الموسوعة
الفقهية الكويتية مُنَصَّفٌ
انْظُرْ: أَشْرِبَةٌ.
(39/100)
مَنَعَةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمَنَعَةُ فِي اللُّغَةِ: الْعِزُّ وَالْقُوَّةُ يُقَال: هُوَ فِي
مَنَعَةٍ أَيْ مَعَهُ مَنْ يَمْنَعُهُ مِنْ عَشِيرَتِهِ أَوْ فِي عِزِّ
قَوْمِهِ فَلاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ مَنْ يُرِيدُهُ. وَيُقَال: أَزَال
مَنَعَةَ الطَّيْرِ أَيْ قُوَّتَهُ الَّتِي يَمْتَنِعُ بِهَا عَلَى مَنْ
يُرِيدُهُ (1) .
وَمِنْهُ مَا وَرَدَ فِي غَنَائِمِ بَدْرٍ أَنَّهَا كَانَتْ بِمَنَعَةِ
السَّمَاءِ أَيْ بِقُوَّةِ الْمَلاَئِكَةِ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى
أَمَدَّهُمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِجُنُودٍ مِنَ السَّمَاءِ (2) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ
(3) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَنَعَةِ:
اشْتِرَاطُ الْمَنَعَةِ فِي الْبَغْيِ وَالْحِرَابَةِ
2 - مِنَ الشُّرُوطِ الَّتِي اشْتَرَطَهَا الْفُقَهَاءُ لِتَحَقُّقِ
__________
(1) المصباح المنير، والقاموس المحيط، والمعجم الوسيط.
(2) المصباح المنير، والمعجم الوسيط، والقاموس المحيط والمغرب في ترتيب
المعرب.
(3) قواعد الفقه، للبركتي.
(39/100)
وَصْفِ الْبَغْيِ وَالْحِرَابَةِ: أَنْ
يَكُونَ لِلْبُغَاةِ وَالْمُحَارَبِينَ مَنَعَةٌ.
وَلِلتَّفْصِيل انْظُرْ: مُصْطَلَحَ (بُغَاةٌ ف 6 حِرَابَةٌ ف 8) .
اسْتِعَانَةُ الْبُغَاةِ بِالْمُسْتَأْمَنِينَ وَكَانَتْ لَهُمْ مَنَعَةٌ
3 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى
أَنَّهُ إِذَا اسْتَعَانَ الْبُغَاةُ بِالْمُسْتَأْمَنِينَ فَمَتَى
أَعَانُوهُمْ كَانُوا نَاقِضِينَ لِلْعَهْدِ وَصَارُوا كَأَهْل حَرْبٍ
لأَِنَّهُمْ تَرَكُوا الشَّرْطَ وَهُوَ كَفُّهُمْ عَنِ الْمُسْلِمِينَ
وَعَهْدُهُمْ مُؤَقَّتٌ بِخِلاَفِ الذِّمِّيِّينَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ
مُكْرَهِينَ وَكَانَتْ لَهُمْ مَنَعَةٌ لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُمْ (1) .
وَلِلتَّفْصِيل انْظُرْ: مُصْطَلَحَ (بُغَاةٌ ف 33) .
__________
(1) فتح القدير 4 / 416، ونهاية المحتاج 7 / 388، والمهذب 1 / 221، وكشاف
القناع 6 / 166، والمغني 8 / 121 - 122.
(39/101)
مَنْفَعَةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمَنْفَعَةُ فِي اللُّغَةِ:
كُل مَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَالْجَمْعُ مَنَافِعُ (1) .
وَالْمَنْفَعَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ هِيَ: الْفَائِدَةُ الَّتِي تَحْصُل
بِاسْتِعْمَال الْعَيْنِ فَكَمَا أَنَّ الْمَنْفَعَةَ تُسْتَحْصَل مِنَ
الدَّارِ بِسُكْنَاهَا تُسْتَحْصَل مِنَ الدَّابَّةِ بِرُكُوبِهَا (2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْغَلَّةُ:
2 - الْغَلَّةُ فِي اللُّغَةِ: كُل شَيْءٍ يَحْصُل مِنْ رِيعِ الأَْرْضِ
أَوْ أُجْرَتِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْجَمْعُ غِلاَلٌ وَغَلاَّتٌ (3) .
__________
(1) لسان العرب، والقاموس المحيط، والمعجم الوسيط.
(2) درر الحكام شرح مجلة الأحكام لعلي حيدر 1 / 100 المادة (125) ،
والمنثور في القواعد للزركشي 3 / 230.
(3) المصباح المنير.
(39/101)
وَيَسْتَعْمِل الْفُقَهَاءُ هَذَا
اللَّفْظَ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ نَفْسِهِ.
فَقَدْ فَسَّرَ الْبَعْلِيُّ الْغَلَّةَ بِالثَّمَرَةِ وَالْكَسْبِ
وَنَحْوِهِمَا (1) .
وَفِي مُرْشِدِ الْحَيْرَانِ: الْمُرَادُ بِالْغَلَّةِ كُل مَا يَحْصُل
مِنْ رِيعِ الأَْرْضِ وَكِرَائِهَا وَثَمَرَةِ الْبُسْتَانِ (2) .
وَيُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَاتِ الْقَلْيُوبِيِّ أَنَّ الْغَلَّةَ: هِيَ
الْفَائِدَةُ الْعَيْنِيَّةُ الْحَاصِلَةُ عَنْ شَيْءٍ مَا فِي حِينِ أَنَّ
الْمَنْفَعَةَ: هِيَ الْفَائِدَةُ غَيْرُ الْعَيْنِيَّةِ (3) .
وَقَال السُّبْكِيُّ فِي الصِّلَةِ بَيْنَ الْمَنْفَعَةِ وَالْغَلَّةِ:
الْمَنَافِعُ وَالْغَلَّةُ مُتَقَارِبَانِ وَكُل عَيْنٍ فِيهَا مَنْفَعَةٌ
فَقَدْ يَحْصُل مِنْهَا شَيْءٌ غَيْرُ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ إِمَّا
بِفِعْلِهِ كَالاِسْتِغْلاَل أَوْ بِعِوَضٍ عَنْ فِعْل غَيْرِهِ أَوْ مِنْ
عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ الشَّيْءُ يُسَمَّى غَلَّةً (4) .
ب - الْعَيْنُ:
3 - الْعَيْنُ لَهَا عِدَّةُ مَعَانٍ فِي اللُّغَةِ مِنْهَا مَا ضُرِبَ
مِنَ الدَّنَانِيرِ وَالنَّقْدِ وَعَيْنُ الْمَاءِ وَالْعَيْنُ
الْبَاصِرَةُ وَالْجَاسُوسُ. وَعَيْنُ الشَّيْءِ: نَفْسُهُ.
__________
(1) المطلع على أبواب المقنع ص 287.
(2) مرشد الحيران لمحمد قدري باشا المادة (20) ص 7.
(3) القليوبي 3 / 171.
(4) مغني المحتاج 3 / 64.
(39/102)
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: الْمَقْصُودُ
بِالْعَيْنِ هُنَا هِيَ الشَّيْءُ الْمُعَيَّنُ الْمُشَخَّصُ كَبَيْتٍ
وَحِصَانٍ (1) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْعَيْنَ أَصْلٌ لِلْمَنْفَعَةِ.
ج - الاِنْتِفَاعُ:
4 - الاِنْتِفَاعُ لُغَةً: مَصْدَرُ انْتَفَعَ مِنَ النَّفْعِ وَهُوَ
الْخَيْرُ وَهُوَ مَا يَتَوَصَّل بِهِ الإِْنْسَانُ إِلَى مَطْلُوبِهِ (2)
وَقَال الزَّرْكَشِيُّ: الْمُرَادُ بِالنَّفْعِ الْمَكِنَةُ أَوْ مَا
يَكُونُ وَسِيلَةً إِلَيْهَا (3) .
وَالاِنْتِفَاعُ فِي الاِصْطِلاَحِ: هُوَ حَقُّ الْمُنْتَفِعِ فِي
اسْتِعْمَال الْعَيْنِ وَاسْتِغْلاَلِهَا مَا دَامَتْ قَائِمَةً عَلَى
حَالِهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رَقَبَتُهَا مَمْلُوكَةً (4) .
وَأَمَّا الصِّلَةُ بَيْنَ الْمَنْفَعَةِ وَالاِنْتِفَاعِ فَقَدْ قَال
الْقَرَافِيُّ عِنْدَ بَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَمْلِيكِ
الاِنْتِفَاعِ وَقَاعِدَةِ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ: تَمْلِيكُ
الاِنْتِفَاعِ نُرِيدُ بِهِ أَنْ يُبَاشِرَ هُوَ بِنَفْسِهِ فَقَطْ
وَتَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ هُوَ أَعَمُّ وَأَشْمَل فَيُبَاشِرُ بِنَفْسِهِ
وَيُمَكِّنُ غَيْرَهُ مِنَ الاِنْتِفَاعِ بِعِوَضٍ كَالإِْجَارَةِ
وَبِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْعَارِيَةِ (5) .
(ر: انْتِفَاعٌ ف 3) .
__________
(1) المصباح المنير، ومجلة الأحكام العدلية مادة 159.
(2) المصباح المنير.
(3) البحر المحيط 6 / 15.
(4) مرشد الحيران المادة 13 ص 5.
(5) الفروق للقرافي 1 / 187.
(39/102)
مَالِيَّةُ الْمَنْفَعَةِ
5 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَالِيَّةِ الْمَنْفَعَةِ فَذَهَبَ
الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى
أَنَّ الْمَنَافِعَ أَمْوَالٌ مُتَقَوِّمَةٌ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ أَمْوَالاً مُتَقَوِّمَةً
فِي حَدِّ ذَاتِهَا إِلاَّ إِذَا وَرَدَ عَلَيْهَا الْعَقْدُ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (مَالٌ ف 2) .
الآْثَارُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى الاِخْتِلاَفِ فِي مَالِيَّةِ
الْمَنْفَعَةِ:
يَتَرَتَّبُ عَلَى اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِي مَالِيَّةِ الْمَنْفَعَةِ
اخْتِلاَفُهُمْ فِي بَعْضِ الْمَسَائِل (1) مِنْهَا:
أ - ضَمَانُ الْمَنَافِعِ
6 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْمَنَافِعَ تُضْمَنُ
بِالإِْتْلاَفِ وَالْغَصْبِ كَمَا تُضْمَنُ الأَْعْيَانُ.
وَقَدِ اسْتَدَلُّوا بِأَدِلَّةٍ مِنْهَا: أَنَّ الشَّارِعَ أَجَازَ أَنْ
تَكُونَ مَهْرًا فِي النِّكَاحِ وَلأَِنَّ الْمَال اسْمٌ لِمَا هُوَ
مَخْلُوقٌ لإِِقَامَةِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ بِهِ وَالْمَنَافِعُ يَصْدُقُ
عَلَيْهَا ذَلِكَ وَلأَِنَّ الْمَنْفَعَةَ مُبَاحَةٌ مُتَقَوِّمَةٌ
فَتُجْبَرُ فِي الْعُقُودِ الصَّحِيحَةِ وَالْفَاسِدَةِ (2) .
__________
(1) تخريج الفروع على الأصول للزنجاني ص 227 - 229.
(2) حاشية الدسوقي 2 / 309، وقواعد الأحكام 1 / 172، والمغني مع الشرح 5 /
435 - 436، والقواعد لابن رجب ص 171.
(39/103)
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ
الْمَنَافِعَ لاَ تُضْمَنُ لاَ بِالْغَصْبِ وَلاَ بِالإِْتْلاَفِ
وَإِنَّمَا تُضْمَنُ بِالْعَقْدِ أَوْ شُبْهَةِ الْعَقْدِ.
أَمَّا عَدَمُ ضَمَانِ الْمَنَافِعِ بِالْغَصْبِ فَلأَِنَّهَا حَدَثَتْ
بِفِعْل الْغَاصِبِ وَكَسْبِهِ وَالْكَسْبُ لِلْكَاسِبِ لِقَوْلِهِ
عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَ
رَجُلٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ (1) فَلاَ يَضْمَنُ مِلْكَهُ وَلأَِنَّ
الْغَصْبَ إِزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ الْعَادِيَّةِ
وَلاَ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الْغَصْبِ لأَِنَّ الْمَنَافِعَ أَعْرَاضٌ
لاَ تَبْقَى زَمَانَيْنِ فَيَسْتَحِيل غَصْبُهَا.
وَأَمَّا عَدَمُ ضَمَانِ الْمَنَافِعِ بِالإِْتْلاَفِ فَلأَِنَّهَا لاَ
تَخْلُو إِمَّا أَنْ يَرِدَ عَلَيْهَا الإِْتْلاَفُ قَبْل وُجُودِهَا أَوْ
حَال وُجُودِهَا أَوْ بَعْدَ وُجُودِهَا وَكُل ذَلِكَ مُحَالٌ، أَمَّا
قَبْل وُجُودِهَا فَلأَِنَّ إِتْلاَفَ الْمَعْدُومِ لاَ يُمْكِنُ، وَأَمَّا
حَال وُجُودِهَا فَلأَِنَّ الإِْتْلاَفَ إِذَا طَرَأَ عَلَى الْوُجُودِ
رَفَعَهُ فَإِذَا قَارَنَهُ مَنَعَهُ، وَأَمَّا بَعْدَ وُجُودِهَا
فَلأَِنَّهَا تَنْعَدِمُ كُلَّمَا وُجِدَتْ فَلاَ
__________
(1) حديث: " من وجد عين ماله عند رجل فهو أحق به ". أخرجه أبو داود (3 /
803 ط حمص) ، والنسائي (7 / 314 ط المكتبة التجارية) ، والدارقطني في السنن
(3 / 28 ط دار المحاسن - القاهرة) من حديث سمرة بن جندب وقال العظيم آبادي:
إسناده حسن.
(39/103)
يُتَصَوَّرُ إِتْلاَفُ الْمَعْدُومِ (1) .
وَقَدِ اسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ مِنْ أَصْل عَدَمِ تَضْمِينِ
الْمَنَافِعِ ثَلاَثَةَ مَسَائِل وَهِيَ: مَال الْيَتِيمِ وَمَال الْوَقْفِ
وَالْمُعَدَّ لِلاِسْتِغْلاَل (2) .
(ر: ضَمَانٌ ف 22 وَغَصْبٌ ف 18) .
ب - جَعْل الْمَنْفَعَةِ صَدَاقًا
7 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ وَالشَّافِعِيَّةُ
وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمَنْفَعَةُ
صَدَاقًا جَرْيًا عَلَى أَصْلِهِمْ مِنْ أَنَّ كُل مَا يَجُوزُ أَخْذُ
الْعِوَضِ عَنْهُ يَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ صَدَاقًا وَالْمَنَافِعُ يَجُوزُ
أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهَا فَتَصِحُّ تَسْمِيَتُهَا صَدَاقًا (3) .
وَلِلْحَنَفِيَّةِ فِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ: فَقَدْ جَاءَ فِي
الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: الْمَهْرُ إِنَّمَا يَصِحُّ بِكُل مَا هُوَ
مَالٌ مُتَقَوِّمٌ وَالْمَنَافِعُ تَصْلُحُ مَهْرًا غَيْرَ أَنَّ الزَّوْجَ
إِذَا كَانَ حُرًّا وَقَدْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَتِهِ إِيَّاهَا جَازَ
النِّكَاحُ وَيُقْضَى لَهَا بِمَهْرِ الْمِثْل عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
__________
(1) المبسوط للسرخسي 11 / 78، وتبيين الحقائق وحاشية الشلبي عليه 5 / 233 -
234.
(2) الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 284 نشر دار ومكتبة الهلال، وانظر: فتح
الغفار لشرح المنار لابن نجيم 1 / 53 ط الحلبي.
(3) الشرح الصغير وحاشية الصاوي عليه 2 / 448، ومغني المحتاج 3 / 220،
وتخريج الفروع على الأصول 227، والمغني لابن قدامة 6 / 682.
(39/104)
وَأَبِي يُوسُفَ (1) .
وَقَال الْكَاسَانِيُّ فِي مَعْرِضِ الاِسْتِدْلاَل لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ
الشَّيْخَانِ: إِنَّ الْمَنَافِعَ لَيْسَتْ بِأَمْوَالٍ مُتَقَوِّمَةٍ
عَلَى أَصْل أَصْحَابِنَا وَلِهَذَا لَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً بِالْغَصْبِ
وَالإِْتْلاَفِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهَا حُكْمُ التَّقَوُّمِ فِي
سَائِرِ الْعُقُودِ شَرْعًا ضَرُورَةً دَفْعًا لِلْحَاجَةِ بِهَا وَلاَ
يُمْكِنُ فِي دَفْعِ الْحَاجَةِ بِهَا هَاهُنَا لأَِنَّ الْحَاجَةَ لاَ
تَنْدَفِعُ إِلاَّ بِالتَّسْلِيمِ وَأَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْهُ شَرْعًا
لأَِنَّ اسْتِخْدَامَ الْحُرَّةِ زَوْجَهَا الْحُرَّ حَرَامٌ لِكَوْنِهِ
اسْتِهَانَةً وَإِذْلاَلاً وَهَذَا لاَ يَجُوزُ.
وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَنَافِعِ سَائِرِ الأَْعْيَانِ مِنْ سُكْنَى
دَارِهِ وَخِدْمَةِ عَبِيدِهِ وَرُكُوبِ دَابَّتِهِ وَالْحَمْل عَلَيْهَا
وَزِرَاعَةِ أَرْضِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مَنَافِعِ الأَْعْيَانِ
مُدَّةً مَعْلُومَةً صَحَّتِ التَّسْمِيَةُ لأَِنَّ هَذِهِ الْمَنَافِعَ
أَمْوَالٌ أَوِ الْتُحِقَتْ بِالأَْمْوَال شَرْعًا فِي سَائِرِ الْعُقُودِ
لِمَكَانِ الْحَاجَةِ، وَالْحَاجَةُ فِي النِّكَاحِ مُتَحَقَّقَةٌ،
وَإِمْكَانُ الدَّفْعِ بِالتَّسْلِيمِ ثَابِتٌ بِتَسْلِيمِ مَحَالِّهَا
إِذْ لَيْسَ فِيهِ اسْتِخْدَامُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا فَجُعِلَتْ
أَمْوَالاً وَالْتُحِقَتْ بِالأَْعْيَانِ فَصَحَّتْ تَسْمِيَتُهَا (2) .
__________
(1) الفتاوى الهندية 1 / 302.
(2) بدائع الصنائع 2 / 278 - 279.
(39/104)
ج - ثُبُوتُ الشُّفْعَةِ عِنْدَ
مُعَاوَضَةِ الْمَشْفُوعِ فِيهِ بِمَنْفَعَةٍ
8 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ عِنْدَ مُعَاوَضَةِ
الْمَشْفُوعِ فِيهِ بِمَنْفَعَةٍ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ تَجِبُ
الشُّفْعَةُ فِي مُعَاوَضَةِ عَيْنِ الْمَال بِمَا لَيْسَ بِعَيْنِ الْمَال
لأَِنَّ الشَّفِيعَ يَتَمَلَّكُ بِمَا يَتَمَلَّكُ بِهِ الْمُشْتَرِي
وَتَمَلُّكُ الشَّفِيعِ بِمَا تَمَلَّكَهُ بِهِ الْمُشْتَرِي هُنَا غَيْرُ
مُمْكِنٍ وَالتَّمَلُّكُ بِعَيْنِ الْمَال لَيْسَ تَمَلُّكًا بِمَا
تَمَلَّكَ بِهِ الْمُشْتَرِي فَامْتَنَعَ أَصْلاً، وَلاَ تَكُونُ
الشُّفْعَةُ فِيهَا مَشْرُوعَةً وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إِذَا جَعَل
الدَّارَ مَهْرًا: بِأَنْ تَزَوَّجَ عَلَى دَارٍ، أَوْ جَعَلَهَا بَدَل
الْخُلْعِ بِأَنْ خَالَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى دَارٍ أَوْ جَعَلَهَا أُجْرَةً
فِي الإِْجَارَاتِ بِأَنِ اسْتَأْجَرَ بِدَارٍ لأَِنَّ هَذَا مُعَاوَضَةَ
الْمَال بِالْمَنْفَعَةِ لأَِنَّ حُكْمَ الإِْجَارَةِ ثَبَتَ فِي
الْمَنْفَعَةِ وَكَذَا حُكْمُ النِّكَاحِ وَالْمَنْفَعَةِ - كَمَا صَرَّحَ
الْحَنَفِيَّةُ - لَيْسَ بِمَالٍ إِذِ الْمَنَافِعُ فِي الأَْصْل لاَ
قِيمَةَ لَهَا وَالأَْصْل فِيهَا أَنْ لاَ تَكُونَ مَضْمُونَةً لأَِنَّ
الشَّيْءَ يُضْمَنُ بِمِثْلِهِ فِي الأَْصْل وَالْعَرَضُ لاَ يُمَاثِل
الْعَيْنَ، وَلِهَذَا لاَ تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ وَالإِْتْلاَفِ إِلاَّ
أَنَّهَا تَتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ وَلِحَاجَةِ
النَّاسِ، فَبَقِيَ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ عَلَى الأَْصْل فَلاَ يَظْهَرُ
تَقَوُّمُهَا فِي حَقِّ الشَّفِيعِ (1) .
__________
(1) بدائع الصنائع 5 / 12، وتبيين الحقائق 5 / 253، وشرح منتهى الإرادات 2
/ 335، وانظر: تخريج الفروع على الأصول للزنجاني ص 228.
(39/105)
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ
أَنَّهُ إِذَا كَانَتِ الْمُعَاوَضَةُ بِشَيْءٍ غَيْرِ مُتَمَوَّلٍ كَمَنْ
جَعَل الشِّقْصَ صَدَاقًا أَوْ عِوَضَ خُلْعٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ صُلْحٍ عَنْ
دَمٍ فِي جِنَايَةِ الْعَمْدِ ثَبَتَتِ الشُّفْعَةُ فِي كُل ذَلِكَ
وَيَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ بِقِيمَةِ الشِّقْصِ (1) .
وَلِلتَّفْصِيل (ر: شُفْعَةٌ ف 55) .
د - وِرَاثَةُ الْمَنَافِعِ
9 - يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْمَنَافِعَ تُورَثُ مِثْل
بَقِيَّةِ الأَْمْوَال الْمَمْلُوكَةِ جَرْيًا عَلَى أَصْلِهِمْ مِنْ أَنَّ
الْمَنَافِعَ أَمْوَالٌ مُتَقَوِّمَةٌ.
وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمَنَافِعَ
بِانْفِرَادِهَا لاَ تَحْتَمِل الإِْرْثَ وَإِنْ كَانَ الْمُوَرِّثُ
تَمَلَّكَهَا بِعِوَضٍ (2) .
(ر: حَقٌّ ف 42 وَإِرْثٌ ف 6) .
الْعُقُودُ الْوَارِدَةُ عَلَى الْمَنَافِعِ
10 - الْمَنَافِعُ تُمْلَكُ بِطَرِيقَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ تَابِعَةً لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ وَرَدَ عَلَيْهَا عَقْدٌ وَحْدَهَا (3) .
__________
(1) حاشية الدسوقي 3 / 477، والشرح الصغير 3 / 635، ومغني المحتاج 2 / 298
- 299، وروضة الطالبين 5 / 78، ونهاية المحتاج 5 / 204 - 205.
(2) بدائع الصنائع 7 / 353.
(3) المنثور في القواعد للزركشي 3 / 229.
(39/105)
وَالْعُقُودُ الْوَارِدَةُ عَلَى
الْمَنَافِعِ ثَلاَثَةُ أَقْسَامٍ: مِنْهَا: مَا هُوَ بِعِوَضٍ وَهُوَ
الإِْجَارَةُ وَالْجَعَالَةُ وَالْقِرَاضُ وَالْمُسَاقَاةُ
وَالْمُزَارَعَةُ.
وَمِنْهَا: مَا هُوَ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْوَقْفِ وَالشَّرِكَةِ
وَالْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَةِ وَحِفْظِ اللَّقِيطِ.
وَمِنْهَا: نَوْعَانِ مُتَرَدِّدَانِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ
وَهُمَا: الْوَكَالَةُ وَالْقِيَامُ عَلَى الأَْطْفَال فَإِنَّهُ تَارَةً
يَكُونُ بِعِوَضٍ وَتَارَةً بِغَيْرِ عِوَضٍ.
وَمِنْهُ: الْمُسَابَقَةُ وَالْمُنَاضَلَةُ وَهِيَ قِسْمٌ مُفْرَدٌ إِذِ
الْمُرَادُ تَمْلِيكُ مَنْفَعَتِهِ (1) .
وَلِلتَّفْصِيل فِي أَحْكَامِ هَذِهِ الْعُقُودِ وَمَعْرِفَةِ مَوْقِعِ
عُنْصُرِ الْمَنْفَعَةِ فِيهَا تُنْظَرُ الْمُصْطَلَحَاتُ الْخَاصَّةُ
بِهَذِهِ الْعُقُودِ.
حُكْمُ اشْتِرَاطِ مَنْفَعَةٍ فِي الْقَرْضِ
11 - مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْقَرْضِ أَنْ لاَ يَكُونَ فِيهِ جَرُّ
مَنْفَعَةٍ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَجُزْ، نَحْوَ مَا إِذَا أَقْرَضَهُ
وَشَرَطَ شَرْطًا لَهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ أَوْ أَقْرَضَهُ دَرَاهِمَ غَلَّةً
(2) عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ صِحَاحًا لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُول
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: كُل قَرْضٍ جَرَّ
مَنْفَعَةً فَهُوَ رِبًا (3) هَذَا إِذَا كَانَتِ الزِّيَادَةُ مَشْرُوطَةً
فِي
__________
(1) المنثور في القواعد للزركشي 3 / 228.
(2) الغلة من الدراهم هي المقطعة التي في القطعة منها قيراط أو طسوج أو حبة
(المغرب ص 343) .
(3) حديث: " كل قرض جر منفعة فهو ربا ". ذكر ابن حجر في التلخيص (3 / 34 -
ط شركة الطباعة الفنية) : أن الحارث بن أبي أسامة رواه في مسنده من حديث
علي بن أبي طالب مرفوعًا، وفيه سوار بن مصعب وهو متروك، وأخرجه البيهقي في
السنن الكبرى (5 / 350 ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث فضالة بن عبيد
موقوفًا.
(39/106)
الْقَرْضِ أَوْ مَلْحُوظَةً أَوْ
مَعْرُوفَةً وَأَمَّا إِذَا لَمْ تَكُنْ فَلاَ بَأْسَ بِذَلِكَ (1) .
وَلِلتَّفْصِيل يُنْظَرُ (قَرْضٌ ف 28) .
رَهْنُ الْمَنْفَعَةِ
12 - الأَْصْل عِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ يَجُوزُ
رَهْنُهُ وَمَا لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ لاَ يَجُوزُ رَهْنُهُ (2) .
بِنَاءً عَلَى هَذَا الأَْصْل لاَ يَجُوزُ رَهْنُ الْمَنَافِعِ عِنْدَ
الْحَنَفِيَّةِ لِعَدَمِ جَوَازِ بَيْعِهَا إِذِ الْمَنَافِعُ لَيْسَتْ
بِمَالٍ عِنْدَهُمْ (3) .
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فَإِنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا
يُجِيزُونَ بَيْعَ الْمَنَافِعِ لَكِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِعَدَمِ جَوَازِ
__________
(1) بدائع الصنائع 7 / 395، والعناية شرح الهداية 5 / 452 ط بولاق،
والأشباه والنظائر لابن نجيم ص 265، والكافي لابن عبد البر 2 / 75 ط مطبعة
حسان، والمغني لابن قدامة 4 / 354.
(2) الفتاوى الهندية 5 / 435، والأشباه لابن نجيم ص 288، والمغني 4 / 380،
384، والشرقاوي على التحرير 2 / 123.
(3) البدائع 6 / 135، ودرر الحكام شرح مجلة الأحكام لعلي حيدر 1 / 100
المادة (26) .
(39/106)
رَهْنِ الْمَنَافِعِ لأَِنَّ مَقْصُودَ
الرَّاهِنِ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِ الرَّهْنِ وَالْمَنَافِعُ
تَهْلَكُ إِلَى حُلُول الْحَقِّ فَلاَ يَحْصُل بِهَا الاِسْتِيثَاقُ (1) .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي جَوَازِ رَهْنِ الْمَنْفَعَةِ قَوْلاَنِ:
جَاءَ فِي جَوَاهِرِ الإِْكْلِيل فِيمَا يَجُوزُ رَهْنُهُ قَال: كَظُهُورِ
حَبْسِ دَارٍ رُهِنَتْ عَلَى أَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ فَثَبَتَ تَحْبِيسُهَا
عَلَى رَاهِنِهَا فَقِيل: يَبْطُل رَهْنُهَا وَلاَ يَنْتَقِل الرَّهْنُ
إِلَى مَنْفَعَتِهَا، وَقِيل يَصِحُّ رَهْنُهَا وَيَنْتَقِل إِلَيْهَا
لِجَوَازِ بَيْعِ الْمَنْفَعَةِ وَرَهْنِهَا فَلاَ يَبْطُل رَهْنُهَا
بِبُطْلاَنِ رَهْنِ الدَّارِ (2) .
قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ
13 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي جَوَازِ قِسْمَةِ الْمَنَافِعِ
إِذَا تَرَاضَى الشُّرَكَاءُ عَلَيْهَا (وَهِيَ الْمُهَايَأَةُ) .
كَمَا لاَ خِلاَفَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّهُ إِذَا طَلَبَ أَحَدُ
الشُّرَكَاءِ قِسْمَةَ الأَْعْيَانِ وَالآْخَرُ قِسْمَةَ الْمَنَافِعِ
يَقْسِمُ الْقَاضِي الأَْعْيَانَ لأَِنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّكْمِيل (3) .
__________
(1) الشرقاوي على التحرير 2 / 124، والمغني 4 / 387.
(2) جواهر الإكليل 2 / 78.
(3) الهداية وشروحها 8 / 27 ط الأميرية، ومغني المحتاج 4 / 426، والمغني 9
/ 130، والقوانين الفقهية 187 - 188.
(39/107)
وَلِلْفُقَهَاءِ فِي إِجْبَارِ الشَّرِيكِ
الْمُمْتَنِعِ عَنْ قِسْمَةِ الْمَنَافِعِ وَصِفَةِ قِسْمَةِ الْمَنَافِعِ
مِنْ حَيْثُ اللُّزُومُ وَعَدَمُهُ وَأَنْوَاعِ قِسْمَةِ الْمَنَافِعِ
وَمَحَلِّهَا وَفِيمَا تَصِحُّ فِيهِ هَذِهِ الْقِسْمَةُ وَمَا لاَ تَصِحُّ
خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي (قِسْمَةٌ ف 55 وَمَا بَعْدَهَا) .
مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ
14 - الْمِلْكُ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: مِلْكُ عَيْنٍ وَمَنْفَعَةٍ وَمِلْكُ
عَيْنٍ بِلاَ مَنْفَعَةٍ وَمِلْكُ مَنْفَعَةٍ بِلاَ عَيْنٍ وَمِلْكُ
انْتِفَاعٍ مِنْ غَيْرِ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ (1) .
إِسْقَاطُ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ وَالاِعْتِيَاضُ عَنْهُ
15 - الأَْصْل فِي الْمَنَافِعِ أَنَّهَا تَقْبَل الإِْسْقَاطَ مِنْ
مَالِكِ الْعَيْنِ الْمُنْتَفِعِ بِهَا أَوْ مُسْتَحِقِّ مَنْفَعَتِهَا
إِذْ كُل جَائِزِ التَّصَرُّفِ لاَ يَمْنَعُ مِنْ إِسْقَاطِ حَقِّهِ فِي
الْمَنْفَعَةِ بِدُونِ عِوَضٍ مَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَانِعٌ مِنْ ذَلِكَ
وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ.
أَمَّا إِسْقَاطُهُ بِعِوَضٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ جُمْهُورِ
الْفُقَهَاءِ.
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَإِنَّ الاِعْتِيَاضَ عَنِ الْمَنَافِعِ عِنْدَهُمْ
لاَ يَجُوزُ إِلاَّ لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ وَالْمَنْفَعَةِ أَوْ لِمَالِكِ
الْمَنْفَعَةِ بِعِوَضٍ.
__________
(1) الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 351 وما بعدها نشر مكتبة الهلال،
والأشباه والنظائر للسيوطي ص 326، والقواعد لابن رجب ص 195 وما بعدها.
(39/107)
وَلِلتَّفْصِيل يُنْظَرُ (إِسْقَاطٌ ف 35 -
36 وَحَقٌّ ف 25) .
انْتِهَاءُ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ
16 - تَنْتَهِي مِلْكِيَّةُ الْمَنْفَعَةِ بِأُمُورٍ مِنْهَا:
أ - هَلاَكُ مَحَل الْمَنْفَعَةِ حَيْثُ تَنْفَسِخُ الإِْجَارَةُ
وَالإِْعَارَةُ وَالْوَصِيَّةُ بِهَلاَكِ الْعَيْنِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا
أَوْ تَلَفِهَا.
ب - انْتِهَاءُ الْمُدَّةِ الْمُحَدِّدَةِ لَهَا.
ج - وَفَاةُ الْمُنْتَفِعِ عَلَى خِلاَفٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحَاتِهَا وَانْظُرْ (إِذْنٌ ف 65) .
الْوَصِيَّةُ بِالْمَنْفَعَةِ
17 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ
وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ لأَِنَّ
الْمُوصِيَ لَمَّا مَلَكَ تَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ حَال حَيَاتِهِ بِعَقْدِ
الإِْجَارَةِ وَالإِْعَارَةِ فَلأَِنْ يُمَلِّكَهَا بِعَقْدِ الْوَصِيَّةِ
أَوْلَى لأَِنَّهُ أَوْسَعُ الْعُقُودِ؛ أَلاَ تَرَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ
تَحْتَمِل مَا لاَ يَحْتَمِلُهُ سَائِرُ الْعُقُودِ مِنْ عَدَمِ الْمَحَل
وَالْخَطَرِ وَالْجَهَالَةِ (1) .
__________
(1) بدائع الصنائع 7 / 352، وتبيين الحقائق 6 / 202، وجواهر الإكليل 2 /
324، ومغني المحتاج 3 / 45، والمغني 6 / 59.
(39/108)
وَيَرَى ابْنُ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ لاَ
تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِالْمَنَافِعِ لأَِنَّهَا مَعْدُومَةٌ.
وَلِلتَّفْصِيل فِي الأَْحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْوَصِيَّةِ
بِالْمَنْفَعَةِ (ر: وَصِيَّةٌ) .
وَقْفُ الْمَنْفَعَةِ
18 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ وَقْفِ الْمَنْفَعَةِ.
فَيَرَى الْجُمْهُورُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ
وَالْحَنَابِلَةِ عَدَمَ جَوَازِ وَقْفِ الْمَنْفَعَةِ.
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ جَوَازَ وَقْفِهَا.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (وَقْفٌ) .
الاِخْتِصَاصُ بِالْمَنَافِعِ
19 - قَال عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ: الاِخْتِصَاصُ
بِالْمَنَافِعِ أَنْوَاعٌ:
أَحَدُهَا: الاِخْتِصَاصُ بِإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ بِالتَّحَجُّرِ
وَالإِْقْطَاعِ.
الثَّانِي: الاِخْتِصَاصُ بِالسَّبْقِ إِلَى بَعْضِ الْمُبَاحَاتِ.
الثَّالِثُ: الاِخْتِصَاصُ بِالسَّبْقِ إِلَى مَقَاعِدِ الأَْسْوَاقِ.
الرَّابِعُ: الاِخْتِصَاصُ بِمَقَاعِدِ الْمَسَاجِدِ لِلصَّلاَةِ
وَالْعُزْلَةِ وَالاِعْتِكَافِ.
الْخَامِسُ: الاِخْتِصَاصُ بِالسَّبْقِ إِلَى الْمَدَارِسِ وَالرُّبُطِ
وَالأَْوْقَافِ.
(39/108)
السَّادِسُ: الاِخْتِصَاصُ بِمَوَاقِعِ
النُّسُكِ كَالْمَطَافِ وَالْمَسْعَى وَعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَمِنًى
وَمَرْمَى الْجِمَارِ.
السَّابِعُ: الاِخْتِصَاصُ بِالْخَانَاتِ الْمُسَبَّلَةِ فِي الطُّرُقَاتِ.
الثَّامِنُ: الاِخْتِصَاصُ بِالْكِلاَبِ وَالْمُحْتَرَمِ مِنَ الْخُمُورِ
(1) .
وَلِلتَّفْصِيل يُنْظَرُ (إِحْيَاءُ الْمَوَاتِ ف 20 وَاسْتِيلاَءٌ ف 19
وَمَا بَعْدَهَا وَطَرِيقٌ ف 9 وَمَا بَعْدَهَا وَمَجْلِسٌ ف 7
وَاخْتِصَاصٌ ف 64 وَمَا بَعْدَهَا وَتَحْجِيرٌ ف 1) .
تَعْطِيل الإِْنْسَانِ عَنْ مَنَافِعِهِ
20 - لاَ يَجُوزُ تَعْطِيل الإِْنْسَانِ عَنْ مَنَافِعِهِ وَأَشْغَالِهِ
وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ تَعْطِيل الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِذَا
اسْتَدْعَاهُ الْحَاكِمُ بِطَلَبِ خَصْمِهِ لإِِحْضَارِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ
الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ، وَكَذَلِكَ تَعْطِيل الشُّهُودِ إِذَا
اسْتُحْضِرُوا لِمَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِمْ أَدَاؤُهُ وَكَذَلِكَ
اسْتِحْضَارُهُمْ لِمَا لاَ يَتِمُّ إِلاَّ بِالشَّهَادَةِ كَالنِّكَاحِ
لأَِنَّهَا حُقُوقٌ وَاجِبَةٌ فَصَارَ كَتَعْطِيلِهِمْ فِيمَا لاَ يَتِمُّ
مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ إِلاَّ بِالتَّعْطِيل كَالْغَزَوَاتِ وَالْجُمُعَاتِ
وَتَغْيِيرِ الْمُنْكَرَاتِ (2) .
__________
(1) قواعد الأحكام 2 / 73.
(2) قواعد الأحكام 2 / 167.
(39/109)
إِذْهَابُ مَنَافِعِ أَعْضَاءِ
الإِْنْسَانِ
21 - الْجِنَايَةُ الْمُؤَدِّيَةُ إِلَى إِذْهَابِ مَنْفَعَةِ الْعُضْوِ
إِمَّا أَنْ تَكُونَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً.
فَإِذَا كَانَتِ الْجِنَايَةُ الْمُؤَدِّيَةُ إِلَى إِذْهَابِ مَنْفَعَةِ
الْعُضْوِ عَمْدًا فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ
فِيهَا.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي (جِنَايَةٌ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ ف
35) .
أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْجِنَايَةُ الْمُؤَدِّيَةُ إِلَى فَوْتِ مَنْفَعَةِ
الْعُضْوِ خَطَأً فَلِلْفُقَهَاءِ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ تَفْصِيلٌ
يُنْظَرُ فِي (دِيَاتٌ ف 55 - 62) .
الأَْصْل فِي الْمَنَافِعِ الإِْذْنُ
22 - قَال فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ: الأَْصْل فِي الْمَنَافِعِ
الإِْذْنُ وَفِي الْمَضَارِّ الْمَنْعُ بِأَدِلَّةِ الشَّرْعِ فَإِنَّ
ذَيْنَكَ أَصْلاَنِ نَافِعَانِ فِي الشَّرْعِ.
أَمَّا الأَْصْل الأَْوَّل (الأَْصْل فِي الْمَنَافِعِ الإِْذْنُ)
فَالدَّلِيل عَلَيْهِ وُجُوهٌ:
الْمَسْلَكُ الأَْوَّل: التَّمَسُّكُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خَلَقَ لَكُمْ
مَا فِي الأَْرْضِ جَمِيعًا} (1) وَ " اللاَّمُ " تَقْتَضِي الاِخْتِصَاصَ
بِجِهَةِ الاِنْتِفَاعِ (2) .
__________
(1) سورة البقرة / 29.
(2) المحصول الجزء الثاني القسم الثالث ص 131.
(39/109)
الْمَسْلَكُ الثَّانِي: قَوْلُهُ تَعَالَى:
{قُل مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ
وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} (1) أَنْكَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَنْ
حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ فَوَجَبَ أَنْ لاَ تَثْبُتَ حُرْمَةُ زِينَةِ
اللَّهِ وَإِذَا لَمْ تَثْبُتْ حُرْمَةُ زِينَةِ اللَّهِ امْتَنَعَ ثُبُوتُ
الْحُرْمَةِ فِي كُل فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ زِينَةِ اللَّهِ لأَِنَّ
الْمُطْلَقَ جُزْءٌ مِنَ الْمُقَيَّدِ فَلَوْ ثَبَتَتِ الْحُرْمَةُ فِي
فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ زِينَةِ اللَّهِ لَثَبَتَتِ الْحُرْمَةُ فِي زِينَةِ
اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ عَلَى خِلاَفِ الأَْصْل وَإِذَا انْتَفَتِ
الْحُرْمَةُ بِالْكُلِّيَّةِ ثَبَتَتِ الإِْبَاحَةُ.
الْمَسْلَكُ الثَّالِثُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَال: {أُحِل لَكُمُ
الطَّيِّبَاتُ} (2) وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنَ الطَّيِّبِ الْحَلاَل
وَإِلاَّ لَزِمَ التَّكْرَارُ فَوَجَبَ تَفْسِيرُهُ بِمَا يُسْتَطَابُ
وَذَلِكَ يَقْتَضِي حِل الْمَنَافِعِ بِأَسْرِهَا.
الْمَسْلَكُ الرَّابِعُ: الْقِيَاسُ: وَهُوَ أَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِمَا لاَ
ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمَالِكِ قَطْعًا وَعَلَى الْمُنْتَفِعِ ظَاهِرًا
فَوَجَبَ أَنْ لاَ يُمْنَعَ كَالاِسْتِضَاءَةِ بِضَوْءِ سِرَاجِ الْغَيْرِ
وَالاِسْتِظْلاَل بِظِل جِدَارِهِ.
إِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّهُ لاَ ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمَالِكِ لأَِنَّ
الْمَالِكَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَالضَّرَرُ عَلَيْهِ مُحَالٌ.
وَأَمَّا مِلْكُ الْعِبَادِ فَقَدْ كَانَ مَعْدُومًا وَالأَْصْل
__________
(1) سورة الأعراف / 32.
(2) سورة المائدة / 4.
(39/110)
بَقَاءُ ذَلِكَ لِعَدَمِ تَرْكِ الْعَمَل
بِهِ فِيمَا وَقَعَ اتِّفَاقُ الْخَصْمِ عَلَى كَوْنِهِ مَانِعًا فَيَبْقَى
فِي غَيْرِهِ عَلَى الأَْصْل (1) .
الْمَسْلَكُ الْخَامِسُ: وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ
الأَْعْيَانَ إِمَّا لاَ لِحِكْمَةٍ أَوْ لِحِكْمَةٍ وَالأَْوَّل بَاطِلٌ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَْرْضَ وَمَا
بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ} (2) وَقَوْلِهِ: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا
خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} (3) وَلأَِنَّ الْفِعْل الْخَالِيَ عَنِ
الْحِكْمَةِ عَبَثٌ وَالْعَبَثُ لاَ يَلِيقُ بِالْحَكِيمِ.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ خَلَقَهَا لِحِكْمَةٍ فَتِلْكَ الْحِكْمَةُ إِمَّا
عَوْدُ النَّفْعِ إِلَيْهِ أَوْ إِلَيْنَا.
وَالأَْوَّل مُحَالٌ لاِسْتِحَالَةِ الاِنْتِفَاعِ عَلَيْهِ فَتَعَيَّنَ
أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا خَلَقَهَا لِيَنْتَفِعَ بِهَا الْمُحْتَاجُونَ
وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْخَلْقِ نَفْعَ
الْمُحْتَاجِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ نَفْعُ الْمُحْتَاجِ مَطْلُوبَ
الْحُصُول أَيْنَمَا كَانَ.
فَإِنْ مُنِعَ مِنْهُ فَإِنَّمَا يُمْنَعُ لأَِنَّهُ بِحَيْثُ يَلْزَمُهُ
رُجُوعُ ضَرَرٍ إِلَى مُحْتَاجٍ فَإِذَا نَهَانَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْ
بَعْضِ الاِنْتِفَاعَاتِ عَلِمْنَا أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا مَنَعَنَا
مِنْهَا لِعِلْمِهِ بِاسْتِلْزَامِهَا لِلْمَضَارِّ، إِمَّا فِي الْحَال
أَوْ فِي الْمَآل وَلَكِنَّ ذَلِكَ عَلَى خِلاَفِ
__________
(1) المحصول الجزء الثاني القسم الثالث ص 139 - 140.
(2) سورة الأنبياء / 16.
(3) سورة المؤمنون / 115.
(39/110)
الأَْصْل فَثَبَتَ أَنَّ الأَْصْل فِي
الْمَنَافِعِ الإِْبَاحَةُ (1) .
وَأَوْرَدَ الزَّرْكَشِيُّ دَلِيل الأَْصْل فِي الْمَنَافِعِ الإِْذْنُ
وَفِي الْمَضَارِّ الْمَنْعُ ضِمْنَ الأَْدِلَّةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا
وَذَكَرَ الْخِلاَفَ فِي الاِحْتِجَاجِ بِهِ وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ لَيْسَ
الْمُرَادُ بِالْمَنَافِعِ هُنَا مُقَابِل الأَْعْيَانِ بَل كُل مَا
يُنْتَفَعُ بِهِ، وَعَدَّ مِنَ الْقَوَاعِدِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى هَذَا
الأَْصْل: الْقَوْل بِالْبَرَاءَةِ الأَْصْلِيَّةِ وَاسْتِصْحَابَ حُكْمِ
النَّفْيِ فِي كُل دَلِيلٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ حَتَّى يَدُل دَلِيلٌ عَلَى
الْوُجُوبِ (2) .
وَلِلتَّفْصِيل يُنْظَرُ الْمُلْحَقُ الأُْصُولِيُّ.
__________
(1) المرجع نفسه ص 141 - 142.
(2) البحر المحيط 6 / 12 - 13.
(39/111)
مُنَقِّلَةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمُنَقِّلَةُ - بِكَسْرِ الْقَافِ الْمُشَدَّدَةِ - لُغَةً:
الشَّجَّةُ الَّتِي تُنَقِّل الْعَظْمَ أَيْ تَكْسِرُهُ حَتَّى يَخْرُجَ
مِنْهَا فَرَاشُ الْعِظَامِ أَيْ رِقَاقُهَا (1) .
وَاصْطِلاَحًا: عَرَّفَهَا الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهَا: الَّتِي تَقْتَصِرُ
الْجِنَايَةُ عَلَى نَقْل الْعَظْمِ وَتَحْوِيلِهِ مِنْ غَيْرِ وُصُولِهِ
إِلَى الْجِلْدَةِ الَّتِي بَيْنَ الْعَظْمِ وَالدِّمَاغِ (2) .
وَعَرَّفَهَا الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهَا: مَا يُنَقَّل بِهَا فَرَاشُ
الْعَظْمِ أَيِ الْعَظْمُ الرَّقِيقُ الْكَائِنُ فَوْقَ الْعَظْمِ كَقِشْرِ
الْبَصَل أَيْ مَا يَزِيل مِنْهَا الطَّبِيبُ فَرَاشَ الْعَظْمِ
لِلدَّوَاءِ (3) .
وَعَرَّفَهَا الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهَا: هِيَ الَّتِي تُنَقِّل
__________
(1) البحر المحيط 6 / 12 - 13.
(2) العناية بهامش تكملة فتح القدير 8 / 312.
(3) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 4 / 252، والشرح الصغير 4 / 352.
(39/111)
الْعَظْمَ سَوَاءٌ أَوْضَحَتْهُ
وَهَشَّمَتْهُ أَوْ لاَ (1) .
وَعَرَّفَهَا الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهَا: هِيَ الَّتِي تُوَضِّحُ الْعَظْمَ
وَتُهَشِّمُهُ وَتُنَقِّل عِظَامَهَا بِتَكْسِيرِهَا (2) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمُنَقِّلَةِ:
أَوَّلاً - عَدَمُ وُجُوبِ الْقِصَاصِ:
2 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْمُنَقِّلَةَ لاَ يَجِبُ
فِيهَا قِصَاصٌ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهَا وَلِلْخَطَرِ الشَّدِيدِ فِي
الاِقْتِصَاصِ فِيهَا (3) .
وَقَدْ رَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: قَال: كَتَبَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا لأَِهْل الْيَمَنِ: وَفِيهِ: وَفِي
الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَةَ عَشْرَةَ مِنَ الإِْبِل (4) .
وَحَكَى ابْنُ المُنْذِرِ إِجْمَاعَ أَهْل الْعِلْمِ عَلَى ذَلِكَ (5) .
__________
(1) مغني المحتاج 4 / 26، والقليوبي 4 / 112.
(2) الشرح الصغير 4 / 352، ومغني المحتاج 4 / 26 - 58، وتبيين الحقائق 6 /
111 - 132، وكشاف القناع 5 / 558، 6 / 51 - 52 - 53، ونيل الأوطار 7 / 64.
(3) كشاف القناع 6 / 53.
(4) حديث: " وفي المنقلة خمسة عشرة من الإبل ". أخرجه النسائي (8 / 58 -
59) وخرجه ابن حجر في التلخيص (4 / 17 - 18) وتكلم على أسانيده، ونقل
تصحيحه عن جماعة من العلماء.
(5) نيل الأوطار 7 / 64، وكشاف القناع 6 / 53، ومغني المحتاج 4 / 26، 58،
وتبيين الحقائق 6 / 132، ورد المحتار 5 / 372، والشرح الصغير 4 / 353.
(39/112)
ثَانِيًا - شُرُوطُ وُجُوبِ دِيَةِ
الْمُنَقِّلَةِ
3 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الشُّرُوطِ اللاَّزِمَةِ لإِِيجَابِ هَذِهِ
الدِّيَةِ.
وَهَذِهِ الشُّرُوطُ هِيَ مَا وَرَدَ فِي تَعْرِيفِ كُل مَذْهَبٍ.
غَيْرَ أَنَّ لِلشَّافِعِيَّةِ تَفْصِيلاً آخَرَ:
فَقَالُوا: فِي الشَّجَّةِ الْمُنَقِّلَةِ بِالذَّكَرِ الْحُرِّ
الْمُسْلِمِ مَعَ إِيضَاحٍ وَهَشْمٍ خَمْسَةَ عَشَرَ بَعِيرًا.
وَنَصَّ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ إِذَا حَدَثَتِ الْمُنَقِّلَةُ
الْهَاشِمَةُ دُونَ إِيضَاحٍ وَدُونَ إِحْوَاجٍ إِلَيْهِ بِشَقٍّ وَدُونَ
سَرَايَةٍ فَالأَْصَحُّ أَنَّ فِيهَا عَشَرَةَ أَبْعِرَةٍ وَقِيل: فِيهَا
حُكُومَةٌ (1) .
ثَالِثًا - تَعَدُّدُ الْمُنَقِّلَةِ
4 - لِلْفُقَهَاءِ تَفْصِيلٌ فِي تَعَدُّدِ الْمُنَقِّلَةِ بَيَانُهُ
فِيمَا يَأْتِي:
قَال الْمَالِكِيَّةُ: وَيَتَعَدَّدُ الْوَاجِبُ فِي الْمُنَقِّلَةِ
بِتَعَدُّدِهَا إِنْ لَمْ تَتَّصِل بِبَعْضِهَا، بَل كَانَ بَيْنَ كُل
وَاحِدَةٍ فَاصِلٌ فَإِنِ اتَّصَلَتِ الْمُنَقِّلاَتُ بِأَنْ صَارَتْ
شَيْئًا وَاحِدًا فَلاَ يَتَعَدَّدُ الْوَاجِبُ لأَِنَّهَا وَاحِدَةٌ
مُتَّسِعَةٌ إِنْ كَانَ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ ضَرَبَاتٍ فِي فَوْرٍ،
فَلَوْ تَعَدَّدَتِ الْمُنَقِّلَةُ بِضَرَبَاتٍ فِي زَمَنٍ
__________
(1) الهداية مع تكملة فتح القدير 9 / 217، والزيلعي 6 / 132، والشرح الصغير
4 / 352، ومغني المحتاج 4 / 58.
(39/112)
مُتَرَاخٍ فَلِكُل جُرْحٍ حُكْمُهُ وَلَوِ
اتَّصَل (1) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ فِي تَفْصِيل الْمُنَقِّلَةِ مَا فِي تَفْصِيل
الْمُوضِحَةِ وَالْهَاشِمَةِ وَقَدْ فُصِّل حُكْمُ الْمُوضِحَةِ عَلَى
الْوَجْهِ التَّالِي: إِنْ عَمَّتِ الْمُوضِحَةُ الرَّأْسَ وَنَزَلَتْ
إِلَى الْوَجْهِ فَمُوضِحَتَانِ أَوْ لَمْ تَعُمَّ الرَّأْسَ وَنَزَلَتْ
إِلَى الْوَجْهِ فَمُوضِحَتَانِ لأَِنَّهُ أَوْضَحَهُ فِي عُضْوَيْنِ
فَكَانَ لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمُ نَفْسِهِ.
وَإِنْ أَوْضَحَهُ مُوضِحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ فَعَلَى الْجَانِي
أَرْشُ مُوضِحَتَيْنِ: عَشَرَةُ أَبْعِرَةٍ.
فَإِنْ خَرَقَ بَيْنَهُمَا الْجَانِي أَوْ ذَهَبَ مَا بَيْنَهُمَا
بِسَرَايَةٍ صَارَتَا مُوضِحَةً وَاحِدَةً كَمَا لَوْ أَوْضَحَهُ الْكُل
مِنْ غَيْرِ حَاجِزٍ.
وَإِنِ انْدَمَلَتِ الْمُوضِحَتَانِ ثُمَّ أَزَال الْجَانِي الْحَاجِزَ
بَيْنَهُمَا فَعَلَيْهِ أَرْشُ ثَلاَثِ مَوَاضِحَ لأَِنَّهُ اسْتَقَرَّ
عَلَيْهِ أَرْشُ الأُْولَيَيْنِ بِالاِنْدِمَال ثُمَّ لَزِمَهُ أَرْشُ
الثَّالِثَةِ.
وَإِنِ انْدَمَلَتْ إِحْدَاهُمَا ثُمَّ زَال الْحَاجِزُ بِفِعْلِهِ أَيِ
الْجَانِي أَوْ بِسَرَايَةِ الأُْخْرَى الَّتِي لَمْ تَنْدَمِل
فَمُوضِحَتَانِ لأَِنَّهُ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ أَرْشُ الَّتِي انْدَمَلَتْ
وَمَا عَدَاهَا مُوضِحَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا
غَيْرُهَا.
__________
(1) الشرح الصغير 4 / 384.
(39/113)
وَإِنْ خَرَقَهُ - أَيِ الْحَاجِزَ -
بَيْنَ الْمُوضِحَتَيْنِ أَجْنَبِيٌّ فَعَلَى الأَْوَّل أَرْشُ
مُوضِحَتَيْنِ وَعَلَى الثَّانِي أَرْشُ مُوضِحَةٍ وَاحِدَةٍ لأَِنَّ فِعْل
كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا لاَ يَنْبَنِي عَلَى فِعْل الآْخَرِ فَانْفَرَدَ
كُلٌّ مِنْهُمَا بِجِنَايَتِهِ.
وَإِنْ أَزَال الْحَاجِزَ بَيْنَ الْمُوضِحَتَيْنِ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ
فَعَلَى الأَْوَّل أَرْشُ مُوضِحَتَيْنِ لأَِنَّ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ
بِجِنَايَتِهِ فَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ شَيْءٌ بِفِعْل غَيْرِهِ. (1)
فَإِنِ اخْتَلَفَا فِيمَنْ خَرَقَهُ - أَيْ: الْحَاجِزَ بَيْنَ
الْمُوضِحَتَيْنِ - وَقَال الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ: أَنَا الْخَارِقُ لِمَا
بَيْنَهُمَا.
وَقَال الْجَانِي: بَل أَنَا شَقَقْتُ لِمَا بَيْنَهُمَا أَوْ قَال
الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ لِلْجَانِي: أَزَالَهَا آخَرُ سِوَاكَ صُدِّقَ
الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ لأَِنَّ سَبَبَ أَرْشِ الْمُوضِحَتَيْنِ
قَدْ وُجِدَ وَالْجَانِي يَدَّعِي زَوَالَهُ وَالْمَجْرُوحُ يُنْكِرُهُ
وَالْقَوْل قَوْل الْمُنْكِرِ لأَِنَّ الأَْصْل مَعَهُ.
وَإِنْ خَرَقَ الْجَانِي مَا بَيْنَهُمَا فِي الْبَاطِنِ بِأَنْ قَطَعَ
اللَّحْمَ الَّذِي بَيْنَهُمَا وَتَرَكَ الْجِلْدَ الَّذِي فَوْقَهُمَا
صَارَا مُوضِحَةً وَاحِدَةً لاِتِّصَالِهِمَا مِنَ الْبَاطِنِ كَمَا لَوْ
خَرَقَهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا.
__________
(1) كشاف القناع 6 / 52 - 53.
(39/113)
وَإِنْ خَرَقَ الْحَاجِزَ فِي الظَّاهِرِ
فَقَطْ فَثِنْتَانِ لِعَدَمِ اتِّصَالِهِمَا بَاطِنًا.
وَإِنْ جُرِحَ جِرَاحَةً وَاحِدَةً فِي طَرَفَيْهَا فَمُوضِحَتَانِ.
فَإِنْ كَانَتِ الشَّجَّةُ مُنَقِّلَةً وَمَا دُونَهَا فَعَلَيْهِ أَرْشُ
مُنَقِّلَةٍ فَقَطْ (1) .
__________
(1) كشاف القناع 6 / 52 - 53.
(39/114)
مَنْقُولٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمَنْقُول فِي اللُّغَةِ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ نَقَل يَنْقُل نَقْلاً
وَالنَّقْل: تَحْوِيل الشَّيْءِ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ وَبَابُهُ
نَصَرَ (1) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمَنْقُول عَلَى
رَأْيَيْنِ:
الرَّأْيُ الأَْوَّل: يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْمَنْقُول هُوَ
الشَّيْءُ الَّذِي يُمْكِنُ نَقْلُهُ مِنْ مَحَلٍّ إِلَى آخَرَ سَوَاءٌ
أَبَقِيَ عَلَى صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ الأُْولَى أَمْ تَغَيَّرَتْ
صُورَتُهُ وَهَيْئَتُهُ بِالنَّقْل وَالتَّحْوِيل وَيَشْمَل النُّقُودَ
وَالْعُرُوضَ وَالْحَيَوَانَاتِ وَالْمَكِيلاَتِ وَالْمَوْزُونَاتِ.
وَغَيْرُ الْمَنْقُول هُوَ: مَا لاَ يُمْكِنُ نَقْلُهُ مِنْ مَحَلٍّ إِلَى
آخَرَ كَالدُّورِ وَالأَْرَاضِي مِمَّا يُسَمَّى بِالْعَقَارِ (2) .
__________
(1) تاج العروس، ولسان العرب، والمصباح المنير، ومختار الصحاح، وقواعد
الفقه للبركتي.
(2) لمادة 128، 1019 من مجلة الأحكام العدلية، وقواعد الفقه للبركتي، ومغني
المحتاج 2 / 80، 296، والمغني 5 / 311، والدسوقي 3 / 476 - 477.
(39/114)
الرَّأْيُ الثَّانِي: وَهُوَ رَأْيُ
الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّ الْمَنْقُول يُطْلَقُ عَلَى مَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ
مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخَرَ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ
الأُْولَى كَالْمَلاَبِسِ وَالْكُتُبِ وَنَحْوِهَا (1) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَنْقُول:
تَتَعَلَّقُ بِالْمَنْقُول أَحْكَامٌ مِنْهَا:
أ - بَيْعُ الْمَنْقُول قَبْل قَبْضِهِ
2 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي بَيْعِ الْمَنْقُول قَبْل قَبْضِهِ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (الْبَيْعُ الْفَاسِدُ ف 16 بَيْعُ مَا
لَمْ يُقْبَضْ ف 1 وَمَا بَعْدَهَا قَبْضٌ ف 7 وَمَا بَعْدَهَا) .
ب - الشُّفْعَةُ فِي الْمَنْقُول
3 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِي الْمَنْقُول.
وَالتَّفْصِيل فِي (شُفْعَةٌ ف 23 25 26) .
ج - بَيْعُ الْوَصِيِّ مِنَ الْمَال الْمَنْقُول
4 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى جَوَازِ بَيْعِ الْوَصِيِّ مِنَ الْمَال
الْمُوصَى عَلَيْهِ إِذَا كَانَ الْمَال مِنَ
__________
(1) بداية المجتهد 2 / 282، والدسوقي 3 / 476.
(39/115)
الْمَنْقُولاَتِ وَكَانَ الْبَيْعُ
وَالشِّرَاءُ بِمِثْل الْقِيمَةِ أَوْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ وَهُوَ مَا
يَتَغَابَنُ فِيهِ النَّاسُ عَادَةً لأَِنَّ الْغَبْنَ الْيَسِيرَ لاَ
بُدَّ مِنْ حُصُولِهِ فِي الْمُعَامَلاَتِ الْمَالِيَّةِ فَإِذَا لَمْ
يُتَسَامَحْ فِيهِ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى سَدِّ بَابِ التَّصَرُّفَاتِ،
أَمَّا إِذَا كَانَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ بِمَا لاَ يَتَغَابَنُ فِيهِ
النَّاسُ عَادَةً فَإِنَّ الْعَقْدَ لاَ يَكُونُ صَحِيحًا.
أَمَّا إِذَا كَانَ الْمَال الْمُوصَى عَلَيْهِ عَقَارًا فَلاَ يَجُوزُ
لِلْوَصِيِّ أَنْ يَبِيعَ إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُسَوِّغٌ شَرْعِيٌّ
(1) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (إِيصَاءٌ ف 14) .
د - غَصْبُ الْمَنْقُول
5 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ
وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ الْغَصْبُ
فِي الْمَنْقُول،
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي غَصْبِ الْعَقَارِ عَلَى مَذَاهِبَ.
وَتَفْصِيلُهُ فِي (غَصْبٌ ف 9 وَمَا بَعْدَهَا) .
هـ - وَقْفُ الْمَنْقُول
6 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ
وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَزُفَرَ
__________
(1) تبيين الحقائق 6 / 212، والدر وحاشية ابن عابدين 6 / 711 ط الحلبي،
وشرح روض الطالب 3 / 70، والمنهاج وشرح المحلي 2 / 305، والمغني 4 / 241.
(39/115)
مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى جَوَازِ وَقْفِ
الْمَنْقُول كَوَقْفِ فَرَسٍ عَلَى الْغُزَاةِ وَسِلاَحٍ وَغَيْرِهِمَا؛
لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: مَنِ
احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيل اللَّهِ إِيمَانًا بِاللَّهِ وَتَصْدِيقًا
بِوَعْدِهِ فَإِنَّ شِبَعَهُ وَرِيَّهُ وَرَوْثَهُ وَبَوْلَهُ فِي
مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (1) وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: وَأَمَّا خَالِدٌ فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا، فَإِنَّهُ
احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيل اللَّهِ (2) وَرَوَى
الْخَلاَّل عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
ابْتَاعَتْ حُلِيًّا بِعِشْرِينَ أَلْفًا حَبَسَتْهُ عَلَى نِسَاءِ آل
الْخَطَّابِ فَكَانَتْ لاَ تُخْرِجُ زَكَاتَهُ (3) .
وَفِي الْقِيَاسِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لاَ يَجُوزُ وَقْفُ الْمَنْقُول
لأَِنَّ شَرْطَ الْوَقْفِ التَّأْبِيدُ وَالْمَنْقُول لاَ يَتَأَبَّدُ
فَتُرِكَ الْقِيَاسُ لِلآْثَارِ الَّتِي وَرَدَتْ فِيهِ.
وَأَمَّا وَقْفُ الْمَنْقُول قَصْدًا فَلاَ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
وَأَبِي يُوسُفَ وَيَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ إِذَا كَانَ مُتَعَارَفًا
بَيْنَ النَّاسِ لأَِنَّ التَّعَامُل بَيْنَ النَّاسِ يُتْرَكُ بِهِ
الْقِيَاسُ لِقَوْل ابْنِ مَسْعُودٍ: مَا
__________
(1) حديث: " من احتبس فرسًا. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 6 / 57 ط
السلفية) .
(2) حديث: " وأما خالد. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 331) ، ومسلم
(2 / 676 ط عيسى الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(3) منح الجليل 4 / 37، وحاشية الدسوقي 4 / 81، ومغني المحتاج 2 / 377 ط
مصطفى الحلبي، والمذهب 1 / 447، وشرح منتهى الإرادات 2 / 492.
(39/116)
رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ
عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ (1) .
وَقَال أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَجُوزُ وَقْفُ الْمَنْقُول تَبَعًا
لِلأَْرْضِ وَذَلِكَ اسْتِحْسَانًا لأَِنَّهُ قَدْ يَثْبُتُ مِنَ الْحُكْمِ
تَبَعًا مَا لاَ يَثْبُتُ مَقْصُودًا كَمَا إِذَا وَقَفَ ضَيْعَةً
بِبَقَرِهَا وَأَكَرَتِهَا وَكَذَلِكَ سَائِرُ آلاَتِ الْحِرَاثَةِ
لأَِنَّهَا تَبَعٌ لِلأَْرْضِ فِي تَحْصِيل مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَكَذَا
وَقْفُ السِّلاَحِ وَالْخَيْل يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا.
وَنُقِل فِي الْمُجْتَبَى عَنِ السِّيَرِ جَوَازُ وَقْفِ الْمَنْقُول
مُطْلَقًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَإِذَا جَرَى فِيهِ التَّعَامُل عِنْدَ أَبِي
يُوسُفَ وَالْمَشْهُورُ الأَْوَّل (2) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (وَقْفٌ) .
و كَيْفِيَّةُ قَبْضِ الْمَنْقُول
7 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ قَبْضِ الْمَنْقُول فَقَال
الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّ قَبْضَ
__________
(1) قول ابن مسعود: " ما رأى المسلمون حسنًا. . . ". أخرجه أحمد في مسنده
(1 / 379) ، وقال السخاوي في المقاصد الحسنة ص 581 ط دار الكتاب العربي،
موقوف حسن. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1 / 177 ط القدسي) رواه أحمد
والبزار والطبراني في الكبير ورجاله موثقون.
(2) حاشية ابن عابدين 3 / 374 ط بولاق، وبدائع الصنائع 6 / 220، والمبسوط
12 / 45، ومغني المحتاج 2 / 337، وشرح منتهى الإرادات 2 / 292.
(39/116)
الْمَنْقُول يَكُونُ بِالنَّقْل
وَالتَّحْوِيل.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: قَبْضُ الْمَنْقُول يَكُونُ بِالتَّنَاوُل
بِالْيَدِ أَوْ بِالتَّخْلِيَةِ عَلَى وَجْهِ التَّمْكِينِ (1) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (قَبْضٌ ف 7 وَمَا بَعْدَهَا) .
__________
(1) الفتاوى الهندية 3 / 16، ورد المحتار 4 / 561 ط مصطفى الحلبي، وشرح
المجلة للأتاسي 2 / 200.
(39/117)
مَنْكِبٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمَنْكِبُ فِي اللُّغَةِ كَالْمَجْلِسِ هُوَ مُجْتَمَعُ رَأْسِ
الْعَضُدِ وَالْكَتِفِ مِنْ يَدِ الإِْنْسَانِ وَجَمْعُ الْمَنْكِبِ
مَنَاكِبُ، وَمِنْهُ اسْتُعِيرَ لِلأَْرْضِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
{فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} (1) .
وَيَسْتَعْمِل الْفُقَهَاءُ هَذَا اللَّفْظَ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ
نَفْسِهِ (2) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَنْكِبِ:
تَتَعَلَّقُ بِالْمَنْكِبِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:
أَحْكَامُ الْمَنْكِبِ فِي الْوُضُوءِ
لِبَيَانِ حُكْمِ الْمَنْكِبِ فِي الْوُضُوءِ أَحْوَالٌ:
أ - غَسْل الْمَنْكِبِ فِي الْوُضُوءِ
2 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ غَسْل الْمَنْكِبِ عِنْدَ
الْوُضُوءِ عَلَى رَأْيَيْنِ:
__________
(1) سورة الملك / 15.
(2) المفردات في غريب القرآن، والمصباح المنير، والمعجم الوسيط، ومغني
المحتاج 4 / 27
(39/117)
الرَّأْيُ الأَْوَّل: يَرَى الْحَنَفِيَّةُ
وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ اسْتِحْبَابَ الزِّيَادَةِ فِي غَسْل
الْيَدَيْنِ عِنْدَ الْوُضُوءِ لِمَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُول: إِنَّ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا
مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ
يُطِيل غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَل (1) .
وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْتُمُ الْغُرُّ
الْمُحَجَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ فَمَنِ
اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ فَلْيُطِل غُرَّتَهُ وَتَحْجِيلَهُ (2) وَمَعْنَى
غُرًّا مُحَجَّلِينَ: بِيضُ الْوُجُوهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ
كَالْفَرَسِ الأَْغَرِّ وَهُوَ الَّذِي فِي وَجْهِهِ بَيَاضٌ،
وَالْمُحَجَّل هُوَ الَّذِي قَوَائِمُهُ بِيضٌ.
وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى اسْتِحْبَابِ غَسْل الْيَدَيْنِ فِي الْوُضُوءِ
حَتَّى الْمَنْكِبَيْنِ مِنَ الصَّحَابَةِ: أَبُو هُرَيْرَةَ وَعَبْدُ
اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (3) .
ثُمَّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْقَدْرِ الْمُسْتَحَبِّ مِنَ
__________
(1) حديث: " إن أمتي يأتون يوم القيامة غرًا. . . ". أخرجه البخاري (فتح
الباري 1 / 235 ط السلفية) ، ومسلم (1 / 216 ط عيسى الحلبي) ، واللفظ
لمسلم.
(2) حديث: " أنتم الغر المحجلون يوم القيامة. . . ". أخرجه مسلم (1 / 216 ط
عيسى الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(3) حاشية ابن عابدين 1 / 88، والمجموع للنووي 1 / 427 وما بعدها، ومغني
المحتاج 1 / 61، والمغني لابن قدامة 1 / 104 - 105، وفتح الباري 1 / 235 -
237، وسبل السلام 1 / 79 - 80.
(39/118)
التَّطْوِيل فِي التَّحْجِيل.
فَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ
الشَّافِعِيَّةِ فَلَمْ يُحِدُّوا لِلزِّيَادَةِ فِي غَسْل الأَْعْضَاءِ
فِي الْوُضُوءِ حَدًّا (1) .
وَلِلشَّافِعِيَّةِ أَقْوَالٌ أُخْرَى فِي تَحْدِيدِ حَدِّ الزِّيَادَةِ
فَقَال جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ يُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ فِي الْوُضُوءِ إِلَى
نِصْفِ السَّاقِ وَالْعَضُدِ.
وَقَال الْبَغَوِيُّ: نِصْفُ الْعَضُدِ فَمَا فَوْقَهُ، وَنِصْفُ السَّاقِ
فَمَا فَوْقَهُ.
وَقَال الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَآخَرُونَ: يَبْلُغُ بِهِ الإِْبِطَ
وَالرُّكْبَةَ وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ القَاضِيَ حُسَيْنَ قَال فِي
تَعْلِيقِهِ: إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ سُنَّةٌ إِطَالَةٌ لِلْغُرَّةِ، وَهُوَ
أَنْ يَسْتَوْعِبَ جَمِيعَ الْوَجْهِ بِالْغَسْلَةِ حَتَّى يَغْسِل جُزْءًا
مِنْ رَأْسِهِ وَيَغْسِل الْيَدَيْنِ إِلَى الْمَنْكِبَيْنِ
وَالرِّجْلَيْنِ إِلَى الرُّكْبَتَيْنِ (2) .
الرَّأْيُ الثَّانِي: وَهُوَ لِلْمَالِكِيَّةِ فَقَدْ نَصُّوا عَلَى
أَنَّهُ تُكْرَهُ كَثْرَةُ الزِّيَادَةِ عَلَى مَحَل الْفَرْضِ وَقَالُوا:
وَأَمَّا أَصْل الزِّيَادَةِ فَلاَ بُدَّ مِنْهَا لأَِنَّهُ مِنْ بَابِ مَا
لاَ يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلاَّ بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ (3) .
__________
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 88، والمغني 1 / 104 - 105، وكشاف القناع 1 /
105، ومغني المحتاج 1 / 61.
(2) المجموع 1 / 428.
(3) الشرح الصغير 1 / 128.
(39/118)
ب - غَسْل عُضْوٍ نَابِتٍ فِي الْمَنْكِبِ
عِنْدَ الْوُضُوءِ
3 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ غَسْل الْعُضْوِ النَّابِتِ فِي
الْمَنْكِبِ عِنْدَ الْوُضُوءِ.
فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ لَوْ خُلِقَ لَهُ يَدَانِ عَلَى
الْمَنْكِبِ فَالتَّامَّةُ هِيَ الأَْصْلِيَّةُ يَجِبُ غَسْلُهَا
وَالأُْخْرَى زَائِدَةٌ فَمَا حَاذَى مِنْهَا مَحَل الْفَرْضِ وَجَبَ
غَسْلُهُ وَإِلاَّ فَلاَ يَجِبُ بَل يُنْدَبُ غَسْلُهُ (1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: وَيَغْسِل الْمُتَوَضِّئُ يَدَيْهِ مَعَ
الْمِرْفَقَيْنِ وَيَغْسِل بَقِيَّةَ مِعْصَمٍ إِنْ قُطِعَ الْمِعْصَمُ،
كَمَا يَغْسِل كَفًّا خُلِقَتْ بِمَنْكِبٍ أَيْ مَفْصِل الْعَضُدِ مِنَ
الْكَتِفِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ يَدٌ غَيْرُهَا، فَإِنْ كَانَ لَهُ يَدٌ
غَيْرُهَا، وَكَانَ لَهَا مِرْفَقٌ أَوْ نَبَتَتْ فِي مَحَل الْفَرْضِ
وَجَبَ غَسْلُهَا أَيْضًا (2) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ نَبَتَ بِغَيْرِ مَحَل الْفَرْضِ إِصْبَعٌ
زَائِدَةٌ أَوْ سَلْعَةٌ وَجَبَ غَسْل مَا حَاذَى مِنْهَا مَحَل الْفَرْضِ
لِوُقُوعِ اسْمِ الْيَدِ عَلَيْهِ مَعَ مُحَاذَاتِهِ لِمَحَل الْفَرْضِ
بِخِلاَفِ مَا لَمْ يُحَاذِهِ، فَإِنْ لَمْ تَتَمَيَّزِ الزَّائِدَةُ عَنِ
الأَْصْلِيَّةِ بِأَنْ كَانَتَا أَصْلِيَّتَيْنِ أَوْ إِحْدَاهُمَا
زَائِدَةً وَلَمْ تَتَمَيَّزْ بِنَحْوِ
__________
(1) الفتاوى الهندية 1 / 4، والبحر الرائق 1 / 14.
(2) جواهر الإكليل 1 / 14، والفواكه الدواني 1 / 163 - 164، والشرح الصغير
مع حاشية الصاوي 1 / 107.
(39/119)
فُحْشِ قِصَرٍ وَنَقْصِ أَصَابِعَ وَضَعْفِ
بَطْشٍ غَسَلَهُمَا وُجُوبًا، سَوَاءٌ أَخَرَجَتَا مِنَ الْمَنْكِبِ أَمْ
مِنْ غَيْرِهِ لِيَتَحَقَّقَ الإِْتْيَانُ بِالْفَرْضِ بِخِلاَفِ نَظِيرِهِ
فِي السَّرِقَةِ. وَإِنْ كَانَتْ لَهُ يَدَانِ مُتَسَاوِيَتَانِ فِي
الْبَطْشِ وَالْخِلْقَةِ عَلَى مَنْكِبٍ أَوْ مِرْفَقٍ لَزِمَهُ
غَسْلُهُمَا لِوُقُوعِ اسْمِ الْيَدِ عَلَيْهِمَا. وَإِنْ كَانَتْ
إِحْدَاهُمَا تَامَّةً وَالأُْخْرَى نَاقِصَةً فَالتَّامَّةُ هِيَ
الأَْصْلِيَّةُ فَيَجِبُ غَسْلُهَا، وَأَمَّا النَّاقِصَةُ فَإِنْ خُلِقَتْ
فِي مَحَل الْفَرْضِ وَجَبَ غَسْلُهَا بِلاَ خِلاَفٍ عِنْدَهُمْ أَيْضًا
كَالإِْصْبَعِ الزَّائِدَةِ قَال الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ: وَسَوَاءٌ
جَاوَزَ طُولُهَا الأَْصْلِيَّةَ أَمْ لاَ قَال: وَمِنَ الْعَلاَمَاتِ
الْمُمَيِّزَةِ لِلزَّائِدَةِ: أَنْ تَكُونَ فَاحِشَةَ الْقِصَرِ
وَالأُْخْرَى مُعْتَدِلَةً، وَمِنْهَا: فَقْدُ الْبَطْشِ وَضَعْفُهُ
وَنَقْصُ الأَْصَابِعِ (1) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: وَإِنْ خُلِقَتْ لَهُ إِصْبَعٌ زَائِدَةٌ أَوْ يَدٌ
زَائِدَةٌ فِي مَحَل الْفَرْضِ وَجَبَ غَسْلُهَا مَعَ الأَْصْلِيَّةِ
لأَِنَّهَا نَابِتَةٌ فِيهِ شَبَهَتِ الثُّؤْلُول وَإِنْ كَانَتْ نَابِتَةً
فِي غَيْرِ مَحَل الْفَرْضِ كَالْعَضُدِ أَوِ الْمَنْكِبِ لَمْ يَجِبْ
غَسْلُهَا سَوَاءٌ كَانَتْ قَصِيرَةً أَوْ طَوِيلَةً لأَِنَّهَا فِي غَيْرِ
مَحَل الْفَرْضِ فَأَشْبَهَتْ شَعْرَ الرَّأْسِ إِذَا نَزَل عَنِ الْوَجْهِ
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَهَذَا قَوْل ابْنُ حَامِدٍ وَابْنُ عَقِيلٍ وَقَال
__________
(1) مغني المحتاج 1 / 52 - 53، والمجموع 1 / 388 - 389.
(39/119)
الْقَاضِي: إِنْ كَانَ بَعْضُهَا يُحَاذِي
مَحَل الْفَرْضِ غَسَل مَا يُحَاذِيهِ مِنْهَا وَالأَْوَّل أَصَحُّ (1) .
ج - غَسْل الْمَنْكِبِ عِنْدَ قَطْعِ الْيَدِ مِنَ الْمِرْفَقِ
4 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ غَسْل الْمَنْكِبِ فِي الْوُضُوءِ
عِنْدَ قَطْعِ الْيَدِ مِنَ الْمِرْفَقِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ
مَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ وَلَمْ يَبْقَ مِنَ الْمِرْفَقِ شَيْءٌ سَقَطَ
الْغُسْل لِعَدَمِ مَحَلِّهِ وَإِنْ قُطِعَتْ يَدُهُ مِنْ دُونِ
الْمِرْفَقِ وَجَبَ غَسْل مَا بَقِيَ مِنْ مَحَل الْفَرْضِ (2) .
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ: أَنَّ مَنْ قُطِعَ مِنْ مَنْكِبَيْهِ نُدِبَ
غَسْل مَحَل الْقَطْعِ بِالْمَاءِ (3) .
أَحْكَامُ الْمَنْكِبِ فِي الصَّلاَةِ
أ - رَفْعُ الْيَدَيْنِ حَذْوَ الْمَنْكِبَيْنِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ
الإِْحْرَامِ
5 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمَدَى الَّذِي تُرْفَعُ إِلَيْهِ
الْيَدَانِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الإِْحْرَامِ هَل تُرْفَعُ إِلَى شَحْمَتَيِ
الأُْذُنَيْنِ أَوْ إِلَى الْمَنْكِبَيْنِ وَهَل
__________
(1) المغني لابن قدامة 1 / 123.
(2) الفتاوى الهندية 1 / 5، ومواهب الجليل 1 / 192، والفواكه الدواني 1 /
163، والمغني 1 / 123.
(3) مغني المحتاج 1 / 52.
(39/120)
يَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الرَّجُل
وَالْمَرْأَةُ؟
يُنْظَرُ تَفْصِيلُهُ فِي (صَلاَةٌ ف 57 وَمَا بَعْدَهَا) .
ب - رَفْعُ الْيَدَيْنِ حَذْوَ الْمَنْكِبَيْنِ عِنْدَ تَكْبِيرَاتِ
الاِنْتِقَال
6 - اتَّفَقَ الْقَائِلُونَ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ تَكْبِيرَاتِ
الاِنْتِقَال عَلَى كَوْنِ حُكْمِ رَفْعِهَا كَحُكْمِ الرَّفْعِ فِي
تَكْبِيرَةِ الإِْحْرَامِ وَاخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ مُحَاذَاةِ الْيَدَيْنِ
إِلَى الْمَنْكِبَيْنِ عِنْدَ الرَّفْعِ.
وَالتَّفْصِيل فِي (صَلاَةٌ ف 60 - 61 73) .
ج - وَضْعُ الْيَدَيْنِ حَذْوَ الْمَنْكِبَيْنِ فِي السُّجُودِ
7 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَضَعُ فِيهِ
الْمُصَلِّي يَدَيْهِ عِنْدَ سُجُودِهِ:
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ
لِلسَّاجِدِ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ: أَيْ
مُقَابِلَهُمَا (1) لِحَدِيثِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا سَجَدَ أَمْكَنَ أَنْفَهُ وَجَبْهَتَهُ مِنَ
الأَْرْضِ وَنَحَّى يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ وَوَضَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ
مَنْكِبَيْهِ (2) .
__________
(1) مغني المحتاج 1 / 170، وكشاف القناع 1 / 353.
(2) حديث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد أمكن أنفه وجبهته. .
. ". أخرجه الترمذي (2 / 59 ط الحلبي) من حديث أبي حميد الساعدي، وقال:
حديث أبي حميد الساعدي حسن صحيح، والعمل عليه عند أهل العلم.
(39/120)
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ
يُسَنُّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَضَعَ وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ بِحَيْثُ
يَكُونُ إِبْهَامَاهُ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ لِحَدِيثِ وَائِل بْنِ حَجَرٍ:
أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ كَانَ إِذَا سَجَدَ وَضَعَ
وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ (1) وَقَال ابْنُ الهُمَامِ: وَمَنْ يَضَعُ
كَذَلِكَ تَكُونُ يَدَاهُ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ (2) وَلِمَا وَرَدَ عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ قَال: سَأَلْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ: أَيْنَ كَانَ
رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُ جَبْهَتَهُ إِذَا
صَلَّى؟ قَال بَيْنَ كَفَّيْهِ (3) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلسَّاجِدِ أَنْ يَضَعَ
يَدَيْهِ حَذْوَ أُذُنَيْهِ أَوْ قُرْبَهُمَا (4) .
قَال الْخَرَشِيُّ: وَظَاهِرُ كَلاَمِ خَلِيلٍ كَالرِّسَالَةِ
__________
(1) حديث: " أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا سجد وضع وجهه. . . ". أخرجه
أبو داود (1 / 472 ط حمص) من حديث وائل بن حُجْر، والطحاوي في شرح معاني
الآثار (1 / 257 ط الأنوار المحمدية) ، واللفظ للطحاوي.
(2) فتح القدير 1 / 212 ط بولاق، وحاشية ابن عابدين 1 / 335.
(3) حديث البراء: " أين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع. . . ".
أخرجه الطحاوي في معاني الآثار (1 / 257 ط الأنوار المحمدية) ، وأخرجه
الترمذي (2 / 60 ط الحلبي) ، بلفظ: وجهه، وقال: حديث حسن صحيح غريب
(4) حاشية الدسوقي 1 / 249، والشرح الصغير 1 / 328.
(39/121)
تَسَاوِي الْحَالَتَيْنِ فِي الْحُكْمِ
وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلاَمِهِمَا مِقْدَارُ الْقُرْبِ الَّذِي يَقُومُ
مَقَامَ الْمُحَاذَاةِ فِي النَّدْبِ فَإِنَّهُ يَحْتَمِل أَنْ يَكُونَ
بِحَيْثُ تَكُونُ أَطْرَافُ أَصَابِعِهِ مُحَاذِيَةً لَهُمَا وَيَحْتَمِل
غَيْرَ ذَلِكَ (1) .
وَقَال ابْنُ نَاجِي: وَيُحْتَمَل أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ قَال
الْعَدَوِيُّ: نَعَمْ قَوْل الْقَيْرَوَانِيِّ " أَوْ دُونَ ذَلِكَ "
يَحْتَمِل الْمَنْكِبَيْنِ أَوِ الصَّدْرَ وَهُوَ الأَْقْرَبُ، فَقَدْ قَال
بِحَذْوِ الْمَنْكِبَيْنِ ابْنُ مَسْلَمَةَ وَقَال بِحَذْوِ الصَّدْرِ
ابْنُ شَعْبَانَ (2) .
د - مُحَاذَاةُ الْمَنَاكِبِ فِي صُفُوفِ صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ
8 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي تَسْوِيَةِ
صُفُوفِ صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ مُحَاذَاةُ الْمَنَاكِبِ وَإِلْزَاقُ كُل
وَاحِدٍ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ فِي الصَّفِّ، وَذَلِكَ حَتَّى
لاَ يَكُونَ خَلَلٌ أَوْ فُرَجٌ فِي الصُّفُوفِ (3) لِحَدِيثِ أَنَسٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَال:
__________
(1) الخرشي 1 / 285.
(2) جواهر الإكليل 1 / 51، وحاشية العدوي على الرسالة 1 / 236.
(3) المجموع للنووي 4 / 226 - 227، وكشاف القناع 1 / 328، والقوانين
الفقهية ص 70، وفتح القدير 1 / 311، وسبل السلام 2 / 63 - 64، وفتح الباري
2 / 211.
(39/121)
00 أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ فَإِنِّي
أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي وَكَانَ أَحَدُنَا يَلْزَقُ مَنْكِبَهُ
بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ وَقَدَمَهُ بِقَدَمِهِ (1) .
وَلِحَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَال:
أَقْبَل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّاسِ
بِوَجْهِهِ فَقَال: أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ ثَلاَثًا وَاللَّهِ لَتُقِيمُنَّ
صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ قَال:
فَرَأَيْتُ 2 الرَّجُل يَلْزَقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ
وَرُكْبَتَهُ بِرُكْبَةِ صَاحِبِهِ وَكَعْبَهُ بِكَعْبِهِ (2) وَلِحَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَال: إِنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: أَقِيمُوا الصُّفُوفَ وَحَاذُوا بَيْنَ
الْمَنَاكِبِ وَسُدُّوا الْخَلَل وَلِينُوا بِأَيْدِي إِخْوَانِكُمْ وَلاَ
تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ وَمَنْ وَصَل صَفًّا وَصَلَهُ اللَّهُ
وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللَّهُ (3) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ ف 24) .
الْجِنَايَةُ عَلَى الْمَنْكِبِ
9 - الْجِنَايَةُ عَلَى الْمَنْكِبِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ عَمْدًا أَوْ
خَطَأً.
__________
(1) حديث: " أقيموا صفوفكم. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 2 / 211 ط
السلفية) .
(2) حديث: " أقيموا صفوفكم ثلاثًا. . . ". أخرجه أبو داود (1 / 431 ط حمص)
.
(3) حديث: " أقيموا الصفوف وحاذوا. . . ". أخرجه أبو داود (1 / 433 ط حمص)
.
(39/122)
فَإِذَا كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَلَى
الْمَنْكِبِ عَمْدًا وَكَانَ الْقَطْعُ مِنْ مَفْصِل الْمَنْكِبِ يَجِبُ
الْقِصَاصُ عِنْدَ تَوَافُرِ شُرُوطِهِ (1) .
(ر: جِنَايَةٌ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ ف 13 وَمَا بَعْدَهَا) .
أَمَّا إِذَا أَدَّتِ الْجِنَايَةُ إِلَى قَطْعِ الْيَدِ مِنَ الْمَنْكِبِ
خَطَأً فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ نِصْفِ الدِّيَةِ
فِيهَا وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ حُكُومَةِ عَدْلٍ فِيمَا زَادَ عَلَى
الْكَفِّ إِلَى الْمَنْكِبِ.
وَلِلتَّفْصِيل (ر: دِيَاتٌ ف 43) .
__________
(1) بدائع الصنائع 7 / 298، ومغني المحتاج 4 / 27، والمغني 7 / 709، وحاشية
العدوي على شرح الرسالة 2 / 275.
(39/122)
مُنْكَرٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمُنْكَرُ لُغَةً: بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ اسْمُ
مَفْعُولٍ مِنْ أَنْكَرَ وَهُوَ: خِلاَفُ الْمَعْرُوفِ.
وَالْمُنْكَرُ: الأَْمْرُ الْقَبِيحُ.
وَأَنْكَرْتُ عَلَيْهِ فِعْلَهُ إِنْكَارًا: إِذَا عِبْتَهُ وَنَهَيْتَهُ،
وَأَنْكَرْتُ حَقَّهُ: جَحَدْتَهُ.
وَالْمُنْكَرُ فِي الاِصْطِلاَحِ: مَا لَيْسَ فِيهِ رِضَا اللَّهِ مِنْ
قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ (1) .
وَالْمُنْكَرُ مِنَ الْحَدِيثِ: الْفَرْدُ الَّذِي لاَ يُعْرَفُ مَتْنُهُ
مِنْ غَيْرِ جِهَةِ رَاوِيهِ فَلاَ مُتَابِعَ لَهُ فِيهِ بَل وَلاَ شَاهِدَ
(2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْمَعْرُوفُ:
2 - الْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ: الْخَيْرُ وَالرِّفْقُ
__________
(1) المصباح المنير، والتعريفات للجرجاني، وإتحاف السادة المتقين 7 / 3،
والمفردات في غريب القرآن، والنهاية في غريب الحديث والأثر 5 / 115.
(2) فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي 1 / 235.
(39/123)
وَالإِْحْسَانُ وَهُوَ ضِدُّ الْمُنْكَرِ
(1) .
الْمَعْرُوفُ اصْطِلاَحًا: هُوَ مَا قَبِلَهُ الْعَقْل وَأَقَرَّهُ
الشَّرْعُ وَوَافَقَهُ كَرَمُ الطَّبْعِ (2) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمُنْكَرِ وَالْمَعْرُوفِ التَّضَادُّ.
ب - الْمَعْصِيَةُ:
3 - الْمَعْصِيَةُ لُغَةً: الْخُرُوجُ مِنَ الطَّاعَةِ وَمُخَالَفَةُ
الأَْمْرِ (3) .
وَاصْطِلاَحًا: مُخَالَفَةُ الأَْمْرِ قَصْدًا.
وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ الْمُنْكَرِ وَالْمَعْصِيَةِ أَنَّ الْمُنْكَرَ
أَعَمُّ مِنَ الْمَعْصِيَةِ (4) .
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
4 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُنْكَرَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ
وَقَدْ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
وَالإِْجْمَاعِ.
فَمِنَ الْكِتَابِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ
يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ
الْمُنْكَرِ} (5) .
وَمِنَ السُّنَّةِ قَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ
يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ
أَضْعَفُ الإِْيمَانِ (6) .
__________
(1) القاموس المحيط والمصباح المنير ومختار الصحاح.
(2) المعجم الوسيط ومختار الصحاح.
(3) المعجم الوسيط ومختار الصحاح.
(4) التعريفات للجرجاني ص 283، وشرح إحياء علوم الدين للغزالي 7 / 34.
(5) سورة آل عمران / 104.
(6) حديث: " من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده. . . ". أخرجه مسلم (1 / 69 ط
عيسى الحلبي) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(39/123)
وَحَكَى النَّوَوِيُّ الإِْجْمَاعَ عَلَى
وُجُوبِ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ (1) .
وَانْظُرْ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (الأَْمْرُ بِالْمَعْرُوفِ
وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ ف 3) .
5 - وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ هَل
هُوَ فَرْضُ عَيْنٍ أَوْ فَرْضُ كِفَايَةٍ أَوْ نَافِلَةٌ؟ وَتَفْصِيل
ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (الأَْمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ
الْمُنْكَرِ ف 3) .
شُرُوطُ الْمُنْكَرِ:
6 - يُشْتَرَطُ فِي الْمُنْكَرِ الْمَطْلُوبِ تَغْيِيرُهُ مَا يَلِي:
الشَّرْطُ الأَْوَّل: أَنْ يَكُونَ مَحْظُورًا فِي الشَّرْعِ.
الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُنْكَرُ مَوْجُودًا فِي
__________
(1) النووي على صحيح مسلم 2 / 22، والفواكه الدواني 2 / 394.
(39/124)
الْحَال بِأَنْ يَكُونَ الْفَاعِل
مُسْتَمِرًّا عَلَى فِعْل الْمُنْكَرِ فَإِنْ عُلِمَ مِنْ حَالِهِ تَرْكُ
الاِسْتِمْرَارِ عَلَى الْفِعْل لَمْ يَجُزْ إِنْكَارُ مَا وَقَعَ عَلَى
الْفِعْل.
الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمُنْكَرُ ظَاهِرًا بِغَيْرِ
تَجَسُّسٍ.
الشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الْمُنْكَرُ مَعْلُومًا بِغَيْرِ
اجْتِهَادٍ أَيْ أَنْ يَكُونَ الْمُنْكَرُ مُجْمَعًا عَلَى تَحْرِيمِهِ (1)
.
وَقَال الْغَزَالِيُّ: وَلاَ يَقْتَصِرُ الإِْنْكَارُ عَلَى الْكَبِيرَةِ
بَل يَجِبُ النَّهْيُ عَنِ الصَّغَائِرِ أَيْضًا (2) .
قَال الزُّرْقَانِيُّ: يُشْتَرَطُ فِي الْمُنْكَرِ الَّذِي يَجِبُ
تَغْيِيرُهُ: مَعْرِفَتُهُ، وَأَنْ لاَ يُؤَدِّيَ ذَلِكَ إِلَى مَا هُوَ
أَعْظَمُ مِنْهُ مَفْسَدَةً، وَأَنْ يُظَنَّ الإِْفَادَةُ.
وَالأَْوَّلاَنِ شَرْطَانِ لِلْجَوَازِ فَيَحْرُمُ عِنْدَ فَقْدِهِمَا،
وَالثَّالِثُ لِلْوُجُوبِ فَيَسْقُطُ عِنْدَ عَدَمِ ظَنِّ الإِْفَادَةِ،
وَيَبْقَى الْجَوَازُ إِنْ لَمْ يَتَأَذَّ فِي بَدَنِهِ أَوْ عِرْضِهِ،
وَإِلاَّ انْتَفَى الْجَوَازُ أَيْضًا.
وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا فِي الْمُنْكَرِ الَّذِي يَجِبُ
__________
(1) الفواكه الدواني 2 / 394، وشرح إحياء علوم الدين 7 / 34، وشرح الزرقاني
3 / 108، 109، والآداب الشرعية 1 / 175 وما بعدها.
(2) إحياء علوم الدين بهامش شرح إتحاف السادة المتقين 7 / 34، والآداب
الشرعية 1 / 175 وما بعدها، وتفسير القرطبي 16 / 332.
(39/124)
تَغْيِيرُهُ: أَنْ يَكُونَ مِمَّا أُجْمِعَ
عَلَى تَحْرِيمِهِ أَوْ ضَعُفَ مَدْرَكُ الْقَائِل بِجَوَازِهِ، وَأَمَّا
مَا اخْتُلِفَ فِيهِ فَلاَ يُنْكَرُ عَلَى مُرْتَكِبِهِ إِنْ عُلِمَ
أَنَّهُ يَعْتَقِدُ تَحْلِيلَهُ بِتَقْلِيدِهِ الْقَائِل بِالْحِل.
وَلاَ يُشْتَرَطُ فِي النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ إِذْنُ الإِْمَامِ وَلاَ
عَدَالَةُ الآْمِرِ أَوِ النَّاهِي عَلَى الْمَشْهُورِ (1) لِحَدِيثِ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَال: قُلْنَا يَا رَسُول اللَّهِ لاَ نَأْمُرُ
بِالْمَعْرُوفِ حَتَّى نَعْمَل بِهِ وَلاَ نَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى
نَجْتَنِبَهُ كُلَّهُ، فَقَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: بَل مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَإِنْ لَمْ تَعْمَلُوا بِهِ
وَانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَإِنْ لَمْ تَجْتَنِبُوهُ كُلَّهُ (2) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (حِسْبَةٌ ف 28 - 33) .
شُرُوطُ الإِْنْكَارِ
7 - مِنْ شُرُوطِ الإِْنْكَارِ: أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لاَ
يُفْضِي إِلَى مَفْسَدَةٍ وَأَنْ يَأْمَنَ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ خَوْفَ
التَّلَفِ.
__________
(1) شرح الزرقاني 3 / 108 - 109.
(2) حديث أنس: " قلنا يا رسول الله. . . ". أخرجه الطبراني في الصغير (2 /
176 ط المكتب الإسلامي - بيروت) . وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (7 / 277 -
ط القدسي) : رواه الطبراني في الصغير والأوسط من طريق عبد السلام بن عبد
القدوس بن حبيب عن أبيه، وهما ضعيفان.
(39/125)
وَلِلتَّفْصِيل انْظُرْ (الأَْمْرُ
بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ ف 4) .
الإِْنْكَارُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ
8 - قَال الْقُرْطُبِيُّ: لِلظَّنِّ حَالَتَانِ: حَالَةٌ تُعْرَفُ
وَتَقْوَى بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الدَّلاَلَةِ فَيَجُوزُ الْحُكْمُ بِهَا،
وَأَكْثَرُ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ
كَالْقِيَاسِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ قِيَمِ
الْمُتْلَفَاتِ وَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ.
وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَقَعَ فِي النَّفْسِ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ
دَلاَلَةٍ فَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ ضِدِّهِ فَهَذَا هُوَ
الشَّكُّ فَلاَ يَجُوزُ الْحُكْمُ بِهِ وَهُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ.
وَقَال الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ: يَجِبُ إِنْكَارُ الْمُنْكَرِ فِي
مِثْل الْحَالاَتِ التَّالِيَةِ:
الأُْولَى: لَوْ رَأَى إِنْسَانًا يَسْلُبُ ثِيَابَ إِنْسَانٍ لَوَجَبَ
عَلَيْهِ الإِْنْكَارُ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى الظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ
مِنْ ظَاهِرِ يَدِ الْمَسْلُوبِ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ رَأَى رَجُلاً يَجُرُّ امْرَأَةً إِلَى مَنْزِلِهِ
يَزْعُمُ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ وَهِيَ تُنْكِرُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجِبُ
الإِْنْكَارُ عَلَيْهِ لأَِنَّ الأَْصْل عَدَمُ مَا ادَّعَاهُ.
الثَّالِثَةُ: لَوْ رَأَى إِنْسَانًا يَقْتُل إِنْسَانًا يَزْعُمُ أَنَّهُ
كَافِرٌ حَرْبِيٌّ دَخَل إِلَى دَارِ الإِْسْلاَمِ بِغَيْرِ أَمَانٍ وَهُوَ
يُكَذِّبُهُ فِي ذَلِكَ لَوَجَبَ عَلَيْهِ الإِْنْكَارُ
(39/125)
لأَِنَّ اللَّهَ خَلَقَ عِبَادَهُ
حُنَفَاءَ، وَالدَّارُ دَالَّةٌ عَلَى إِسْلاَمِ أَهْلِهَا لِغَلَبَةِ
الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهَا، فَفِي هَذِهِ الْحَالاَتِ وَأَمْثَالِهَا
يُعْمَل بِالظُّنُونِ فَإِنْ أَصَابَ مَنْ قَامَ بِهَا فَقَدْ أَدَّى مَا
أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذَا قَصَدَ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى
وَإِنْ لَمْ يُصِبْ كَانَ مَعْذُورًا وَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ فِي فِعْلِهِ
(1) .
أَقْسَامُ الْمُنْكَرِ
9 - الْمُنْكَرُ يَنْقَسِمُ إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: مَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَالثَّانِي: مَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ الآْدَمِيِّينَ.
وَالثَّالِثُ: مَا كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ.
فَأَمَّا النَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَعَلَى
ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: مَا تَعَلَّقَ بِالْعِبَادَاتِ، وَالثَّانِي: مَا تَعَلَّقَ
بِالْمَحْظُورَاتِ، وَالثَّالِثُ: مَا تَعَلَّقَ بِالْمُعَامَلاَتِ.
وَانْظُرْ تَفْصِيل حُكْمِ كُل فَرْعٍ مِنْهَا فِي مُصْطَلَحِ (حِسْبَةٌ ف
34) .
وُجُودُ الْمُنْكَرِ فِي الْوَلِيمَةِ
10 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ وُجُودَ الْمُنْكَرِ فِي
الْوَلِيمَةِ يُبِيحُ عَدَمَ إِجَابَةِ الْمَدْعُوِّ إِلَيْهَا إِلاَّ
إِذَا
__________
(1) تفسير القرطبي 16 / 332، وقواعد الأحكام 2 / 48 - 49.
(39/126)
غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَسْتَطِيعُ
إِزَالَةَ هَذَا الْمُنْكَرِ وَذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ (1) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (وَلِيمَةٌ) .
إِبَاحَةُ الْغِيبَةِ لِتَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ
11 - قَال النَّوَوِيُّ: تُبَاحُ الْغِيبَةُ بِسِتَّةِ أَسْبَابٍ وَعَدَّ
مِنْهَا: الاِسْتِعَانَةُ عَلَى تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ وَرَدِّ الْعَاصِي
إِلَى الصَّوَابِ فَيَقُول لِمَنْ يَرْجُو قُدْرَتَهُ عَلَى إِزَالَةِ
الْمُنْكَرِ: فُلاَنٌ يَعْمَل كَذَا فَازْجُرْهُ عَنْهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ
وَيَكُونُ مَقْصُودُهُ إِزَالَةَ الْمُنْكَرِ فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ
كَانَ حَرَامًا (2) .
وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ (غِيبَةٌ ف 10) .
الْكِتَابَةُ إِلَى ذِي وِلاَيَةٍ لِتَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ
12 - جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ لِلْحَنَفِيَّةِ: رَجُلٌ عَلِمَ
أَنَّ فُلاَنًا يَتَعَاطَى مِنَ الْمُنْكَرِ هَل يَحِل لَهُ أَنْ يَكْتُبَ
إِلَى أَبِيهِ بِذَلِكَ؟ قَالُوا: إِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ كَتَبَ
إِلَى أَبِيهِ يَمْنَعْهُ الأَْبُ مِنْ ذَلِكَ وَيَقْدِرُ عَلَيْهِ يَحِل
لَهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ أَبَاهُ لَوْ أَرَادَ
مَنْعَهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لاَ يَكْتُبُ.
وَكَذَلِكَ فِيمَا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَبَيْنَ السُّلْطَانِ
__________
(1) شرح الزرقاني 4 / 53، وكشاف القناع 5 / 170، وروضة الطالبين 7 / 334.
(2) روضة الطالبين 7 / 33.
(39/126)
وَالرَّعِيَّةِ وَالْحَشَمِ إِنَّمَا
يَجِبُ الأَْمْرُ بِالْمَعْرُوفِ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُمْ يَسْتَمِعُونَهُ.
كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَلَوْ أَرَادَ الأَْبُ أَنْ يَأْمُرَ وَلَدَهُ بِشَيْءٍ وَيَخَافُ أَنَّهُ
لَوْ أَمَرَهُ لاَ يَمْتَثِل أَمْرَهُ يَقُول لَهُ: يَا وَلَدِي إِنْ
فَعَلْتَ كَذَا أَوْ إِنْ لَمْ تَفْعَل كَذَا يَكُونُ حَسَنًا وَلاَ
يَأْمُرُهُ حَتَّى لاَ يَلْحَقَهُ عُقُوبَةُ الْعُقُوقِ (1) .
إِظْهَارُ أَهْل الذِّمَّةِ الْمُنْكَرَ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ
13 - يَتَضَمَّنُ عَقْدُ الذِّمَّةِ شُرُوطًا يَلْزَمُ أَهْل الذِّمَّةِ
الاِلْتِزَامُ بِهَا وَمِنْهَا عَدَمُ إِظْهَارِ الْمُنْكَرِ.
وَلِلتَّفْصِيل انْظُرْ مُصْطَلَحَ (أَهْل الذِّمَّةِ ف 9) .
التَّدَرُّجُ فِي النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ
14 - تَغْيِيرُ الْمُنْكَرِ لَهُ مَرَاتِبُ إِذْ يَتَدَرَّجُ مِنَ
التَّنْبِيهِ وَالتَّذْكِيرِ إِلَى الْوَعْظِ وَالتَّخْوِيفِ، ثُمَّ
الزَّجْرِ وَالتَّأْنِيبِ، ثُمَّ التَّغْيِيرِ بِالْيَدِ، ثُمَّ إِيقَاعِ
الْعُقُوبَةِ بِالنَّكَال وَالضَّرْبِ، وَأَخِيرًا الاِسْتِعْدَاءُ
وَرَفْعُ الأَْمْرِ إِلَى الْحَاكِمِ.
وَلِلتَّفْصِيل انْظُرْ مُصْطَلَحَ (حِسْبَةٌ ف 42 - 48) .
__________
(1) الفتاوى الهندية 5 / 353 - 354.
(39/127)
صُوَرٌ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ
أ - مُنْكَرَاتُ الْمَسَاجِدِ
15 - قَال الْغَزَالِيُّ: مِمَّا يُشَاهَدُ كَثِيرًا فِي الْمَسَاجِدِ
إِسَاءَةُ الصَّلاَةِ بِتَرْكِ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ
وَالسُّجُودِ وَهُوَ مُنْكَرٌ مُبْطِلٌ لِلصَّلاَةِ فَيَجِبُ النَّهْيُ
عَنْهُ وَمَنْ رَأَى مُسِيئًا فِي صَلاَتِهِ فَسَكَتَ عَلَيْهِ فَهُوَ
شَرِيكُهُ فِي الْحُرْمَةِ (1) هَكَذَا وَرَدَ الأَْثَرُ عَنْ بَعْضِ
الصَّحَابَةِ وَفِي الْخَبَرِ النَّبَوِيِّ مَا يَدُل عَلَيْهِ فَقَدْ
وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: الْمُغْتَابُ وَالْمُسْتَمِعُ شَرِيكَانِ فِي
الإِْثْمِ (2) .
وَكَذَلِكَ كُل مَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الصَّلاَةِ مِنْ نَجَاسَةٍ عَلَى
ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ أَوْ مَوْضِعِ الصَّلاَةِ لاَ يَرَاهَا أَوِ
انْحِرَافٍ عَنْ سَمْتِ الْقِبْلَةِ بِسَبَبِ ظَلاَمٍ أَوْ عَمَى
الْبَصَرِ، فَكُل ذَلِكَ تَجِبُ الْحِسْبَةُ فِيهِ وَيَجِبُ إِرْشَادُهُ
بِذَلِكَ.
وَمِنْهَا: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِاللَّحْنِ أَيْ بِالْخَطَأِ يَجِبُ
النَّهْيُ عَنْهُ وَيَجِبُ تَلْقِينُ الصَّحِيحِ وَتَكْرَارُهُ لَهُ حَتَّى
يَعْرِفَهُ.
__________
(1) إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين 7 / 52 - 53.
(2) حديث: " المغتاب والمستمع شريكان ". ذكره الغزالي في إحياء علوم الدين
(1 / 242 ط الحلبي) وقال العراقي: غريب، وللطبراني من حديث ابن عمر بسند
ضعيف: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغيبة وعن الاستماع إلى
الغيبة ". (الطبراني في الأوسط 3 / 200 ط مكتبة المعارف - الرياض) .
(39/127)
وَمِنْهَا تَرَاسُل الْمُؤَذِّنِينَ فِي
الأَْذَانِ وَتَطْوِيلُهُمْ فِي كَلِمَاتِهِ بِحَيْثُ يَضْطَرِبُ عَلَى
الْحَاضِرِينَ جَوَابُ الأَْذَانِ لِتَدَاخُل الأَْصْوَاتِ، فَكُل ذَلِكَ
مُنْكَرَاتٌ مَكْرُوهَةٌ يَجِبُ تَعْرِيفُهَا إِيَّاهُمْ وَإِرْشَادُهُمْ
إِلَى مَا يُسَنُّ فِي الأَْذَانِ وَآدَابِهِ.
وَمِنْ مُنْكَرَاتِ الْمَسَاجِدِ: كَلاَمُ الْقُصَّاصِ وَالْوُعَّاظِ
الَّذِينَ يَمْزُجُونَ بِكَلاَمِهِمُ الْبِدْعَةَ مِمَّا لَيْسَ فِي
سِيرَةِ السَّلَفِ فَالْقَاصُّ إِنْ كَانَ يَكْذِبُ فِي أَخْبَارِهِ
لِلْحَاضِرِينَ فَهُوَ فِسْقٌ، وَالإِْنْكَارُ عَلَيْهِ وَاجِبٌ لِئَلاَّ
يُعْتَمَدَ عَلَى مَا يَذْكُرُهُ.
وَكَذَا الْوَاعِظُ الْمُبْتَدِعُ يَجِبُ مَنْعُهُ وَلاَ يَجِبُ حُضُورُ
مَجْلِسِهِ إِلاَّ عَلَى قَصْدِ الإِْنْكَارِ وَالرَّدِّ عَلَيْهِ فِي
بِدْعَتِهِ (1) .
وَمِنْهَا: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بَيْنَ يَدَيِ الْوُعَّاظِ عَلَى
الأَْرْضِ أَوْ عَلَى الْكَرَاسِيِّ مَعَ التَّمْدِيدِ الْمُفْرِطِ وَهُوَ
تَمْطِيطُ الْحُرُوفِ حَتَّى تَتَجَاوَزَ عَنْ مَخَارِجِهَا
الأَْصْلِيَّةِ، عَلَى وَجْهٍ يُغَيِّرُ نَظْمَ الْقُرْآنِ وَيُجَاوِزُ
حَدَّ التَّرْتِيل الْمَأْمُورِ بِهِ، فَهَذَا مُنْكَرٌ قَبِيحٌ مَكْرُوهٌ
شَدِيدُ الْكَرَاهَةِ أَنَكْرَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ مِنْهُمْ
أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ.
وَمِنْهَا الْحِلَقُ: أَيِ اتِّخَاذُهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهِيَ
__________
(1) إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين للغزالي 7 / 52 - 54.
(39/128)
جَمْعُ حَلْقَةٍ لِبَيْعِ الأَْدْوِيَةِ
وَالأَْطْعِمَةِ وَالتَّعْوِيذَاتِ وَالْمَصْنُوعَاتِ مِنَ الْحُلِيِّ
وَالْخَرَزِ.
وَكَقِيَامِ السُّؤَّال فِي وَسَطِ الصُّفُوفِ أَوْ عَلَى الأَْبْوَابِ
وَقِرَاءَتِهِمُ الْقُرْآنَ وَنَشِيدِهِمُ الأَْشْعَارَ فَهَذِهِ
الأَْشْيَاءُ مِنْهَا مَا هُوَ حَرَامٌ؛ لِكَوْنِهِ تَلْبِيسًا أَوْ
كَذِبًا فَهَذَا حَرَامٌ فِي الْمَسْجِدِ وَخَارِجَ الْمَسْجِدِ، وَيَجِبُ
الْمَنْعُ مِنْهُ وَخُصُوصًا فِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ لَمْ يُبْنَ
لِذَلِكَ، بَل كُل بَيْعٍ فِيهِ كَذِبٌ وَتَلْبِيسٌ وَإِخْفَاءُ عَيْبٍ
مِنْ عُيُوبِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي فَهُوَ حَرَامٌ (1) .
وَمِنْهَا: دُخُول الْمَجَانِينِ وَالصِّبْيَانِ وَالسَّكَارَى فِي
الْمَسْجِدِ فَإِنَّ هَؤُلاَءِ مَسْلُوبُو الاِخْتِيَارِ لاَ
يَتَحَفَّظُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَالْمَجَانِينُ قَدْ يُخْشَى مِنْهُمْ
تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ بِنَحْوِ مُخَاطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ شَتْمِهِمْ
وَنُطْقِهِمْ بِمَا هُوَ فُحْشٌ أَوْ تَعَاطِيهِمْ لِمَا هُوَ مُنْكَرٌ
كَكَشْفِ الْعَوْرَةِ.
وَمِنْهَا: خُرُوجُ الْمَرْأَةِ إِلَى الْمَسْجِدِ مُتَزَيِّنَةً
مُتَعَطِّرَةً فَهَذَا مُنْكَرٌ لاَ يُسْكَتُ عَلَيْهِ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَأْكُل الثُّومَ أَوِ الْبَصَل وَيَأْتِيَ إِلَى
الْمَسْجِدِ.
وَقَدْ نَهَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ
ذَلِكَ كَمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَنْ أَكَل مِنْ
هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْمُنْتِنَةِ فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ
الْمَلاَئِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الإِْنْسُ (2) .
__________
(1) إتحاف السادة المتقين 7 / 55، 56.
(2) حديث جابر بن عبد الله: " من أكل من هذه الشجرة المنتنة. . . ". أخرجه
مسلم (1 / 394 ط عيسى الحلبي) .
(39/128)
ب - مُنْكَرَاتُ الأَْسْوَاقِ
16 - مِنَ الْمُنْكَرَاتِ الْمُعْتَادَةِ فِي الأَْسْوَاقِ: الْكَذِبُ فِي
الْمُرَابَحَةِ وَإِخْفَاءُ الْعَيْبِ فِي السِّلَعِ وَكَذَا فِي
الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ الْمُعْتَادَةِ بَيْنَ النَّاسِ يَجِبُ
الإِْنْكَارُ فِيهَا فَإِنَّهَا مُفْسِدَةٌ لِلْعُقُودِ أَوْ مُبْطِلَةٌ
عَلَى رَأْيٍ، وَكَذَا فِي الرِّبَوِيَّاتِ كُلِّهَا وَهِيَ غَالِبَةٌ فِي
الأَْسْوَاقِ، وَكَذَا سَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ الْفَاسِدَةِ فَإِنَّهُ
يَجِبُ الإِْنْكَارُ فِيهَا، وَمِنْهَا بَيْعُ الْمَلاَهِي أَيْ:
آلاَتُهَا، كَالْعُودِ وَالْقَانُونِ وَالطُّنْبُورِ وَالرَّبَابَةِ
فَلِذَلِكَ يَجِبُ كَسْرُهَا وَالْمَنْعُ مِنْ بَيْعِهَا كَالْمَلاَهِي،
وَكَذَا بَيْعُ ثِيَابِ الْحَرِيرِ وَقَلاَنِسِ الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ
الَّتِي لاَ تَصْلُحُ لِلرِّجَال وَيُعْلَمُ بِعَادَةِ الْبَلَدِ أَنَّهُ
لاَ يَشْتَرِيهِ إِلاَّ الرِّجَالُ، فَكُل ذَلِكَ مُنْكَرٌ مَحْظُورٌ
يَجِبُ الْمَنْعُ عَنْهُ (1) .
ج - مُنْكَرَاتُ الشَّوَارِعِ
17 - الشَّوَارِعُ هِيَ الطُّرُقُ الْعَامَّةُ شُرِعَتْ لِسُلُوكِ النَّاسِ
وَمُرُورِهِمْ فِيهَا لِحَاجَاتِهِمْ.
فَمِنَ الْمُعْتَادِ فِيهَا وَضْعُ الأُْسْطُوَانَاتِ وَهِيَ
__________
(1) إتحاف السادة المتقين 7 / 57.
(39/129)
الأَْعْمِدَةُ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ حَجَرٍ
أَوْ خَشَبٍ أَوْ بِنَاءٍ وَكَذَا غَرْسُ الأَْشْجَارِ وَوَضْعُ الْخَشَبِ
وَوَضْعُ أَحْمَال الْحُبُوبِ وَالأَْطْعِمَةِ عَلَى الطُّرُقِ فَكُل
ذَلِكَ مُنْكَرٌ إِنْ كَانَ يُؤَدِّي إِلَى تَضْيِيقِ الطُّرُقِ
وَاسْتِضْرَارِ الْمَارَّةِ بِهَا.
وَكَذَلِكَ رَبْطُ الدَّوَابِّ عَلَى الطَّرِيقِ بِحَيْثُ يَضِيقُ عَلَى
الْمَارَّةِ وَيُنَجِّسُ الْمُجْتَازِينَ بِالْبَوْل وَالرَّوْثِ، فَهَذَا
مُنْكَرٌ يَجِبُ الْمَنْعُ مِنْهُ إِلاَّ بِقَدْرِ حَاجَةِ النُّزُول
وَالرُّكُوبِ.
وَكَذَلِكَ تَحْمِيل الدَّوَابِّ مِنَ الأَْحْمَال مَا لاَ تُطِيقُهَا
مُنْكَرٌ يَجِبُ مَنْعُ الْمُلاَّكِ مِنْهُ وَيُؤْمَرُ بِتَخْفِيفِهَا.
وَكَذَلِكَ الْقَصَّابُ إِذَا كَانَ يَذْبَحُ فِي الطَّرِيقِ فَيُلَوِّثُ
الطَّرِيقَ بِالدَّمِ وَالْفَرْثِ مُنْكَرٌ يَجِبُ الْمَنْعُ مِنْهُ.
وَكَذَلِكَ طَرْحُ الْقُمَامَةِ مِثْل الْحَيَوَانِ الْمَيِّتِ مِنْ
هِرَّةٍ أَوْ دَجَاجَةٍ عَلَى جَوَانِبِ الطَّرِيقِ، كُل ذَلِكَ مِنَ
الْمُنْكَرَاتِ.
وَكَذَلِكَ إِرْسَال الْمَاءِ مِنَ الْمَزَارِيبِ وَهِيَ مَسَايِل
الْمِيَاهِ مِنَ السُّطُوحِ.
وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ لَهُ كَلْبٌ عَقُورٌ عَلَى بَابِ دَارِهِ يُؤْذِي
النَّاسَ وَيَعْقِرُهُمْ فَهَذَا مُنْكَرٌ يَجِبُ مَنْعُهُ مِنْهُ لأَِنَّ
الشَّوَارِعَ إِنَّمَا جُعِلَتْ مُشْتَرَكَةَ
(39/129)
الْمَنَافِعِ بَيْنَ النَّاسِ (1) .
د - مُنْكَرَاتُ الْحَمَّامَاتِ
18 - مُنْكَرَاتُ الْحَمَّامَاتِ كَثِيرَةٌ مِنْهَا: الصُّوَرُ الَّتِي
تَكُونُ عَلَى بَابِ الْحَمَّامِ أَوْ دَاخِل الْحَمَّامِ يَجِبُ
إِزَالَتُهَا عَلَى كُل مَنْ يَدْخُلُهَا إِنْ قَدِرَ، فَإِنَّهُ مُنْكَرٌ.
وَمِنْ مُنْكَرَاتِ الْحَمَّامَاتِ كَشْفُ الْعَوْرَاتِ وَالنَّظَرُ
إِلَيْهَا قَصْدًا وَمِنْ جُمْلَتِهَا كَشْفُ الدَّلاَّكِ عَنِ الْفَخِذِ
وَمَا تَحْتَ السُّرَّةِ فِي تَنْحِيَةِ الْوَسَخِ بَل مِنْ جُمْلَتِهَا
إِدْخَال الْيَدِ تَحْتَ الإِْزَارِ فَإِنَّ مَسَّ عَوْرَةِ الْغَيْرِ
حَرَامٌ كَالنَّظَرِ إِلَيْهَا فَهَذَا كُلُّهُ مَكْرُوهٌ وَمُنْكَرٌ.
وَكَذَلِكَ كَشْفُ الْعَوْرَةِ لِلْحَجَّامِ وَالْفَصَّادِ الذِّمِّيِّ
فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لاَ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَكْشِفَ بَدَنَهَا
لِلذِّمِّيَّاتِ فِي الْحَمَّامِ.
وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ فِي مَدَاخِل بُيُوتِ الْحَمَّامِ وَمَجَارِي
مِيَاهِهَا حِجَارَةٌ مُلْسٌ مُزْلِقَةٌ لِلأَْقْدَامِ فَهُوَ مُنْكَرٌ
يَجِبُ قَلْعُهُ وَإِزَالَتُهُ وَيُنْكَرُ عَلَى الْحَمَّامِيِّ
إِهْمَالُهُ.
وَكَذَلِكَ تَرْكُ السِّدْرِ وَالصَّابُونِ الْمُزْلِقِ لِلأَْقْدَامِ
عَلَى أَرْضِ الْحَمَّامِ مُنْكَرٌ يَجِبُ إِزَالَتُهُ (2) .
__________
(1) إتحاف السادة المتقين 7 / 58.
(2) إتحاف السادة المتقين 7 / 59 - 60.
(39/130)
هـ - مُنْكَرَاتُ الضِّيَافَةِ
19 - مِنْ مُنْكَرَاتِ الضِّيَافَةِ فَرْشُ الْحَرِيرِ لِلرِّجَال فَهُوَ
حَرَامٌ وَكَذَلِكَ تَبْخِيرُ الْبَخُورِ فِي مِجْمَرَةٍ فِضَّةٍ أَوْ
ذَهَبٍ أَوِ الشُّرْبُ مِنْهُمَا أَوِ اسْتِعْمَال مَاءِ الْوَرْدِ
مِنْهُمَا.
وَمِنْهَا إِسْدَال السُّتُورِ وَعَلَيْهَا الصُّوَرُ.
وَمِنْهَا سَمَاعُ الأَْوْتَارِ أَوْ سَمَاعُ الْقَيْنَاتِ فَإِنَّهُ
مُنْكَرٌ مُسْقِطٌ لِوُجُوبِ الدَّعْوَةِ.
وَمِنْهَا اجْتِمَاعُ النِّسَاءِ عَلَى السُّطُوحِ وَفِي الرَّوَاشِنِ
الْمُشْرِفَةِ عَلَى مَقَاعِدِ الرِّجَال لِلنَّظَرِ لِلرِّجَال فَكُل
ذَلِكَ مَحْظُورٌ وَمُنْكَرٌ يَجِبُ تَغْيِيرُهُ.
وَمَنْ عَجَزَ عَنْ تَغْيِيرِهِ لَزِمَهُ الْخُرُوجُ عَنْ ذَلِكَ
الْمَجْلِسِ فَلاَ رُخْصَةَ فِي مُشَاهَدَةِ الْمُنْكَرَاتِ.
وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ فِي الضِّيَافَةِ مُبْتَدِعٌ يَتَكَلَّمُ فِي
بِدْعَتِهِ وَيَحْمِل النَّاسَ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَ الْمُتَكَلِّمُ
يَضْحَكُ بِالْفُحْشِ وَالْكَذِبِ لَمْ يَجِبِ الْحُضُورُ وَعِنْدَ
الْحُضُورِ يَجِبُ الإِْنْكَارُ.
وَمِنْهَا الإِْسْرَافُ فِي الطَّعَامِ فَإِنَّهُ مُنْكَرٌ.
وَمِنْهَا صَرْفُ الْمَال إِلَى النَّائِحَةِ فِي الْمَوْتِ وَالْغِنَاءِ
وَالطَّرَبِ فِي الأَْفْرَاحِ فَهَذِهِ مُنْكَرَاتٌ كُلُّهَا (1) .
__________
(1) إتحاف السادة المتقين 7 / 60 وما بعدها.
(39/130)
و - الْمُنْكَرَاتُ الْعَامَّةُ
20 - قَال الْغَزَالِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ كُل قَاعِدٍ فِي بَيْتِهِ
أَيْنَمَا كَانَ فَلَيْسَ خَالِيًا فِي هَذَا الزَّمَانِ عَنْ مُنْكَرٍ
مِنْ حَيْثُ التَّقَاعُدُ عَنْ إِرْشَادِ النَّاسِ وَتَعْلِيمِهِمْ
وَحَمْلِهِمْ عَلَى الْمَعْرُوفِ، وَكُل مَنْ رَأَى مُنْكَرًا مِنْ
مَنَاكِيرِ الشَّرْعِ عَلَى الدَّوَامِ أَيْ مَنْ تَيَقَّنَ أَنَّ فِي
السُّوقِ مُنْكَرًا أَوْ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى
تَغْيِيرِهِ بِالْيَدِ أَوْ بِاللِّسَانِ فَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُسْقِطَ
ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ بِالْقُعُودِ فِي الْبَيْتِ بَل يَلْزَمُهُ
الْخُرُوجُ.
فَإِنْ كَانَ لاَ يَقْدِرُ عَلَى تَغْيِيرِ الْجَمِيعِ وَهُوَ يَحْتَرِزُ
عَنْ مُشَاهَدَتِهِ وَيَقْدِرُ عَلَى تَغْيِيرِ الْبَعْضِ لَزِمَهُ
الْخُرُوجُ.
وَإِنَّمَا يُمْنَعُ الْحُضُورُ لِمُشَاهَدَةِ الْمُنْكَرِ إِذَا كَانَ
مِنْ غَيْرِ غَرَضٍ صَحِيحٍ.
فَحَقٌّ عَلَى كُل مُسْلِمٍ أَنْ يَبْدَأَ بِنَفْسِهِ فَيُصْلِحَهَا
بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَى الْفَرَائِضِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ ثُمَّ
يُعَلِّمُ ذَلِكَ أَهْل بَيْتِهِ: زَوْجَتَهُ وَوَلَدَهُ وَخَادِمَهُ،
ثُمَّ يَتَعَدَّى عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُمْ إِلَى جِيرَانِهِ ثُمَّ إِلَى
مَحَلَّتِهِ ثُمَّ إِلَى أَهْل بَلَدِهِ ثُمَّ إِلَى السَّوَادِ - أَيِ
الرِّيفِ - الْمُكْتَنِفِ لِبَلَدِهِ أَيِ: الْمُحِيطِ بِهِ فَيَنْهَى عَنِ
الْمُنْكَرِ بِقَدْرِ اسْتِطَاعَتِهِ فَإِنَّهُ مَأْجُورٌ وَمُثَابٌ إِنْ
شَاءَ اللَّهُ (1) .
__________
(1) إتحاف السادة المتقين 7 / 63 - 64.
(39/131)
مَنٌّ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمَنُّ لُغَةً يُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ عِدَّةٍ: فَيُطْلَقُ عَلَى
الإِْنْعَامِ وَعَلَى تَعْدَادِ الصَّنَائِعِ كَأَنْ يَقُول: أَعْطَيْتُكَ
كَذَا وَفَعَلْتُ بِكَ كَذَا.
كَمَا يُطْلَقُ عَلَى مِكْيَالٍ أَوْ مِيزَانٍ.
وَعَلَى قَطْعِ الشَّيْءِ: مِنْ مَنَنْتُ الْحَبْل: قَطَعْتُهُ فَهُوَ
مَمْنُونٌ.
وَعَلَى شَيْءٍ يَنْزِل مِنَ السَّمَاءِ يُشْبِهُ الْعَسَل قَال تَعَالَى
فِي مَعْرِضِ الاِمْتِنَانِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل: {وَأَنْزَلْنَا
عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى} (1) .
وَالْمُنَّةُ بِالضَّمِّ: الضَّعْفُ وَالْقُوَّةُ مِنْ أَسْمَاءِ
الأَْضْدَادِ.
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ
(2) .
__________
(1) سورة الأعراف / 160.
(2) المصباح المنير، ولسان العرب، وابن
عابدين 2 / 76، والبحر الرائق 2 / 274، والمحلي شرح المنهاج 2 / 17.
(39/131)
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَنِّ:
تَتَعَلَّقُ بِالْمَنِّ أَحْكَامٌ مِنْهَا:
أ - الْمَنُّ بِاعْتِبَارِهِ مِقْدَارًا شَرْعِيًّا:
2 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَحْدِيدِ مِقْدَارِ الْمَنِّ
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُدَّ رَطْلاَنِ وَالرَّطْل نِصْفُ
مَنٍّ وَالْمَنُّ بِالدَّرَاهِمِ مِائَتَانِ وَسِتُّونَ دِرْهَمًا
وَبِالْمَثَاقِيل أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ فَالْمُدُّ وَالْمَنُّ سَوَاءٌ كُلٌّ
مِنْهُمَا رُبُعُ صَاعٍ، رَطْلاَنِ بِالْعِرَاقِيِّ وَالرَّطْل مِائَةٌ
وَثَلاَثُونَ دِرْهَمًا (1) .
وَضَبَطَ الإِْمَامُ الرَّافِعِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ
الأَْوْسُقَ الْخَمْسَةَ الَّتِي هِيَ نِصَابُ الْقُوتِ بِالْمَنِّ، وَلَمْ
يَضْبِطْهَا بِالأَْرْطَال لاَ بَالْبَغْدَادِيَّةِ وَلاَ الدِّمَشْقِيَّةِ
بِقَوْلِهِ: وَالأَْوْسُقُ الْخَمْسَةُ بِالْمَنِّ الصَّغِيرِ:
ثَمَانُمِائَةِ مَنٍّ، وَبِالْمَنِّ الْكَبِيرِ الَّذِي وَزْنُهُ
سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ: ثَلَثُمِائَةٍ وَأَرْبَعُونَ مَنًّا وَثُلُثَا
مَنٍّ وَقَال الْخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ: وَاسْتَفَدْنَا مِنْ ذَلِكَ
أَنَّ الرَّطْل الدِّمَشْقِيَّ مُسَاوٍ لِلْمَنِّ الْكَبِيرِ، وَأَنَّ
الْمَنَّ الصَّغِيرَ مُسَاوٍ رَطْلَيْنِ بِالْبَغْدَادِيِّ (2) .
__________
(1) حاشية ابن عابدين 2 / 76.
(2) مغني المحتاج 1 / 383، والمحلي شرح المنهاج 2 / 172، وانظر كشاف القناع
2 / 206.
(39/132)
ب - الْمَنُّ بِمَعْنَى ذِكْرِ النِّعْمَةِ
عَلَى الْغَيْرِ:
حُكْمُ الْمَنِّ
3 - الْمَنُّ إِنْ كَانَ مِنَ اللَّهِ فَهُوَ تَذْكِيرُ الْمَخْلُوقِ
بِخَالِقِهِ الَّذِي أَنْعَمَ عَلَيْهِ وَتَنْبِيهُهُ لِيَشْكُرَهُ وَفِي
الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ
الْحَمْدَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الْمَنَّانُ " (1) .
وَإِنْ كَانَ الْمَنُّ مِنَ الْعَبْدِ فَهُوَ تَعْدَادُ الصَّنَائِعِ
وَالتَّقْرِيعُ بِهَا وَالتَّعْيِيرُ وَهِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ وَتُبْطِل
ثَوَابَ الصَّدَقَةِ (2) .
فَقَدْ دَل الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ بِالنَّصِّ وَالإِْيمَاءِ بِأَنَّ
الْمَنَّ وَالأَْذَى يُبْطِلاَنِ ثَوَابَ الصَّدَقَةِ حَيْثُ بَيَّنَ فَضْل
الإِْنْفَاقِ فِي سَبِيل اللَّهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَثَل الَّذِينَ
يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيل اللَّهِ كَمَثَل حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ
سَبْعَ سَنَابِل فِي كُل سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ
لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (3) .
ثُمَّ أَخْبَرَ فِي الآْيَةِ التَّالِيَةِ أَنَّ الإِْنْفَاقَ الْمَذْكُورَ
الَّذِي يُضَاعَفُ ثَوَابُهُ لِصَاحِبِهِ هُوَ الإِْنْفَاقُ الَّذِي
يَخْلُو عَنِ الْمَنِّ وَالأَْذَى فَقَال عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: {الَّذِينَ
يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيل اللَّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا
أَنْفَقُوا مَنًّا وَلاَ أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ
خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (4)
__________
(1) حديث: " اللهم إني أسألك بأن لك الحمد. . . ". أخرجه النسائي (3 / 52)
عن أنس أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا ورجل قائم يصلي. .
. ثم دعا: بهذا الدعاء فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده
لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي
(2) الآداب الشرعية 1 / 358، وتفسير القرطبي 3 / 308.
(3) سورة البقرة / 261.
(4) سورة البقرة / 262.
(39/132)
وَالْمَفْهُومُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ
الَّذِينَ يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَأَذًى لَيْسَ لَهُمْ عِنْدَ
رَبِّهِمْ أَجْرٌ وَلاَ أَمْنٌ مِنَ الْخَوْفِ وَالْحُزْنِ.
ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّ كَلِمَةً طَيِّبَةً وَرَدًّا
جَمِيلاً وَالدُّعَاءَ لِلسَّائِل وَالتَّأْنِيسَ وَالتَّرْجِيَةَ بِمَا
عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ هِيَ فِي ظَاهِرِهَا صَدَقَةٌ وَفِي
حَقِيقَتِهَا لاَ شَيْءَ لأَِنَّ ذِكْرَ الْقَوْل الْمَعْرُوفِ فِيهِ
أَجْرٌ وَهَذِهِ لاَ أَجْرَ لَهَا قَال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ (1) وَلاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ
الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ (2)
فَيَتَلَقَّى الْمَسْئُول السَّائِل بِالْبِشْرِ وَالتَّرْحِيبِ
وَيُقَابِلُهُ بِالطَّلاَقَةِ وَالتَّقْرِيبِ لِيَكُونَ مَشْكُورًا إِنْ
أَعْطَى وَمَعْذُورًا إِنْ مَنَعَ، فَالسَّتْرُ مِنْهُ عَلَيْهِ لِمَا
عَلِمَ مِنْ خَلَّتِهِ وَسُوءِ حَالِهِ خَيْرٌ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ
صَدَقَةٍ يَتَصَدَّقُهَا عَلَيْهِ وَيُتْبِعُهَا أَذًى وَمَنًّا (3) .
قَال عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: {قَوْلٌ
__________
(1) حديث: " الكلمة الطيبة صدقة ". أخرجه البخاري (الفتح 6 / 132) ، ومسلم
(2 / 699) من حديث أبي هريرة.
(2) حديث: " لا تحقرن من المعروف شيئًا. . . ". أخرجه مسلم (4 / 2026) من
حديث أبي ذر.
(3) تفسير القرطبي 3 / 309 في تفسير آيات من سورة البقرة من الآية 261 -
263.
(39/133)
مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ
صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} (1) .
ثُمَّ ذَكَرَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالنَّصِّ حُكْمَ
الصَّدَقَةِ الَّتِي يَتْبَعُهَا الْمَنُّ وَالأَْذَى فِي قَوْلِهِ
تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ
بِالْمَنِّ وَالأَْذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلاَ
يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَل صَفْوَانٍ
عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَ يَقْدِرُونَ
عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ
الْكَافِرِينَ} (2) .
فَشَبَّهَ سُبْحَانَهُ الَّذِي يَمُنُّ وَيُؤْذِي فِي صَدَقَتِهِ بِالَّذِي
يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ لاَ لِوَجْهِ اللَّهِ وَبِالْكَافِرِ
الَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ لِيُقَال: إِنَّهُ جَوَادٌ وَيُثْنَى عَلَيْهِ
أَنْوَاعُ الثَّنَاءِ.
وَمَثَّل سُبْحَانَهُ الْمُنْفِقَ الْمَنَّانَ بِصَفْوَانٍ - حَجَرٍ
أَمْلَسَ - عَلَيْهِ تُرَابٌ فَيَظُنُّهُ الرَّائِي أَرْضًا مُنْبِتَةً
طَيِّبَةً فَإِذَا أَصَابَهُ وَابِلٌ مِنَ الْمَطَرِ أَذْهَبَ عَنْهُ
التُّرَابَ وَبَقِيَ صَلْدًا فَكَذَلِكَ الْمُرَائِي وَالْمَنَّانُ
فَالْمَنُّ وَالرِّيَاءُ وَالأَْذَى تَكْشِفُ عَنِ النِّيَّةِ فِي
الآْخِرَةِ كَمَا يَكْشِفُ الْمَطَرُ الْغَزِيرُ عَنِ الْحَجَرِ
الأَْمْلَسِ (3) .
وَقِيل: الْمُرَادُ بِالآْيَةِ إِبْطَال الْفَضْل دُونَ
__________
(1) سورة البقرة / 263.
(2) سورة البقرة / 264.
(3) تفسير القرطبي 3 / 311 وما بعدها.
(39/133)
أَصْل الثَّوَابِ وَقِيل: إِنَّمَا يَبْطُل
مِنْ ثَوَابِ صَدَقَتِهِ مِنْ وَقْتِ مَنِّهِ وَإِيذَائِهِ وَمَا قَبْل
ذَلِكَ يُكْتَبُ لَهُ وَيُضَاعَفُ فَإِذَا مَنَّ وَأَذَى انْقَطَعَ
التَّضْعِيفُ لأَِنَّهُ وَرَدَ أَنَّ الصَّدَقَةَ تُرَبَّى لِصَاحِبِهَا
حَتَّى تَكُونَ أَعْظَمَ مِنَ الْجَبَل (1) فَإِذَا خَرَجَتْ مِنْ يَدِ
صَاحِبِهَا خَالِصَةً لِوَجْهِ اللَّهِ ضُوعِفَتْ فَإِذَا جَاءَ الْمَنُّ
بِهَا وَالأَْذَى وُقِفَ بِهَا هُنَاكَ وَانْقَطَعَ التَّضْعِيفُ عَنْهَا
وَالْقَوْل الأَْوَّل أَظْهَرُ (2) .
وَقَدْ جَاءَ فِي السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ الْمَنَّانَ لاَ
يُكَلِّمُهُ اللَّهُ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي
ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ قَال أَبُو ذَرٍّ: خَابُوا وَخَسِرُوا مَنْ هُمْ يَا
رَسُول اللَّهِ؟ قَال: الْمُسْبِل وَالْمَنَّانُ وَالْمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ
بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ (3) .
__________
(1) ورد ذلك في الحديث الذي رواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه قال: " ما تصدق أحد بصدقة من طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا
أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت تمرة فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من
الجبل، كما يربي أحدكم َفلُوّه أو فصيله ". أخرجه وهو في البخاري (الفتح 3
/ 278) بلفظ مقارب.
(2) تفسير القرطبي 3 / 306 - 320 عند تفسير الآيات 262 - 267 من سورة
البقرة.
(3) حديث أبي ذر: " ثلاثة لا يكلمهم الله عز وجل يوم القيامة. . . ". أخرجه
مسلم (1 / 102) .
(39/134)
رَفْضُ التَّبَرُّعِ خَوْفًا مِنَ
الْمِنَّةِ
4 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُكَلَّفِ
عَدَمُ قَبُول التَّبَرُّعِ وَإِنْ تَعَيَّنَ لأَِدَاءِ فَرْضٍ حَيْثُ
قَالُوا: إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمُكَلَّفُ مَاءً لِلطَّهَارَةِ بَعْدَ
دُخُول الْوَقْتِ أَوْ لَمْ يَجِدْ مَا يَشْتَرِي بِهِ فَوَهَبَ لَهُ
شَخْصٌ الثَّمَنَ لَمْ يَجِبْ قَبُولُهُ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمِنَّةِ.
قَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ وُهِبَ ثَمَنَ الْمَاءِ أَوْ ثَمَنَ آلَةِ
الاِسْتِقَاءِ أَوْ أُقْرِضَ ثَمَنَ ذَلِكَ - وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا
بِمَالٍ غَائِبٍ - فَلاَ يَجِبُ قَبُولُهُ لِعِظَمِ الْمِنَّةِ وَلَوْ مِنَ
الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ.
أَمَّا إِنْ وُهِبَ لَهُ الْمَاءُ أَوْ أُعِيرَ آلَةَ الاِسْتِسْقَاءِ
فَيَجِبُ عَلَيْهِ قَبُولُهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي
الأَْصَحِّ وَالْحَنَابِلَةِ لأَِنَّ الْمُسَامَحَةَ بِذَلِكَ غَالِبَةٌ
فَلاَ تَعْظُمُ فِيهِ الْمِنَّةُ.
إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ قَيَّدُوا اللُّزُومَ بِمَا إِذَا لَمْ
يَتَحَقَّقْ مِنْهُ مِنَّةٌ قَالُوا: وَهَذَا فِي مِنَّةٍ يَظْهَرُ لَهَا
أَثَرٌ وَأَمَّا التَّافِهُ فَيَلْزَمُهُ قَبُولُهُ.
وَالْقَوْل الثَّانِي عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لاَ يَجِبُ قَبُول الْمَاءِ
لِلْمِنَّةِ كَالثَّمَنِ (1) .
وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ
__________
(1) مغني المحتاج 1 / 90 - 91، والمحلي 1 / 81، وشرح الزرقاني 1 / 118،
والشرح الصغير 1 / 188، والمغني 1 / 240.
(39/134)
وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَجِبُ
عَلَيْهِ سُؤَال رَفِيقِهِ الْمَاءَ وَالدَّلْوَ وَلاَ يَتَيَمَّمُ حَتَّى
يَسْأَلَهُ فَإِنْ مَنَعَهُ تَيَمَّمَ لأَِنَّ الْمَاءَ مَبْذُولٌ عَادَةً
فَكَانَ الْغَالِبُ الإِْعْطَاءَ وَقَال الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ مِنَ
الْحَنَفِيَّةِ بِنَاءً عَلَى مَا رَوَاهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ
ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ: لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ السُّؤَال لأَِنَّ فِي
السُّؤَال ذُلًّا وَفِيهِ بَعْضُ الْحَرَجِ وَمَا شُرِعَ التَّيَمُّمُ
إِلاَّ لِدَفْعِ الْحَرَجِ (1) .
وَفِي الذَّخِيرَةِ نَقْلاً عَنِ الْجَصَّاصِ: أَنَّهُ لاَ خِلاَفَ - فِي
غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ - بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ
فَمُرَادُ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ عَدَمِ اللُّزُومِ فِيمَا إِذَا غَلَبَ
عَلَى ظَنِّهِ مَنْعُهُ إِيَّاهُ، وَمُرَادُ الصَّاحِبَيْنِ فِي لُزُومِهِ
عِنْدَ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِعَدَمِ الْمَنْعِ (2) .
جَاءَ فِي الْبَحْرِ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ وَأَمْكَنَهُ
الشِّرَاءُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الشِّرَاءُ بِخِلاَفِ مَا
إِذَا وَجَدَ مَنْ يُقْرِضُهُ فَإِنَّهُ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ لأَِنَّ
الأَْجَل لاَزِمٌ فِي الشِّرَاءِ وَلاَ مُطَالَبَةَ قَبْل حُلُولِهِ
بِخِلاَفِ الْقَرْضِ (3) .
__________
(1) تبيين الحقائق وحاشية الشلبي عليه 1 / 44، والبحر الرائق 1 / 170، وابن
عابدين 1 / 167.
(2) البحر الرائق 1 / 170، وحاشية ابن عابدين 1 / 167.
(3) البحر الرائق 1 / 171، وابن عابدين 1 / 167.
(39/135)
5 - نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ
إِنْ تَبَرَّعَ رَجُلٌ بِنَفَقَةِ زَوْجِهِ الْمُعْسِرِ الْعَاجِزِ عَنْ
إِنْفَاقِهَا لَمْ يَلْزَمْهَا الْقَبُول وَلَهَا الْفَسْخُ لِعَدَمِ
النَّفَقَةِ لِعِظَمِ الْمِنَّةِ كَمَا لَوْ كَانَ لَهَا دَيْنٌ عَلَى
شَخْصٍ فَتَبَرَّعَ غَيْرُهُ بِأَدَائِهِ لَهَا لاَ يَلْزَمُهُ الْقَبُول
لِمَا فِيهِ مِنَ الْمِنَّةِ وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ وَجْهًا: أَنَّهُ لاَ
خِيَارَ لَهَا وَبِهِ أَفْتَى الْغَزَالِيُّ لأَِنَّ الْمِنَّةَ عَلَى
الزَّوْجِ لاَ عَلَيْهَا وَلَوْ سَلَّمَهَا الْمُتَبَرِّعُ لِلزَّوْجِ
ثُمَّ سَلَّمَهُ الزَّوْجُ لَهَا لَمْ يُفْسَخْ وَلَوْ كَانَ
الْمُتَبَرِّعُ أَبًا أَوْ جَدًّا وَالزَّوْجُ تَحْتَ حِجْرِهِ وَجَبَ
عَلَيْهَا الْقَبُول (1) .
الْمَنُّ عَلَى الأَْسْرَى
6 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ لِلإِْمَامِ أَنْ يَمُنَّ
عَلَى أَسْرَى الْحَرْبِ مِنَ الرِّجَال الْبَالِغِينَ إِنْ رَأَى
مَصْلَحَةً فِي الْمَنِّ عَلَيْهِمْ (2) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (أَسْرَى ف 17) .
__________
(1) مغني المحتاج 3 / 443.
(2) نهاية المحتاج 8 / 65، والبدائع 7 / 121، وحاشية الدسوقي 2 / 184،
ومطالب أولي النهى 2 / 520.
(39/135)
مَنِيحَةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمَنِيحَةُ فِي اللُّغَةِ يُقَال: مَنَحْتُهُ مَنْحًا مِنْ بَابِ
نَفَعَ وَضَرَبَ: أَعْطَيْتُهُ وَالاِسْمُ الْمَنِيحَةُ وَالْمَنِيحَةُ
كَالْمِنْحَةِ بِكَسْرِ الْمِيمِ: هِيَ الشَّاةُ أَوِ النَّاقَةُ
يُعْطِيهَا صَاحِبُهَا رَجُلاً يَشْرَبُ لَبَنَهَا ثُمَّ يَرُدُّهَا إِذَا
انْقَطَعَ اللَّبَنُ، ثُمَّ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ حَتَّى أُطْلِقَ عَلَى
كُل عَطَاءٍ.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: هِيَ مَا يُعْطَى مِنَ النَّخْل وَالنَّاقَةِ
وَالشَّاةِ وَغَيْرِهَا لِيَتَنَاوَل مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ كَالثَّمَرِ
وَاللَّبَنِ وَهِيَ عَارِيَةٌ وَقَدْ تَكُونُ تَمْلِيكًا (1) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْعَارِيَةُ:
2 - الْعَارِيَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ عَارَ: ذَهَبَ وَجَاءَ بِسُرْعَةٍ أَوْ
مِنَ التَّعَاوُرِ: أَيِ التَّنَاوُبِ.
__________
(1) المصباح المنير، وفتح الباري 5 / 228 - 229، ونيل الأوطار 5 / 323،
وقواعد الفقه للبركتي.
(39/136)
وَالْعَارِيَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ
عَرَّفَهَا الْفُقَهَاءُ بِتَعْرِيفَيْنِ:
أَوَّلُهُمَا: هِيَ إِبَاحَةُ الاِنْتِفَاعِ بِمَا يَحِل الاِنْتِفَاعُ
بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ لِيَرُدَّهُ (1) .
وَالثَّانِي: هِيَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ (2) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَنِيحَةَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ
الْعَارِيَةِ.
ب - الْعُمْرَى:
3 - الْعُمْرَى هِيَ: تَمْلِيكُ مَنْفَعَةِ شَيْءٍ مَمْلُوكٍ - عَقَارًا
أَوْ غَيْرَهُ - إِنْسَانًا أَوْ غَيْرَهُ فِي حَيَاةِ الْمُعْطَى -
بِفَتْحِ الطَّاءِ - بِغَيْرِ عِوَضٍ (3) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الْمَنِيحَةَ خَاصَّةٌ بِلَبَنِ شَاةٍ أَوْ
بَقَرَةٍ أَوْ نَاقَةٍ وَتُرَدُّ لِصَاحِبِهَا أَمَّا الْعُمْرَى فَتَكُونُ
مَنْفَعَتُهَا مُدَّةَ الْعُمُرِ.
ج - الْهِبَةُ:
4 - الْهِبَةُ: تَمْلِيكُ عَيْنٍ بِلاَ عِوَضٍ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ
تَطَوُّعًا (4) .
__________
(1) تحفة المحتاج 5 / 409، ومغني المحتاج 2 / 263، والمغني 5 / 220 ط
الرياض.
(2) تبيين الحقائق 5 / 83، والشرح الصغير 3 / 570، والزرقاني 6 / 126.
(3) تبيين الحقائق 5 / 91، والشرح الصغير 4 / 160، وروضة الطالبين 5 / 370،
ومغني المحتاج 2 / 396.
(4) المراجع السابقة.
(39/136)
وَالصِّلَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ
الْمَنِيحَةِ: أَنَّ الْهِبَةَ أَعَمُّ مِنَ الْمَنِيحَةِ.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَنِيحَةِ:
يَتَعَلَّقُ بِالْمَنِيحَةِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:
أ - التَّرْغِيبُ فِي الْمَنِيحَةِ:
5 - إِعْطَاءُ الْمَنِيحَةِ مِنْ أَعْمَال الْبِرِّ وَالإِْحْسَانِ رَغَّبَ
الشَّارِعُ إِلَيْهَا قَال تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْل
وَالإِْحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} (1) .
وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي فَضْل إِعْطَاءِ الْمَنِيحَةِ
فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَال: قَال رَسُول
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نِعْمَ الْمَنِيحَةُ
اللِّقْحَةُ الصَّفِيُّ مِنْحَةً وَالشَّاةُ الصَّفِيُّ تَغْدُو بِإِنَاءٍ
وَتَرُوحُ بِإِنَاءٍ (2) وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُول: أَرْبَعُونَ خَصْلَةً أَعْلاَهُنَّ مَنِيحَةُ الْعَنْزِ
مَا مِنْ عَامِلٍ يَعْمَل بِخَصْلَةٍ مِنْهَا رَجَاءَ ثَوَابِهَا
وَتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهَا الْجَنَّةَ (3)
.
ب - صِيغَةُ إِعْطَاءِ الْمَنِيحَةِ
6 - قَال بَعْضُ مَشَايِخِ الْحَنَفِيَّةِ: صِيغَةُ الْمَنِيحَةِ
__________
(1) سورة النحل / 90.
(2) حديث: " نعم المنيحة اللقحة الصفيَّ. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري
5 / 242) .
(3) حديث: " أربعون خصلة أعلاهن منيحة. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 5
/ 243) .
(39/137)
أَنْ يَقُول: مَنَحْتُكَ هَذِهِ الشَّاةَ
أَوِ النَّاقَةَ لأَِنَّ الْمَنْحَ صَرِيحٌ فِي الْعَارِيَةِ فَتُنَفَّذُ
بِهَا مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى نِيَّةٍ وَمَجَازٍ فِي الْهِبَةِ إِذَا
نَوَى انْعَقَدَتْ بِهِ.
وَفَضَّل أَبُو بَكْرٍ الْمَعْرُوفُ بِخَوَاهَرْ زَادَهْ وَقَال: إِذَا
قَال: مَنَحْتُكَ أَرْضِي وَنَحْوَ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ إِنْ
كَانَ مُضَافًا إِلَى مَا يُمْكِنُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ
عَيْنِهِ يَكُونُ عَارِيَةً، وَإِنْ كَانَ مُضَافًا إِلَى مَا لاَ يُمْكِنُ
الاِنْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ كَالدَّرَاهِمِ وَالطَّعَامِ
تَكُونُ هِبَةً لأَِنَّ الْمِنْحَةَ تُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهَا الْعَارِيَةُ
وَفِي الْحَدِيثِ: الْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ (1) وَأَرَادَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ: الْعَارِيَةَ لأَِنَّ الْهِبَةَ لاَ تَكُونُ مَرْدُودَةً
وَإِنَّمَا الْمَرْدُودَةُ الْعَارِيَةُ.
وَتُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهَا الْهِبَةُ يُقَال: فُلاَنٌ مَنَحَ فُلاَنًا
أَيْ: وَهَبَ لَهُ وَإِذَا كَانَتِ اللَّفْظَةُ صَالِحَةً لِلأَْمْرَيْنِ
جَمِيعًا وَالْعَمَل بِهِمَا مُتَعَذِّرٌ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ - لأَِنَّ
الْعَيْنَ الْوَاحِدَةَ لاَ يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ فِي مَحَلَّيْنِ:
هِبَةٍ وَعَارِيَةٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ - عَمِلْنَا بِهِمَا مُخْتَلِفَيْنِ
فَقُلْنَا: إِذَا أُضِيفَتِ الْمِنْحَةُ إِلَى عَيْنٍ يُمْكِنُ
__________
(1) حديث: " المنحة مردودة ". أخرجه أحمد (5 / 293) من حديث سعيد بن أبي
سعيد عمن سمع النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الهيثمي (مجمع الزوائد 4 /
145) : رواه أحمد ورجاله ثقات، وقد ورد بلفظ " المنيحة مردودة " من حديث
ابن عمر عند البزار (كشف الأستار 2 / 99 ط مؤسسة الرسالة) ، وذكر الهيثمي
تضعيف أحد رواته.
(39/137)
الاِنْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ
جُعِل عَارِيَةً، وَإِنْ أُضِيفَتْ إِلَى عَيْنٍ لاَ يُمْكِنُ
الاِنْتِفَاعُ بِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا جُعِلَتْ هِبَةً (1) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ الْمَنْحَ مِنْ صَرَائِحِ صِيَغِ الْهِبَةِ
وَعَلَيْهِ إِذَا قَال: مَنَحْتُكَ هَذِهِ النَّاقَةَ أَوِ الشَّاةَ
تَكُونُ هِبَةً عِنْدَهُمْ لأَِنَّهُ لَفْظٌ صَرِيحٌ فِي مَحَلِّهِ
وَنَافِذٌ فِي مَوْضِعِهِ، فَلاَ يَكُونُ صَرِيحًا فِي غَيْرِهِ وَلاَ
مَجَازًا (2) .
وَطَرِيقَةُ إِعَارَةِ ذَوَاتِ الأَْلْبَانِ أَنْ يَقُول: أَعَرْتُكَ
هَذِهِ الشَّاةَ أَوِ النَّاقَةَ - وَهِيَ الْمَنِيحَةَ - لأَِخْذِ
دَرِّهَا وَنَسْلِهَا كَإِبَاحَةِ مَا ذُكِرَ وَصَحَّتِ الْعَارِيَةُ
لأَِنَّهَا تَتَضَمَّنُ: إِعَارَةَ أَصْلِهَا وَهُوَ الْعَيْنُ
الْمُعَارَةُ وَالْفَوَائِدُ إِنَّمَا جُعِلَتْ بِطَرِيقِ الإِْبَاحَةِ
وَالتَّبَعِ وَلَيْسَتْ مُسْتَفَادَةً بِالْعَارِيَةِ بَل بِالإِْبَاحَةِ
لأَِنَّ الْعَارِيَةَ بِالْمَنَافِعِ لاَ بِالأَْعْيَانِ وَاللَّبَنُ
وَالنَّسْل أَعْيَانٌ وَالْمُعَارُ هُوَ الشَّاةُ أَوِ النَّاقَةُ (3) .
جَاءَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: وَمَا كَانَتْ مَنَافِعُهُ عَيْنًا
كَذَوَاتِ اللَّبَنِ مِنَ الْمَوَاشِي كَالْغَنَمِ وَالإِْبِل فَلاَ
يَجُوزُ أَنْ يُعَارَ وَلاَ أَنْ يُؤَجَّرَ لاِخْتِصَاصِ الْعَارِيَةِ
وَالإِْجَارَةِ بِالْمَنَافِعِ دُونَ الأَْعْيَانِ وَلَكِنْ يَجُوزُ أَنْ
يُمْنَحَ.
__________
(1) تبيين الحقائق وحاشية الشلبي 5 / 84، والبحر الرائق 7 / 280.
(2) تحفة المحتاج 6 / 198، ومغني المحتاج 2 / 397.
(3) تحفة المحتاج 5 / 415 - 416، والمغني 5 / 657.
(39/138)
قَال الشَّافِعِيُّ: الْمِنْحَةُ أَنْ
يَدْفَعَ الرَّجُل نَاقَتَهُ أَوْ شَاتَهُ لِرَجُلٍ لِيَحْلُبَهَا ثُمَّ
يَرُدَّهَا، فَيَكُونُ اللَّبَنُ مَمْنُوحًا وَلاَ يَنْتَفِعُ بِغَيْرِ
اللَّبَنِ (1) .
وَإِنْ أَعَارَ شَاةً أَوْ دَفَعَهَا لَهُ وَمَلَّكَهُ دَرَّهَا
وَنَسْلَهَا لَمْ يَصِحَّ؛ لأَِنَّهُ أَخَذَهَا بِهِبَةٍ فَاسِدَةٍ لأَِنَّ
اللَّبَنَ وَالنَّسْل مَجْهُولاَنِ غَيْرُ مَقْدُورَيِ التَّسْلِيمِ فَلاَ
يَصِحُّ تَمْلِيكُهُمَا وَيَضْمَنُ الشَّاةَ بِحُكْمِ الْعَارِيَةِ
الْفَاسِدَةِ وَلِلْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ حُكْمُ صَحِيحِهَا فِي الضَّمَانِ
وَعَدَمِهِ (2) .
ج - ضَمَانُ الْمَنِيحَةِ
7 - الْمَنِيحَةُ عَارِيَةٌ يَجْرِي عَلَيْهَا أَحْكَامُ الْعَارِيَةِ
فَيَجِبُ رَدُّهَا إِنْ كَانَتْ بَاقِيَةً بِغَيْرِ خِلاَفٍ.
وَيَضْمَنُ الْمُسْتَعِيرُ إِنْ تَلِفَتْ بِتَعَدٍّ بِالإِْجْمَاعِ وَإِنْ
تَلِفَتْ بِلاَ تَعَدٍّ فَمَضْمُونَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ
وَالْحَنَابِلَةِ إِذَا لَمْ تَتْلَفْ بِالاِسْتِعْمَال الْمَأْذُونِ،
وَغَيْرُ مَضْمُونَةٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (3) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (إِعَارَةٌ ف 5) .
__________
(1) الحاوي الكبير 7 / 117.
(2) مغني المحتاج 2 / 137، وتحفة المحتاج 5 / 88.
(3) تبيين الحقائق 5 / 85، ونهاية المحتاج 5 / 124 - 125، والمغني 5 / 221.
(39/138)
مَنِيٌّ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمَنِيُّ فِي اللُّغَةِ - مُشَدَّدَةَ الْيَاءِ وَالتَّخْفِيفُ
لُغَةٌ - مَاءُ الرَّجُل وَالْمَرْأَةِ وَجَمْعُهُ مُنْيٌ (1) وَمِنْهُ
قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى} (2) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: هُوَ الْمَاءُ الْغَلِيظُ الدَّافِقُ الَّذِي
يَخْرُجُ عِنْدَ اشْتِدَادِ الشَّهْوَةِ (3) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْمَذْيُ:
2 - الْمَذْيُ فِي اللُّغَةِ: مَاءٌ رَقِيقٌ يَخْرُجُ عِنْدَ
الْمُلاَعَبَةِ أَوِ التَّذَكُّرِ وَيَضْرِبُ إِلَى الْبَيَاضِ، وَقَال
الْفَيُّومِيُّ: فِيهِ ثَلاَثُ لُغَاتٍ الأُْولَى: سُكُونُ الذَّالِ،
وَالثَّانِيَةُ: كَسْرُهَا مَعَ تَثْقِيل الْيَاءِ، وَالثَّالِثَةُ:
الْكَسْرُ مَعَ التَّخْفِيفِ.
__________
(1) لسان العرب، وتاج العروس، والزاهر، والمصباح المنير.
(2) سورة القيامة / 38.
(3) المغني لابن قدامة 1 / 199.
(39/139)
وَالْمَذَّاءُ فَعَّالٌ لِلْمُبَالَغَةِ
فِي كَثْرَةِ الْمَذْيِ مِنْ مَذَى يَمْذِي (1) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ
(2) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَذْيِ وَالْمَنِيِّ: أَنَّ الْمَنِيَّ يَخْرُجُ
عَلَى وَجْهِ الدَّفْقِ بِشَهْوَةٍ، وَأَمَّا الْمَذْيُ فَيَخْرُجُ لاَ
عَلَى وَجْهِ الدَّفْقِ (3) .
ب - الْوَدْيُ:
3 - الْوَدْيُ فِي اللُّغَةِ بِإِسْكَانِ الدَّال الْمُهْمَلَةِ
وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِهَا: الْمَاءُ الثَّخِينُ الأَْبْيَضُ
الَّذِي يَخْرُجُ فِي إِثْرِ الْبَوْل (4) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ
(5) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَنِيَّ يَخْرُجُ بِشَهْوَةٍ، وَأَنَّ
الْوَدْيَ يَخْرُجُ بِلاَ شَهْوَةٍ عَقِبَ الْبَوْل.
__________
(1) لسان العرب، والمصباح المنير، والمعجم الوسيط، ومعجم متن اللغة.
(2) المبسوط 1 / 67، والفتاوى الهندية 9 / 10، وقواعد الفقه للبركتي ص 476،
وكفاية الطالب 1 / 107، وأسهل المدارك 1 / 61، وشرح المنهاج 1 / 70،
والمغني مع الشرح 1 / 731.
(3) المجموع شرح المهذب 2 / 142.
(4) لسان العرب، وتاج العروس، والمصباح المنير، والزاهر، والصحاح.
(5) حاشية العدوي 1 / 115، وكفاية الطالب 1 / 107، والزاهر ص 49، وقواعد
الفقه للبركتي ص 476، وأسهل المدارك 1 / 62.
(39/139)
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ
بِالْمَنِيِّ:
حُكْمُ إِنْزَال الْمَنِيِّ بِالْيَدِ
4 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ إِنْزَال الْمَنِيِّ بِالْيَدِ
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الاِسْتِمْنَاءَ
بِالْيَدِ حَرَامٌ وَفِيهِ التَّعْزِيرُ (1) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: يُكْرَهُ تَحْرِيمًا الاِسْتِمْنَاءُ بِالْكَفِّ
وَنَحْوِهِ بِدُونِ عُذْرٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ هُمْ
لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} (2) فَلَمْ يُبِحِ
الاِسْتِمْتَاعَ إِلاَّ بِالزَّوْجَةِ وَالأَْمَةِ وَأَيْضًا فَإِنَّ فِيهِ
سَلْخَ الْمَاءِ وَتَهْيِيجَ الشَّهْوَةِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا بِغَيْرِ
عُذْرٍ.
أَمَّا إِذَا وُجِدَ عُذْرٌ كَمَا إِذَا تَعَيَّنَ الْخَلاَصُ مِنَ
الزِّنَا بِالاِسْتِمْنَاءِ وَكَانَ عَزْبًا لاَ زَوْجَةَ لَهُ وَلاَ
أَمَةَ أَوْ كَانَ إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الْوُصُول إِلَيْهَا
لِعُذْرٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ لأَِنَّهُ أَخَفُّ، وَعِبَارَةُ صَاحِبِ فَتْحِ
الْقَدِيرِ: فَإِنْ غَلَبَتْهُ الشَّهْوَةُ فَفَعَل إِرَادَةَ تَسْكِينِهَا
بِهِ فَالرَّجَاءُ أَلاَّ يُعَاقَبَ (3) .
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الاِسْتِمْنَاءَ بِالْيَدِ
لِغَيْرِ حَاجَةٍ حَرَامٌ وَفِيهِ التَّعْزِيرُ وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ
الإِْمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُكْرَهُ.
__________
(1) الحطاب 6 / 320، والدسوقي 1 / 173، وروضة الطالبين 10 / 91، ونهاية
المحتاج 3 / 169.
(2) سورة المعارج / 29 - 30.
(3) ابن عابدين 2 / 100.
(39/140)
وَإِنْ كَانَ الاِسْتِمْنَاءُ خَوْفًا مِنَ
الزِّنَى جَازَ وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ.
قَال صَاحِبُ الإِْنْصَافِ: لَوْ قِيل بِوُجُوبِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ
لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ كَالْمُضْطَرِّ.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَحْرُمُ وَلَوْ خَافَ
الزِّنَى.
قَال فِي الإِْنْصَافِ: لاَ يُبَاحُ الاِسْتِمْنَاءُ إِلاَّ عِنْدَ
الضَّرُورَةِ ثُمَّ قَال: وَحُكْمُ الْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الرَّجُل
(1) .
وَيَجُوزُ عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ الاِسْتِمْنَاءُ بِيَدِ الزَّوْجَةِ
(2)
طَهَارَةُ الْمَنِيِّ وَنَجَاسَتُهُ
5 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ
الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْمَنِيَّ نَجِسٌ (3)
وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ.
فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ الْمَنِيَّ نَجِسٌ سَوَاءٌ مِنَ
__________
(1) الإنصاف 10 / 251، 252، وكشاف القناع 5 / 188.
(2) المراجع السابقة.
(3) البناية على الهداية 1 / 720، وحاشية ابن عابدين 1 / 208، وبدائع
الصنائع 1 / 60 - 61، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 56، والخرشي 1 /
92، والحطاب 1 / 104، وشرح منتهى الإرادات 1 / 102، والمبدع شرح المقنع 1 /
338، والفروع 1 / 247، والإنصاف 1 / 340، ومغني المحتاج 1 / 80.
(39/140)
الإِْنْسَانِ أَوْ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ
كُلِّهَا دُونَ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ مَأْكُول اللَّحْمِ وَغَيْرِ
مَأْكُولِهِ (1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: الْمَنِيُّ نَجِسٌ إِذَا كَانَ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ
مِنْ حَيَوَانٍ مُحَرَّمِ الأَْكْل بِغَيْرِ خِلاَفٍ، أَمَّا مَنِيُّ
مُبَاحِ الأَْكْل فَفِيهِ خِلاَفٌ.
فَقِيل بِطَهَارَتِهِ وَقِيل بِنَجَاسَتِهِ لِلاِسْتِقْذَارِ
وَالاِسْتِحَالَةِ إِلَى فَسَادٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ (2) .
وَاسْتَدَل الْحَنَفِيَّةُ عَلَى نَجَاسَةِ الْمَنِيِّ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَغْسِل الْجَنَابَةَ مِنْ ثَوْبِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَخْرُجُ إِلَى الصَّلاَةِ
وَإِنْ بَقَّعَ الْمَاءُ فِي ثَوْبِهِ (3) .
وَجْهُ الدَّلاَلَةِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا قَدْ غَسَلَتِ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْغُسْل شَأْنُ النَّجَاسَاتِ وَأَنَّ
رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَلِمَ بِهَذَا
فَأَقَرَّهُ وَلَمْ يَقُل لَهَا أَنَّهُ طَاهِرٌ وَلأَِنَّهُ خَارِجٌ مِنْ
أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ فَكَانَ
__________
(1) البناية 1 / 720، وابن عابدين 1 / 208، والبحر الرائق 1 / 236.
(2) الخرشي 1 / 92، والدسوقي 1 / 56.
(3) حديث عائشة: " كنت أغسل الجنابة من ثوب النبي صلى الله عليه وسلم. . .
". أخرجه البخاري (الفتح 1 / 332) ومسلم (1 / 239) واللفظ للبخاري.
(39/141)
نَجِسًا كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ (1) .
وَاسْتَدَلُّوا بِآثَارٍ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
مِنْهَا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي
الْمَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ: إِنْ رَأَيْتَهُ فَاغْسِلْهُ وَإِلاَّ
فَاغْسِل الثَّوْبَ كُلَّهُ وَمِنِ التَّابِعِينَ مَا رُوِيَ عَنِ
الْحَسَنِ: أَنَّ الْمَنِيَّ بِمَنْزِلَةِ الْبَوْل (2) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ سَبَبَ نَجَاسَةِ الْمَنِيِّ أَنَّهُ دَمٌ
مُسْتَحِيلٌ إِلَى نَتْنٍ وَفَسَادٍ (3) فَحُكِمَ بِنَجَاسَةِ الْمَنِيِّ
مِنَ الْحَيَوَانَاتِ كُلِّهَا لأَِنَّ مَنَاطَ التَّنْجِيسِ كَوْنُهُ
دَمًا مُسْتَحِيلاً إِلَى نَتْنٍ وَفَسَادٍ وَهَذَا لاَ يَخْتَلِفُ بَيْنَ
الْحَيَوَانَاتِ كُلِّهَا كَمَا قَال الدَّرْدِيرُ.
وَبِأَنَّ الْمَنِيَّ يَخْرُجُ مِنْ مَخْرَجِ الْبَوْل مُوجِبًا
لِتَنْجِيسِهِ فَأُلْحِقَ الْمَنِيُّ بِالْبَوْل طَهَارَةً وَنَجَاسَةً (4)
.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْظْهَرِ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ
الْمَذْهَبُ: إِنَّ مَنِيَّ الإِْنْسَانِ طَاهِرٌ سَوَاءٌ أَكَانَ مِنَ
الذَّكَرِ أَمِ الأُْنْثَى.
__________
(1) بدائع الصنائع 1 / 60، وتبيين الحقائق 1 / 71، والبناية على الهداية 1
/ 722، وانتصار الفقير السالك 256.
(2) البناية على الهداية 1 / 722.
(3) حاشية الدسوقي 1 / 51.
(4) الحطاب 1 / 104، والخرشي 1 / 92، وحاشية الدسوقي 1 / 56.
(39/141)
لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُول اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ (1) فَدَل أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرَعَ فِي الصَّلاَةِ
وَالْمَنِيُّ عَلَى ثَوْبِهِ وَهَذَا شَأْنُ الطَّاهِرَاتِ (2) وَعَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَال: سُئِل رَسُول اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ
فَقَال: إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبُصَاقِ أَوِ الْمُخَاطِ إِنَّمَا
كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَمْسَحَهُ بِخِرْقَةٍ أَوْ إِذْخِرٍ (3) .
فَيَدُل هَذَا الْحَدِيثُ بِظَاهِرِهِ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ شَبَّهَ الْمَنِيَّ بِالْمُخَاطِ وَالْبُصَاقِ
مِمَّا يَدُل عَلَى طَهَارَتِهِ وَأَمَرَ بِإِمَاطَتِهِ بِأَيِّ
كَيْفِيَّةٍ كَانَتْ - وَلَوْ بِإِذْخِرٍ - لأَِنَّهُ مُسْتَقْذَرٌ طَبْعًا
وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَصَابَ ثَوْبَهُ
الْمَنِيُّ إِنْ كَانَ رَطْبًا مَسَحَهُ وَإِنْ
__________
(1) حديث عائشة: " أنها كانت تفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه
وسلم. . . ". أخرجه مسلم (1 / 238) .
(2) مغني المحتاج 1 / 79 - 80، وتحفة المحتاج 1 / 297، وكفاية الأخيار 1 /
41، ونهاية المحتاج 1 / 225، وحاشية القليوبي وعميرة على شرح المنهاج 1 /
70، وشرح منتهى الإرادات 1 / 102، والمبدع شرح المقنع 1 / 254، والفروع 1 /
247، والإنصاف 1 / 340.
(3) حديث ابن عباس: " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المني. . . ".
أخرجه البيهقي (2 / 418) ، وقبلها رواه موقوفًا، وصوب الرواية الموقوفة.
(39/142)
كَانَ يَابِسًا حَتَّهُ ثُمَّ صَلَّى فِيهِ
(1) وَلأَِنَّهُ مَبْدَأُ خَلْقِ الإِْنْسَانِ فَكَانَ طَاهِرًا كَالطِّينِ
وَكَذَلِكَ مَنِيُّ الْحَيَوَانَاتِ الطَّاهِرَةِ حَال حَيَاتِهَا
فَإِنَّهُ مَبْدَأُ خَلْقِهَا وَيُخْلَقُ مِنْهُ حَيَوَانٌ طَاهِرٌ (2) .
وَفِي مُقَابِل الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ نَجِسٌ وَهُوَ
قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ نَجِسٌ مِنَ الْمَرْأَةِ
دُونَ الرَّجُل بِنَاءً عَلَى نَجَاسَةِ رُطُوبَةِ فَرْجِهَا وَهُوَ قَوْلٌ
عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ (3) .
أَمَّا مَنِيُّ غَيْرِ الآْدَمِيِّ فَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي
الأَْصَحِّ إِلَى أَنَّ مَنِيَّ غَيْرِ الآْدَمِيِّ وَنَحْوِ الْكَلْبِ
نَجِسٌ كَسَائِرِ الْمُسْتَحِيلاَتِ.
وَقَال النَّوَوِيُّ: إِنَّ الأَْصَحَّ طَهَارَةُ مَنِيِّ غَيْرِ الْكَلْبِ
وَالْخِنْزِيرِ وَفَرْعِ أَحَدِهِمَا لأَِنَّهُ أَصْل حَيَوَانٍ طَاهِرٍ
فَأَشْبَهَ مَنِيَّ الآْدَمِيِّ.
وَفِي مُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَقَوْل الْحَنَابِلَةِ
أَنَّهُ طَاهِرٌ مِنَ الْمَأْكُول نَجِسٌ مِنْ غَيْرِهِ كَلَبَنِهِ (4) .
الْوُضُوءُ مِنَ الْمَنِيِّ
6 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ خُرُوجَ الْمَنِيِّ
يَنْقُضُ الْوُضُوءَ.
__________
(1) أثر سعد " أنه كان إذا أصاب ثوبه المني. . . ". أخرجه الشافعي في
المسند (1 / 26 ترتيبه)
(2) المراجع الفقهية السابقة.
(3) نهاية المحتاج 1 / 226، والإنصاف 1 / 339.
(4) مغني المحتاج 1 / 79 - 80، الإنصاف 1 / 339.
(39/142)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ خُرُوجَ
الْمَنِيِّ لاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (حَدَثٌ ف 6 وَمَا بَعْدَهَا) .
الْغُسْل مِنَ الْمَنِيِّ
7 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ خُرُوجَ الْمَنِيِّ مِنَ الرَّجُل
وَالْمَرْأَةِ مُوجِبٌ لِلْغُسْل (1) .
لِمَا وَرَدَ: أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا حَدَّثَتْ:
أَنَّهَا سَأَلَتْ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
عَنِ الْمَرْأَةِ تَرَى فِي مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُل؟ فَقَال رَسُول
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا رَأَتْ ذَلِكَ
الْمَرْأَةُ فَلْتَغْتَسِل فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ - وَاسْتَحْيَيْتُ
مِنْ ذَلِكَ - قَالَتْ: وَهَل يَكُونُ هَذَا؟ فَقَال نَبِيُّ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ فَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ
الشَّبَهُ؟ إِنَّ مَاءَ الرَّجُل غَلِيظٌ أَبْيَضُ وَمَاءَ الْمَرْأَةِ
رَقِيقٌ أَصْفَرُ فَمِنْ أَيِّهِمَا عَلاَ أَوْ سَبَقَ يَكُونُ مِنْهُ
الشَّبَهُ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهَا قَالَتْ: هَل عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ
غُسْلٍ إِذْ هِيَ احْتَلَمَتْ؟ فَقَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ (2) .
__________
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 107 وما بعدها، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق 1
/ 55، والخرشي 1 / 162 وما بعدها، وحاشية الدسوقي 1 / 126 وما بعدها،
والمجموع 2 / 138 - 139، والمغني 1 / 199، 203، ومغني المحتاج 1 / 70 ط
مصطفى الحلبي.
(2) حديث أم سليم أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم. أخرجه مسلم (1 /
250) ، والرواية الأخرى أخرجها البخاري (الفتح 1 / 388) ، ومسلم (1 / 251)
.
(39/143)
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَإِنْ رَأَى فِي
ثَوْبِهِ مَنِيًّا وَكَانَ مِمَّا لاَ يَنَامُ فِيهِ غَيْرُهُ فَعَلَيْهِ
الْغُسْل لأَِنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا اغْتَسَلاَ
حِينَ رَأَيَاهُ فِي ثَوْبَيْهِمَا وَلأَِنَّهُ لاَ يُحْتَمَل أَنْ يَكُونَ
إِلاَّ مِنْهُ وَيُعِيدُ الصَّلاَةَ مِنْ أَحْدَثِ نَوْمَةٍ نَامَهَا
فِيهِ، إِلاَّ أَنْ يَرَى إِمَارَةً تَدُل عَلَى أَنَّهُ قَبْلَهَا
فَيُعِيدُ مِنْ أَدْنَى نَوْمَةٍ يَحْتَمِل أَنَّهُ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ
الرَّائِي لَهُ غُلاَمًا يُمْكِنُ وُجُودُ الْمَنِيِّ مِنْهُ كَابْنِ
اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً فَهُوَ كَالرِّجَال لأَِنَّهُ وَجَدَ دَلِيلَهُ
وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلْوُجُودِ وَإِنْ كَانَ أَقَل مِنْ ذَلِكَ فَلاَ غُسْل
عَلَيْهِ لأَِنَّهُ لاَ يُحْتَمَل فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ
مِنْ غَيْرِهِ فَأَمَّا إِنْ وَجَدَ الرَّجُل مَنِيًّا فِي ثَوْبٍ يَنَامُ
فِيهِ هُوَ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ يَحْتَلِمُ فَلاَ غُسْل عَلَى وَاحِدٍ
مِنْهُمَا لأَِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ مُفْرَدًا
يُحْتَمَل أَنْ لاَ يَكُونَ مِنْهُ فَوُجُوبُ الْغُسْل عَلَيْهِ مَشْكُوكٌ
فِيهِ وَلَيْسَ لأَِحَدِهِمَا أَنْ يَأْتَمَّ بِصَاحِبِهِ؛ لأَِنَّ
أَحَدَهُمَا جُنُبٌ يَقِينًا فَلاَ تَصِحُّ صَلاَتُهُمَا كَمَا لَوْ سَمِعَ
كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَوْتَ رِيحٍ يَظُنُّ أَنَّهَا مِنْ صَاحِبِهِ أَوْ
لاَ يَدْرِي مِنْ أَيِّهِمَا هِيَ (1) .
وَالتَّفْصِيل فِي (غُسْلٌ ف 5) .
__________
(1) المغني 1 / 199 - 203.
(39/143)
الْمَنِيُّ وَأَثَرُهُ فِي الصَّوْمِ
8 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الصَّائِمَ إِذَا قَبَّل وَلَمْ
يُمْنِ لاَ يَفْسُدُ صَوْمُهُ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّل
وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لإِِرْبِهِ (1) وَوَرَدَ
عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَال: هَشَشْتُ فَقَبَّلْتُ
وَأَنَا صَائِمٌ فَقُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ صَنَعْتُ الْيَوْمَ أَمْرًا
عَظِيمًا قَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ فَقَال: أَرَأَيْتَ لَوْ مَضْمَضْتَ
مِنَ الْمَاءِ وَأَنْتَ صَائِمٌ؟ قُلْتُ: لاَ بَأْسَ بِهِ قَال: فَمَهْ (2)
.
شَبَّهَ الْقُبْلَةَ بِالْمَضْمَضَةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا مِنْ
مُقَدِّمَاتِ الشَّهْوَةِ وَأَنَّ الْمَضْمَضَةَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا
نُزُول الْمَاءِ لَمْ يُفْطِرْ (3) .
وَإِنْ قَبَّل الصَّائِمُ فَأَمْنَى فَسَدَ صَوْمُهُ لأَِنَّهُ إِنْزَالٌ
بِالْمُبَاشَرَةِ فَأَشْبَهَ الإِْنْزَال بِالْجِمَاعِ
__________
(1) حديث عائشة: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل ويباشر. . . ". أخرجه
البخاري (الفتح 4 / 149) ومسلم (2 / 777) ، واللفظ للبخاري.
(2) حديث عمر أنه قال: " هششت فقبلت وأنا صائم. . . ". أخرجه أبو داود (2 /
779 - 780) والحاكم (1 / 431) ، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(3) فتح القدير والعناية 2 / 256، وتحفة الفقهاء 1 / 358، وحاشية الدسوقي 1
/ 523، والخرشي 2 / 253، وروضة الطالبين 2 / 361، والمغني 3 / 111 - 114،
والإنصاف 3 / 301، وفتح الباري 4 / 151 ط السلفية.
(39/144)
لِوُجُودِ مَعْنَى الْجِمَاعِ وَهُوَ
قَضَاءُ الشَّهْوَةِ (1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ خَرَجَ الْمَنِيُّ مِنَ الصَّائِمِ يَقَظَةً
بِلَذَّةٍ مُعْتَادَةٍ فَسَدَ الصَّوْمُ وَوَجَبَ الْقَضَاءُ
وَالْكَفَّارَةُ وَأَمَّا إِنْ خَرَجَ بِلاَ لَذَّةٍ أَوْ خَرَجَ بِلَذَّةٍ
غَيْرِ مُعْتَادَةٍ فَلاَ يَفْسُدُ الصَّوْمُ وَقَال عَبْدُ الْوَهَابِ
مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّمَا يَرَى أَصْحَابُنَا الْقَضَاءَ عَلَى مَنْ
أَمْنَى مِنْ لَمْسٍ وَقُبْلَةٍ اسْتِحْبَابًا وَلَيْسَ بِإِيجَابٍ؛
لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ الْقُبْلَةُ حَرَّكَتِ الْمَنِيَّ عَنْ مَوْضِعِهِ،
فَأَمَّا إِنْ سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ (2) .
وَلَوِ اسْتَمْنَى الصَّائِمُ بِيَدِهِ فَأَنْزَل فَسَدَ صَوْمُهُ
لأَِنَّهُ فِي مَعْنَى الْقُبْلَةِ فِي إِثَارَةِ الشَّهْوَةِ وَإِنْ نَزَل
لِغَيْرِ شَهْوَةٍ كَالَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ الْمَنِيُّ أَوِ الْمَذْيُ
لِمَرَضٍ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ لأَِنَّهُ خَارِجٌ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ
أَشْبَهَ الْبَوْل وَلأَِنَّهُ عَنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْهُ وَلاَ
تَسَبُّبٍ إِلَيْهِ فَأَشْبَهَ الاِحْتِلاَمَ، وَلَوِ احْتَلَمَ لَمْ
يَفْسُدْ صَوْمُهُ لأَِنَّهُ عَنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْهُ فَأَشْبَهَ مَا
لَوْ دَخَل حَلْقَهُ شَيْءٌ وَهُوَ نَائِمٌ (3) .
__________
(1) المراجع السابقة وفتح الباري 4 / 153، وبداية المجتهد 1 / 298 ط مكتبة
الكليات الأزهرية.
(2) حاشية الدسوقي 1 / 523، والخرشي 2 / 253، والمدونة 1 / 195.
(3) تحفة الفقهاء 1 / 358، والعناية بهامش فتح القدير 2 / 256، والخرشي 2 /
253، والمدونة 1 / 195، وروضة الطالبين 2 / 361، والمغني 3 / 111.
(39/144)
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا نَظَرَ إِلَى
امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ إِلَى وَجْهِهَا أَوْ فَرْجِهَا فَأَمْنَى - كَرَّرَ
النَّظَرَ أَوْ لاَ - لاَ يُفْطِرُ فَصَارَ كَالْمُتَفَكِّرِ فِي امْرَأَةٍ
حَسْنَاءَ إِذَا أَمْنَى (1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ أَمْنَى بِتَعَمُّدِ إِدَامَةِ النَّظَرِ
وَالْفِكْرِ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ (2) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ خَرَجَ الْمَنِيُّ بِمُجَرَّدِ فِكْرٍ
وَنَظَرٍ بِشَهْوَةٍ لَمْ يُفْطِرْ (3) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ كَرَّرَ النَّظَرَ فَلَهُ حَالَتَانِ:
الْحَالَةُ الأُْولَى: أَنْ لاَ يَقْتَرِنَ بِهِ إِنْزَالٌ فَلاَ يَفْسُدُ
الصَّوْمُ بِغَيْرِ خِلاَفٍ.
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ إِنْزَال الْمَنِيِّ
فَيَفْسُدَ الصَّوْمُ وَبِهِ قَال عَطَاءٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ
وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ لأَِنَّهُ إِنْزَالٌ بِفِعْلٍ يَتَلَذَّذُ بِهِ
وَيُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ فَأَفْسَدَ الصَّوْمَ كَالإِْنْزَال
بِاللَّمْسِ وَالْفِكْرِ لاَ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ بِخِلاَفِ
تَكْرَارِ النَّظَرِ (4) .
__________
(1) العناية وفتح القدير 2 / 256.
(2) الخرشي 2 / 253، والمدونة 1 / 195.
(3) روضة الطالبين 2 / 361.
(4) المغني لابن قدامة 3 / 111 - 114، والإنصاف 3 / 301.
(39/145)
تَطْهِيرُ الثَّوْبِ مِنَ الْمَنِيِّ
9 - نَظَرًا لأَِنَّهُ قَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي نَجَاسَةِ
الْمَنِيِّ وَطَهَارَتِهِ فَقَدْ بَيَّنَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ نَجِسٌ
وَسِيلَةَ تَطْهِيرِهِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَنِيَّ إِذَا أَصَابَ الثَّوْبَ
فَإِنْ كَانَ رَطْبًا يَجِبُ غَسْلُهُ وَإِنْ جَفَّ عَلَى الثَّوْبِ
أَجْزَأَ فِيهِ الْفَرْكُ (1) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ تَطْهِيرَ مَحَل الْمَنِيِّ يَكُونُ
بِغَسْلِهِ (2) . لِمَا وَرَدَ عَنْ زُبَيْدِ بْنِ الصَّلْتِ: أَنَّهُ
قَال: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى
الْجُرُفِ فَنَظَرَ فَإِذَا هُوَ قَدِ احْتَلَمَ وَصَلَّى وَلَمْ يَغْتَسِل
فَقَال: وَاللَّهِ مَا أَرَانِي إِلاَّ احْتَلَمْتُ وَمَا شَعَرْتُ
وَصَلَّيْتُ وَمَا اغْتَسَلْتُ قَال: فَاغْتَسَل وَغَسَل مَا رَأَى فِي
ثَوْبِهِ وَنَضَحَ مَا لَمْ يَرَ وَأَذَّنَ أَوْ أَقَامَ ثُمَّ صَلَّى
بَعْدَ ارْتِفَاعِ الضُّحَى مُتَمَكِّنًا (3) .
أَمَّا الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ طَاهِرٌ فَقَدْ بَيَّنُوا كَيْفِيَّةَ
تَنْظِيفِهِ.
فَقَال الشَّافِعِيَّةُ عَلَى الأَْظْهَرِ وَالْحَنَابِلَةُ: أَنَّهُ
يُسْتَحَبُّ غَسْل الْمَنِيِّ لِلأَْخْبَارِ الصَّحِيحَةِ الْوَارِدَةِ
فِيهِ وَخُرُوجًا مِنَ الْخِلاَفِ.
__________
(1) الفتاوى الهندية 1 / 44.
(2) المنتقى شرح الموطأ 1 / 99 - 100.
(3) أثر عمر " أنه احتلم وصلى. . . ". أخرجه مالك في الموطأ (1 / 49) .
(39/145)
أَثَرُ انْقِطَاعِ الْمَنِيِّ فِي ثُبُوتِ
الْخِيَارِ لِلزَّوْجَةِ
10 - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ أَنَّ الْخِصَاءَ (1) لاَ
يَكُونُ عَيْبًا فَلاَ خِيَارَ لِلزَّوْجَةِ طَالَمَا يَسْتَطِيعُ
الْخَصِيُّ الْوِقَاعَ لأَِثَرِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يُرَدُّ
النِّكَاحُ لأَِرْبَعٍ: مِنَ الْجُذَامِ وَالْجُنُونِ وَالْبَرَصِ
وَالْقَرَنِ وَجْهُ الدَّلاَلَةِ أَنَّهُ لَمْ يُرَدَّ لِلْخِصَاءِ ذُكِرَ
بِخُصُوصِهِ وَلَمْ يَدْخُل تَحْتَ عُمُومِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ مَعَ
وُجُودِ الْخِصَاءِ فِي الرِّجَال وَإِمْكَانِ الاِطِّلاَعِ عَلَيْهِ أَوْ
مَعْرِفَتِهِ فِيهِمْ وَأَنَّ الزَّوَاجَ انْعَقَدَ بِيَقِينٍ فَلاَ
يُفَرَّقُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ إِلاَّ بِدَلِيلٍ مُتَيَقَّنٍ وَلَمَّا
كَانَ الاِتِّصَال مِنَ الْخَصِيِّ مَوْجُودًا كَانَ الضَّرَرُ فِي
مُعَاشَرَتِهِ مُنْتَفِيًا فَلَمْ يَصِحَّ قِيَاسُهُ عَلَى الْعُنَّةِ
لِلضَّرَرِ (2) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّ الْخِصَاءَ عَيْبٌ
يُثْبِتُ الْخِيَارَ لِلْمَرْأَةِ وَيُبَرِّرُ طَلَبَ التَّفْرِيقِ.
إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ قَيَّدُوا ذَلِكَ بِعَدَمِ إِنْزَال
__________
(1) قال جمهور الفقهاء: الخصاء قطع الأنثيين أو رضهما أو سلهما دون الذكر
(كشاف القناع 5 / 110) .
(2) الجوهرة النيرة بهامش اللباب 2 / 23 ط الأولى، وابن عابدين 2 / 594 ط
بولاق، والقليوبي وعميرة 3 / 262، ونهاية المحتاج 6 / 305، والزرقاني 3 /
236، وكشاف القناع 5 / 110.
(39/146)
الْمَنِيِّ فَإِنْ أَنْزَل مَنِيًّا فَلاَ
يُعْتَبَرُ خِصَاءً يُبَرِّرُ التَّفْرِيقَ (1) .
وَلِلتَّفْصِيل ر: مُصْطَلَحَ (خِصَاءٌ ف 7) .
أَثَرُ انْقِطَاعِ الْمَنِيِّ بِالْجِنَايَةِ
11 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ جَنَى شَخْصٌ جِنَايَةً
عَلَى رَجُلٍ فَكَسَرَ صُلْبَهُ فَأَبْطَل قُوَّةَ إِمْنَائِهِ وَجَبَتِ
الدِّيَةُ كَامِلَةً.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (دِيَاتٌ ف 62) .
مُهَاجِرٌ
انْظُرْ: هِجْرَةٌ.
__________
(1) المراجع السابقة.
(39/146)
مُهَايَأَةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمُهَايَأَةُ فِي اللُّغَةِ: مُفَاعَلَةٌ مِنْ هَايَأَ. وَهِيَ
الأَْمْرُ الْمُتَهَايَأُ عَلَيْهِ، وَتَهَايَأَ الْقَوْمُ تَهَايُؤًا مِنَ
الْهَيْئَةِ: جَعَلُوا لِكُل وَاحِدٍ هَيْئَةً مَعْلُومَةً وَالْمُرَادُ
النَّوْبَةُ (1) .
وَاصْطِلاَحًا: عَرَّفَهَا الْفُقَهَاءُ: بِأَنَّهَا قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ
عَلَى التَّعَاقُبِ وَالتَّنَاوُبِ (2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْقِسْمَةُ:
2 - الْقِسْمَةُ لُغَةً: مِنَ الْقَسْمِ وَهُوَ الْفَرْزُ يُقَال
قَسَمْتُهُ قِسْمَيْنِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ، فَرَزْتَهُ أَجْزَاءً
فَانْقَسَمَ، وَالْمَوْضِعُ مَقْسِمٌ مِثْل الْمَسْجِدِ، وَقَسَّمَهُ:
جَزَّأَهُ وَتَقَسَّمُوا الشَّيْءَ وَاقْتَسَمُوهُ
__________
(1) لسان العرب، والمصباح المنير.
(2) العناية شرح الهداية 8 / 378، والتعريفات للجرجاني.
(39/147)
وَتَقَاسَمُوهُ: قَسَّمُوهُ بَيْنَهُمْ (1)
.
وَاصْطِلاَحًا: تَمْيِيزُ بَعْضِ الأَْنْصِبَاءِ عَنْ بَعْضٍ
وَإِفْرَازُهَا عَنْهَا (2) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَهُمَا الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْمُطْلَقُ
فَالْمُهَايَأَةُ أَخَصُّ مِنَ الْقِسْمَةِ.
مَشْرُوعِيَّةُ الْمُهَايَأَةِ
3 - الْمُهَايَأَةُ مَشْرُوعَةٌ وَثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
وَالإِْجْمَاعِ وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (قِسْمَةٌ ف 56) .
مَحَل الْمُهَايَأَةِ
4 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ مَحَل الْمُهَايَأَةِ هُوَ
الْمَنَافِعُ دُونَ الأَْعْيَانِ (3) وَذَلِكَ: كَدَارٍ مَنْفَعَتُهَا
لِشَرِيكَيْنِ مِثْل دَارٍ وَقْفٍ عَلَيْهِمَا أَوْ مُسْتَأْجَرَةٍ لَهُمَا
أَوْ لِمُوَرِّثِهِمَا أَوْ مِلْكٍ لَهُمَا (4) .
وَلِلْفُقَهَاءِ تَفْصِيلاَتٌ أُخْرَى فِي مَحَل الْمُهَايَأَةِ.
انْظُرْ (ف 57 مِنْ مُصْطَلَحِ قِسْمَةٌ) .
__________
(1) المصباح المنير، ولسان العرب.
(2) كشاف القناع للبهوتي 6 / 370 ط عالم الكتب.
(3) بدائع الصنائع 7 / 32، والتاج والإكليل 2 / 334، ومغني المحتاج 4 /
246، والإنصاف 11 / 340.
(4) كشاف القناع 6 / 373.
(39/147)
أَقْسَامُ الْمُهَايَأَةِ
5 - الْمُهَايَأَةُ تَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: الأَْوَّل بِحَسْبِ
الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالثَّانِي بِحَسْبِ التَّرَاضِي وَالإِْجْبَارِ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (قِسْمَةٌ ف 58 وَمَا بَعْدَهَا) .
صِفَةُ الْمُهَايَأَةِ
6 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ
وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْمُهَايَأَةَ غَيْرُ لاَزِمَةٍ وَأَنَّهَا
عَقْدٌ جَائِزٌ (1) وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهَا تَكُونُ كَذَلِكَ
إِذَا كَانَتْ غَيْرَ مُعَيَّنَةِ الْمُدَّةِ: كَدَارَيْنِ يَأْخُذُ كُل
وَاحِدٍ مِنْهُمَا سُكْنَى دَارٍ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مُدَّةٍ أَمَّا
إِذَا كَانَتْ فِي زَمَنٍ مُعَيَّنٍ فَإِنَّهَا تَكُونُ لاَزِمَةً
كَالإِْجَارَةِ (2) .
وَعَلَى قَوْل الْجُمْهُورِ يَجُوزُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الرُّجُوعُ عَنْهَا
وَلاَ تَبْطُل بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا.
__________
(1) الاختيار 2 / 80، وبدائع الصنائع 7 / 32، ومغني المحتاج 4 / 426، وأسنى
المطالب 4 / 337، والإنصاف 11 / 340، وكشاف القناع 6 / 374.
(2) مواهب الجليل 5 / 335.
(39/148)
التَّنَازُعُ فِي الْمُهَايَأَةِ
7 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْمُهَايَأَةِ إِذَا تَنَازَعَ
أَطْرَافُهَا (1) .
فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: إِذَا اخْتَلَفَا فِي التَّهَايُؤِ مِنْ حَيْثُ
الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ فِي مَحَلٍّ يَحْتَمِلُهُمَا يَأْمُرُهُمَا
الْقَاضِي بِأَنْ يَتَّفِقَا لأَِنَّ التَّهَايُؤَ فِي الْمَكَانِ أَعْدَل
وَفِي الزَّمَانِ أَكْمَل فَلَمَّا اخْتَلَفَتِ الْجِهَةُ لاَ بُدَّ مِنَ
الاِتِّفَاقِ فَإِنِ اخْتَارَاهُ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ يُقْرَعُ فِي
الْبِدَايَةِ نَفْيًا لِلتُّهْمَةِ (2) .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: إِنْ تَرَاضَيَا بِالْمُهَايَأَةِ وَتَنَازَعَا
فِي الْبَدَاءَةِ بِأَحَدِهِمَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا
الرُّجُوعُ عَنِ الْمُهَايَأَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لاَ إِجْبَارَ
فِيهَا فَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا عَنْهَا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمُدَّةِ
أَوْ بَعْضِهَا لَزِمَ الْمُسْتَوْفِي لِلآْخَرِ نِصْفَ أُجْرَةِ الْمِثْل
لِمَا اسْتَوْفَى كَمَا إِذَا تَلِفَتِ الْعَيْنُ الْمُسْتَوْفِي
أَحَدُهُمَا مَنْفَعَتَهَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْمُسْتَوْفِيَ نِصْفُ
أُجْرَةِ الْمِثْل فَإِنْ تَمَانَعَا وَأَصَرَّا أَجَّرَهَا الْقَاضِي
عَلَيْهِمَا وَوَزَّعَ الأُْجْرَةَ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ حِصَّتِهِمَا
وَلاَ يَبِيعُهَا عَلَيْهِمَا وَإِنِ اقْتَسَمَاهَا بِالتَّرَاضِي
__________
(1) بدائع الصنائع 7 / 32، ومغني المحتاج 4 / 426، وكشاف القناع 6 / 374.
(2) نتائج الأفكار 8 / 380، ورد المحتار 5 / 170، وتبيين الحقائق 5 / 276.
(39/148)
ثُمَّ ظَهَرَ عَيْبٌ بِنَصِيبِ أَحَدِهِمَا
فَلَهُمَا الْفَسْخُ (1) .
وَذَكَرَ ابْنُ البَنَّاءِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ فِي الْخِصَال: أَنَّ
الشُّرَكَاءَ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي مَنَافِعِ دَارٍ بَيْنَهُمَا أَنَّ
الْحَاكِمَ يُجْبِرُهُمْ عَلَى قَسْمِهَا بِالْمُهَايَأَةِ أَوْ
يُؤَجِّرُهَا عَلَيْهِمْ (2) .
أَثَرُ الْمُهَايَأَةِ
8 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ لِلْمُتَهَايِئَيْنِ اسْتِغْلاَل
مَحَل الْمُهَايَأَةِ وَالاِنْتِفَاعِ بِهَا، كُلٌّ فِي قِسْمِهِ
زَمَانِيَّةً كَانَتْ أَمْ مَكَانِيَّةً (3) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي: (قِسْمَةٌ ف 61) .
وَاخْتَلَفُوا فِي الأَْكْسَابِ النَّادِرَةِ لِلْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ
بَيْنَ مَالِكَيْنِ أَوْ فِيمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكِ
بَاقِيهِ كَاللُّقَطَةِ وَالْهِبَةِ وَالرِّكَازِ وَالْوَصِيَّةِ، وَكَذَا
الْمُؤَنُ النَّادِرَةُ كَأُجْرَةِ الطَّبِيبِ وَالْحَجَّامِ.
فَالأَْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَوَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ
أَنَّهَا تَدْخُل فِي الْمُهَايَأَةِ كَمَا تَدْخُل الأَْكْسَابُ
__________
(1) أسنى المطالب 4 / 337، 338، ومغني المحتاج 4 / 426، وروضة الطالبين 8 /
195.
(2) الإنصاف 11 / 340.
(3) بدائع الصنائع 7 / 32، والشرح الكبير مع الدسوقي 3 / 498، وأسنى
المطالب 4 / 337، وكشاف القناع 6 / 373.
(39/149)
الْعَامَّةُ وَالْمُؤَنُ الْعَامَّةُ
فَتَكُونُ - أَيِ الأَْكْسَابُ النَّادِرَةُ - لِذِي النَّوْبَةِ
وَالْمُؤَنُ عَلَيْهِ إِلاَّ أَرْشَ الْجِنَايَةِ.
وَمُقَابِل الأَْظْهَرِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي لِلْحَنَابِلَةِ أَنَّ
الْكَسْبَ النَّادِرَ لاَ يَدْخُل فِي الْمُهَايَأَةِ فَلاَ يَخْتَصُّ بِهِ
مَنْ هُوَ فِي نَوْبَتِهِ (1) .
وَاخْتَلَفُوا فِي كِسْوَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ: فَذَهَبَ
الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الشَّرِيكَيْنِ إِنْ شَرَطَا طَعَامَ الْعَبْدِ
عَلَى مَنْ يَخْدُمُهُ جَازَ وَفِي الْكِسْوَةِ لاَ يَجُوزُ لأَِنَّ
الْعَادَةَ جَرَتْ بِالْمُسَامَحَةِ مِنَ الطَّعَامِ دُونَ الْكِسْوَةِ (2)
.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ: إِلَى أَنَّهَا تَدْخُل فِي الْمُهَايَأَةِ
وَيُرَاعَى فِيهَا قَدْرُ النَّوْبَةِ حَتَّى تَبْقَى عَلَى الاِشْتِرَاكِ
إِنْ جَرَتِ الْمُهَايَأَةُ مُيَاوَمَةً (3) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ فِي نَفَقَةِ الْحَيَوَانِ: إِنَّهَا تَجِبُ مُدَّةَ
كُل وَاحِدٍ عَلَيْهِ وَقَالُوا: إِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ أَوْ
قَنَاةٌ أَوْ عَيْنٌ نَبَعَ مَاؤُهَا فَالنَّفَقَةُ لِحَاجَةٍ بِقَدْرِ
حَقِّهِمَا أَيْ حَقِّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنَ الْمَاءِ
__________
(1) روضة الطالبين 8 / 195، 196، وأسنى المطالب 4 / 338، وكشاف القناع 6 /
374.
(2) الاختيار 2 / 80، 81.
(3) روضة الطالبين 11 / 219، وأسنى المطالب 4 / 338.
(39/149)
كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ وَالْمَاءُ
بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ عِنْدَمَا اسْتَخْرَجَاهُ (1) .
الضَّمَانُ فِي الْمُهَايَأَةِ
9 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي يَدِ الْمُتَهَايِئَيْنِ عَلَى مَحَل
الْمُهَايَأَةِ هَل هِيَ يَدُ ضَمَانٍ أَوْ يَدُ أَمَانَةٍ؟ فَذَهَبَ
الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: إِلَى أَنَّ يَدَ كُل وَاحِدٍ مِنَ
الْمُتَهَايِئَيْنِ يَدُ أَمَانَةٍ (2) وَلِذَا لاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ إِذَا
عَطِبَ أَحَدُ الْخَادِمَيْنِ فِي خِدْمَةِ مَنْ شُرِطَ لَهُ هَذَا
الْخَادِمُ، وَكَذَا لَوِ انْهَدَمَ الْمَنْزِل مِنْ سُكْنَى مَنْ شُرِطَتْ
لَهُ أَوِ احْتَرَقَ مِنْ نَارٍ أَوْقَدَهَا فِيهِ (3) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمُهَايَأَةَ كَالْعَارِيَةِ
وَلِذَا فَتَكُونُ الْيَدُ فِيهَا يَدَ ضَمَانٍ (4) .
وَفِي مَطَالِبِ أُولِي النُّهَى: وَيُتَّجَهُ أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ
الْحَيَوَانُ الْمُتَهَايَأُ عَلَيْهِ يُضْمَنُ أَيْ يَضْمَنُهُ مَنْ
تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ فِي مُدَّتِهِ لأَِنَّهُ كَالْعَارِيَةِ
بِالنِّسْبَةِ لِنَصِيبِ شَرِيكِهِ وَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَى
__________
(1) الإنصاف 11 / 341، وكشاف القناع 6 / 374.
(2) الفتاوى الهندية 5 / 230، ونهاية المحتاج 8 / 271.
(3) الفتاوى الهندية 5 / 230.
(4) المغني 11 / 513، ومطالب أولي النهى 6 / 553.
(39/150)
كُل حَالٍ (1) إِلاَّ فِي صُورَةٍ
أَوْرَدَهَا صَاحِبُ الإِْقْنَاعِ وَهِيَ: إِنْ سَلَّمَ شَرِيكٌ إِلَى
شَرِيكِهِ الدَّابَّةَ الْمُشْتَرَكَةَ فَتَلِفَتْ بِلاَ تَفْرِيطٍ وَلاَ
تَعَدٍّ مِنْ غَيْرِ انْتِفَاعٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يَضْمَنْ (2) .
__________
(1) مطالب أولي النهى 6 / 553.
(2) الإقناع مع كشاف القناع 4 / 74.
(39/150)
مَهْرٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمَهْرُ فِي اللُّغَةِ: صَدَاقُ الْمَرْأَةِ؛ وَهُوَ: مَا يَدْفَعُهُ
الزَّوْجُ إِلَى زَوْجَتِهِ بِعَقْدِ الزَّوَاجِ؛ وَالْجَمْعُ مُهُورٌ
وَمُهُورَةٌ. يُقَال: مَهَرْتُ الْمَرْأَةَ مَهْرًا: أَعْطَيْتَهَا
الْمَهْرَ؛ وَأَمْهَرْتُهَا - بِالأَْلِفِ - كَذَلِكَ؛ وَالثُّلاَثِيُّ
لُغَةُ بَنِي تَمِيمٍ وَهِيَ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالاً (1) .
وَأَمَّا فِي الاِصْطِلاَحِ فَقَدْ عَرَّفَهُ الشَّافِعِيَّةُ فَقَالُوا:
هُوَ مَا وَجَبَ بِنِكَاحٍ أَوْ وَطْءٍ أَوْ تَفْوِيتِ بُضْعٍ قَهْرًا (2)
.
وَلِلْمَهْرِ تِسْعَةُ أَسْمَاءٍ: الْمَهْرُ؛ وَالصَّدَاقُ؛ وَالصَّدَقَةُ؛
وَالنِّحْلَةُ؛ وَالْفَرِيضَةُ؛ وَالأَْجْرُ؛ وَالْعَلاَئِقُ؛ وَالْعُقْرُ؛
وَالْحِبَاءُ (3) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
النَّفَقَةُ:
2 - النَّفَقَةُ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ مِنَ الإِْنْفَاقِ وَمِنْ
__________
(1) المصباح المنير، والمعجم الوسيط.
(2) مغني المحتاج 3 / 220، وانظر العناية بهامش فتح القدير 2 / 434 ط
الأميرية، والشرح الصغير 2 / 428.
(3) المغني 6 / 679 ط الرياض.
(39/151)
مَعَانِيهَا: مَا يُنْفَقُ مِنَ
الدَّرَاهِمِ وَنَحْوِهَا وَالزَّادِ؛ وَمَا يُفْرَضُ لِلزَّوْجَةِ عَلَى
زَوْجِهَا مِنْ مَالٍ لِلطَّعَامِ وَالْكِسَاءِ وَالسُّكْنَى
وَالْحَضَانَةِ وَنَحْوِهَا؛ وَالْجَمْعُ: نَفَقَاتٌ وَنِفَاقٌ (1) .
وَالنَّفَقَةُ شَرْعًا هِيَ: الطَّعَامُ وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى (2) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وُجُوبُ كُلٍّ مِنْهُمَا
لِلزَّوْجَةِ؛ إِلاَّ أَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ جَزَاءً لِلاِحْتِبَاسِ فِي
حِينِ يَجِبُ الْمَهْرُ إِبَانَةً لِشَرَفِ الْمَحَل (3) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَهْرِ:
يَتَعَلَّقُ بِالْمَهْرِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:
حُكْمُ ذِكْرِ الْمَهْرِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ
3 - الْمَهْرُ وَاجِبٌ فِي كُل نِكَاحٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُحِل
لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} (4) فَقَدْ
قُيِّدَ الإِْحْلاَل بِهِ (5) ؛ إِلاَّ أَنَّ ذِكْرَ الْمَهْرِ فِي
الْعَقْدِ لَيْسَ شَرْطًا لِصِحَّةِ النِّكَاحِ فَيَجُوزُ إِخْلاَءُ
النِّكَاحِ عَنْ تَسْمِيَتِهِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ (6) لِقَوْلِهِ
تَعَالَى: {لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ
تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} (7)
__________
(1) المعجم الوسيط.
(2) الدر المختار 2 / 643 - 644 ط بولاق.
(3) العناية بهامش فتح القدير 2 / 434، 3 / 321.
(4) سورة النساء / 24.
(5) فتح القدير 2 / 434 ط بولاق (الأميرية) .
(6) الهداية وشروحها 2 / 434 ط بولاق، وحاشية الصاوي على الشرح الصغير 2 /
428، ومغني المحتاج 3 / 220، وروضة الطالبين 7 / 249، والمغني 6 / 712،
ومطالب أولي النهى 5 / 174.
(7) سورة البقرة / 236.
(39/151)
حَكَمَ بِصِحَّةِ الطَّلاَقِ مَعَ عَدَمِ
التَّسْمِيَةِ؛ وَلاَ يَكُونُ الطَّلاَقُ إِلاَّ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ
(1) .
وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سُئِل عَنْ رَجُلٍ
تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا وَلَمْ يَدْخُل بِهَا
حَتَّى مَاتَ؛ فَقَال ابْنُ مَسْعُودٍ: لَهَا مِثْل صَدَاقِ نِسَائِهَا لاَ
وَكْسَ وَلاَ شَطَطَ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا الْمِيرَاثُ؛ فَقَامَ
مَعْقِل بْنُ سِنَانٍ الأَْشْجَعِيُّ فَقَال: قَضَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ امْرَأَةٍ مِنَّا
مِثْل مَا قَضَيْتَ (2) ؛ وَلأَِنَّ الْقَصْدَ مِنَ النِّكَاحِ الْوَصْلَةُ
وَالاِسْتِمْتَاعُ دُونَ الصَّدَاقِ فَصَحَّ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِهِ
كَالنَّفَقَةِ (3) .
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ
__________
(1) العناية 2 / 434.
(2) حديث: " قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بِروع بنت واشق. . . ".
أخرجه الترمذي (3 / 450 ط الحلبي) والنسائي (6 / 121 ط التجارية الكبرى)
واللفظ للترمذي، وقال الترمذي: حسن صحيح.
(3) المغني 6 / 712.
(39/152)
تَسْمِيَةُ الْمَهْرِ لِلنِّكَاحِ؛
لأَِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُخَل نِكَاحًا عَنْهُ؛
وَلأَِنَّهُ أَدْفَعُ لِلْخُصُومَةِ (1) .
4 - وَأَمَّا إِذَا شُرِطَ نَفْيُ الْمَهْرِ فِي النِّكَاحِ كَأَنْ
تَزَوَّجَهَا بِشَرْطِ أَنْ لاَ مَهْرَ لَهَا فَقَدِ اخْتَلَفَ
الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ هَذَا النِّكَاحِ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى صِحَّةِ
النِّكَاحِ (2) .
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَلاَ يَصِحُّ النِّكَاحُ عِنْدَهُمْ عِنْدَ
اشْتِرَاطِ نَفْيِ الْمَهْرِ؛ حَيْثُ إِنَّهُمْ يَعْتَبِرُونَ الْمَهْرَ
رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ النِّكَاحِ وَيَقُولُونَ: وَمَعْنَى كَوْنِهِ
رُكْنًا أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ اشْتِرَاطُ إِسْقَاطِهِ (3) .
وَلِلتَّفْصِيل فِيمَا تَسْتَحِقُّهُ الزَّوْجَةُ عِنْدَ التَّصْرِيحِ
بِنَفْيِ الْمَهْرِ أَوْ عَدَمِ تَسْمِيَتِهِ.
(ر: تَفْوِيضٌ ف 7 - 8؛ مُفَوِّضَةٌ) .
حِكْمَةُ وُجُوبِ الْمَهْرِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ
5 - قَال الْكَاسَانِيُّ: لَوْ لَمْ يَجِبِ الْمَهْرُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ
لاَ يُبَالِي الزَّوْجُ عَنْ إِزَالَةِ هَذَا الْمِلْكِ بِأَدْنَى
خُشُونَةٍ تَحْدُثُ بَيْنَهُمَا؛ لأَِنَّهُ لاَ يَشُقُّ عَلَيْهِ
__________
(1) مغني المحتاج 3 / 220، ومطالب أولي النهى 5 / 174.
(2) العناية شرح الهداية 2 / 434، والمغني 6 / 712، وروضة الطالبين 7 / 280
- 281.
(3) حاشية الصاوي على الشرح الصغير 2 / 428، وحاشية الدسوقي 2 / 294.
(39/152)
إِزَالَتَهُ لَمَّا لَمْ يَخَفْ لُزُومَ
الْمَهْرِ؛ فَلاَ تَحْصُل الْمَقَاصِدُ الْمَطْلُوبَةُ مِنَ النِّكَاحِ؛
وَلأَِنَّ مَصَالِحَ النِّكَاحِ وَمَقَاصِدَهُ لاَ تَحْصُل إِلاَّ
بِالْمُوَافَقَةِ وَلاَ تَحْصُل الْمُوَافَقَةُ إِلاَّ إِذَا كَانَتِ
الْمَرْأَةُ عَزِيزَةً مُكَرَّمَةً عِنْدَ الزَّوْجِ؛ وَلاَ عِزَّةَ إِلاَّ
بِانْسِدَادِ طَرِيقِ الْوُصُول إِلَيْهَا إِلاَّ بِمَالٍ لَهُ خَطَرٌ
عِنْدَهُ؛ لأَِنَّ مَا ضَاقَ طَرِيقُ إِصَابَتِهِ يَعِزُّ فِي الأَْعْيُنِ
فَيَعِزُّ بِهِ إِمْسَاكُهُ؛ وَمَا تَيَسَّرَ طَرِيقُ إِصَابَتِهِ يَهُونُ
فِي الأَْعْيُنِ فَيَهُونُ إِمْسَاكُهُ؛ وَمَتَى هَانَتْ فِي أَعْيُنِ
الزَّوْجِ تَلْحَقُهَا الْوَحْشَةُ فَلاَ تَقَعُ الْمُوَافَقَةُ وَلاَ
تَحْصُل مَقَاصِدُ النِّكَاحِ (1) .
أَنْوَاعُ الْمَهْرِ
6 - الْمَهْرُ الْوَاجِبُ نَوْعَانِ:
أ - الْمَهْرُ الْمُسَمَّى: وَهُوَ الْعِوَضُ الْمُسَمَّى فِي عَقْدِ
النِّكَاحِ وَالْمُسَمَّى بَعْدَهُ لِمَنْ لَمْ يُسَمَّ لَهَا فِي
الْعَقْدِ (2) .
ب - مَهْرُ الْمِثْل: وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي يُرْغَبُ بِهِ فِي أَمْثَال
الزَّوْجَةِ (3) .
الْمُعْتَبَرُ فِي مَهْرِ الْمِثْل
7 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ يُعْتَبَرُ بِهَا مَهْرُ الْمِثْل مِنْ
قَرِيبَاتِ الزَّوْجَةِ:
__________
(1) بدائع الصنائع 2 / 275.
(2) مطالب أولي النهى 5 / 173.
(3) روضة الطالبين 7 / 286.
(39/153)
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَأَحْمَدُ فِي
رِوَايَةِ حَنْبَلٍ عَنْهُ إِلَى أَنَّ مَهْرَ مِثْل الزَّوْجَةِ
يُعْتَبَرُ بِأَخَوَاتِهَا وَعَمَّاتِهَا وَبَنَاتِ أَعْمَامِهَا لِقَوْل
ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَهَا مَهْرُ مِثْل نِسَائِهَا لاَ
وَكْسَ فِيهِ وَلاَ شَطَطَ (1) وَهُنَّ أَقَارِبُ الأَْبِ؛ وَلأَِنَّ
الإِْنْسَانَ مِنْ جِنْسِ قَوْمِ أَبِيهِ وَقِيمَةُ الشَّيْءِ إِنَّمَا
تُعْرَفُ بِالنَّظَرِ فِي قِيمَةِ جِنْسِهِ؛ وَلاَ يُعْتَبَرُ مَهْرُ
مِثْلِهَا بِأُمِّهَا وَخَالَتِهَا إِذَا لَمْ تَكُونَا مِنْ قَبِيلَتِهَا؛
فَإِنْ كَانَتِ الأُْمُّ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا (2) بِأَنْ كَانَتْ بِنْتَ
عَمِّهِ فَحِينَئِذٍ يُعْتَبَرُ بِمَهْرِهَا لِمَا أَنَّهَا مِنْ قَوْمِ
أَبِيهَا.
وَأَضَافَ الْحَنَفِيَّةُ: يُعْتَبَرُ فِي مَهْرِ الْمِثْل أَنْ تَتَسَاوَى
الْمَرْأَتَانِ فِي السِّنِّ وَالْجَمَال وَالْعَقْل وَالدِّينِ
وَالْبَلَدِ وَالْعَصْرِ لأَِنَّ مَهْرَ الْمِثْل يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ
الدَّارِ وَالْعَصْرِ؛ قَالُوا: وَيُعْتَبَرُ التَّسَاوِي أَيْضًا فِي
الْبَكَارَةِ لأَِنَّهُ يَخْتَلِفُ بِالْبَكَارَةِ وَالثُّيُوبَةِ. قَال
الْكَمَال بْنُ الْهُمَامِ: بِمُجَرَّدِ تَحَقُّقِ الْقَرَابَةِ
الْمَذْكُورَةِ لاَ يَثْبُتُ صِحَّةُ الاِعْتِبَارِ بِالْمَهْرِ حَتَّى
تَتَسَاوَيَا جَمَالاً وَمَالاً وَبَلَدًا وَعَصْرًا وَعَقْلاً وَدِينًا
وَبَكَارَةً وَأَدَبًا وَكَمَال خُلُقٍ وَعَدَمَ وَلَدٍ وَفِي الْعِلْمِ
أَيْضًا، فَلَوْ كَانَتْ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا
__________
(1) حديث ابن مسعود: " لها مثل نسائها. . . ". سبق تخريجه ف 3.
(2) الهداية وشروحها 2 / 470 - 471 ط بولاق، والمغني 6 / 723.
(39/153)
لَكِنِ اخْتَلَفَ مَكَانُهُمَا أَوْ
زَمَانُهُمَا لاَ يُعْتَبَرُ بِمَهْرِهَا لأَِنَّ الْبَلَدَيْنِ تَخْتَلِفُ
عَادَةُ أَهْلِهِمَا فِي الْمَهْرِ فِي غَلاَئِهِ وَرُخْصِهِ فَلَوْ
زُوِّجَتْ فِي غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي زُوِّجَ فِيهِ أَقَارِبُهَا لاَ
يُعْتَبَرُ بِمُهُورِهِنَّ
وَقِيل: لاَ يُعْتَبَرُ الْجَمَال فِي بَيْتِ الْحَسَبِ وَالشَّرَفِ بَل
فِي أَوْسَاطِ النَّاسِ؛ قَال ابْنُ الْهُمَامِ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى
هَذَا الْقَوْل: وَهَذَا جَيِّدٌ.
وَقَالُوا يُعْتَبَرُ حَال الزَّوْجِ أَيْضًا بِأَنْ يَكُونَ زَوْجُ هَذِهِ
كَأَزْوَاجِ أَمْثَالِهَا مِنْ نِسَائِهَا فِي الْمَال وَالْحَسَبِ
وَعَدَمِهِمَا؛ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاحِدَةً مِنْ قَوْمِ الأَْبِ بِهَذِهِ
الصِّفَاتِ فَأَجْنَبِيَّةٌ مَوْصُوفَةٌ بِذَلِكَ؛ وَفِي الْخُلاَصَةِ:
يُنْظَرُ فِي قَبِيلَةٍ أُخْرَى مِثْل قَبِيلَةِ أَبِيهَا.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لاَ يُعْتَبَرُ بِالأَْجْنَبِيَّاتِ؛ قَال
الْكَمَال بْنُ الهُمَامِ: وَيَجِبُ حَمْل هَذَا الْقَوْل عَلَى مَا إِذَا
كَانَ لَهَا أَقَارِبُ وَإِلاَّ امْتَنَعَ الْقَضَاءُ بِمَهْرِ الْمِثْل
(1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: الأَْصْل فِي مَهْرِ الْمِثْل اعْتِبَارُ أَرْبَعِ
صِفَاتٍ: الدِّينُ وَالْجَمَال وَالْحَسَبُ وَالْمَال؛ وَمِنْ شَرْطِ
التَّسَاوِي: الأَْزْمِنَةُ وَالْبِلاَدُ، إِلاَّ أَنْ تَكُونَ لَهُمْ
عَادَةٌ مُسْتَمِرَّةٌ فِي تَعْيِينِ الْمَهْرِ فَيُصَارُ إِلَيْهِ؛ وَفِي
كِتَابِ مُحَمَّدٍ: يُعْتَبَرُ شَبَابُهَا وَجَمَالُهَا فِي زَمَنِهَا
وَرَغْبَةُ النَّاسِ فِيهَا؛ وَيُنْظَرُ
__________
(1) الهداية وشروحها 2 / 471، وبدائع الصنائع 2 / 278.
(39/154)
فِي الزَّوْجِ فَإِنْ زَوَّجُوهُ إِرَادَةَ
صِلَتِهِ وَمُقَارَبَتِهِ خُفِّفَ عَنْهُ؛ وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ
ذَلِكَ كُمِّل لَهَا صَدَاقُ الْمِثْل (1) .
وَقَالُوا: لاَ يُنْظَرُ فِي تَحْدِيدِ مَهْرِ مِثْل الزَّوْجَةِ إِلَى
أُخْتِهَا وَقَرَابَتِهَا إِذْ يُزَوَّجُ الْفَقِيرُ لِقَرَابَتِهِ
وَالْبَعِيدُ لِغِنَاهُ؛ وَإِنَّمَا يُنْظَرُ لِمِثْلِهَا مِنْ مِثْلِهِ
(2) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يُرَاعَى فِي مَهْرِ الْمِثْل أَقْرَبُ مَنْ
تُنْسَبُ مِنْ نِسَاءِ الْعَصَبَةِ، وَأَقْرَبُهُنَّ أُخْتٌ لأَِبَوَيْنِ
ثُمَّ لأَِبٍ ثُمَّ بَنَاتُ أَخٍ لأَِبَوَيْنِ ثُمَّ لأَِبٍ ثُمَّ عَمَّاتٌ
لأَِبَوَيْنِ ثُمَّ لأَِبٍ؛ فَإِنْ فُقِدَ نِسَاءُ الْعَصَبَةِ أَوْ لَمْ
يُنْكَحْنَ أَوْ جُهِل مَهْرُهُنَّ فَيُعْتَبَرُ مَهْرُهَا بِأَرْحَامِهَا
تُقَدَّمُ الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى كَجَدَّاتٍ وَخَالاَتٍ؛ وَيُعْتَبَرُ
مَعَ مَا تَقَدَّمَ الْمُشَارَكَةُ فِي الصِّفَاتِ الْمُرَغِّبَةِ كَسِنٍّ
وَعَقْلٍ وَيَسَارٍ وَبَكَارَةٍ وَثُيُوبَةٍ وَفَصَاحَةٍ وَمَا اخْتَلَفَ
بِهِ غَرَضٌ كَالْعِلْمِ وَالشَّرَفِ لأَِنَّ الْمُهُورَ تَخْتَلِفُ
بِاخْتِلاَفِ هَذِهِ الصِّفَاتِ (3) .
وَمَتَى اخْتَصَّتْ بِفَضْلٍ أَوْ نَقْصٍ لَيْسَ فِي النِّسْوَةِ
الْمُعْتَبَرَاتِ مِثْلُهُ؛ زِيدَ أَوْ نُقِصَ بِقَدْرِ مَا يَلِيقُ بِهِ.
__________
(1) عقد الجواهر الثمينة 2 / 115، والقوانين الفقهية ص 207 ط دار الكتاب
العربي
(2) كفاية الطالب الرباني شرح الرسالة 2 / 49 - 50 ط دار المعرفة.
(3) مغني المحتاج 3 / 232، 233، وروضة الطالبين 7 / 286، 287.
(39/154)
وَيُعْتَبَرُ غَالِبُ عَادَةِ النِّسَاءِ
فَلَوْ سَامَحَتْ وَاحِدَةٌ لَمْ يَجِبْ مُوَافَقَتُهَا إِلاَّ أَنْ
يَكُونَ لِنَقْصٍ دَخَل فِي النَّسَبِ وَفَتْرَةِ الرَّغَبَاتِ وَلَوْ
خُفِضْنَ لِلْعَشِيرَةِ دُونَ غَيْرِهِمْ أَوْ عَكْسُهُ اعْتُبِرَ ذَلِكَ
(1) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مَهْرُ الْمِثْل بِمَنْ
يُسَاوِي الزَّوْجَةَ مِنْ جَمِيعِ أَقَارِبِهَا مِنْ جِهَةِ أَبِيهَا
وَأُمِّهَا كَأُخْتِهَا وَعَمَّتِهَا وَبِنْتِ أَخِيهَا وَبِنْتِ عَمِّهَا
وَأُمِّهَا وَخَالَتِهَا وَغَيْرِهِنَّ الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى لِحَدِيثِ
ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَهَا مِثْل مَهْرِ نِسَائِهَا
وَلأَِنَّ مُطْلَقَ الْقَرَابَةِ لَهُ أَثَرٌ فِي الْجُمْلَةِ (2) .
وَيُعْتَبَرُ التَّسَاوِي فِي الْمَال وَالْجَمَال وَالْعَقْل وَالأَْدَبِ
وَالسِّنِّ وَالْبَكَارَةِ أَوِ الثُّيُوبَةِ وَالْبَلَدِ وَصَرَاحَةِ
نَسَبِهَا وَكُل مَا يَخْتَلِفُ لأَِجْلِهِ الْمَهْرُ؛ لأَِنَّ مَهْرَ
الْمِثْل بَدَل مُتْلَفٍ فَاعْتُبِرَتِ الصِّفَاتُ الْمَقْصُودَةُ فِيهِ؛
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي نِسَائِهَا إِلاَّ دُونَهَا زِيدَتْ بِقَدْرِ
فَضِيلَتِهَا الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى؛ لأَِنَّ زِيَادَةَ فَضِيلَتِهَا
تَقْتَضِي زِيَادَةَ مَهْرِهَا فَتُقَدَّرُ الزِّيَادَةُ بِقَدْرِ
الْفَضِيلَةِ؛ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي نِسَائِهَا إِلاَّ فَوْقَهَا
نَقَصَتْ بِقَدْرِ نَقْصِهَا كَأَرْشِ الْعَيْبِ؛ وَلأَِنَّ لَهُ أَثَرًا
فِي تَنْقِيصِ الْمَهْرِ فَوَجَبَ أَنْ يَتَرَتَّبَ بِحَسَبِهِ.
__________
(1) الأشباه والنظائر للسيوطي ص 365 ط دار الكتب العلمية، ومغني المحتاج 3
/ 233.
(2) كشاف القناع 5 / 159.
(39/155)
وَتُعْتَبَرُ عَادَةُ نِسَائِهَا فِي
تَأْجِيل الْمَهْرِ أَوْ بَعْضِهِ وَفِي غَيْرِهِ مِنَ الْعَادَاتِ
كَالتَّخْفِيفِ عَنْ عَشِيرَتِهِنَّ دُونَ غَيْرِهِمْ؛ وَكَذَا لَوْ كَانَ
عَادَتُهُمُ التَّخْفِيفَ لِنَحْوِ شَرَفِ الزَّوْجِ أَوْ يَسَارِهِ؛
إِجْرَاءً لَهَا عَلَى عَادَتِهِنَّ.
فَإِنِ اخْتَلَفَتْ عَادَتُهُنَّ فِي الْحُلُول وَالتَّأْجِيل أَوِ
اخْتَلَفَتِ الْمُهُورُ قِلَّةً وَكَثْرَةً أُخِذَ بِمَهْرٍ وَسَطٍ حَالٍّ
مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ؛ فَإِنْ تَعَدَّدَ فَمِنْ غَالِبِهِ كَقِيَمِ
الْمُتْلَفَاتِ؛ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَقَارِبُ مِنَ النِّسَاءِ
اعْتُبِرَ شَبَهُهَا بِنِسَاءِ بَلَدِهَا؛ فَإِنْ عُدِمَتْ نِسَاءُ
بَلَدِهَا فَالاِعْتِبَارُ بِأَقْرَبِ النِّسَاءِ شَبَهًا بِهَا مِنْ
أَقْرَبِ بَلَدٍ إِلَيْهَا (1) .
شُرُوطُ الْمُخْبِرِ بِمَهْرِ الْمِثْل
8 - صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُخْبِرُ
بِمَهْرِ الْمِثْل رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلاً وَامْرَأَتَيْنِ وَيُشْتَرَطُ
لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ؛ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ عَلَى ذَلِكَ شُهُودٌ
فَالْقَوْل قَوْل الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ (2) .
مَا يَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ مَهْرًا
9 - الأَْصْل عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةِ
وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) أَنَّ كُل مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ
ثَمَنًا أَوْ مُثَمَّنًا أَوْ أُجْرَةً جَازَ جَعْلُهُ صَدَاقًا.
__________
(1) شرح منتهى الإرادات 3 / 82، وانظر كشاف القناع 5 / 159 - 160.
(2) فتح القدير 2 / 471 ط بولاق.
(39/155)
قَال الدَّرْدِيرُ: يُشْتَرَطُ فِي
الْمَهْرِ شُرُوطُ الثَّمَنِ مِنْ كَوْنِهِ مُتَمَوَّلاً طَاهِرًا
مُنْتَفَعًا بِهِ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ مَعْلُومًا (1) .
وَقَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: كُل مَا صَحَّ كَوْنُهُ عِوَضًا
مُعَوِّضًا عَيْنًا أَوْ دَيْنًا أَوْ مَنْفَعَةً كَثِيرًا أَوْ قَلِيلاً -
مَا لَمْ يَنْتَهِ فِي الْقِلَّةِ إِلَى حَدٍّ لاَ يُتَمَوَّل - صَحَّ
كَوْنُهُ صَدَاقًا؛ وَمَا لاَ فَلاَ (2) .
وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: كُل مَا جَازَ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ أَوْ
أُجْرَةً فِي الإِْجَارَةِ مِنَ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ وَالْحَال
وَالْمُؤَجَّل وَالْقَلِيل وَالْكَثِيرِ؛ وَمَنَافِعِ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ
وَغَيْرِهِمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا (3) .
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ الْمَهْرَ مَا يَكُونُ مَالاً
مُتَقَوِّمًا عِنْدَ النَّاسِ فَإِذَا سَمَّيَا مَا هُوَ مَالٌ يَصِحُّ
التَّسْمِيَةُ وَمَا لاَ فَلاَ.
وَقَالُوا: التَّسْمِيَةُ لاَ تَصِحُّ مَعَ الْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ
وَتَصِحُّ مَعَ الْجَهَالَةِ الْمُسْتَدْرَكَةِ (4) .
وَقَدْ نَشَأَ عَنِ اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِي مَدْلُول الْمَال - كَمَا
سَبَقَ تَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (مَالٌ ف 2) - اخْتِلاَفُهُمْ فِي
بَعْضِ مَا تَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ مَهْرًا نَذْكُرُهَا فِيمَا يَأْتِي:
__________
(1) الشرح الصغير 2 / 428.
(2) مغني المحتاج 2 / 220.
(3) المغني لابن قدامة 6 / 682.
(4) تحفة الفقهاء 2 / 136، 138.
(39/156)
جَعْل الْمَنْفَعَةِ مَهْرًا
10 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ وَالشَّافِعِيَّةُ
وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمَنْفَعَةُ
صَدَاقًا جَرْيًا عَلَى أَصْلِهِمْ مِنْ أَنَّ كُل مَا يَجُوزُ أَخْذُ
الْعِوَضِ عَنْهُ يَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ صَدَاقًا؛ فَيَصِحُّ أَنْ يَجْعَل
مَنَافِعَ دَارِهِ أَوْ دَابَّتِهِ أَوْ عَبْدِهِ سَنَةً صَدَاقًا
لِزَوْجَتِهِ؛ أَوْ يَجْعَل صَدَاقَهَا خِدْمَتَهُ لَهَا فِي زَرْعٍ أَوْ
بِنَاءِ دَارٍ أَوْ خِيَاطَةِ ثَوْبٍ؛ أَوْ فِي سَفَرِ الْحَجِّ مَثَلاً.
قَال ابْنُ الحَاجِبِ: فِي كَوْنِ الصَّدَاقِ مَنَافِعَ كَخِدْمَتِهِ
مُدَّةً مُعَيَّنَةً أَوْ تَعْلِيمِهِ قُرْآنًا مَنَعَهُ مَالِكٌ
وَكَرِهَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَجَازَهُ أَصْبَغُ؛ وَإِنْ وَقَعَ مَضَى
عَلَى الْمَشْهُورِ (1) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ تَزَوَّجَ الْحُرُّ امْرَأَةً عَلَى
مَنَافِعِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا:
يَصِحُّ وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لاَ يَصِحُّ.
وَذَكَرَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: أَنَّ مَحَل الْخِلاَفِ يَخْتَصُّ
بِالْخِدْمَةِ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمِهْنَةِ وَالْمُنَافَاةِ (2) .
ثُمَّ الَّذِينَ اتَّفَقُوا فِي الْجُمْلَةِ عَلَى جَوَازِ جَعْل
__________
(1) الشرح الصغير وحاشية الصاوي عليه 2 / 448، وحاشية الدسوقي 2 / 309،
ومغني المحتاج 3 / 220، وتخريج الفروع على الأصول 227، والمغني لابن قدامة
6 / 682.
(2) الإنصاف 8 / 229 - 230.
(39/156)
الْمَنَافِعِ مَهْرًا اخْتَلَفُوا فِيمَا
بَيْنَهُمْ فِي عِدَّةِ مَسَائِل مِنْهَا:
أ - جَعْل تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ مَهْرًا لِلْمَرْأَةِ
11 - أَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ وَأَحْمَدُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ؛
وَأَصْبَغُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ جَعْل تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ مَهْرًا (1) .
وَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ لِجَوَازِ جَعْل تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ مَهْرًا
شَرْطَيْنِ:
الشَّرْطُ الأَْوَّل: الْعِلْمُ بِالْمَشْرُوطِ تَعْلِيمُهُ بِأَحَدِ
طَرِيقَيْنِ:
الطَّرِيقُ الأَْوَّل: بَيَانُ الْقَدْرِ الَّذِي يُعَلِّمُهُ بِأَنْ
يَقُول كُل الْقُرْآنِ أَوِ السُّبُعُ الأَْوَّل أَوِ الأَْخِيرُ.
الطَّرِيقُ الثَّانِي: التَّقْدِيرُ بِالزَّمَانِ بِأَنْ يُصْدِقَهَا
تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ شَهْرًا وَيُعَلِّمَهَا فِيهِ مَا شَاءَتْ.
وَالشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَى تَعْلِيمِهِ
قَدْرًا فِي تَعْلِيمِهِ كُلْفَةٌ (2) .
وَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي الْقَوْل الثَّانِي وَهُوَ اخْتِيَارُ
أَبِي بَكْرٍ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ جَعْل تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ أَوْ
شَيْءٍ مِنْهُ مَهْرًا؛ لأَِنَّ الْفُرُوجَ لاَ تُسْتَبَاحُ إِلاَّ
بِالأَْمْوَال؛ وَلأَِنَّ تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ
__________
(1) روضة الطالبين 7 / 304، 305، وعقد الجواهر الثمينة 2 / 101، والمغني 6
/ 683 - 684.
(2) المراجع السابقة.
(39/157)
لاَ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ إِلاَّ قُرْبَةً
لِفَاعِلِهِ فَلَمْ يَصِحَّ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا كَالصَّوْمِ
وَالصَّلاَةِ (1) .
وَكَرِهَ ابْنُ الْقَاسِمِ ذَلِكَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ؛ فَإِنْ وَقَعَ
مَضَى فِي قَوْل أَكْثَرِ الْمَالِكِيَّةِ (2) .
ب - نِكَاحُ الْمَرْأَةِ عَلَى إِحْجَاجِهَا
12 - صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِعَدَمِ صِحَّةِ تَسْمِيَةِ نِكَاحِ
الْمَرْأَةِ عَلَى إِحْجَاجِهَا مَهْرًا لأَِنَّ الْحُمْلاَنَ مَجْهُولٌ
لاَ يُوقَفُ لَهُ عَلَى حَدٍّ فَلَمْ يَصِحَّ؛ كَمَا لَوْ أَصْدَقَهَا
شَيْئًا؛ فَعَلَى هَذَا لَهَا مَهْرُ الْمِثْل (3) .
وَاخْتَلَفَتْ أَقْوَال الْمَالِكِيَّةِ فِي الْمَسْأَلَةِ:
فَقَدْ رَوَى يَحْيَى عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي نِكَاحِهَا عَلَى
إِحْجَاجِهَا أَنَّهُ يُفْسَخُ قَبْل الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ
وَيَجِبُ صَدَاقُ الْمِثْل إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْحَجَّةِ غَيْرُهَا
فَيَجُوزُ.
وَقَال ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَيْسَ يُعْجِبُنِي وَلاَ رَأَيْتُ أَصْبَغَ
وَغَيْرَهُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ يُعْجِبُهُمْ وَرَأَيْتُهُمْ يَرَوْنَهُ
جَائِزًا؛ لأَِنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَى حَجَّةٍ مِثْلِهَا فِي
النَّفَقَةِ وَالْكِرَاءِ وَالْمَصْلَحَةِ؛ وَقَال: أَمْنَعُهُ مِنَ
الدُّخُول حَتَّى يُحِجَّهَا أَوْ يُعْطِيَهَا مِقْدَارَ مَا يُشْبِهُ
مِثْلَهَا مِنَ النَّفَقَةِ وَالْمَصْلَحَةِ وَالتَّدَاوِي فِي بُعْدِ
سَفَرِهَا أَوْ قُرْبِهِ
__________
(1) عقد الجواهر الثمينة 2 / 100، والمغني 6 / 683 - 684.
(2) عقد الجواهر الثمينة 2 / 100.
(3) المغني 6 / 683.
(39/157)
فَتَكُونُ قَدْ قَبَضَتْ صَدَاقَهَا فَإِنْ
شَاءَتْ حَجَّتْ بِهِ وَإِنْ شَاءَتْ تَرَكَتْهُ (1) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَنَافِعَ لَيْسَتْ أَمْوَالاً
مُتَقَوِّمَةً فِي حَدِّ ذَاتِهَا؛ إِلاَّ أَنَّهُمْ أَجَازُوا جَعْل
الْمَنَافِعِ مَهْرًا فِي صُوَرٍ مُعَيَّنَةٍ نَذْكُرُهَا فِيمَا يَلِي:
أ - مَنَافِعُ الأَْعْيَانِ
13 - مَنَافِعُ الأَْعْيَانِ تَصِحُّ تَسْمِيَتُهَا مَهْرًا فِي عَقْدِ
النِّكَاحِ.
قَال الْكَاسَانِيُّ: لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَنَافِعِ سَائِرِ
الأَْعْيَانِ مِنْ سُكْنَى دَارِهِ وَخِدْمَةِ عَبِيدِهِ وَرُكُوبِ
دَابَّتِهِ وَالْحَمْل عَلَيْهَا وَزِرَاعَةِ أَرْضِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ
مِنْ مَنَافِعِ الأَْعْيَانِ مُدَّةً مَعْلُومَةً صَحَّتِ التَّسْمِيَةُ
لأَِنَّ هَذِهِ الْمَنَافِعَ أَمْوَالٌ؛ وَالْتَحَقَتْ بِالأَْمْوَال
شَرْعًا فِي سَائِرِ الْعُقُودِ لِمَكَانِ الْحَاجَةِ؛ وَالْحَاجَةُ فِي
النِّكَاحِ مُتَحَقِّقَةٌ وَإِمْكَانُ الدَّفْعِ بِالتَّسْلِيمِ ثَابِتٌ
بِتَسْلِيمِ مَحَالِّهَا (2) .
ب - مَنَافِعُ الْحُرِّ
ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ عِدَّةَ صُوَرٍ لِجَعْل مَنْفَعَةِ الْحُرِّ
صَدَاقًا لِزَوْجَتِهِ مِنْهَا:
جَعْل الْحُرِّ مَهْرَ زَوْجَتِهِ خِدْمَتَهَا
14 - لَوْ تَزَوَّجَ حُرٌّ امْرَأَةً عَلَى أَنْ يَخْدُمَهَا سَنَةً
__________
(1) عقد الجواهر الثمينة 2 / 101.
(2) بدائع الصنائع 2 / 279.
(39/158)
فَالتَّسْمِيَةُ فَاسِدَةٌ وَلَهَا مَهْرُ
مِثْلِهَا فِي قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ التَّسْمِيَةُ صَحِيحَةٌ وَلَهَا قِيمَةُ خِدْمَةِ
سَنَةٍ (1) .
وَقَال الْكَاسَانِيُّ فِي مَعْرِضِ الاِسْتِدْلاَل لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ
أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: أَنَّ الْمَنَافِعَ لَيْسَتْ بِأَمْوَالٍ
مُتَقَوِّمَةٍ عَلَى أَصْل أَصْحَابِنَا وَلِهَذَا لَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً
بِالْغَصْبِ وَالإِْتْلاَفِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهَا حُكْمُ التَّقَوُّمِ
فِي سَائِرِ الْعُقُودِ شَرْعًا ضَرُورَةً دَفْعًا لِلْحَاجَةِ بِهَا وَلاَ
يُمْكِنُ دَفْعُ الْحَاجَةِ بِهَا هَاهُنَا لأَِنَّ الْحَاجَةَ لاَ
تَنْدَفِعُ إِلاَّ بِالتَّسْلِيمِ؛ وَأَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْهُ شَرْعًا؛
لأَِنَّ اسْتِخْدَامَ الْحُرَّةِ زَوْجَهَا الْحُرَّ حَرَامٌ؛ لِكَوْنِهِ
اسْتِهَانَةً وَإِذْلاَلاً وَهَذَا لاَ يَجُوزُ؛ وَلِهَذَا لاَ يَجُوزُ
لاِبْنٍ أَنْ يَسْتَأْجِرَ أَبَاهُ لِلْخِدْمَةِ؛ فَلاَ تُسَلَّمُ
خِدْمَتُهُ لَهَا شَرْعًا؛ فَلاَ يُمْكِنُ دَفْعُ الْحَاجَةِ بِهَا؛ فَلَمْ
يَثْبُتْ لَهَا التَّقَوُّمُ؛ فَبَقِيَتْ عَلَى الأَْصْل فَصَارَ كَمَا
لَوْ سَمَّى مَا لاَ قِيمَةَ لَهُ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَهُنَاكَ
لاَ تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْل كَذَا هَاهُنَا (2) .
__________
(1) الفتاوى الهندية 1 / 302، وبدائع الصنائع 2 / 278، وتحفة الفقهاء 2 /
137.
(2) بدائع الصنائع 2 / 278.
(39/158)
وَدَلَّل عَلاَءُ الدِّينِ
السَّمَرْقَنْدِيُّ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مُحَمَّدٌ مِنْ صِحَّةِ
التَّسْمِيَةِ وَوُجُوبِ قِيمَةِ الْخِدْمَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ
وَقَال: إِنَّ التَّسْمِيَةَ قَدْ صَحَّتْ لَكِنْ تَعَذَّرَ التَّسْلِيمُ
عَلَيْهِ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهَا اسْتِخْدَامُهُ بَل عَلَيْهَا
خِدْمَةُ الزَّوْجِ فَيَجِبُ قِيمَةُ الْخِدْمَةِ؛ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ
عَلَى عَبْدٍ فَاسْتُحِقَّ؛ تَجِبُ قِيمَتُهُ لاَ مَهْرُ الْمِثْل كَهَذَا
هَذَا (1) .
وَإِنْ تَزَوَّجَ عَبْدٌ امْرَأَةً بِإِذْنِ مَوْلاَهُ عَلَى خِدْمَتِهِ
سَنَةً جَازَ وَلَهَا الْخِدْمَةُ (2) ؛ لأَِنَّ خِدْمَةَ الْعَبْدِ
خَالِصُ مِلْكِ الْمَوْلَى فَصَحَّتِ التَّسْمِيَةُ (3) .
وَجَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا
فَلَهَا خِدْمَتُهُ بِالإِْجْمَاعِ (4) .
، جَعْل الْحُرِّ مَهْرَ زَوْجَتِهِ عَمَلاً لاَ مَهَانَةَ فِيهِ
15 - قَال الْكَاسَانِيُّ: لَوْ كَانَ الْمَهْرُ الْمُسَمَّى فِعْلاً لاَ
اسْتِهَانَةَ فِيهِ وَلاَ مَذَلَّةَ عَلَى الرَّجُل كَرَعْيِ دَوَابِّهَا
وَزِرَاعَةِ أَرْضِهَا وَالأَْعْمَال الَّتِي خَارِجَ الْبَيْتِ تَصِحُّ
التَّسْمِيَةُ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْقِيَامِ بِأَمْرِ الزَّوْجَةِ
لاَ مِنْ بَابِ الْخِدْمَةِ (5) .
__________
(1) تحفة الفقهاء 2 / 137.
(2) الهداية وشروحها 2 / 450.
(3) بدائع الصنائع 2 / 279.
(4) الفتاوى الهندية 1 / 302.
(5) بدائع الصنائع 2 / 278 - 279.
(39/159)
وَمِنْ مَشَايِخِ الْحَنَفِيَّةِ مَنْ
جَعَل فِي رَعْيِ غَنَمِهَا رِوَايَتَيْنِ؛ وَمِنْهُمْ مَنْ قَال يَصِحُّ
فِي رَعْيِ الْغَنَمِ بِالإِْجْمَاعِ (1) .
وَجَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ
يَرْعَى غَنَمَهَا أَوْ يَزْرَعَ أَرْضَهَا؛ فِي رِوَايَةٍ لاَ يَجُوزُ
وَفِي رِوَايَةٍ جَازَ؛ وَالأَْوَّل رِوَايَةُ الأَْصْل وَالْجَامِعِ -
وَهُوَ الأَْصَحُّ كَمَا فِي النَّهْرِ الْفَائِقِ - وَالصَّوَابُ أَنْ
يُسَلِّمَ لَهَا إِجْمَاعًا؛ اسْتِدْلاَلاً بِقِصَّةِ مُوسَى وَشُعَيْبٍ
عَلَيْهِمَا السَّلَامُ؛ وَشَرِيعَةُ مَنْ قَبْلَنَا تَلْزَمُنَا إِذَا
قَصَّ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ رَسُولُهُ بِلاَ إِنْكَارٍ (2) .
جَعْل الْحُرِّ مَهْرَ زَوْجَتِهِ تَعْلِيمَهَا الْقُرْآنَ
16 - قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا تَزَوَّجَ حُرٌّ امْرَأَةً عَلَى
تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ أَوْ عَلَى تَعْلِيمِ الْحَلاَل وَالْحَرَامِ مِنَ
الأَْحْكَامِ أَوْ عَلَى الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مِنَ الطَّاعَاتِ لاَ
تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ؛ لأَِنَّ الْمُسَمَّى لَيْسَ بِمَالٍ فَلاَ يَصِيرُ
شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مَهْرًا (3) .
قَال فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنْ
يُعَلِّمَهَا الْقُرْآنَ كَانَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا (4) .
__________
(1) بدائع الصنائع 2 / 278.
(2) الفتاوى الهندية 1 / 3 - 2، وانظر الهداية وشروحها 2 / 451.
(3) بدائع الصنائع 2 / 277، وفتح القدير 2 / 450 - 451.
(4) الفتاوى الهندية 1 / 302.
(39/159)
الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَال وَالْمَنْفَعَةِ
فِي الصَّدَاقِ
17 - قَال الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ جَمَعَ بَيْنَ مَا هُوَ مَالٌ وَبَيْنَ مَا
لَيْسَ بِمَالٍ لَكِنْ لِلزَّوْجَةِ فِيهِ مَنْفَعَةٌ إِنْ كَانَ شَيْئًا
يُبَاحُ لَهَا الاِنْتِفَاعُ بِهِ كَطَلاَقِ الضَّرَّةِ وَالإِْمْسَاكِ فِي
بَلَدِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ فَإِنْ وَفَّى بِالْمَنْفَعَةِ وَأَوْصَل
إِلَيْهَا فَإِنَّهُ لاَ يَجِبُ إِلاَّ الْمُسَمَّى إِذَا كَانَ عَشَرَةَ
دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا؛ لأَِنَّهَا أَسْقَطَتْ حَقَّهَا عَنْ مَهْرِ
الْمِثْل لِغَرَضٍ صَحِيحٍ وَقَدْ حَصَل؛ وَإِنْ لَمْ يَفِ بِمَا وَعَدَ
لَهَا: إِنْ كَانَ مَا سَمَّى لَهَا مِنَ الْمَال مِثْل مَهْرِ الْمِثْل
أَوْ أَكْثَرَ فَلاَ شَيْءَ لَهَا إِلاَّ ذَلِكَ الْمُسَمَّى؛ وَإِنْ كَانَ
مَا سَمَّى لَهَا أَقَل مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا يُكَمِّل لَهَا مَهْرَ
مِثْلِهَا؛ لأَِنَّهَا لَمْ تَرْضَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهَا مِنْ كَمَال
مَهْرِ الْمِثْل إِلاَّ بِغَرَضٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ عِنْدَ النَّاسِ
وَحَلاَلٍ شَرْعًا؛ فَإِذَا لَمْ يَحْصُل الْغَرَضُ يَعُودُ حَقُّهَا إِلَى
الْمُعَوَّضِ وَهُوَ الْمَهْرُ (1) .
وَقَال ابْنُ الْقَاسِمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ - فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ
يَحْيَى - أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الْمَنَافِعِ صَدَاقٌ يُفْسَخُ
النِّكَاحُ قَبْل الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ؛ وَيَكُونُ لَهَا صَدَاقُ
مِثْلِهَا؛ وَتَسْقُطُ الْخِدْمَةُ؛ فَإِنْ كَانَ خَدَمَ رَجَعَ عَلَيْهَا
بِقِيمَةِ الْخِدْمَةِ (2) .
__________
(1) تحفة الفقهاء 2 / 137 - 138 ط دار الكتب العلمية.
(2) عقد الجواهر الثمينة 2 / 101.
(39/160)
مِقْدَارُ الْمَهْرِ
18 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ لاَ حَدَّ لأَِكْثَرِ
الْمَهْرِ (1) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ
قِنْطَارًا} .
وَفِي الْقِنْطَارِ أَقَاوِيل مِنْهَا: أَنَّهُ الْمَال الْكَثِيرُ؛
وَهَذَا قَوْل الرَّبِيعِ (2) .
حَكَى الشَّعْبِيُّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَامَ خَطِيبًا فَقَال: لاَ تُغَالُوا فِي صَدَقَاتِ النِّسَاءِ فَمَا
بَلَغَنِي أَنَّ أَحَدًا سَاقَ أَكْثَرَ مِمَّا سَاقَهُ رَسُول اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلاَّ جَعَلْتُ الْفَضْل فِي بَيْتِ
الْمَال؛ فَاعْتَرَضَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَاءِ قُرَيْشٍ فَقَالَتْ:
يُعْطِينَا اللَّهُ وَتَمْنَعُنَا؛ كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ
يُتَّبَعَ؛ قَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا
فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} فَرَجَعَ عُمَرُ وَقَال: كُل أَحَدٍ
يَصْنَعُ بِمَالِهِ مَا شَاءَ (3) .
19 - وَأَمَّا أَقَل الْمَهْرِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ:
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ أَقَل الْمَهْرِ
غَيْرُ مُقَدَّرٍ بَل كُل مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا أَوْ مَبِيعًا
__________
(1) الحاوي الكبير للماوردي 12 / 11، والمغني 6 / 681، والقوانين الفقهية ص
205 - 206، وحاشية ابن عابدين 2 / 330.
(2) الحاوي الكبير 12 / 4.
(3) الحاوي 12 / 11، والمغني 6 / 681.
(39/160)
أَوْ أُجْرَةً أَوْ مُسْتَأْجَرًا جَازَ
أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا قَل أَوْ كَثُرَ مَا لَمْ يَنْتَهِ فِي الْقِلَّةِ
إِلَى حَدٍّ لاَ يُتَمَوَّل.
وَبِهِ قَال مِنَ الصَّحَابَةِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَبْدُ اللَّهِ
بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ؛ وَهُوَ قَوْل الْحَسَنِ
الْبَصْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَطَاءٍ وَعَمْرِو بْنِ
دِينَارٍ وابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيِّ وَالأَْوْزَاعِيِّ
وَاللَّيْثِ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ.
وَحُكِيَ أَنَّ سَعِيدًا زَوَّجَ ابْنَتَهُ عَلَى صَدَاقِ دِرْهَمَيْنِ
وَقَال: لَوْ أَصْدَقَهَا سَوْطًا لَحَلَّتْ (1) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ
وَالنَّخَعِيُّ وابْنُ شُبْرُمَةَ إِلَى أَنَّ الْمَهْرَ مُقَدَّرُ
الأَْقَل (2) .
ثُمَّ اخْتَلَفَ هَذَا الْفَرِيقُ فِي أَدْنَى الْمِقْدَارِ الَّذِي
يَصْلُحُ مَهْرًا.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ أَقَل الْمَهْرِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ
فِضَّةً أَوْ مَا قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَأُحِل لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا
بِأَمْوَالِكُمْ} ؛ شَرَطَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ
مَالاً؛ وَلاَ يُطْلَقُ اسْمُ الْمَال عَلَى
__________
(1) الحاوي 12 / 11، والمغني 6 / 680، ومغني المحتاج 3 / 220.
(2) تحفة الفقهاء 2 / 136، وبدائع الصنائع 2 / 275 وما بعدها، والشرح
الصغير 2 / 428 - 429، والمغني 6 / 680.
(39/161)
الْحَبَّةِ وَالدَّانِقِ؛ فَلاَ يَصْلُحُ
مَهْرًا؛ وَبِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُول
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: لاَ مَهْرَ دُونَ
عَشَرَةِ دَرَاهِمَ (1) .
وَعَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: لاَ يَكُونُ الْمَهْرُ أَقَل مِنْ عَشَرَةِ
دَرَاهِمَ.
قَال الْكَاسَانِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ تَوْقِيفًا
لأَِنَّهُ بَابٌ لاَ يُوصَل إِلَيْهِ بِالاِجْتِهَادِ وَالْقِيَاسِ (2) ؛
وَلأَِنَّ الْمَهْرَ حَقُّ الشَّرْعِ مِنْ حَيْثُ وُجُوبُهُ عَمَلاً
بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي
أَزْوَاجِهِمْ} ؛ وَكَانَ ذَلِكَ لإِِظْهَارِ شَرَفِ الْمَحَل
فَيَتَقَدَّرُ بِمَا لَهُ خَطَرٌ - وَهُوَ الْعَشَرَةُ - اسْتِدْلاَلاً
بِنِصَابِ السَّرِقَةِ؛ لأَِنَّهُ يَتْلَفُ بِهِ عُضْوٌ مُحْتَرَمٌ؛
فَلأَِنْ يَتْلَفَ بِهِ مَنَافِعُ بُضْعٍ كَانَ أَوْلَى (3) .
وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ أَقَل الْمَهْرِ عَشَرَةٌ؛ فَإِذَا سَمَّى أَقَل مِنْ
عَشَرَةٍ فَتَصِحُّ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ
وَمُحَمَّدٍ؛ وَيُكْمِل الْمَهْرَ عَشَرَةَ
__________
(1) حديث: " لا مهر دون عشرة دراهم ". أخرجه الدارقطني في السنن (3 / 245 ط
دار المحاسن. القاهرة) والبيهقي في السنن الكبرى (7 / 133 ط دائرة المعارف)
، وقال الدارقطني عن أحد رواته: مبشر بن عبيد متروك الحديث، وقال البيهقي:
ضعيف بمرة.
(2) بدائع الصنائع 2 / 275 - 276.
(3) العناية شرح الهداية 2 / 436.
(39/161)
دَرَاهِمَ؛ لأَِنَّ التَّقْدِيرَ حَقُّ
الشَّرْعِ؛ فَمَتَى قُدِّرَ بِأَقَل مِنْ عَشَرَةٍ فَقَدْ أَسْقَطَا حَقَّ
أَنْفُسِهِمَا وَرَضِيَا بِالأَْقَل فَلاَ يَصِحُّ فِي حَقِّ الشَّرْعِ؛
فَيَجِبُ أَدْنَى الْمَقَادِيرِ وَهُوَ الْعَشَرَةُ (1) .
وَقَال زُفَرُ: لَهَا مَهْرُ الْمِثْل لأَِنَّ تَسْمِيَةَ مَا لاَ يَصْلُحُ
مَهْرًا كَانْعِدَامِهِ؛ كَمَا فِي تَسْمِيَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ
(2) .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ أَقَل الْمَهْرِ رُبُعُ دِينَارٍ ذَهَبًا
شَرْعِيًّا أَوْ ثَلاَثَةُ دَرَاهِمَ فِضَّةً خَالِصَةً مِنَ الْغِشِّ أَوْ
عَرَضٌ مُقَوَّمٌ بِرُبُعِ دِينَارٍ أَوْ ثَلاَثَةِ دَرَاهِمَ مِنْ كُل
مُتَمَوِّلٍ شَرْعًا طَاهِرٍ مُنْتَفَعٍ بِهِ مَعْلُومٍ - قَدْرًا
وَصِنْفًا وَأَجَلاً - مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ لِلزَّوْجَةِ (3) .
وَقَال ابْنُ شُبْرُمَةَ: أَقَل الْمَهْرِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ أَوْ نِصْفُ
دِينَارٍ.
وَقَال إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: أَقَل الْمَهْرِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا؛
وَعَنْهُ: عِشْرُونَ دِرْهَمًا؛ وَعَنْهُ: رِطْلٌ مِنَ الذَّهَبِ.
وَقَال سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَقَلُّهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا (4) .
__________
(1) تحفة الفقهاء 2 / 136.
(2) العناية 2 / 437.
(3) الشرح الصغير 2 / 428 - 429، والقوانين الفقهية ص 206.
(4) الحاوي 2 / 12، والمغني 6 / 680.
(39/162)
الْمُغَالاَةُ فِي الْمَهْرِ
20 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى اسْتِحْبَابِ عَدَمِ الْمُغَالاَةِ فِي
الْمُهُورِ؛ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: مِنْ يُمْنِ
الْمَرْأَةِ تَسْهِيل أَمْرِهَا وَقِلَّةُ صَدَاقِهَا (1) ؛ وَرَوَى ابْنُ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: خَيْرُهُنَّ أَيْسَرُهُنَّ صَدَاقًا (2) ؛
وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال:
تَيَاسَرُوا فِي الصَّدَاقِ؛ إِنَّ الرَّجُل يُعْطِي الْمَرْأَةَ حَتَّى
يَبْقَى ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ عَلَيْهَا حَسِيكَةً (3) أَيْ عَدَاوَةً أَوْ
حِقْدًا.
وَقَال الْمَاوَرْدِيُّ: الأَْوْلَى أَنْ يَعْدِل الزَّوْجَانِ
__________
(1) حديث عائشة رضي الله عنها: " من يمن المرأة. . . ". أخرجه ابن حبان (2
/ 405 - الإحسان - ط الرسالة) ، والحاكم في المستدرك (2 / 181 ط دائرة
المعارف) واللفظ لابن حبان، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم.
(2) حديث: " خيرهن أيسرهن صداقًا ". أخرجه الطبراني في الكبير (11 / 78، 79
ط وزارة الأوقاف العراقية) وابن حبان في صحيحه (الإحسان 9 / 342 ط الرسالة)
من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(3) حديث: " تياسروا في الصداق، إن الرجل يعطي المرأة يبقى ذلك في نفسه
عليها حسيكة ". أخرجه عبد الرزاق في المصنف (6 / 174 ط المجلس العلمي) من
حديث عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي الحسين مرسلاً.
(39/162)
عَنِ التَّنَاهِي فِي الزِّيَادَةِ الَّتِي
يَقْصُرُ الْعُمُرُ عَنْهَا؛ وَعَنِ التَّنَاهِي فِي النُّقْصَانِ الَّذِي
لاَ يَكُونُ لَهُ فِي النُّفُوسِ مَوْقِعٌ؛ وَخَيْرُ الأُْمُورِ
أَوْسَاطُهَا وَأَنْ يُقْتَدَى بِرَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي مُهُورِ نِسَائِهِ طَلَبًا لِلْبَرَكَةِ فِي مُوَافَقَتِهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) ؛ وَهُوَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ
عَلَى مَا رَوَتْهُ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (2) .
فَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَال: سَأَلْتُ
عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَمْ
كَانَ صَدَاقُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ:
كَانَ صَدَاقُهُ لأَِزْوَاجِهِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا.
قَالَتْ: أَتَدْرِي مَا النَّشُّ؟ قَال: قُلْتُ: لاَ؛ قَالَتْ: نِصْفُ
أُوقِيَّةٍ؛ فَتِلْكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ؛ فَهَذَا صَدَاقُ رَسُول
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَِزْوَاجِهِ (3) .
الزِّيَادَةُ فِي الْمَهْرِ وَالْحَطُّ مِنْهُ
21 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى
أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْمَهْرِ بَعْدَ الْعَقْدِ تَلْحَقُ بِهِ؛
وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا
تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} .
فَإِنَّهُ يَتَنَاوَل مَا تَرَاضَيَا عَلَى إِلْحَاقِهِ وَإِسْقَاطِهِ؛
وَلأَِنَّ
__________
(1) الحاوي الكبير 11 / 16.
(2) المرجع السابق.
(3) حديث: " كان صداقه لأزواجه. . . ". أخرجه مسلم (2 / 1042 ط عيسى
الحلبي) .
(39/163)
مَا بَعْدَ الْعَقْدِ زَمَنٌ لِفَرْضِ
الْمَهْرِ فَكَانَ حَالَةَ الزِّيَادَةِ كَحَالَةِ الْعَقْدِ (1) .
جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: الزِّيَادَةُ فِي الْمَهْرِ
صَحِيحَةٌ حَال قِيَامِ النِّكَاحِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلاَثَةِ
(أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ) ؛ فَإِذَا زَادَهَا فِي
الْمَهْرِ بَعْدَ الْعَقْدِ لَزِمَتْهُ؛ هَذَا إِذَا قَبِلَتِ الْمَرْأَةُ
الزِّيَادَةَ؛ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ الْمَهْرِ أَوْ لاَ؛ مِنْ
زَوْجٍ أَوْ مِنْ وَلِيٍّ.
وَالزِّيَادَةُ إِنَّمَا تَتَأَكَّدُ بِأَحَدِ مَعَانٍ ثَلاَثَةٍ: إِمَّا
بِالدُّخُول وَإِمَّا بِالْخَلْوَةِ وَإِمَّا بِمَوْتِ أَحَدِ
الزَّوْجَيْنِ؛ فَإِنْ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ
هَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلاَثَةِ بَطَلَتِ الزِّيَادَةُ وَتَنَصَّفَ
الأَْصْل وَلاَ تُنْتَصَفُ الزِّيَادَةُ (2) ؛ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ
أَنَّهُ تُنْتَصَفُ الزِّيَادَةُ (3) .
وَقَال زُفَرُ: إِنْ زَادَ لَهَا فِي الْمَهْرِ بَعْدَ الْعَقْدِ لاَ
تَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ؛ لأَِنَّهُ لَوْ صَحَّ بَعْدَ الْعَقْدِ لَزِمَ
كَوْنُ الشَّيْءِ بَدَل مِلْكِهِ (4) . وَإِنْ حَطَّتِ الزَّوْجَةُ عَنْ
زَوْجِهَا مَهْرَهَا صَحَّ الْحَطُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَلَوْ بِشَرْطٍ
كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا
__________
(1) الهداية مع فتح القدير 2 / 443، والشرح الصغير 2 / 455، والمغني لابن
قدامة 6 / 743 - 744.
(2) الفتاوى الهندية 1 / 412 - 413.
(3) تحفة الفقهاء 2 / 141.
(4) فتح القدير 2 / 443.
(39/163)
بِمِائَةِ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تَحُطَّ
عَنْهُ خَمْسِينَ مِنْهَا فَقَبِلَتْ لأَِنَّ الْمَهْرَ بَقَاءُ حَقِّهَا
وَالْحَطُّ يُلاَقِيهِ حَالَةَ الْبَقَاءِ (1) ؛ وَيَصِحُّ الْحَطُّ وَلَوْ
بَعْدَ الْمَوْتِ أَوِ الْبَيْنُونَةِ (2) .
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ حَطَّ وَلِيِّ الزَّوْجَةِ غَيْرُ
صَحِيحٍ؛ فَإِنْ كَانَتِ الزَّوْجَةُ صَغِيرَةً فَالْحَطُّ بَاطِلٌ؛ وَإِنْ
كَانَتْ كَبِيرَةً تَوَقَّفَ عَلَى إِجَازَتِهَا.
ثُمَّ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْحَطِّ أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ دَرَاهِمَ
أَوْ دَنَانِيرَ؛ فَلَوْ كَانَ عَيْنًا لاَ يَصِحُّ لأَِنَّ الْحَطَّ لاَ
يَصِحُّ فِي الأَْعْيَانِ؛ وَمَعْنَى عَدَمِ صِحَّتِهِ أَنَّ لَهَا أَنْ
تَأْخُذَهُ مَا دَامَ قَائِمًا؛ فَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ سَقَطَ الْمَهْرُ
عَنْهُ لأَِنَّ الْمَهْرَ صَارَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ فِي ذِمَّتِهِ
فَيَصِحُّ الإِْسْقَاطُ (3) .
كَمَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ حَطِّهَا أَنْ لاَ تَكُونَ مَرِيضَةً مَرَضَ
الْمَوْتِ (4) لأَِنَّ الْحَطَّ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ
تَتَوَقَّفُ عَلَى الإِْجَازَةِ؛ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ مُبَانَةً مِنَ
الزَّوْجِ وَقَدِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَيَنْفُذُ مِنَ الثُّلُثِ (5) .
__________
(1) الهداية مع فتح القدير 2 / 444، وحاشية الطحطاوي على الدر 2 / 53.
(2) حاشية الطحطاوي على الدر 2 / 53.
(3) المرجع نفسه.
(4) الفتاوى الهندية 1 / 313.
(5) حاشية الطحطاوي 2 / 53.
(39/164)
وَلاَ بُدَّ لِصِحَّةِ حَطِّهَا مِنَ
الرِّضَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ مُكْرَهَةً لَمْ يَصِحَّ؛ فَلَوْ خَوَّفَ
امْرَأَتَهُ بِضَرْبٍ حَتَّى وَهَبَتْ مَهْرَهَا لاَ يَصِحُّ إِنْ كَانَ
قَادِرًا عَلَى الضَّرْبِ.
وَلَوِ اخْتَلَفَا فِي الْكَرَاهِيَةِ وَالطَّوْعِ - وَلاَ بَيِّنَةَ -
فَالْقَوْل لِمُدَّعِي الإِْكْرَاهِ؛ وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ
فَبَيِّنَةُ الطَّوَاعِيَةِ أَوْلَى (1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا وَهَبَتِ الزَّوْجَةُ مِنْ زَوْجِهَا
جَمِيعَ صَدَاقِهَا؛ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْل الْبِنَاءِ لَمْ يَرْجِعْ
عَلَيْهَا بِشَيْءٍ؛ وَكَأَنَّهَا عَجَّلَتْ إِلَيْهِ بِالصَّدَاقِ؛
وَلأَِنَّهَا لَمَّا لَمْ يَسْتَقِرَّ مِلْكُهَا عَلَيْهِ عَلَى
الْمَشْهُورِ؛ وَانْكَشَفَ الآْنَ أَنَّهَا إِنَّمَا تَمْلِكُ مِنْهُ
النِّصْفَ؛ وَافَقَتْ هِبَتُهَا مِلْكَهَا وَمِلْكَهُ؛ فَنَفَذَتْ فِي
مِلْكِهَا دُونَ مِلْكِهِ.
وَلَوْ وَهَبَتْ مِنْهُ نِصْفَ الصَّدَاقِ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَلَهُ
الرُّبُعُ؛ وَكَذَلِك إِنْ وَهَبَتْهُ أَكْثَرَ مِنَ النِّصْفِ أَوْ أَقَل؛
فَلَهُ نِصْفُ مَا بَقِيَ لَهَا بَعْدَ الْهِبَةِ (2) .
وَقَالُوا: يَجُوزُ لِلأَْبِ أَنْ يُسْقِطَ نِصْفَ صَدَاقِ ابْنَتِهِ
الْبِكْرِ إِذَا طُلِّقَتْ قَبْل الْبِنَاءِ (3) .
__________
(1) الفتاوى الهندية 1 / 313، وحاشية الطحطاوي على الدر 2 / 53.
(2) عقد الجواهر الثمينة 2 / 119.
(3) القوانين الفقهية ص 206 ط دار الكتاب العربي.
(39/164)
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْظْهَرِ
إِلَى أَنَّ الزَّوْجَةَ لَوْ وَهَبَتِ الْمَهْرَ لِزَوْجِهَا بِلَفْظِ
الْهِبَةِ بَعْدَ قَبْضِهَا لَهُ - وَالْمَهْرُ عَيْنٌ - ثُمَّ طَلَّقَ؛
أَوْ فَارَقَ بِغَيْرِ طَلاَقٍ - كَرِدَّةِ قَبْل الدُّخُول - فَلَهُ
نِصْفُ بَدَل الْمَهْرِ مِنْ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ؛ لأَِنَّهُ مَلَكَ
الْمَهْرَ قَبْل الطَّلاَقِ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الطَّلاَقِ.
وَفِي مُقَابِل الأَْظْهَرِ لاَ شَيْءَ لَهُ لأَِنَّهَا عَجَّلَتْ لَهُ مَا
يَسْتَحِقُّ بِالطَّلاَقِ فَأَشْبَهَ تَعْجِيل الدَّيْنِ قَبْل الدُّخُول
(1) .
وَلَوْ كَانَ الصَّدَاقُ دَيْنًا فَأَبْرَأَتْهُ مِنْهُ لَمْ يَرْجِعْ
عَلَى الْمَذْهَبِ؛ وَلَوْ وَهَبَتْ لَهُ الدَّيْنَ؛ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ
كَالإِْبْرَاءِ؛ وَقِيل كَهِبَةِ الْعَيْنِ (2) .
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى الْجَدِيدِ بِأَنَّهُ: لَيْسَ لِلْوَلِيِّ
الْعَفْوُ عَنْ مَهْرِ مُوَلِّيَتِهِ كَسَائِرِ دُيُونِهَا؛ وَالْقَدِيمُ
لَهُ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ
(3) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِذَا طَلَّقَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ قَبْل
الدُّخُول وَالْخَلْوَةِ وَسَائِرِ مَا يُقَرِّرُ الصَّدَاقَ؛ فَأَيُّ
الزَّوْجَيْنِ عَفَا لِصَاحِبِهِ عَمَّا وَجَبَ لَهُ مِنَ الْمَهْرِ -
وَالْعَافِي جَائِزُ التَّصَرُّفِ - بَرِئَ مِنْهُ
__________
(1) مغني المحتاج 3 / 240، وروضة الطالبين 7 / 316.
(2) روضة الطالبين 7 / 317.
(3) مغني المحتاج 3 / 240 - 241.
(39/165)
صَاحِبُهُ؛ سَوَاءٌ كَانَ الْمَعْفُوُّ
عَنْهُ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا؛ فَإِنْ كَانَ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ دَيْنًا
سَقَطَ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَالتَّمْلِيكِ وَالإِْسْقَاطِ وَالإِْبْرَاءِ
وَالْعَفْوِ وَالصَّدَقَةِ وَالتَّرْكِ؛ وَلاَ يَفْتَقِرُ إِسْقَاطُهُ
إِلَى الْقَبُول كَسَائِرِ الدُّيُونِ.
وَإِنْ كَانَ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ عَيْنًا فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَعَفَا
الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ فَهُوَ هِبَةٌ يَصِحُّ بِلَفْظِ الْعَفْوِ
وَالْهِبَةِ وَالتَّمْلِيكِ؛ وَلاَ يَصِحُّ بِلَفْظِ الإِْبْرَاءِ
وَالإِْسْقَاطِ؛ لأَِنَّ الأَْعْيَانَ لاَ تَقْبَل ذَلِكَ أَصَالَةً؛
وَيَفْتَقِرُ لُزُومُ الْعَفْوِ عَنِ الْعَيْنِ مِمَّنْ هِيَ بِيَدِهِ
إِلَى الْقَبْضِ فِيمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ هِبَةٌ
حَقِيقَةٌ وَلاَ تَلْزَمُ إِلاَّ بِالْقَبْضِ؛ وَالْقَبْضُ فِي كُل شَيْءٍ
بِحَسَبِهِ.
وَلاَ يَمْلِكُ الأَْبُ الْعَفْوَ عَنْ نِصْفِ مَهْرِ ابْنَتِهِ
الصَّغِيرَةِ إِذَا طُلِّقَتْ - وَلَوْ قَبْل الدُّخُول - كَثَمَنِ
مَبِيعِهَا؛ وَلاَ يَمْلِكُ الأَْبُ أَيْضًا الْعَفْوَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ
مَهْرِ ابْنَتِهِ الْكَبِيرَةِ إِذَا طُلِّقَتْ وَلَوْ قَبْل الدُّخُول
لأَِنَّهُ لاَ وِلاَيَةَ لَهُ عَلَيْهَا.
وَلاَ يَمْلِكُ غَيْرُ الأَْبِ مِنَ الأَْوْلِيَاءِ كَالْجَدِّ وَالأَْخِ
وَالْعَمِّ الْعَفْوَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ مَهْرِ وَلِيَّتِهِ وَلَوْ
طُلِّقَتْ قَبْل الدُّخُول لأَِنَّهُ لاَ وِلاَيَةَ لَهُمْ فِي الْمَال (1)
.
__________
(1) كشاف القناع 5 / 145 - 146، ومطالب أولي النهى 5 / 199 وما بعدها.
(39/165)
تَعْجِيل الْمَهْرِ وَتَأْجِيلُهُ
22 - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ جَوَازَ كَوْنِ كُل الْمَهْرِ
مُعَجَّلاً أَوْ مُؤَجَّلاً وَجَوَازَ كَوْنِ بَعْضِهِ مُعَجَّلاً
وَبَعْضِهِ مُؤَجَّلاً (1) .
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ إِذَا سَمَّى الْمَهْرَ فِي عَقْدِ
النِّكَاحِ وَأَطْلَقَ فَالْمَرْجِعُ فِي مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ الْمُعَجَّل
مِنَ الْمَهْرِ هُوَ الْعُرْفُ؛ قَال ابْنُ الْهَمَّامِ: يَتَنَاوَل
الْمُعَجَّل عُرْفًا وَشَرْطًا؛ فَإِنْ كَانَ قَدْ شَرَطَ تَعْجِيل كُلِّهِ
فَلَهَا الاِمْتِنَاعُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَهُ كُلَّهُ؛ أَوْ بَعْضَهُ
فَبَعْضَهُ.
وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ تَعْجِيل شَيْءٍ بَل سَكَتُوا عَنْ تَعْجِيلِهِ
وَتَأْجِيلِهِ: فَإِنْ كَانَ عُرِفَ فِي تَعْجِيل بَعْضِهِ وَتَأْخِيرِ
بَاقِيهِ إِلَى الْمَيْسَرَةِ أَوِ الطَّلاَقِ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ
تَحْتَبِسَ إِلاَّ إِلَى تَسْلِيمِ ذَلِكَ الْقَدْرِ (2) .
قَال فِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ: إِنْ لَمْ يُبَيِّنُوا قَدْرَ الْمُعَجَّل
يُنْظَرُ إِلَى الْمَرْأَةِ وَإِلَى الْمَهْرِ: أَنَّهُ كَمْ يَكُونُ
الْمُعَجَّل لِمِثْل هَذِهِ الْمَرْأَةِ مِنْ مِثْل هَذَا الْمَهْرِ؟
فَيُعَجَّل ذَلِكَ؛ وَلاَ يَتَقَدَّرُ بِالرُّبُعِ وَالْخُمُسِ بَل
يُعْتَبَرُ الْمُتَعَارَفُ؛ فَإِنَّ الثَّابِتَ عُرْفًا كَالثَّابِتِ
شَرْطًا بِخِلاَفِ مَا إِذَا شَرَطَ تَعْجِيل الْكُل إِذْ لاَ عِبْرَةَ
بِالْعُرْفِ إِذَا جَاءَ الصَّرِيحُ
__________
(1) العناية 2 / 272، والمهذب 2 / 57 ط المعرفة.
(2) فتح القدير 2 / 473.
(39/166)
بِخِلاَفِهِ (1) .
وَالْحَنَفِيَّةُ مُتَّفِقُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ عَلَى صِحَّةِ تَأْجِيل
الْمَهْرِ إِلَى غَايَةٍ مَعْلُومَةٍ نَحْوِ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ.
أَمَا إِذَا كَانَ التَّأْجِيل لاَ إِلَى غَايَةٍ مَعْلُومَةٍ فَقَدِ
اخْتَلَفَ مَشَايِخُ الْحَنَفِيَّةِ فِيهِ:
فَعَلَى الْقَوْل الصَّحِيحِ يَصِحُّ هَذَا التَّأْجِيل لأَِنَّ الْغَايَةَ
مَعْلُومَةٌ فِي نَفْسِهَا وَهُوَ الطَّلاَقُ أَوِ الْمَوْتُ (2) .
وَبِنَاءً عَلَى هَذَا الاِخْتِلاَفِ تَخْتَلِفُ آرَاءُ مَشَايِخِ
الْحَنَفِيَّةِ فِيمَا إِذَا فُرِضَ نِصْفُ الْمَهْرِ مُعَجَّلاً
وَنِصْفُهُ مُؤَجَّلاً وَلَمْ يُذْكَرِ الْوَقْتُ لِلْمُؤَجَّل؛ إِذْ قَال
بَعْضُهُمْ: لاَ يَجُوزُ الأَْجَل وَيَجِبُ حَالًّا؛ وَقَال بَعْضُهُمْ
يَجُوزُ وَيَقَعُ ذَلِكَ عَلَى وَقْتِ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِالْمَوْتِ
أَوْ بِالطَّلاَقِ؛ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مَا يُؤَيِّدُ هَذَا
الْقَوْل (3) .
وَالأَْصْل عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ اسْتِحْبَابُ كَوْنِ الْمَهْرِ
مُعَجَّلاً (4) .
وَلَوْ شَرَطَ الأَْجَل فِي الصَّدَاقِ فَقَال عَبْدُ الْمَلِكِ: كَانَ
مَالِكُ وَأَصْحَابُهُ يَكْرَهُونَ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنَ الْمَهْرِ
مُؤَخَّرًا؛ وَكَانَ مَالِكُ
__________
(1) المرجع نفسه.
(2) الفتاوى الهندية 1 / 318.
(3) المرجع نفسه.
(4) عقد الجواهر الثمينة 2 / 102.
(39/166)
يَقُول: إِنَّمَا الصَّدَاقُ فِيمَا مَضَى
نَاجِزٌ كُلُّهُ؛ فَإِنْ وَقَعَ مِنْهُ شَيْءٌ مُؤَخَّرًا فَلاَ أُحِبُّ
أَنْ يَطُول الأَْجَل فِي ذَلِكَ (1) .
وَيَشْتَرِطُ فُقَهَاءُ الْمَالِكِيَّةِ لِجَوَازِ تَأْجِيل الصَّدَاقِ
مَعْلُومِيَّةَ الأَْجَل حَيْثُ قَالُوا: وَجَازَ تَأْجِيل الصَّدَاقِ
كُلًّا أَوْ بَعْضًا لِلدُّخُول إِنْ عُلِمَ وَقْتُ الدُّخُول عِنْدَهُمْ
كَالشِّتَاءِ أَوِ الصَّيْفِ؛ لاَ إِنْ لَمْ يُعْلَمْ؛ فَيُفْسَخُ قَبْل
الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْل عَلَى الْمَشْهُورِ.
وَمُقَابِل الْمَشْهُورِ جَوَازُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَقْتُ
الدُّخُول مَعْلُومًا لأَِنَّ الدُّخُول بِيَدِ الْمَرْأَةِ فَهُوَ
كَالْحَال مَتَى شَاءَتْ أَخَذَتْهُ.
وَجَازَ تَأْجِيل الصَّدَاقِ إِلَى الْمَيْسَرَةِ إِنْ كَانَ الزَّوْجُ
مَلِيًّا بِالْقُوَّةِ؛ بِأَنْ كَانَ لَهُ سِلَعٌ يَرْصُدُ بِهَا
الأَْسْوَاقَ أَوْ لَهُ مَعْلُومٌ فِي وَقْفٍ أَوْ وَظِيفَةٍ؛ لاَ إِنْ
كَانَ مُعْدَمًا؛ وَيُفْسَخُ قَبْل الدُّخُول لِمَزِيدِ الْجَهَالَةِ (2) .
وَذَكَرَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي تَأْخِيرِ الأَْجَل
إِلَى السَّنَتَيْنِ وَالأَْرْبَعِ؛ وَذَكَرَ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ إِلَى
السَّنَةِ؛ ثُمَّ حُكِيَ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ قَال: لاَ يُفْسَخُ
النِّكَاحُ إِلاَّ أَنْ يَزِيدَ الأَْجَل إِلَى أَكْثَرَ مِنَ
الْعِشْرِينَ.
__________
(1) عقد الجواهر الثمينة 2 / 104.
(2) الشرح الصغير وحاشية الصاوي عليه 2 / 432 - 433.
(39/167)
وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ
يَفْسَخُهُ إِلَى الأَْرْبَعِينَ فَمَا فَوْقَ؛ ثُمَّ حَكَى أَنَّهُ
يَفْسَخُهُ إِلَى الْخَمْسِينَ وَالسِّتِّينَ.
قَال فَضْل بْنُ سَلَمَةَ: لأَِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ الأَْجَل الطَّوِيل
مِثْل مَا لَوْ تَزَوَّجَهَا إِلَى مَوْتٍ أَوْ فِرَاقٍ.
وَقَال عَبْدُ الْمَلِكِ: وَمَا قَصُرَ مِنَ الأَْجَل فَهُوَ أَفْضَل
وَإِنْ بَعُدَ لَمْ أَفْسَخْهُ إِلاَّ أَنْ يُجَاوِزَ مَا قَالَهُ ابْنُ
الْقَاسِمِ؛ وَإِنْ كَانَتِ الأَْرْبَعُونَ فِي ذَلِكَ كَثِيرًا (1) .
وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الصَّدَاقِ مُؤَخَّرًا إِلَى غَيْرِ أَجَلٍ فَإِنَّ
مَالِكًا كَانَ يَفْسَخُهُ قَبْل الْبِنَاءِ وَيَمْضِيهِ بَعْدَهُ؛
وَتُرَدُّ الْمَرْأَةُ إِلَى صَدَاقِ مِثْلِهَا مُعَجَّلاً كُلِّهِ إِلاَّ
أَنْ يَكُونَ صَدَاقُ مِثْلِهَا أَقَل مِنَ الْمُعَجَّل فَلاَ تَنْقُصُ
مِنْهُ؛ أَوْ أَكْثَرَ مِنَ الْمُعَجَّل، وَالْمُؤَجَّل فَتُوَفَّى تَمَامَ
ذَلِكَ إِلاَّ أَنْ يَرْضَى النَّاكِحُ بِأَنْ يَجْعَل الْمُؤَخَّرَ
مُعَجَّلاً كُلَّهُ مَعَ النَّقْدِ مِنْهُ فَيُمْضِي النِّكَاحَ؛ فَلاَ
يُفْسَخُ لاَ قَبْل الْبِنَاءِ وَلاَ بَعْدَهُ؛ وَلاَ تُرَدُّ الْمَرْأَةُ
إِلَى صَدَاقِ مِثْلِهَا؛ فَإِنْ كَرِهَ النَّاكِحُ أَنْ يَجْعَلَهُ
مُعَجَّلاً كُلَّهُ؛ وَرَضِيَتِ الْمَرْأَةُ أَنْ تُسْقِطَ الْمُؤَخَّرَ
وَتَقْتَصِرَ عَلَى النَّقْدِ مَضَى النِّكَاحُ وَلاَ كَلاَمَ لِلنَّاكِحِ.
وَاسْتَثْنَى ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ وَجْهًا
__________
(1) عقد الجواهر الثمينة 2 / 104 - 105.
(39/167)
وَاحِدًا وَهُوَ: إِذَا رُدَّتِ
الْمَرْأَةُ بَعْدَ الْبِنَاءِ إِلَى صَدَاقِ مِثْلِهَا فَوُجِدَ صَدَاقُ
مِثْلِهَا أَكْثَرُ مِنَ الْمُعَجَّل وَالْمُؤَخَّرِ فَإِنَّ ابْنَ
الْقَاسِمِ قَال: كَمَا لاَ يُنْقَصُ إِذَا قَل صَدَاقُ مِثْلِهَا مِنْ
مِقْدَارِ الْمُعَجَّل؛ كَذَلِكَ لاَ يُزَادُ إِذَا ارْتَفَعَ عَلَى
مِقْدَارِ؛ الْمُعَجَّل وَالْمُؤَخَّرِ (1) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ حَالًّا
وَمُؤَجَّلاً؛ وَلِلزَّوْجَةِ حَبْسُ نَفْسِهَا وَلَوْ بِلاَ عُذْرٍ
لِتَقْبِضَ الْمَهْرَ الْمُعَيَّنَ وَالْحَال؛ لاَ الْمُؤَجَّل فَلاَ
تَحْبِسُ نَفْسَهَا بِسَبَبِهِ لِرِضَاهَا بِالتَّأْجِيل (2) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَصِحُّ جَعْل بَعْضِ الْمَهْرِ
حَالًّا وَبَعْضَهُ يَحِل بِالْمَوْتِ أَوِ الْفِرَاقِ؛ وَلاَ يَصِحُّ
تَأْجِيل الْمَهْرِ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ كَقُدُومِ زَيْدٍ (3) .
وَإِذَا سَمَّى الصَّدَاقَ فِي الْعَقْدِ وَأَطْلَقَ فَلَمْ يُقَيَّدْ
بِحُلُولٍ وَلاَ تَأْجِيلٍ صَحَّ؛ وَيَكُونُ الصَّدَاقُ حَالًّا لأَِنَّ
الأَْصْل عَدَمُ الأَْجَل.
وَإِنْ فَرَضَ الصَّدَاقَ مُؤَجَّلاً أَوْ فَرَضَ بَعْضَهُ مُؤَجَّلاً
إِلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ أَوْ إِلَى أَوْقَاتٍ كُل جُزْءٍ مِنْهُ إِلَى
وَقْتٍ مَعْلُومٍ صَحَّ لأَِنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَجَازَ ذَلِكَ فِيهِ
كَالثَّمَنِ؛ وَهُوَ إِلَى أَجَلِهِ؛ سَوَاءٌ فَارَقَهَا أَوْ أَبْقَاهَا
كَسَائِرِ الْحُقُوقِ الْمُؤَجَّلَةِ.
__________
(1) عقد الجواهر الثمينة 2 / 104 - 105.
(2) المذهب 2 / 57، ومغني المحتاج 3 / 222.
(3) مطالب أولي النهى 5 / 182.
(39/168)
وَإِنْ أَجَّل الصَّدَاقَ أَوْ أَجَّل
بَعْضَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ مَحِل الأَْجَل صَحَّ نَصًّا وَمَحِلُّهُ
الْفُرْقَةُ الْبَائِنَةُ فَلاَ يَحِل مَهْرُ الرَّجْعِيَّةِ إِلاَّ
بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا (1) .
قَبْضُ الْمَهْرِ
23 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ لِلأَْبِ وَالْجَدِّ وَالْقَاضِي
قَبْضَ مَهْرِ الْبِكْرِ صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً إِلاَّ إِذَا
نَهَتْ وَهِيَ بَالِغَةٌ صَحَّ النَّهْيُ؛ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ ذَلِكَ؛
وَالْوَصِيُّ يَمْلِكُ ذَلِكَ عَلَى الصَّغِيرَةِ؛ وَالْبِنْتُ
الْبَالِغَةُ حَقُّ الْقَبْضِ لَهَا دُونَ غَيْرِهَا (2) . وَيَرَى
الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ مَنْ يَتَوَلَّى قَبْضَ الْمَهْرِ هُوَ الْوَلِيُّ
الْمُجْبِرُ (الأَْبُ أَوْ وَصِيُّهُ أَوِ السَّيِّدُ) أَوْ وَلِيُّ
الزَّوْجَةِ السَّفِيهَةِ؛ أَمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلسَّفِيهَةِ وَلِيٌّ
وَلاَ مُجْبِرٌ فَلاَ يَقْبِضُ صَدَاقَهَا إِلاَّ الْحَاكِمُ؛ فَإِنْ شَاءَ
قَبَضَهُ وَاشْتَرَى لَهَا بِهِ جِهَازًا وَإِنْ شَاءَ عَيَّنَ لَهَا مَنْ
يَقْبِضُهُ وَيَصْرِفُهُ فِيمَا يَأْمُرُهُ بِهِ مِمَّا يَجِبُ لَهَا.
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ؛ أَوْ لَمْ يُمْكِنِ الرَّفْعُ إِلَيْهِ؛ أَوْ
خِيفَ عَلَى الصَّدَاقِ مِنْهُ حَضَرَ الزَّوْجُ وَالْوَلِيُّ وَالشُّهُودُ
فَيَشْتَرُونَ لَهَا بِصَدَاقِهَا جِهَازًا وَيُدْخِلُونَهُ فِي بَيْتِ
الْبِنَاءِ.
__________
(1) كشاف القناع 5 / 134.
(2) الفتاوى الهندية 1 / 319، وروضة القضاة للسمناني 3 / 930.
(39/168)
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُجْبِرٌ وَلاَ وَلِيُّ
سَفِيهَةٍ مِنْ حَاكِمٍ أَوْ مُقَدَّمٍ عَلَيْهَا مِنْهُ فَالْمَرْأَةُ
الرَّشِيدَةُ هِيَ الَّتِي تَقْبِضُ مَهْرَهَا لاَ مَنْ يَتَوَلَّى
عَقْدَهَا إِلاَّ بِتَوْكِيلٍ مِنْهَا فِي قَبْضِهِ (1) .
فَإِنْ قَبَضَ الْمَهْرَ غَيْرُ الْمُجْبِرِ وَوَلِيُّ السَّفِيهَةِ
وَالْمَرْأَةِ الرَّشِيدَةِ بِلاَ تَوْكِيلٍ مِمَّنْ لَهُ الْقَبْضُ
فَضَاعَ وَلَوْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ كَانَ ضَامِنًا لَهُ
لِتَعَدِّيهِ بِقَبْضِهِ؛ وَاتَّبَعَتْهُ الزَّوْجَةُ أَوْ تَبِعَتِ
الزَّوْجَ لِتَعَدِّيهِ بِدَفْعِ الْمَهْرِ لِغَيْرِ مَنْ لَهُ قَبْضُهُ
(2) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ الأَْبَ إِذَا قَبَضَ مَهْرَ ابْنَتِهِ لَمْ
يَخْل حَالُهَا مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُوَلًّى
عَلَيْهَا؛ أَوْ رَشِيدَةً: فَإِنْ كَانَتْ مُوَلًّى عَلَيْهَا لِصِغَرٍ
أَوْ جُنُونٍ؛ أَوْ سَفَهٍ جَازَ لَهُ قَبْضُ مَهْرِهَا لاِسْتِحْقَاقِهِ
الْوِلاَيَةَ عَلَى مَالِهَا؛ وَلَوْ قَبَضَتْهُ مِنْ زَوْجِهَا لَمْ
يَصِحَّ وَلَمْ يَبْرَأِ الزَّوْجُ مِنْهُ إِلاَّ أَنْ يُبَادِرَ الأَْبُ
إِلَى أَخْذِهِ مِنْهَا فَيَبْرَأُ الزَّوْجُ حِينَئِذٍ مِنْهُ.
وَإِنْ كَانَتْ بَالِغَةً عَاقِلَةً رَشِيدَةً فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ ثَيِّبًا لاَ تُجْبَرُ عَلَى النِّكَاحِ؛
فَلَيْسَ لِلأَْبِ قَبْضُ مَهْرِهَا إِلاَّ بِإِذْنِهَا؛
__________
(1) الشرح الصغير وحاشية الصاوي عليه 2 / 463 - 464.
(2) الشرح الصغير وحاشية الصاوي عليه 2 / 465.
(39/169)
فَإِنْ قَبَضَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهَا لَمْ
يَبْرَأِ الزَّوْجُ مِنْهُ؛ كَمَا لَوْ قَبَضَ لَهَا دَيْنًا أَوْ ثَمَنًا.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ بِكْرًا يُجْبِرُهَا أَبُوهَا عَلَى
النِّكَاحِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ قَبْضَ مَهْرِهَا إِلاَّ
بِإِذْنِهَا؛ فَإِنْ قَبَضَهُ بِغَيْرِ إِذْنٍ لَمْ يَبْرَأِ الزَّوْجُ
مِنْهُ؛ وَجَعَل لَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ قَبْضَ مَهْرِهَا لأَِنَّهُ
يَمْلِكُ إِجْبَارَهَا عَلَى النِّكَاحِ كَالصَّغِيرَةِ (1) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ لِلأَْبِ وَالْوَلِيِّ قَبْضَ مَهْرِ
الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا لِصِغَرٍ أَوْ سَفَهٍ أَوْ جُنُونٍ لأَِنَّهُ يَلِي
مَالَهَا فَكَانَ لَهُ قَبْضُهُ كَثَمَنِ مَبِيعِهَا.
وَلاَ يَقْبِضُ الأَْبُ صَدَاقَ مُكَلَّفَةٍ رَشِيدَةٍ وَلَوْ بِكْرًا
إِلاَّ بِإِذْنِهَا لأَِنَّهَا الْمُتَصَرِّفَةُ فِي مَالِهَا فَاعْتُبِرَ
إِذْنُهَا فِي قَبْضِهِ كَثَمَنِ مَبِيعِهَا؛ فَإِنْ سَلَّمَ زَوْجُ
رَشِيدَةٍ الصَّدَاقَ لِلأَْبِ بِغَيْرِ إِذْنِهَا لَمْ يَبْرَأِ الزَّوْجُ
بِتَسْلِيمِهِ لَهُ فَتَرْجِعُ هِيَ عَلَى الزَّوْجِ لأَِنَّهُ مُفَرِّطٌ
وَيَرْجِعُ هُوَ عَلَى الأَْبِ بِمَا غَرِمَهُ (2) .
ضَمَانُ الْمَهْرِ
24 - صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُ الْوَلِيِّ مَهْرَ
الزَّوْجَةِ سَوَاءٌ كَانَ وَلِيُّ الزَّوْجِ أَوِ الزَّوْجَةِ؛
صَغِيرَيْنِ كَانَا أَوْ كَبِيرَيْنِ؛ أَمَا ضَمَانُ وَلِيِّ الْكَبِيرِ
__________
(1) الحاوي الكبير للماوردي 12 / 130 - 131.
(2) مطالب أولي النهى 5 / 188 - 189، وكشاف القناع 5 / 138.
(39/169)
مِنْهُمَا فَظَاهِرٌ لأَِنَّهُ
كَالأَْجْنَبِيِّ؛ وَأَمَّا وَلِيُّ الصَّغِيرَيْنِ فَلأَِنَّهُ سَفِيرٌ
وَمُعَبِّرٌ (1) .
جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: زَوَّجَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ
أَوِ الْكَبِيرَةَ - وَهِيَ بِكْرٌ أَوْ مَجْنُونَةٌ - رَجُلاً وَضَمِنَ
عَنْهُ مَهْرَهَا صَحَّ ضَمَانُهُ؛ ثُمَّ هِيَ بِالْخِيَارِ: إِنْ شَاءَتْ
طَالَبَتْ زَوْجَهَا أَوْ وَلِيَّهَا إِنْ كَانَتْ أَهْلاً لِذَلِكَ؛
وَيَرْجِعُ الْوَلِيُّ بَعْدَ الأَْدَاءِ عَلَى الزَّوْجِ إِنْ ضَمِنَ
بِأَمْرِهِ (2) .
وَيَشْتَرِطُ الْحَنَفِيَّةُ لِصِحَّةِ هَذَا الضَّمَانِ شَرْطَيْنِ:
الأَْوَّل: أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ فِي حَال صِحَّةِ الضَّامِنِ؛ فَلَوْ
كَفَل فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَالْمَكْفُول عَنْهُ أَوِ الْمَكْفُول لَهُ
وَارِثُهُ لَمْ يَصِحَّ الضَّمَانُ لأَِنَّهُ تَبَرُّعٌ لِوَارِثِهِ فِي
مَرَضِ مَوْتِهِ (3) .
قَال فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: إِذَا حَصَل الضَّمَانُ فِي مَرَضِ
الْمَوْتِ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لأَِنَّهُ قَصَدَ بِهَذَا الضَّمَانِ إِيصَال
النَّفْعِ إِلَى الْوَارِثِ؛ وَالْمَرِيضُ مَحْجُورٌ عَنْ ذَلِكَ فَلاَ
يَصِحُّ (4) .
الثَّانِي: قَبُول الْمَرْأَةِ أَوْ وَلِيِّهَا أَوْ فُضُولِيٍّ فِي
مَجْلِسِ الضَّمَانِ (5) ؛ إِذْ لاَ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ
__________
(1) حاشية ابن عابدين 2 / 356.
(2) الفتاوى الهندية 1 / 326.
(3) حاشية ابن عابدين 2 / 356.
(4) الفتاوى الهندية 1 / 326.
(5) حاشية ابن عابدين 2 / 357.
(39/170)
بِنَوْعَيْهَا (بِالنَّفْسِ وَالْمَال)
بِلاَ قَبُول الطَّالِبِ أَوْ نَائِبِهِ وَلَوْ فُضُولِيًّا فِي مَجْلِسِ
الْعَقْدِ (1) .
مَنْعُ الزَّوْجَةِ نَفْسَهَا حَتَّى تَقْبِضَ مَهْرَهَا
25 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ لِلْمَرْأَةِ مَنْعَ نَفْسِهَا
حَتَّى تَقْبِضَ مَهْرَهَا (2) ؛ لأَِنَّ الْمَهْرَ عِوَضٌ عَنْ بُضْعِهَا؛
كَالثَّمَنِ عِوَضٌ عَنِ الْمَبِيعِ؛ وَلِلْبَائِعِ حَقُّ حَبْسِ
الْمَبِيعِ لاِسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ فَكَانَ لِلْمَرْأَةِ حَقُّ حَبْسِ
نَفْسِهَا لاِسْتِيفَاءِ الْمَهْرِ (3) .
هَذَا إِذَا كَانَ الْمَهْرُ حَالًّا وَلَمْ يَحْصُل وَطْءٌ وَلاَ
تَمْكِينٌ (4) .
26 - فَإِنْ تَطَوَّعَتِ الْمَرْأَةُ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهَا قَبْل قَبْضِ
الْمَهْرِ؛ ثُمَّ أَرَادَتْ بَعْدَ التَّسْلِيمِ أَنْ تَمْتَنِعَ عَلَيْهِ
لِقَبْضِ الْمَهْرِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمَسْأَلَةِ:
فَيَرَى أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ مِنَ
الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ لَوْ دَخَل الزَّوْجُ بِزَوْجَتِهِ بِرِضَاهَا
وَهِيَ مُكَلَّفَةٌ فَلَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا حَتَّى تَأْخُذَ
الْمَهْرَ؛ لأَِنَّ الْمَهْرَ مُقَابَلٌ بِجَمِيعِ مَا يُسْتَوْفَى مِنْ
__________
(1) حاشية ابن عابدين 4 / 269.
(2) القوانين الفقهية ص 206، والمغني 6 / 737، وكشاف القناع 5 / 163، وروضة
الطالبين 7 / 265، وتحفة الفقهاء 2 / 142.
(3) بدائع الصنائع 2 / 288.
(4) تحفة الفقهاء 2 / 142، والشرح الصغير 2 / 434.
(39/170)
مَنَافِعِ الْبُضْعِ فِي جَمِيعِ
الْوَطَآتِ الَّتِي تُوجَدُ فِي هَذَا الْمِلْكِ؛ لاَ بِالْمُسْتَوْفَى
بِالْوَطْأَةِ الأُْولَى خَاصَّةً؛ لأَِنَّهُ لاَ يَجُوزُ إِخْلاَءُ شَيْءٍ
مِنْ مَنَافِعِ الْبُضْعِ عَنْ بَدَلٍ يُقَابِلُهُ احْتِرَامًا لِلْبُضْعِ
وَإِبَانَةً لِخَطَرِهِ؛ فَكَانَتْ هِيَ بِالْمَنْعِ مُمْتَنِعَةً عَنْ
تَسْلِيمِ مَا يُقَابِلُهُ بَدَلٌ؛ فَكَانَ لَهَا ذَلِكَ بِالْوَطْءِ فِي
الْمَرَّةِ الأُْولَى؛ فَكَانَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَهُ عَنِ الأَْوَّل
حَتَّى تَأْخُذَ مَهْرَهَا فَكَذَا عَنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ (1) .
جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: فِي كُل مَوْضِعٍ دَخَل بِهَا أَوْ
صَحَّتِ الْخَلْوَةُ وَتَأَكَّدَ كُل الْمَهْرِ لَوْ أَرَادَتْ أَنْ
تَمْنَعَ نَفْسَهَا لاِسْتِيفَاءِ الْمُعَجَّل كَانَ لَهَا ذَلِكَ عِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ خِلاَفًا لِلصَّاحِبَيْنِ (2) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو
يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَ لَهَا مَنْعُ
نَفْسِهَا لِقَبْضِ الْمَهْرِ الْحَال بَعْدَ أَنْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا
وَمَكَّنَتْهُ مِنَ الْوَطْءِ قَبْل قَبْضِهِ لأَِنَّ التَّسْلِيمَ
اسْتَقَرَّ بِهِ الْعِوَضُ بِرِضَا الْمُسَلِّمِ؛ فَلَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ
تَمْتَنِعَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ كَمَا لَوْ سَلَّمَ الْبَائِعُ
الْمَبِيعَ (3) .
__________
(1) بدائع الصنائع 2 / 288 - 289، والمغني 6 / 738، وانظر تحفة الفقهاء 2 /
143.
(2) الفتاوى الهندية 1 / 317.
(3) الشرح الصغير 2 / 434، والمغني 6 / 738، وتحفة الفقهاء 2 / 243،
والفتاوى الهندية 1 / 317، وكشاف القناع 5 / 163، 164.
(39/171)
وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ
وَابْنِ عَرَفَةَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِذَا كَانَ الزَّوْجُ وَطِئَهَا
بَعْدَ التَّسْلِيمِ؛ أَمَّا إِذَا لَمْ يَجْرِ وَطْءٌ فَلَهَا الْعَوْدُ
إِلَى الاِمْتِنَاعِ وَيَكُونُ الْحُكْمُ كَمَا قَبْل التَّمْكِينِ (1) .
27 - أَمَّا إِذَا كَانَ الْمَهْرُ مُؤَجَّلاً إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ
فَيَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ عَلَيْهَا تَسْلِيمَ نَفْسِهَا
وَلَيْسَ لَهَا الاِمْتِنَاعُ لِقَبْضِ الْمَهْرِ وَلَوْ حَل الأَْجَل
قَبْل الدُّخُول؛ لأَِنَّهَا قَدْ رَضِيَتْ بِتَأْخِيرِ حَقِّهَا
وَتَعْجِيل حَقِّهِ؛ فَصَارَ كَالْبَيْعِ بِالثَّمَنِ الْمُؤَجَّل يَجِبُ
عَلَى الْبَائِعِ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ قَبْل قَبْضِ الثَّمَنِ (2) .
وَقَال أَبُو يُوسُفَ: لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا بِالْمُؤَجَّل؛
لأَِنَّ حَقَّ الاِسْتِمْتَاعِ بِهَا بِمُقَابَلَةِ تَسْلِيمِ الْمَهْرِ؛
فَمَتَى طَلَبَ الزَّوْجُ تَأْجِيل الْمَهْرِ فَقَدْ رَضِيَ بِتَأْخِيرِ
حَقِّهِ فِي الاِسْتِمْتَاعِ (3) .
28 - وَلَوْ كَانَ بَعْضُ الْمَهْرِ حَالًّا وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلاً
مَعْلُومًا؛ فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ بِالاِتِّفَاقِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا
أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا؛ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
__________
(1) الحاوي الكبير 12 / 162، وروضة الطالبين 7 / 260، والشرح الصغير وحاشية
الصاوي عليه 2 / 434.
(2) تحفة الفقهاء 2 / 142، والحاوي للماوردي 12 / 163 - 164، والمغني 6 /
737، وكشاف القناع 5 / 163.
(3) تحفة الفقهاء 2 / 142.
(39/171)
وَمُحَمَّدٍ فَلأَِنَّ الزَّوْجَ مَا
رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ؛ وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلأَِنَّهُ
لَمَّا عَجَّل الْبَعْضَ لَمْ يَرْضَ بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ فِي
الاِسْتِمْتَاعِ (1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ نَكَحَ بِنَقْدٍ وَآجِلٍ؛ فَإِنْ دَفَعَ
النَّقْدَ كَانَ لَهُ الْبِنَاءُ؛ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ تَلَوَّمَ لَهُ
الإِْمَامُ وَضَرَبَ لَهُ أَجَلاً بَعْدَ أَجَلٍ؛ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ
فَرَّقَ بَيْنَهُمَا (2) .
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ إِذَا كَانَ بَعْضُ صَدَاقِهَا
حَالًّا وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلاً فَيَصِحُّ إِذَا كَانَ قَدْرُ الْحَال
مِنْهُ مَعْلُومًا وَأَجَل الْمُؤَجَّل مَعْلُومًا؛ وَلَهَا أَنْ
تَمْتَنِعَ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا لِقَبْضِ الْحَال؛ وَلَيْسَ لَهَا
أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا لِقَبْضِ الْمُؤَجَّل؛ فَيَكُونُ
حُكْمُ الْحَال مِنْهُ كَحُكْمِهِ لَوْ كَانَ جَمِيعُهُ حَالًّا؛ وَحُكْمُ
الْمُؤَجَّل مِنْهُ كَحُكْمِهِ لَوْ كَانَ جَمِيعُهُ مُؤَجَّلاً؛ فَلَوْ
تَرَاخَى التَّسْلِيمُ حَتَّى حَل الْمُؤَجَّل كَانَ لَهَا مَنْعُ
نَفْسِهَا عَلَى قَبْضِ الْمُعَجَّل دُونَ مَا حَل مِنَ الْمُؤَجَّل (3) .
وَبِهَذَا يَقُول الْحَنَابِلَةُ؛ فَقَدْ قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَإِنْ
كَانَ بَعْضُهُ حَالًّا وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلاً فَلَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا
قَبْل قَبْضِ الْعَاجِل دُونَ الآْجِل (4) .
__________
(1) المرجع نفسه.
(2) عقد الجواهر الثمينة 2 / 96.
(3) الحاوي للماوردي 12 / 164.
(4) المغني 6 / 737 - 738.
(39/172)
مَا يَتَأَكَّدُ بِهِ الْمَهْرُ
29 - الأَْصْل أَنَّ الزَّوْجَةَ تَمْلِكُ الصَّدَاقَ بِمُجَرَّدِ
الْعَقْدِ حَالًّا كَانَ أَوْ مُؤَجَّلاً لأَِنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ عَقْدٌ
يَمْلِكُ الزَّوْجُ بِهِ الْعِوَضَ؛ فَتَمْلِكُ الزَّوْجَةُ بِهِ
الْمُعَوَّضَ كَامِلاً كَالْبَيْعِ (1) ؛ وَلَكِنْ هَذَا الْمِلْكُ
عُرْضَةٌ لِلسُّقُوطِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا مَا دَامَ لَمْ يُوجَدْ مَا
يُؤَكِّدُ الْمَهْرَ وَيُقَرِّرُهُ.
وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اعْتِبَارِ بَعْضِ الأُْمُورِ
مُؤَكِّدَةً لِلْمَهْرِ؛ وَاخْتَلَفُوا فِي بَعْضِهَا الآْخَرِ؛ وَفِيمَا
يَلِي مُؤَكِّدَاتُ الْمَهْرِ مَعَ بَيَانِ مَوْقِفِ الْمَذَاهِبِ
الْمُخْتَلِفَةِ مِنْهَا:
أ - الْوَطْءُ (الدُّخُول) :
30 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ يَتَأَكَّدُ بِوَطْءِ
الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ (2) ؛ وَإِنْ كَانَ الْوَطْءُ حَرَامًا لِوُقُوعِهِ
فِي الْحَيْضِ أَوِ الإِْحْرَامِ؛ لأَِنَّ وَطْءَ الشُّبْهَةِ يُوجِبُ
الْمَهْرَ ابْتِدَاءً فَذَا أَوْلَى بِالتَّقْرِيرِ وَيَسْتَقِرُّ
بِوَطْأَةٍ وَاحِدَةٍ (3) .
وَقَال الرُّحَيْبَانِيُّ: وَيَتَّجِهُ احْتِمَال أَنَّ الْمُعْتَبَرَ
__________
(1) كشاف القناع 5 / 140، وتحفة الفقهاء 2 / 140، والأشباه والنظائر
للسيوطي ص 324.
(2) تحفة الفقهاء 2 / 140، وبدائع الصنائع 2 / 291، وعقد الجواهر الثمينة 2
/ 97، والشرح الصغير 2 / 437، وروضة الطالبين 7 / 263، كشاف القناع 5 /
150، ومطالب أولي النهى 5 / 205.
(3) روضة الطالبين 7 / 263.
(39/172)
وُقُوعُ الْوَطْءِ مِنِ ابْنِ عَشْرٍ
فَأَكْثَرَ؛ إِذْ مَنْ كَانَ سِنُّهُ دُونَهَا فَوُجُودُ الْوَطْءِ مِنْهُ
كَعَدَمِهِ؛ وَكَذَا لاَ بُدَّ مِنْ حُصُول الْوَطْءِ فِي بِنْتِ تِسْعٍ
فَأَكْثَرَ لأَِنَّهَا قَبْل ذَلِكَ لَمْ تَتَأَهَّل لِوَطْءِ الرَّجُل
عَادَةً وَلاَ هِيَ مَحِلٌّ لِلشَّهْوَةِ غَالِبًا (1) . وَلِلتَّفْصِيل
(ر: وَطْءٌ) .
ب - الْمَوْتُ:
31 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ إِذَا مَاتَ
حَتْفَ أَنْفِهِ قَبْل الدُّخُول فِي نِكَاحٍ فِيهِ تَسْمِيَةُ مَهْرٍ
أَنَّهُ يَتَأَكَّدُ الْمُسَمَّى؛ سَوَاءٌ كَانَتِ الْمَرْأَةُ حُرَّةً
أَوْ أَمَةً؛ لأَِنَّ الْمَهْرَ كَانَ وَاجِبًا بِالْعَقْدِ؛ وَالْعَقْدُ
لَمْ يَنْفَسِخْ بِالْمَوْتِ؛ بَل انْتَهَى نِهَايَتَهُ؛ لأَِنَّهُ عَقْدٌ
لِلْعُمْرِ؛ فَتَنْتَهِي نِهَايَتُهُ عِنْدَ انْتِهَاءِ الْعُمْرِ؛ وَإِذَا
انْتَهَى يَتَأَكَّدُ فِيمَا مَضَى وَيَتَقَرَّرُ بِمَنْزِلَةِ الصَّوْمِ
يَتَقَرَّرُ بِمَجِيءِ اللَّيْل فَيَتَقَرَّرُ الْوَاجِبُ؛ وَلأَِنَّ كُل
الْمَهْرِ لَمَّا وَجَبَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَصَارَ دَيْنًا عَلَيْهِ -
وَالْمَوْتُ لَمْ يَعْرِفْ مُسْقِطًا لِلدَّيْنِ فِي أُصُول الشَّرْعِ -
فَلاَ يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْهُ بِالْمَوْتِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ (2) .
وَإِذَا تَأَكَّدَ الْمَهْرُ لَمْ يَسْقُطْ مِنْهُ شَيْءٌ (3) .
__________
(1) مطالب أولي النهى 5 / 205.
(2) بدائع الصنائع 2 / 294، والفتاوى الهندية 1 / 306، والشرح الصغير 2 /
438، وعقد الجواهر الثمينة 2 / 97، وروضة الطالبين 7 / 263، وكشاف القناع 5
/ 150.
(3) الفتاوى الهندية 1 / 306، وكشاف القناع 5 / 150.
(39/173)
32 - وَكَذَلِكَ الْمَهْرُ يَتَأَكَّدُ
عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِذَا قُتِل أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ؛
سَوَاءٌ كَانَ قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ أَوْ قَتَل أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ أَوْ
قَتَل الزَّوْجُ نَفْسَهُ؛ لأَِنَّ النِّكَاحَ قَدْ بَلَغَ غَايَتَهُ
فَقَامَ ذَلِكَ مَقَامَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ (1) .
وَإِذَا قَتَلَتِ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً لاَ
يَسْقُطُ عَنِ الزَّوْجِ شَيْءٌ مِنَ الْمَهْرِ؛ بَل يَتَأَكَّدُ الْكُل
عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ (2) .
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ الْمَوْتَ بِحُكْمِ الشَّرْعِ
كَالْمَوْتِ الْمُتَيَقَّنِ فِي تَأْكِيدِ الْمَهْرِ؛ وَذَلِكَ
كَالْمَفْقُودِ فِي بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ بَعْدَ مُضِيِّ
مُدَّةِ التَّعْمِيرِ (3) يَحْكُمُ الْحُكَّامُ بِمَوْتِهِ.
وَيَتَأَكَّدُ الْمَهْرُ عِنْدَهُمْ فِي حَالَةِ مَا إِذَا قَتَلَتِ
الزَّوْجَةُ نَفْسَهَا كُرْهًا فِي زَوْجِهَا؛ أَوْ قَتَل السَّيِّدُ
أَمَتَهُ الْمُتَزَوِّجَةَ؛ فَلاَ يَسْقُطُ الصَّدَاقُ عَنْ زَوْجِهَا؛
وَقَالُوا: يَبْقَى النَّظَرُ فِي قَتْل الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا هَل
تُعَامَل بِنَقِيضِ مَقْصُودِهَا وَلاَ يَتَكَمَّل صَدَاقُهَا أَوْ
يَتَكَمَّل؟
وَاسْتَظْهَرَ الْعَدَوِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ أَنَّهُ لاَ يَتَكَمَّل
__________
(1) بدائع الصنائع 2 / 294، كشاف القناع 5 / 150.
(2) الفتاوى الهندية 1 / 306، وكشاف القناع 5 / 105.
(3) التعمير: أي المدة التي يعمّر إليها أمثاله.
(39/173)
لَهَا لاِتِّهَامِهَا؛ لِئَلاَّ يَكُونَ
ذَرِيعَةً لِقَتْل النِّسَاءِ أَزْوَاجَهُنَّ (1) .
وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ مِنْ أَصْل اسْتِقْرَارِ الْمَهْرِ بِمَوْتِ
أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ مَسَائِل (2) .
قَال النَّوَوِيُّ فِي مَعْرِضِ تَفْصِيلِهِ لِلْمَسْأَلَةِ: هَلاَكُ
الْمَنْكُوحَةِ بَعْدَ الدُّخُول لاَ يُسْقِطُ شَيْئًا مِنَ الْمَهْرِ؛
حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً؛ سَوَاءٌ هَلَكَتْ بِمَوْتٍ أَوْ قَتْلٍ.
فَأَمَّا إِذَا هَلَكَتْ قَبْل الدُّخُول فَإِنْ قَتَل السَّيِّدُ أَمَتَهُ
الْمُزَوَّجَةَ؛ فَالنَّصُّ فِي " الْمُخْتَصَرِ ": أَنْ لاَ مَهْرَ؛
وَنَصَّ فِي " الأُْمِّ " فِي الْحُرَّةِ إِذَا قَتَلَتْ نَفْسَهَا: لاَ
يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنَ الْمَهْرِ.
ثُمَّ الْحُرَّةُ إِذَا مَاتَتْ أَوْ قَتَلَهَا الزَّوْجُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ
لَمْ يَسْقُطْ مَهْرُهَا قَطْعًا؛ وَكَذَا لَوْ قَتَلَتْ نَفْسَهَا عَلَى
الْمَذْهَبِ (3) . وَلِلتَّفْصِيل (ر: مَوْتٌ) .
ج - الْخَلْوَةُ
33 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْخَلْوَةَ
الصَّحِيحَةَ مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي يَتَأَكَّدُ بِهَا الْمَهْرُ (4) ؛
حَتَّى لَوْ خَلاَ رَجُلٌ بِامْرَأَتِهِ خَلْوَةً صَحِيحَةً ثُمَّ
طَلَّقَهَا قَبْل الدُّخُول بِهَا فِي نِكَاحٍ
__________
(1) الشرح الصغير 2 / 438، وحاشية الدسوقي 2 / 301.
(2) مغني المحتاج 2 / 225، وروضة الطالبين 7 / 263.
(3) روضة الطالبين 7 / 219.
(4) الفتاوى الهندية 1 / 303، ومطالب أولي النهى 5 / 207.
(39/174)
فِيهِ تَسْمِيَةٌ يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَال
الْمُسَمَّى؛ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي النِّكَاحِ تَسْمِيَةٌ يَجِبُ
عَلَيْهِ كَمَال مَهْرِ الْمِثْل (1) .
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَالْخَلْوَةُ بِمُجَرَّدِهَا لاَ تُقَرِّرُ
الْمَهْرَ عِنْدَهُمْ إِلاَّ أَنْ يَطُول الْمَقَامُ فَيَتَقَرَّرُ
الْكَمَال عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَهُمْ؛ لأَِنَّ الْجِهَازَ قَدْ
تَغَيَّرَ وَاللَّذَّةُ قَدْ حَصَلَتْ وَدَامَتْ.
ثُمَّ اخْتَلَفَ قَائِلُو هَذَا الْقَوْل فِي ضَبْطِ مُدَّةِ الطُّول
فَقِيل: سَنَةٌ؛ وَقِيل: مَا يُعَدُّ طُولاً فِي الْعَادَةِ (2) .
قَال ابْنُ شَاسٍ: ثُمَّ حَيْثُ قُلْنَا إِنَّ الْخَلْوَةَ بِمُجَرَّدِهَا
لاَ تُقَرِّرُ؛ فَإِنَّهَا تُؤَثِّرُ فِي جَعْل الْقَوْل قَوْلَهَا فِي
بَعْضِ الصُّوَرِ إِذَا تَنَازَعَا فِي الْوَطْءِ لأَِجْل التَّقْرِيرِ؛
كَمَا إِذَا خَلاَ بِهَا خَلْوَةَ الْبِنَاءِ؛ فَالْمَذْهَبُ أَنَّ
الْقَوْل قَوْلُهَا؛ وَقِيل: إِنْ كَانَتْ بِكْرًا نَظَرَ إِلَيْهَا
النِّسَاءُ (3) ؛ وَتَثْبُتُ خَلْوَةُ الْبِنَاءِ (خَلْوَةُ الاِهْتِدَاءِ)
وَلَوْ بِامْرَأَتَيْنِ أَوْ بِاتِّفَاقِ الزَّوْجَيْنِ عَلَيْهَا (4) .
وَأَمَّا فِي خَلْوَةِ الزِّيَارَةِ فَالْقَوْل قَوْل الزَّائِرِ مِنْهُمَا
جَرْيًا عَلَى مُقْتَضَى الْعَادَةِ (5) .
__________
(1) بدائع الصنائع 2 / 291.
(2) عقد الجواهر الثمينة 2 / 97 - 98.
(3) عقد الجواهر الثمينة 2 / 98.
(4) الشرح الصغير 2 / 439.
(5) عقد الجواهر الثمينة 2 / 98.
(39/174)
قَال الدَّرْدِيرُ: وَإِنْ زَارَ
أَحَدُهُمَا الآْخَرَ وَتَنَازَعَا فِي الْوَطْءِ صُدِّقَ الزَّائِرُ
مِنْهُمَا بِيَمِينٍ؛ فَإِنْ زَارَتْهُ صُدِّقَتْ أَنَّهُ وَطِئَهَا وَلاَ
عِبْرَةَ بِإِنْكَارِهِ؛ وَإِنْ زَارَهَا صُدِّقَ فِي نَفْيِهِ وَلاَ
عِبْرَةَ بِدَعْوَاهَا الْوَطْءَ؛ لأَِنَّ لَهُ جُرْأَةً عَلَيْهَا فِي
بَيْتِهِ دُونَ بَيْتِهَا؛ فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الزَّائِرَ يُصَدَّقُ
مُطْلَقًا فِي النَّفْيِ وَالإِْثْبَاتِ؛ فَإِنْ كَانَا مَعًا زَائِرَيْنِ
صُدِّقَ فِي نَفْيِهِ (1) .
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ عَلَى الْجَدِيدِ أَنَّ الْخَلْوَةَ لاَ تُقَرِّرُ
الْمَهْرَ وَلاَ تُؤَثِّرُ فِيهِ؛ وَعَلَى هَذَا لَوِ اتَّفَقَا عَلَى
الْخَلْوَةِ وَادَّعَتِ الإِْصَابَةَ لَمْ يَتَرَجَّحْ جَانِبُهَا؛ بَل
الْقَوْل قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ (2) .
وَلِلتَّفْصِيل فِي شُرُوطِ الْخَلْوَةِ الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا
أَثَرُهَا فِي تَقْرِيرِ الْمَهْرِ (ر: خَلْوَةٌ ف 14 وَمَا بَعْدَهَا) .
د - مُقَدِّمَاتُ الْجِمَاعِ
34 - صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ الْقُبْلَةَ
وَالْمُبَاشَرَةَ وَالتَّجَرُّدَ وَالْوَطْءَ دُونَ الْفَرْجِ لاَ يُوجِبُ
عَلَيْهِ الصَّدَاقَ وَلاَ يَسْتَقِرُّ بِهِ الْمَهْرُ.
وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ: وَلاَ بِاسْتِدْخَال مَنِيٍّ (3) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنِ اسْتَمْتَعَ بِامْرَأَتِهِ بِمُبَاشَرَةٍ
__________
(1) الشرح الصغير 2 / 439.
(2) مغني المحتاج 33 / 225.
(3) مواهب الجليل 3 / 506، ومغني المحتاج 3 / 225.
(39/175)
فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ مِنْ غَيْرِ
خَلْوَةٍ كَالْقُبْلَةِ وَنَحْوِهَا فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ
يُكَمَّل بِهِ الصَّدَاقُ فَإِنَّهُ قَال: إِذَا أَخَذَهَا فَمَسَّهَا
وَقَبَضَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْلُوَ بِهَا لَهَا الصَّدَاقُ
كَامِلاً إِذَا نَال مِنْهَا شَيْئًا لاَ يَحِل لِغَيْرِهِ؛ وَقَال فِي
رِوَايَةِ مُهَنَّا: إِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَنَظَرَ إِلَيْهَا وَهِيَ
عُرْيَانَةُ تَغْتَسِل أُوجِبُ عَلَيْهِ الْمَهْرَ؛ وَرَوَاهُ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ: إِذَا اطَّلَعَ مِنْهَا عَلَى مَا يَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ
فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ؛ لأَِنَّهُ نَوْعُ اسْتِمْتَاعٍ فَهُوَ
كَالْقُبْلَةِ.
قَال الْقَاضِي: يَحْتَمِل أَنَّ هَذَا يَنْبَنِي عَلَى ثُبُوتِ تَحْرِيمِ
الْمُصَاهَرَةِ بِذَلِكَ؛ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ؛ فَيَكُونُ فِي تَكْمِيل
الصَّدَاقِ بِهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: يُكَمَّل بِهِ الصَّدَاقُ لِمَا
رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ قَال: قَال
رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَشَفَ خِمَارَ
امْرَأَةٍ وَنَظَرَ إِلَيْهَا فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ دَخَل بِهَا أَوْ
لَمْ يَدْخُل بِهَا (1) ؛ وَلأَِنَّهُ مَسِيسٌ فَيَدْخُل فِي قَوْلِهِ
تَعَالَى: {مِنْ قَبْل أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} ؛ وَلأَِنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ
بِامْرَأَتِهِ فَكُمِّل بِهِ الصَّدَاقُ كَالْوَطْءِ.
وَالْوَجْهُ الآْخَرُ: لاَ يُكَمَّل بِهِ الصَّدَاقُ وَهُوَ
__________
(1) حديث: " من كشف خمار. . . ". أخرجه الدارقطني (3 / 307 ط دار المحاسن
القاهرة) ، والبيهقي في السنن الكبرى (7 / 256) ، وقال البيهقي: هذا منقطع،
وبعض رواته غير محتج به.
(39/175)
قَوْل أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ لأَِنَّ
قَوْلَهُ تَعَالَى: {تَمَسُّوهُنَّ} إِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ فِي الظَّاهِرِ
الْجِمَاعُ؛ وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْل
أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} أَنْ لاَ يُكَمَّل الصَّدَاقُ لِغَيْرِ مَنْ
وَطِئَهَا؛ وَلاَ تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ؛ تَرَكَ عُمُومَهُ فِيمَنْ
خَلاَ بِهَا لِلإِْجْمَاعِ الْوَارِدِ عَنِ الصَّحَابَةِ؛ فَيَبْقَى فِيمَا
عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الْعُمُومِ (1) .
هـ - إِزَالَةُ الْبَكَارَةِ بِغَيْرِ آلَةِ الْجِمَاعِ
35 - صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ لَوْ أَزَال الزَّوْجُ بَكَارَةَ
زَوْجَتِهِ بِحَجَرٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ لَهَا كَمَال الْمَهْرِ بِخِلاَفِ
مَا لَوْ أَزَالَهَا بِدَفْعَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ نِصْفُ الْمُسَمَّى عَلَى
الزَّوْجِ وَعَلَى الأَْجْنَبِيِّ نِصْفُ صَدَاقِ مِثْلِهَا.
وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ عَابِدِينَ دُخُول صُورَةِ إِزَالَةِ الْبَكَارَةِ
بِغَيْرِ آلَةِ الْجِمَاعِ فِي الْخَلْوَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْعَادَةَ
جَرَتْ عَلَى أَنَّ إِزَالَةَ الْبَكَارَةِ بِحَجَرٍ وَنَحْوِهِ كَإِصْبَعٍ
إِنَّمَا تَكُونُ فِي الْخَلْوَةِ فَلِذَا أَوْجَبَ كُل الْمَهْرِ
بِخِلاَفِ إِزَالَتِهَا بِدَفْعَةٍ فَإِنَّ الْمُرَادَ حُصُولُهَا فِي
غَيْرِ خَلْوَةٍ (2) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: مَنْ دَفَعَ امْرَأَةً فَسَقَطَتْ عُذْرَتُهَا
فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَهَا بِذَلِكَ مِنْ صَدَاقِهَا عِنْدَ الأَْزْوَاجِ؛
وَعَلَيْهِ الأَْدَبُ؛ وَكَذَا لَوْ أَزَالَهَا
__________
(1) المغني لابن قدامة 6 / 727.
(2) حاشية ابن عابدين 2 / 330.
(39/176)
بِإِصْبَعِهِ وَالأَْدَبُ هُنَا أَشَدُّ؛
وَسَوَاءٌ فَعَل ذَلِكَ رَجُلٌ أَوْ غُلاَمٌ أَوِ امْرَأَةٌ.
هَذَا فِي غَيْرِ الزَّوْجِ؛ وَأَمَّا الزَّوْجُ فَحُكْمُهُ فِي
الدَّفْعَةِ مِثْل غَيْرِهِ عَلَيْهِ مَا نَقَصَهَا عِنْدَ غَيْرِهِ وَإِنْ
فَارَقَهَا وَلَمْ يُمْسِكْهَا. وَإِنْ فَعَل بِهَا ذَلِكَ بِإِصْبَعِهِ
فَاخْتُلِفَ: هَل يَجِبُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الصَّدَاقُ أَوْ لاَ يَجِبُ
عَلَيْهِ بِذَلِكَ الصَّدَاقُ؛ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَا شَانَهَا
عِنْدَ غَيْرِهِ مِنَ الأَْزْوَاجِ إِنْ طَلَّقَهَا وَلَمْ يُمْسِكْهَا؟
قَوْلاَنِ؛ وَقَال فِي التَّوْضِيحِ: إِنْ أَصَابَهَا بِإِصْبَعِهِ
وَطَلَّقَهَا فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَلاَ شَيْءَ لَهَا؛ وَإِنْ كَانَتْ
بِكْرًا وَافْتَضَّهَا بِهِ فَقِيل: يَلْزَمُهُ كُل الْمَهْرِ؛ وَقِيل:
يَلْزَمُهُ مَا شَانَهَا مَعَ نِصْفِهِ؛ وَقِيل: إِنْ رُئِيَ أَنَّهَا لاَ
تَتَزَوَّجُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلاَّ بِمَهْرِ ثَيِّبٍ فَكَالأَْوَّل وَإِلاَّ
فَكَالثَّانِي. وَمَال أَصْبَغُ إِلَى الثَّانِي وَاسْتَحْسَنَهُ
اللَّخْمِيُّ؛ قَال فِي النَّوَادِرِ: وَلاَ أَدَبَ عَلَيْهِ. وَلَوْ فَعَل
ذَلِكَ غَيْرُ زَوْجِهَا فَعَلَيْهِ الأَْدَبُ وَمَا شَانَهَا؛ وَقَال فِي
التَّوْضِيحِ: وَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ غَيْرَ بَالِغٍ فَلاَ يَتَكَمَّل
بِوَطْئِهِ الصَّدَاقُ (1) .
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ الْمَهْرَ لاَ يَسْتَقِرُّ بِإِزَالَةِ
الْبَكَارَةِ بِغَيْرِ آلَةِ الْجِمَاعِ (2) .
__________
(1) مواهب الجليل 3 / 506.
(2) مغني المحتاج 3 / 225.
(39/176)
و - وُجُوبُ الْعِدَّةِ عَلَى الزَّوْجَةِ
مِنَ النِّكَاحِ
36 - اعْتَبَرَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وُجُوبَ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا مِنْهُ
مُؤَكِّدًا مِنْ مُؤَكِّدَاتِ الْمَهْرِ؛ حَيْثُ قَالُوا: لَوْ طَلَّقَ
الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ طَلاَقًا بَائِنًا بَعْدَ الدُّخُول ثُمَّ
تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ وَجَبَ كَمَال الْمَهْرِ الثَّانِي بِدُونِ
الْخَلْوَةِ وَالدُّخُول لأَِنَّ وُجُوبَ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا فَوْقَ
الْخَلْوَةِ (1) .
وُجُوبُ نِصْفِ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى
37 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ قَبْل
الدُّخُول بِهَا وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا يَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ
الْمَهْرِ الْمُسَمَّى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ
مِنْ قَبْل أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً
فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} ؛ وَهُوَ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي الْبَابِ فَيَجِبُ
الْعَمَل بِهِ (2) .
وَلِلْفُقَهَاءِ بَعْدَ هَذَا الاِتِّفَاقِ تَفْصِيلٌ فِي أَحْكَامِ
تَنْصِيفِ الْمَهْرِ:
أ - مَوَاضِعُ تَنَصُّفِ الْمَهْرِ:
38 - قَال الْحَنَفِيَّةُ: مَا يَسْقُطُ بِهِ نِصْفُ الْمَهْرِ نَوْعَانِ:
__________
(1) حاشية ابن عابدين 2 / 330.
(2) الهداية وشروحها 2 / 438 ط الأميرية، وتحفة الفقهاء 2 / 140، وعقد
الجواهر الثمينة 2 / 117، وروضة الطالبين 7 / 289، والمغني 6 / 699.
(39/177)
نَوْعٌ يَسْقُطُ بِهِ نِصْفُ الْمَهْرِ
صُورَةً وَمَعْنًى؛ وَنَوْعٌ يَسْقُطُ بِهِ نِصْفُ الْمَهْرِ مَعْنًى
وَالْكُل صُورَةً.
أَمَّا النَّوْعُ الأَْوَّل: فَهُوَ الطَّلاَقُ قَبْل الدُّخُول فِي
نِكَاحٍ فِيهِ تَسْمِيَةُ الْمَهْرِ؛ وَالْمَهْرُ دَيْنٌ لَمْ يُقْبَضْ
بَعْدُ (1) .
وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي: وَهُوَ مَا يَسْقُطُ بِهِ نِصْفُ الْمَهْرِ
مَعْنًى وَالْكُل صُورَةً فَهُوَ كُل طَلاَقٍ تَجِبُ فِيهِ الْمُتْعَةُ (2)
.
وَتَجِبُ الْمُتْعَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِي الطَّلاَقِ قَبْل
الدُّخُول فِي نِكَاحٍ لاَ تَسْمِيَةَ فِيهِ وَلاَ فَرْضَ بَعْدَهُ؛ أَوْ
كَانَتِ التَّسْمِيَةُ فِيهِ فَاسِدَةً (3) ؛ وَكَذَا فِي الْفُرْقَةِ
بِالإِْيلاَءِ وَاللِّعَانِ وَالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ؛ فَكُل فُرْقَةٍ
جَاءَتْ مِنْ قِبَل الزَّوْجِ قَبْل الدُّخُول فِي نِكَاحٍ لاَ تَسْمِيَةَ
فِيهِ تُوجِبُ الْمُتْعَةَ؛ لأَِنَّهَا تُوجِبُ نِصْفَ الْمُسَمَّى فِي
نِكَاحٍ فِيهِ تَسْمِيَةٌ؛ وَالْمُتْعَةُ عِوَضٌ عَنْهُ كَرِدَّةِ
الزَّوْجِ وَإِبَائِهِ الإِْسْلاَمَ (4) .
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ اخْتِيَارَ الزَّوْجِ لإِِيقَاعِ
الطَّلاَقِ قَبْل الْمَسِيسِ يُوجِبُ تَشْطِيرَ الْمَهْرِ الثَّابِتِ
بِتَسْمِيَةٍ مَقْرُونَةٍ بِالْعَقْدِ صَحِيحَةٍ؛
__________
(1) بدائع الصنائع 2 / 296.
(2) بدائع الصنائع 2 / 302.
(3) بدائع الصنائع 2 / 302.
(4) بدائع الصنائع 2 / 303.
(39/177)
أَوْ بِفَرْضٍ صَحِيحٍ بَعْدَ الْعَقْدِ
فِي الْمُفَوِّضَةِ؛ وَيَسْتَوِي فِيهِ عَدَدُ الْمُوقَعِ مِنَ الطَّلاَقِ
(1) ؛ وَأَمَّا إِذَا أَرَادَتِ الزَّوْجَةُ رَدَّ زَوْجِهَا بِعَيْبٍ بِهِ
قَبْل الْبِنَاءِ فَطَلَّقَ عَلَيْهِ لاِمْتِنَاعِهِ مِنْهُ؛ أَوْ فَسَخَ
الزَّوْجُ النِّكَاحَ لِعَيْبٍ بِهَا قَبْل الْبِنَاءِ فَإِنَّهُ لاَ
شَيْءَ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ (2) .
قَال ابْنُ شَاسٍ: وَإِنَّمَا يَسْقُطُ جَمِيعُ الْمَهْرِ قَبْل الْمَسِيسِ
بِالْفَسْخِ أَوْ بِاخْتِيَارِهِ رَدَّهَا لِعَيْبِهَا؛ وَفِي
اخْتِيَارِهَا لِرَدِّهِ بِعَيْبِهِ خِلاَفٌ لأَِنَّهُ غَارٌّ؛ وَلاَ
صَدَاقَ لَهَا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ (3) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يَتَشَطَّرُ الصَّدَاقُ بِالطَّلاَقِ وَالْخُلْعِ
قَبْل الدُّخُول؛ وَفِيمَا إِذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا بِتَفْوِيضِهِ
إِلَيْهَا؛ أَوْ عَلَّقَ طَلاَقَهَا بِدُخُول الدَّارِ فَدَخَلَتْ؛ أَوْ
طَلَّقَهَا بَعْدَ مُدَّةِ الإِْيلاَءِ بِطَلَبِهَا؛ وَبِكُل فُرْقَةٍ
تَحْصُل لاَ بِسَبَبٍ مِنَ الْمَرْأَةِ؛ بِأَنْ أَسْلَمَ؛ أَوِ ارْتَدَّ؛
أَوْ أَرْضَعَتْ أُمُّ الزَّوْجَةِ الزَّوْجَ وَهُوَ صَغِيرٌ؛ أَوْ أُمُّ
الزَّوْجِ أَوِ ابْنَتُهُ الزَّوْجَةَ الصَّغِيرَةَ؛ أَوْ وَطِئَهَا
أَبُوهُ أَوِ ابْنُهُ بِشُبْهَةِ وَهِيَ تَظُنُّهُ زَوْجَهَا؛ أَوْ
قَذَفَهَا وَلاَعَنَ.
فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْفِرَاقُ مِنْهَا أَوْ بِسَبَبٍ مِنْهَا بِأَنْ
أَسْلَمَتْ؛ أَوِ ارْتَدَّتْ أَوْ فَسَخَتِ النِّكَاحَ بِعِتْقٍ أَوْ
عَيْبٍ؛ أَوْ أَرْضَعَتْ زَوْجَةً أُخْرَى لَهُ صَغِيرَةً؛
__________
(1) عقد الجواهر الثمينة 2 / 117.
(2) حاشية الدسوقي 2 / 300.
(3) عقد الجواهر الثمينة 2 / 117.
(39/178)
أَوْ فَسَخَ النِّكَاحَ بِعَيْبِهَا
فَيَسْقُطُ جَمِيعُ الْمَهْرِ؛ وَشِرَاؤُهَا زَوْجَهَا يُسْقِطُ الْجَمِيعَ
عَلَى الأَْصَحِّ؛ وَشِرَاؤُهُ زَوْجَتَهُ يُشْطِّرُ عَلَى الأَْصَحِّ (1)
.
وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ أَنَّ الْمَهْرَ يَتَنَصَّفُ بِشِرَاءِ الزَّوْجَةِ
زَوْجَهَا؛ وَفُرْقَةٍ مِنْ قِبَلِهِ كَطَلاَقِهِ وَخُلْعِهِ - وَلَوْ
بِسُؤَالِهَا - وَإِسْلاَمِهِ مَا عَدَا مُخْتَارَاتِ مَنْ أَسْلَمَ؛
وَرِدَّتِهِ وَشِرَائِهِ إِيَّاهَا وَلَوْ مِنْ مُسْتَحِقِّ مَهْرٍ أَوْ
مِنْ قِبَل أَجْنَبِيٍّ - كَرَضَاعٍ وَنَحْوِهِ - قَبْل دُخُولٍ (2) .
ب - كَيْفِيَّةُ تَنَصُّفِ الْمَهْرِ
39 - قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ الطَّلاَقَ قَبْل الدُّخُول فِي نِكَاحٍ
فِيهِ تَسْمِيَةٌ قَدْ يَسْقُطُ بِهِ عَنِ الزَّوْجِ نِصْفُ الْمَهْرِ؛
وَقَدْ يَعُودُ بِهِ إِلَيْهِ النِّصْفُ؛ وَقَدْ يَكُونُ لَهُ بِهِ مِثْل
النِّصْفِ صُورَةً وَمَعْنًى؛ أَوْ مَعْنًى لاَ صُورَةً.
وَبَيَانُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ: أَنَّ الْمَهْرَ الْمُسَمَّى إِمَّا أَنْ
يَكُونَ دَيْنًا؛ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَيْنًا؛ وَكُل ذَلِكَ لاَ يَخْلُو
إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا؛ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَقْبُوضٍ.
فَإِنْ كَانَ دَيْنًا فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى طَلَّقَهَا قَبْل الدُّخُول
بِهَا سَقَطَ نِصْفُ الْمُسَمَّى بِالطَّلاَقِ
__________
(1) روضة الطالبين 7 / 289.
(2) منتهى الإرادات لابن النجار 2 / 289 ط عالم الكتب.
(39/178)
وَبَقِيَ النِّصْفُ؛ وَهَذَا طَرِيقُ
عَامَّةِ مَشَايِخِ الْحَنَفِيَّةِ.
وَقَال بَعْضُهُمْ: إِنَّ الطَّلاَقَ قَبْل الدُّخُول يُسْقِطُ جَمِيعَ
الْمُسَمَّى وَإِنَّمَا يَجِبُ نِصْفٌ آخَرُ ابْتِدَاءً عَلَى طَرِيقَةِ
الْمُتْعَةِ لاَ بِالْعَقْدِ؛ إِلاَّ أَنَّ هَذِهِ الْمُتْعَةَ مُقَدَّرَةٌ
بِنِصْفِ الْمُسَمَّى؛ وَالْمُتْعَةُ فِي الطَّلاَقِ قَبْل الدُّخُول فِي
نِكَاحٍ لاَ تَسْمِيَةَ فِيهِ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ بِنِصْفِ مَهْرِ
الْمِثْل.
وَإِلَى هَذَا الطَّرِيقِ ذَهَبَ الْكَرْخِيُّ وَالرَّازِيُّ؛ وَكَذَا
رُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَال فِي الَّذِي طَلَّقَ
قَبْل الدُّخُول وَقَدْ سَمَّى لَهَا: أَنَّ لَهَا نِصْفَ الْمَهْرِ
وَذَلِكَ مُتْعَتُهَا (1) .
وَهَذَا إِذَا كَانَ الْمَهْرُ دَيْنًا فَقَبَضَتْهُ أَوْ لَمْ تَقْبِضْهُ
حَتَّى وَرَدَ الطَّلاَقُ قَبْل الدُّخُول.
فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْمَهْرُ عَيْنًا بِأَنْ كَانَ مُعَيَّنًا مُشَارًا
إِلَيْهِ مِمَّا يَحْتَمِل التَّعْيِينَ كَالْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ
وَسَائِرِ الأَْعْيَانِ فَلاَ يَخْلُو: إِمَّا إِنْ كَانَ بِحَالِهِ لَمْ
يَزِدْ وَلَمْ يَنْقُصْ؛ وَإِمَّا أَنْ زَادَ أَوْ نَقَصَ.
فَإِنْ كَانَ بِحَالِهِ لَمْ يَزِدْ وَلَمْ يَنْقُصْ: فَإِنْ كَانَ غَيْرَ
مَقْبُوضٍ فَطَلَّقَهَا قَبْل الدُّخُول بِهَا عَادَ الْمِلْكُ فِي
النِّصْفِ إِلَيْهِ بِنَفْسِ الطَّلاَقِ وَلاَ يَحْتَاجُ لِلْعَوْدِ
إِلَيْهِ إِلَى الْفَسْخِ وَالتَّسْلِيمِ مِنْهَا؛ حَتَّى لَوْ كَانَ
الْمَهْرُ أَمَةً فَأَعْتَقَهَا الزَّوْجُ قَبْل
__________
(1) بدائع الصنائع 2 / 296 - 297.
(39/179)
الْفَسْخِ وَالتَّسْلِيمِ يَنْفُذُ
إِعْتَاقُهُ فِي نِصْفِهَا بِلاَ خِلاَفٍ.
وَإِنْ كَانَ مَقْبُوضًا لاَ يَعُودُ الْمِلْكُ فِي النِّصْفِ إِلَيْهِ
بِنَفْسِ الطَّلاَقِ وَلاَ يَنْفَسِخُ مِلْكُهَا فِي النِّصْفِ حَتَّى
يَفْسَخَهُ الْحَاكِمُ أَوْ تُسَلِّمُهُ الْمَرْأَةُ (1) .
هَذَا إِذَا كَانَ الْمَهْرُ لَمْ يَزِدْ وَلَمْ يَنْقُصْ.
فَأَمَّا إِذَا زَادَ فَالزِّيَادَةُ لاَ تَخْلُو: إِمَّا أَنْ كَانَتْ فِي
الْمَهْرِ أَوْ عَلَى الْمَهْرِ:
فَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْمَهْرِ بِأَنْ سَمَّى الزَّوْجُ لَهَا أَلْفًا
ثُمَّ زَادَهَا بَعْدَ الْعَقْدِ مِائَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْل الدُّخُول
بِهَا؛ فَلَهَا نِصْفُ الأَْلْفِ وَبَطَلَتِ الزِّيَادَةُ فِي ظَاهِرِ
الرِّوَايَةِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لَهَا نِصْفَ الأَْلْفِ وَنِصْفَ
الزِّيَادَةِ أَيْضًا (2) .
وَإِنْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ فِي الْمَهْرِ فَالْمَهْرُ لاَ يَخْلُو:
إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ الزَّوْجِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ
الْمَرْأَةِ.
فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الزَّوْجِ فَالزِّيَادَةُ لاَ تَخْلُو إِمَّا إِنْ
كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِالأَْصْل؛ وَإِمَّا إِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً
عَنْهُ.
__________
(1) بدائع الصنائع 2 / 298.
(2) بدائع الصنائع 2 / 298.
(39/179)
وَالْمُتَّصِلَةُ لاَ تَخْلُو مِنْ أَنْ
تَكُونَ مُتَوَلِّدَةً مِنَ الأَْصْل كَالسِّمَنِ وَالْكِبَرِ وَالْجَمَال
وَالْبَصَرِ وَالسَّمْعِ وَالنُّطْقِ وَانْجِلاَءِ بَيَاضِ الْعَيْنِ
وَزَوَال الْخَرَسِ وَالصَّمَمِ؛ وَالشَّجَرِ إِذَا أَثْمَرَ؛ وَالأَْرْضِ
إِذَا زُرِعَتْ؛ أَوْ غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْهُ كَالثَّوْبِ إِذَا
صُبِغَ؛ وَالأَْرْضِ إِذَا بُنِيَ فِيهَا بِنَاءٌ؛ وَكَذَا الْمُنْفَصِلَةُ
لاَ تَخْلُو: أَمَّا إِنْ كَانَتْ مُتَوَلِّدَةً مِنَ الأَْصْل كَالْوَلَدِ
وَالْوَبَرِ وَالصُّوفِ إِذَا جُزَّ؛ وَالشَّعَرِ إِذَا أُزِيل؛
وَالثَّمَرِ إِذَا جُدَّ؛ وَالزَّرْعِ إِذَا حُصِدَ؛ أَوْ كَانَتْ فِي
حُكْمِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْهُ كَالأَْرْشِ وَالْعُقْرِ.
وَأَمَّا إِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْهُ؛ وَلاَ فِي حُكْمِ
الْمُتَوَلِّدِ كَالْهِبَةِ وَالْكَسْبِ.
فَإِنْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ مُتَوَلِّدَةً مِنَ الأَْصْل أَوْ فِي حُكْمِ
الْمُتَوَلِّدِ فَهِيَ مَهْرٌ؛ سَوَاءٌ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِالأَْصْل
أَوْ مُنْفَصِلَةً عَنْهُ؛ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا قَبْل الدُّخُول بِهَا
يَتَنَصَّفُ الأَْصْل وَالزِّيَادَةُ جَمِيعًا بِالإِْجْمَاعِ؛ لأَِنَّ
الزِّيَادَةَ تَابِعَةٌ لِلأَْصْل لِكَوْنِهَا نَمَاءَ الأَْصْل؛
وَالأَْرْشُ بَدَل جُزْءٍ هُوَ مَهْرٌ فَلِيَقُومَ مَقَامَهُ؛ وَالْعُقْرُ
بَدَل مَا هُوَ فِي حُكْمِ الْجُزْءِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَوَلِّدِ
مِنَ الْمَهْرِ. فَإِذَا حَدَثَتْ قَبْل الْقَبْضِ - وَلِلْقَبْضِ شَبَهٌ
بِالْعَقْدِ - فَكَانَ وُجُودُهَا عِنْدَ الْقَبْضِ كَوُجُودِهَا عِنْدَ
الْعَقْدِ؛ فَكَانَتْ مَحِلًّا لِلْفَسْخِ.
(39/180)
وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ مِنَ
الأَْصْل: فَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِالأَْصْل فَإِنَّهَا تَمْنَعُ
التَّنْصِيفَ؛ وَعَلَيْهَا نِصْفُ قِيمَةِ الأَْصْل لأَِنَّ هَذِهِ
الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ بِمَهْرٍ - لاَ مَقْصُودًا وَلاَ تَبَعًا -
لأَِنَّهَا لَمْ تَتَوَلَّدْ مِنَ الْمَهْرِ فَلاَ تَكُونُ مَهْرًا فَلاَ
تَتَنَصَّفُ؛ وَلاَ يُمْكِنُ تَنْصِيفُ الأَْصْل بِدُونِ تَنْصِيفِ
الزِّيَادَةِ؛ فَامْتَنَعَ التَّنْصِيفُ؛ فَيَجِبُ عَلَيْهَا نِصْفُ
قِيمَةِ الأَْصْل يَوْمَ الزِّيَادَةِ؛ لأَِنَّهَا بِالزِّيَادَةِ صَارَتْ
قَابِضَةً لِلأَْصْل فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ حُكِمَ بِالْقَبْضِ.
وَإِنْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ مُنْفَصِلَةً عَنِ الأَْصْل فَالزِّيَادَةُ
لَيْسَتْ بِمَهْرٍ؛ وَهِيَ كُلُّهَا لِلْمَرْأَةِ فِي قَوْل أَبِي
حَنِيفَةَ وَلاَ تَتَنَصَّفُ وَيَنْتَصِفُ الأَْصْل؛ وَعِنْدَ أَبِي
يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ هِيَ مَهْرٌ فَتَتَنَصَّفُ مَعَ الأَْصْل (1) .
وَإِنْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ مِنَ
الأَْصْل فَإِنَّهَا تَمْنَعُ التَّنْصِيفَ؛ وَعَلَيْهَا نِصْفُ قِيمَةِ
الأَْصْل.
وَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً مُتَوَلِّدَةً مِنَ الأَْصْل فَإِنَّهَا
تَمْنَعُ التَّنْصِيفَ فِي قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ
وَمُحَمَّدٍ؛ وَعَلَيْهَا رَدُّ نِصْفِ قِيمَةِ الأَْصْل.
وَقَال زُفَرُ: لاَ تَمْنَعُ وَيُنْتَصَفُ الأَْصْل مَعَ الزِّيَادَةِ.
__________
(1) بدائع الصنائع 2 / 299.
(39/180)
وَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً غَيْرَ
مُتَوَلِّدَةٍ مِنَ الأَْصْل فَهِيَ لَهَا خَاصَّةً وَالأَْصْل بَيْنَهُمَا
نِصْفَانِ بِإِجْمَاعِ الْحَنَفِيَّةِ (1) .
أَمَّا حُكْمُ النُّقْصَانِ: فَحُدُوثُ النُّقْصَانِ فِي الْمَهْرِ لاَ
يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ الزَّوْجِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي
يَدِ الْمَرْأَةِ.
فَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ فِي يَدِ الزَّوْجِ فَلاَ يَخْلُو مِنْ خَمْسَةِ
أَوْجُهٍ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِفِعْل أَجْنَبِيٍّ؛ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ
بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ؛ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِفِعْل الزَّوْجِ؛ وَإِمَّا
أَنْ يَكُونَ بِفِعْل الْمَهْرِ؛ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِفِعْل
الْمَرْأَةِ.
وَكُل ذَلِكَ لاَ يَخْلُو: إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْل قَبْضِ الْمَهْرِ
أَوْ بَعْدَهُ؛ وَالنُّقْصَانُ فَاحِشٌ أَوْ غَيْرُ فَاحِشٍ.
فَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ بِفِعْل أَجْنَبِيٍّ وَهُوَ فَاحِشٌ قَبْل
الْقَبْضِ: فَالْمَرْأَةُ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَتْ أَخَذَتِ الْعَبْدَ
النَّاقِصَ وَاتَّبَعَتِ الْجَانِيَ بِالأَْرْشِ؛ وَإِنْ شَاءَتْ تَرَكَتْ
وَأَخَذَتْ مِنَ الزَّوْجِ قِيمَةَ الْعَبْدِ يَوْمَ الْعَقْدِ؛ ثُمَّ
يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الأَْجْنَبِيِّ بِضَمَانِ النُّقْصَانِ وَهُوَ
الأَْرْشُ.
وَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ: فَالْمَرْأَةُ
بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَتْ أَخَذَتْهُ نَاقِصًا وَلاَ شَيْءَ لَهَا
__________
(1) بدائع الصنائع 2 / 300.
(39/181)
غَيْرَ ذَلِكَ؛ وَإِنْ شَاءَتْ تَرَكَتْهُ
وَأَخَذَتْ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْعَقْدِ.
وَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ بِفِعْل الزَّوْجِ؛ ذُكِرَ فِي ظَاهِرِ
الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَتْ أَخَذَتْهُ
نَاقِصًا وَأَخَذَتْ مَعَهُ أَرْشَ النُّقْصَانِ؛ وَإِنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ
قِيمَتَهُ يَوْمَ الْعَقْدِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ الزَّوْجَ إِذَا جَنَى عَلَى
الْمَهْرِ فَهِيَ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَتْ أَخَذَتْهُ نَاقِصًا وَلاَ
شَيْءَ لَهَا غَيْرُ ذَلِكَ؛ وَإِنْ شَاءَتْ أَخَذَتِ الْقِيمَةَ.
وَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ بِفِعْل الْمَهْرِ؛ بِأَنْ جَنَى الْمَهْرَ
عَلَى نَفْسِهِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ: حُكْمُ هَذَا
النُّقْصَانِ مَا هُوَ حُكْمُ النُّقْصَانِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ؛ وَفِي
رِوَايَةٍ: حُكْمُهُ حُكْمُ جِنَايَةِ الزَّوْجِ (1) .
وَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ بِفِعْل الْمَرْأَةِ فَقَدْ صَارَتْ قَابِضَةً
بِالْجِنَايَةِ فَجُعِل كَأَنَّ النُّقْصَانَ حَصَل فِي يَدِهَا؛
كَالْمُشْتَرِي إِذَا جَنَى عَلَى الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ أَنَّهُ
يَصِيرُ قَابِضًا لَهُ كَذَا هَاهُنَا.
هَذَا إِذَا كَانَ النُّقْصَانُ فَاحِشًا.
فَأَمَّا إِذَا كَانَ النُّقْصَانُ يَسِيرًا فَلاَ خِيَارَ لَهَا كَمَا
إِذَا كَانَ هَذَا الْعَيْبُ بِهِ يَوْمَ الْعَقْدِ.
__________
(1) بدائع الصنائع 2 / 301.
(39/181)
ثُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا النُّقْصَانُ
بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِفِعْل الْمَرْأَةِ أَوْ بِفِعْل الْمَهْرِ
فَلاَ شَيْءَ لَهَا؛ وَإِنْ كَانَ بِفِعْل الأَْجْنَبِيِّ تَتْبَعُهُ
بِنِصْفِ النُّقْصَانِ وَكَذَا إِذَا كَانَ بِفِعْل الزَّوْجِ.
هَذَا إِذَا حَدَثَ النُّقْصَانُ فِي يَدِ الزَّوْجِ (1) .
فَأَمَّا إِذَا حَدَثَ فِي يَدِ الْمَرْأَةِ فَهَذَا أَيْضًا لاَ يَخْلُو
مِنَ الأَْقْسَامِ الَّتِي وَصَفْنَاهَا.
وَإِنْ حَدَثَ بِفِعْل أَجْنَبِيٍّ وَهُوَ فَاحِشٌ قَبْل الطَّلاَقِ
فَالأَْرْشُ لَهَا؛ فَإِنْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ فَلَهُ نِصْفُ الْقِيمَةِ
يَوْمَ قُبِضَتْ وَلاَ سَبِيل لَهُ عَلَى الْعَيْنِ؛ لأَِنَّ الأَْرْشَ
بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ فَيُمْنَعُ التَّنْصِيفُ كَالْوَلَدِ.
وَإِنْ كَانَتْ جِنَايَةُ الأَْجْنَبِيِّ عَلَيْهِ بَعْدَ الطَّلاَقِ
فَلِلزَّوْجَةِ نِصْفُ الْعَبْدِ وَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي الأَْرْشِ إِنْ
شَاءَ أَخَذَ نِصْفَهُ مِنَ الْمَرْأَةِ وَاعْتُبِرَتِ الْقِيمَةُ يَوْمَ
الْقَبْضِ؛ وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْجَانِي وَأَخَذَ مِنْهُ نِصْفَهُ.
وَكَذَلِكَ إِنْ حَدَثَ بِفِعْل الزَّوْجِ فَجِنَايَتُهُ كَجِنَايَةِ
الأَْجْنَبِيِّ؛ لأَِنَّهُ جَنَى عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ وَلاَ يَدَ لَهُ
فِيهِ فَصَارَ كَالأَْجْنَبِيِّ؛ وَالْحُكْمُ فِي الأَْجْنَبِيِّ مَا
وَصَفْنَا.
وَإِنْ حَدَثَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ قَبْل الطَّلاَقِ فَالزَّوْجُ
بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَهُ نَاقِصًا وَلاَ شَيْءَ لَهُ
__________
(1) بدائع الصنائع 2 / 301.
(39/182)
غَيْرُ ذَلِكَ؛ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ
الْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ؛ لأَِنَّ حَقَّهُ مَعَهَا عِنْدَ الْفَسْخِ
كَحَقِّهِ مَعَهَا عِنْدَ الْعَقْدِ؛ وَلَوْ حَدَثَ نُقْصَانٌ فِي يَدِهِ
بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ تَأْخُذَهُ
نَاقِصًا أَوْ قِيمَتَهُ؛ فَكَذَا حَقُّ الزَّوْجِ مَعَهَا عِنْدَ
الْفَسْخِ؛ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الطَّلاَقِ فَلِلزَّوْجِ أَنْ
يَأْخُذَ نِصْفَهُ وَنِصْفَ الأَْرْشِ؛ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَتَهُ
يَوْمَ قُبِضَتْ.
وَكَذَلِكَ إِنْ حَدَثَ بِفِعْل الْمَرْأَةِ؛ فَالزَّوْجُ بِالْخِيَارِ:
إِنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَهُ وَلاَ شَيْءَ لَهُ مِنَ الأَْرْشِ؛ وَإِنْ
شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ قِيمَتِهِ عَبْدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي
يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ.
وَقَال زُفَرُ: لِلزَّوْجِ أَنْ يُضَمِّنَهَا الأَْرْشَ.
وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الطَّلاَقِ: فَعَلَيْهَا نِصْفُ الأَْرْشِ
لأَِنَّ حَقَّ الْفَسْخِ قَدِ اسْتَقَرَّ. وَكَذَلِكَ إِنْ حَدَثَ بِفِعْل
الْمَهْرِ؛ فَالزَّوْجُ بِالْخِيَارِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا:
إِنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَهُ نَاقِصًا وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ
الْقِيمَةِ لأَِنَّا إِنْ جَعَلْنَا جِنَايَةَ الْمَهْرِ كَالآْفَةِ
السَّمَاوِيَّةِ لَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً؛ وَإِنْ جَعَلْنَاهَا كَجِنَايَةِ
الْمَرْأَةِ لَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً أَيْضًا؛ فَلَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً
أَيْضًا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ.
هَذَا إِذَا كَانَ النُّقْصَانُ فَاحِشًا.
فَأَمَّا إِنْ كَانَ غَيْرَ فَاحِشٍ فَإِنْ كَانَ بِفِعْل
(39/182)
الأَْجْنَبِيِّ أَوْ بِفِعْل الزَّوْجِ لاَ
يَتَنَصَّفُ لأَِنَّ الأَْرْشَ يَمْنَعُ التَّنْصِيفَ؛ وَإِنْ كَانَ
بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِفِعْلِهَا أَوْ بِفِعْل الْمَهْرِ أَخَذَ
النِّصْفَ وَلاَ خِيَارَ لَهُ (1) .
40 - وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَتَشَطَّرُ الْمَهْرُ فِي نِكَاحِ
التَّسْمِيَةِ أَوِ التَّفْوِيضِ إِذَا فُرِضَ مَهْرُ الْمِثْل أَوْ مَا
رَضِيَتْ بِهِ قَبْل الدُّخُول (2) .
وَقَال ابْنُ شَاسٍ: مَعْنَى التَّشْطِيرِ أَنْ يَرْجِعَ الْمِلْكُ فِي
شَطْرِ الصَّدَاقِ إِلَى الزَّوْجِ بِمُجَرَّدِ الطَّلاَقِ أَوْ يَبْقَى
عَلَيْهِ.
ثُمَّ فِي مَعْنَى الصَّدَاقِ فِي التَّشْطِيرِ كُل مَا نَحَلَهُ الزَّوْجُ
لِلْمَرْأَةِ أَوْ لأَِبِيهَا أَوْ لِوَصِيِّهَا الَّذِي يَتَوَلَّى
الْعَقْدَ؛ فِي الْعَقْدِ أَوْ قَبْلَهُ لأَِجَلِهِ؛ إِذْ هُوَ
لِلزَّوْجَةِ إِنْ شَاءَتْ أَخَذَتْهُ مِمَّنْ جُعِل لَهُ (3) .
وَقَال ابْنُ جُزَيٍّ: مَا حَدَثَ فِي الصَّدَاقِ مِنْ زِيَادَةٍ
وَنُقْصَانٍ قَبْل الْبِنَاءِ فَالزِّيَادَةُ لَهُمَا وَالنُّقْصَانُ
عَلَيْهِمَا وَهُمَا شَرِيكَانِ فِي ذَلِكَ فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِ
أَحَدِهِمَا فَمَا لاَ يُغَابُ عَلَيْهِ فَخَسَارَتُهُ مِنْهُمَا؛ وَمَا
يُغَابُ عَلَيْهِ خَسَارَتُهُ مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ إِنْ لَمْ تَقُمْ
بَيِّنَةٌ بِهَلاَكِهِ؛ فَإِنْ قَامَتْ بِهِ
__________
(1) بدائع الصنائع 2 / 302.
(2) الشرح الصغير 2 / 454.
(3) عقد الجواهر الثمينة 2 / 117.
(39/183)
بَيِّنَةٌ؛ فَاخْتُلِفَ: هَل يَضْمَنُهُ
مَنْ كَانَ تَحْتَ يَدِهِ أَمْ لاَ (1) ؟
41 - وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ التَّشَطُّرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فَفِيهَا
أَوْجُهٌ:
الصَّحِيحُ: أَنَّهُ يَعُودُ إِلَيْهِ نِصْفُ الصَّدَاقِ بِنَفْسِ
الْفِرَاقِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْفِرَاقَ يُثْبِتُ لَهُ خِيَارَ الرُّجُوعِ فِي
النِّصْفِ؛ فَإِنْ شَاءَ يَمْلِكُهُ وَإِلاَّ فَيَتْرُكُهُ كَالشُّفْعَةِ.
وَالثَّالِثُ: لاَ يَرْجِعُ إِلَيْهِ إِلاَّ بِقَضَاءِ الْقَاضِي.
وَلَوْ طَلَّقَ ثُمَّ قَال: أَسْقَطْتُ خِيَارِي. وَقُلْنَا: الطَّلاَقُ
يُثْبِتُ الْخِيَارَ؛ فَقَدْ أَشَارَ الْغَزَالِيُّ إِلَى احْتِمَالَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَسْقُطُ كَخِيَارِ الْبَيْعِ؛ وَأَرْجَحُهُمَا: لاَ؛ كَمَا
لَوْ أَسْقَطَ الْوَاهِبُ خِيَارَ الرُّجُوعِ.
وَلَمْ يَجْرِ هَذَا التَّرَدُّدُ فِيمَا لَوْ طَلَّقَ عَلَى أَنْ
يُسَلِّمَ لَهَا كُل الصَّدَاقِ؛ وَيَجُوزُ أَنْ يُسَوَّى بَيْنَ
الصُّورَتَيْنِ (2) .
وَلَوْ زَادَ الْمَهْرُ بَعْدَ الطَّلاَقِ فَلِلزَّوْجِ كُل الزِّيَادَةِ
إِذَا عَادَ إِلَيْهِ كُل الصَّدَاقِ؛ أَوْ نِصْفُهَا إِذَا عَادَ إِلَيْهِ
النِّصْفُ لِحُدُوثِهَا فِي مِلْكِهِ؛ سَوَاءٌ أَكَانَتِ الزِّيَادَةُ
مُتَّصِلَةً أَمْ مُنْفَصِلَةً.
__________
(1) القوانين الفقهية ص 206.
(2) روضة الطالبين 7 / 290.
(39/183)
فَإِنْ نَقَصَ الْمَهْرُ بَعْدَ الْفِرَاقِ
وَلَوْ بِلاَ عُدْوَانٍ وَكَانَ بَعْدَ قَبْضِهِ فَلِلزَّوْجِ كُل
الأَْرْشِ أَوْ نِصْفُهُ.
فَإِنِ ادَّعَتْ حُدُوثَ النَّقْصِ قَبْل الطَّلاَقِ صُدِّقَتْ
بِيَمِينِهَا؛ وَإِنْ فَارَقَ لاَ بِسَبَبِهَا - كَأَنْ طَلَّقَ
وَالْمَهْرُ تَالِفٌ - فَلِلزَّوْجِ نِصْفُ بَدَلِهِ مِنْ مِثْلٍ فِي
الْمِثْلِيِّ أَوْ قِيمَةٍ فِي الْمُتَقَوِّمِ؛ لأَِنَّهُ لَوْ كَانَ
بَاقِيًا لأََخَذَ نِصْفَهُ؛ فَإِذَا فَاتَ رَجَعَ بِنِصْفِ بَدَلِهِ كَمَا
فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ (1) .
وَإِنْ تَعَيَّبَ الْمَهْرُ فِي يَدِ الزَّوْجَةِ قَبْل الْفِرَاقِ؛ فَإِنْ
قَنَعَ الزَّوْجُ بِالنِّصْفِ مُعَيَّبًا فَلاَ أَرْشَ لَهُ؛ كَمَا لَوْ
تَعَيَّبَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ؛ وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَقْنَعِ
الزَّوْجُ بِهِ فَإِنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا فَلَهُ نِصْفُ قِيمَتِهِ
سَلِيمًا؛ وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا فَلَهُ مِثْل نِصْفِهِ؛ لأَِنَّهُ لاَ
يَلْزَمُهُ الرِّضَا بِالْمَعِيبِ فَلَهُ الْعُدُول إِلَى بَدَلِهِ.
وَإِنْ تَعَيَّبَ الْمَهْرُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ قَبْل قَبْضِهَا لَهُ
وَقَنَعَتْ بِهِ فَلِلزَّوْجِ نِصْفُهُ نَاقِصًا بِلاَ أَرْشٍ وَلاَ
خِيَارٍ.
وَإِنْ صَارَ الْمَهْرُ ذَا عَيْبٍ بِجِنَايَةٍ مِنْ أَجْنَبِيٍّ يَضْمَنُ
جِنَايَتَهُ؛ وَأَخَذَتِ الزَّوْجَةُ أَرْشَهَا أَوْ عَفَتْ عَنْ أَخْذِهِ
فَالأَْصَحُّ أَنَّ لِلزَّوْجِ نِصْفَ الأَْرْشِ مَعَ نِصْفِ الْعَيْنِ
لأَِنَّهُ بَدَل الْفَائِتِ.
__________
(1) مغني المحتاج 3 / 235.
(39/184)
وَالثَّانِي: لاَ شَيْءَ لَهُ مِنَ
الأَْرْشِ كَالزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ (1) .
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُنْفَصِلَةَ الَّتِي
حَدَثَتْ بَعْدَ الإِْصْدَاقِ كَثَمَرَةٍ وَأُجْرَةٍ تُسَلَّمُ
لِلْمَرْأَةِ؛ سَوَاءٌ أَحَدَثَتْ فِي يَدِهِ أَمْ يَدِهَا لأَِنَّهَا
حَدَثَتْ فِي مِلْكِهَا؛ وَالطَّلاَقُ إِنَّمَا يَقْطَعُ مِلْكَهَا مِنْ
حِينِ وُجُودِهِ لاَ مِنْ أَصْلِهِ؛ وَيَخْتَصُّ الرُّجُوعُ بِنِصْفِ
الأَْصْل (2) .
وَأَمَّا الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ كَالسِّمَنِ وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ
فَلاَ يَسْتَقِل الزَّوْجُ بِالرُّجُوعِ إِلَى عَيْنِ النِّصْفِ بَل
يُخَيِّرُ الزَّوْجَةَ فَإِنْ أَبَتْ رَجَعَ إِلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ
بِغَيْرِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ.
وَإِنْ سَمَحَتْ أُجْبِرَ الزَّوْجُ عَلَى الْقَبُول وَلَمْ يَكُنْ لَهُ
طَلَبُ الْقِيمَةِ (3) .
وَإِذَا تَغَيَّرَ الصَّدَاقُ بِالزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ مَعًا إِمَّا
بِسَبَبٍ وَاحِدٍ: بِأَنْ أَصْدَقَهَا شَجَرَةً فَكَبُرَتْ فَقَل ثَمَرُهَا
وَزَادَ حَطَبُهَا؛ وَإِمَّا بِسَبَبَيْنِ: بِأَنْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا
فَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَاعْوَرَّ فَيَثْبُتُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا
الْخِيَارُ؛ وَلِلزَّوْجِ أَنْ لاَ يَقْبَل الْعَيْنَ لِنَقْصِهَا
وَيُعَدَّل إِلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ؛ وَلِلزَّوْجَةِ أَنْ لاَ تَبْذُلَهَا
لِزِيَادَتِهَا وَتَدْفَعَ نِصْفَ الْقِيمَةِ.
__________
(1) مغني المحتاج 2 / 235 - 236.
(2) مغني المحتاج 3 / 236، وروضة الطالبين 7 / 293.
(3) روضة الطالبين 7 / 293، ومغني المحتاج 3 / 236.
(39/184)
فَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى رَدِّ الْعَيْنِ
جَازَ وَلاَ شَيْءَ لأَِحَدِهِمَا عَلَى الآْخَرِ.
وَلَيْسَ الاِعْتِبَارُ بِزِيَادَةِ الْقِيمَةِ؛ بَل كُل مَا حَدَثَ
وَفِيهِ فَائِدَةٌ مَقْصُودَةٌ فَهُوَ زِيَادَةٌ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ؛
وَإِنْ نَقَصَتِ الْقِيمَةُ (1) . وَقَالُوا: وَإِذَا أَثْبَتْنَا
الْخِيَارَ لِلْمَرْأَةِ بِسَبَبِ زِيَادَةِ الصَّدَاقِ أَوْ لِلزَّوْجِ
بِنَقْصِهِ أَوْ لَهُمَا بِهِمَا لَمْ يَمْلِكِ الزَّوْجُ النِّصْفَ قَبْل
أَنْ يَخْتَارَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ الرُّجُوعَ إِنْ كَانَ الْخِيَارُ
لأَِحَدِهِمَا؛ وَقَبْل أَنْ يَتَوَافَقَا إِنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا
وَإِنْ قُلْنَا الطَّلاَقُ يُشَطِّرُ الصَّدَاقَ نَفْسَهُ (2) .
وَهَذَا الاِخْتِيَارُ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ لَكِنْ إِذَا طَلَبَهُ
الزَّوْجُ كُلِّفَتِ الزَّوْجَةُ اخْتِيَارَ أَحَدِهِمَا؛ وَلاَ يُعَيِّنُ
الزَّوْجُ فِي طَلَبِهِ عَيْنًا وَلاَ قِيمَةً؛ لأَِنَّ التَّعْيِينَ
يُنَاقِضُ تَفْوِيضَ الأَْمْرِ إِلَيْهَا بَل يُطَالِبُهَا بِحَقِّهِ
عِنْدَهَا؛ فَإِنِ امْتَنَعَتْ مِنَ الاِخْتِيَارِ لَمْ تُحْبَسْ
وَنُزِعَتْ مِنْهَا الْعَيْنُ؛ فَإِنْ أَصَرَّتْ بِيعَ مِنْهَا بِقَدْرِ
الْوَاجِبِ؛ فَإِنْ تَعَذَّرَ: بِيعَ الْجَمِيعُ وَتُعْطَى الزَّائِدَ؛
وَإِنِ اسْتَوَى نِصْفُ الْعَيْنِ وَنِصْفُ الْقِيمَةِ أُعْطِيَ نِصْفَ
الْعَيْنِ.
وَمَتَى اسْتَحَقَّ الرُّجُوعَ فِي الْعَيْنِ اسْتَقَل بِهِ.
__________
(1) روضة الطالبين 7 / 295، وانظر مغني المحتاج 3 / 236.
(2) روضة الطالبين 7 / 309.
(39/185)
وَمَتَى وَجَبَ الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ
الْمَهْرِ فِي الْمُتَقَوِّمِ لِهَلاَكِ الصَّدَاقِ أَوْ غَيْرِهِ
اعْتُبِرَ الأَْقَل مِنْ قِيمَةِ الْمَهْرِ يَوْمَيِ الإِْصْدَاقِ
وَالْقَبْضِ (1) .
42 - وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مَنْ أَقْبَضَ الصَّدَاقَ
الَّذِي تَزَوَّجَ عَلَيْهِ ثُمَّ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ قَبْل الدُّخُول
بِهَا مَلَكَ نِصْفَ الصَّدَاقِ قَهْرًا؛ كَالْمِيرَاثِ إِنْ بَقِيَ فِي
مِلْكِهَا بِصِفَتِهِ حِينَ الْعَقْدِ بِأَنْ لَمْ يَزِدْ وَلَمْ يَنْقُصْ؛
وَلَوْ كَانَ الْبَاقِي بِصِفَتِهِ النِّصْفَ مِنَ الصَّدَاقِ مُشَاعًا
أَوْ مُعَيَّنًا مِنْ مُتَنَصَّفٍ (2) .
وَيَمْنَعُ ذَلِكَ بَيْعٌ - وَلَوْ مَعَ خِيَارِهَا - وَهِبَةٌ أُقْبِضَتْ؛
وَعِتْقٌ؛ وَرَهْنٌ؛ وَكِتَابَةٌ؛ لاَ إِجَارَةٌ وَتَدْبِيرٌ؛ وَتَزْوِيجٌ.
فَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ قَدْ زَادَ زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً رَجَعَ
الزَّوْجُ فِي نِصْفِ الأَْصْل وَالزِّيَادَةُ لَهَا؛ وَلَوْ كَانَتْ
وَلَدَ أَمَةٍ.
وَإِنْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً - وَهِيَ غَيْرُ مَحْجُورٍ
عَلَيْهَا - خُيِّرَتْ بَيْنَ دَفْعِ نِصْفِهِ زَائِدًا وَبَيْنَ دَفْعِ
نِصْفِ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْعَقْدِ - إِنْ كَانَ مُتَمَيِّزًا؛ وَغَيْرُ
الْمُتَمَيِّزِ لَهُ قِيمَةُ نِصْفِهِ يَوْمَ الْفُرْقَةِ عَلَى أَدْنَى
صِفَةٍ مِنَ الْعَقْدِ إِلَى الْقَبْضِ.
__________
(1) مغني المحتاج 3 / 238.
(2) شرح منتهى الإرادات 3 / 72.
(39/185)
وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهَا لاَ تُعْطِيهِ -
أَيْ عَنْ طَرِيقِ وَلِيِّهَا - إِلاَّ نِصْفَ الْقِيمَةِ.
وَإِنْ نَقَصَ الْمَهْرُ بِغَيْرِ جِنَايَةٍ عَلَيْهِ خُيِّرَ الزَّوْجُ -
جَائِزُ التَّصَرُّفِ - بَيْنَ أَخْذِهِ نَاقِصًا وَلاَ شَيْءَ لَهُ
غَيْرُهُ وَبَيْنَ أَخْذِ نِصْفِ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْعَقْدِ إِنْ كَانَ
مُتَمَيِّزًا؛ وَغَيْرُ الْمُتَمَيِّزِ يَوْمَ الْفُرْقَةِ عَلَى أَدْنَى
صِفَةٍ مِنَ الْعَقْدِ إِلَى الْقَبْضِ.
وَإِنِ اخْتَارَهُ نَاقِصًا بِجِنَايَةٍ فَلَهُ مَعَهُ نِصْفُ أَرْشِهَا؛
وَإِنْ زَادَ مِنْ وَجْهٍ وَنَقَصَ مِنْ آخَرَ فَلِكُلٍّ الْخِيَارُ؛
وَيَثْبُتُ بِمَا فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ وَإِنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ (1) .
وَإِنْ تَلِفَ الْمَهْرُ أَوِ اسْتُحِقَّ بِدَيْنٍ رَجَعَ فِي الْمِثْلِيِّ
بِنِصْفِ مِثْلِهِ؛ وَفِي غَيْرِهِ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْمُتَمَيِّزِ يَوْمَ
الْعَقْدِ؛ وَفِي غَيْرِ الْمُتَمَيِّزِ يَوْمَ الْفُرْقَةِ عَلَى أَدْنَى
صِفَةٍ مِنَ الْعَقْدِ إِلَى الْقَبْضِ.
وَلَوْ كَانَ الْمَهْرُ ثَوْبًا فَصَبَغَتْهُ؛ أَوْ أَرْضًا فَبَنَتْهَا؛
فَبَذَل الزَّوْجُ قِيمَةَ الزَّائِدِ لِيَمْلِكَهُ فَلاَ ذَلِكَ.
وَإِنْ نَقَصَ الْمَهْرُ فِي يَدِهَا بَعْدَ تَنَصُّفِهِ ضَمِنَتْ نَقْصَهُ
مُطْلَقًا.
وَمَا قُبِضَ مِنْ مُسَمًّى بِذِمَّةٍ كَمُعَيَّنٍ إِلاَّ أَنَّهُ
يُعْتَبَرُ فِي تَقْوِيمِهِ صِفَتُهُ يَوْمَ قَبْضِهِ (2) .
__________
(1) منتهى الإرادات لابن النجار 2 / 207 - 208.
(2) المرجع نفسه 2 / 208 - 209.
(39/186)
وُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْل
هُنَاكَ حَالاَتٌ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْل فِي
بَعْضِهَا وَاخْتَلَفُوا فِي الْبَعْضِ الآْخَرِ.
أَوَّلاً - التَّفْوِيضُ:
43 - التَّفْوِيضُ ضَرْبَانِ
أ - تَفْوِيضُ بُضْعٍ وَهُوَ الَّذِي يَنْصَرِفُ الإِْطْلاَقُ إِلَيْهِ؛
وَالْمُرَادُ بِهِ: إِخْلاَءُ النِّكَاحِ عَنِ الْمَهْرِ بِأَنْ يُزَوِّجَ
الأَْبُ بِنْتَهُ الْمُجْبَرَةَ بِلاَ مَهْرٍ. أَوْ يُزَوِّجُ الأَْبُ
غَيْرَ الْمُجْبَرَةِ بِإِذْنِهَا بِلاَ مَهْرٍ. أَوْ يُزَوِّجُ غَيْرُ
الأَْبِ كَأَخٍ مُوَلِّيَتِهِ بِإِذْنِهَا بِلاَ مَهْرٍ؛ سَوَاءٌ سَكَتَ
عَنِ الصَّدَاقِ أَوْ شَرَطَ نَفْيَهُ؛ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ؛ وَيَجِبُ بِهِ
مَهْرُ الْمِثْل عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (1) .
وَقَدْ دَل عَلَى هَذَا قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ
إِنْ طَلَّقْتُمِ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا
لَهُنَّ فَرِيضَةً} (2) رَفَعَ سُبْحَانَهُ الْجُنَاحَ عَمَّنْ طَلَّقَ فِي
نِكَاحٍ لاَ تَسْمِيَةَ فِيهِ؛ وَالطَّلاَقُ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بَعْدَ
النِّكَاحِ؛ فَدَل عَلَى جَوَازِ النِّكَاحِ بِلاَ تَسْمِيَةٍ.
__________
(1) مطالب أولي النهى 5 / 217، وروضة الطالبين 7 / 279، وبدائع الصنائع 2 /
284، والقوانين الفقهية 207.
(2) سورة البقرة / 236.
(39/186)
وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ سُئِل عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَفْرِضْ
لَهَا صَدَاقًا وَلَمْ يَدْخُل بِهَا حَتَّى مَاتَ فَقَال ابْنُ مَسْعُودٍ:
لَهَا صَدَاقُ نِسَائِهَا لاَ وَكْسَ وَلاَ شَطَطَ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ
وَلَهَا الْمِيرَاثُ؛ فَقَامَ مَعْقِل بْنُ سِنَانٍ الأَْشْجَعِيُّ فَقَال:
قَضَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بِرْوَعَ
بِنْتِ وَاشِقٍ امْرَأَةٍ مِنَّا مِثْل مَا قَضَيْتَ بِهِ (1) ؛ وَلأَِنَّ
الْقَصْدَ مِنَ النِّكَاحِ الْوَصْلَةُ وَالاِسْتِمْتَاعُ دُونَ
الصَّدَاقِ؛ فَصَحَّ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِهِ كَالنَّفَقَةِ؛ وَسَوَاءٌ
تَرَكَا ذِكْرَ الْمَهْرِ أَوْ شَرَطَا نَفْيَهُ (2) .
ب - تَفْوِيضُ الْمَهْرِ وَالْمُرَادُ بِهِ جَعْل الْمَهْرِ إِلَى رَأْيِ
أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا كَأَنْ تَقُول لِوَلِيِّهَا:
زَوِّجْنِي عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ مَا شِئْتَ أَوْ مَا شِئْتُ أَنَا؛ أَوْ
مَا شَاءَ الْخَاطِبُ؛ أَوْ فُلاَنٌ (3) .
وَلِلْفُقَهَاءِ فِيمَا تَسْتَحِقُّهُ الْمَرْأَةُ مِنَ الصَّدَاقِ فِي
نِكَاحِ تَفْوِيضِ الْمَهْرِ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ؛ يُنْظَرُ فِي (تَفْوِيضٌ
ف 5 وَمَا بَعْدَهَا؛ وَمُفَوِّضَةٌ) .
__________
(1) حديث: " قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق امرأة منا
مثل. . . ". تقدم تخريجه فقرة (3) .
(2) المغني 6 / 712، وبدائع الصنائع 2 / 274.
(3) روضة الطالبين 6 / 279، ومطالب أولي النهى 5 / 217، والقوانين الفقهية
207، والفتاوى الهندية 1 / 303.
(39/187)
ثَانِيًا - فَسَادُ تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ
44 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا
فَسَدَتْ تَسْمِيَةُ الْمَهْرِ - كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَيْتَةٍ
أَوْ دَمٍ أَوْ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ - يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْل (1) .
وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ؛ فَقَدْ قَال الرُّحَيْبَانِيُّ: كُل
مَوْضِعٍ لاَ تَصِحُّ فِيهِ التَّسْمِيَةُ؛ أَوْ خَلاَ الْعَقْدُ عَنْ
ذِكْرِ الْمَهْرِ يَجِبُ لِلْمَرْأَةِ مَهْرُ الْمِثْل بِالْعَقْدِ؛
لأَِنَّ الْمَرْأَةَ لاَ تُسَلَّمُ إِلاَّ بِبَدَلٍ؛ وَلَمْ يُسَلَّمِ
الْبَدَل؛ وَتَعَذَّرَ رَدُّ الْعِوَضِ فَوَجَبَ بَدَلُهُ كَبَيْعِهِ
سِلْعَةً بِخَمْرٍ (2) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ أَصْدَقَهَا مَا لاَ يَجُوزُ فَفِيهِ
رِوَايَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ يُفْسَخُ قَبْل الدُّخُول وَبَعْدَهُ.
وَالثَّانِيَةُ: - وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ - أَنَّهُ إِذَا عَقَدَ بِذَلِكَ
فُسِخَ النِّكَاحُ قَبْل الدُّخُول؛ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ
الْمِثْل.
وَهَل فَسْخُهُ عَلَى الاِسْتِحْبَابِ أَوِ الْوُجُوبِ؟ قَوْلاَنِ (3) .
ثَالِثًا - فَسَادُ النِّكَاحِ:
45 - صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ لاَ تَصِحُّ
__________
(1) الفتاوى الهندية 1 / 303، وروضة الطالبين 7 / 286.
(2) مطالب أولي النهى 5 / 180.
(3) الشرح الصغير 2 / 430 - 431، وعقد الجواهر الثمينة 2 / 99، والقوانين
الفقهية ص 205.
(39/187)
التَّسْمِيَةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ
حَتَّى لاَ يَلْزَمَ الْمُسَمَّى؛ لأَِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِنِكَاحٍ؛ إِلاَّ
أَنَّهُ إِذَا وُجِدَ الدُّخُول يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْل لَكِنْ بِالْوَطْءِ
لاَ بِالْعَقْدِ.
وَأَضَافَ الشَّافِعِيَّةُ: أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي إِيجَابِ مَهْرِ
الْمِثْل هُوَ يَوْمُ الْوَطْءِ وَلاَ يُعْتَبَرُ يَوْمُ الْعَقْدِ إِذْ
لاَ حُرْمَةَ لِلْعَقْدِ الْفَاسِدِ (1) .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ مَا فُسِخَ مِنَ الأَْنْكِحَةِ بَعْدَ
الْبِنَاءِ وَلاَ يَكُونُ فَسَادُهُ إِلاَّ لِعَقْدِهِ؛ أَوْ لِعَقْدِهِ
وَصَدَاقِهِ مَعًا؛ فَيَجِبُ الْمَهْرُ الْمُسَمَّى لِلْمَرْأَةِ إِنْ
كَانَ حَلاَلاً؛ أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْعَقْدِ مَهْرٌ مُسَمًّى
كَصَرِيحِ الشِّغَارِ؛ أَوْ كَانَ حَرَامًا كَخَمْرٍ فَيَجِبُ مَهْرُ
الْمِثْل.
وَقَالُوا: يَسْقُطُ كُلٌّ مِنَ الْمُسَمَّى وَمَهْرِ الْمِثْل بِالْفَسْخِ
قَبْل الدُّخُول وَلَوْ كَانَ الْعَقْدُ مُخْتَلِفًا فِيهِ؛ وَكَذَا
بِالْمَوْتِ إِنْ فَسَدَ النِّكَاحُ لِصَدَاقِهِ مُطْلَقًا أَوْ فَسَدَ
لِعَقْدِهِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ كَنِكَاحِ الْمُتْعَةِ؛ أَوِ اخْتَلَفَ
فِيهِ وَأَثَّرَ خَلَلاً فِي الصَّدَاقِ كَالْمُخَلَّل؛ فَإِنْ لَمْ
يُؤَثِّرْ فِيهِ كَنِكَاحِ الْمُحْرِمِ فَفِيهِ الصَّدَاقُ إِلاَّ نِكَاحُ
الدِّرْهَمَيْنِ فَنِصْفُهُمَا وَاجِبٌ عَلَيْهِ بِالْفَسْخِ قَبْل
الدُّخُول (2) .
__________
(1) بدائع الصنائع 2 / 287، 335، والفتاوى الهندية 1 / 330، وروضة الطالبين
7 / 288.
(2) حاشية الدسوقي والشرح الكبير 2 / 240 - 241.
(39/188)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يَجِبُ مَهْرُ
الْمِثْل بِوَطْءٍ وَلَوْ مِنْ مَجْنُونٍ فِي نِكَاحٍ بَاطِلٍ إِجْمَاعًا
كَنِكَاحِ خَامِسَةٍ أَوْ مُعْتَدَّةٍ (1) .
رَابِعًا: الْوَطْءُ بِشُبْهَةٍ:
46 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى وُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْل لِلْمَوْطُوءَةِ
بِشُبْهَةٍ كَمَنْ وَطِئَ امْرَأَةً لَيْسَتْ زَوْجَةً وَلاَ مَمْلُوكَةً
يَظُنُّهَا زَوْجَتَهُ أَوْ مَمْلُوكَتَهُ (2) .
وَأَضَافَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ إِذَا وَطِئَ مِرَارًا
بِشُبْهَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ لَمْ يَجِبْ إِلاَّ مَهْرٌ
وَاحِدٌ؛ وَلَوْ وَطِئَ بِشُبْهَةٍ فَزَالَتْ تِلْكَ الشُّبْهَةُ ثُمَّ
وَطِئَ بِشُبْهَةٍ أُخْرَى وَجَبَ مَهْرَانِ (3) .
خَامِسًا - الإِْكْرَاهُ عَلَى الزِّنَا:
47 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى وُجُوبِ مَهْرِ
الْمِثْل عِنْدَ إِكْرَاهِ امْرَأَةٍ عَلَى الزِّنَا (4)
وَقَيَّدَ الْحَنَابِلَةُ وُجُوبَ مَهْرِ الْمِثْل
__________
(1) شرح منتهى الإرادات 3 / 82 - 83.
(2) الفتاوى الهندية 1 / 325، ومطالب أولي النهى 5 / 225، وروضة الطالبين 7
/ 286.
(3) روضة الطالبين 7 / 288، ومطالب أولي النهى 5 / 224.
(4) روضة الطالبين 7 / 286، ومطالب أولي النهى 5 / 224.
(39/188)
بِمَا إِذَا كَانَ الْوَطْءُ فِي الْقُبُل.
وَقَالُوا: يَتَعَدَّدُ الْمَهْرُ بِتَعَدُّدِ الإِْكْرَاهِ عَلَى الزِّنَا
بِمُكْرَهَةٍ كُل مَرَّةٍ؛ لأَِنَّهُ إِتْلاَفٌ فَيَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ
سَبَبِهِ؛ وَلَوِ اتَّحَدَ الإِْكْرَاهُ وَتَعَدَّدَ الْوَطْءُ
فَالْوَاجِبُ مَهْرٌ وَاحِدٌ (1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ - فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ -: الْمُكْرِهُ
عَلَى الْوَطْءِ يُحَدُّ؛ وَعَلَيْهِ فَإِذَا أَكْرَهَتِ امْرَأَةٌ رَجُلاً
عَلَى الزِّنَا بِهَا فَلاَ صَدَاقَ لَهَا؛ وَإِنْ أَكْرَهَهُ غَيْرُهَا
غُرِّمَ لَهَا الصَّدَاقَ وَرَجَعَ بِهِ عَلَى مُكْرِهِهِ (2) .
وَوُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْل بِالزِّنَا هُوَ مُقْتَضَى مَذْهَبِ
الصَّاحِبَيْنِ الْقَائِل بِعَدَمِ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الْمُكْرِهِ
بِالزِّنَا (3) إِذْ لاَ يَخْلُو الْوَطْءُ بِغَيْرِ مِلْكِ الْيَمِينِ
عَنْ مَهْرٍ أَوْ حَدٍّ (4) .
وَيَقُول أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ: أَنَّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَا
بِامْرَأَةٍ بِمَا يَخَافُ التَّلَفَ فَزَنَى فَعَلَيْهِ الْحَدُّ (5) ؛
وَبِنَاءً عَلَى هَذَا الْقَوْل لاَ يُتَصَوَّرُ وُجُوبُ الْمَهْرِ
أَصْلاً.
__________
(1) مطالب أولي النهى 5 / 224 - 225.
(2) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي 4 / 318.
(3) روضة القضاة للسمناني 4 / 1283، وابن عابدين 3 / 157.
(4) الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 335.
(5) البدائع 7 / 180، وروضة القضاة للسمناني 4 / 1283، وحاشية ابن عابدين 3
/ 157 - 158.
(39/189)
سُقُوطُ الْمَهْرِ
يَسْقُطُ الْمَهْرُ، بِأَسْبَابٍ، مِنْهَا:
أ -، الْفُرْقَةُ بِغَيْرِ الطَّلاَقِ قَبْل الدُّخُول
48 - يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ كُل فُرْقَةٍ حَصَلَتْ بِغَيْرِ
طَلاَقٍ قَبْل الدُّخُول وَقَبْل الْخَلْوَةِ تُسْقِطُ جَمِيعَ الْمَهْرِ؛
سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ قِبَل الْمَرْأَةِ أَوْ مِنْ قِبَل الزَّوْجِ.
وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لأَِنَّ الْفُرْقَةَ بِغَيْرِ طَلاَقٍ تَكُونُ
فَسْخًا لِلْعَقْدِ؛ وَفَسْخُ الْعَقْدِ قَبْل الدُّخُول يُوجِبُ سُقُوطَ
كُل الْمَهْرِ؛ لأَِنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ رَفْعُهُ مِنَ الأَْصْل
وَجَعْلُهُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ (1) .
وَمِنْ أَمْثِلَةِ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْفُرْقَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ
خِيَارُ الْبُلُوغِ؛ وَخِيَارُ الْعِتْقِ؛ وَاخْتِيَارُ الْمَرْأَةِ
نَفْسَهَا لِعَيْبٍ وَالْعُنَّةُ وَالْخِصَاءُ وَالْخُنُوثَةُ (2) .
وَمَثَّل الْحَنَابِلَةُ لِهَذِهِ الْفُرْقَةِ بِاللِّعَانِ قَبْل
الدُّخُول؛ وَفَسْخِ الزَّوْجِ النِّكَاحَ لِعَيْبِ الزَّوْجَةِ قَبْل
الدُّخُول وَعَكْسِهِ كَكَوْنِ الزَّوْجِ عِنِّينًا أَوْ أَشَل وَنَحْوَهُ
قَبْل الدُّخُول (3) .
وَالشَّافِعِيَّةُ يَتَّفِقُونَ مَعَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ فِي أَصْل
سُقُوطِ الْمَهْرِ عِنْدَ حُصُول الْفُرْقَةِ مِنْ جِهَةِ
__________
(1) بدائع الصنائع 2 / 295، وعقد الجواهر الثمينة 2 / 117، ومطالب أولي
النهى 5 / 202.
(2) بدائع الصنائع 2 / 336.
(3) مطالب أولي النهى 5 / 202.
(39/189)
الزَّوْجَةِ قَبْل الدُّخُول بِهَا؛ أَوْ
عِنْدَ حُصُول الْفُرْقَةِ بِسَبَبِهَا؛ إِلاَّ أَنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ
مَعَ الْجُمْهُورِ فِي تَطْبِيقَاتِ هَذَا الأَْصْل إِذْ يَذْكُرُونَ مِنْ
أَمْثِلَةِ النَّوْعِ الأَْوَّل: إِسْلاَمَ الزَّوْجَةِ بِنَفْسِهَا أَوْ
بِالتَّبَعِيَّةِ؛ وَفَسْخَهَا بِعَيْبِهِ؛ أَوْ بِعِتْقِهَا تَحْتَ
رَقِيقٍ؛ أَوْ رِدَّتِهَا؛ أَوْ إِرْضَاعِهَا زَوْجَةَ زَوْجِهَا
الصَّغِيرَةَ.
وَمِنْ ضِمْنِ أَمْثِلَةِ النَّوْعِ الثَّانِي مِنَ الْفُرْقَةِ: فَسْخُ
الزَّوْجِ النِّكَاحَ بِعَيْبِهَا.
أَمَّا الْفُرْقَةُ الَّتِي لاَ تَكُونُ مِنْهَا وَلاَ بِسَبَبِهَا
كَالطَّلاَقِ وَإِسْلاَمِ الزَّوْجِ وَرِدَّتِهِ وَلِعَانِهِ وَإِرْضَاعِ
أُمَّ الزَّوْجِ لَهَا؛ أَوْ إِرْضَاعِ أُمِّ الزَّوْجَةِ لَهُ وَهُوَ
صَغِيرٌ فَإِنَّهَا تُنَصِّفُ الْمَهْرَ (1) .
ب - الإِْبْرَاءُ:
49 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الإِْبْرَاءَ
عَنْ كُل الْمَهْرِ قَبْل الدُّخُول وَبَعْدَهُ إِذَا كَانَ الْمَهْرُ
دَيْنًا فَإِنَّهُ يُسْقِطُهُ كُلَّهُ؛ لأَِنَّ الإِْبْرَاءَ إِسْقَاطٌ
وَالإِْسْقَاطُ مِمَّنْ هُوَ مِنْ أَهْل الإِْسْقَاطِ فِي مَحِلٍّ قَابِلٍ
لِلسُّقُوطِ يُوجِبُ السُّقُوطَ (2) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ إِنْ طَلَّقَ زَوْجٌ زَوْجَتَهُ قَبْل الدُّخُول
بِهَا فَأَيُّ الزَّوْجَيْنِ عَفَا لِصَاحِبِهِ عَمَّا
__________
(1) مغني المحتاج 3 / 234، وانظر الحاوي 12 / 183.
(2) بدائع الصنائع 2 / 295، ومغني المحتاج 3 / 240، وروضة الطالبين 7 /
314، 315.
(39/190)
وَجَبَ لَهُ بِالطَّلاَقِ مِنْ نِصْفِ
الْمَهْرِ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا؛ - وَالْعَافِي جَائِزُ التَّصَرُّفِ
- بَرِئَ مِنْهُ صَاحِبُهُ؛ وَإِنْ كَانَ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ عَيْنًا
بِيَدِ أَحَدِهِمَا فَلِمَنْ بِيَدِهِ الْعَيْنُ أَنْ يَعْفُوَ بِلَفْظِ
الْعَفْوِ وَالْهِبَةِ وَالتَّمْلِيكِ؛ وَلاَ يَصِحُّ بِلَفْظِ
الإِْبْرَاءِ وَالإِْسْقَاطِ لأَِنَّ الأَْعْيَانَ لاَ تَقْبَل ذَلِكَ
أَصَالَةً؛ وَإِنْ عَفَا غَيْرُ الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ - زَوْجًا كَانَ
الْعَافِي أَوْ زَوْجَةً - صَحَّ الْعَفْوُ بِهَذِهِ الأَْلْفَاظِ كُلِّهَا
(1) .
وَإِذَا أَبْرَأَتْهُ مِنْ صَدَاقِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْل الدُّخُول
رَجَعَ الزَّوْجُ عَلَى زَوْجَتِهِ بِنِصْفِ الصَّدَاقِ.
وَإِنْ أَبْرَأَتْهُ مِنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ
قَبْل الدُّخُول رَجَعَ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي (2) .
وَلِلتَّفْصِيل فِي شُرُوطِ الإِْبْرَاءِ وَأَلْفَاظِهِ وَالْفَرْقِ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْهِبَةِ (ر: إِبْرَاءٌ ف 12 وَمَا بَعْدَهَا؛ هِبَةٌ)
.
ج - الْهِبَةُ:
50 - عَدَّ الْحَنَفِيَّةُ هِبَةَ كُل الْمَهْرِ قَبْل الْقَبْضِ مِنْ
أَسْبَابِ سُقُوطِ الْمَهْرِ كُلِّهِ.
وَقَالُوا: إِنَّ الْمَهْرَ لاَ يَخْلُو: إِمَّا أَنْ يَكُونَ
__________
(1) مطالب أولي النهى 5 / 199.
(2) كشاف القناع 5 / 146.
(39/190)
عَيْنًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ دَيْنًا؛
وَالْحَال لاَ يَخْلُو: إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْل الْقَبْضِ وَإِمَّا أَنْ
يَكُونَ بَعْدَ الْقَبْضِ؛ وَهَبَتْ كُل الْمَهْرِ أَوْ بَعْضَهُ.
فَإِنْ وَهَبَتْهُ كُل الْمَهْرِ قَبْل الْقَبْضِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْل
الدُّخُول فَلاَ شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا؛ سَوَاءٌ كَانَ الْمَهْرُ عَيْنًا
أَوْ دَيْنًا.
وَإِنْ وَهَبَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ: فَإِنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ عَيْنًا
فَقَبَضَهُ؛ ثُمَّ وَهَبَهُ مِنْهَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ؛
لأَِنَّ الَّذِي تَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلاَقِ قَبْل الدُّخُول هُوَ نِصْفُ
الْمَوْهُوبِ بِعَيْنِهِ وَقَدْ رَجَعَ إِلَيْهِ بِعَقْدٍ؛ لاَ يُوجِبُ
الضَّمَانَ؛ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا؛ وَإِنْ كَانَ
دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فَإِنْ كَانَ حَيَوَانًا أَوْ عَرْضًا فَكَذَلِكَ
لاَ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ؛ وَإِنْ كَانَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ
مُعَيَّنَةً أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ؛ أَوْ مَكِيلاً أَوْ مَوْزُونًا سِوَى
الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَقَبَضَتْهُ ثُمَّ وَهَبَتْهُ مِنْهُ ثُمَّ
طَلَّقَهَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ مِثْلِهِ.
وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْمَهْرُ دَيْنًا فَقَبَضَتِ الْكُل ثُمَّ
وَهَبَتِ الْبَعْضَ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ
الْمَقْبُوضِ؛ لأَِنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا إِذَا وَهَبَتِ الْكُل
فَإِذَا وَهَبَتِ الْبَعْضَ أَوْلَى.
وَإِذَا قَبَضَتِ النِّصْفَ؛ ثُمَّ وَهَبَتِ النِّصْفَ الْبَاقِيَ؛ أَوْ
وَهَبَتِ الْكُل؛ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْل الدُّخُول بِهَا قَال أَبُو
حَنِيفَةَ: لاَ يَرْجِعُ الزَّوْجُ
(39/191)
عَلَيْهَا بِشَيْءٍ؛ وَقَال أَبُو يُوسُفَ
وَمُحَمَّدٌ: يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِرُبُعِ الْمَهْرِ (1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا وَهَبَتِ الزَّوْجَةُ مِنْ زَوْجِهَا
جَمِيعَ صَدَاقِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْل الْبِنَاءِ لَمْ يَرْجِعْ
عَلَيْهَا بِشَيْءٍ وَكَأَنَّهَا عَجَّلَتْ إِلَيْهِ بِالصَّدَاقِ.
وَلَوْ وَهَبَتْ مِنْهُ نِصْفَ الصَّدَاقِ؛ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَلَهُ
الرُّبُعُ؛ وَكَذَلِكَ إِنْ وَهَبَتْهُ أَكْثَرَ مِنَ النِّصْفِ أَوْ أَقَل
فَلَهُ نِصْفُ مَا بَقِيَ لَهَا بَعْدَ الْهِبَةِ.
وَلَوْ وَهَبَتْهُ لأَِجْنَبِيٍّ فَقَبَضَهُ مَضَى لَهُ وَيَرْجِعُ
الزَّوْجُ عَلَى الزَّوْجَةِ بِالنِّصْفِ (2) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا وَهَبَتِ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا
صَدَاقَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْل الدُّخُول طَلاَقًا يَمْلِكُ بِهِ
نِصْفَ الصَّدَاقِ لَمْ يَخْل الصَّدَاقُ الْمَوْهُوبُ مِنْ أَحَدِ
أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَيْنًا؛ أَوْ دَيْنًا.
فَإِنْ كَانَ عَيْنًا؛ فَسَوَاءٌ وَهَبَتْهُ قَبْل قَبْضِهِ أَوْ بَعْدَ
قَبْضِهِ هَل لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ بَدَلِهِ؟ فِيهِ
قَوْلاَنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ؛ وَأَحَدُ
قَوْلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيُّ أَنَّهُ لاَ يَرْجِعُ
عَلَيْهَا بِشَيْءٍ.
__________
(1) بدائع الصنائع 2 / 295 - 296، وانظر البناية 4 / 219 وما بعدها.
(2) عقد الجواهر الثمينة 2 / 119 وما بعدها.
(39/191)
وَالْقَوْل الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي
الْجَدِيدِ؛ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ وَهُوَ الأَْظْهَرُ (1)
.
وَإِنْ كَانَ الصَّدَاقُ دَيْنًا لَهَا عَلَى زَوْجِهَا فَأَبْرَأَتْهُ
مِنْهُ؛ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْل الدُّخُول لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا
بِشَيْءٍ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لأَِنَّهَا لَمْ تَأْخُذْ مِنْهُ مَالاً
وَلَمْ تَتَحَصَّل مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ.
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي طَرْدُ قَوْلَيِ الْهِبَةِ؛ وَلَوْ قَبَضَتِ
الدَّيْنَ ثُمَّ وَهَبَتْهُ لَهُ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ كَهِبَةِ الْعَيْنِ
(2) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِذَا أَصْدَقَ امْرَأَتَهُ عَيْنًا فَوَهَبَتْهَا
لَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْل الدُّخُول بِهَا فَعَنْ أَحْمَدَ فِيهِ
رِوَايَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَتِهَا وَهُوَ اخْتِيَارُ
أَبِي بَكْرٍ؛ لأَِنَّهَا عَادَتْ إِلَى الزَّوْجِ بِعَقْدٍ مُسْتَأْنَفٍ
فَلاَ تَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَهَا بِالطَّلاَقِ؛ كَمَا لَوْ عَادَتْ إِلَيْهِ
بِالْبَيْعِ أَوْ وَهَبَتْهَا لأَِجْنَبِيٍّ ثُمَّ وَهَبَتْهَا لَهُ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لاَ يَرْجِعُ عَلَيْهَا إِلاَّ أَنْ تَزِيدَ
الْعَيْنُ أَوْ تَنْقُصَ ثُمَّ تَهَبَهَا لَهُ؛ لأَِنَّ الصَّدَاقَ عَادَ
إِلَيْهِ وَلَوْ لَمْ تَهَبْهُ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ وَعَقْدُ الْهِبَةِ
لاَ يَقْتَضِي ضَمَانًا وَلأَِنَّ نِصْفَ الصَّدَاقِ تُعَجَّل لَهُ
بِالْهِبَةِ.
__________
(1) الحاوي الكبير للماوردي 12 / 152.
(2) الحاوي الكبير 12 / 153، وانظر مغني المحتاج 3 / 240، وروضة الطالبين 7
/ 316، 317.
(39/192)
فَإِنْ كَانَ الصَّدَاقُ دَيْنًا
فَأَبْرَأَتْهُ مِنْهُ فَإِنْ قُلْنَا لاَ يَرْجِعُ ثَمَّ فَهَاهُنَا
أَوْلَى؛ وَإِنْ قُلْنَا يَرْجِعُ ثُمَّ خَرَجَ هَاهُنَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لاَ يَرْجِعُ لأَِنَّ الإِْبْرَاءَ إِسْقَاطُ حَقٍّ وَلَيْسَ
بِتَمْلِيكٍ كَتَمْلِيكِ الأَْعْيَانِ وَلِهَذَا لاَ يَفْتَقِرُ إِلَى
قَبُولٍ.
وَالثَّانِي: يَرْجِعُ لأَِنَّهُ عَادَ إِلَيْهِ بِغَيْرِ الطَّلاَقِ
فَهُوَ كَالْعَيْنِ وَالإِْبْرَاءُ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ وَلِهَذَا
يَصِحُّ بِلَفْظِهَا وَإِنْ قَبَضَتِ الدَّيْنَ مِنْهُ ثُمَّ وَهَبَتْهُ
لَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَهُوَ كَهِبَةِ الْعَيْنِ لأَِنَّهُ تَعَيَّنَ
بِقَبْضِهِ؛ وَيَحْتَمِل أَنْ لاَ يَرْجِعَ لأَِنَّهُ عَادَ إِلَيْهِ مَا
أَصْدَقَهَا فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ عَيْنًا فَقَبَضَتْهَا ثُمَّ
وَهَبَتْهَا أَوْ وَهَبَتْهُ الْعَيْنَ أَوْ أَبْرَأَتْهُ مِنَ الدَّيْنِ
ثُمَّ فَسَخَتِ النِّكَاحَ بِفِعْلٍ مِنْ جِهَتِهَا كَإِسْلاَمِهَا أَوْ
رِدَّتِهَا أَوْ إِرْضَاعِهَا لِمَنْ يَنْفَسِخُ نِكَاحُهَا بِرَضَاعِهِ
فَفِي الرُّجُوعِ بِجَمِيعِ الصَّدَاقِ عَلَيْهَا رِوَايَتَانِ كَمَا فِي
الرُّجُوعِ بِالنِّصْفِ سَوَاءٌ (1) .
اقْتِرَانُ الْمَهْرِ بِشَرْطٍ
51 - قَدْ يَقْتَرِنُ الْمَهْرُ بِشَرْطٍ وَمِنْ ذَلِكَ:
أ - أَنْ يُسَمِّيَ الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ فِي الْعَقْدِ مَهْرًا أَقَل
مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا وَيَشْرِطُ فِيهِ مَنْفَعَةً مُبَاحَةً شَرْعًا
لِلزَّوْجَةِ؛ أَوْ لأَِحَدِ مَحَارِمِهَا - كَأَنْ
__________
(1) المغني 6 / 732 - 733.
(39/192)
يَكُونَ مَهْرُ مِثْلِهَا خَمْسَمِائَةِ
دِينَارٍ؛ وَسَمَّى لَهَا ثَلاَثَمِائَةِ دِينَارٍ عَلَى شَرْطِ أَلاَّ
يُسَافِرَ بِهَا؛ أَوْ أَلاَّ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا - فَإِنْ تَحَقَّقَ
الشَّرْطُ وَجَبَ الْمُسَمَّى؛ وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقِ الشَّرْطُ وَجَبَ
لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا؛ لأَِنَّ الزَّوْجَةَ مَا رَضِيَتْ بِمَا دُونَ
مَهْرِ مِثْلِهَا إِلاَّ لِتَحْقِيقِ الْمَنْفَعَةِ الْمَشْرُوطَةِ لَهَا.
وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ مَضَرَّةً لَهَا؛ كَأَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا؛
أَوْ مَنْفَعَةً غَيْرَ مُبَاحَةٍ شَرْعًا؛ كَأَنْ يَسْقِيَهَا خَمْرًا؛
أَوْ كَانَتِ الْمَنْفَعَةُ لأَِجْنَبِيٍّ عَنْهَا؛ وَجَبَ الْمَهْرُ
الْمُسَمَّى؛ لأَِنَّ الْمَنْفَعَةَ إِذَا كَانَتْ غَيْرَ مُبَاحَةٍ لاَ
يَجُوزُ الْوَفَاءُ بِهَا؛ وَلاَ يَسْتَحِقُّ بِفَوَاتِهَا الْعِوَضَ؛
وَإِذَا كَانَتِ الْمَنْفَعَةُ لأَِجْنَبِيٍّ عَنْهَا تَكُونُ غَيْرَ
مَقْصُودَةٍ لأَِحَدِ الْعَاقِدَيْنِ؛ فَيَجِبُ الْمَهْرُ الْمُسَمَّى فِي
الْعَقْدِ.
ب - أَنْ يُسَمِّيَ الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ مَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ
مِثْلِهَا وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهَا شَرْطًا مَرْغُوبًا فِيهِ كَأَنْ يَكُونَ
مَهْرُ مِثْلِهَا خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ؛ وَسَمَّى لَهَا مَهْرًا أَلْفَ
دِينَارٍ؛ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ بِكْرًا؛ فَإِنْ تَحَقَّقَ الشَّرْطُ
وَجَبَ الْمُسَمَّى؛ وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْل؛
لأَِنَّهُ مَا رَضِيَ بِالزِّيَادَةِ عَنْ مَهْرِ الْمِثْل إِلاَّ لِهَذَا
الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ.
ج - أَنْ يُسَمِّيَ الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ مَهْرًا عَلَى شَرْطٍ؛
وَيُسَمِّيَ لَهَا مَهْرًا آخَرَ عَلَى شَرْطٍ؛ آخَرَ كَأَنْ
يَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفِ دِينَارٍ إِنْ كَانَتْ
(39/193)
مُتَعَلِّمَةً؛ وَعَلَى خَمْسِمِائَةِ
دِينَارٍ إِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُتَعَلِّمَةٍ.
قَال أَبُو حَنِيفَةَ: التَّسْمِيَةُ الأُْولَى صَحِيحَةٌ؛ فَإِذَا
تَحَقَّقَ الشَّرْطُ وَجَبَ الْمَشْرُوطُ؛ وَأَمَّا التَّسْمِيَةُ
الثَّانِيَةُ فَغَيْرُ صَحِيحَةٍ؛ لأَِنَّهَا لَمْ تُصَادِفْ مَحِلًّا؛
لِوُقُوعِهَا بَعْدَ الأُْولَى الصَّحِيحَةِ؛ فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ
مُتَعَلِّمَةٍ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْل لاَ الْمُسَمَّى؛ وَلاَ يَزِيدُ
عَلَى أَلْفِ دِينَارٍ؛ لِرِضَاهَا بِهِ؛ وَلاَ يَنْقُصُ عَنْ
خَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ لِرِضَاهُ بِهَا.
وَقَال الصَّاحِبَانِ: التَّسْمِيَتَانِ صَحِيحَتَانِ؛ فَإِنْ كَانَتْ
مُتَعَلِّمَةً وَجَبَ لَهَا الْمُسَمَّى الأَْوَّل؛ وَهُوَ أَلْفُ
دِينَارٍ؛ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُتَعَلِّمَةٍ وَجَبَ الْمُسَمَّى
الثَّانِي؛ وَهُوَ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ؛ لأَِنَّهُمَا اتَّفَقَا
عَلَيْهِ؛ وَهَذَا هُوَ الرَّأْيُ الرَّاجِحُ فِي الْمَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ
(1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لَوْ عَقَدَ بِأَلْفٍ مِنَ الدَّرَاهِمِ مَثَلاً
وَشَرَطَ عَلَى الزَّوْجِ إِنْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ فَأَلْفَانِ؛
فَيُفْسَخُ قَبْل الْبِنَاءِ لِلشَّكِّ فِي قَدْرِ الصَّدَاقِ حَال
الْعَقْدِ فَأَثَّرَ خَلَلاً فِي الصَّدَاقِ؛ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ
بِصَدَاقِ الْمِثْل؛ بِخِلاَفِ تَزَوُّجِهَا بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ لاَ
يُخْرِجَهَا مِنْ بَلَدِهَا أَوْ لاَ
__________
(1) فتح القدير 3 / 231 - 232 ط دار إحياء التراث العربي - بيروت، وابن
عابدين 2 / 345 - 346 ط دار إحياء التراث العربي - بيروت.
(39/193)
يَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا؛ أَوْ إِنْ
أَخْرَجَهَا مِنْ بَلَدِهَا أَوْ بَيْتِ أَبِيهَا أَوْ تَزَوَّجَ أَوْ
تَسَرَّى عَلَيْهَا فَأَلْفَانِ فَصَحِيحٌ إِذْ لاَ شَكَّ فِي قَدْرِهِ
حَال الْعَقْدِ؛ وَالشَّكُّ فِي الزَّائِدِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُسْتَقْبَل؛
أَيْ مِنْ حَيْثُ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ يَحْصُل فِي
الْمُسْتَقْبَل وَالأَْصْل عَدَمُهُ؛ فَالْغَرَرُ فِيهِ أَخَفُّ مِنَ
الْوَاقِعِ فِي الْحَال؛ وَلاَ يَلْزَمُ الزَّوْجَ الشَّرْطُ وَهُوَ عَدَمُ
التَّزَوُّجِ وَالإِْخْرَاجُ؛ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ الْوَفَاءُ بِهِ إِنْ
وَقَعَ؛ وَكُرِهَ هَذَا الشَّرْطُ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّحْجِيرِ عَلَيْهِ
كَمَا يُكْرَهُ عَدَمُ الْوَفَاءِ بِهِ فَالشَّرْطُ يُكْرَهُ ابْتِدَاءً؛
فَإِنْ وَقَعَ اسْتُحِبَّ الْوَفَاءُ بِهِ وَكُرِهَ عَدَمُهُ؛ وَلاَ
يَلْزَمُهُ الأَْلْفُ الثَّانِيَةُ إِنْ خَالَفَ بِأَنْ أَخْرَجَهَا أَوْ
تَزَوَّجَ (1) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ نَكَحَ امْرَأَةً بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّ
لأَِبِيهَا أَلْفًا أَوْ أَنْ يُعْطِيَهُ أَلْفًا فَالْمَذْهَبُ فَسَادُ
الصَّدَاقِ فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لأَِنَّهُ جَعَل بَعْضَ مَا الْتَزَمَهُ
فِي مُقَابَلَةِ الْبُضْعِ لِغَيْرِ الزَّوْجَةِ؛ وَوُجُوبَ مَهْرِ
الْمِثْل فِيهِمَا لِفَسَادِ الْمُسَمَّى؛ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي
فَسَادُهُ فِي الأُْولَى دُونَ الثَّانِيَةِ؛ لأَِنَّ لَفْظَ الإِْعْطَاءِ
لاَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمُعْطَى لِلأَْبِ.
وَلَوْ شَرَطَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ خِيَارًا فِي الْمَهْرِ فَالأَْظْهَرُ
صِحَّةُ النِّكَاحِ لأَِنَّ فَسَادَ الصَّدَاقِ لاَ يُؤَثِّرُ فِي
النِّكَاحِ لاَ الْمَهْرِ فَلاَ يَصِحُّ فِي الأَْظْهَرِ بَل يَفْسُدُ؛
وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْل لأَِنَّ
__________
(1) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي عليه 2 / 306.
(39/194)
الصَّدَاقَ لاَ يَتَمَحَّضُ عِوَضًا بَل
فِيهِ مَعْنَى النِّحْلَةِ فَلاَ يَلِيقُ بِهِ الْخِيَارُ؛ وَالْمَرْأَةُ
لَمْ تَرْضَ بِالْمُسَمَّى إِلاَّ بِالْخِيَارِ؛ وَالثَّانِي يَصِحُّ
الْمَهْرُ أَيْضًا لأَِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْمَال كَالْبَيْعِ
فَيَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ؛ وَالثَّالِثُ يَفْسُدُ النِّكَاحُ لِفَسَادِ
الْمَهْرِ أَيْضًا.
وَقَالُوا: لَوْ نَكَحَهَا عَلَى أَلْفٍ إِنْ لَمْ يُخْرِجْهَا مِنَ
الْبَلَدِ وَعَلَى أَلْفَيْنِ إِنْ أَخْرَجَهَا وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْل (1)
.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إِنْ كَانَ
أَبُوهَا حَيًّا وَأَلْفَيْنِ إِنْ كَانَ مَيِّتًا؛ لَمْ يَصِحَّ.
نَصَّ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى وُجُوبِ مَهْرِ
الْمِثْل.
وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ زَوْجَةٌ
وَأَلْفَيْنِ إِنْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ؛ لَمْ يَصِحَّ.
قَال فِي الْخُلاَصَةِ: عَلَى الأَْصَحِّ؛ قَال الْمِرْدَاوِيُّ:
وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَصِحُّ؛ وَهُوَ الْمَذْهَبُ.
وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ؛ وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ
تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إِنْ لَمْ يُخْرِجْهَا مِنْ دَارِهَا وَعَلَى
أَلْفَيْنِ إِنْ أَخْرَجَهَا (2) .
قَبْضُ الْمَهْرِ وَتَصَرُّفُ الزَّوْجَةِ فِيهِ:
52 - قَال الْحَنَفِيَّةُ: لِلأَْبِ قَبْضُ صَدَاقِ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ
صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ بَالِغَةً؛ وَيَبْرَأُ الزَّوْجُ
__________
(1) مغني المحتاج 3 / 226، وروضة الطالبين 7 / 265.
(2) الإنصاف 8 / 242، 243.
(39/194)
بِقَبْضِهِ؛ أَمَّا الصَّغِيرَةُ فَلاَ
شَكَّ فِيهِ لأَِنَّ لَهُ وِلاَيَةَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهَا؛ وَأَمَّا
الْبَالِغَةُ فَلأَِنَّهَا تَسْتَحْيِي مِنَ الْمُطَالَبَةِ بِهِ
بِنَفْسِهَا كَمَا تَسْتَحْيِي عَنِ التَّكَلُّمِ بِالنِّكَاحِ فَجَعَل
سُكُوتَهَا رِضًا بِقَبْضِ الأَْبِ كَمَا جُعِل رِضًا بِالنِّكَاحِ؛
وَلأَِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا تَرْضَى بِقَبْضِ الأَْبِ لأَِنَّهُ
يَقْبِضُ مَهْرَهَا فَيَضُمُّ إِلَيْهِ أَمْثَالَهُ فَيُجَهِّزُهَا بِهِ؛
هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فَكَانَ مَأْذُونًا بِالْقَبْضِ مِنْ جِهَتِهَا
دَلاَلَةً حَتَّى لَوْ نَهَتْهُ عَنِ الْقَبْضِ لاَ يَتَمَلَّكُ الْقَبْضَ
وَلاَ يَبْرَأُ الزَّوْجُ؛ وَكَذَا الْجَدُّ يَقُومُ مَقَامَهُ عِنْدَ
عَدَمِهِ.
وَإِنْ كَانَتِ ابْنَتُهُ عَاقِلَةً وَهِيَ ثَيِّبٌ فَالْقَبْضُ إِلَيْهَا
لاَ إِلَى الأَْبِ؛ وَيَبْرَأُ الزَّوْجُ بِدَفْعِهِ إِلَيْهَا وَلاَ
يَبْرَأُ بِالدَّفْعِ إِلَى الأَْبِ؛ وَمَا سِوَى الأَْبِ وَالْجَدِّ مِنَ
الأَْوْلِيَاءِ لَيْسَ لَهُمْ وِلاَيَةُ الْقَبْضِ سَوَاءٌ كَانَتْ
صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً إِلاَّ إِذَا كَانَ الْوَلِيُّ هُوَ الْوَصِيُّ
فَلَهُ حَقُّ الْقَبْضِ إِذَا كَانَتْ صَغِيرَةً كَمَا يَقْبِضُ سَائِرَ
دُيُونِهَا؛ وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ حَقُّ الْقَبْضِ إِلاَّ إِذَا كَانَتْ
صَغِيرَةً (1) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ وَلِيَّ الزَّوْجَةِ الْمُجْبِرَ
وَهُوَ الأَْبُ أَوْ وَصِيُّهُ هُوَ الَّذِي يَقُومُ بِتَوَلِّي قَبْضِ
مَهْرِهَا؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَبٌ مُجْبِرٌ؛ وَكَانَتْ رَشِيدَةً؛
فَهِيَ الَّتِي تَقُومُ بِقَبْضِ مَهْرِهَا؛ أَوْ مَنْ تُوَكِّلُهُ عَنْهَا
فِي قَبْضِهِ؛ وَإِنْ كَانَتْ سَفِيهَةً فَالَّذِي
__________
(1) بدائع الصنائع 2 / 240.
(39/195)
يَتَوَلَّى قَبْضَ مَهْرِهَا وَلِيُّ
مَالِهَا؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْقَاضِي أَوْ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ
يَقْبِضُ مَهْرَهَا (1) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: لِلأَْبِ قَبْضُ صَدَاقِ
ابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ بِغَيْرِ إِذْنِهَا وَهَذَا بِلاَ نِزَاعٍ عِنْدَ
الْحَنَابِلَةِ؛ وَلاَ يَقْبِضُ صَدَاقَ ابْنَتِهِ الثَّيِّبِ الْكَبِيرَةِ
إِلاَّ بِإِذْنِهَا إِذَا كَانَتْ رَشِيدَةً؛ فَإِنْ كَانَتْ مَحْجُورًا
عَلَيْهَا فَلَهُ قَبْضُهُ بِغَيْرِ إِذْنِهَا؛ وَفِي الْبِكْرِ الْبَالِغِ
رِوَايَتَانِ؛ إِحْدَاهُمَا: لاَ يَقْبِضُ إِلاَّ بِإِذْنِهَا وَهُوَ
الْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ؛ وَالثَّانِيَةُ
يَقْبِضُهُ بِغَيْرِ إِذْنِهَا مُطْلَقًا (2) .
53 - وَلِلْمَرْأَةِ - سَوَاءٌ أَكَانَتْ بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا -
وِلاَيَةُ التَّصَرُّفِ فِي مَهْرِهَا بِكُل التَّصَرُّفَاتِ الْجَائِزَةِ
لَهَا شَرْعًا؛ مَا دَامَتْ كَامِلَةَ الأَْهْلِيَّةِ؛ كَمَا هُوَ
الشَّأْنُ فِي تَصَرُّفِ كُل مَالِكٍ فِي مِلْكِهِ؛ فَلَهَا أَنْ
تَشْتَرِيَ بِهِ؛ وَتَبِيعَهُ؛ وَتَهَبَهُ لأَِجْنَبِيٍّ أَوْ لِزَوْجِهَا؛
وَلَيْسَ لأَِحَدٍ حَقُّ الاِعْتِرَاضِ عَلَى تَصَرُّفِهَا؛ كَمَا لَيْسَ
لأَِحَدٍ أَنْ يُجْبِرَهَا عَلَى تَرْكِ شَيْءٍ مِنْ مَهْرِهَا لِزَوْجِهَا
أَوْ لِغَيْرِهِ؛ وَلَوْ كَانَ أَبَاهَا أَوْ أُمَّهَا؛ لأَِنَّ الْمَالِكَ
لاَ يُجْبَرُ عَلَى تَرْكِ شَيْءٍ مِنْ مِلْكِهِ؛ وَلاَ عَلَى إِعْطَائِهِ
لِغَيْرِهِ؛
__________
(1) الشرح الصغير 2 / 238، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 2 / 328،
والقوانين الفقهية ص 136 - المكتبة الثقافية - بيروت.
(2) روضة الطالبين 7 / 330، ومغني المحتاج 3 / 243، والإنصاف 8 / 253.
(39/195)
وَيُورَثُ عَنْهَا مَهْرُهَا بِوَصْفِهِ
مِنْ سَائِرِ أَمْوَالِهَا؛ مَعَ مُرَاعَاةِ أَنْ يَكُونَ مِنْ ضِمْنِ
وَرَثَتِهَا؛ وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (1) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: تَمْلِكُ الزَّوْجَةُ الصَّدَاقَ الْمُسَمَّى
بِالْعَقْدِ؛ فَإِنْ كَانَ الصَّدَاقُ مُعَيَّنًا كَالْعَبْدِ وَالدَّارِ
وَالْمَاشِيَةِ فَلَهَا التَّصَرُّفُ فِيهِ لأَِنَّهُ مِلْكُهَا فَكَانَ
لَهَا ذَلِكَ كَسَائِرِ أَمْلاَكِهَا وَنَمَاؤُهُ الْمُتَّصِل
وَالْمُنْفَصِل لَهَا وَزَكَاتُهُ وَنَقْصُهُ وَضَمَانُهُ عَلَيْهَا
سَوَاءٌ قَبَضَتْهُ أَوْ لَمْ تَقْبِضْهُ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ
تَوَابِعِ الْمِلْكِ؛ إِلاَّ أَنْ يَتْلَفَ الصَّدَاقُ الْمُعَيَّنُ
بِفِعْلِهَا فَيَكُونُ إِتْلاَفُهُ قَبْضًا مِنْهَا؛ وَإِنْ كَانَ
الصَّدَاقُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَقَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ مَلَكَتْهُ
بِالْعَقْدِ؛ وَإِنْ لَمْ يَدْخُل فِي ضَمَانِهَا إِلاَّ بِقَبْضِهِ وَلَمْ
تَمْلِكِ التَّصَرُّفَ فِيهِ إِلاَّ بِقَبْضِهِ كَمَبِيعٍ (2) .
هَلاَكُ الْمَهْرِ وَاسْتِهْلاَكُهُ وَاسْتِحْقَاقُهُ
54 - قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا هَلَكَ الْمَهْرُ فِي يَدِ الزَّوْجَةِ
أَوِ اسْتَهْلَكَتْهُ بَعْدَ أَنْ قَبَضَتْهُ فَلاَ
__________
(1) بدائع الصنائع 2 / 290، وحاشية ابن عابدين 2 / 332، وحاشية الدسوقي 2 /
328، ومغني المحتاج 3 / 240.
(2) كشاف القناع 5 / 140 - 141.
(39/196)
تَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ بِشَيْءٍ
لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ مِنَ الْمَهْرِ بَعْدَ دَفْعِهِ إِلَيْهَا.
وَإِذَا اسْتَهْلَكَهُ غَيْرُهَا كَانَ ضَمَانُهُ عَلَى مَنِ
اسْتَهْلَكَهُ؛ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُسْتَهْلِكُ الزَّوْجَ أَمْ غَيْرَهُ.
وَأَمَّا إِذَا هَلَكَ فِي يَدِ الزَّوْجِ؛ أَوِ اسْتَهْلَكَهُ قَبْل أَنْ
تَقْبِضَهُ الزَّوْجَةُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمِثْلِهِ؛ أَوْ قِيمَتِهِ؛
سَوَاءٌ هَلَكَ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ فِعْل الزَّوْجِ.
وَإِذَا اسْتَهْلَكَهُ أَجْنَبِيٌّ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ؛ وَالزَّوْجَةُ
بِالْخِيَارِ بَيْنَ تَضْمِينِ الزَّوْجِ وَتَضْمِينِ الأَْجْنَبِيِّ
الْمُسْتَهْلِكِ؛ فَإِنْ ضَمِنَتِ الزَّوْجَ رَجَعَ عَلَى الْمُسْتَهْلِكِ
بِقِيمَةِ مَا اسْتَهْلَكَهُ (1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا قَبَضَتِ الزَّوْجَةُ الصَّدَاقَ قَبْل
الدُّخُول؛ وَهَلَكَ بِيَدِهَا فَضَمَانُهُ مِنْهَا؛ أَمَّا لَوْ كَانَ
فَسَادُهُ لِعَقْدِهِ وَكَانَ فِيهِ الْمُسَمَّى؛ وَدَخَل الزَّوْجُ
بِزَوْجَتِهِ كَانَ ضَمَانُهَا لِلصَّدَاقِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ
كَالصَّحِيحِ سَوَاءٌ قَبَضَتْهُ أَوْ كَانَ بِيَدِ الزَّوْجِ كَمَا
يُؤْخَذُ مِنَ الأَْجْهُورِيِّ.
فَالْمَالِكِيَّةُ يَرَوْنَ أَنَّ الْمَهْرَ إِنْ تَلِفَ فِي يَدِ أَحَدِ
الزَّوْجَيْنِ؛ وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى هَلاَكِهِ فَخَسَارَتُهُ عَلَى
مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ؛ وَأَمَّا إِذَا كَانَتْ
__________
(1) حاشية ابن عابدين 2 / 350، وفتح القدير 3 / 228 - 229.
(39/196)
هُنَاكَ بَيِّنَةٌ عَلَى هَلاَكِهِ
فَضَمَانُهُ عَلَى الزَّوْجَيْنِ (1) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْظْهَرِ: إِنَّ الزَّوْجَ إِذَا أَصْدَقَ
زَوْجَتَهُ عَيْنًا يُمْكِنُ تَقْوِيمُهَا؛ فَتَلِفَتِ الْعَيْنُ فِي
يَدِهِ قَبْل الْقَبْضِ ضَمِنَهَا ضَمَانَ عَقْدٍ لاَ ضَمَانَ يَدٍ؛ وَقِيل
ضَمَانَ يَدٍ؛ وَالْفَرْقُ بَيْنَ ضَمَانَيِ الْعَقْدِ وَالْيَدِ فِي
الصَّدَاقِ؛ أَنَّهُ عَلَى الأَْوَّل يَضْمَنُ بِمَهْرِ الْمِثْل؛ وَعَلَى
الثَّانِي يَضْمَنُ بِالْبَدَل الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الْمِثْل إِنْ كَانَ
مِثْلِيًّا؛ وَالْقِيمَةُ إِنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا (2) .
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: الصَّدَاقُ إِذَا كَانَ مُعَيَّنًا فَوَجَدَتْ
بِهِ عَيْبًا فَلَهَا رَدُّهُ كَالْمَبِيعِ الْمَعِيبِ؛ قَال ابْنُ
قُدَامَةَ: لاَ نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلاَفًا إِذَا كَانَ الْعَيْبُ
كَثِيرًا؛ فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا فَحُكِيَ أَنَّهُ لاَ يُرَدُّ بِهِ؛
لأَِنَّهُ عَيْبٌ يُرَدُّ بِهِ الْمَبِيعُ فَرُدَّ بِهِ الصَّدَاقُ
كَالْكَثِيرِ؛ وَإِذَا رُدَّ بِهِ فَلَهَا قِيمَتُهُ؛ لأَِنَّ الْعَقْدَ
لاَ يَنْفَسِخُ بِرَدِّهِ فَيَبْقَى سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهِ فَيَجِبُ
عَلَيْهِ قِيمَتُهُ كَمَا لَوْ غَصَبَهَا إِيَّاهُ فَأَتْلَفَهُ.
وَإِنْ كَانَ الصَّدَاقُ مِثْلِيًّا كَالْمَكِيل وَالْمَوْزُونِ
فَرَدَّتْهُ فَلَهَا عَلَيْهِ مِثْلُهُ لأَِنَّهُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ؛
وَإِنِ
__________
(1) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2 / 304، والزرقاني 4 / 3، والشرح
الصغير 2 / 444.
(2) مغني المحتاج 3 / 221.
(39/197)
اخْتَارَتْ إِمْسَاكَ الْمَعِيبِ وَأَخَذَ
أَرْشَهُ فَلَهَا ذَلِكَ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ.
وَإِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ بِعَيْنِهِ تَظُنُّهُ عَبْدًا
مَمْلُوكًا فَخَرَجَ حُرًّا أَوْ مَغْصُوبًا فَلَهَا قِيمَتُهُ لأَِنَّ
الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى التَّسْمِيَةِ فَكَانَتْ لَهَا قِيمَتُهُ
كَالْمَغْصُوبِ؛ وَلأَِنَّهَا رَضِيَتْ بِقِيمَتِهِ؛ إِذْ ظَنَّتْهُ
مَمْلُوكًا فَكَانَ لَهَا قِيمَتُهُ كَمَا لَوْ وَجَدَتْهُ مَعِيبًا
فَرَدَّتْهُ؛ بِخِلاَفِ مَا إِذْا قَال: أَصْدَقْتُكِ هَذَا الْحُرَّ أَوْ
هَذَا الْمَغْصُوبَ فَإِنَّهَا رَضِيَتْ بِلاَ شَيْءٍ لِرِضَاهَا بِمَا
تَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ أَوْ بِمَا لاَ يَقْدِرُ عَلَى
تَمْلِيكِهِ إِيَّاهَا فَكَانَ وُجُودُ التَّسْمِيَةِ كَعَدَمِهَا فَكَانَ
لَهَا مَهْرُ الْمِثْل.
فَإِنْ أَصْدَقَهَا مِثْلِيًّا فَبَانَ مَغْصُوبًا فَلَهَا مِثْلُهُ
لأَِنَّ الْمِثْل أَقْرَبُ إِلَيْهِ وَلِهَذَا يَضْمَنُ بِهِ فِي
الإِْتْلاَفِ (1) .
وَقَالُوا: إِذَا قَبَضَتِ الزَّوْجَةُ الصَّدَاقَ وَسَلَّمَتْ نَفْسَهَا
ثُمَّ اتَّضَحَ أَنَّ الصَّدَاقَ مَعِيبٌ كَانَ لَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا
حَتَّى تَقْبِضَ بَدَلَهُ؛ أَوْ أَرْشَهُ؛ لأَِنَّهَا إِنَّمَا سَلَّمَتْ
نَفْسَهَا ظَنًّا مِنْهَا أَنَّهَا قَبَضَتْ صَدَاقَهَا؛ فَتَبَيَّنَ
عَدَمُهُ (2) .
وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لاِسْتِحْقَاقِ الْمَهْرِ فَيُنْظَرُ تَفْصِيلُهُ
فِي مُصْطَلَحِ (اسْتِحْقَاقٌ ف 33) .
__________
(1) المغني 6 / 688 - 689.
(2) كشاف القناع 5 / 163 - 164 ط دار الفكر - بيروت.
(39/197)
الاِخْتِلاَفُ فِي الْمَهْرِ
الاِخْتِلاَفُ فِي الْمَهْرِ أَنْوَاعٌ:
أ - الاِخْتِلاَفُ فِي أَصْل التَّسْمِيَةِ.
ب - الاِخْتِلاَفُ فِي مِقْدَارِ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ
ج - الاِخْتِلاَفُ فِي قَبْضِ شَيْءٍ مِنَ الْمَهْرِ.
أ - الاِخْتِلاَفُ فِي أَصْل التَّسْمِيَةِ:
55 - قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا ادَّعَى أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ أَنَّهُ
سَمَّى مَهْرًا مَعْلُومًا كَأَلْفِ دِينَارٍ مَثَلاً؛ وَأَنْكَرَ الآْخَرُ
حُصُول التَّسْمِيَةِ فَالْبَيِّنَةُ عَلَى مَنِ ادَّعَى وَالْيَمِينُ
عَلَى مَنْ أَنْكَرَ؛ فَإِنْ أَقَامَ مُدَّعِي التَّسْمِيَةِ الْبَيِّنَةَ
قُضِيَ بِالْمُسَمَّى الَّذِي ادَّعَاهُ؛ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ إِقَامَتِهَا؛
وُجِّهَتِ الْيَمِينُ بِطَلَبِهِ إِلَى مُنْكِرِ التَّسْمِيَةِ؛ فَإِنْ
نَكَل عَنِ الْيَمِينِ؛ حُكِمَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ نُكُولِهِ؛ لأَِنَّهُ
بِمَثَابَةِ اعْتِرَافٍ مِنْهُ بِدَعْوَى الْمُدَّعِي.
وَإِنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُل تَسْمِيَةٌ أَصْلاً؛ رُفِضَتْ دَعْوَى
التَّسْمِيَةِ؛ لِعَدَمِ ثُبُوتِهَا؛ وَحِينَئِذٍ يَحْكُمُ الْقَاضِي
بِمَهْرِ الْمِثْل بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ؛ لأَِنَّهُ هُوَ
الْوَاجِبُ الأَْصْلِيُّ بِعَقْدِ الزَّوَاجِ؛ وَيُشْتَرَطُ أَلاَّ
يَنْقُصَ مَهْرُ الْمِثْل عَمَّا ادَّعَاهُ الزَّوْجُ إِنْ كَانَ هُوَ
الْمُدَّعِي؛ لِرِضَاهُ بِالْمُسَمَّى الَّذِي ادَّعَاهُ؛ وَأَلاَّ يَزِيدَ
عَمَّا ادَّعَتْهُ الزَّوْجَةُ؛ إِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ
لِرِضَاهَا بِمَا
(39/198)
ادَّعَتْ تَسْمِيَتَهُ (1) .
وَهَذَا الْحُكْمُ السَّابِقُ إِنَّمَا يَكُونُ إِذَا كَانَ الاِخْتِلاَفُ
بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي حَالَةٍ تَسْتَحِقُّ فِيهَا الزَّوْجَةُ
الْمَهْرَ كَامِلاً؛ بِأَنْ كَانَتِ الزَّوْجِيَّةُ الصَّحِيحَةُ
قَائِمَةً؛ أَوْ حَصَلَتْ فُرْقَةٌ؛ وَلَكِنْ بَعْدَ وُجُودِ مَا يُوجِبُ
الْمَهْرَ كَامِلاً مِنْ دُخُولٍ حَقِيقِيٍّ أَوْ حُكْمِيٍّ.
وَأَمَّا إِذَا كَانَ الاِخْتِلاَفُ بَعْدَ الْفُرْقَةِ؛ وَقَبْل الدُّخُول
حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا - وَثَبَتَتِ التَّسْمِيَةُ بِالْبَيِّنَةِ؛ أَوْ
بِالنُّكُول عَنِ الْيَمِينِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ
- حَكَمَ الْقَاضِي بِرِفْضِ دَعْوَى التَّسْمِيَةِ لِعَدَمِ ثُبُوتِهَا؛
فَالْوَاجِبُ الْمُتْعَةُ (2) لأَِنَّهَا تَجِبُ بَعْدَ الطَّلاَقِ قَبْل
الدُّخُول وَالْخَلْوَةِ؛ عِنْدَ عَدَمِ تَسْمِيَةِ مَهْرٍ فِي الْعَقْدِ؛
وَلأَِنَّهَا تَقُومُ مَقَامَ نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْل؛ عَلَى أَلاَّ
تَنْقُصَ عَنْ نِصْفِ مَا سَمَّاهُ الزَّوْجُ؛ إِنْ كَانَ هُوَ
الْمُدَّعِي؛ وَأَلاَّ تَزِيدَ عَلَى نِصْفِ الْمَهْرِ الَّذِي تَدَّعِيهِ
الزَّوْجَةُ إِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ.
وَإِنْ كَانَ الاِخْتِلاَفُ بَيْنَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَوَرَثَةِ
الآْخَرِ؛ أَوْ بَيْنَ وَرَثَتِهِمَا؛ فَالْحُكْمُ فِي
__________
(1) فتح القدير 3 / 250 - 251 ط دار إحياء التراث العربي، وبدائع الصنائع 2
/ 304، 305، وحاشية ابن عابدين 2 / 360 ط دار إحياء التراث العربي.
(2) بدائع الصنائع 2 / 305 ط دار الكتب العلمية - بيروت. وما بعدها.
(39/198)
هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْحُكْمِ فِي
الاِخْتِلاَفِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ؛ وَهَذَا قَوْل الصَّاحِبَيْنِ.
وَأَمَّا الإِْمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ فَيُخَالِفُ صَاحِبَيْهِ فِيمَا إِذَا
كَانَ الاِخْتِلاَفُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ؛ وَطَال الْعَهْدُ بِمَوْتِ
الزَّوْجَيْنِ وَمَوْتِ أَقْرَانِهِمَا؛ وَيَرَى أَنَّهُ لاَ يُحْكَمُ
بِشَيْءٍ إِنْ عَجَزَ وَرَثَةُ الزَّوْجَةِ عَنْ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ
عَلَى دَعْوَاهُمْ؛ لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ مَهْرِ الْمِثْل؛ لِتَقَادُمِ
عَهْدِ الْمَوْتِ.
وَإِذَا أَمْكَنَ مَعْرِفَةُ الْمِثْل؛ لِعَدَمِ تَقَادُمِ عَهْدِ
الْمَوْتِ؛ فَالإِْمَامُ وَصَاحِبَاهُ مُتَّفِقُونَ عَلَى وُجُوبِ مَهْرِ
الْمِثْل بَعْدَ الْيَمِينِ (1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ أَقَامَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْبَيِّنَةَ
عَلَى دَعْوَاهُ قُضِيَ لَهُ بِمَا ادَّعَاهُ؛ وَإِنْ لَمْ يُقِمِ
الْبَيِّنَةَ كَانَ الْقَوْل قَوْل مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الْعُرْفُ فِي
صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ؛ وَعَدَمِهَا مَعَ الْيَمِينِ؛ فَإِذَا ادَّعَى
الزَّوْجُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا تَفْوِيضًا عِنْدَ مُعْتَادِيهِ؛
وَادَّعَتْ هِيَ التَّسْمِيَةَ فَالْقَوْل لِلزَّوْجِ بِيَمِينٍ؛ وَلَوْ
بَعْدَ الدُّخُول؛ أَوِ الْمَوْتِ؛ أَوِ الطَّلاَقِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ
يُفْرَضَ لَهَا صَدَاقُ الْمِثْل بَعْدَ الْبِنَاءِ؛ وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ
فِي الطَّلاَقِ أَوِ الْمَوْتِ قَبْل الدُّخُول بِهَا؛ فَإِنْ كَانَ
الْمُعْتَادُ التَّسْمِيَةَ؛ فَالْقَوْل لَهَا بِيَمِينٍ؛ وَثَبَتَ
النِّكَاحُ (2) .
__________
(1) المراجع السابقة.
(2) الشرح الصغير 2 / 451، والحطاب 3 / 514.
(39/199)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ الزَّوْجَةَ
لَوِ ادَّعَتْ تَسْمِيَةً لِقَدْرٍ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا؛
فَأَنْكَرَ زَوْجُهَا بِأَنْ قَال لَمْ تَقَعْ تَسْمِيَةٌ؛ وَلَمْ يَدَّعِ
تَفْوِيضًا؛ تَحَالَفَا فِي الأَْصَحِّ؛ لأَِنَّ حَاصِلَهُ الاِخْتِلاَفُ
فِي قَدْرِ الْمَهْرِ؛ لأَِنَّهُ يَقُول: الْوَاجِبُ مَهْرُ الْمِثْل؛
وَهِيَ تَدَّعِي زِيَادَةً عَلَيْهِ؛ وَالثَّانِي: يُصَدَّقُ الزَّوْجُ
بِيَمِينِهِ؛ لِمُوَافَقَتِهِ لِلأَْصْل؛ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْل؛ وَلَوِ
ادَّعَى تَسْمِيَةً لِقَدْرٍ أَقَل مِنْ مَهْرِ الْمِثْل فَأَنْكَرَتِ
الزَّوْجَةُ ذِكْرَهَا تَحَالَفَا أَيْضًا عَلَى الأَْصَحِّ؛
وَبِالتَّحَالُفِ تَنْتِفِي الدَّعْوَى؛ وَيَبْقَى الْعَقْدُ بِدُونِ
تَسْمِيَةٍ؛ وَحِينَئِذٍ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْل (1) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ أَوْ
وَرَثَتُهُمَا؛ أَوْ أَحَدُهُمَا وَوَلِيُّ الآْخَرِ أَوْ وَارِثُهُ فِي
تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ بِأَنْ قَال: لَمْ نُسَمِّ مَهْرًا؛ وَقَالَتْ:
سَمَّى لِي مَهْرَ الْمِثْل؛ فَالْقَوْل قَوْل الزَّوْجِ بِيَمِينِهِ فِي
إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ؛ لأَِنَّهُ يَدَّعِي مَا يُوَافِقُ الأَْصْل؛
وَهُوَ الصَّوَابُ - كَمَا قَال الْمِرْدَاوِيُّ -؛ وَلَهَا مَهْرُ
الْمِثْل عَلَى كِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ إِنْ وُجِدَ مَا يُقَرِّرُهُ؛
فَإِنْ طَلَّقَ وَلَمْ يَدْخُل بِهَا فَلَهَا الْمُتْعَةُ بِنَاءً عَلَى
أَنَّ الْقَوْل قَوْلُهُ فِي عَدَمِ التَّسْمِيَةِ فَهِيَ مُفَوِّضَةٌ.
وَعَلَى الرِّوَايَةِ الأُْخْرَى لَهَا نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْل
__________
(1) مغني المحتاج 3 / 243 ط الحلبي - مصر.
(39/199)
لأَِنَّهُ الْمُسَمَّى لَهَا لِقَبُول
قَوْلِهَا فِيهِ (1) .
ب - الاِخْتِلاَفُ فِي مِقْدَارِ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى
56 - إِذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي مِقْدَارِ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى
بِأَنِ ادَّعَتِ الزَّوْجَةُ أَنَّهُ أَلْفُ دِينَارٍ؛ وَادَّعَى الزَّوْجُ
أَنَّهُ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ؛ فَقَدِ اخْتَلَفَ فُقَهَاءُ
الْحَنَفِيَّةِ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ: فَقَال أَبُو حَنِيفَةَ
وَمُحَمَّدٌ: إِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ وَمُنْكِرٌ؛
فَأَيُّهُمَا أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ قُضِيَ لَهُ بِهَا.
وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ؛ فَإِنْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْل يَشْهَدُ
لإِِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ كَانَتْ مَرْجُوحَةً؛ وَالْبَيِّنَةُ
الأُْخْرَى رَاجِحَةٌ؛ لأَِنَّ الْبَيِّنَاتِ شُرِعَتْ لإِِثْبَاتِ خِلاَفِ
الظَّاهِرِ؛ وَالظَّاهِرُ هُنَا مَهْرُ الْمِثْل؛ فَالْبَيِّنَةُ الَّتِي
تُخَالِفُهُ رَاجِحَةٌ.
مِثَال ذَلِكَ: إِذَا أَقَامَ الزَّوْجُ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ
الْمُسَمَّى خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ؛ وَأَقَامَتِ الزَّوْجَةُ بَيِّنَةً
عَلَى أَنَّهُ أَلْفُ دِينَارٍ؛ فَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا
خَمْسَمِائَةٍ أَوْ أَقَل؛ رَجَحَتْ بَيِّنَتُهَا؛ وَحُكِمَ لَهَا بِأَلْفِ
دِينَارٍ؛ وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفَ دِينَارٍ أَوْ أَكْثَرَ
رَجَحَتْ بَيِّنَتُهُ؛ وَحُكِمَ لَهَا بِخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ.
وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ مَهْرُ الْمِثْل لإِِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ؛
__________
(1) كشاف القناع 5 / 154 ط دار الفكر - بيروت.
(39/200)
فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَى
الزَّوْجُ؛ أَوْ أَقَل مِمَّا ادَّعَتْهُ الزَّوْجَةُ؛ تَهَاتَرَتِ
الْبَيِّنَتَانِ؛ وَحُكِمَ بِمَهْرِ الْمِثْل.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لأَِحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ كَانَ الْقَوْل لِمَنْ
يَشْهَدُ لَهُ مَهْرُ الْمِثْل بِيَمِينِهِ؛ فَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ
لأَِحَدِهِمَا تَحَالَفَا وَبُدِئَ بِتَحْلِيفِ الزَّوْجِ فَإِنْ نَكَل
أَحَدُهُمَا حُكِمَ عَلَيْهِ بِمَا ادَّعَاهُ خَصْمُهُ؛ وَإِنْ حَلَفَا
حُكِمَ بِمَهْرِ الْمِثْل.
وَقَال أَبُو يُوسُفَ: إِنَّ الزَّوْجَةَ تَدَّعِي الزِّيَادَةَ
وَالزَّوْجَ يُنْكِرُهَا؛ فَتَكُونُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الزَّوْجَةِ؛
وَالْيَمِينُ عَلَى الزَّوْجِ؛ لأَِنَّهُ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ.
فَإِنْ قَامَتِ الْبَيِّنَةُ عَلَى دَعْوَاهَا قُضِيَ لَهَا بِهَا؛ وَإِنْ
عَجَزَتْ عَنْ إِقَامَتِهَا وَطَلَبَتْ تَحْلِيفَ الزَّوْجِ وُجِّهَتْ
إِلَيْهِ الْيَمِينُ؛ فَإِنْ نَكَل عَنِ الْيَمِينِ حُكِمَ لَهَا
بِدَعْوَاهَا؛ وَإِنْ حَلَفَ الزَّوْجُ الْيَمِينَ حُكِمَ لَهُ بِالْقَدْرِ
الَّذِي ذَكَرَهُ إِلاَّ إِذَا كَانَ مَا ادَّعَاهُ أَقَل مِنْ مَهْرِ
مِثْلِهَا؛ فَيُحْكَمُ بِمَهْرِ الْمِثْل (1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ تَنَازَعَا فِي قَدْرِ الْمَهْرِ كَأَنْ
يَقُول الزَّوْجُ: عَشَرَةٌ وَتَقُول هِيَ: بَل خَمْسَةَ عَشَرَ؛ أَوْ فِي
صِفَتِهِ بِأَنْ قَالَتْ: بِدَنَانِيرَ مُحَمَّدِيَّةٍ؛ وَقَال: بَل
يَزِيدِيَّةٌ؛ وَكَانَ اخْتِلاَفُهُمَا
__________
(1) بدائع الصنائع 2 / 305 ط دار الكتب العلمية - بيروت، وفتح القدير 2 /
250 - 251 ط دار إحياء التراث العربي، وحاشية ابن عابدين 2 / 361، 362 ط
دار إحياء التراث العربي - بيروت.
(39/200)
قَبْل الْبِنَاءِ، فَالْقَوْل لِمُدَّعِي
الأَْشْبَهِ بِيَمِينِهِ، فَإِنْ نَكَل حَلَفَ الآْخَرُ وَثَبَتَ
النِّكَاحُ وَلاَ فَسْخَ.
وَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَوْ أَشْبَهَا مَعًا حَلَفَا إِنْ
كَانَا رَشِيدَيْنِ، وَإِلاَّ فَوَلِيُّ غَيْرِ الرَّشِيدِ كُلٌّ عَلَى
طِبْقِ دَعْوَاهُ، وَنَفِي دَعْوَى الآْخَرِ، وَفَسْخُ النِّكَاحِ
بَيْنَهُمَا وَنُكُولُهُمَا كَحَلِفِهِمَا، وَبَدَأَتِ الزَّوْجَةُ
بِالْحَلِفِ لأَِنَّهَا كَالْبَائِعِ وَقُضِيَ لِلْحَالِفِ عَلَى
النَّاكِل.
وَفَسْخُ النِّكَاحِ إِنِ اخْتَلَفَا فِي الْجِنْسِ قَبْل الْبِنَاءِ،
كَذَهَبٍ وَثَوْبٍ وَفَرَسٍ أَوْ بَعِيرٍ مُطْلَقًا أَشْبَهَا مَعًا أَوْ
أَحَدَهُمَا أَوْ لَمْ يُشْبِهَا، إِنْ لَمْ يَرْضَ أَحَدُهُمَا بِقَوْل
الآْخَرِ، وَإِلاَّ فَلاَ فَسْخَ.
وَإِنِ اخْتَلَفَا بَعْدَ الْبِنَاءِ فَالْقَوْل لِلزَّوْجِ بِيَمِينٍ،
فَإِنْ نَكَل حَلَفَتْ وَكَانَ الْقَوْل لَهَا فِي الْقَدْرِ أَوِ
الصِّفَةِ، وَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ، كَمَا لَوْ أَشْبَهَ بِالأُْولَى،
كَالطَّلاَقِ وَالْمَوْتِ، أَيْ: كَمَا أَنَّ الْقَوْل لِلزَّوْجِ
بِيَمِينٍ إِنِ اخْتَلَفَا فِي الْقَدْرِ أَوِ الصِّفَةِ قَبْل الْبِنَاءِ
بَعْدَ الطَّلاَقِ وَالْمَوْتِ أَشْبَهَ أَوْ لَمْ يُشْبِهْ، فَلاَ
يُرَاعَى الشَّبَهُ وَعَدَمُهُ إِلاَّ قَبْل الْبِنَاءِ مِنْ غَيْرِ
طَلاَقٍ وَمَوْتٍ
فَإِنْ نَكَل الزَّوْجُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِل حَلَفَتِ الزَّوْجَةُ
وَكَانَ الْقَوْل لَهَا فِيمَا إِذَا تَنَازَعَا بَعْدَ الْبِنَاءِ أَوْ
بَعْدَ الطَّلاَقِ (1) ،
__________
(1) الشرح الصغير 2 / 491 - 492 ط دار المعارف.
(39/201)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا اخْتَلَفَ
الزَّوْجَانِ فِي قَدْرِ مَهْرٍ مُسَمًّى كَأَنْ قَالَتْ نَكَحْتَنِي
بِأَلْفٍ، فَقَال بِخَمْسِمِائَةٍ، أَوْ فِي صِفَتِهِ كَأَنْ قَالَتْ
بِأَلْفٍ صَحِيحَةٍ فَقَال بَل مُكَسَّرَةٍ تَحَالَفَا، فَتَحْلِفُ
الزَّوْجَةُ أَنَّهُ مَا نَكَحَهَا بِخَمْسِمِائَةٍ وَإِنَّمَا نَكَحَهَا
بِأَلْفٍ وَيَحْلِفُ الزَّوْجُ أَنَّهُ مَا نَكَحَهَا بِأَلْفٍ وَإِنَّمَا
نَكَحَهَا بِخَمْسِمِائَةٍ، وَيَتَحَالَفُ وَارِثَاهُمَا وَوَارِثٌ وَاحِدٌ
مِنْهُمَا وَالآْخَرُ إِذَا اخْتَلَفَا فِيمَا ذُكِرَ وَيَحْلِفُ
الْوَارِثُ فِي طَرَفِ النَّفْيِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ وَفِي طَرَفِ
الإِْثْبَاتِ عَلَى الْبَتِّ، فَيَقُول وَارِثُ الزَّوْجِ: وَاللَّهِ لاَ
أَعْلَمُ أَنَّ مُوَرِّثِي نَكَحَهَا بِأَلْفٍ إِنَّمَا نَكَحَهَا
بِخَمْسِمِائَةٍ، وَيَقُول وَارِثُ الزَّوْجَةِ: وَاللَّهِ لاَ أَعْلَمُ
أَنَّهُ نَكَحَ مُوَرِّثَتِي بِخَمْسِمِائَةٍ إِنَّمَا نَكَحَهَا بِأَلْفٍ،
ثُمَّ بَعْدَ التَّحَالُفِ يُفْسَخُ الْمَهْرُ، وَيَجِبُ مَهْرُ مِثْلٍ،
وَإِنْ زَادَ عَلَى مَا ادَّعَتْهُ الزَّوْجَةُ.
وَقِيل: لَيْسَ لَهَا فِي ذَلِكَ إِلاَّ مَا ادَّعَتْهُ، وَلَوِ ادَّعَتْ
تَسْمِيَةً لِقَدْرٍ فَأَنْكَرَهَا، وَالْمُسَمَّى أَكْثَرُ مِنْ مَهْرِ
الْمِثْل تَحَالَفَا فِي الأَْصَحِّ لِرُجُوعِ ذَلِكَ إِلَى الاِخْتِلاَفِ
فِي الْقَدْرِ، لأَِنَّهُ يَقُول: الْوَاجِبُ مَهْرُ الْمِثْل وَهِيَ
تَدَّعِي زِيَادَةً عَلَيْهِ، وَالثَّانِي: لاَ تَحَالُفَ، وَالْقَوْل
قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ لِمُوَافَقَتِهِ لِلأَْصْل، وَلَوِ ادَّعَى
تَسْمِيَةً فَأَنْكَرَتْهَا وَالْمُسَمَّى أَقَل مِنْ مَهْرِ الْمِثْل
فَالْقِيَاسُ كَمَا قَال الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ مَجِيءُ
الْوَجْهَيْنِ (1)
__________
(1) شرح المحلي على المنهاج 3 / 291 - 292.
(39/201)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنِ اخْتَلَفَ
الزَّوْجَانِ فِي قَدْرِ الصَّدَاقِ فَالْقَوْل قَوْل الزَّوْجِ مَعَ
يَمِينِهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ.
وَعَنْ أَحْمَدَ الْقَوْل قَوْل مَنْ يَدَّعِي مَهْرَ الْمِثْل مِنْهُمَا،
وَعَنْهُ: يَتَحَالَفَانِ.
وَعَلَى الرِّوَايَةِ بِأَنَّ الْقَوْل قَوْل مَنْ يَدَّعِي مَهْرَ
الْمِثْل مِنْهُمَا لَوِ ادَّعَى أَقَل مِنْهُ وَادَّعَتْ أَكْثَرَ مِنْهُ
رُدَّتْ إِلَيْهِ بِلاَ يَمِينٍ عِنْدَ الْقَاضِي فِي الأَْحْوَال كُلِّهَا
وَقِيل: يَجِبُ الْيَمِينُ فِي الأَْحْوَال كُلِّهَا
وَكَذَا الْحُكْمُ لَوِ اخْتَلَفَ وَرَثَتُهُمَا فِي قَدْرِ الصَّدَاقِ،
وَكَذَا لَوِ اخْتَلَفَ الزَّوْجُ وَوَلِيُّ الزَّوْجَةِ الصَّغِيرَةِ فِي
قَدْرِهِ (1)
ج - الاِخْتِلاَفُ فِي قَبْضِ جُزْءٍ مِنَ الْمَهْرِ
57 - إِذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي قَبْضِ مُعَجَّل الْمَهْرِ كُلِّهِ
أَوْ بَعْضِهِ بَعْدَ الدُّخُول الْحَقِيقِيِّ فَإِنْ كَانَ الْعُرْفُ
يَجْرِي فِي الْبَلَدِ الَّذِي حَصَل فِيهِ الزَّوَاجُ بِتَقْدِيمِ
مُعَجَّل الْمَهْرِ إِلَى الزَّوْجَةِ قَبْل أَنْ تُزَفَّ إِلَى زَوْجِهَا
فَلاَ تُصَدَّقُ الزَّوْجَةُ فِي إِنْكَارِهَا لأَِنَّ الْعُرْفَ يَقُومُ
هُنَا مَقَامَ الْبَيِّنَةِ لِلزَّوْجِ فَتَثْبُتُ دَعْوَاهُ بِالْعُرْفِ
مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى إِثْبَاتٍ آخَرَ.
__________
(1) الإنصاف 8 / 289، 291.
(39/202)
هَذَا هُوَ قَوْل الْفَقِيهِ أَبِي
اللَّيْثِ وَقَدْ أَخَذَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ
وَخَالَفَهُ فِيهِ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ حَيْثُ قَالُوا: إِنَّ الْعَادَةَ
لاَ تُثْبِتُ بَرَاءَةَ ذِمَّةِ الزَّوْجِ بَل تَجْعَل الظَّاهِرَ مَعَهُ
فَقَطْ فَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تُطَالِبَهُ بِكُل مَا عَلَيْهِ وَعَلَى
الزَّوْجِ أَنْ يُثْبِتَ أَنَّهُ أَوْفَاهَا مَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ
أَوْ يَحْلِفَ الْيَمِينَ.
وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ عُرْفٌ يَقْضِي بِدَفْعِ مُعَجَّل الصَّدَاقِ قَبْل
الدُّخُول بِهَا كَانَ الْحُكْمُ مَبْنَاهُ الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنِ
ادَّعَى وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ (1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ تَنَازَعَ الزَّوْجَانِ فِي قَبْضِ مَا حَل
مِنَ الصَّدَاقِ فَقَال الزَّوْجُ: دَفَعْتُهُ لَكِ وَقَالَتْ: لَمْ
تَدْفَعْهُ بَل هُوَ بَاقٍ عِنْدَكَ فَقَبْل الْبِنَاءِ الْقَوْل قَوْلُهَا
وَإِنْ كَانَ التَّنَازُعُ بَعْدَهُ فَالْقَوْل قَوْلُهُ بِيَمِينٍ لَكِنْ
بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ:
الأَْوَّل: إِنْ لَمْ يَكُنِ الْعُرْفُ تَأْخِيرَ مَا حَل مِنَ الصَّدَاقِ
بِأَنْ كَانَ عُرْفُهُمْ تَقْدِيمَهُ أَوْ لاَ عُرْفَ لَهُمْ فَإِنْ كَانَ
الْعُرْفُ تَأْخِيرَهُ فَلاَ يَكُونُ الْقَوْل قَوْلَهُ بَل قَوْلُهَا
الثَّانِي: إِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا رَهْنٌ وَإِلاَّ فَالْقَوْل لَهَا لاَ
لَهُ.
الثَّالِثُ: إِنْ لَمْ يَكُنِ الصَّدَاقُ مَكْتُوبًا بِكِتَابٍ
__________
(1) حاشية ابن عابدين 2 / 364 ط دار إحياء التراث العربي - بيروت.
(39/202)
أَيْ وَثِيقَةٍ وَإِلاَّ فَالْقَوْل لَهَا.
الرَّابِعُ: إِنِ ادَّعَى بَعْدَ الْبِنَاءِ دَفْعَهُ لَهَا قَبْل
الْبِنَاءِ فَإِنِ ادَّعَى دَفْعَهُ بَعْدَهُ فَقَوْلُهَا وَعَلَيْهِ
الْبَيَانُ
وَأَمَّا التَّنَازُعُ فِي مُؤَجَّل الصَّدَاقِ فَالْقَوْل لَهَا كَسَائِرِ
الدُّيُونِ مِنْ أَنَّ مَنِ ادَّعَى الدَّفْعَ فَلاَ يُبْرِئُهُ إِلاَّ
الْبَيِّنَةُ أَوِ اعْتِرَافٌ مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ (1)
وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ فَلاَ
يُفَرِّقُونَ بَيْنَ مَا قَبْل الدُّخُول وَبَعْدَهُ فَقَالُوا: إِنَّ
الزَّوْجَ إِذَا أَنْكَرَ صَدَاقَ امْرَأَتِهِ وَادَّعَتْ ذَلِكَ عَلَيْهِ
فَالْقَوْل قَوْلُهَا فِيمَا يُوَافِقُ مَهْرَ الْمِثْل سَوَاءٌ ادَّعَى
الزَّوْجُ أَنَّهُ وَفَّى لَهَا أَوْ أَبْرَأَتْهُ مِنْهُ أَوْ قَال: لاَ
تَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْل الدُّخُول أَوْ
بَعْدَهُ وَبِهِ قَال سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالشَّعْبِيُّ وَابْنُ
شُبْرُمَةَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ (2)
وَالاِخْتِلاَفُ بَيْنَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَوَرَثَةِ الآْخَرِ أَوْ
بَيْنَ وَرَثَتِهِمَا كَاخْتِلاَفٍ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ حَال حَيَاتِهِمَا
د - مَهْرُ السِّرِّ وَمَهْرُ الْعَلَنِ
58 - قَال الْحَنَفِيَّةُ إِذَا اتَّفَقَ الْمُتَعَاقِدَانِ سِرًّا عَلَى
مَهْرٍ قَبْل الْعَقْدِ ثُمَّ تَعَاقَدَا عَلَنًا عَلَى مَهْرٍ
__________
(1) الشرح الصغير 2 / 496.
(2) روضة الطالبين 7 / 330، والمغني 6 / 709، وكشاف القناع 5 / 154 ط دار
الفكر - بيروت.
(39/203)
أَكْثَرَ مِنْهُ مِنْ جِنْسِهِ فَإِنِ
اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْعَقْدِ لِلسُّمْعَةِ
وَالرِّيَاءِ فَالْوَاجِبُ هُوَ مَهْرُ السِّرِّ.
وَإِنِ اخْتَلَفَا: فَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى مَهْرِ
السِّرِّ وَأَنْكَرَتِ الزَّوْجَةُ ذَلِكَ فَإِنْ أَقَامَ الزَّوْجُ
بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ وَجَبَ مَهْرُ السِّرِّ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ
إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَالْقَوْل قَوْل الزَّوْجَةِ وَوَجَبَ مَهْرُ
الْعَلاَنِيَةِ لأَِنَّهُ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ.
وَإِنِ اخْتَلَفَ جِنْسُ الْمَهْرِ كَأَنْ سَمَّى فِي الْعَقْدِ
عَلاَنِيَةً بَيْتًا لِيَكُونَ مَهْرًا لِلزَّوْجَةِ وَكَانَ قَدْ سَمَّى
سِرًّا أَلْفَ دِينَارٍ مَهْرًا فَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ مَهْرَ
الْعَلَنِ لِلسُّمْعَةِ وَأَنَّهُمَا قَدْ تَوَاضَعَا سِرًّا عَلَى أَلْفِ
دِينَارٍ فَالْوَاجِبُ مَهْرُ الْمِثْل لأَِنَّ مَهْرَ الْمِثْل لَمْ
يُذْكَرْ عِنْدَ الْعَقْدِ وَكَذَا مَهْرُ الْعَلَنِ لَمْ يُتَّفَقْ
عَلَيْهِ فَيُرْجَعُ إِلَى الأَْصْل وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْل وَإِنِ
اخْتَلَفَا فَقَال الزَّوْجُ: اتَّفَقْنَا عَلَى مَهْرِ السِّرِّ
وَأَنْكَرَتِ الزَّوْجَةُ ذَلِكَ فَإِنْ أَقَامَ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ
وَجَبَ مَهْرُ السِّرِّ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ إِقَامَتِهَا وَجَبَ مَهْرُ
الْعَلَنِ لِذِكْرِهِ فِي الْعَقْدِ
وَأَمَّا إِذَا تَمَّ الْعَقْدُ سِرًّا عَلَى مَهْرٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ
تَعَاقَدَا ثَانِيَةً عَلاَنِيَةً عَلَى مَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ فَإِنِ
اتَّفَقَا أَوْ أَشْهَدَا أَنَّ الزِّيَادَةَ لِلسُّمْعَةِ فَالْمَهْرُ مَا
ذُكِرَ عِنْدَ الْعَقْدِ فِي السِّرِّ وَإِنِ اخْتَلَفَا وَلَمْ يَشْهَدَا:
فَيَرَى أَبُو حَنِيفَةَ وَكَذَا مُحَمَّدٌ وَأَبُو يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ
عَنْهُمَا أَنَّ الْمَهْرَ الْوَاجِبَ هُوَ
(39/203)
مَهْرُ الْعَلاَنِيَةِ لأَِنَّهُ
الْمَذْكُورُ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي وَهُوَ الظَّاهِرُ وَرَجَّحَ ابْنُ
الْهَمَّامِ هَذَا الرَّأْيَ وَيَرَى أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي
رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ الْمَهْرَ الْوَاجِبَ هُوَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ
سِرًّا لأَِنَّهُ مَقْصِدُ الْعَاقِدَيْنِ وَمَا جَاءَ يُعْتَبَرُ لَغْوًا
مَا دَامَ لاَ يُقْصَدُ بِهِ نَقْضُ الأَْوَّلِ، وَرُوِيَ عَنْ أَئِمَّةِ
الْحَنَفِيَّةِ غَيْرُ ذَلِكَ (1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا اتَّفَقَ الزَّوْجَانِ عَلَى صَدَاقٍ
بَيْنَهُمَا فِي السِّرِّ وَأَظْهَرَا فِي الْعَلاَنِيَةِ صَدَاقًا
يُخَالِفُهُ قَدْرًا أَوْ صِفَةً أَوْ جِنْسًا فَإِنَّ الْمُعَوَّل
عَلَيْهِ وَالْمُعْتَبَرَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ فِي السِّرِّ سَوَاءٌ
كَانَ شُهُودُ السِّرِّ هُمْ شُهُودُ الْعَلاَنِيَةِ أَوْ غَيْرُهُمْ
خِلاَفًا لأَِبِي حَفْصِ بْنِ الْعَطَارِ مِنْ أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ
إِعْلاَمِ بَيِّنَةِ السِّرِّ بِمَا وَقَعَ فِي الْعَلاَنِيَةِ كَمَا فِي
نَقْل الْمَوَّاقِ عَنْهُ فَإِنْ تَنَازَعَا وَادَّعَتِ الْمَرْأَةُ عَلَى
الرَّجُل أَنَّهُمَا رَجَعَا عَمَّا اتَّفَقَا عَلَيْهِ فِي السِّرِّ إِلَى
مَا أَظْهَرَاهُ فِي الْعَلاَنِيَةِ وَأَكْذَبَهَا الزَّوْجُ كَانَ لَهَا
أَنْ تُحَلِّفَهُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ حَلَفَ عُمِل بِصَدَاقِ السِّرِّ
وَإِنْ نَكَل عُمِل بِصَدَاقِ الْعَلاَنِيَةِ بَعْدَ حَلِفِهَا عَلَى
الظَّاهِرِ كَمَا نَقَلَهُ الْبُنَانِيِّ عَنِ ابْنِ عَاشِرٍ وَمَحَل
حَلِفِ
__________
(1) فتح القدير 3 / 215 ط دار إحياء التراث العربي - بيروت، وحاشية ابن
عابدين 2 / 370 ط دار إحياء التراث العربي - بيروت، وبدائع الصنائع 2 / 287
ط دار الكتب العلمية - بيروت.
(39/204)
الزَّوْجِ مَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ عَلَى
أَنَّ صَدَاقَ الْعَلاَنِيَةِ لاَ أَصْل لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ
ظَاهِرِيٌّ وَالْمُعْتَبَرُ إِنَّمَا هُوَ صَدَاقُ السِّرِّ وَإِلاَّ عُمِل
بِصَدَاقِ السِّرِّ مِنْ غَيْرِ تَحْلِيفِهِ (1)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ تَوَافَقَ الْوَلِيُّ وَالزَّوْجُ أَوِ
الزَّوْجَةُ إِذَا كَانَتْ بَالِغَةً عَلَى مَهْرٍ كَانَ سِرًّا كَمِائَةٍ
وَأَعْلَنُوا زِيَادَةً كَمِائَتَيْنِ فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ مَا عُقِدَ
بِهِ اعْتِبَارًا بِالْعَقْدِ لأَِنَّ الصَّدَاقَ يَجِبُ بِهِ سَوَاءٌ
كَانَ الْعَقْدُ بِالأَْقَل أَمْ بِالأَْكْثَرِ (2)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِذَا كَرَّرَ الْعَقْدَ عَلَى صَدَاقَيْنِ سِرٍّ
وَعَلاَنِيَةٍ بِأَنْ عَقَدَ سِرًّا عَلَى صَدَاقٍ وَعَلاَنِيَةً عَلَى
صَدَاقٍ آخَرَ أُخِذَ بِالزَّائِدِ سَوَاءٌ كَانَ صَدَاقَ السِّرِّ أَوِ
الْعَلاَنِيَةِ لِلُحُوقِ الزِّيَادَةِ بِالصَّدَاقِ بَعْدَ الْعَقْدِ
وَإِنْ قَال الزَّوْجُ هُوَ عَقْدٌ وَاحِدٌ أَسْرَرْتُهُ ثُمَّ
أَظْهَرْتُهُ فَلاَ يَلْزَمُنِي إِلاَّ مَهْرٌ وَاحِدٌ وَقَالَتِ
الزَّوْجَةُ بَل عَقْدَانِ بَيْنَهُمَا فُرْقَةٌ فَالْقَوْل قَوْلُهَا
بِيَمِينِهَا لأَِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الثَّانِيَ عَقْدٌ صَحِيحٌ يُفِيدُ
حُكْمًا كَالأَْوَّل وَلَهَا الْمَهْرُ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي إِنْ كَانَ
دَخَل بِهَا وَنِصْفُهُ فِي الْعَقْدِ الأَْوَّل إِنِ ادَّعَى سُقُوطَ
نِصْفِهِ بِالطَّلاَقِ قَبْل الدُّخُول لأَِنَّ الأَْصْل عَدَمُ لُزُومِهِ
لَهُ، وَإِنْ أَصَرَّ عَلَى إِنْكَارِ جَرَيَانِ عَقْدَيْنِ بَيْنَهُمَا
فُرْقَةٌ سُئِلَتْ فَإِنِ ادَّعَتْ أَنَّهُ
__________
(1) حاشية الدسوقي 2 / 313.
(2) مغني المحتاج 3 / 228.
(39/204)
دَخَل بِهَا فِي النِّكَاحِ الأَْوَّل
ثُمَّ طَلَّقَهَا طَلاَقًا بَائِنًا ثُمَّ نَكَحَهَا نِكَاحًا ثَانِيًا
حَلَفَتْ عَلَى ذَلِكَ وَاسْتَحَقَّتْ مَا ادَّعَتْهُ وَإِنْ أَقَرَّتْ
بِمَا يُسْقِطُ نِصْفَ الْمَهْرِ أَوْ جَمِيعَهُ لَزِمَهَا مَا أَقَرَّتْ
بِهِ.
وَلَوِ اتَّفَقَا قَبْل الْعَقْدِ عَلَى مَهْرٍ وَعَقَدَاهُ بِأَكْثَرَ
مِنْهُ أُخِذَ بِمَا عُقِدَ بِهِ لأَِنَّهَا تَسْمِيَةٌ صَحِيحَةٌ فِي
عَقْدٍ صَحِيحٍ فَوَجَبَتْ كَمَا لَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْهَا اتِّفَاقٌ عَلَى
خِلاَفِهَا وَكَعَقْدِ النِّكَاحِ هَزْلاً وَتَلْجِئَةً بِخِلاَفِ
الْبَيْعِ
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَفِيَ بِمَا وَعَدَتْ بِهِ وَشَرَطَتْهُ مِنْ أَنَّهَا
لاَ تَأْخُذُ إِلاَّ مَهْرَ السِّرِّ لِكَيْلاَ يَحْصُل مِنْهَا غُرُورٌ
(1) وَلِحَدِيثِ: الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ. (2)
هـ - اخْتِلاَفُ الزَّوْجَيْنِ فِي الْمَقْبُوضِ
59 - قَال الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ بَعَثَ إِلَى امْرَأَتِهِ شَيْئًا مِنَ
النَّقْدَيْنِ أَوِ الْعُرُوضِ أَوْ مِمَّا يُؤْكَل قَبْل الزِّفَافِ أَوْ
بَعْدَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ جِهَةَ الدَّفْعِ - مَهْرًا أَوْ غَيْرَهُ -
فَقَالَتْ: هُوَ هَدِيَّةٌ وَقَال: هُوَ مِنَ الْمَهْرِ أَوْ مِنَ
الْكِسْوَةِ أَوْ عَارِيَةٌ فَالْقَوْل لَهُ
__________
(1) كشاف القناع 5 / 155.
(2) حديث: " المسلمون على شروطهم ". أخرجه الترمذي (3 / 635 ط التجارية
الكبرى) من حديث عمرو بن عوف المزني، وقال الترمذي: حسن صحيح.
(39/205)
بِيَمِينِهِ وَالْبَيِّنَةُ لَهَا أَيْ
إِذَا أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً تُقَدَّمُ بَيِّنَتُهَا فَإِنْ
حَلَفَ وَالْمَبْعُوثُ قَائِمٌ فَلَهَا أَنْ تَرُدَّهُ لأَِنَّهَا لَمْ
تَرْضَ بِهِ مَهْرًا وَتَرْجِعَ بِبَاقِي الْمَهْرِ وَذَلِكَ فِي غَيْرِ
الْمُهَيَّأِ لِلأَْكْل كَثِيَابٍ وَشَاةٍ حَيَّةٍ وَسَمْنٍ وَعَسَلٍ وَمَا
يَبْقَى شَهْرًا وَالْقَوْل لَهَا فِي الْمُهَيَّأِ لِلأَْكْل كَخُبْزٍ
وَلَحْمٍ مَشْوِيٍّ لأَِنَّ الظَّاهِرَ يُكَذِّبُهُ (1) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ أَعْطَاهَا مَالاً فَقَالَتْ: أَعْطَيْتَهُ
لِي هَدِيَّةً وَقَال: بَل صَدَاقًا فَالْقَوْل قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ،
وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمُعْطَى مِنْ جِنْسِ الصَّدَاقِ طَعَامًا كَانَ أَوْ
غَيْرَهُ لأَِنَّهُ أَعْرَفُ بِكَيْفِيَّةِ إِزَالَةِ مِلْكِهِ فَإِذَا
حَلَفَ الزَّوْجُ فَإِنْ كَانَ الْمَقْبُوضُ مِنْ جِنْسِ الصَّدَاقِ:
وَقَعَ عَنْهُ وَإِلاَّ فَإِنْ رَضِيَا بِبَيْعِهِ بِالصَّدَاقِ فَذَاكَ
وَإِلاَّ اسْتَرَدَّهُ وَأَدَّى لَهَا الصَّدَاقَ فَإِنْ كَانَ تَالِفًا
فَلَهُ الْبَدَل عَلَيْهَا (2)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ دَفَعَ الزَّوْجُ إِلَى زَوْجَتِهِ أَلْفًا
أَوْ دَفَعَ إِلَيْهَا عَرَضًا فَقَال: دَفَعْتُهُ صَدَاقًا وَقَالَتْ:
هِبَةً فَالْقَوْل قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ لأَِنَّهُ أَعْلَمُ بِنِيَّتِهِ
وَمِثْلُهُ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ لَكِنْ إِذَا كَانَ مَا دَفَعَهُ
مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فَلَهَا رَدُّهُ وَمُطَالَبَتُهُ
بِصَدَاقِهَا الْوَاجِبِ لأَِنَّهُ لاَ يُقْبَل قَوْلُهُ
__________
(1) الدر ورد المحتار 2 / 363 - 364.
(2) مغني المحتاج 3 / 244، وروضة الطالبين 7 / 330.
(39/205)
فِي الْمُعَارَضَةِ بِلاَ بَيِّنَةٍ (1) .
الْجِهَازُ وَمَتَاعُ الْبَيْتِ:
60 - الْمَهْرُ حَقٌّ خَالِصٌ لِلزَّوْجَةِ تَتَصَرَّفُ فِيهِ كَيْفَ
تَشَاءُ فَلَيْسَ عَلَيْهَا إِعْدَادُ الْبَيْتِ حَيْثُ لاَ يُوجَدُ نَصٌّ
مِنْ مَصَادِرِ الشَّرِيعَةِ يُوجِبُ عَلَى الزَّوْجَةِ أَنْ تُجَهِّزَ
بَيْتَ الزَّوْجِيَّةِ كَمَا أَنَّهُ لاَ يُوجَدُ مَا يَدُل عَلَى أَنَّ
الْجِهَازَ وَاجِبٌ عَلَى أَبِيهَا وَلَيْسَ لأَِحَدٍ أَنْ يُجْبِرَهَا
عَلَى ذَلِكَ فَإِذَا قَامَتْ بِالْجِهَازِ وَمَا يَلْزَمُ مِنْ أَثَاثٍ
وَأَدَوَاتٍ فَهِيَ مُتَبَرِّعَةٌ.
وَإِعْدَادُ الْبَيْتِ وَاجِبٌ عَلَى الزَّوْجِ فَهُوَ الَّذِي يَجِبُ
عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ بِكُل مَا يَلْزَمُ لإِِعْدَادِ مَسْكَنِ
الزَّوْجِيَّةِ مِنْ فَرْشٍ وَمَتَاعٍ وَأَدَوَاتٍ مَنْزِلِيَّةٍ وَغَيْرِ
ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْبَيْتُ لأَِنَّ ذَلِكَ مِنَ
النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ لِلزَّوْجَةِ
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: الصَّدَاقُ كُلُّهُ مِلْكٌ
لِلْمَرْأَةِ وَلاَ يَبْقَى لِلرَّجُل فِيهِ شَيْءٌ (2)
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا زَادَ الزَّوْجُ فِي الْمَهْرِ عَلَى مَهْرِ
الْمِثْل - وَيَقْصِدُ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ أَنْ تَقُومَ الزَّوْجَةُ
بِإِعْدَادِ الْجِهَازِ - دُونَ أَنْ يَفْصِل الزِّيَادَةَ عَنِ الْمَهْرِ
فَلَيْسَ عَلَيْهَا مَعَ هَذَا تَجْهِيزُ نَفْسِهَا بِقَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ
لأَِنَّ الْمَهْرَ حَقٌّ خَالِصٌ
__________
(1) كشاف القناع 5 / 154 - 155.
(2) حاشية الجمل 4 / 264، وكشاف القناع 5 / 140.
(39/206)
لِلزَّوْجَةِ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهَا لاَ
فِي مُقَابِل مَا تُزَفُّ بِهِ إِلَيْهِ مِنْ جِهَازٍ.
أَمَّا إِذَا دَفَعَ لِزَوْجَتِهِ مَالاً فَوْقَ مَهْرِهَا نَظِيرَ
إِعْدَادِ الْجِهَازِ فَتَكُونُ الزَّوْجَةُ مُلْزَمَةً بِالْجِهَازِ فِي
حُدُودِ مَا دَفَعَهُ زِيَادَةً عَلَى الْمَهْرِ وَإِنْ لَمْ تَقُمْ
بِالْجِهَازِ كَانَ لَهُ الْحَقُّ فِي اسْتِرْدَادِ مَا أَعْطَى وَإِذَا
سَكَتَ الزَّوْجُ بَعْدَ الزِّفَافِ عَنِ الْمُطَالَبَةِ مُدَّةً تَدُل
عَلَى رِضَاهُ فَيَسْقُطُ حَقُّهُ وَلاَ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ (1)
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَيَرَوْنَ أَنَّ الْمَهْرَ لَيْسَ حَقًّا خَالِصًا
لِلزَّوْجَةِ وَلِهَذَا لاَ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُنْفِقَ مِنْهُ عَلَى
نَفْسِهَا وَلاَ تَقْضِيَ مِنْهُ دَيْنًا عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ
لِلْمُحْتَاجَةِ أَنْ تُنْفِقَ مِنْهُ وَتَكْتَسِيَ بِالشَّيْءِ الْقَلِيل
بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْ تَقْضِيَ مِنْهُ الدَّيْنَ الْقَلِيل كَالدِّينَارِ
إِذَا كَانَ الْمَهْرُ كَثِيرًا لأَِنَّ عَلَيْهَا أَنْ تَتَجَهَّزَ بِمَا
جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي جِهَازِ مِثْلِهَا لِمِثْلِهِ بِمَا قَبَضَتْهُ
مِنَ الْمَهْرِ قَبْل الدُّخُول إِنْ كَانَ حَالًّا وَلاَ يَلْزَمُهَا أَنْ
تَتَجَهَّزَ بِأَزْيَدَ مِنْهُ فَإِنْ دَخَل بِهَا قَبْل الْقَبْضِ فَلاَ
يَلْزَمُهَا التَّجْهِيزُ إِلاَّ إِذَا كَانَ هُنَاكَ شَرْطٌ أَوْ عُرْفٌ
فَيُتَّبَعُ.
وَعَلَى هَذَا فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِجِهَازِ زَوْجَتِهِ
__________
(1) حاشية ابن عابدين 2 / 366، 367 ط دار إحياء التراث العربي - بيروت.
(39/206)
مَا دَامَ الاِنْتِفَاعُ فِي حُدُودِ
الْمُتَعَارَفِ عَلَيْهِ بَيْنَ النَّاسِ (1)
الْمَهْرُ حَال مَرَضِ الْمَوْتِ
61 - فَرَّقَ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ مَا إِذَا تَزَوَّجَ الْمَرِيضُ
وَكَانَ مَدِينًا وَبَيْنَ مَا إِذَا تَزَوَّجَ وَكَانَ غَيْرَ مَدِينٍ.
الْحَالَةُ الأُْولَى: إِذَا كَانَ الْمَرِيضُ مَدِينًا: فَإِنْ تَزَوَّجَ
بِمَهْرِ الْمِثْل جَازَ وَتُحَاصِصِ الزَّوْجَةُ غُرَمَاءَ الصِّحَّةِ فِي
مَهْرِهَا بَعْدَ مَوْتِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ نَقَدَهَا إِيَّاهُ فِي
حَيَاتِهِ فَيُقْسَمُ الْمَال عَلَيْهَا وَعَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ
حِصَصِهِمْ (2) وَذَلِكَ لأَِنَّ مَهْرَهَا دَيْنٌ لَهَا عَلَى زَوْجِهَا
فَيَكُونُ مُسَاوِيًا لِدَيْنِ الصِّحَّةِ وَذَلِكَ لِوُجُوبِهِ
بِأَسْبَابٍ مَعْلُومَةٍ لاَ مَرَدَّ لَهَا (3) حَيْثُ إِنَّ النِّكَاحَ
لَمَّا جَازَ فِي الْمَرَضِ وَهُوَ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ بِالْمَهْرِ كَانَ
وُجُوبُ الْمَهْرِ ظَاهِرًا مَعْلُومًا لِظُهُورِ سَبَبِ وُجُوبِهِ وَهُوَ
النِّكَاحُ فَلَمْ يَكُنْ وُجُوبُهُ مُحْتَمَلاً فَيَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ
ضَرُورَةً (4) .
أَمَّا إِذَا نَقَدَهَا مَهْرَهَا قَبْل مَوْتِهِ فَلاَ يُسَلَّمُ لَهَا
الْمَنْقُودُ بَل يَتْبَعُهَا وَيُشَارِكُهَا فِيهِ غُرَمَاؤُهُ فِي
__________
(1) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2 / 321 - 322 ط دار الفكر - بيروت.
(2) البدائع 7 / 225 وما بعدها، وتيسير التحرير 2 / 278.
(3) الزيلعي وحاشية الشلبي عليه 5 / 23.
(4) بدائع الصنائع 7 / 225.
(39/207)
حَال الصِّحَّةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ
وَتَكُونُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ كُلٌّ عَلَى قَدْرِ حِصَّتِهِ وَذَلِكَ
لأَِنَّ حَقَّهُمْ تَعَلَّقَ بِمَالِهِ فِي مَرَضِهِ وَلَوْ سُلِّمَ لَهَا
كُل مَهْرِهَا الْمَنْقُودِ لَبَطَل حَقُّ الْغُرَمَاءِ الْبَاقِينَ فِي
عَيْنِ الْمَال وَفِي مَالِيَّتِهِ لأَِنَّ مَا وَصَل إِلَيْهِ مِنَ
الْمَنْفَعَةِ لاَ يَصْلُحُ لِقَضَاءِ حُقُوقِهِمْ فَصَارَ وُجُودُ هَذَا
الْعِوَضِ فِي حَقِّهِمْ وَعَدَمُهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَانَ
إِبْطَالاً لِحَقِّهِمْ وَلَيْسَتْ لَهُ وِلاَيَةُ الإِْبْطَال.
وَلأَِنَّهُ أَخْرَجَ عَنْ مِلْكِهِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُمْ مِنْ
غَيْرِ عِوَضٍ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي تَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ فَالْمَهْرُ
بَدَلٌ عَنْ مِلْكِ النِّكَاحِ وَمِلْكُ النِّكَاحِ لاَ يَحْتَمِل
تَعَلُّقَ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهِ لأَِنَّهُ مَنْفَعَةٌ فَصَارَ كَمَا
إِذَا قَضَى دَيْنَ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ فَلِبَقِيَّتِهِمْ أَنْ
يُشَارِكُوهُ فَكَذَا هَذَا (1) .
أَمَّا إِذَا زَادَ الْمَرِيضُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْل فَقَدْ قَال
الإِْمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِهِ الزِّيَادَاتِ:
يُقَدَّمُ دَيْنُ الصِّحَّةِ عَلَى الزِّيَادَةِ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا
(2)
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمَرِيضُ مَدِينًا: وَفِي
هَذِهِ الْحَالَةِ اعْتَبَرُوا الزَّوَاجَ جَائِزًا
__________
(1) تبيين الحقائق للزيلعي 5 / 24، والبدائع 7 / 226، وجامع الفصولين 2 /
171.
(2) انظر جامع الفصولين 2 / 171.
(39/207)
مِنْ رَأْسِ الْمَال إِذَا كَانَ بِمَهْرِ
الْمِثْل لأَِنَّهُ صَرْفٌ لِمَالِهِ فِي حَوَائِجِهِ الأَْصْلِيَّةِ
فَيُقَدَّمُ بِذَلِكَ عَلَى وَارِثِهِ.
وَإِنَّمَا قُيِّدَ التَّزَوُّجُ بِمَهْرِ الْمِثْل لأَِنَّ الزِّيَادَةَ
عَلَيْهِ مُحَابَاةٌ (1) وَهِيَ بَاطِلَةٌ إِلاَّ أَنْ يُجِيزَهَا
الْوَرَثَةُ لأَِنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْوَصِيَّةِ لِلزَّوْجَةِ
الْوَارِثَةِ وَالْوَصِيَّةُ لاَ تَجُوزُ لِوَارِثٍ إِلاَّ أَنْ يُجِيزَهَا
الْوَرَثَةُ وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا (2) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى جَوَازِ النِّكَاحِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ
حَيْثُ جَاءَ فِي الأُْمِّ: وَيَجُوزُ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَنْكِحَ جَمِيعَ
مَا أَحَل اللَّهُ تَعَالَى، أَرْبَعًا وَمَا دُونَهُنَّ كَمَا يَجُوزُ
لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ (3) لَكِنَّهُمْ فَرَّقُوا فِيمَا يَثْبُتُ
لِلزَّوْجَةِ مِنَ الْمَهْرِ بَيْنَ مَوْتِ الزَّوْجَةِ وَمَوْتِ
الزَّوْجِ.
فَإِذَا مَاتَتِ الزَّوْجَةُ كَانَ لَهَا جَمِيعُ مَا أَصْدَقَهَا بِهِ،
صَدَاقُ مِثْلِهَا مِنْ رَأْسِ الْمَال وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ مِنَ
الثُّلُثِ كَمَا إِذَا وَهَبَ لأَِجْنَبِيَّةٍ فَقَبَضَتْهُ فَإِنَّهُ
يَكُونُ مِنَ الثُّلُثِ.
__________
(1) المحاباة، مأخوذة من حبوته، إذا أعطيته شيئًا بغير عوض، يقال: حاباه
محاباة، أي سامحه، والمحاباة في اصطلاح الفقهاء: هي تبرع ضمن عقد معاوضة،
وتطلق المحاباة في هذا المقام على العقد الزائد على مهر المثل في عقد
النكاح.
(2) قرة عيون الأخبار تكملة رد المحتار 2 / 130، وانظر شرح المجلة للأتاسي
4 / 679.
(3) الأم للشافعي ط بولاق 4 / 31.
(39/208)
أَمَّا إِذَا مَاتَ الزَّوْجُ فَقَدْ
فَرَّقُوا بَيْنَ مَا إِذَا كَانَتِ الزَّوْجَةُ مِنْ أَهْل الْمِيرَاثِ
عِنْدَ مَوْتِهِ وَبَيْنَ مَا إِذَا لَمْ تَكُنْ:
أ - فَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَهْل الْمِيرَاثِ عِنْدَ مَوْتِهِ فَيُنْظَرُ:
إِنْ كَانَ أَصْدَقَهَا بِصَدَاقِ الْمِثْل جَازَ لَهَا مِنْ جَمِيعِ
الْمَال وَإِنْ زَادَ عَلَى صَدَاقِ الْمِثْل فَالزِّيَادَةُ مُحَابَاةٌ.
فَإِنْ صَحَّ قَبْل أَنْ يَمُوتَ جَازَ لَهَا مَعَ الزِّيَادَةِ مِنْ
جَمِيعِ الْمَال لأَِنَّهُ لَمَّا صَحَّ قَبْل مَوْتِهِ كَانَ كَمَنِ
ابْتَدَأَ نِكَاحًا وَهُوَ صَحِيحٌ.
وَإِنْ مَاتَ قَبْل أَنْ يَصِحَّ بَطَلَتِ الزِّيَادَةُ عَلَى صَدَاقِ
مِثْلِهَا وَثَبَتَ النِّكَاحُ وَكَانَ لَهَا الْمِيرَاثُ.
ب - أَمَّا إِذَا كَانَتْ مِمَّنْ لاَ يَرِثُ كَذِمِّيَّةٍ وَأَمَةٍ ثُمَّ
مَاتَ وَهِيَ عِنْدَهُ جَازَ لَهَا جَمِيعُ الصَّدَاقِ صَدَاقُ مِثْلِهَا
مِنْ جَمِيعِ الْمَال وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ مِنَ الثُّلُثِ لأَِنَّهَا
غَيْرُ وَارِثٍ وَلَوْ أَسْلَمَتِ الذِّمِّيَّةُ قَبْل مَوْتِهِ أَوْ
عَتَقَتِ الأَْمَةُ قَبْلَهُ فَصَارَتْ وَارِثًا بَطَل عَنْهَا مَا زَادَ
عَلَى صَدَاقِ الْمِثْل (1) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِذَا تَزَوَّجَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ بِمَهْرٍ
يَزِيدُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْل فَفِي الْمُحَابَاةِ رِوَايَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا أَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى إِجَازَةِ
__________
(1) الأم للشافعي، 4 / 31 وما بعدها.
(39/208)
الْوَرَثَةِ لأَِنَّهَا عَطِيَّةٌ
لِوَارِثِ وَالثَّانِيَةُ: تَنْفُذُ مِنَ الثُّلُثِ. قَال ابْنُ رَجَبٍ:
وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُونَ مَأْخَذُهُ أَنَّ الإِْرْثَ الْمُقَارِنَ
لِلْعَطِيَّةِ لاَ يَمْنَعُ نُفُوذَهَا كَمَا يُحْتَمَل أَنْ يُقَال: إِنَّ
الزَّوْجَةَ مَلَكَتْهَا فِي حَال مَلَكَ الزَّوْجُ الْبُضْعَ، وَثُبُوتُ
الإِْرْثِ مُتَرَتِّبٌ عَلَى ذَلِكَ (1)
وَفَرَّقَ الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَ مَا إِذَا تَزَوَّجَ الْمَرِيضُ
صَحِيحَةً وَبَيْنَ مَا إِذَا تَزَوَّجَ الصَّحِيحُ مَرِيضَةً وَبَيْنَ مَا
إِذَا تَزَوَّجَ الْمَرِيضُ مَرِيضَةً مِثْلَهُ.
الْحَالَةُ الأُْولَى: إِذَا تَزَوَّجَ الْمَرِيضُ صَحِيحَةً فَقَدْ
فَرَّقَ الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَ مَوْتِهِ قَبْل الْفَسْخِ وَبَيْنَ
مَوْتِهِ بَعْدَهُ فَإِنْ مَاتَ قَبْل فَسْخِهِ فَلَهَا الأَْقَل مِنَ
الصَّدَاقِ الْمُسَمَّى وَصَدَاقُ الْمِثْل مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ سَوَاءٌ
دَخَل بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُل (2) .
أَمَّا إِذَا مَاتَ بَعْدَ فَسْخِهِ فَيُنْظَرُ: إِنْ كَانَ الْفَسْخُ
قَبْل مَوْتِهِ وَقَبْل الدُّخُول فَلَيْسَ لَهَا شَيْءٌ مِنَ الْمَهْرِ
(3) وَإِنْ كَانَ الْفَسْخُ قَبْل مَوْتِهِ وَبَعْدَ
__________
(1) القواعد لابن رجب ص 103.
(2) الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي عليه 2 / 276، وحاشية العدوي على
كفاية الطالب الرباني 2 / 70.
(3) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه 2 / 276، والعدوي على كفاية الطالب
الرباني 2 / 70.
(39/209)
الدُّخُول كَانَ لَهَا الْمُسَمَّى
تَأْخُذُهُ مِنْ ثُلُثِهِ مُبَدَّأً (1) إِنْ مَاتَ وَمِنْ رَأْسِ مَالِهِ
إِنْ صَحَّ (2) .
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: إِذَا تَزَوَّجَتِ الْمَرِيضَةُ صَحِيحًا فَلَهَا
مَهْرُهَا الْمُسَمَّى مِنْ رَأْسِ الْمَال سَوَاءٌ زَادَ عَلَى صَدَاقِ
الْمِثْل أَمْ لاَ إِنْ كَانَتْ مَدْخُولاً بِهَا وَمِثْل الدُّخُول
مَوْتُهُ أَوْ مَوْتُهَا قَبْل الْفَسْخِ وَالدُّخُول (3) .
الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: إِذَا تَزَوَّجَ الْمَرِيضُ مَرِيضَةً مِثْلَهُ:
فَيَغْلِبُ جَانِبُ الزَّوْجِ وَيَكُونُ حُكْمُ الْمَهْرِ فِيهَا حُكْمَ
مَا لَوْ كَانَ الزَّوْجُ فَقَطْ هُوَ الْمَرِيضُ (4)
__________
(1) ومعنى التبدئة: إعطاء ما وجب في الثلث إن لم يكن هناك غير الثلث
للمبدّأ دون غيره من أهله. (شرح زروق على الرسالة 2 / 52) .
(2) الدسوقي على الشرح الكبير 2 / 276.
(3) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي 2 / 276، والخرشي وحاشية العدوي عليه 3 /
234.
(4) مواهب الجليل للحطاب 3 / 482، والعدوي على كفاية الطالب الرباني 2 /
70.
(39/209)
|