْل الْمُتَوَلِّي الْخَائِنِ غَيْرِ الْوَاقِفِ
بِالأَْوْلَى.
وَصَرَّحَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّ عَزْل الْقَاضِي لِلْخَائِنِ
وَاجِبٌ عَلَيْهِ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ لَكِنَّهُمْ قَالُوا: لاَ يَعْزِل
الْقَاضِي النَّاظِرَ بِمُجَرَّدِ الطَّعْنِ فِي أَمَانَتِهِ وَلاَ
يُخْرِجُهُ إِلاَّ بِخِيَانَةٍ ظَاهِرَةٍ بَيِّنَةٍ، وَلَهُ إِدْخَال
غَيْرِهِ مَعَهُ إِذَا طَعَنَ فِي أَمَانَتِهِ، وَإِذَا أَخَرَجَهُ ثُمَّ
تَابَ وَأَنَابَ أَعَادَهُ (1) .
مِثْقَالٌ
انْظُرْ: مَقَادِيرُ
__________
(1) البحر الرائق 5 / 265، والإسعاف ص53، وروضة الطالبين 5 / 347، ومغني
المحتاج 2 / 394 - 395، وكشاف القناع 4 / 370، 371، والإنصاف 7 / 63.
(36/104)
مِثْلٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمِثْل فِي اللُّغَةِ: الشِّبْهُ، يُقَال: هَذَا مِثْلُهُ
وَمَثِيلُهُ، كَمَا يُقَال شَبِيهُهُ وَشِبْهُهُ، وَقَال فِي اللِّسَانِ:
مِثْلٌ: كَلِمَةُ تَسْوِيَةٍ (1) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ
(2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْمُسَاوِي:
2 - الْمُسَاوِي: اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ الْمُسَاوَاةِ وَهِيَ لُغَةً
مَصْدَرُ: سَاوَى، وَقَدْ فَرَّقَ بَعْضُ اللُّغَوِيِّينَ بَيْنَهَا
وَبَيْنَ الْمُمَاثَلَةِ فَقَالُوا: إِنَّ الْمُسَاوَاةَ تَكُونُ بَيْنَ
الْمُخْتَلِفَيْنِ فِي الْجِنْسِ وَالْمُتَّفِقَيْنِ، وَأَمَّا
الْمُمَاثَلَةُ فَلاَ تَكُونُ إِلاَّ فِي الْمُتَّفِقَيْنِ (3) .
ب - الْقِيمَةُ:
3 - الْقِيمَةُ لُغَةً: الثَّمَنُ الَّذِي يُقَوَّمُ بِهِ
__________
(1) لسان العرب.
(2) مغني المحتاج 3 / 223، والمغني لابن قدامة 6 / 722.
(3) لسان العرب.
(36/104)
الْمَتَاعُ (1) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: مَا قُوِّمَ بِهِ الشَّيْءُ بِمَنْزِلَةِ
الْمِعْيَارِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلاَ نُقْصَانٍ (2) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمِثْل:
يَتَعَلَّقُ بِالْمِثْل أَحْكَامٌ مِنْهَا:
عِوَضُ الْمِثْل
4 - عِوَضُ الْمِثْل هُوَ: بَدَل مِثْل شَيْءٍ مَطْلُوبٌ بِالشَّرْعِ
غَيْرُ مُقَدَّرٍ فِيهِ، أَوْ بِالْعَقْدِ لَكِنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ أَوْ
ذُكِرَ لَكِنَّهُ فَسَدَ الْمُسَمَّى، أَوْ كَانَ بِسَبَبِ عَقْدٍ فَاسِدٍ
(3) .
يَقُول ابْنُ تَيْمِيَّةَ: عِوَضُ الْمِثْل كَثِيرُ الدَّوَرَانِ فِي
كَلاَمِ الْعُلَمَاءِ مِثْل قَوْلِهِمْ: قِيمَةُ الْمِثْل، وَأُجْرَةُ
الْمِثْل، وَمَهْرُ الْمِثْل، وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَيُحْتَاجُ إِلَيْهِ
فِيمَا يُضْمَنُ بِالإِْتْلاَفِ مِنَ النُّفُوسِ وَالأَْمْوَال
وَالأَْبْضَاعِ وَالْمَنَافِعِ.
وَيَشْمَل عِوَضُ الْمِثْل مَا يَأْتِي:
أ - إِذَا لَمْ يُذْكَرْ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ مَهْرٌ أَوْ ذُكِرَ
وَلَكِنَّهُ لاَ يَعْتَدُّ بِهِ الشَّرْعُ مِثْل كَوْنِ الْمُسَمَّى
مُحَرَّمًا أَوْ لَيْسَ بِمُتَقَوِّمِ، وَهَذَا يُسَمَّى: مَهْرَ الْمِثْل.
__________
(1) المصباح المنير.
(2) حاشية ابن عابدين 4 / 51 - 52.
(3) الأشباه والنظائر للسيوطي ص367، وإعلام الموقعين 1 / 131، والأشباه
والنظائر لابن نجيم ص362، والقواعد لابن رجب ص / 141.
(36/105)
ب - إِذَا كَانَ بَيْنَ الْعَاقِدَيْنِ
اتِّفَاقٌ وَلَكِنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ الْمُسَمَّى، أَوْ أَصْبَحَ
الْمُسَمَّى مَعْدُومًا، أَوْ فَاسِدًا، أَوْ أَصْبَحَ الْعَقْدُ فَاسِدًا،
أَوْ مَنْسُوخًا وَلَكِنَّهُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَنَّ أَحَدَ
الْعَاقِدَيْنِ كَانَ قَدْ نَفَّذَ مِنَ الْعَقْدِ شَيْئًا، أَوْ أَهْلَكَ
الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ، أَوْ كَانَ الْعَقْدُ قَرْضًا وَوَجَبَ فِيهِ رَدُّ
الْقِيمَةِ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وَهَذَا النَّوْعُ يَدْخُل فِيهِ أَجْرُ
الْمِثْل فِي الإِْجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، أَوِ الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ
أَوْ نَحْوِهِمَا، وَكَذَلِكَ يَدْخُل فِيهِ ثَمَنُ الْمِثْل.
ج - مَا كَانَ نَتِيجَةَ إِتْلاَفٍ لَكِنَّهُ لَمْ يَنُصَّ الشَّرْعُ عَلَى
تَحْدِيدِ مِقْدَارِ الضَّمَانِ فِيهِ، وَهَذَا مَا يُسَمَّى بِضَمَانِ
الْمِثْل (1) .
ضَابِطُ عِوَضِ الْمِثْل
5 - ضَابِطُ عِوَضِ الْمِثْل مَا تَتَحَقَّقُ بِهِ الْعَدَالَةُ، يَقُول
ابْنُ تَيْمِيَّةَ: عِوَضُ الْمِثْل.
أَمْرٌ لاَ بُدَّ مِنْهُ فِي الْعَدْل الَّذِي بِهِ تَتِمُّ مَصْلَحَةُ
الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ.
وَمَدَارُهُ عَلَى الْقِيَاسِ وَالاِعْتِبَارِ لِلشَّيْءِ بِمِثْلِهِ،
وَهُوَ نَفْسُ الْعَدْل، وَنَفْسُ الْعُرْفِ الدَّاخِل فِي قَوْله
تَعَالَى: {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} وَقَوْلِهِ: {وَأْمُرْ
بِالْعُرْفِ} وَهُوَ مَعْنَى الْقِسْطِ الَّذِي
__________
(1) المصادر السابقة ومجموع فتاوى ابن تيمية 29 / 520.
(36/105)
أَرْسَل اللَّهُ لَهُ الرُّسُل وَأَنْزَل
لَهُ الْكُتُبَ (1) .
وَلِذَلِكَ يَدْخُل فِي اعْتِبَارِهِ كُل الظُّرُوفِ وَالْمُلاَبَسَاتِ
الَّتِي تُحِيطُ بِهِ، وَيُرَاعَى فِيهِ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ
وَالْعُرْفُ السَّائِدُ، وَرَغَبَاتُ النَّاسِ، وَلِذَلِكَ يُقَال: قِيمَةُ
الْمِثْل: مَا يُسَاوِي الشَّيْءَ فِي نُفُوسِ ذَوِي الرَّغَبَاتِ، مَعَ
مُلاَحَظَةِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْعَرْضِ وَالطَّلَبِ وَنَحْوِ
ذَلِكَ (2) .
النَّقْدُ الْمُعْتَبَرُ فِي التَّقْوِيمِ فِي عِوَضِ الْمِثْل
6 - نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ التَّقْوِيمَ فِي الْمَغْصُوبِ
يُعْتَبَرُ بِغَالِبِ النُّقُودِ لاَ بِأَدْنَاهَا، وَفِي السَّرِقَةِ قَال
الْمَاوَرْدِيُّ: إِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدَانِ مِنَ الذَّهَبِ،
وَأَحَدُهُمَا أَعْلَى قِيمَةً اعْتُبِرَتِ الْقِيمَةُ بِالأَْقَل فِي
زَمَانِ السَّرِقَةِ (3) .
ضَمَانُ الْقِيمَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْمِثْل
7 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ مَا وَجَبَ فِيهِ الضَّمَانُ إِنْ
كَانَ مِمَّا لاَ مِثْل لَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، لأَِنَّهُ تَعَذَّرَ
إِيجَابُ الْمِثْل صُورَةً وَمَعْنًى فَيَجِبُ الْمِثْل مَعْنًى وَهُوَ
الْقِيمَةُ لأَِنَّهَا الْمِثْل الْمُمْكِنُ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (قِيمَةٌ ف 7) .
مَتَى يُضْمَنُ بِالْمِثْل وَالْقِيمَةِ مَعًا
8 - مِنَ الْمَضْمُونَاتِ مَا تَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ وَالْمِثْل
__________
(1) مجموع فتاوى ابن تيمية 29 / 520.
(2) مجموع فتاوى ابن تيمية 29 / 522 - 525.
(3) المنثور في القواعد للزركشي 1 / 399.
(36/106)
مَعًا، وَذَلِكَ فِي الصَّيْدِ
الْمَمْلُوكِ إِذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ أَوْ قَتَلَهُ الْحُلاَّل فِي
الْحَرَمِ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (قِيمَةٌ ف 11) .
مَهْرُ الْمِثْل
9 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الزَّوْجَةَ يَجِبُ لَهَا مَهْرُ
الْمِثْل فِي أَحْوَالٍ مِنْهَا: إِذَا دَخَل بِهَا الزَّوْجُ وَلَمْ
يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا فَإِنَّهُ يَتَقَرَّرُ لَهَا بِالدُّخُول مَهْرُ
الْمِثْل (1) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (مَهْرٌ) .
ثَمَنُ الْمِثْل
10 - قَال السُّيُوطِيُّ: ثَمَنُ الْمِثْل ذُكِرَ فِي مَوَاضِعَ:
فِي شِرَاءِ الْمَاءِ فِي التَّيَمُّمِ، وَشِرَاءِ الزَّادِ وَنَحْوِهِ فِي
الْحَجِّ، وَفِي بَيْعِ مَال الْمَحْجُورِ وَالْمُفْلِسِ وَنَحْوِهِمَا،
وَمِثْل الْمَغْصُوبِ، وَإِبِل الدِّيَةِ وَغَيْرِهَا، وَيُلْحَقُ بِهَا
كُل مَوْضِعٍ اعْتُبِرَتْ فِيهِ الْقِيمَةُ فَإِنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ
ثَمَنِ الْمِثْل.
وَقَال: وَحَقِيقَتُهُ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الْمَوَاضِعِ،
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى الاِخْتِلاَفِ فِي وَقْتِ
اعْتِبَارِهِ أَوْ مَكَانِهِ (2) .
__________
(1) الفتاوى الهندية 1 / 303، ومغني المحتاج 3 / 229.
(2) الأشباه والنظائر للسيوطي ص340.
(36/106)
أُجْرَةُ الْمِثْل
11 - لأُِجْرَةِ الْمِثْل تَطْبِيقَاتٌ كَثِيرَةٌ وَلاَ سِيَّمَا فِي
أَبْوَابِ الإِْجَارَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْمُسَاقَاةِ، وَالْمُضَارَبَةِ،
وَالْجَعَالَةِ إِذَا أَصْبَحَتْ فَاسِدَةً وَكَانَ الأَْجِيرُ أَوِ
الْعَامِل قَدْ قَامَ بِعَمَلٍ، وَكَذَلِكَ فِي بَابِ الْحَجِّ لاَ
يُطَالَبُ أَنْ يُعْطَى الأَْجِيرُ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْل،
وَكَذَلِكَ فِي بَابِ الْغَصْبِ إِذَا فَاتَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ
الْمَنَافِعُ (عِنْدَ الْجُمْهُورِ) وَكَذَلِكَ النَّاظِرُ عَلَى الْوَقْفِ
إِذَا لَمْ يُحَدِّدْ لَهُ الْوَاقِفُ شَيْئًا فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ
أُجْرَةَ الْمِثْل، وَكَذَلِكَ الْعَامِل عَلَى الزَّكَاةِ، وَالْقَسَّامُ،
وَالْقَاضِي، وَالدَّلاَّل وَنَحْوُهُمْ إِذَا لَمْ يُحَدَّدْ لَهُمْ
أَجْرٌ مُعَيَّنٌ (1) .
قِرَاضُ الْمِثْل
12 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى
أَنَّهُ يَجِبُ لِلْعَامِل فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ أَجْرُ
مِثْلِهِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْعَامِل فِي الْقِرَاضِ الْفَاسِدِ
قَدْ يَكُونُ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ، وَقَدْ يَكُونُ لَهُ قِرَاضُ مِثْلِهِ
فِي رِبْحِ الْمَال، وَقَدْ يَكُونُ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ وَقِرَاضُ
مِثْلِهِ فِي رِبْحِهِ.
__________
(1) موجبات الأحكام لابن قطلوبغا الحنفي، ص231، ط. الإرشاد، وحاشية ابن
عابدين 5 / 39، والأشباه لابن نجيم ص362 - 365، وبداية المجتهد 2 / 250،
والقوانين الفقهية ص241، والأشباه والنظائر للسيوطي ص352 - 380، والقواعد
لابن رجب ص141، ط. الكليات الأزهرية.
(36/107)
وَقَالُوا: إِنَّ أُجْرَةَ الْمِثْل تَثْبُتُ لِلْعَامِل فِي ذِمَّةِ رَبِّ
الْمَال، وَأَمَّا قِرَاضُ الْمِثْل فَيَكُونُ مِنْ رِبْحِ مَال
الْمُضَارَبَةِ إِنْ رَبِحَ، فَإِنْ لَمْ يَرْبَحْ فَلاَ شَيْءَ
لِلْعَامِل.
وَالضَّابِطُ عِنْدَهُمْ: أَنَّ كُل مَسْأَلَةٍ خَرَجَتْ عَنْ حَقِيقَةِ
الْقِرَاضِ مِنْ أَصْلِهَا فَفِيهَا أُجْرَةُ الْمِثْل، وَأَمَّا إِنْ
شَمِلَهَا الْقِرَاضُ لَكِنِ اخْتَل مِنْهَا شَرْطٌ فَفِيهَا قِرَاضُ
الْمِثْل (1) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (مُضَارَبَةٌ) . |