الموسوعة
الفقهية الكويتية مَرَارَةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - لِلْمَرَارَةِ فِي اللُّغَةِ إِطْلاَقَاتٌ مِنْهَا: أَنَّهَا كِيسٌ
لاَصِقٌ بِالْكَبِدِ تُخْتَزَنُ فِيهِ الصَّفْرَاءُ، وَقَدْ تَكُونُ لِكُل
ذِي رُوحٍ إِلاَّ النَّعَامَ وَالإِْبِل. أَوْ هِيَ: الْمَائِعُ
الأَْصْفَرُ الْمُرُّ الْمُخْتَزَنُ فِي الْكِيسِ اللاَّصِقِ بِالْكَبِدِ،
وَهِيَ تُسَاعِدُ عَلَى هَضْمِ الْمَوَادِّ الدُّهْنِيَّةِ.
وَتُجْمَعُ الْمَرَارَةُ عَلَى مَرَائِرَ (1)
وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لِكَلِمَةِ مَرَارَةٍ عَنْ
هَذَيْنِ الإِْطْلاَقَيْنِ (2) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
1 - طَهَارَةُ الْمَرَارَةِ وَأَكْلُهَا:
2 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَرَارَةَ كُل حَيَوَانٍ
كَبَوْلِهِ، فَإِنْ كَانَ بَوْلُهُ نَجِسًا مُغَلَّظًا أَوْ مُخَفَّفًا
فَهِيَ كَذَلِكَ خِلاَفًا وَوِفَاقًا، وَمِنْ فُرُوعِهِ مَا ذَكَرُوا: لَوْ
أَدْخَل فِي أُصْبُعِهِ مَرَارَةَ مَأْكُول
__________
(1) لسان العرب، والمصباح المنير، والمعجم الوسيط مادة " مرر ".
(2) جواهر الإكليل 1 / 9 - ط. دار الباز، والبدائع 5 / 61 - ط. دار الكتاب
العربي.
(36/330)
اللَّحْمِ يُكْرَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
لأَِنَّهُ لاَ يُبِيحُ التَّدَاوِي بِبَوْلِهِ، وَلاَ يُكْرَهُ عِنْدَ
أَبِي يُوسُفَ لأَِنَّهُ يُبِيحُهُ، وَبِهِ أَخَذَ أَبُو اللَّيْثِ
لِلْحَاجَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فِي الْمَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ.
وَكَذَلِكَ قِيَاسُ قَوْل مُحَمَّدٍ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ مُطْلَقًا
لِطَهَارَةِ بَوْل مَأْكُول اللَّحْمِ عِنْدَهُ (1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ بِطَهَارَةِ مَرَارَةِ الْحَيَوَانِ الْمُذَكَّى
مُطْلَقًا لأَِنَّهَا مِنْ أَجْزَاءِ بَدَنِ الْحَيَوَانِ (2) .
وَفَرَّقَ الشَّافِعِيَّةُ بَيْنَ الْجِلْدَةِ، وَالْمَائِعِ الأَْصْفَرِ
فَقَالُوا: بِطَهَارَةِ الْجِلْدَةِ، لأَِنَّهَا جُزْءُ الْحَيَوَانِ
الْمُذَكَّى، وَنَجَاسَةِ الْمَائِعِ الأَْصْفَرِ لأَِنَّهُ لَيْسَ
جُزْأَهُ (3) .
وَأَمَّا حُكْمُ أَكْل الْمَرَارَةِ فَقَدْ سَبَقَ الْكَلاَمُ عَلَيْهِ فِي
مُصْطَلَحِ (أَطْعِمَةٌ ف76، 77، 78) .
2 - الْمَسْحُ عَلَى ظُفُرٍ عَلَيْهِ مَرَارَةٌ
3 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى
ظُفُرٍ عَلَيْهِ مَرَارَةٌ إِنْ ضَرَّ نَزْعُهَا، أَوْ تَعَذَّرَ قَلْعُهَا
لِلضَّرُورَةِ (4) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (جَبِيرَةٌ ف4، مَسْحٌ) .
__________
(1) فتح القدير 1 / 142، 143 - ط. بولاق، والبدائع 5 / 61 - ط. دار الكتاب
العربي، وابن عابدين 1 / 233 - ط. بولاق.
(2) شرح الزرقاني 1 / 23 - ط. دار الفكر.
(3) الجمل 1 / 177 - ط. دار إحياء التراث العربي.
(4) فتح القدير 1 / 110، وشرح الزرقاني 1 / 130، والدسوقي 1 / 163 - ط. دار
الفكر، وكشاف القناع 1 / 120 - ط. عالم الكتب، والمغني 1 / 280 - ط الرياض.
(36/331)
مُرَاعَاةُ الْخِلاَفِ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمُرَاعَاةُ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرُ رَاعَاهُ: إِذَا لاَحَظَهُ
وَرَاقَبَهُ، وَرَاعَيْتُ الأَْمْرَ: نَظَرْتُ فِي عَاقِبَتِهِ (1) .
وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ مَعْنَاهُ
اللُّغَوِيِّ (2) .
وَالْخِلاَفُ فِي اللُّغَةِ: الْمُضَادَّةُ (3) .
وَالْخِلاَفُ فِي الاِصْطِلاَحِ: مُنَازَعَةٌ تَجْرِي بَيْنَ
الْمُتَعَارَضِينَ لِتَحْقِيقِ حَقٍّ أَوْ إِبْطَال بَاطِلٍ (4) .
وَمُرَاعَاةُ الْخِلاَفِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ عِبَارَةٌ عَنْ إِعْمَال
دَلِيلٍ فِي لاَزِمِ مَدْلُول الَّذِي أُعْمِل فِي نَقِيضِهِ دَلِيلٌ آخَرُ
(5) .
وَقَال أَبُو الْعَبَّاسِ الْقَبَّابُ: حَقِيقَةُ مُرَاعَاةِ الْخِلاَفِ
هُوَ إِعْطَاءُ كُل وَاحِدٍ مِنَ
__________
(1) المعجم الوسيط، والمصباح المنير.
(2) حاشية ابن عابدين 1 / 99.
(3) لسان العرب، والمغرب للمطرزي.
(4) قواعد الفقه للبركتي.
(5) المعيار المعرب للونشريسي 6 / 378 - ط. دار الغرب الإسلامي - بيروت.
(36/331)
الدَّلِيلَيْنِ حُكْمَهُ (1) .
وَكَثِيرًا مَا يُعَبِّرُ الْفُقَهَاءُ عَنْ مُرَاعَاةِ الْخِلاَفِ
بِالْخُرُوجِ مِنَ الْخِلاَفِ (2) .
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
2 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى اسْتِحْبَابِ مُرَاعَاةِ
الْخِلاَفِ فِي الْجُمْلَةِ بِاجْتِنَابِ مَا اخْتُلِفَ فِي تَحْرِيمِهِ
وَفِعْل مَا اخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ (3) .
وَلِبَعْضِ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ نَذْكُرُهُ فِيمَا
يَلِي: قَال أَبُو الْعَبَّاسِ الْقَبَّابُ الْمَالِكِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ
مُرَاعَاةَ الْخِلاَفِ مِنْ مَحَاسِنِ هَذَا الْمَذْهَبِ، وَحَقِيقَةُ
مُرَاعَاةِ الْخِلاَفِ، هُوَ إِعْطَاءُ كُل وَاحِدٍ مِنَ الدَّلِيلَيْنِ
حُكْمَهُ.
وَبَسْطُهُ: أَنَّ الأَْدِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ مِنْهَا مَا تَتَبَيَّنُ
قُوَّتُهُ تَبَيُّنًا يَجْزِمُ النَّاظِرُ فِيهِ بِصِحَّةِ أَحَدِ
الدَّلِيلَيْنِ وَالْعَمَل بِإِحْدَى الأَْمَارَتَيْنِ فَهَاهُنَا لاَ
وَجْهَ لِمُرَاعَاةِ الْخِلاَفِ وَلاَ مَعْنًى لَهُ، وَمِنَ الأَْدِلَّةِ
مَا يَقْوَى فِيهَا أَحَدُ الدَّلِيلَيْنِ وَتَتَرَجَّحُ فِيهَا إِحْدَى
الأَْمَارَتَيْنِ قُوَّةً مَا وَرُجْحَانًا لاَ يَنْقَطِعُ مَعَهُ
تَرَدُّدُ النَّفْسِ وَتَشَوُّفُهَا إِلَى مُقْتَضَى الدَّلِيل الآْخَرِ
__________
(1) المعيار المعرب للونشريسي 6 / 388.
(2) ابن عابدين 1 / 61، والأشباه والنظائر للسيوطي 136.
(3) حاشية ابن عابدين 1 / 99، وحاشية الطحطاوي على الدر 1 / 85، والمعيار
للونشريسي 6 / 388، والمنثور في القواعد للزركشي 2 / 127 - 128، والأشباه
والنظائر للسيوطي ص136، والمغني 1 / 518.
(36/332)
فَهَاهُنَا تَحْسُنُ مُرَاعَاةُ
الْخِلاَفِ، وَيُعْمَل ابْتِدَاءً عَلَى الدَّلِيل الأَْرْجَحِ،
لِمُقْتَضَى الرُّجْحَانِ فِي غَلَبَةِ ظَنِّهِ، فَإِذَا وَقَعَ عَقْدٌ
أَوْ عِبَادَةٌ عَلَى مُقْتَضَى الدَّلِيل الآْخَرِ لَمْ يُفْسَخِ
الْعَقْدُ، وَلَمْ تَبْطُل الْعِبَادَةُ، لِوُقُوعِ ذَلِكَ عَلَى
مُوَافَقَةِ دَلِيلٍ لَهُ فِي النَّفْسِ اعْتِبَارٌ.
وَلَيْسَ إِسْقَاطُهُ بِالَّذِي يَنْشَرِحُ لَهُ الصَّدْرُ، فَهَذَا
مَعْنَى قَوْلِنَا: إِعْطَاءُ كُل وَاحِدٍ مِنَ الدَّلِيلَيْنِ حُكْمَهُ،
فَيَقُول ابْتِدَاءً بِالدَّلِيل الَّذِي يَرَاهُ أَرْجَحَ، ثُمَّ إِذَا
وَقَعَ الْعَمَل عَلَى مُقْتَضَى الدَّلِيل الآْخَرِ رَاعَى مَا لِهَذَا
الدَّلِيل مِنَ الْقُوَّةِ الَّتِي لَمْ يَسْقُطِ اعْتِبَارُهَا فِي
نَظَرِهِ جُمْلَةً، فَهُوَ تَوَسُّطٌ بَيْنَ مُوجِبِ الدَّلِيلَيْنِ (1) .
وَنَقَل الزَّرْكَشِيُّ عَنْ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلاَمِ
الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَال: الْخِلاَفُ أَقْسَامٌ:
الأَْوَّل: أَنْ يَكُونَ فِي التَّحْلِيل وَالتَّحْرِيمِ فَالْخُرُوجُ مِنَ
الْخِلاَفِ بِالاِجْتِنَابِ أَفْضَل.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْخِلاَفُ فِي الاِسْتِحْبَابِ وَالإِْيجَابِ،
فَالْفِعْل أَفْضَل.
الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْخِلاَفُ فِي الشَّرْعِيَّةِ، كَقِرَاءَةِ
الْبَسْمَلَةِ فِي الْفَاتِحَةِ فَإِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ
وَاجِبَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَكَذَلِكَ صَلاَةُ الْكُسُوفِ عَلَى
الْهَيْئَةِ الْمَنْقُولَةِ فِي الْحَدِيثِ فَإِنَّهَا سُنَّةٌ عِنْدَ
الشَّافِعِيِّ وَأَنْكَرَهَا أَبُو حَنِيفَةَ
__________
(1) المعيار المعرب للونشريسي 6 / 388 ط دار الغرب.
(36/332)
فَالْفِعْل أَفْضَل.
وَالضَّابِطُ أَنَّ مَأْخَذَ الْخِلاَفِ، إِنْ كَانَ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ
فَلاَ نَظَرَ إِلَيْهِ، وَلاَ سِيَّمَا إِذَا كَانَ مِمَّا يُنْقَضُ
الْحُكْمُ بِمِثْلِهِ، وَإِنْ تَقَارَبَتِ الأَْدِلَّةُ بِحَيْثُ لاَ
يَبْعُدُ قَوْل الْمُخَالِفِ كُل الْبُعْدِ فَهَذَا مِمَّا يُسْتَحَبُّ
الْخُرُوجُ مِنْهُ حَذَرًا مِنْ كَوْنِ الصَّوَابِ مَعَ الْخَصْمِ (1) .
وَقَال السُّيُوطِيُّ: شَكَّكَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى قَوْلِنَا
بِأَفْضَلِيَّةِ الْخُرُوجِ مِنَ الْخِلاَفِ فَقَالُوا: الأَْوْلَوِيَّةُ
وَالأَْفْضَلِيَّةُ إِنَّمَا تَكُونُ حَيْثُ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ، وَإِذَا
اخْتَلَفَتِ الأُْمَّةُ عَلَى قَوْلَيْنِ: قَوْلٌ بِالْحِل، وَقَوْلٌ
بِالتَّحْرِيمِ وَاحْتَاطَ الْمُسْتَبْرِئُ لِدِينِهِ وَجَرَى عَلَى
التَّرْكِ حَذَرًا مِنْ وَرَطَاتِ الْحُرْمَةِ لاَ يَكُونُ فِعْلُهُ ذَلِكَ
سُنَّةً، لأَِنَّ الْقَوْل بِأَنَّ هَذَا الْفِعْل يَتَعَلَّقُ بِهِ
الثَّوَابُ مِنْ غَيْرِ عِقَابٍ عَلَى التَّرْكِ لَمْ يَقُل بِهِ أَحَدٌ،
وَالأَْئِمَّةُ كَمَا تَرَى قَائِلٌ بِالإِْبَاحَةِ، وَقَائِلٌ
بِالتَّحْرِيمِ فَمِنْ أَيْنَ الأَْفْضَلِيَّةُ (2) ؟ وَأَجَابَ ابْنُ
السُّبْكِيِّ: إِنَّ أَفْضَلِيَّةَ الْخُرُوجِ مِنَ الْخِلاَفِ لَيْسَتْ
لِثُبُوتِ سُنَّةٍ خَاصَّةٍ فِيهِ، بَل لِعُمُومِ الاِحْتِيَاطِ
وَالاِسْتِبْرَاءِ لِلدِّينِ، وَهُوَ مَطْلُوبٌ شَرْعًا، فَكَانَ الْقَوْل
بِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنَ الْخِلاَفِ أَفْضَل، ثَابِتًا مِنْ حَيْثُ
الْعُمُومِ
__________
(1) المنثور في القواعد للزركشي 2 / 128 - 129.
(2) الأشباه والنظائر للسيوطي ص137.
(36/333)
وَاعْتِمَادِهِ مِنَ الْوَرَعِ
الْمَطْلُوبِ شَرْعًا (1) .
شُرُوطُ مُرَاعَاةِ الْخِلاَفِ
3 - صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ مَرَاتِبَ نَدْبِ مُرَاعَاةِ
الْخِلاَفِ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ قُوَّةِ دَلِيل الْمُخَالِفِ وَضَعْفِهِ،
وَقَالُوا: يُنْدَبُ الْخُرُوجُ مِنَ الْخِلاَفِ، لَكِنْ بِشَرْطِ عَدَمِ
لُزُومِ ارْتِكَابِ مَكْرُوهِ مَذْهَبِهِ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ فِي
تَعْلِيقِهِ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ: بَقِيَ: هَل الْمُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ
هُنَا مَا يَعُمُّ التَّنْزِيهِيَّةَ؟ تَوَقَّفَ فِيهِ الطَّحْطَاوِيُّ
وَالظَّاهِرُ: نَعَمْ، كَالتَّغْلِيسِ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ، فَإِنَّهُ
سُنَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَعَ أَنَّ الأَْفْضَل عِنْدَنَا
الإِْسْفَارُ فَلاَ يُنْدَبُ مُرَاعَاةُ الْخِلاَفِ فِيهِ، وَكَصَوْمِ
يَوْمِ الشَّكِّ فَإِنَّهُ الأَْفْضَل عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ
حَرَامٌ، وَلَمْ أَرَ مَنْ قَال: يُنْدَبُ عَدَمُ صَوْمِهِ مُرَاعَاةً
لِلْخِلاَفِ، وَكَالاِعْتِمَادِ وَجِلْسَةِ الاِسْتِرَاحَةِ، السُّنَّةُ
عِنْدَنَا تَرْكُهُمَا، وَلَوْ فَعَلَهُمَا لاَ بَأْسَ، فَيُكْرَهُ
فِعْلُهُمَا تَنْزِيهًا مَعَ أَنَّهُمَا سُنَّتَانِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ
(2) .
وَشُرُوطُ مُرَاعَاةِ الْخِلاَفِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - كَمَا ذَكَرَهَا
الزَّرْكَشِيُّ - هِيَ:
أ - أَنْ يَكُونَ مَأْخَذُ الْمُخَالِفِ قَوِيًّا، فَإِنْ كَانَ وَاهِيًا
لَمْ يُرَاعَ (3) .
__________
(1) الأشباه والنظائر للسيوطي ص137.
(2) الدر المختار ورد المحتار 1 / 99 - 100 - ط. بولاق، وانظر حاشية
الطحطاوي على الدر المختار 1 / 85.
(3) المنثور في القواعد للزركشي 2 / 129.
(36/333)
ب - أَنْ لاَ تُؤَدِّيَ مُرَاعَاةُ
الْخِلاَفِ إِلَى خَرْقِ الإِْجْمَاعِ كَمَا نُقِل عَنِ ابْنِ سُرَيْجٍ
أَنَّهُ كَانَ يَغْسِل أُذُنَيْهِ مَعَ الْوَجْهِ، وَيَمْسَحُهُمَا مَعَ
الرَّأْسِ، وَيُفْرِدُهُمَا بِالْغَسْل مُرَاعَاةً لِمَنْ قَال: إِنَّهُمَا
مِنَ الْوَجْهِ أَوِ الرَّأْسِ أَوْ عُضْوَانِ مُسْتَقِلاَّنِ، فَوَقَعَ
فِي خِلاَفِ الإِْجْمَاعِ، إِذْ لَمْ يَقُل أَحَدٌ بِالْجَمْعِ.
ج - أَنْ يَكُونَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ مُمْكِنًا، فَإِنْ لَمْ
يَكُنْ كَذَلِكَ فَلاَ يَتْرُكُ الرَّاجِحَ عِنْدَ مُعْتَقَدِهِ
لِمُرَاعَاةِ الْمَرْجُوحِ، لأَِنَّ ذَلِكَ عُدُولٌ عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ
مِنَ اتِّبَاعِ مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وَهُوَ لاَ يَجُوزُ قَطْعًا،
وَمِثَالُهُ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي اشْتِرَاطِ الْمِصْرِ
الْجَامِعِ فِي انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ، لاَ يُمْكِنُ مُرَاعَاتُهُ عِنْدَ
مَنْ يَقُول إِنَّ أَهْل الْقُرَى إِذَا بَلَغُوا الْعَدَدَ الَّذِي
يَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ لَزِمَتْهُمْ وَلاَ يَجْزِيهِمُ الظُّهْرُ،
فَلاَ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ.
وَمِثْلُهَا أَيْضًا قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ: إِنَّ أَوَّل وَقْتِ الْعَصْرِ
مَصِيرُ ظِل الشَّيْءِ مِثْلَيْهِ، وَقَوْل الإِْصْطَخْرِيِّ مِنْ
أَصْحَابِنَا: هَذَا آخِرُ وَقْتِ الْعَصْرِ مُطْلَقًا وَيَصِيرُ بَعْدَهُ
قَضَاءً وَإِنْ كَانَ هَذَا وَجْهًا ضَعِيفًا غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ
الْخُرُوجُ مِنْ خِلاَفِهِمَا جَمِيعًا.
وَكَذَلِكَ الصُّبْحُ فَإِنَّ الإِْصْطَخْرِيَّ يَخْرُجُ عِنْدَهُ وَقْتُ
الْجَوَازِ بِالإِْسْفَارِ، وَذَلِكَ الْوَقْتُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
هُوَ الأَْفْضَل.
(36/334)
وَكَذَلِكَ يَضْعُفُ الْخُرُوجُ مِنَ
الْخِلاَفِ إِذَا أَدَّى إِلَى الْمَنْعِ مِنَ الْعِبَادَةِ لِقَوْل
الْمُخَالِفِ بِالْكَرَاهَةِ، أَوِ الْمَنْعِ مِنَ الْعِبَادَةِ لِقَوْل
الْمُخَالِفِ بِالْكَرَاهَةِ أَوِ الْمَنْعِ.
كَالْمَشْهُورِ مِنْ قَوْل مَالِكٍ: إِنَّ الْعُمْرَةَ لاَ تَتَكَرَّرُ فِي
السَّنَةِ، وَقَوْل أَبِي حَنِيفَةَ: إِنَّهَا تُكْرَهُ لِلْمُقِيمِ
بِمَكَّةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَلَيْسَ التَّمَتُّعُ مَشْرُوعًا لَهُ،
وَرُبَّمَا قَالُوا: إِنَّهَا تَحْرُمُ، فَلاَ يَنْبَغِي لِلشَّافِعِيِّ
مُرَاعَاةُ ذَلِكَ، لِضَعْفِ مَأْخَذِ الْقَوْلَيْنِ وَلِمَا يَفُوتُهُ
مِنْ كَثْرَةِ الاِعْتِمَارِ، وَهُوَ مِنَ الْقُرُبَاتِ الْفَاضِلَةِ.
أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَيَنْبَغِي الْخُرُوجُ مِنَ الْخِلاَفِ
لاَ سِيَّمَا إِذَا كَانَ فِيهِ زِيَادَةُ تَعَبُّدٍ كَالْمَضْمَضَةِ
وَالاِسْتِنْشَاقِ فِي غُسْل الْجَنَابَةِ يَجِبُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ
وَكَذَلِكَ الاِسْتِنْشَاقُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فِي الْوُضُوءِ،
وَالْغُسْل مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ ثَمَانِي مَرَّاتٍ وَالْغُسْل مِنْ
سَائِرِ النَّجَاسَاتِ ثَلاَثًا لِخِلاَفِ أَبِي حَنِيفَةَ وَسَبْعًا
لِخِلاَفِ أَحْمَدَ وَالتَّسْبِيحُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِخِلاَفِ
أَحْمَدَ فِي وُجُوبِهَا، وَالتَّبْيِيتُ فِي نِيَّةِ صَوْمِ النَّفْل،
فَإِنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ وُجُوبُهُ، وَإِتْيَانُ الْقَارِنِ بِطَوَافَيْنِ
وَسَعْيَيْنِ مُرَاعَاةً لِخِلاَفِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُوَالاَةُ بَيْنَ
الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ لأَِنَّ مَالِكًا يُوجِبُهَا، وَكَذَلِكَ
التَّنَزُّهُ عَنْ بَيْعِ الْعِينَةِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْعُقُودِ
الْمُخْتَلَفِ فِيهَا، وَأَصْل هَذَا الاِحْتِيَاطِ قَوْل الشَّافِعِيِّ
فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ:
(36/334)
فَأَمَّا أَنَا فَأُحِبُّ أَنْ لاَ
أُقْصِرَ فِي أَقَل مِنْ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ احْتِيَاطًا عَلَى نَفْسِي.
قَال الْمَاوَرْدِيُّ: أَفْتَى بِمَا قَامَتِ الدَّلاَلَةُ عِنْدَهُ
عَلَيْهِ أَيٌّ مِنْ مَرْحَلَتَيْنِ، ثُمَّ احْتَاطَ لِنَفْسِهِ
اخْتِيَارًا لَهَا، وَقَال الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: أَرَادَ خِلاَفَ
أَبِي حَنِيفَةَ (1) .
الْخُرُوجُ مِنَ الْخِلاَفِ بِإِتْيَانِ مَا لاَ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهُ
4 - إِذَا وَقَعَ الْخِلاَفُ فِي وُجُوبِ شَيْءٍ، فَأَتَى بِهِ مَنْ لاَ
يَعْتَقِدُ وُجُوبَهُ احْتِيَاطًا، كَالْحَنَفِيِّ يَنْوِي فِي الْوُضُوءِ
وَيُبَسْمِل فِي الصَّلاَةِ، فَهَل يَخْرُجُ مِنَ الْخِلاَفِ وَتَصِيرُ
الْعِبَادَةُ مِنْهُ صَحِيحَةً بِالإِْجْمَاعِ؟ .
قَال الزَّرْكَشِيُّ نَقْلاً عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الإِْسْفَرَايِينِيِّ:
لاَ يَخْرُجُ بِهِ مِنَ الْخِلاَفِ لأَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ عَلَى
اعْتِقَادِ وُجُوبِهِ، وَمَنِ اقْتَدَى بِهِ مِمَّنْ يُخَالِفُهُ لاَ
تَكُونُ صَلاَتُهُ صَحِيحَةً بِالإِْجْمَاعِ.
وَقَال الْجُمْهُورُ: بَل يَخْرُجُ لأَِجْل وُجُودِ الْفِعْل، وَعَلَى
هَذَا فَلَوْ كَانَ هُنَاكَ حَنَفِيٌّ هَذَا حَالُهُ وَآخَرُ يَعْتَقِدُ
وُجُوبَهُ، فَالصَّلاَةُ خَلْفَ الثَّانِي أَفْضَل، لأَِنَّهُ لاَ يَخْرُجُ
بِالأَْوَّل عَنِ الْخِلاَفِ بِالإِْجْمَاعِ، فَلَوْ قَلَّدَ فِيهِ
فَكَذَلِكَ
__________
(1) المنثور في القواعد للزركشي 2 / 131 - 133.
(36/335)
لِلْخِلاَفِ فِي امْتِنَاعِ التَّقْلِيدِ
(1) .
مُرَاعَاةُ الْخِلاَفِ فِيمَا بَعْدَ وُقُوعِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ
5 - قَال الشَّاطِبِيُّ عِنْدَ الْكَلاَمِ عَنِ النَّظَرِ فِي مَآلاَتِ
الأَْفْعَال مُعْتَبَرٌ مَقْصُودٌ شَرْعًا: هَذَا الأَْصْل يَنْبَنِي
عَلَيْهِ قَوَاعِدُ مِنْهَا: قَاعِدَةُ مُرَاعَاةِ الْخِلاَفِ، وَذَلِكَ
أَنَّ الْمَمْنُوعَاتِ فِي الشَّرْعِ إِذَا وَقَعَتْ فَلاَ يَكُونُ
إِيقَاعُهَا عَنِ الْمُكَلَّفِ سَبَبًا فِي الْحَيْفِ عَلَيْهِ بِزَائِدٍ
عَمَّا شُرِعَ لَهُ مِنَ الزَّوَاجِرِ أَوْ غَيْرِهَا كَالزَّانِي إِذَا
حُدَّ لاَ يُزَادُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ جِنَايَتِهِ لأَِنَّهُ ظُلْمٌ لَهُ،
وَكَوْنُهُ جَانِيًا لاَ يُجْنَى عَلَيْهِ زَائِدًا عَلَى الْحَدِّ
الْمُوَازِي لِجِنَايَتِهِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأَْمْثِلَةِ
الدَّالَّةِ عَلَى مَنْعِ التَّعَدِّي أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:
{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْل مَا اعْتَدَى
عَلَيْكُمْ} وَقَوْلِهِ: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِذَا
ثَبَتَ هَذَا فَمَنْ وَاقَعَ مَنْهِيًّا عَنْهُ فَقَدْ يَكُونُ فِيمَا
يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الأَْحْكَامِ زَائِدٌ عَلَى مَا يَنْبَغِي
بِحُكْمِ التَّبَعِيَّةِ لاَ بِحُكْمِ الأَْصَالَةِ، أَوْ مُؤَدٍّ إِلَى
أَمْرٍ أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ مُقْتَضَى النَّهْيِ فَيُتْرَكُ وَمَا فَعَل
مِنْ ذَلِكَ، أَوْ نُجِيزُ مَا وَقَعَ مِنَ الْفَسَادِ عَلَى وَجْهٍ
يَلِيقُ بِالْعَدْل، نَظَرًا إِلَى أَنَّ ذَلِكَ الْوَاقِعَ
__________
(1) المنثور في القواعد للزركشي 2 / 137 - 138.
(36/335)
وَاقِعُ الْمُكَلَّفِ فِيهِ دَلِيلاً عَلَى
الْجُمْلَةِ، وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا فَهُوَ رَاجِحٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى
إِبْقَاءِ الْحَالَةِ عَلَى مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ، لأَِنَّ ذَلِكَ أَوْلَى
مِنْ إِزَالَتِهَا مَعَ دُخُول ضَرَرٍ عَلَى الْفَاعِل أَشَدَّ مِنْ
مُقْتَضَى النَّهْيِ، فَيَرْجِعُ الأَْمْرُ إِلَى أَنَّ النَّهْيَ كَانَ
دَلِيلُهُ أَقْوَى قَبْل الْوُقُوعِ، وَدَلِيل الْجَوَازِ أَقْوَى بَعْدَ
الْوُقُوعِ لِمَا اقْتَرَنَ بِهِ مِنَ الْقَرَائِنِ الْمُرَجِّحَةِ كَمَا
وَقَعَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي حَدِيثِ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ
بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ،
فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ دَخَل بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا
اسْتَحَل مِنْ فَرْجِهَا فَإِنِ اشْتَجَرُوا، فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ
لاَ وَلِيَّ لَهُ (1) وَهَذَا تَصْحِيحٌ لِلْمَنْهِيِّ عَنْهُ مِنْ وَجْهٍ،
وَلِذَلِكَ يَقَعُ فِيهِ الْمِيرَاثُ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ لِلْوَلَدِ،
وَإِجْرَاؤُهُمُ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ مَجْرَى الصَّحِيحِ فِي هَذِهِ
الأَْحْكَامِ، وَفِي حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ دَلِيلٌ
عَلَى الْحُكْمِ بِصِحَّتِهِ عَلَى الْجُمْلَةِ وَإِلاَّ كَانَ فِي حُكْمِ
الزِّنَا وَلَيْسَ فِي حُكْمِهِ بِاتِّفَاقٍ، فَالنِّكَاحُ الْمُخْتَلَفُ
فِيهِ قَدْ يُرَاعَى فِيهِ الْخِلاَفُ فَلاَ تَقَعُ فِيهِ الْفُرْقَةُ
إِذَا عُثِرَ عَلَيْهِ بَعْدَ الدُّخُول مُرَاعَاةً لِمَا يَقْتَرِنُ
بِالدُّخُول مِنَ الأُْمُورِ الَّتِي تُرَجِّحُ جَانِبَ التَّصْحِيحِ.
__________
(1) حديث: " أيما امرأة نكحت. . . ". أخرجه الترمذي (3 / 407، 408) من حديث
عائشة رضي الله عنها، قال الترمذي: هذا حديث حسن.
(36/336)
هَذَا كُلُّهُ نَظَرٌ إِلَى مَا يَئُول
إِلَيْهِ تَرَتُّبُ الْحُكْمِ بِالنَّقْضِ وَالإِْبْطَال مِنْ إِفْضَائِهِ
إِلَى مَفْسَدَةٍ تُوَازِي مَفْسَدَةَ النَّهْيِ أَوْ تَزِيدُ (1) .
مَرَافِقُ
انْظُرْ: ارْتِفَاقٌ
مُرَافَقَةٌ
انْظُرْ: رُفْقَةٌ
__________
(1) الموافقات في أصول الشريعة 4 / 202 - 205.
(36/336)
مُرَاقَبَةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمُرَاقَبَةُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ رَاقَبَ، وَيُقَال: رَاقَبَهُ
مُرَاقَبَةً وَرِقَابًا: رَقَبَهُ: أَيْ حَرَسَهُ وَلاَحَظَهُ، وَيُقَال:
رَاقَبَ اللَّهَ أَوْ ضَمِيرَهُ فِي عَمَلِهِ أَوْ أَمْرَهُ: خَافَهُ
وَخَشِيَهُ، وَفُلاَنٌ لاَ يُرَاقِبُ اللَّهَ فِي أَمْرِهِ: لاَ يَنْظُرُ
إِلَى عِقَابِهِ فَيَرْكَبُ رَأْسَهُ فِي الْمَعْصِيَةِ.
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ
(1) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
تَتَعَلَّقُ بِالْمُرَاقَبَةِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:
مُرَاقَبَةُ اللَّهِ تَعَالَى
2 - يَجِبُ عَلَى كُل مُكَلَّفٍ مُرَاقَبَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي كُل مَا
يَأْتِي وَمَا يَدَعُ مِنَ الأُْمُورِ، لأَِنَّهُ مَسْئُولٌ عَنْ ذَلِكَ
وَمُحَاسَبٌ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلأَِنَّ مَا يَصْدُرُ عَنْهُ
مُسَجَّلٌ عَلَيْهِ، قَال اللَّهُ تَعَالَى: {
__________
(1) المعجم الوسيط، والتعريفات للجرجاني، وشرح المحلي مع حاشية القليوبي 4
/ 191.
(36/337)
مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ
رَقِيبٌ عَتِيدٌ} وَقَال: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} .
وَمُرَاقَبَةُ اللَّهِ تَعَالَى أَفْضَل الطَّاعَاتِ، قَال ابْنُ عَطَاءٍ:
أَفْضَل الطَّاعَاتِ مُرَاقَبَةُ الْحَقِّ عَلَى دَوَامِ الأَْوْقَاتِ،
وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ جِبْرِيل عَلَيْهِ
السَّلَامُ سَأَل النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ
الإِْحْسَانِ فَقَال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْ تَعْبُدَ
اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ
(1) قَال الزُّبَيْدِيُّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ إِشَارَةٌ إِلَى حَال
الْمُرَاقَبَةِ، لأَِنَّ الْمُرَاقَبَةَ عِلْمُ الْعَبْدِ بِاطِّلاَعِ
الرَّبِّ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِ، وَاسْتِدَامَتُهُ لِهَذَا الْعِلْمِ
مُرَاقَبَةٌ لِرَبِّهِ، وَهَذَا أَصْل كُل خَيْرٍ (2) .
دَوَامُ الْمُرَاقَبَةِ لِتَحَقُّقِ الْحِرْزِ
3 - قَال الشَّافِعِيَّةُ: يُشْتَرَطُ فِي الْمَسْرُوقِ لِوُجُوبِ
الْقَطْعِ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ أُمُورٌ مِنْهَا:
أَنْ يَكُونَ مُحْرَزًا بِمُلاَحَظَةِ أَوْ حَصَانَةِ مَوْضِعِهِ، وَشَرْطُ
الْمُلاَحِظِ قُدْرَتُهُ عَلَى مَنْعِ سَارِقٍ بِقُوَّةٍ أَوِ
اسْتِغَاثَةٍ، وَالدَّارُ الْمُنْفَصِلَةُ عَنِ الْعِمَارَةِ إِنْ كَانَ
بِهَا قَوِيٌّ يَقْظَانُ حِرْزٌ مَعَ فَتْحِ الْبَابِ وَإِغْلاَقِهِ،
__________
(1) حديث: " أن تعبد الله كأنك تراه. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 /
114) ، ومسلم (1 / 37) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(2) إتحاف السادة المتقين 10 / 94، 96.
(36/337)
وَإِلاَّ فَلاَ، وَالدَّارُ الْمُتَّصِلَةُ
بِالْعُمْرَانِ حِرْزٌ مَعَ إِغْلاَقِهِ وَمَعَ حَافِظٍ وَلَوْ نَائِمٍ،
وَمَعَ فَتْحِهِ وَنَوْمِهِ غَيْرُ حِرْزٍ لَيْلاً وَكَذَا نَهَارًا فِي
الأَْصَحِّ، وَكَذَا يَقْظَانُ فِي دَارٍ تَغَفَّلَهُ سَارِقٌ وَسَرَقَ
فَلَيْسَ بِحِرْزٍ فِي الأَْصَحِّ، لِتَقْصِيرِهِ بِإِهْمَال
الْمُرَاقَبَةِ مَعَ فَتْحِ الْبَابِ، وَالثَّانِي مُقَابِل الأَْصَحِّ:
أَنَّهَا حِرْزٌ لِعُسْرِ الْمُرَاقَبَةِ دَائِمًا (1) .
وَأَوْرَدَ الْفُقَهَاءُ الآْخَرُونَ الْحُكْمَ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ
يَسْتَعْمِلُوا لَفْظَ الْمُرَاقَبَةِ (2) .
وَالتَّفْصِيل فِي (سَرِقَةٌ ف 37 - 41) .
__________
(1) مغني المحتاج 4 / 166، 167.
(2) بدائع الصنائع 7 / 73، والفتاوى الهندية 2 / 179، والشرح الصغير 4 /
483، والمغني مع الشرح الكبير 10 / 250.
(36/338)
مُرَاهَقَةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمُرَاهَقَةُ لُغَةً مَصْدَرٌ يُقَال: رَاهَقَ الْغُلاَمُ
مُرَاهَقَةً: قَارَبَ الاِحْتِلاَمَ وَلَمْ يَحْتَلِمْ بَعْدُ (1) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ لِلْمُرَاهَقَةِ عَنِ
الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْبُلُوغُ:
2 - مِنْ مَعَانِي الْبُلُوغِ لُغَةً: الْوُصُول، وَمِنْ مَعَانِيهِ
إِدْرَاكُ سِنِّ التَّكْلِيفِ الشَّرْعِيِّ، يُقَال: بَلَغَ الصَّبِيُّ:
احْتَلَمَ وَأَدْرَكَ وَقْتَ التَّكْلِيفِ، وَكَذَلِكَ بَلَغَتِ الْفَتَاةُ
(3) .
وَاصْطِلاَحًا عَرَّفَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ انْتِهَاءُ حَدِّ
الصِّغَرِ (4) .
__________
(1) لسان العرب، والمصباح المنير، والقاموس المحيط، والصحاح والمعجم
الوسيط.
(2) تكملة فتح القدير 7 / 323 - ط الأميرية، وجواهر الإكليل 1 / 22،
والقليوبي وعميرة 3 / 300، ومطالب أولي النهى 4 / 474.
(3) لسان العرب، والمصباح المنير.
(4) حاشية ابن عابدين 5 / 97، وتكملة فتح القدير 7 / 323 - ط. الأميرية.
(36/338)
وَعَرَّفَهُ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ
قُوَّةٌ تَحْدُثُ لِلشَّخْصِ تَنْقُلُهُ مِنْ حَالَةِ الطُّفُولِيَّةِ
إِلَى حَال الرُّجُولِيَّةِ (1) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمُرَاهَقَةِ وَالْبُلُوغِ أَنَّ الْمُرَاهَقَةَ
تَسْبِقُ الْبُلُوغَ.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمُرَاهِقِ
عَوْرَةُ الْمُرَاهِقِ
3 - ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ عَوْرَةَ الْمُرَاهِقِ فِي
أَحْكَامِ الْعَوْرَةِ مُطْلَقًا وَلَمْ يَخُصُّوهُ بِحُكْمٍ فِيهَا،
لَكِنَّ بَعْضَهُمْ خَصَّهُ بِحُكْمٍ فِي بَعْضِ مَسَائِل الْعَوْرَةِ.
فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: مُرَاهِقَةٌ صَلَّتْ عُرْيَانَةً أَوْ بِغَيْرِ
وُضُوءٍ تُؤْمَرُ بِالإِْعَادَةِ، وَإِنْ صَلَّتْ بِغَيْرِ قِنَاعٍ
فَصَلاَتُهَا تَامَّةٌ اسْتِحْسَانًا (2) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: نُدِبَ لِحُرَّةٍ صَغِيرَةٍ سَتْرُ عَوْرَةٍ فِي
الصَّلاَةِ كَالْوَاجِبِ عَلَى الْحُرَّةِ الْبَالِغَةِ فَإِنْ كَانَتْ
مُرَاهِقَةً وَصَلَّتْ بِغَيْرِ قِنَاعٍ أَعَادَتِ الصَّلاَةَ فِي
الظُّهْرَيْنِ لِلاِصْفِرَارِ، وَفِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ
لِلطُّلُوعِ، وَقَال سَحْنُونٌ: لاَ إِعَادَةَ عَلَيْهَا، وَأَمَّا غَيْرُ
الْمُرَاهِقَةِ كَبِنْتِ ثَمَانِي سِنِينَ فَلاَ خِلاَفَ فِي الْمَذْهَبِ
أَنَّهَا تُؤْمَرُ بِأَنْ تَسْتُرَ مِنْ نَفْسِهَا مَا تَسْتُرُهُ
الْحُرَّةُ الْبَالِغَةُ وَلاَ إِعَادَةَ عَلَيْهَا
__________
(1) شرح الزرقاني 5 / 290، والشرح الصغير 1 / 133 - ط. دار المعارف بمصر.
(2) الفتاوى الهندية 1 / 58.
(36/339)
إِنْ صَلَّتْ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ أَوْ
بَادِيَةَ الصَّدْرِ (1) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: عَوْرَةُ حُرَّةٍ مُرَاهِقَةٍ وَمُمَيِّزَةٍ مَا
بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَيُسْتَحَبُّ اسْتِتَارُهُمَا
كَالْحُرَّةِ الْبَالِغَةِ احْتِيَاطًا (2) .
نَظَرُ الْمُرَاهِقِ إِلَى الأَْجْنَبِيَّةِ
4 - نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْمُرَاهِقَ فِي نَظَرِهِ
لِلأَْجْنَبِيَّةِ كَالْبَالِغِ فَيَلْزَمُ الْوَلِيَّ مَنْعُهُ مِنْهُ
وَيَلْزَمُهَا الاِحْتِجَابُ مِنْهُ لِظُهُورِهِ عَلَى الْعَوْرَاتِ،
وَقَدْ قَال اللَّهُ تَعَالَى: {أَوِ الطِّفْل الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا
عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} .
وَالثَّانِي: وَهُوَ مُقَابِل الأَْصَحِّ: لَهُ النَّظَرُ كَالْمَحْرَمِ
(3) .
تَزْوِيجُ الْمَجْنُونِ الْمُرَاهِقِ
5 - نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُزَوَّجُ مَجْنُونٌ ذَكَرٌ
صَغِيرٌ - أَيْ لاَ يَجُوزُ وَلاَ يَصِحُّ - وَلَوْ مُرَاهِقًا وَاحْتَاجَ
إِلَى الْخِدْمَةِ وَظَهَرَ عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ لأَِنَّهُ لاَ
يَحْتَاجُ إِلَى الزَّوَاجِ فِي الْحَال، وَبَعْدَ الْبُلُوغِ لاَ يُدْرَى
كَيْفَ يَكُونُ الأَْمْرُ (4) .
قَسْمُ الْمُرَاهِقِ بَيْنَ زَوْجَاتِهِ
6 - قَال الْفُقَهَاءُ: إِنَّ الْقَسْمَ لِلزَّوْجَاتِ
__________
(1) حاشية الدسوقي 1 / 216.
(2) كشاف القناع 1 / 266.
(3) مغني المحتاج 3 / 130.
(4) شرح المنهاج، وحاشية القليوبي 3 / 237.
(36/339)
مُسْتَحَقٌّ عَلَى كُل زَوْجٍ وَإِنْ كَانَ
مُرَاهِقًا، وَاشْتَرَطُوا: لاِسْتِحْقَاقِ الْقَسْمِ عَلَيْهِ أَنْ
يَكُونَ مِمَّنْ يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ.
وَلِلتَّفْصِيل (ر: قَسْمُ الزَّوْجَاتِ ف 8 - 9)
طَلاَقُ الْمُرَاهِقِ
7 - قَال النَّوَوِيُّ: لاَ يَقَعُ طَلاَقُ صَبِيٍّ وَلاَ مَجْنُونٍ لاَ
تَنْجِيزًا وَلاَ تَعْلِيقًا لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ، فَلَوْ قَال
مُرَاهِقٌ: إِذَا بَلَغْتُ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَبَلَغَ، أَوْ قَال أَنْتِ
طَالِقٌ غَدًا فَبَلَغَ قَبْل الْغَدِ فَلاَ طَلاَقَ (1) .
تَحْلِيل الْمُرَاهِقِ الْمُطَلَّقَةَ ثَلاَثًا
8 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ قَوْل بَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ عَلَى
أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلاَثًا يُحِلُّهَا وَطْءُ مَنْ تَزَوَّجَهَا
بِعَقْدٍ صَحِيحٍ وَلَوْ مُرَاهِقًا يُجَامِعُ مِثْلُهُ.
وَنَقَل ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّ الْمُرَاهِقَ هُوَ الدَّانِي مِنَ
الْبُلُوغِ، وَلاَ بُدَّ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ لأَِنَّ
طَلاَقَهُ - أَيْ قَبْل الْبُلُوغِ - غَيْرُ وَاقِعٍ، وَقَيَّدَ
الْمُرَاهِقَ بِأَنَّهُ الَّذِي يُجَامِعُ مِثْلُهُ وَقِيل: هُوَ الَّذِي
تَتَحَرَّكُ آلَتُهُ وَيَشْتَهِي النِّسَاءَ (2) .
وَلَمْ يُعَبِّرِ الشَّافِعِيَّةُ بِلَفْظِ الْمُرَاهِقِ وَلَكِنْ
عَبَّرُوا بِكَوْنِهِ مِمَّنْ يُمْكِنُ جِمَاعُهُ لاَ طِفْلاً لاَ
يَتَأَتَّى مِنْهُ ذَلِكَ (3) .
__________
(1) روضة الطالبين 6 / 22 - ط. دار الكتب العلمية.
(2) الدر المختار مع حاشية رد المحتار 2 / 537 - 538، وتفسير القرطبي 3 /
150.
(3) مغني المحتاج 3 / 182.
(36/340)
اعْتِبَارُ الْمُرَاهِقِ مَحْرَمًا
9 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ
مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى اعْتِبَارِ الْمُرَاهِقِ كَالْبَالِغِ
الَّذِي لاَ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ السَّفَرُ إِلاَّ بِرُفْقَتِهِ إِنْ
كَانَ مِنْ مَحَارِمِهَا (1) .
وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْحَنَابِلَةُ فَاشْتَرَطُوا أَنْ يَكُونَ
الْمَحْرَمُ بَالِغًا عَاقِلاً، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: قِيل لأَِحْمَدَ
فَيَكُونُ الصَّبِيُّ مَحْرَمًا؟ قَال: لاَ حَتَّى يَحْتَلِمَ، لأَِنَّهُ
لاَ يَقُومُ بِنَفْسِهِ فَكَيْفَ يَخْرُجُ مَعَ امْرَأَةٍ وَذَلِكَ لأَِنَّ
الْمَقْصُودَ بِالْمَحْرَمِ حِفْظُ الْمَرْأَةِ وَلاَ يَحْصُل إِلاَّ مِنَ
الْبَالِغِ الْعَاقِل (2) .
شَهَادَةُ الْمُرَاهِقِ
- قَال ابْنُ قُدَامَةَ: لاَ يَنْعَقِدُ - أَيِ النِّكَاحُ - بِشَهَادَةِ
صَبِيَّيْنِ لأَِنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْل الشَّهَادَةِ وَيُحْتَمَل
أَنْ يَنْعَقِدَ بِشَهَادَةِ مُرَاهِقَيْنِ عَاقِلَيْنِ (3) .
__________
(1) ابن عابدين 2 / 145، ومراقي الفلاح ص397، وحاشية الجمل 2 / 385، ومواهب
الجليل للحطاب 2 / 524.
(2) المغني 3 / 99 - ط. دار الفكر.
(3) المغني 6 / 453.
(36/340)
مُرْتَابَةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمُرْتَابَةُ فِي اللُّغَةِ: اسْمُ فَاعِلٍ فِعْلُهُ ارْتَابَ،
يُقَال ارْتَابَ: شَكَّ، وَارْتَابَ بِهِ: اتَّهَمَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ
تَعَالَى: {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ
يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ} وَحَدِيثُ: دَعْ مَا يَرِيبُكَ
إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ (1) وَأَرَابَنِي الشَّيْءُ: إِذَا رَأَيْتُ
مِنْهُ رِيبَةً وَهِيَ التُّهْمَةُ.
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ
(2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الاِسْتِبْرَاءُ:
2 - الاِسْتِبْرَاءُ فِي اللُّغَةِ: طَلَبُ الْبَرَاءَةِ، وَمِنْ
مَعَانِيهِ طَلَبُ بَرَاءَةِ رَحِمِ الْمَرْأَةِ مِنَ الْحَمْل بِأَخْذِ
__________
(1) حديث: " دع ما يريبك. . . ". أخرجه الترمذي (4 / 668) ، والنسائي (8 /
328) من حديث الحسن بن علي، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(2) لسان العرب، والمصباح المنير، والمفردات للأصفهاني والمطلع على أبواب
المقنع ص348، وتفسير القرطبي 18 / 163.
(36/341)
مَا يُسْتَبْرَأُ بِهِ، وَهُوَ
الاِسْتِقْصَاءُ وَالْبَحْثُ عَنْ كُل أَمْرٍ غَامِضٍ.
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ
(1) .
وَالاِسْتِبْرَاءُ يَكُونُ سَبَبًا لِزَوَال الاِرْتِيَابِ.
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
يَتَعَلَّقُ بِالْمُرْتَابَةِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:
أ - ارْتِيَابُ الْمُعْتَدَّةِ بِوُجُودِ حَمْلٍ:
3 - مَعْنَى ارْتِيَابِ الْمُعْتَدَّةِ بِوُجُودِ حَمْلٍ:
أَنْ تَرَى أَمَارَاتِ الْحَمْل وَهِيَ فِي عِدَّةِ الأَْقْرَاءِ أَوِ
الأَْشْهُرِ مِنْ حَرَكَةٍ أَوْ نَفْخَةٍ وَنَحْوِهِمَا، وَشَكَّتْ هَل
هُوَ حَمْلٌ أَمْ لاَ؟
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى ثَلاَثَةِ
أَقْوَالٍ تَفْصِيلُهَا فِي مُصْطَلَحِ (عِدَّةٌ ف27) .
ب - عِدَّةُ الْمُرْتَابَةِ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ
4 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْمُرْتَابَةَ الَّتِي كَانَتْ
تَحِيضُ ثُمَّ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا دُونَ حَمْلٍ وَلاَ يَأْسٍ إِذَا
فَارَقَهَا زَوْجُهَا وَانْقَطَعَ دَمُ حَيْضِهَا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ
لِعِلَّةٍ تُعْرَفُ أَوْ لِعِلَّةٍ لاَ تُعْرَفُ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (عِدَّةٌ ف37) .
__________
(1) لسان العرب، والمفردات للأصفهاني، والمصباح المنير، ومغني المحتاج 3 /
408، والمطلع على أبواب المقنع ص349.
(36/341)
ج - حُكْمُ مُرَاجَعَةِ الْمُرْتَابَةِ:
5 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُرَاجِعَ
زَوْجَتَهُ الْمُطَلَّقَةَ طَلاَقًا رَجْعِيًّا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ
(1) ، إِلاَّ أَنَّ الْحُكْمَ يَخْتَلِفُ فِيمَا إِذَا انْقَضَتْ
عِدَّتُهَا ثُمَّ ارْتَابَتْ بِمَا رَأَتْهُ مِنْ أَمَارَاتِ الْحَمْل مِنْ
حَرَكَةٍ فِي الْبَطْنِ أَوْ نَفْخَةٍ فِيهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.
فَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ رَاجَعَهَا الزَّوْجُ قَبْل
زَوَال الرِّيبَةِ وَقَفَتِ الرَّجْعَةُ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ
قُرْبَانُهَا، فَإِنْ بَانَ حَمْلٌ صَحَّتِ الرَّجْعَةُ وَبَقِيَتِ
الزَّوْجِيَّةُ وَإِلاَّ فَلاَ، وَإِنْ بَانَ أَنْ لاَ حَمْل بِهَا
فَالرَّجْعَةُ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ عَجِل فَأَصَابَهَا فَلَهَا الْمَهْرُ
بِمَا أَصَابَ مِنْهَا، وَتَسْتَقْبِل عِدَّةً أُخْرَى، وَيُفَرَّقُ
بَيْنَهُمَا وَهُوَ خَاطِبٌ (2) .
__________
(1) حاشية ابن عابدين 2 / 529، والقوانين الفقهية ص234، ومغني المحتاج 3 /
335، والمغني لابن قدامة 7 / 273.
(2) مغني المحتاج 3 / 390، والأم 5 / 220، وتحفة المحتاج 8 / 243.
(36/342)
مَرْتَبَةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - مِنْ مَعَانِي الْمَرْتَبَةِ فِي اللُّغَةِ: الْمَنْزِلَةُ
وَالْمَكَانَةُ أَوِ الْمَنْزِلَةُ الرَّفِيعَةُ أَوْ كُل مَقَامٍ شَدِيدٍ
وَهِيَ مَفْعَلَةٌ مِنْ رَتَبَ إِذَا انْتَصَبَ قَائِمًا، وَجَمْعُ
الْمَرْتَبَةِ: مَرَاتِبُ (1) .
وَفِي الْحَدِيثِ: مَنْ مَاتَ عَلَى مَرْتَبَةٍ مِنْ هَذِهِ الْمَرَاتِبِ
بُعِثَ عَلَيْهَا (2) وَالْمَرْتَبَةُ هُنَا: الْمَنْزِلَةُ الرَّفِيعَةُ،
وَأَرَادَ بِهَا عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: الْغَزْوَ، وَالْحَجَّ
وَنَحْوَهُمَا مِنَ الْعِبَادَاتِ الشَّاقَّةِ وَاسْتَعْمَل الْفُقَهَاءُ
الْمَرْتَبَةَ بِمَعْنَى الدَّرَجَةِ (3) .
مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَرْتَبَةِ مِنْ أَحْكَامٍ:
أ - مَرَاتِبُ الشَّهَادَةِ
2 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ لِلشَّهَادَاتِ ثَلاَثَ
__________
(1) النهاية لابن الأثير، ولسان العرب، والمصباح المنير، والمعجم الوسيط
مادة: رتب.
(2) حديث: " من مات على مرتبة. . . ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (18 / 305) من حديث فضالة بن عبيد،
قال الهيثمي في (مجمع الزوائد 1 / 113) : " ورجاله ثقات في أحد السندين ".
(3) الوجيز للغزالي 2 / 252، والقليوبي 3 / 140.
(36/342)
مَرَاتِبَ وَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ عَدَدِ
الشُّهُودِ (1) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (شَهَادَةٌ ف29 وَمَا بَعْدَهَا) .
ب - مَرَاتِبُ تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ
3 - لِتَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ مَرَاتِبُ: لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ
بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ
فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِْيمَانِ (2) .
وَلِلتَّفْصِيل رَاجِعْ مُصْطَلَحَ (حِسْبَةٌ ف42) .
ج - مَرَاتِبُ اخْتِبَارِ رُشْدِ الصَّغِيرِ.
4 - يَخْتَلِفُ اخْتِبَارُ رُشْدِ الصَّغِيرِ بِاخْتِلاَفِ الْمَرَاتِبِ.
وَيُخْتَبَرُ وَلَدُ التَّاجِرِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْمُمَاكَسَةِ
فِيهِمَا.
وَيُخْتَبَرُ وَلَدُ الزَّارِعِ: بِالزِّرَاعَةِ، وَالنَّفَقَةِ عَلَى
الْقُوَّامِ فِيهَا: أَيْ إِعْطَائِهِمُ الأُْجْرَةَ وَهُمُ الَّذِينَ
اسْتُؤْجِرُوا عَلَى الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ الزَّرْعِ.
وَيُخْتَبَرُ وَلَدُ الْمُحْتَرِفِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِحِرْفَةِ أَبِيهِ
وَأَقَارِبِهِ.
وَتُخْتَبَرُ الْمَرْأَةُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْغَزْل وَالْقُطْنِ مِنْ
__________
(1) الوجيز 2 / 252.
(2) حديث: " من رأى منكم منكرًا. . . ". أخرجه مسلم (1 / 69) من حديث أبي
سعيد الخدري رضي الله عنه
(36/343)
حِفْظٍ وَغَيْرِهِ، وَصَوْنِ الأَْطْعِمَةِ
وَنَحْوِهَا (1) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (صِغَرٌ ف39 وَمَا بَعْدَهَا) .
د - مَرَاتِبُ خِصَال الْكَفَّارَةِ فِي الظِّهَارِ وَالْفِطْرِ فِي
رَمَضَانَ
5 - تَخْتَلِفُ مَرَاتِبُ خِصَال الْكَفَّارَةِ بِاخْتِلاَفِ مُوجِبِ
الْكَفَّارَةِ.
لِكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ - بِجِمَاعٍ أَثِمَ
بِهِ بِسَبَبِ الصَّوْمِ أَوْ بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ عَلَى اخْتِلاَفٍ
بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِيمَا عَدَا الْجِمَاعِ - ثَلاَثُ مَرَاتِبَ: عِتْقُ
رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ سَلِيمَةٍ مِنَ الْعُيُوبِ الْمُخِلَّةِ بِالْعَمَل.
فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الْعِتْقِ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ.
فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الصَّوْمِ لِمَرَضٍ أَوْ لِغَيْرِهِ: أَطْعَمَ سِتِّينَ
مِسْكِينًا، أَوْ فَقِيرًا: سِتِّينَ مُدًّا لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُدٌّ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (ظِهَارٌ ف 28 وَصَوْمٌ ف 89) .
هـ - مَرَاتِبُ خِصَال كَفَّارَةِ الْقَتْل
6 - خِصَال كَفَّارَةِ الْقَتْل مُرَتَّبَةٌ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ،
وَلَكِنْ لاَ إِطْعَامَ فِيهَا، اقْتِصَارًا عَلَى الْوَارِدِ فِي
__________
(1) مغني المحتاج 2 / 169، والمحلي شرح المنهاج 2 / 301.
(36/343)
إِعْتَاقِ رَقَبَةٍ.
فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ.
فَإِنْ عَجَزَ فَلاَ إِطْعَامَ. إِذِ الْمُتَّبَعُ فِي الْكَفَّارَاتِ
النَّصُّ لاَ الْقِيَاسُ، وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ تَعَالَى فِي كَفَّارَةِ
الْقَتْل غَيْرَ الْعِتْقِ وَالصِّيَامِ.
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا أَوْ
فَقِيرًا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنِ الصَّوْمِ كَالظِّهَارِ (1) . .
و مَرَاتِبُ الْفُقَهَاءِ
7 - قَال ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنِ ابْنِ كَمَالٍ بَاشَا:
الْفُقَهَاءُ عَلَى سَبْعِ مَرَاتِبَ:
الأُْولَى: طَبَقَةُ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الشَّرْعِ كَالأَْئِمَّةِ
الأَْرْبَعَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَمَنْ سَلَكَ مَسْلَكَهُمْ فِي
تَأْسِيسِ قَوَاعِدِ الأُْصُول وَبِهِ يَمْتَازُونَ عَنْ غَيْرِهِمْ.
الثَّانِيَةُ: طَبَقَةُ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْمَذْهَبِ كَأَبِي يُوسُفَ
وَمُحَمَّدٍ وَسَائِرِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَادِرِينَ عَلَى
اسْتِخْرَاجِ الأَْحْكَامِ مِنَ الأَْدِلَّةِ عَلَى مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ
الَّتِي قَرَّرَهَا أُسْتَاذُهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الأَْحْكَامِ،
وَإِنْ خَالَفُوهُ فِي بَعْضِ أَحْكَامِ الْفُرُوعِ لَكِنْ يُقَلِّدُونَهُ
فِي قَوَاعِدِ الأُْصُول.
الثَّالِثَةُ: طَبَقَةُ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْمَسَائِل الَّتِي لاَ
نَصَّ فِيهَا عَنْ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ كَالْخَصَّافِ وَأَبِي جَعْفَرٍ
الطَّحَاوِيِّ وَأَبِي الْحَسَنِ
__________
(1) رد المحتار 5 / 368، والمحلي شرح المنهاج 4 / 162 - 163، ومغني المحتاج
4 / 108، وجواهر الإكليل 2 / 272.
(36/344)
الْكَرْخِيِّ. وَأَمْثَالِهِمْ،
فَإِنَّهُمْ لاَ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْمُخَالَفَةِ لاَ فِي
الأُْصُول وَلاَ فِي الْفُرُوعِ، لَكِنَّهُمْ يَسْتَنْبِطُونَ الأَْحْكَامَ
فِي الْمَسَائِل الَّتِي لاَ نَصَّ فِيهَا عَلَى حَسْبِ الأُْصُول
وَالْقَوَاعِدِ.
الرَّابِعَةُ: طَبَقَةُ أَصْحَابِ التَّخْرِيجِ مِنَ الْمُقَلِّدِينَ
كَالرَّازِيِّ وَأَضْرَابِهِ: فَإِنَّهُمْ لاَ يَقْدِرُونَ عَلَى
الاِجْتِهَادِ أَصْلاً، لَكِنَّهُمْ لإِِحَاطَتِهِمْ بِالأُْصُول
وَضَبْطِهِمْ لِلْمَآخِذِ يَقْدِرُونَ عَلَى تَفْصِيل قَوْلٍ مُجْمَلٍ ذِي
وَجْهَيْنِ وَحُكْمٍ مُبْهَمٍ مُحْتَمِلٍ لأَِمْرَيْنِ، فَيَقُول عَنْ
صَاحِبِ الْمَذْهَبِ أَوْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ بِرَأْيِهِمْ
وَنَظَرِهِمْ فِي الأُْصُول وَالْمُقَايَسَةِ عَلَى أَمْثَالِهِ
وَنَظَائِرِهِ مِنَ الْفُرُوعِ.
الْخَامِسَةُ: طَبَقَةُ أَصْحَابِ التَّرْجِيحِ مِنَ الْمُقَلِّدِينَ
كَأَبِي الْحَسَنِ الْقُدُورِيِّ وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَأَمْثَالِهِمَا،
وَشَأْنُهُمْ تَفْضِيل بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَلَى بَعْضٍ، كَقَوْلِهِمْ:
هَذَا أَوْلَى وَهَذَا أَصَحُّ رِوَايَةً، وَهَذَا أَرْفَقُ لِلنَّاسِ.
السَّادِسَةُ: طَبَقَةُ الْمُقَلِّدِينَ الْقَادِرِينَ عَلَى التَّمْيِيزِ
بَيْنَ الأَْقْوَى وَالْقَوِيِّ وَالضَّعِيفِ وَظَاهِرِ الْمَذْهَبِ.
وَالرَّاوِيَةِ النَّادِرَةِ، كَأَصْحَابِ الْمُتُونِ الْمُعْتَبَرَةِ مِنَ
الْمُتَأَخِّرِينَ، مِثْل صَاحِبِ الْكَنْزِ، صَاحِبِ الْمُخْتَارِ،
وَشَأْنُهُمْ أَنْ لاَ يَنْقُلُوا الأَْقْوَال الْمَرْدُودَةَ
وَالرِّوَايَاتِ الضَّعِيفَةَ.
(36/344)
السَّابِعَةُ: طَبَقَةُ الْمُقَلِّدِينَ
الَّذِينَ لاَ يَقْدِرُونَ عَلَى مَا ذُكِرَ وَلاَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ
الْغَثِّ وَالسَّمِينِ (1) .
مُرَتَّبٌ
انْظُرْ: رَاتِبٌ
مُرْتَدٌّ
انْظُرْ: رِدَّةٌ
__________
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 51 - 52.
(36/345)
مَرْجُوحٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمَرْجُوحُ فِي اللُّغَةِ: اسْمُ مَفْعُولٍ، مِنْ رَجَحَ الشَّيْءُ
يَرْجَحُ وَيَرْجِحُ، وَيَرْجُحُ رُجُوحًا، وَرُجْحَانًا.
وَرَجَحَ بِمَعْنَى، ثَقُل وَمَال، وَرَجَحَ عَقْلُهُ: اكْتَمَل، وَرَجَحَ
الرَّأْيُ غَلَبَ عَلَى غَيْرِهِ (1) .
وَالَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلاَمِ الأُْصُولِيِّينَ: أَنَّ الْمَرْجُوحَ مَا
كَانَ دَلِيلُهُ أَضْعَفَ مِنْ غَيْرِهِ الْمُقَابِل لَهُ (2) .
حُكْمُ الْعَمَل بِالْمَرْجُوحِ
2 - قَال الزَّرْكَشِيُّ: إِذَا تَحَقَّقَ التَّرْجِيحُ وَجَبَ الْعَمَل
بِالرَّاجِحِ وَإِهْمَال الآْخَرِ، لإِِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى
الْعَمَل بِمَا تَرَجَّحَ عِنْدَهُمْ مِنَ الأَْخْبَارِ.
وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمُ التَّرْجِيحَ فِي الأَْدِلَّةِ كَمَا يَنْبَغِي فِي
الْبَيِّنَاتِ، وَقَال: عِنْدَ التَّعَارُضِ يَلْزَمُ التَّخْيِيرُ أَوِ
الْوَقْفُ.
__________
(1) لسان العرب، والقاموس المحيط، والمعجم الوسيط.
(2) البحر المحيط 6 / 130.
(36/345)
ثُمَّ قَال الزَّرْكَشِيُّ: الْمَرْجُوحُ
هَل هُوَ كَالْعَدَمِ شَرْعًا أَمْ نَجْعَل لَهُ أَثَرًا؟ يَخْرُجُ مِنْ
كَلاَمِهِمْ فِيهِ خِلاَفٌ، وَكَلاَمُ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ يَقْتَضِي
الأَْوَّل، وَكَلاَمُ غَيْرِهِ يَقْتَضِي الثَّانِيَ، وَادَّعَى
الإِْبْيَارِيُّ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ، وَقَال: لَوْ كَانَ كَالْعَدَمِ
لَمَا ضَعَفَ الظَّنُّ بِالرَّاجِحِ، وَلِذَلِكَ لاَ يَبْقَى الإِْنْسَانُ
عَلَى ظَنِّهِ فِي الرَّاجِحِ، بِمَثَابَةِ مَا لَوْ كَانَ الرَّاجِحُ
مُنْفَرِدًا بَل ظَنًّا بِالرَّاجِحِ إِذَا لَمْ يُعَارِضْ أَقْوَى مِنْ
ظَنِّنَا بَعْدَ الْمُعَارَضَةِ، وَخَالَفَ ابْنُ الْمُنِيرِ وَنَقَل
الإِْجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْمَرْجُوحَ سَاقِطُ الاِعْتِبَارِ (1) ،
وَالتَّفْصِيل فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
__________
(1) البحر المحيط 6 / 130 - 131.
(36/346)
|