الموسوعة
الفقهية الكويتية مِيزَابٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمِيزَابُ فِي اللُّغَةِ: قَنَاةٌ أَوْ أُنْبُوبَةٌ يُصْرَفُ بِهَا
الْمَاءُ مِنْ سَطْحِ بِنَاءٍ أَوْ مَوْضِعٍ عَالٍ (1) .
وَالْمِرْزَابُ وَالْمِزْرَابُ بِمَعْنَى الْمِيزَابِ.
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ
(2) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمِيزَابِ:
يَتَعَلَّقُ بِالْمِيزَابِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:
إِخْرَاجُهُ إِلَى الطَّرِيقِ الأَْعْظَمِ:
2 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ
وَالشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ
يَجُوزُ إِخْرَاجُ الْمِيزَابِ إِلَى الطَّرِيقِ الأَْعْظَمِ لأَِنَّ
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَرَجَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ، فَقَطَرَ
مِيزَابٌ عَلَيْهِ لِلْعَبَّاسِ فَأَمَرَ بِهِ فَقُلِعَ، فَقَال
الْعَبَّاسُ: قَلَعْتَ مِيزَابِي، وَاللَّهِ مَا وَضَعَهُ حَيْثُ
__________
(1) المصباح المنير، والمعجم الوسيط.
(2) قواعد الفقه للبركتي.
(39/395)
كَانَ إِلاَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ. فَقَال عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ: وَاللَّهِ لاَ يَضَعُهُ إِلاَّ أَنْتَ بِيَدِكَ، ثُمَّ لاَ يَكُونُ
لَكَ سُلَّمٌ إِلاَّ عُمَرُ. قَال: فَوَضَعَ الْعَبَّاسُ رِجْلَيْهِ عَلَى
عَاتِقَيْ عُمَرَ ثُمَّ أَعَادَهُ حَيْثُ كَانَ (1) . وَمَا فَعَلَهُ
رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلِغَيْرِهِ فِعْلُهُ
مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِهِ، وَلأَِنَّ الْحَاجَةَ
تَدْعُو إِلَى ذَلِكَ وَلاَ يُمْكِنُهُ رَدُّ مَائِهِ إِلَى الدَّارِ،
وَلأَِنَّ النَّاسَ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ بِلاَدِ الإِْسْلاَمِ
مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ، وَزَادَ
أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ
(2) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لاَ يَجُوزُ إِخْرَاجُ الْمَيَازِيبِ إِلَى
الطَّرِيقِ الأَْعْظَمِ، وَلاَ يَجُوزُ إِخْرَاجُهَا إِلَى دَرْبٍ نَافِذٍ
إِلاَّ بِإِذْنِ الإِْمَامِ وَنَائِبِهِ وَأَهْلِهِ، لأَِنَّ هَذَا
تَصَرُّفٌ فِي هَوَاءٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ
إِذْنِهِ فَلَمْ يَجُزْ سَوَاءٌ ضَرَّ بِالْمَارَّةِ أَوْ لاَ، لأَِنَّهُ
إِذَا لَمْ يَضُرَّ حَالاً فَقَدْ يَضُرُّ مَآلاً، كَمَا لَوْ كَانَ
__________
(1) حديث: " أن عمر رضي الله عنه خرج في يوم جمعة. . . ". أخرجه البيهقي في
السنن الكبرى (6 / 66) ، وضعف إسناده ابن حجر في التلخيص (3 / 45) .
(2) مجلة الأحكام العدلية للأتاسي 4 / 172 - 173 المادة 1230، والبحر
الرائق 8 / 395، وتبيين الحقائق 6 / 142، والمغني 4 / 554 ط الرياض،
والحاوي للماوردي 8 / 45، وروضة الطالبين 9 / 320، والإنصاف 5 / 255،
وتبصرة الحكام 2 / 242.
(39/396)
الطَّرِيقُ غَيْرَ نَافِذٍ وَلأَِنَّهُ
يَضُرُّ بِالطَّرِيقِ وَأَهْلِهَا، فَلَمْ يَجُزْ كَبِنَاءِ دِكَّةٍ فِيهَا
أَوْ جُنَاحٍ يَضُرُّ بِأَهْلِهَا، وَلاَ يَخْفَى مَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ
فَإِنَّ مَاءَهُ يَقَعُ عَلَى الْمَارَّةِ وَرُبَّمَا جَرَى فِيهِ الْبَوْل
أَوْ مَاءٌ نَجَسٌ فَيُنَجِّسُهُمْ، وَيَزْلِقُ الطَّرِيقَ وَيَجْعَل
فِيهَا الطِّينَ (1) .
وَالتَّفْصِيل فِي (طَرِيقٌ ف 14) .
الْخُصُومَةُ فِي الْمِيزَابِ:
الْخُصُومَةُ فِي إِخْرَاجِ الْمَيَازِيبِ إِلَى الطَّرِيقِ
3 - قَال أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ
إِلَى الطَّرِيقِ الأَْعْظَمِ مِيزَابًا فَلِكُل أَحَدٍ مِنْ عُرْضِ
النَّاسِ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا أَنْ يَمْنَعَهُ مِنَ الْوَضَعِ
سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ إِذَا أَرَادَ الْوَضْعَ
بِغَيْرِ إِذْنِ الإِْمَامِ لأَِنَّ فِيهِ الاِفْتِيَاتَ عَلَى رَأْيِ
الإِْمَامِ فِيمَا إِلَيْهِ تَدْبِيرُهُ فَلِكُل أَحَدٍ أَنْ يُنْكِرَ
عَلَيْهِ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ
وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: لَيْسَ لأَِحَدٍ حَقُّ الْمَنْعِ إِذَا
لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ، لأَِنَّهُ مَأْذُونٌ فِي إِحْدَاثِهِ شَرْعًا
فَهُوَ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ الإِْمَامُ (2) .
__________
(1) المغني 4 / 554، والإنصاف 5 / 255.
(2) تكملة فتح القدير 8 / 330 - 331 ط دار صادر - بيروت، والدسوقي 3 / 368،
ومغني المحتاج 2 / 182 - 183، والإنصاف 5 / 255.
(39/396)
الْخُصُومَةُ فِي رَفْعِ الْمِيزَابِ:
4 - قَال أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ أَخْرَجَ إِلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ
مِيزَابًا فَلِكُل أَحَدٍ مِنْ أَهْل الْخُصُومَةِ - كَالْمُسْلِمِ
الْبَالِغِ الْعَاقِل الْحُرِّ أَوِ الذِّمِّيِّ - مُطَالَبَتُهُ
بِالنَّقْضِ لأَِنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمُ الْمُرُورَ بِنَفْسِهِ
وَبِدَوَابِّهِ فَيَكُونُ لَهُ الْخُصُومَةُ بِنَقْضِهِ كَمَا فِي
الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ.
وَقَال أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَيْسَ لأَِحَدِ ذَلِكَ، أَمَّا عَلَى
قَوْل مُحَمَّدٍ فَظَاهِرٌ لأَِنَّهُ جَعَلَهُ كَالْمَأْذُونِ مِنَ
الإِْمَامِ فَلاَ يَرْفَعُهُ أَحَدٌ، وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَإِنَّهُ
يَقُول كَانَ قَبْل الْوَضْعِ لِكُل أَحَدٍ يَدٌ فِيهِ فَالَّذِي يُحْدِثُ
يُرِيدُ أَنْ يَجْعَلَهَا فِي يَدِ نَفْسِهِ خَاصَّةً، أَمَا بَعْدَ
الْوَضْعِ فَقَدْ صَارَ فِي يَدِهِ فَالَّذِي يُخَاصِمُهُ يُرِيدُ إِبْطَال
يَدِهِ مِنْ غَيْرِ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ مُتَعَنِّتٌ (1)
.
وَقَال الأَْتَاسِيُّ: دُورٌ فِي طَرِيقٍ لَهَا مَيَازِيبُ مِنَ الْقَدِيمِ
مُنَصَّبَةٌ عَلَى ذَلِكَ الطَّرِيقِ، وَمِنْهُ تَمْتَدُّ إِلَى عَرْصَةٍ
وَاقِعَةٍ فِي أَسْفَلِهِ جَارِيَةٍ مِنَ الْقَدِيمِ، لَيْسَ لِصَاحِبِ
الْعَرْصَةِ سَدُّ ذَلِكَ الْمَسِيل الْقَدِيمِ، فَإِنْ سَدَّهُ يُرْفَعُ
السَّدُّ مِنْ طَرَفِ الْحَاكِمِ وَيُعَادُ إِلَى وَضْعِهِ الْقَدِيمِ
لأَِنَّهُ يُرِيدُ بِالسَّدِّ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْ عَرْصَتِهِ وَفِي
ذَلِكَ ضَرَرٌ
__________
(1) العناية بهامش تكملة فتح القدير 8 / 330 - 331، وتبيين الحقائق 6 /
142.
(39/397)
بِالطَّرِيقِ الَّذِي تَنْصَبُّ إِلَيْهِ
الْمَيَازِيبُ وَهُوَ لاَ يَجُوزُ لأَِنَّ ذَلِكَ الطَّرِيقَ إِنْ كَانَ
خَاصًّا فَفِيهِ دَفْعُ الضَّرَرِ الْخَاصِّ بِمِثْلِهِ وَالضَّرَرُ لاَ
يُزَال بِمِثْلِهِ، وَإِنْ كَانَ عَامًّا فَفِيهِ دَفْعُ الضَّرَرِ
الْخَاصِّ بِالضَّرَرِ الْعَامِّ، وَيُتَحَمَّل الضَّرَرُ الْخَاصُّ
لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْعَامِّ، وَلاَ سَبِيل إِلَى رَفْعِ الْمَيَازِيبِ
عَنِ الطَّرِيقِ الْخَاصِّ لأَِنَّهَا قَدِيمَةٌ وَلاَ عَنِ الطَّرِيقِ
الْعَامِّ لأَِنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقِ الضَّرَرُ حَيْثُ كَانَ مَسِيل مَاءٍ
إِلَى الْعَرْصَةِ الْمَذْكُورَةِ قَدِيمًا، فَاتَّضَحَ أَنَّ الْمُرَادَ
بِالطَّرِيقِ مَا يَعُمُّ الْخَاصَّ وَالْعَامَّ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى
الإِْطْلاَقِ (1) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: مَنْ نَصَبَ مِيزَابًا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ
فَلِكُل أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ مُطَالَبَتُهُ بِإِزَالَتِهِ، لأَِنَّهُ مِنْ
إِزَالَةِ الْمُنْكَرِ، لَكِنْ لاَ يُزِيلُهُ إِلاَّ الْحَاكِمُ لاَ
غَيْرُهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَوَقُّعِ الْفِتْنَةِ (2) .
الاِخْتِلاَفُ فِي حَقِّ إِجْرَاءِ مَاءِ الْمِيزَابِ:
5 - قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا كَانَ الْمِيزَابُ مَنْصُوبًا إِلَى دَارِ
رَجُلٍ وَاخْتَلَفَا فِي حَقِّ إِجْرَاءِ الْمَاءِ وَإِسَالَتِهِ فَإِنْ
كَانَ فِي حَال عَدَمِ جَرَيَانِ الْمَاءِ لاَ يَسْتَحِقُّ إِجْرَاءَ
الْمَاءِ وَإِسَالَتَهُ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الدَّارِ
أَيْضًا أَنْ يَقْطَعَ الْمِيزَابَ.
وَحَكَى الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: أَنَّهُمُ اسْتَحْسَنُوا أَنَّ
الْمِيزَابَ إِذَا كَانَ
__________
(1) شرح المجلة للأتاسي 4 / 172 - 173 المادة 1230.
(2) مغني المحتاج 2 / 183.
(39/397)
قَدِيمًا وَكَانَ تَصْوِيبُ السَّطْحِ
إِلَى دَارِهِ وَعُلِمَ أَنَّ التَّصْوِيبَ قَدِيمٌ وَلَيْسَ بِمُحْدَثٍ
أَنْ يَجْعَل لَهُ حَقَّ التَّسْيِيل، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي حَال
جَرَيَانِ الْمَاءِ قِيل: الْقَوْل لِصَاحِبِ الْمِيزَابِ وَيَسْتَحِقُّ
إِجْرَاءَ الْمَاءِ، وَقِيل: لاَ يَسْتَحِقُّ، فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ
عَلَى أَنَّ لَهُ حَقَّ الْمَسِيل وَبَيَّنُوا أَنَّهُ لِمَاءِ الْمَطَرِ
مِنْ هَذَا الْمِيزَابِ فَهُوَ لِمَاءِ الْمَطَرِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ
يُسِيل مَاءَ الاِغْتِسَال وَالْوُضُوءِ فِيهِ، وَإِنْ بَيَّنُوا أَنَّهُ
لِمَاءِ الاِغْتِسَال وَالْوُضُوءِ فَهُوَ كَذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ
يُسِيل مَاءَ الْمَطَرِ فِيهِ وَإِنْ قَالُوا لَهُ فِيهَا حَقُّ مَسِيل
مَاءٍ وَلَمْ يُبَيِّنُوا لِمَاءِ الْمَطَرِ أَوْ غَيْرِهِ صَحَّ،
وَالْقَوْل لِرَبِّ الدَّارِ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ لِمَاءِ الْمَطَرِ
أَوْ لِمَاءِ الْوُضُوءِ وَالْغُسَالَةِ، وَقَال بَعْضُ مَشَايِخِ
الْحَنَفِيَّةِ: لاَ تُقْبَل هَذِهِ الشَّهَادَةُ فِي الْمَسِيل، وَفِي
الطَّرِيقِ تُقْبَل (1) .
الْوُضُوءُ وَالْغُسْل بِمَاءِ الْمِيزَابِ
6 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ مَنْ وَقَفَ تَحْتَ
مِيزَابٍ أَوْ تَحْتَ مَطَرٍ نَاوِيًا الطَّهَارَةَ وَوَصَل الْمَاءُ إِلَى
شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ أَجْزَأَهُ عَنْ وُضُوئِهِ أَوْ غُسْلِهِ (2) .
__________
(1) الفتاوى الهندية 4 / 104.
(2) حاشية ابن عابدين 1 / 103 - 105، والمجموع 2 / 185، وحاشية الدسوقي 1 /
134، والمغني 1 / 219، ومطالب أولي النهى 1 / 153.
(39/398)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْمُزَنِيُّ
إِلَى أَنَّهُ لاَ يَكْفِي فِي الْغُسْل إِفَاضَةُ الْمَاءِ عَلَى
الْجَسَدِ دُونَ الدَّلْكِ (1) .
قَال الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: فِي مَاءِ
الْمِيزَابِ الَّذِي يَظُنُّ نَجَاسَتَهُ وَلاَ يَتَيَقَّنُ طَهَارَتَهُ
وَلاَ نَجَاسَتَهُ فِيهِ قَوْلاَنِ: وَالْمُخْتَارُ الْجَزْمُ
بِطَهَارَتِهِ، لأَِنَّهُ إِنْ كَانَ هُنَاكَ نَجَاسَةٌ انْغَسَلَتْ (2) .
سُقُوطُ الْمِيزَابِ وَأَثَرُهُ فِي الضَّمَانِ:
7 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ
وَالْحَنَابِلَةِ - إِلَى أَنَّهُ إِذَا أَشْرَعَ فِي الطَّرِيقِ مِيزَابًا
فَسَقَطَ عَلَى إِنْسَانٍ فَعَطِبَ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ
لأَِنَّهُ مُسَبِّبٌ لِتَلَفِهِ مُتَعَدٍّ بِشَغْلِهِ هَوَاءَ الطَّرِيقِ
وَهَذَا مِنْ أَسِبَابِ الضَّمَانِ (3) .
وَفَصَّل الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ
أَخَرَجَ مِيزَابًا إِلَى الطَّرِيقِ فَسَقَطَ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ
يُنْظَرُ: إِنْ أَصَابَهُ الطَّرَفُ الَّذِي كَانَ فِي الْحَائِطِ لاَ
ضَمَانَ فِيهِ لأَِنَّهُ وَضَعَ ذَلِكَ الطَّرَفَ فِي مِلْكِهِ وَلَمْ
يَكُنْ تَعَدِّيًا، وَإِنْ أَصَابَهُ الطَّرَفُ
__________
(1) الدسوقي 1 / 134، 135، والمجموع 2 / 185.
(2) المجموع 1 / 209.
(3) العناية بهامش تكملة فتح القدير 8 / 330 - 331 ط دار صادر بيروت لبنان،
ومغني المحتاج 2 / 182 - 183، وكشاف القناع 3 / 407، وروضة الطالبين 9 /
320.
(39/398)
الْخَارِجُ مِنَ الْحَائِطِ ضَمِنَ صَاحِبُ
الْمِيزَابِ لأَِنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي ذَلِكَ حَيْثُ شَغَل بِهِ هَوَاءَ
الطَّرِيقِ لأَِنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُرَكِّبَهُ فِي الْحَائِطِ، وَلاَ
كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلاَ يُحْرَمُ فِي الْمِيرَاثِ لأَِنَّهُ لَيْسَ
بِقَاتِلٍ حَقِيقَةً، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَيَّهُمَا أَصَابَهُ فَفِي
الْقِيَاسِ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي الضَّمَانِ، وَفِي
الاِسْتِحْسَانِ يَضْمَنُ النِّصْفَ، وَإِنْ أَصَابَهُ الطَّرَفَانِ
جَمِيعًا وَعَلِمَ ذَلِكَ وَجَبَ نِصْفُ الدِّيَةِ وَهَدْرُ النِّصْفِ،
وَمَنْ صَبَّ الْمَاءَ فِي مِيزَابٍ لَهُ وَتَحْتَ الْمِيزَابِ مَتَاعٌ
لِغَيْرِهِ يَفْسُدُ بِهِ كَانَ ضَامِنًا اسْتِحْسَانًا (1) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ سَقَطَ الْمِيزَابُ عَلَى شَيْءٍ
فَأَتْلَفَهُ كَانَ مَضْمُونًا فِي الْجَدِيدِ لأَِنَّهُ ارْتِفَاقٌ
بِالشَّارِعِ، فَجَوَازُهُ مَشْرُوطٌ بِسَلاَمَةِ الْعَاقِبَةِ.
فَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْمِيزَابِ فِي الْجِدَارِ وَبَعْضُهُ خَارِجًا
عَنْهُ فَسَقَطَ الْخَارِجُ مِنْهُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ فَأَتْلَفَ
شَيْئًا فَكُل الضَّمَانِ يَجِبُ لأَِنَّهُ تَلِفَ بِمَا هُوَ مَضْمُونٌ
عَلَيْهِ خَاصَّةً، وَإِنْ سَقَطَ كُل الْمِيزَابِ دَاخِلُهُ وَخَارِجُهُ
بِأَنْ قُطِعَ مِنْ أَصْلِهِ فَنِصْفُ الضَّمَانِ يَجِبُ فِي الأَْصَحِّ،
لأَِنَّ التَّلَفَ حَصَل بِالدَّاخِل فِي مِلْكِهِ وَهُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ
وَبِالْخَارِجِ وَهُوَ مَضْمُونٌ فَوُزِّعَ عَلَى النَّوْعَيْنِ سَوَاءٌ
أَكَانَتِ الإِْصَابَةُ بِالدَّاخِل وَالْخَارِجِ اسْتَوَيَا
__________
(1) العناية بهامش تكملة فتح القدير 8 / 331، ومجمع الضمانات ص 177،
والفتاوى الهندية 6 / 41، والخانية بهامش الهندية 3 / 361.
(39/399)
بِالْقَدْرِ أَمْ لاَ، وَمُقَابِل
الأَْصَحِّ يُوَزَّعُ عَلَى الدَّاخِل وَالْخَارِجِ فَيَجِبُ قِسْطُ
الْخَارِجِ، وَيَكُونُ التَّوْزِيعُ بِالْوَزْنِ وَقِيل: بِالْمِسَاحَةِ.
وَلَوْ أَصَابَ الْمَاءُ النَّازِل مِنَ الْمِيزَابِ شَيْئًا فَأَتْلَفَهُ
ضَمِنَ نِصْفَهَا إِنْ كَانَ بَعْضُهُ فِي الْجِدَارِ وَبَعْضُهُ خَارِجًا،
وَلَوِ اتَّصَل مَاؤُهُ بِالأَْرْضِ ثُمَّ تَلِفَ بِهِ إِنْسَانٌ قَال
الْبَغَوِيُّ: الْقِيَاسُ التَّضْمِينُ أَيْضًا (1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ الْقَوْل الْقَدِيمُ عِنْدَ
الشَّافِعِيَّةِ: إِنْ سَقَطَ مِيزَابُهُ عَلَى رَأْسِ إِنْسَانٍ فَلاَ
ضَمَانَ عَلَيْهِ، لأَِنَّهُ فَعَل مَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ، وَلأَِنَّهُ
لِضَرُورَةِ تَصْرِيفِ الْمِيَاهِ (2) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: مَنْ أَخْرَجَ مِيزَابًا فِي دَرْبٍ نَافِذٍ
بِغَيْرِ إِذْنِ الإِْمَامِ أَوْ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ بِغَيْرِ
إِذْنِ أَهْلِهِ فَسَقَطَ عَلَى إِنْسَانٍ فَأَتْلَفَهُ ضَمِنَهُ،
لأَِنَّهُ تَلِفَ بِسَبَبٍ مُتَعَدٍّ بِهِ، وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ
الإِْمَامِ بِلاَ ضَرَرٍ أَوْ بِإِذْنِ أَهْل غَيْرِ النَّافِذِ فَلاَ
ضَمَانَ لِعَدَمِ الْعُدْوَانِ (3) .
__________
(1) مغني المحتاج 4 / 85 - 86.
(2) التاج والإكليل 6 / 322، وتبصرة الحكام 2 / 242، والقليوبي 4 / 148.
(3) كشاف القناع 6 / 18.
(39/399)
مِيزَانٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمِيزَانُ مِنْ وَزَنَ الشَّيْءَ وَزْنًا وَزِنَةً.
قَال أَبُو مَنْصُورٍ: رَأَيْتُ الْعَرَبَ يُسَمُّونَ الأَْوْزَانَ الَّتِي
يُوزَنُ بِهَا التَّمْرُ وَغَيْرُهُ الْمُسَوَّاةَ مِنَ الْحِجَارَةِ
وَالْحَدِيدِ الْمَوَازِينَ، وَاحِدُهَا مِيزَانٌ، وَهِيَ الْمَثَاقِيل
وَاحِدُهَا مِثْقَالٌ، وَيُقَال لِلآْلَةِ الَّتِي يُوزَنُ بِهَا
الأَْشْيَاءُ مِيزَانٌ أَيْضًا.
وَجَائِزٌ أَنْ يُقَال لِلْمِيزَانِ الْوَاحِدِ مَوَازِينٌ وَفِي
التَّنْزِيل: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ
فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} (1) أَيْ نَضَعُ الْمِيزَانَ الْقِسْطَ.
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ
(2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْكَيْل:
2 - الْكَيْل هُوَ مِنْ كَال يَكِيل كَيْلاً. وَالاِسْمُ:
__________
(1) سورة الأنبياء / 47.
(2) لسان العرب، والمفردات في غريب القرآن.
(39/400)
كَيْلَةٌ، وَالْمِكْيَال مَا يُكَال بَهِ
الأَْشْيَاءُ وَالْكَيْل مِثْلُهُ، وَالْجَمْعُ أَكْيَالٌ (1) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمِيزَانِ وَالْكَيْل: أَنَّهُمَا أَصْل
الْمَقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ وَأَكْثَرُ آلاَتِ التَّقْدِيرِ
اسْتِعْمَالاً. (2)
ب - الْمِثْقَال:
3 - الْمِثْقَال مِعْيَارٌ يُوزَنُ بِهِ الأَْشْيَاءُ، وَمِثْقَال
الشَّيْءِ مِيزَانُهُ مِنْ مِثْلِهِ، وَالْمِثْقَال وَاحِدُ مَثَاقِيل
الذَّهَبِ، وَالْمِثْقَال وَزْنُ دِرْهَمٍ وَثَلاَثَةِ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ،
أَوْ هُوَ اسْمٌ لِلْمِقْدَارِ الْمُقَدَّرِ بِهِ (3) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمِيزَانِ وَالْمِثْقَال هِيَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا
يُقَدَّرُ بِهِ الأَْشْيَاءُ.
ج - الرِّطْل:
4 - الرِّطْل مِعْيَارٌ يُوزَنُ بَهِ الأَْشْيَاءُ وَكَسْرُهُ أَشْهَرُ
مِنْ فَتْحِهِ، وَقَال الْفُقَهَاءُ: إِنَّ الرِّطْل إِذَا أُطْلِقَ
يُحْمَل عَلَى الرِّطْل الْبَغْدَادِيِّ وَهُوَ اثْنَتَا عَشَرَةَ
أُوقِيَّةً لأَِنَّهُ هُوَ الرِّطْل الشَّرْعِيُّ (4) .
وَالْعِلاَقَةُ بَيْنَ الرِّطْل وَالْمِيزَانِ: أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا
تُقَدَّرُ بِهِ الأَْشْيَاءُ.
__________
(1) المصباح المنير، ولسان العرب.
(2) حاشية الشيخ زاده على تفسير البيضاوي 3 / 59.
(3) المصباح المنير، وحاشية ابن عابدين 2 / 29.
(4) المحلي شرح المنهاج 2 / 16، وتحفة المحتاج 3 / 144.
(39/400)
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ
بِالْمِيزَانِ:
5 - الْمِيزَانُ إِحْدَى الآْلَتَيْنِ لِتَقْدِيرِ الْمُقَدَّرَاتِ
الشَّرْعِيَّةِ وَهُمَا الْكَيْل وَالْمِيزَانُ وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ
الْمُسْلِمِينَ فِي أَنَّ الْبَخْسَ فِي الْمِيزَانِ بِالتَّطْفِيفِ أَوِ
التَّنْقِيصِ حَرَامٌ وَتَكَرَّرَ فِي الْقُرْآنِ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ
وَالأَْمْرُ بِإِيفَائِهِمَا، وَأَوْعَدَ عَلَى الْمُطَفِّفِينَ الْوَيْل:
وَهُوَ الْهَلاَكُ أَوِ الْعَذَابُ، وَاعْتُبِرَ أَيُّ إِخْلاَلٍ فِيهِمَا
بِالنَّقْصِ أَوِ التَّطْفِيفِ إِفْسَادًا فِي الأَْرْضِ، وَالْوَعِيدُ
عَلَى فَاعِلِي الْبَخْسِ فِي الْمِيزَانِ يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ مِنَ
الْكَبَائِرِ، قَال تَعَالَى {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا
اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ
وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} (1) .
وَالْوَيْل وَادٍ مِنَ النَّارِ أَوْ هُوَ الْهَلاَكُ.
وَالتَّطْفِيفُ: الْبَخْسُ فِي الْكَيْل وَالْمِيزَانِ، وَقَال جَل
شَأْنُهُ حِكَايَةً عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ وَعَلَى
نَبِيِّنَا الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ مَعَ قَوْمِهِ: {وَلاَ تَنْقُصُوا
الْمِكْيَال وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ
عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَال
وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ
تَعْثَوْا فِي الأَْرْضِ مُفْسِدِينَ} (2) .
__________
(1) سورة المطففين / 1 - 3.
(2) سورة هود / 84 - 85.
(39/401)
وَالْعُثُوُّ: الإِْفْسَادُ مُطْلَقًا
سَوَاءٌ كَانَ تَنْقِيصَ الْحُقُوقِ أَوْ غَيْرَهُ فَهُوَ مِنْ قَبِيل
التَّعْمِيمِ بَعْدَ التَّخْصِيصِ، وَيُقَال أَيْضًا عَثَى عِثِيًّا،
وَالْعِثِيُّ الْمُبَالَغَةُ فِي الْفَسَادِ.
فَجَعَل تَجَاوُزَ الْحَدِّ فِي هَذِهِ الْمُعَامَلَةِ إِفْسَادًا فِي
الأَْرْضِ، لأَِنَّهُ تَغْيِيرٌ لِمَا وَضَعَهُ اللَّهُ فِي قَانُونِ
سُنَنِ الْمُعَامَلَةِ بِالْعَدْل وَأَصْلَحَ بِهِ أَحْوَال أَهْل
الأَْرْضِ (1) .
الْمِيزَانُ الْمُعْتَبَرُ فِي تَقْدِيرِ الْمَوْزُونَاتِ
6 - الأَْصْل أَنَّ الْمِيزَانَ الْمُعْتَبَرَ فِي مَعْرِفَةِ مَا هُوَ
مَوْزُونٌ وَمَا هُوَ مَكِيلٌ وَمَا يُقَدَّرُ شَرْعًا هُوَ مَا كَانَ
مَأْلُوفًا فِي مَكَّةَ فِي عَهْدِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِحَدِيثِ: الْمِكْيَال مِكْيَال أَهْل الْمَدِينَةِ وَالْوَزْنُ
وَزْنُ أَهْل مَكَّةَ (2) ، وَلِلْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ.
قَال الْحَنَفِيَّةُ: مَا نَصَّ الشَّارِعُ مِنَ الأَْشْيَاءِ عَلَى
كَوْنِهِ مَوْزُونًا كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فَهُوَ كَذَلِكَ لاَ يَتَغَيَّرُ
أَبَدًا، وَمَا نَصَّ عَلَى كَوْنِهِ مَكِيلاً كَبُرِّ وَشَعِيرٍ وَتَمْرٍ
وَمِلْحٍ فَإِنَّهُ كَذَلِكَ لاَ يَتَغَيَّرُ أَبَدًا وَلَوْ مَعَ
التَّسَاوِي، لأَِنَّ النَّصَّ أَقْوَى مِنَ الْعُرْفِ فَلاَ
__________
(1) حاشية الشيخ زاده على تفسير البيضاوي 3 / 59 في تفسير الآيتين: 84 - 85
من سورة هود.
(2) حديث: " المكيال مكيال أهل المدينة. . . ". أخرجه النسائي (5 / 54 ط
التجارية الكبرى) من حديث ابن عمر، وقال ابن حجر في التلخيص (2 / 175 ط
شركة الطباعة الفنية) : صححه ابن حبان والدارقطني والنووي.
(39/401)
يُتْرَكُ الأَْقْوَى بِالأَْدْنَى، وَمَا
لَمْ يَنُصَّ الشَّارِعُ عَلَيْهِ حُمِل عَلَى الْعُرْفِ، وَعَنْ أَبِي
يُوسُفَ اعْتِبَارُ الْعُرْفِ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ خِلاَفَ النَّصِّ
لأَِنَّ النَّصَّ عَلَى ذَلِكَ الْكَيْل فِي الشَّيْءِ أَوِ الْوَزْنُ
فِيهِ مَا كَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، إِلاَّ لأَِنَّ الْعَادَةَ إِذْ
ذَاكَ كَذَلِكَ وَقَدْ تَبَدَّلَتْ فَتَبَدَّل الْحُكْمُ (1) .
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ مَا وَرَدَ عَنِ الشَّارِعِ فِي
شَيْءٍ أَنَّهُ كَانَ يُكَال كَالْقَمْحِ فَالْمُمَاثَلَةُ فِيهِ
بِالْكَيْل لاَ بِالْوَزْنِ وَمَا وَرَدَ عَنْهُ فِي شَيْءٍ أَنَّهُ كَانَ
يُوزَنُ كَالنَّقْدِ فَالْمُمَاثَلَةُ فِيهِ بِالْوَزْنِ لاَ بِالْكَيْل
فَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ قَمْحٍ بِقَمْحٍ وَزْنًا وَلاَ نَقْدٍ بِنَقْدٍ
كَيْلاً وَإِنْ لَمْ يَرِدْ عَنِ الشَّرْعِ مِعْيَارٌ مُعَيَّنٌ فِي شَيْءٍ
مِنَ الأَْشْيَاءِ فَبِالْعَادَةِ الْعَامَّةِ كَاللَّحْمِ فَإِنَّهُ
يُوزَنُ فِي كُل بَلَدٍ، أَوِ الْعَادَةِ الْخَاصَّةِ كَالسَّمْنِ
وَاللَّبَنِ وَالزَّيْتِ وَالْعَسَل فَإِنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ
الْبِلاَدِ، وَيُعْمَل فِي كُل مَحَلٍّ بِعَادَتِهِ فَإِنْ عَسُرَ
الْوَزْنُ فِيمَا هُوَ مِعْيَارُهُ لِسَفَرٍ أَوْ بَادِيَةٍ جَازَ
التَّحَرِّي إِنْ لَمْ يُتَعَذَّرِ التَّحَرِّيَ لِكَثْرَةٍ (2) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (رِبَا ف 27، وَمَقَادِيرُ) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: كُل شَيْءٍ مِنَ الْمَوْزُونِ وَالْمَكِيل
إِنَّمَا يَأْتَمُّ النَّاسُ فِيهِمَا بِأَهْل مَكَّةَ
__________
(1) رد المحتار 4 / 181.
(2) حاشية الدسوقي 3 / 53.
(39/402)
وَأَهْل الْمَدِينَةِ وَإِنْ تَغَيَّرَ فِي
سَائِرِ الأَْمْصَارِ فَمَا كَانَ مَوْزُونًا بِعَهْدِ رَسُول اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقَدَّرًا بِالْوَزْنِ يُقَدَّرُ بِهِ
فِي سَائِرِ الأَْمْصَارِ وَلاَ يَجُوزُ تَقْدِيرُهُ بِالْكَيْل، وَيُوزَنُ
بِالْوَزْنِ السَّائِدِ فِي مَكَّةَ فِي عَهْدِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا كَانَ مَكِيلاً فِي عَهْدِهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَدَّرُ بِالْكَيْل فِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ
وَبِمِعْيَارِ الْمَدِينَةِ وَلاَ يُقَدَّرُ بِالْوَزْنِ، لِظُهُورِ
أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اطَّلَعَ عَلَيْهِ وَأَقَرَّهُ
عَلَى ذَلِكَ وَلاَ عِبْرَةَ بِمَا أُحْدِثَ بَعْدَهُ.
وَمَا جُهِل كَوْنُهُ مَكِيلاً أَوْ مَوْزُونًا أَوْ كَوْنَ الْغَالِبِ
مِنْهُ أَحَدُهُمَا فِي عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ
وُجُودِهِ فِيهِ بِالْحِجَازِ أَوْ عُلِمَ وُجُودُهُ بِغَيْرِهِ أَوْ
حُدُوثُهُ بَعْدَهُ، أَوْ عَدَمُ اسْتِعْمَالِهِمَا فِيهِ أَوِ الْغَالِبُ
فِيهِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ أَوْ نَسِيَ يُعْتَبَرُ فِيهِ عُرْفُ الْحِجَازِ
حَالَةَ الْبَيْعِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عُرْفٌ فِيهِ فَإِنْ كَانَ
أَكْبَرَ جُرْمًا مِنَ التَّمْرِ الْمُعْتَدِل فَمَوْزُونٌ جَزْمًا إِذْ
لَمْ يُعْلَمْ فِي ذَلِكَ الْعَهْدِ الْكَيْل فِي ذَلِكَ وَإِلاَّ فَإِنْ
كَانَ مِثْلَهُ كَاللَّوْزِ أَوْ دُونَهُ فَأَمْرُهُ مُحْتَمَلٌ، لَكِنَّ
قَاعِدَةَ أَنَّ مَا لَمْ يُحَدَّ شَرْعًا يُحَكَّمُ فِيهِ الْعُرْفُ
قَضَتْ بِأَنَّهُ يُرَاعَى فِيهِ عَادَةُ بَلَدِ الْبَيْعِ حَالَةَ
الْبَيْعِ فَإِنِ اخْتَلَفَتْ فَالَّذِي يَظْهَرُ اعْتِبَارُ الأَْغْلَبِ
فِيهِ فَإِنْ فُقِدَ الأَْغْلَبُ أُلْحِقَ بِالأَْكْثَرِ شَبَهًا، فَإِنْ
لَمْ يُوجَدْ جَازَ فِيهِ الْكَيْل وَالْوَزْنُ. وَقِيل: الْكَيْل
لأَِنَّهُ الأَْغْلَبُ فِيمَا وَرَدَ، وَقِيل: الْوَزْنُ لأَِنَّهُ
(39/402)
أَضْبَطُ، وَقِيل: يَتَخَيَّرُ
بِالتَّسَاوِي، وَقِيل: إِنْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ مُعْتَبَرُ الْمِعْيَارِ
اعْتُبِرَ أَصْلُهُ (1) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مَرْجِعَ الْكَيْل عُرْفُ
الْمَدِينَةِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَمَرْجِعَ الْوَزْنِ عُرْفُ مَكَّةَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: الْمِكْيَال مِكْيَال
الْمَدِينَةِ وَالْوَزْنُ وَزْنُ مَكَّةَ وَكَلاَمُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا يُحْمَل عَلَى تَبْيِينِ الأَْحْكَامِ فَمَا
كَانَ مِكْيَالاً بِالْمَدِينَةِ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ انْصَرَفَ التَّحْرِيمُ بِتَفَاضُل الْكَيْل إِلَيْهِ فَلاَ
يَجُوزُ أَنْ يَتَغَيَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَكَذَا الْمَوْزُونُ، وَمَا لاَ
عُرْفَ لَهُ بِهِمَا أَيْ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ اعْتُبِرَ عُرْفُهُ فِي
مَوْضِعِهِ لأَِنَّ مَا لاَ حَدَّ لَهُ فِي الشَّرْعِ يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى
الْعُرْفِ كَالْحِرْزِ وَالْقَبْضِ، فَإِنِ اخْتَلَفَتِ الْبِلاَدُ الَّتِي
هِيَ مَوَاضِعُهُ اعْتُبِرَ الْغَالِبُ مِنْهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَالِبٌ
رُدَّ إِلَى أَقْرَبِ الأَْشْيَاءِ بِهِ شَبَهًا بِالْحِجَازِ لأَِنَّ
الْحَوَادِثَ تُرَدُّ إِلَى أَشْبَهِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بِهَا (2) .
عُقُوبَةُ التَّطْفِيفِ فِي الْمِيزَانِ
7 - الْغِشُّ فِي الْوَزْنِ بِالتَّطْفِيفِ أَوِ التَّنْقِيصِ جَرِيمَةٌ
بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَوَرَدَ فِيهِ وَعِيدٌ شَدِيدٌ
__________
(1) المحلي شرح المنهاج 2 / 169، وتحفة المحتاج بشرح المنهاج 4 / 278.
(2) كشاف القناع 3 / 262 - 263.
(39/403)
فِي عِدَّةِ آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ
الْكَرِيمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا
اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ
وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلاَ يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ
لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} (1)
وَفِي الْحَدِيثِ: مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا (2) .
وَلَمْ يُحَدِّدِ الشَّارِعُ عُقُوبَةً مُحَدَّدَةً لِهَذِهِ الْجَرِيمَةِ
فِي الدُّنْيَا وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَعُقُوبَتُهُ التَّعْزِيرُ كَمَا
قَال الْفُقَهَاءُ: إِنَّ كُل مَعْصِيَةٍ لَيْسَ فِيهَا عُقُوبَةٌ
مُقَدَّرَةٌ مِنَ الشَّارِعِ فَعُقُوبَتُهَا التَّعْزِيرُ بِمَا يَرَاهُ
الْحَاكِمُ، وَإِنْ كَانَتْ مِنَ الْكَبَائِرِ. وَالتَّفْصِيل فِي
مُصْطَلَحِ (تَعْزِيرٌ ف 13) .
__________
(1) سورة المطففين / 1 - 6.
(2) حديث: " من غشنا فليس منا ". أخرجه مسلم (1 / 99 ط عيسى الحلبي) من
حديث أبي هريرة.
(39/403)
مَيْسِرٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمَيْسِرُ لُغَةً: قِمَارُ الْعَرَبِ بِالأَْزْلاَمِ (1) ، وَقَال
صَاحِبُ الْقَامُوسِ هُوَ اللَّعِبُ بِالْقِدَاحِ أَوْ هُوَ النَّرْدُ،
أَوْ كُل قِمَارٍ (2) . وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ
الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
وَقَال ابْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيِّ: الْمَيْسِرُ: الْقِمَارُ بِأَيِّ نَوْعٍ
كَانَ، وَقَال الْمَحَلِّيُّ: صُورَةُ الْقِمَارِ الْمُحَرَّمِ
التَّرَدُّدُ بَيْنَ أَنْ يَغْنَمَ وَأَنْ يَغْرَمَ.
وَقَال مَالِكٌ: الْمَيْسِرُ: مَيْسِرَانِ، مَيْسِرُ اللَّهْوِ وَمَيْسِرُ
الْقِمَارِ فَمِنْ مَيْسِرِ اللَّهْوِ النَّرْدُ وَالشِّطْرَنْجُ
وَالْمَلاَهِي كُلُّهَا، وَمَيْسِرُ الْقِمَارِ مَا يَتَخَاطَرُ النَّاسُ
عَلَيْهِ. وَبِمِثْل ذَلِكَ قَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ (3) .
__________
(1) المصباح المنير.
(2) القاموس المحيط.
(3) التعريفات للجرجاني ص 179، وتفسير القرطبي 3 / 53، وتفسير الرازي 6 /
46، وشرح الترمذي لابن العربي 7 / 18، والجمل على المنهج 2 / 425، والزواجر
عن اقتراف الكبائر لابن حجر الهيتمي المكي 2 / 200، والمحلي على المنهاج
بحاشية القليوبي 4 / 226، ومجموع فتاوى ابن تيمية 32 / 242.
(39/404)
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الأَْزْلاَمُ:
2 - الأَْزْلاَمُ عِيدَانٌ مُخَصَّصَةٌ لِلاِسْتِقْسَامِ بِهَا،
وَالاِسْتِقْسَامُ بِالأَْزْلاَمِ هُوَ طَلَبُ مَعْرِفَةِ مَا قُسِمَ
لِلشَّخْصِ (أَيْ مَا قُدِّرَ لَهُ) مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، وَقَدْ
تُسْتَعْمَل فِي الْقِمَارِ.
فَالْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ فِي كُلٍّ مِنَ الْمَيْسِرِ وَالاِسْتِقْسَامِ
بِالأَْزْلاَمِ هُوَ التَّرَدُّدُ بَيْنَ أُمُورٍ مُتَعَدِّدَةٍ
لِلْفَرْدِ، لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا هُوَ أَنَّ الاِسْتِقْسَامَ
يُسْتَخْدَمُ لِلتَّصَرُّفِ لاَ لأَِخْذِ الْمَال كَمَا فِي الْمَيْسِرِ
(1) .
ب - السَّبَقُ:
3 - السَّبَقُ - بِفَتْحَتَيْنِ - لُغَةً: الْخَطَرُ.
وَاصْطِلاَحًا: هُوَ مَا يَتَرَاهَنُ عَلَيْهِ الْمُتَسَابِقَانِ (2) .
وَهُوَ أَخَصُّ مِنَ الْمَيْسِرِ.
__________
(1) الميسر والقداح لابن قتيبة ص 36، وتفسير القرطبي 6 / 291، وجواهر
الإكليل 1 / 226.
(2) المصباح، ومغني المحتاج 4 / 311.
(39/404)
ج - الرِّهَانُ:
4 - الرِّهَانُ وَالْمُرَاهَنَةُ: الْمُخَاطَرَةُ وَالْمُسَابَقَةُ عَلَى
الْخَيْل.
وَتَرَاهَنَا إِذَا أَخْرَجَ كُل وَاحِدٍ رَهْنًا لِيَفُوزَ السَّابِقُ
بِالْجَمِيعِ إِذَا غَلَبَ.
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ لِلرِّهَانِ عَنِ الْمَعْنَى
اللُّغَوِيِّ.
وَالصِّلَةُ هِيَ: أَنَّ الرِّهَانَ نَوْعٌ مِنَ الْمَيْسِرِ، وَهُوَ
أَخَصُّ مِنَ الْمَيْسِرِ (1) .
د - الْغَرَرُ:
5 - الْغَرَرُ - بِفَتْحَتَيْنِ - لُغَةً: اسْمُ مَصْدَرٍ مِنَ
التَّغْرِيرِ، وَهُوَ الْخَطَرُ وَالْخُدْعَةُ.
وَاصْطِلاَحًا: مَا يَكُونُ مَجْهُول الْعَاقِبَةِ لاَ يُدْرَى أَيَكُونُ
أَمْ لاَ (2) .
وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ الْغَرَرِ وَالْمَيْسِرِ ظَاهِرَةٌ، وَهِيَ أَنَّ
الْغَرَرَ أَعَمُّ مِنَ الْمَيْسِرِ.
هـ - النَّرْدُ وَأَشْبَاهُهُ:
6 - جَاءَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ: النَّرْدُ: مَعْرُوفٌ شَيْءٌ يُلْعَبُ
بِهِ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَلَيْسَ بِعَرَبِيٍّ وَهُوَ النَّرْدَشِيرُ.
__________
(1) القاموس المحيط، والمصباح، والمغرب، والفروسية لابن القيم 5 و 19.
(2) المصباح المنير، والتعريفات للجرجاني.
(39/405)
وَقَال الْقَلْيُوبِيُّ: النَّرْدُ هُوَ
الْمَعْرُوفُ الآْنَ بِالطَّاوِلَةِ.
وَمِثْلُهُ مَا كَانَ مِنْ طَبِيعَتِهِ وَهُوَ مَا يُعَبِّرُ عَنْهُ بَعْضُ
الْفُقَهَاءِ بِعِبَارَةِ " أَشْبَاهُ النَّرْدِ " (1) .
وَالْعَلاَقَةُ هِيَ أَنَّ النَّرْدَ وَأَشْبَاهَهُ قَدْ يُسْتَعْمَل
لِلْمَيْسِرِ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
7 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ الْمَيْسِرِ فِي الْجُمْلَةِ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ
وَالْمَيْسِرُ وَالأَْنْصَابُ وَالأَْزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَل
الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (2) .
حِكْمَةُ تَحْرِيمِ الْمَيْسِرِ:
8 - جَاءَ النَّصُّ عَلَى الْحِكْمَةِ فِي تَحْرِيمِ الْمَيْسِرِ فِي
قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ
الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ
عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَل أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (3) ،
كَمَا جَاءَ النَّصُّ عَلَى أَنَّ فِي الْمَيْسِرِ إِثْمًا وَذَلِكَ فِي
قَوْله تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُل
فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ
مِنْ نَفْعِهِمَا} (4)
__________
(1) لسان العرب، والقليوبي 4 / 319.
(2) سورة المائدة / 90.
(3) سورة المائدة / 91.
(4) سورة البقرة / 219.
(39/405)
قَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ: إِنَّ مَفْسَدَةَ
الْمَيْسِرِ أَعْظَمُ مِنْ مَفْسَدَةِ الرِّبَا لأَِنَّهُ يَشْتَمِل عَلَى
مَفْسَدَتَيْنِ: مَفْسَدَةُ أَكْل الْمَال بِالْحَرَامِ، وَمَفْسَدَةُ
اللَّهْوِ الْحَرَامِ، إِذْ يَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ
وَيُوقِعُ فِي الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ، وَلِهَذَا حُرِّمَ الْمَيْسِرُ
قَبْل تَحْرِيمِ الرِّبَا (1) .
وَقَال ابْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيُّ: سَبَبُ النَّهْيِ عَنِ الْمَيْسِرِ
وَتَعْظِيمِ أَمْرِهِ أَنَّهُ مِنْ أَكْل أَمْوَال النَّاسِ بِالْبَاطِل
الَّذِي نَهَى اللَّهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: {لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ
بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل} (2) .
ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ: مَنْ حَلَفَ فَقَال فِي حَلِفِهِ وَاللاَّتِ
وَالْعُزَّى فَلْيَقُل لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَنْ قَال لِصَاحِبِهِ
تَعَال أُقَامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ (3) . وَقَال: فَإِذَا اقْتَضَى
مُطْلَقُ الْقَوْل طَلَبَ الْكَفَّارَةَ وَالصَّدَقَةَ الْمُنْبِئَةَ عَنْ
عَظِيمِ مَا وَجَبَتْ لَهُ أَوْ سُنَّتْ فَمَا ظَنُّكَ بِالْفِعْل
وَالْمُبَاشَرَةِ (4) .
__________
(1) مجموع فتاوى ابن تيمية 32 / 337، والقرطبي 3 / 57.
(2) سورة النساء / 29.
(3) حديث: " من حلف، فقال في حلفه: واللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله.
. . ". أخرجه البخاري (الفتح 8 / 611 ط السلفية) ومسلم (3 / 1268 - 1269 -
ط الحلبي) من حديث أبي هريرة، واللفظ للبخاري.
(4) الزواجر 2 / 198، ونحوه للقرطبي في تفسيره 3 / 58.
(39/406)
أَقْسَامُ الْمَيْسِرِ
9 - قَسَّمَ عَدَدٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ الْمَيْسِرَ إِلَى مَيْسِرِ لَهْوٍ،
وَهُوَ مَا لَيْسَ فِيهِ مَالٌ، وَمَيْسِرِ قِمَارٍ، وَهُوَ مَا فِيهِ
مَالٌ، وَمِمَّنِ اشْتُهِرَ عَنْهُ هَذَا التَّقْسِيمُ مِنَ
الْمُتَقَدِّمِينَ الإِْمَامُ مَالِكُ وَمِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ ابْنُ
تَيْمِيَّةَ وَابْنُ الْقَيِّمِ (1) .
قَال الإِْمَامُ مَالِكُ: الْمَيْسِرُ مَيْسِرَانِ: مَيْسِرُ اللَّهْوِ
فَمِنْهُ النَّرْدُ وَالشِّطْرَنْجُ وَالْمَلاَهِي كُلُّهَا، وَمَيْسِرُ
الْقِمَارِ، وَهُوَ مَا يَتَخَاطَرُ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَسُئِل الْقَاسِمُ
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ: مَا الْمَيْسِرُ؟ فَقَال: كُل مَا
أَلْهَى عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهُوَ مَيْسِرٌ (2) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَيْسِرِ:
حُكْمُ مَيْسِرِ اللَّهْوِ
10 - مَيْسِرُ اللَّهْوِ كَاللَّعِبِ بِالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ دُونَ
أَنْ يُصَاحِبَهُ مَالٌ، وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِهِ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (لَعِبَ ف 4 - 5) .
__________
(1) مختصر فتاوى ابن تيمية للبعلي ص 526، 530، 531، والفروسية لابن القيم /
174.
(2) تفسير القرطبي 3 / 52، ومجموع فتاوى ابن تيمية 32 / 242.
(39/406)
حُكْمُ مَيْسِرِ الْقِمَارِ
11 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ مَيْسِرِ الْقِمَارِ. وَقَال
الشَّافِعِيَّةُ إِنْ شُرِطَ فِيهِ مَالٌ مِنَ الْجَانِبَيْنِ بِحَيْثُ
يَكُونُ الْمَال لِمَنْ غَلَبَ مِنَ اللاَّعِبَيْنِ، فَهُوَ الْقِمَارُ
الْمُحَرَّمُ، وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَبِيرَةٌ مِنَ
الْكَبَائِرِ، وَقَال الرَّمْلِيُّ مِنْهُمْ: وَالْمُحَرَّمُ الْعَقْدُ،
وَأَخْذُ الْمَال، لأَِنَّهُ غَصْبٌ مِنَ الْجَانِبَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا
(1) .
تَصَدُّقُ مَنْ طَلَبَ الْمُقَامَرَةَ
12 - مِنَ الأَْحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَيْسِرِ تَصَدُّقُ مَنْ
طَلَبَ الْمُقَامَرَةَ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ حَلَفَ
فَقَال فِي حَلِفِهِ: وَاللاَّتِ وَالْعُزَّى فَلْيَقُل لاَ إِلَهَ إِلاَّ
اللَّهُ وَمَنْ قَال لِصَاحِبِهِ تَعَال أُقَامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ (2) .
قَال النَّوَوِيُّ (3) : قَال الْعُلَمَاءُ: أَمَرَ بِالصَّدَقَةِ
تَكْفِيرًا لِخَطِيئَتِهِ فِي كَلاَمِهِ بِهَذِهِ الْمَعْصِيَةِ، وَقَال
الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَاهُ فَلْيَتَصَدَّقْ بِمِقْدَارِ مَا أَمَرَ أَنْ
يُقَامِرَ بِهِ.
__________
(1) البدائع 5 / 127، تكملة فتح القدير 8 / 132، والقوانين الفقهية 105،
والقليوبي 4 / 319، والمغني لابن قدامة 9 / 472، والزواجر لابن حجر 2 /
200.
(2) حديث: " من حلف فقال في حلفه واللات والعزى. . . ". سبق تخريجه ف 8.
(3) شرح صحيح مسلم 11 / 118.
(39/407)
قَال النَّوَوِيُّ: وَالصَّوَابُ الَّذِي
عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ - وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ - أَنَّهُ لاَ
يَخْتَصُّ بِذَلِكَ الْمِقْدَارِ بَل يَتَصَدَّقُ بِمَا تَيَسَّرَ مِمَّا
يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّدَقَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ: "
فَلْيَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ " (1) .
الْكَسْبُ النَّاشِئُ عَنِ الْمَيْسِرِ
13 - مَا يَكْسِبُهُ الْمُقَامِرُ هُوَ كَسْبٌ خَبِيثٌ، وَهُوَ مِنَ
الْمَال الْحَرَامِ مِثْل كَسْبِ الْمُخَادِعِ وَالْمُقَامِرِ،
وَالْوَاجِبُ فِي الْكَسْبِ الْخَبِيثِ تَفْرِيغُ الذِّمَّةِ مِنْهُ
بِرَدِّهِ إِلَى أَرْبَابِهِ إِنْ عَلِمُوا وَإِلاَّ إِلَى الْفُقَرَاءِ
(2) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (كَسْبٌ ف 17، حِسْبَةٌ ف 34) .
شِرَاءُ وَبَيْعُ أَدَوَاتِ الْمَيْسِرِ
14 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ
وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ) إِلَى
أَنَّ بَيْعَ آلاَتِ اللَّهْوِ بَاطِلٌ لاَ يَنْعَقِدُ وَفِي حُكْمِ آلاَتِ
اللَّهْوِ النَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِأَحَادِيثَ
مِنْهَا: مَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال:
__________
(1) رواية: " فليتصدق بشيء ". أخرجها مسلم (3 / 1268 ط عيسى الحلبي) من
حديث أبي هريرة.
(2) إحياء علوم الدين 2 / 127، 130.
(39/407)
ثَمَنُ الْخَمْرِ حَرَامٌ، وَمَهْرُ
الْبَغِيِّ حَرَامٌ، وَثَمَنُ الْكَلْبِ حَرَامٌ وَالْكُوبَةُ حَرَامٌ
وَإِنْ أَتَاكَ صَاحِبُ الْكَلْبِ يَلْتَمِسُ ثَمَنَهُ فَامْلأَْ يَدَيْهِ
تُرَابًا، وَالْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَكُل مُسْكِرٍ حَرَامٌ (1) قَال
الْخَطَّابِيُّ: وَفِي هَذَا بَيَانُ بُطْلاَنِ كُل حِيلَةٍ يُحْتَال بِهَا
تَوَصُّلاً إِلَى مُحَرَّمٍ.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ بَيْعَهَا صَحِيحٌ مَكْرُوهٌ
تَحْرِيمًا.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (بَيْعٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ف 19)
حُكْمُ السَّلاَمِ عَلَى لاَعِبِ الْمَيْسِرِ
15 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى كَرَاهَةِ السَّلاَمِ عَلَى
الْفُسَّاقِ الْمُجَاهِرِينَ بِفِسْقِهِمْ حَيْنَ انْشِغَالِهِمْ
بِالْفِسْقِ، كَلاَعِبِ الْقِمَارِ.
وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ السَّلاَمَ عَلَيْهِمْ لاَ يُكْرَهُ إِذَا
نَوَى أَنْ يَشْغَلَهُمْ عَمَّا هُمْ فِيهِ (2) .
__________
(1) حديث: " ثمن الخمر حرام. . . ". أخرجه الطبراني في الكبير (12 / 81 ط
وزارة الأوقاف العراقية الطبعة الثانية) ، والدارقطني في السنن (3 / 7 ط
دار المحاسن القاهرة) من حديث ابن عباس، واللفظ للطبراني.
(2) البدائع 5 / 127، وحاشية ابن عابدين 5 / 267، وتكملة فتح القدير 8 /
132، وحاشية الدسوقي 1 / 199، والفروع لابن مفلح 6 / 525.
(39/408)
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (سَلاَمٌ
ف 25) .
شَهَادَةُ لاَعِبِ الْمَيْسِرِ
16 - مَيْسِرُ الْقِمَارِ، وَهُوَ مَا كَانَ عَلَى مَالٍ فِعْلُهُ
كَبِيرَةٌ فَتُرَدُّ الشَّهَادَةُ بِهِ، وَلَوْ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ.
أَمَّا مَيْسِرُ اللَّهْوِ، فَهُوَ صَغِيرَةٌ فَلاَ تُرَدُّ الشَّهَادَةُ
بِهِ إِلاَّ مَعَ الإِْصْرَارِ (1) .
قَال الْمِرْغِينَانِيُّ: إِنْ قَامَرَ بِالشِّطْرَنْجِ تَسْقُطُ
عَدَالَتُهُ وَإِنْ لَمْ يُقَامِرْ لاَ تَسْقُطُ لأَِنَّهُ مُتَأَوَّلٌ
فِيهِ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (لَعِبٌ ف 6) .
عُقُوبَةُ لاَعِبِ الْمَيْسِرِ
17 - عَلَى وَلِيِّ الأَْمْرِ الْعَمَل عَلَى مَنْعِ الْمَعَاصِي،
وَمِنْهَا الْمَيْسِرُ، وَعَلَيْهِ تَعْزِيرُ مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ ذَلِكَ،
لأَِنَّ التَّعْزِيرَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي كُل مَعْصِيَةٍ لاَ حَدَّ
فِيهَا، وَلاَ كَفَّارَةَ (2) .
انْظُرْ: (تَعْزِيرٌ ف 1) .
__________
(1) تكملة فتح القدير 8 / 132، وشرح المحلي للمنهاج 4 / 319 - 320، والفروع
لابن مفلح 6 / 573.
(2) القليوبي 4 / 319.
(39/408)
مَيْسَرَةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمَيْسَرَةُ فِي اللُّغَةِ بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِهَا: ضِدُّ
الْعُسْرِ، وَمِثْلُهُ: الْمَيْسِرُ وَالْيُسْرُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى
{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} (1) .
وَالْمَيْسَرَةُ وَالْيَسَارُ عِبَارَةٌ عَنِ الْغِنَى، وَمِنْهُ قَوْله
تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (2)
وَلاَ يَخْرُجُ مَعْنَاهُ الاِصْطِلاَحِيُّ عَنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ
(3) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْعُسْرُ:
2 - الْعُسْرُ فِي اللُّغَةِ: نَقِيضُ الْيُسْرِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى
{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} (4) .
__________
(1) سورة الانشراح / 5 - 6.
(2) سورة البقرة / 280.
(3) المفردات في غريب القرآن، والمصباح المنير، والمعجم الوسيط.
(4) سورة الانشراح / 5 - 6.
(39/409)
وَالْعُسْرَةُ: تَعَسُّرُ وُجُودِ الْمَال،
وَأَعْسَرَ فُلاَنٌ: أَضَاقَ، وَيَوْمٌ عَسِيرٌ: يَتَصَعَّبُ فِيهِ
الأَْمْرُ وَيَشْتَدُّ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {فِي سَاعَةِ
الْعُسْرَةِ} (1) وَعَسَرَنِي الرَّجُل: طَالَبَنِي بِشَيْءٍ حَيْنَ
الْعُسْرَةِ، وَمِنْهُ قِيل لِلْفَقْرِ: عُسْرٌ.
وَأَعْسَرَ الرَّجُل - بِالأَْلِفِ - افْتَقَرَ، وَعَسَرَ بِالْفَتْحِ: قَل
سَمَاحُهُ فِي الأُْمُورِ.
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ
(2) .
وَالْعِلاَقَةُ بَيْنَ الْعُسْرِ وَالْمَيْسَرَةِ الضِّدِّيَّةُ.
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
3 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمَدِينُ ذَا
مَيْسَرَةٍ، وَكَانَ الدَّيْنُ حَالًّا، وَطَلَبَهُ صَاحِبُهُ يَجِبُ
عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِالدَّيْنِ دُونَ مُمَاطَلَةٍ أَوْ تَسْوِيفٍ (3) ،
لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيُّ الْوَاجِدِ
يُحِل عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ (4) فَإِنْ
__________
(1) سورة التوبة / 117.
(2) المفردات في غريب القرآن، والمصباح المنير.
(3) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 3 / 371 - 375، وأحكام القرآن للجصاص 1 /
474 وما بعدها، ومغني المحتاج 2 / 146 وما بعدها، وكشاف القناع 3 / 418 وما
بعدها، وأحكام القرآن للكيا الهراس 1 / 363.
(4) حديث: " لي الواجد يحل. . . ". أخرجه أبو داود (4 / 45 - 46 ط حمص) ،
والنسائي (7 / 316 ط المكتبة التجارية) ، من حديث الشريد بن سويد الثقفي
وحسنه ابن حجر في الفتح (5 / 62) .
(39/409)
امْتَنَعَ عَنْ أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنَ
الدَّيْنِ مَعَ الإِْمْكَانِ كَانَ ظَالِمًا لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَطْل الْغَنِيِّ ظُلْمٌ (1) .
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنَ الْعُقُوبَةِ هَل
يَحْبِسُهُ أَوْ يُلاَزِمُهُ؟
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (إِعْسَارٌ ف 15) .
4 - أَمَّا إِنْ كَانَ الْمَدِينُ عَاجِزًا عَنْ وَفَاءِ الدَّيْنِ الْحَال
بِسَبَبِ إِعْسَارِهِ الَّذِي ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي، أَوْ عِنْدَ
الْغَرِيمِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ إِنْظَارُهُ إِلَى الْمَيْسَرَةِ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى
مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}
(2) وَلِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ الأَْسْلَمِيِّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُل يَوْمٍ
مِثْلِهِ صَدَقَةٌ قَال ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُول مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا
فَلَهُ بِكُل يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ قُلْتُ سَمِعْتُكَ يَا رَسُول
اللَّهِ تَقُول مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُل يَوْمٍ مِثْلِهِ
صَدَقَةٌ ثُمَّ سَمِعْتُكَ تَقُول مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُل
يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ قَال لَهُ بِكُل يَوْمٍ صَدَقَةٌ قَبْل أَنْ
يَحِل
__________
(1) حديث: " مطل الغني ظلم ". أخرجه البخاري (4 / 464 ط السلفية) ، ومسلم
(3 / 1197 ط عيسى الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(2) سورة البقرة / 280.
(39/410)
الدَّيْنُ فَإِذَا حَل الدَّيْنُ
فَأَنْظَرَهُ فَلَهُ بِكُل يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ (1) وَلِقَوْلِهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ
عَنْهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ (2) وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَلَمْ
يُوجَدْ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ
وَكَانَ مُوسِرًا فَكَانَ يَأْمُرُ غِلْمَانَهُ أَنْ يَتَجَاوَزُوا عَنِ
الْمُعْسِرِ قَال: قَال اللَّهُ عَزَّ وَجَل: نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ
مِنْهُ تَجَاوَزُوا عَنْهُ (3) .
(ر: إِعْسَارٌ ف 15) .
مِيعَادٌ
انْظُرْ: أَجَلٌ.
__________
(1) حديث بريدة: " من أنظر معسرآ فله بكل. . . ". أخرجه أحمد (5 / 360 ط
الميمنية) ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4 / 135 ط القدسي) : رجاله رجال
الصحيح.
(2) حديث: " من أنظر معسرًا أو وضع عنه. . . ". أخرجه مسلم (4 / 2302 ط
عيسى الحلبي) من حديث أبي اليسر.
(3) حديث: " حوسب رجل ممن كان قبلكم. . . ". أخرجه مسلم (3 / 1196 ط عيسى
الحلبي) من حديث أبي مسعود.
(39/410)
مِيقَاتٌ
انْظُرْ: مَوَاقِيتُ
مِيلٌ
انْظُرْ: مَقَادِيرُ
(39/411)
مَيِّتٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمَيْتُ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِهَا فِي اللُّغَةِ: هُوَ
الَّذِي فَارَقَ الْحَيَاةَ وَيُجْمَعُ عَلَى أَمْوَاتٍ، وَالْمَيِّتُ،
(بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ) : مَنْ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ وَلَيْسَ بِهِ،
وَيُجْمَعُ عَلَى أَمْوَاتٍ، وَمَوْتَى.
يُقَال: مَاتَ يَمُوتُ مَوْتًا فَهُوَ مَيِّتٌ بِالتَّثْقِيل
وَالتَّخْفِيفِ، وَيُعَدَّى بِالْهَمْزَةِ فَيُقَال: أَمَاتَهُ اللَّهُ،
وَأَمَّا الْحَيُّ فَمَيِّتٌ بِالتَّثْقِيل لاَ غَيْرُ، وَعَلَيْهِ
قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} (1) ، أَيْ
سَيَمُوتُونَ (2) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: الْمَيِّتُ: الَّذِي فَارَقَ الْحَيَاةَ (3) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْحَيُّ:
2 - الْحَيُّ لُغَةً: يُقَال: حَيِيَ يَحْيَى حَيَاةً مِنْ
__________
(1) سورة الزمر / 30.
(2) المعجم الوسيط، المصباح المنير، لسان العرب.
(3) قواعد الفقه للبركتي.
(39/411)
بَابِ تَعِبَ فَهُوَ حَيٌّ وَيَتَعَدَّى
بِالْهَمْزَةِ فَيُقَال: أَحْيَاهُ اللَّهُ وَاسْتَحْيَيْتُهُ -
بِيَاءَيْنِ - إِذَا تَرَكْتَهُ حَيًّا فَلَمْ تَقْتُلْهُ، فَالْحَيُّ
ضِدُّ الْمَيِّتِ (1) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: الْحَيُّ الْمُتَّصِفُ بِالْحَيَاةِ وَهِيَ صِفَةٌ
تُوجِبُ لِلْمَوْصُوفِ بِهَا أَنْ يَعْلَمَ وَيَقْدِرَ ظَاهِرًا (2) .
وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ الْمَيِّتِ وَالْحَيِّ التَّضَادُّ.
ب - الْمُحْتَضَرُ:
3 - الْمُحْتَضَرُ: هُوَ مَنْ فِي النَّزْعِ أَيْ أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ
يُقَال حَضَرَهُ الْمَوْتُ وَاحْتَضَرَهُ: أَشْرَفَ فَهُوَ فِي النَّزْعِ
(3) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمُحْتَضَرِ وَالْمَيْتِ أَنَّ الاِحْتِضَارَ
مُقَدِّمَةٌ لِلْمَوْتِ.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَيْتِ:
أ - تَقْبِيل وَجْهِ الْمَيِّتِ
4 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى
جَوَازِ تَقْبِيل وَجْهِ الْمَيِّتِ لِخَبَرِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَّل عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ بَعْدَ مَوْتِهِ (4)
وَلِمَا ثَبَتَ
__________
(1) القاموس المحيط، لسان العرب.
(2) قواعد الفقه للبركتي.
(3) المصباح المنير.
(4) حديث: " أنه صلى الله عليه وسلم قبل عثمان بن مظعون بعد موته ". أخرجه
أبو داود (3 / 513 ط حمص) والترمذي (3 / 306 ط التجارية الكبرى) من حديث
عائشة رضي الله عنها، وقال المنذري في مختصر السنن (4 / 308) : في إسناده
عاصم بن عُبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وقد تكلم فيه غير واحد من
الأئمة.
(39/412)
أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَبَّل وَجْهَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ
مَوْتِهِ (1) .
وَذَهَبَ السُّبْكِيُّ إِلَى اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ لأَِهْل الْمَيِّتِ
وَيَجُوزُ لِغَيْرِهِمْ، وَخَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَجْهَ الْمَيِّتِ
الصَّالِحِ، أَمَّا غَيْرُهُ فَيُكْرَهُ (2) .
ب - تَغْمِيضُ عَيْنَيْ الْمَيِّتِ
5 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَغْمِيضِ عَيْنَيِ
الْمَيِّتِ بَعْدَ ثُبُوتِ مَوْتِهِ لِمَا وَرَدَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ
قَالَتْ: دَخَل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى
أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شُقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ ثُمَّ قَال إِنَّ
الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ (3) .
وَرَوَى شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَضَرْتُمْ مَوْتَاكُمْ فَأَغْمِضُوا الْبَصَرَ
فَإِنَّ الْبَصَرَ يَتْبَعُ الرُّوحُ، وَقُولُوا خَيْرًا
__________
(1) أثر: " أن أبا بكر رضي الله عنه قبل وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم
بعد موته ". أخرجه البخاري (فتح الباري 8 / 145 ط السلفية) من حديث عائشة
رضي الله عنها.
(2) البناية شرح الهداية 9 / 325، 326، ونهاية المحتاج 3 / 18، 19،
والقليوبي 1 / 344، ومطالب أولي النهى 1 / 841، والمغني 2 / 470.
(3) حديث: " إن الروح إذا قبض تبعه البصر ". أخرجه مسلم (2 / 634 ط عيسى
الحلبي) .
(39/412)
فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تُؤَمِّنُ عَلَى
مَا قَال أَهْل الْمَيِّتِ (1) .
وَلأَِنَّ الْمَيِّتَ إِذَا كَانَ مَفْتُوحَ الْعَيْنَيْنِ فَلَمْ يُغْمَضْ
حَتَّى يَبْرُدَ بَقِيَ مَفْتُوحًا فَيَقْبُحُ مَنْظَرُهُ.
وَيَقُول مَنْ يُغْمِضُ الْمَيِّتَ: " بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ
رَسُول اللَّهِ ".
وَقَال أَحْمَدُ: تُغْمِضُ الْمَرْأَةُ عَيْنَهُ إِذَا كَانَتْ ذَاتَ
مَحْرَمٍ لَهُ، وَقَال: يُكْرَهُ لِلْحَائِضِ وَالْجُنُبِ تَغْمِيضُهُ
وَأَنْ تَقْرَبَاهُ (2) .
ج - إِخْرَاجُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْجُنُبِ مِنْ عِنْدِ
الْمَيِّتِ
6 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي إِخْرَاجُ النُّفَسَاءِ
وَالْجُنُبِ مِنْ عِنْدِ الْمَيِّتِ وَكَذَلِكَ الْحَائِضُ فِي رَأْيٍ
عِنْدَهُمْ (3) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ لِمَنْ حَضَرَتْهُ
عَلاَمَاتُ الْمَوْتِ تَجَنُّبُ حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ وَجُنُبٍ
__________
(1) حديث: " إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر. . . ". أخرجه ابن ماجه (1 /
468 ط عيسى الحلبي) ، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1 / 261 ط دار
الجنان) : إسناده حسن.
(2) حاشية ابن عابدين 1 / 572، والخرشي 2 / 122، وحاشية الدسوقي 1 / 414،
وحاشية الجمل 2 / 139، ومطالب أولي النهى 1 / 839، والمغني 2 / 451 - 452.
(3) الدر المختار 1 / 572.
(39/413)
لأَِجْل الْمَلاَئِكَةِ، وَقَال ابْنُ
حَبِيْبٍ: يُسْتَحَبُّ أَلاَّ تَحْضُرَ الْحَائِضُ وَلاَ الْكَافِرَةُ
وَلاَ يَكُونُ عِنْدَهُ وَقُرْبَهُ غَيْرُ طَاهِرٍ (1) .
وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ تَقْرُبَ الْحَائِضُ
وَالْجُنُبُ الْمَيِّتَ (2) لِحَدِيثِ: لاَ تَدْخُل الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا
فِيهِ جُنُبٌ (3) .
(ر: احْتِضَارٌ ف 3) .
د - تَلْقِينُ الْمَيِّتِ بَعْدَ الْمَوْتِ
7 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَلْقِينِ الْمَيِّتِ بَعْدَ مَوْتِهِ:
فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِتَلْقِينِهِ لِقَوْلِهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لاَ إِلَهَ
إِلاَّ اللَّهُ (4) .
وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُلَقَّنُ.
انْظُرْ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (تَلْقِينٌ ف 5 احْتِضَارٌ ف 7) .
هـ - غَسْل الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ الْمَيِّتَ
8 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى
__________
(1) حاشية الدسوقي 1 / 414، والحطاب 2 / 218.
(2) مطالب أولي النهى 1 / 839.
(3) حديث: " لا تدخل الملائكة بيتًا فيه جنب ". أخرجه أحمد (1 / 83 ط
الميمنية) ، وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح (2 / 52 ط دار المعارف مصر) .
(4) حديث: " لقنوا موتاكم لا إله إلا الله ". أخرجه مسلم (2 / 631 ط عيسى
الحلبي) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(39/413)
جَوَازِ أَنْ يَغْسِل الْجُنُبُ
وَالْحَائِضُ الْمَيِّتَ بِلاَ كَرَاهَةٍ لأَِنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ
التَّطْهِيرُ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِالْجُنُبِ وَالْحَائِضِ، وَلأَِنَّهُ لاَ
يُشْتَرَطُ فِي الْغَاسِل الطَّهَارَةُ (1) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى كَرَاهَةِ غَسْل الْجُنُبِ لِلْمَيْتِ
لأَِنَّهُ يَمْلِكُ طُهْرَهُ وَلاَ يُكْرَهُ تَغْسِيل الْحَائِضِ
لأَِنَّهَا لاَ تَمْلِكُ طُهْرَهَا (2) . وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ
أَنَّهُ كَرِهَ لِلْحَائِضِ الْغُسْل لأَِنَّهَا لَوِ اغْتَسَلَتْ
لِنَفْسِهَا لَمْ تَعْتَدَّ بِهِ فَكَذَا إِذَا غَسَّلَتْ (3) .
و شَدُّ لَحْيَيِ الْمَيِّتِ وَتَلْيِينُ مَفَاصِلِهِ
9 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ شَدِّ لَحْيَيِ الْمَيِّتِ
بِعِصَابَةِ عَرِيضَةٍ تُرْبَطُ فَوْقَ رَأْسِهِ، لِئَلاَّ يَبْقَى فَمُهُ
مَفْتُوحًا، فَتَدْخُلَهُ الْهُوَامُ وَيَتَشَوَّهُ خَلْقُهُ وَيَدْخُل
الْمَاءُ عِنْدَ غَسْلِهِ.
وَكَذَلِكَ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَلْيِينِ مَفَاصِل
الْمَيِّتِ، وَذَلِكَ بِرِدِّ سَاعِدِهِ إِلَى عَضُدِهِ وَسَاقِهِ إِلَى
فَخِذِهِ وَفَخِذِهِ إِلَى بَطْنِهِ، ثُمَّ تُمَدُّ وَتَلِينُ أَصَابِعُهُ
بِأَنْ تُرَدَّ إِلَى بَطْنِ كَفِّهِ ثُمَّ تُمَدُّ
__________
(1) بدائع الصنائع 1 / 304، وحاشية الجمل 2 / 149، والقليوبي 1 / 345،
ومطالب أولي النهى 1 / 846، والمغني 2 / 452.
(2) الخرشي 2 / 137، 138.
(3) بدائع الصنائع 1 / 304.
(39/414)
تَسْهِيلاً لِغَسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ،
فَإِنَّ فِي الْبَدَنِ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الرُّوحِ بَقِيَّةُ حَرَارَةٍ
فَإِذَا لُيِّنَتِ الْمَفَاصِل حِينَئِذٍ لاَنَتْ وَإِلاَّ فَلاَ يُمْكِنُ
تَلْيِينُهَا (1) .
وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ تَلْيِينَ مَفَاصِلِهِ تَكُونُ وَلَوْ
بِنَحْوِ دُهْنٍ إِنْ تَوَقَّفَ التَّلْيِينُ عَلَيْهِ لِيَسْهُل غُسْلُهُ
(2) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى تَرْكِ تَلْيِينِ الْمَفَاصِل إِذَا
تَعَذَّرَ ذَلِكَ لأَِنَّهُ لاَ يُؤْمَنُ أَنْ تَنْكَسِرَ أَعْضَاؤُهُ
وَصَيَّرَ بِهِ ذَلِكَ إِلَى الْمُثْلَةِ (3) .
ز - تَوْجِيهُ الْمَيِّتِ لِلْقِبْلَةِ
10 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَوْجِيهِ الْمَيِّتِ إِلَى
الْقِبْلَةِ لأَِنَّهَا أَشَرَفُ الْجِهَاتِ، وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي
طَرِيقَةِ تَوْجِيهِ الْمَيِّتِ إِلَى الْقِبْلَةِ عَلَى أَقْوَالٍ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُسَنُّ أَنْ يُوَجَّهَ
الْمُحْتَضَرُ لِلْقِبْلَةِ عَلَى يَمِينِهِ مِثْل تَوْجِيهِهِ فِي
الْقَبْرِ وَجَازَ الاِسْتِلْقَاءُ عَلَى ظَهْرِهِ وَقَدَمَاهُ إِلَيْهَا
وَلَكِنْ يُرْفَعُ رَأْسُهُ قَلِيلاً لِيَتَوَجَّهَ لِلْقِبْلَةِ، وَقِيل:
__________
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 572، وحاشية الدسوقي 1 / 414، والخرشي 2 / 122،
وحاشية الجمل 2 / 140، ومطالب أولي النهى 1 / 839، والمغني مع الشرح الكبير
2 / 318.
(2) حاشية الجمل 2 / 140.
(3) المغني 2 / 456.
(39/414)
يُوضَعُ كَمَا تَيَسَّرَ عَلَى الأَْصَحِّ
وَإِنْ شُقَّ عَلَيْهِ تُرِكَ عَلَى حَالِهِ (1) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَوْجِيهُهُ
لِلْقِبْلَةِ عَلَى يَمِينِهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَعَلَى يَسَارِهِ،
فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَعَلَى ظَهْرِهِ وَرِجْلاَهُ لِلْقِبْلَةِ، فَإِنْ
لَمْ يُمْكِنْ فَعَلَى بَطْنِهِ وَرَأْسُهُ لَهَا، وَهَذَا بِشَرْطِ أَنْ
يَكُونَ ذَلِكَ بَعْدَ شُخُوصِ بَصَرِهِ لاَ قَبْلَهُ لِئَلاَّ يُفْزِعَهُ
ذَلِكَ (2) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنَّهُ
يُسْتَحَبُّ تَوْجِيهُهُ عَلَى جَنْبِهِ الأَْيْمَنِ كَمَا يُوضَعُ فِي
اللَّحْدِ إِلَى الْقِبْلَةِ فَإِنْ تَعَذَّرَ وَضْعُهُ عَلَى يَمِينِهِ
لِضِيقِ مَكَانٍ أَوْ لِعِلَّةٍ فِي جَنْبِهِ أَوْ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ
يُوضَعُ عَلَى جَنْبِهِ الأَْيْسَرِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ أُلْقِيَ عَلَى
قَفَاهُ وَوَجْهُهُ وَأَخْمَصَاهُ لِلْقِبْلَةِ بِأَنْ يُرْفَعَ رَأْسُهُ
قَلِيلاً، كَأَنْ يُوضَعَ تَحْتَ رَأْسِهِ مُرْتَفِعٌ لِيَتَوَجَّهَ
وَجْهُهُ إِلَى الْقِبْلَةِ.
وَمُقَابِل الصَّحِيحِ أَنَّ هَذَا الاِسْتِلْقَاءَ أَفَضْل، فَإِنْ
تَعَذَّرَ اضْطَجَعَ عَلَى جَنْبِهِ الأَْيْمَنِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ وُضِعَ
عَلَى جَنْبِهِ الأَْيْسَرِ (3) .
وَلِلْحَنَابِلَةِ فِي كَيْفِيَّةِ تَوْجِيهِ الْمَيِّتِ لِلْقِبْلَةِ
قَوْلاَنِ:
__________
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 570، وبدائع الصنائع 1 / 299.
(2) جواهر الإكليل 1 / 109، والشرح الصغير 1 / 562.
(3) مغني المحتاج 1 / 330، 331.
(39/415)
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُجْعَل عَلَى
جَنْبِهِ الأَْيْمَنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُسْتَلْقِيًا عَلَى قَفَاهُ وَيُرْفَعَ
رَأْسُهُ قَلِيلاً، لِيَصِيرَ وَجْهُهُ إِلَى الْقِبْلَةِ دُونَ
السَّمَاءِ.
وَقَال الْقَاضِي: إِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ وَاسِعًا فَعَلَى جَنْبِهِ،
وَإِلاَّ فَعَلَى ظَهْرِهِ. وَاشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لاَ يُوَجَّهُ
قَبْل تَيَقُّنِ مَوْتِهِ، وَالصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ أَنَّ الأَْوْلَى
التَّوْجِيهُ قَبْل ذَلِكَ (1) .
ج - سَتْرُ بَدَنِ الْمَيِّتِ
11 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى اسْتِحْبَابِ سَتْرِ الْمَيِّتِ حَيْنَ
الْغُسْل عَلَى اخْتِلاَفٍ بَيْنَهُمْ فِي الْقَدْرِ الَّذِي يُسْتَرُ
وَيُغَطَّى.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى اسْتِحْبَابِ سَتْرِ الْمَيِّتِ حَيْنَ
الْغُسْل، وَأَنَّ الْقَدْرَ الْوَاجِبَ فِي السَّتْرِ هُوَ سَتْرُ
عَوْرَتِهِ الْغَلِيظَةِ فَقَطْ عَلَى الظَّاهِرِ مِنَ الرِّوَايَةِ،
وَقِيل مُطْلَقًا تُسْتَرُ عَوْرَتُهُ الْغَلِيظَةُ وَالْخَفِيفَةُ (2) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى اسْتِحْبَابِ أَنْ يَسْتُرَ
__________
(1) الإنصاف 2 / 465 - 466، والمغني مع الشرح الكبير 2 / 306.
(2) حاشية ابن عابدين 1 / 574.
(39/415)
الْغَاسِل الْمَيِّتَ مِنْ سُرَّتِهِ إِلَى
رُكْبَتِهِ إِنْ كَانَ الَّذِي يَتَوَلَّى أَمْرَ الْمَيِّتِ سَيِّدًا أَوْ
زَوْجًا لَكِنْ إِنْ كَانَ الَّذِي يَتَوَلَّى أَمْرَهُ أَجْنَبِيًّا
فَإِنَّهُ يَجِبُ سَتْرُ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ (1) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى اسْتِحْبَابِ سَتْرِ جَمِيعِ بَدَنِهِ
بِثَوْبٍ خَفِيفٍ بَعْدَ نَزْعِ ثِيَابِهِ مَا لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا،
وَيُجْعَل طَرَفُ الثَّوْبِ تَحْتَ رَأْسِهِ وَطَرَفُهُ الآْخَرُ تَحْتَ
رِجْلَيْهِ لِئَلاَّ يَنْكَشِفَ، وَاحْتُرِزَ بِالثَّوْبِ الْخَفِيفِ عَنِ
الثَّقِيل لأَِنَّ الثَّقِيل يَحْمِيهِ فَيُغَيِّرُهُ وَقَدْ وَرَدَ عَنْ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: سُجِّيَ رَسُول
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْنَ مَاتَ بِثَوْبٍ حِبَرَةٍ
(2) .
أَمَّا الْمُحْرِمُ فَيُسْتَرُ مِنْهُ مَا يَجِبُ تَكْفِينُهُ مِنْهُ.
وَصَرَّحَ الْقَلْيُوبِيُّ بِأَنَّهُ لاَ يُغَطَّى رَأْسُ الْمُحْرِمِ
وَلاَ وَجْهُ الْمُحْرِمَةِ وَيُغْسَل الْمَيِّتُ نَدْبًا فِي قَمِيصٍ
لأَِنَّهُ أَسْتَرُ لَهُ (3) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِذَا شَرَعَ فِي غَسْلِهِ وَجَبَ سَتْرُ مَا
بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لاَ تُبْرِزْ فَخِذَكَ، وَلاَ
تَنْظُرَنَّ
__________
(1) شرح الخرشي 2 / 117.
(2) حديث عائشة رضي الله عنها: " سجي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات
بثوب حبرة ". أخرجه البخاري (فتح الباري 10 / 276 ط السلفية) ومسلم (2 /
651 ط عيسى الحلبي) .
(3) القليوبي 1 / 322، ومغني المحتاج 1 / 331، 332.
(39/416)
إِلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلاَ مَيِّتٍ (1)
وَهَذَا فِي غَيْرِ مَنْ سِنُّهُ دُونَ سَبْعِ سِنِينَ فَلاَ بَأْسَ
بِغَسْلِهِ مُجَرَّدًا (2) .
وَقَال الْقَاضِي: السُّنَّةُ أَنْ يُغَسَّل فِي قَمِيصٍ رَقِيقٍ يُنْزَل
الْمَاءُ فِيهِ وَلاَ يَمْنَعُ أَنْ يَصِل إِلَى بَدَنِهِ وَيُدْخِل يَدَهُ
فِي كُمِّ الْقَمِيصِ فَيَمُرَّهَا عَلَى بَدَنِهِ وَالْمَاءُ يُصَبُّ
فَإِنْ كَانَ الْقَمِيصُ ضَيِّقًا فَتَقَ رَأْسَ الدَّخَارِيصِ وَأَدْخَل
يَدَهُ مِنْهُ (3) .
ط - قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَيِّتِ وَقَبْل غَسْلِهِ
12 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ
قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَلَى الْمَيِّتِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَبْل غَسْلِهِ
(4) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ عِنْدَ
الْمَيِّتِ سُورَةَ (يس) وَكَذَا سُورَةُ الْفَاتِحَةِ (5) .
وَلِلتَّفْصِيل (ر: قِرَاءَةٌ ف 17، 18) .
__________
(1) حديث: " لا تبرز فخذك. . . ". أخرجه أبو داود (3 / 501 - 502 ط حمص) ،
وقال أبو داود: هذا الحديث فيه نكارة. وذكره ابن حجر في التلخيص (1 / 278)
وذكر علة تضعيفه.
(2) مطالب أولي النهى 1 / 853.
(3) المغني مع الشرح الكبير 2 / 315.
(4) رد المحتار 1 / 574، وجواهر الإكليل 1 / 113.
(5) الإنصاف 2 / 465.
(39/416)
ي - تَغْسِيل الْمَيِّتِ
13 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ تَغْسِيل الْمُسْلِمِ
وَاجِبُ كِفَايَةٍ.
وَانْظُرْ حَقِيقَتَهُ وَحُكْمَهُ، وَمَنْ يُغَسِّلُهُ، وَكَيْفِيَّةُ
تَغْسِيلِهِ، وَمَا يَتَّصِل بِذَلِكَ مِنْ أَحْكَامٍ فِي مُصْطَلَحِ
(تَغْسِيل الْمَيِّتِ) .
ك - تَكْفِينُ الْمَيِّتِ
14 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ تَكْفِينَ الْمَيِّتِ بِمَا
يَسْتُرُهُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ.
وَانْظُرْ حَقِيقَتَهُ وَحُكْمَهُ وَكَيْفِيَّتَهُ فِي مُصْطَلَحِ
(تَكْفِينٌ) .
ل - حَمْل الْمَيِّتِ
15 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ حَمْل الْجِنَازَةِ فَرْضٌ عَلَى
الْكِفَايَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ حَمْلِهَا وَعَدَدِ
حَامِلِيهَا. وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (جَنَائِزُ ف 11 - 13) .
م - دَفْنُ الْمَيِّتِ
16 - دَفْنُ الْمَيِّتِ فَرْضُ كِفَايَةٍ إِجْمَاعًا إِنْ أَمْكَنَ.
انْظُرْ حَقِيقَتَهُ وَحُكْمَهُ، وَأَفْضَل مَكَانٍ لِدَفْنِهِ،
وَالأَْحَقَّ بِدَفْنِهِ، وَكَيْفِيَّتَهُ وَوَقْتَهُ، وَمَا يَتَّصِل بِهِ
مِنْ أَحْكَامٍ فِي مُصْطَلَحِ (دَفْنٌ) .
ن - نَبْشُ قَبْرُ الْمَيِّتِ
17 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَنْعِ نَبْشِ الْقَبْرِ إِلاَّ لِعُذْرٍ
وَغَرَضٍ صَحِيحٍ، وَمِنَ الأَْعْذَارِ الَّتِي تُجِيزُ
(39/417)
نَبْشَ الْقَبْرِ كَوْنُ الأَْرْضِ
مَغْصُوبَةً أَوِ الْكَفَنِ مَغْصُوبًا أَوْ سَقَطَ مَالٌ فِي الْقَبْرِ.
وَعِنْدَهُمْ تَفْصِيلٌ فِي هَذِهِ الأَْعْذَارِ يُنْظَرُ إِلَيْهَا فِي
مُصْطَلَحِ (قَبْرٌ ف 21، وَنَبْشٌ) .
س - نَقْل الْمَيِّتِ
18 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى
أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ نَقْل الْمَيِّتِ مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخَرَ بَعْدَ
الدَّفْنِ مُطْلَقًا.
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَيَجُوزُ عِنْدَهُمْ نَقْل الْمَيِّتِ قَبْل
الدَّفْنِ وَكَذَا بَعْدَهُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخَرَ بِشُرُوطِ. يُنْظَرُ
تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (دَفْنٌ ف 4، وَنَبْشٌ) .
ع - قَذْفُ الْمَيِّتِ
19 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ
وَالشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ مَنْ قَذَفَ مَيِّتًا أُقِيمَ عَلَيْهِ
الْحَدُّ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ لَهُ حَقُّ طَلَبِ إِقَامَةِ الْحَدِّ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ طَلَبَ إِقَامَةِ الْحَدِّ يَرْجِعُ
لِمَنْ يَقَعُ الْقَدْحُ فِي نَسَبِهِ بِسَبَبِ قَذْفِ الْمَيِّتِ وَهُمُ
الأُْصُول وَالْفُرُوعُ وَإِنْ عَلَوْا أَوْ سَفَلُوا، وَلَوْ كَانَ
الطَّالِبُ مَحْجُوبًا أَوْ مَحْرُومًا عَنِ الْمِيرَاثِ بِقِتْلٍ أَوْ
رِقٍّ أَوْ كُفْرٍ أَوْ كَوْنِهِ وَلَدَ بِنْتٍ. وَلَوْ مَعَ وُجُودِ
الأَْقْرَبِ
(39/417)
أَوْ عَفْوِهِ أَوْ تَصْدِيقِهِ
لِلْقَاذِفِ لِلُحُوقِ الْعَارِ بِهِمْ بِسَبَبِ الْجُزْئِيَّةِ، أَيْ
كَوْنُ الْمَيِّتِ جُزْءًا مِنْهُمْ أَوْ كَوْنُهُمْ جُزْءًا مِنْهُ.
وَلَوْ قَال: يَا ابْنَ الزَّانِيَيْنِ وَقَدْ مَاتَ أَبَوَاهُ فَعَلَيْهِ
حَدٌّ وَاحِدٌ (1) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ قَبْل حَدِّ قَاذِفِهِ
فَلِوَارِثِهِ الْقِيَامُ بِهِ وَلَوْ مَنَعَهُ مِنَ الإِْرْثِ مَانِعٌ
كَرِقٍّ وَقَتْلٍ وَكُفْرٍ إِنْ كَانَ قَذَفَهُ فِي حَيَاتِهِ.
وَإِنْ قَذَفَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلِوَارِثِهِ الْقِيَامُ بِحَدِّهِ
لِلِحُوقِ الْمَعَرَّةِ لَهُ.
وَأَمَّا الْوَرَثَةُ الَّذِينَ يَحِقُّ لَهُمُ الْمُطَالَبَةُ بِالْحَدِّ
فَهُمْ: وَلَدُ الْمَقْذُوفِ وَيَشْمَل الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ وَإِنْ
سَفَلُوا، وَأَبُ الْمَقْذُوفِ وَإِنْ عَلاَ.
فَمَنْ قَذَفَ مَيِّتًا كَانَ لِوَلَدِهِ وَإِنْ سَفَل وَلأَِبِيهِ وَإِنْ
عَلاَ أَنْ يَقُومُوا بِذَلِكَ وَمَنْ قَامَ مِنْهُمْ بِذَلِكَ أَخَذَهُ
بِحَدِّهِ وَإِنْ كَانَ ثَمَّ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ لأَِنَّهُ عَيْبٌ
يَلْزَمُهُمْ، وَلَيْسَ لِلإِْخْوَةِ وَسَائِرِ الْعَصَبَةِ قِيَامٌ مَعَ
هَؤُلاَءِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَؤُلاَءِ أَحَدٌ فَلِلْعَصَبَةِ
الْقِيَامُ، وَلِلأَْخَوَاتِ وَالْجَدَّاتِ الْقِيَامُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ
لَهُ وَلَدٌ.
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْمَقْذُوفِ وَارِثٌ فَلَيْسَ لِلأَْجْنَبِيِّ
أَنْ يَقُومَ بِحَدِّهِ (2) .
__________
(1) حاشية ابن عابدين 3 / 171.
(2) جواهر الإكليل 2 / 289، وشرح الخرشي وحاشية العدوي عليه 8 / 90.
(39/418)
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَنْ
قَذَفَ مَيِّتًا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَطَلَبُ إِقَامَةِ الْحَدِّ
لِلْوَارِثِ إِلاَّ أَنْ يَعْفُوَ، وَلَوْ عَفَا وَارِثُ الْمَقْذُوفِ
مُقَابِل مَالٍ يَأْخُذُهُ سَقَطَ الْحَدُّ وَلَمْ يَجِبِ الْمَال، وَلَوْ
عَفَا بَعْضُ الْوَرَثَةِ فَلِلْبَاقِي أَنْ يَسْتَوْفُوا الْحَدَّ عَلَى
الأَْصَحِّ، لأَِنَّهُ عَارٌ، وَالْعَارُ يَلْزَمُ الْوَاحِدَ كَمَا
يَلْزَمُ الْجَمِيعَ.
وَاخْتَلَفَ الشَّافِعِيَّةُ فِيمَنْ يَرِثُ حَدَّ الْقَذْفِ عَلَى
أَوْجُهٍ:
أَصَحُّهَا: جَمِيعُ الْوَرَثَةِ كَالْمَال وَالْقِصَاصِ.
وَالثَّانِي: جَمِيعُهُمْ غَيْرُ الزَّوْجَيْنِ.
وَالثَّالِثُ: رِجَال الْعَصَبَاتِ فَقَطْ لأَِنَّهُ لِدَفْعِ الْعَارِ
كَوِلاَيَةِ التَّزْوِيجِ.
وَالرَّابِعُ: رِجَال الْعَصَبَةِ سِوَى الْبَنِينَ كَالتَّزْوِيجِ، ثُمَّ
مِنْ بَعْدِهِمْ لِلسُّلْطَانِ.
وَلَوْ قَذَفَ رَجُلٌ مُوَرِّثَهُ، وَمَاتَ الْمَقْذُوفُ، سَقَطَ عَنْهُ
الْحَدُّ إِنْ كَانَ حَائِزًا لِلإِْرْثِ، وَلأَِنَّ الْقَذْفَ لاَ
يَمْنَعُ الإِْرْثَ بِخِلاَفِ الْقَتْل.
وَلَوْ قَذَفَ وَلَدٌ أَبَاهُ فَمَاتَ الأَْبُ وَتَرَكَ الْقَاذِفَ
وَابْنًا آخَرَ فَإِنَّ فِيهِ الْخِلاَفَ فِيمَنْ يَرِثُ الْحَدَّ فَإِنْ
قُلْنَا: إِذَا عَفَا بَعْضُ الْمُسْتَحِقِّينَ كَانَ لِلآْخَرِ
اسْتِيفَاءُ الْجَمِيعِ فَلِلاِبْنِ الآْخَرِ اسْتِيفَاءُ الْحَدِّ
بِتَمَامِهِ، وَإِنْ قُلْنَا يَسْقُطُ الْجَمِيعُ فَكَذَا هُنَا، وَإِنْ
قُلْنَا: يَسْقُطُ نَصِيبُ الْعَافِي فَلِلاِبْنِ
(39/418)
الآْخَرِ اسْتِيفَاءُ نِصْفِ الْحَدِّ (1)
.
وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ: فَقَالُوا إِذَا قُذِفَتِ الْمَرْأَةُ لَمْ
يَكُنْ لِوَلَدِهَا الْمُطَالَبَةُ إِذَا كَانَتِ الأُْمُّ فِي الْحَيَاةِ،
وَإِنْ قُذِفَتْ وَهِيَ مَيِّتَةٌ - مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كَافِرَةً
حُرَّةً أَوْ أَمَةً - حُدَّ الْقَاذِفُ إِذَا طَالَبَ الاِبْنُ وَكَانَ
مُسْلِمًا حُرًّا وَهُوَ الْمَذْهَبُ لأَِنَّهُ قَدْحٌ فِي نَسَبِهِ
وَلأَِنَّهُ بِقَذْفِ أُمِّهِ يَنْسُبُهُ إِلَى أَنَّهُ مِنْ زِنَا وَلاَ
يَسْتَحِقُّ إِقَامَةَ الْحَدِّ بِطَرِيقِ الإِْرْثِ وَلِذَلِكَ تُعْتَبَرُ
حَصَانَتُهُ وَلاَ تُعْتَبَرُ حَصَانَةُ أُمِّهِ لأَِنَّ الْقَذْفَ لَهُ.
وَقَال أَبُو بَكْرٍ: لاَ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى قَذْفِ مَيْتَةٍ،
وَكَذَلِكَ تُقَاسُ الْجَدَّةُ عَلَى الأُْمِّ فِي الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ.
وَأَمَّا إِنْ قَذَفَ أَبَاهُ أَوْ جَدَّهُ أَوْ أَحَدًا مِنْ أَقَارِبِهِ
غَيْرَ أُمَّهَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَجِبِ الْحَدُّ بِقَذْفِهِ فِي
ظَاهِرِ كَلاَمِ الْخِرَقِيِّ لأَِنَّهُ إِنَّمَا أَوْجَبَ بِقَذْفِ
أُمِّهِ حَقًّا لَهُ لِنَفْيِ نَسَبِهِ لاَحِقًا لِلْمَيِّتِ وَلِهَذَا
لَمْ يُعْتَبَرْ إِحْصَانُ الْمَقْذُوفَةِ وَاعْتُبِرَ إِحْصَانُ
الْوَلَدِ، وَمَتَى كَانَ الْمَقْذُوفُ مِنْ غَيْرِ أُمَّهَاتِهِ لَمْ
يَتَضَمَّنْ نَفْيَ نَسَبِهِ فَلَمْ يَجِبِ الْحَدُّ.
وَإِذَا مَاتَ الْمَقْذُوفُ وَلَمْ يُطَالِبْ بِالْحَدِّ سَقَطَ الْحَدُّ
وَإِنْ كَانَ قَدْ طَالَبَ بِهِ فَالصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لاَ
يَسْقُطُ وَلِلْوَرَثَةِ طَلَبُهُ.
وَالْحَقُّ فِي حَدِّ الْقَذْفِ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ، حَتَّى
__________
(1) روضة الطالبين 8 / 326، ومغني المحتاج 3 / 372.
(39/419)
لأَِحَدِ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ
مِنَ الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الإِْمَامُ أَحْمَدُ. وَقَال الْقَاضِي:
لَهُمْ سِوَى الزَّوْجَيْنِ، وَقَال فِي الْمُغْنِي: هُوَ لِلْعَصَبَةِ،
وَقَال ابْنُ عَقِيلٍ: يَرِثُهُ الإِْمَامُ أَيْضًا فِي قِيَاسِ
الْمَذْهَبِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَارِثِ. وَلَوْ عَفَا بَعْضُهُمْ حُدَّ
لِلْبَاقِي كَامِلاً عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ (1) .
ف - حَلْقُ شَعْرِ الْمَيِّتِ وَقَصُّ ظُفُرِهِ
20 - لِلْفُقَهَاءِ تَفْصِيلٌ فِي حُكْمِ حَلْقِ شَعْرِ الْمَيِّتِ أَوْ
تَسْرِيحِهِ أَوْ ضَفْرِ شَعْرِ الْمَرْأَةِ وَكَذَا سَائِرُ شَعْرِ
الْبَدَنِ كَاللِّحْيَةِ وَالشَّارِبِ وَشَعْرِ الإِْبِطِ وَالْعَانَةِ.
وَيُنْظَرُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (شَعْرٌ وَصُوفٌ وَوَبَرٌ ف 4، 5، 6،
حَلَقَ ف 14) .
كَمَا اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ تَقْلِيمِ أَظْفَارِ الْمَيِّتِ
وَلِلتَّفْصِيل انْظُرْ مُصْطَلَحَ (تَغْسِيل الْمَيِّتِ ف 9) .
ص - تَغْسِيل السِّقْطِ وَالصَّلاَةُ عَلَيْهِ وَدَفْنُهُ
21 - السِّقْطُ هُوَ الْوَلَدُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى يَسْقُطُ قَبْل
تَمَامِهِ وَهُوَ مُسْتَبِينُ الْخَلْقِ، وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ
عَلَى أَنَّهُ إِذَا اسْتَهَل الْمَوْلُودُ غُسِّل
__________
(1) المغني مع الشرح الكبير 10 / 226 وما بعدها، والإنصاف 10 / 219 وما
بعدها
(39/419)
وَصُلِّيَ عَلَيْهِ، وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ
خِلاَفٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (جَنِينٌ ف 22) .
قِ - إِدْخَال الْمَيِّتِ الْمَسْجِدَ وَالصَّلاَةُ عَلَيْهِ فِيهِ:
22 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى كَرَاهَةِ الصَّلاَةِ عَلَى الْمَيِّتِ
فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ أَوْ مَسْجِدِ الْمَحَلَّةِ وَإِدْخَالُهُ
فِيهِ تَحْرِيمًا وَقِيل تَنْزِيهًا وَرَجَّحَهُ الْكَمَال وَذَهَبَ
الْمَالِكِيَّةُ إِلَى الْكَرَاهَةِ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ
وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ، وَلِلتَّفْصِيل يُنْظَرُ
مُصْطَلَحُ (جَنَائِزُ ف 38) .
ر - الصَّلاَةُ عَلَى الْقَبْرِ إِذَا دُفِنَ الْمَيِّتُ قَبْل الصَّلاَةِ
عَلَيْهِ
23 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الصَّلاَةِ عَلَى الْقَبْرِ إِذَا دُفِنَ
الْمَيِّتُ فِيهِ قَبْل الصَّلاَةِ عَلَيْهِ.
وَانْظُرْ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (جَنَائِزُ ف 37) .
ش - طَهَارَةُ جَسَدِ الْمَيِّتِ
24 - ذَهَبَ عَامَّةُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْمَيِّتَ يَتَنَجَّسُ
بِالْمَوْتِ لِمَا فِيهِ مِنَ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ كَمَا يَتَنَجَّسُ
سَائِرُ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي لَهَا دَمٌ سَائِلٌ بِالْمَوْتِ وَهَذَا
هُوَ الأَْظْهَرُ فِي الْمَذْهَبِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ هَل نَجَاسَتُهُ نَجَاسَةُ خَبَثٍ أَوْ
حَدَثٍ؟ فَقِيل: إِنَّهَا نَجَاسَةُ خَبَثٍ وَهُوَ
(39/420)
الأَْظْهَرُ، فَلَوْ وَقَعَ فِي بِئْرٍ
قَبْل غَسْلِهِ نَجَّسَهَا وَكَذَلِكَ لَوْ حَمَل مَيِّتًا قَبْل غَسْلِهِ
وَصَلَّى بِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُ، وَلِذَلِكَ إِنَّمَا يَطْهُرُ
الْمَيِّتُ بِالْغُسْل كَرَامَةً لِلْمُسْلِمِ.
أَمَّا الْكَافِرُ فَهُوَ نَجِسٌ وَلَوْ بَعْدَ غَسْلِهِ فَلَوْ وَقَعَ
كَافِرٌ فِي بِئْرٍ بَعْدَ غُسْلِهِ فَإِنَّهُ يُنَجِّسُ الْبِئْرَ.
وَقِيل: هِيَ نَجَاسَةُ حَدَثٍ قَال فِي الْفَتْحِ:
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
سُبْحَانَ اللَّهِ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ لاَ يَنْجُسُ حَيًّا وَلاَ مَيِّتًا
(1) ، فَإِنْ صَحَّ وَجَبَ تَرْجِيحُ أَنَّهُ لِلْحَدَثِ، وَلِمَا رُوِيَ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَال: قَال رَسُول اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ تُنَجِّسُوا مَوْتَاكُمْ، فَإِنَّ
الْمُسْلِمَ لاَ يَنْجُسُ حَيًّا وَلاَ مَيِّتًا (2) .
__________
(1) حديث: " سبحان الله، إن المؤمن لا ينجس حيًا ولا ميتًا ". أخرجه
البخاري (فتح الباري 1 / 390) ، ومسلم (1 / 282) واللفظ لمسلم، وليس فيهما
قوله: (حيًا أو ميتًا) . وورد موقوفًا بتمامه من حديث ابن عباس أخرجه سعيد
بن منصور كما في فتح الباري (3 / 127) ، وورد مرفوعًا من حديث ابن عباس
بهذا السياق عند الدارقطني (2 / 70) ، وصحح ابن حجر كونه موقوفًا على ابن
عباس في تغليق التعليق (2 / 461 ط المكتب الإسلامي) .
(2) حديث: " لا تنجسوا موتاكم، فإن المسلم لا ينجس حيًا ولا ميتًا ". أخرجه
الحاكم في المستدرك (1 / 385 ط دائرة المعارف) ، والدارقطني (2 / 70 ط
الفنية المتحدة) ، ورجح ابن حجر في التغليق (2 / 461) وقفه على ابن عباس.
(39/420)
وَذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ
الثَّلْجِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الآْدَمِيَّ لاَ يَنْجُسُ
بِالْمَوْتِ بِتَشَرُّبِ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ فِي أَجْزَائِهِ، كَرَامَةً
لَهُ؛ لأَِنَّهُ لَوْ تَنَجَّسَ لَمَا حُكِمَ بِطَهَارَتِهِ بِالْغُسْل
كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي حُكِمَ بِنَجَاسَتِهَا بِالْمَوْتِ،
وَالآْدَمِيُّ يَطْهُرُ بِالْغُسْل حَتَّى رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ
الْمَيِّتَ لَوْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ قَبْل الْغُسْل يُوجِبُ تَنْجِيسَ
الْبِئْرِ، وَلَوْ وَقَعَ بَعْدَ الْغُسْل لاَ يُوجِبُ تَنَجُّسَهُ
فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَتَنَجَّسْ بِالْمَوْتِ وَلَكِنْ وَجَبَ غُسْلُهُ
لِلْحَدَثِ، لأَِنَّ الْمَوْتَ لاَ يَخْلُو عَنْ سَابِقَةِ حَدَثٍ
لِوُجُودِ اسْتِرْخَاءِ الْمَفَاصِل وَزَوَال الْعَقْل، وَالْبَدَنُ فِي
حَقِّ التَّطْهِيرِ لاَ يَتَجَزَّأُ فَوَجَبَ غَسْلُهُ كُلُّهُ (1) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي
الأَْظْهَرِ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ
وَالْبَلْخِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ مَيْتَةَ الآْدَمِيِّ
وَلَوْ كَافِرًا طَاهِرَةٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا
بَنِي آدَمَ} (2) ، وَقَضِيَّةُ تَكْرِيمِهِمْ أَنْ لاَ يُحْكَمَ
بِنَجَاسَتِهِمْ بِالْمَوْتِ، وَلِخَبَرِ لاَ تُنَجِّسُوا مَوْتَاكُمْ
فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ لاَ يَنْجُسُ حَيًّا وَلاَ مَيِّتًا قَال عِيَاضُ:
وَلأَِنَّ غَسْلَهُ وَإِكْرَامَهُ يَأْبَى تَنْجِيسُهُ، إِذْ لاَ مَعْنَى
لِغَسْل الْمَيْتَةِ الَّتِي هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْعُذْرَةِ (3) .
__________
(1) ابن عابدين 1 / 573، وبدائع الصنائع 1 / 299.
(2) سورة الإسراء / 70.
(3) الخرشي 1 / 88، ومغني المحتاج 1 / 78، والمغني مع الشرح 1 / 40.
(39/421)
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا
الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} (1) فَالْمُرَادُ نَجَاسَةُ الاِعْتِقَادِ أَوْ
أَنَّا نَجْتَنِبُهُمْ كَالنَّجَاسَةِ لاَ نَجَاسَةَ الأَْبَدَانِ،
وَلِهَذَا رَبَطَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأَْسِيرَ
فِي الْمَسْجِدِ (2) ، وَقَدْ أَحَل اللَّهُ طَعَامَ أَهْل الْكِتَابِ.
وَقَدْ نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ هَذَا
الْخِلاَفَ فِي غَيْرِ أَجْسَادِ الأَْنْبِيَاءِ لأَِنَّ أَجْسَادَ
الأَْنْبِيَاءِ مُتَّفَقٌ عَلَى طَهَارَتِهَا، وَأَلْحَقَ ابْنُ
الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ بِهِمُ الشُّهَدَاءَ.
وَإِنَّمَا الْخِلاَفُ فِي طَهَارَةِ مَيْتَةِ الآْدَمِيِّ وَنَجَاسَتِهَا
فِي الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ.
فَذَهَبَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى نَجَاسَةِ مَيْتَةِ الآْدَمِيِّ.
وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَيَحْتَمِل أَنْ يَنْجُسَ الْكَافِرُ بِمَوْتِهِ
لأَِنَّ الْخَبَرَ: الْمُؤْمِنُ لاَ يَنْجُسُ إِنَّمَا وَرَدَ فِي
الْمُسْلِمِ وَلاَ يَصِحُّ قِيَاسُ الْكَافِرِ عَلَيْهِ لأَِنَّهُ لاَ
يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ حُرْمَةٌ كَحُرْمَةِ الْمُسْلِمِ (3) .
__________
(1) سورة التوبة / 28.
(2) حديث: " ربط النبي صلى الله عليه وسلم الأسير في المسجد ". أخرجه
البخاري (فتح الباري 1 / 555 ط السلفية) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3) الخرشي 1 / 89، ونهاية المحتاج 1 / 221 - 222، والمغني مع الشرح الكبير
1 / 40 - 41.
(39/421)
حُكْمُ مَا أُبِينَ مِنَ الآْدَمِيِّ
25 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ مَا أُبِينَ مِنَ
الآْدَمِيِّ يَأْخُذُ حُكْمَهُ فِي الْقَوْل بِطَهَارَتِهِ أَوْ
بِنَجَاسَتِهِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ إِلَى أَنَّ شَعْرَ الآْدَمِيِّ
غَيْرَ الْمَنْتُوفِ طَاهِرٌ بِخِلاَفِ الْمَنْتُوفِ فَإِنَّهُ نَجِسٌ
لِمَا يَحْمِل مِنْ دُسُومَةٍ.
وَكَذَلِكَ عَظْمُ الْمَيِّتِ وَعَصَبُهُ فَإِنَّهُمَا طَاهِرَانِ عَلَى
الْمَشْهُورِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَكَذَلِكَ سِنُّ الْمَيِّتِ عَلَى
الظَّاهِرِ مِنَ الْمَذْهَبِ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ لأَِنَّهُ لاَ دَمَ فِيهَا
وَالْمُنَجَّسُ هُوَ الدَّمُ.
وَكَذَلِكَ ظُفُرُ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ إِذَا كَانَ خَالِيًا عَنِ
الدُّسُومَةِ (1) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمْ إِلَى طَهَارَةِ
مَا أُبِينَ مِنَ الآْدَمِيِّ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ فِي حَال حَيَاتِهِ
أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ بِنَاءً عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ طَهَارَةِ
مَيْتَتِهِ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْل الآْخَرِ فِي الْمَذْهَبِ فَمَا
أُبِينَ مِنْهُ نَجِسٌ مُطْلَقًا (2) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى إِلْحَاقِ مَا انْفَصَل مِنَ الآْدَمِيِّ
بِمَيْتَتِهِ فِي الطَّهَارَةِ (3) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: حُكْمُ أَجْزَاءِ الآْدَمِيِّ وَأَبْعَاضِهِ
__________
(1) الدر المختار وحاشية ابن عابدين 1 / 138.
(2) حاشية الدسوقي 1 / 54.
(3) مغني المحتاج 1 / 80.
(39/422)
حُكْمُ جُمْلَتِهِ سَوَاءٌ انْفَصَلَتْ فِي
حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ، لأَِنَّهَا أَجَزَاءٌ مِنْ جُمْلَتِهِ
فَكَانَ حُكْمُهَا كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ الطَّاهِرَةِ وَالنَّجِسَةِ
وَلأَِنَّهَا يُصَلَّى عَلَيْهَا فَكَانَتْ طَاهِرَةً كَجُمْلَتِهِ،
وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهَا نَجِسَةٌ رِوَايَةً وَاحِدَةً لأَِنَّهَا لاَ
حُرْمَةَ لَهَا (1) .
ت - غَسْل مَا أُبِينَ مِنَ الآْدَمِيِّ وَالصَّلاَةُ عَلَيْهِ:
26 - نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا وُجِدَ
بَعْضُ الْمَيِّتِ غُسِّل وَصُلِّيَ عَلَيْهِ لأَِنَّ عُمَرَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ صَلَّى عَلَى عِظَامٍ بِالشَّامِ، وَصَلَّى أَبُو
عُبَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى رُءُوسٍ، وَصَلَّتِ الصَّحَابَةُ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى يَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَتَّابِ بْنِ
أَسِيدٍ أَلْقَاهَا طَائِرٌ بِمَكَّةَ مِنْ وَقْعَةِ الْجَمَل (2) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا وُجِدَ رَأْسُ آدَمِيٍّ أَوْ أَحَدُ
شِقَّيْهِ لاَ يُغَسَّل وَلاَ يُصَلَّى عَلَيْهِ بَل يُدْفَنُ إِلاَّ أَنْ
يُوجَدَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِهِ وَلَوْ بِلاَ رَأْسٍ فَإِنَّهُ يُغَسَّل
وَيُصَلَّى عَلَيْهِ (3) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لاَ يُغَسَّل دُونَ ثُلُثَيِ الْجَسَدِ،
وَالْمُرَادُ بِالْجَسَدِ مَا عَدَا الرَّأْسِ، فَإِذَا وُجِدَ نِصْفُ
الْجَسَدِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهُ وَدُونَ الثُّلُثَيْنِ مَعَ الرَّأْسِ لَمْ
يُغْسَّل عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَلاَ يُصَلَّى
__________
(1) المغني مع الشرح الكبير 1 / 41.
(2) المهذب 1 / 141، والمغني مع شرح الكبير 1 / 41.
(3) حاشية ابن عابدين 1 / 576.
(39/422)
عَلَيْهِ أَيْ يُكْرَهُ، لأَِنَّ شَرْطَ
الْغُسْل وُجُودُ الْمَيِّتِ، فَإِنْ وُجِدَ بَعْضُهُ فَالْحُكْمُ
لِلْغَالِبِ وَلاَ حُكْمَ لِلْيَسِيرِ وَهُوَ مَا دُونَ الثُّلُثَيْنِ.
وَالْعِلَّةُ فِي تَرْكِ الصَّلاَةِ عَلَى مَا دُونَ الْجُل خَوْفُ
الْوُقُوعِ فِي الْمَكْرُوهِ وَهُوَ الصَّلاَةُ عَلَى غَائِبٍ، قَال فِي
التَّوْضِيحِ لأَِنَّا لاَ نُخَاطَبُ بِالصَّلاَةِ عَلَى الْمَيِّتِ إِلاَّ
بِشَرْطِ الْحُضُورِ، وَحُضُورُ جُلِّهِ كَحُضُورِ كُلِّهِ، وَحُضُورُ
الأَْقَل بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ (1) . (ر: تَغْسِيل الْمَيِّتِ ف 26) .
ث - تَنَازُعُ الْمَيِّتِ وَالْحَيِّ الْمَاءَ:
27 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا اجْتَمَعَ مَيِّتٌ
وَجُنُبٌ وَحَائِضٌ وَمُحْدِثٌ وَكَانَ الْمَاءُ مِلْكًا لأَِحَدِهِمْ
فَهُوَ أَوْلَى بِهِ لأَِنَّهُ أَحَقُّ بِمِلْكِهِ، وَلِلْفُقَهَاءِ بَعْدَ
ذَلِكَ تَفْصِيلٌ:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمَاءُ مِلْكًا
لأَِحَدِهِمْ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ لأَِنَّهُ أَحَقُّ بِمِلْكِهِ.
أَمَّا إِذَا كَانَ الْمَاءُ مُبَاحًا فَإِنَّ الْجُنُبَ أَوْلَى
بِالْمَاءِ مِنَ الْحَائِضِ وَالْمُحْدِثِ وَيُيَمَّمُ الْمَيِّتُ
لِيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَكَذَا الْمَرْأَةُ وَالْمُحْدِثُ وَيَقْتَدِيَانِ
بِهِ، لأَِنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ مِنَ الْحَدَثِ، وَالْمَرْأَةُ لاَ
تَصْلُحُ إِمَامًا.
__________
(1) حاشية الدسوقي 1 / 426.
(39/423)
وَقِيل فِي السِّرَاجِ: أَنَّ الْمَيِّتَ
أَوْلَى لأَِنَّ غُسْلَهُ يُرَادُ لِلتَّنْظِيفِ وَهُوَ لاَ يَحْصُل
بِالتُّرَابِ.
وَعَنِ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ الأَْوَّل أَصَحُّ، وَفِي السِّرَاجِ
أَيْضًا: لَوْ كَانَ الْمَاءُ يَكْفِي الْمُحْدِثَ فَقَطْ كَانَ أَوْلَى
بِهِ لأَِنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ.
أَمَّا إِذَا كَانَ الْمَاءُ مُشْتَرَكًا فَيَنْبَغِي لِكُلٍّ مِنْهُمْ
أَنْ يَصْرِفَ نَصِيبَهُ لِلْمَيْتِ حَيْثُ كَانَ كُل وَاحِدٍ لاَ
يَكْفِيهِ نَصِيبُهُ، وَلاَ يُمَكَّنُ الْجُنُبُ وَلاَ غَيْرُهُ أَنْ
يَسْتَقِل بِالْكُل لأَِنَّهُ مَشْغُولٌ بِحِصَّةِ الْمَيِّتِ، وَكَوْنُ
الْجَنَابَةِ أَغْلَظُ لاَ يُبِيحُ اسْتِعْمَال حِصَّةِ الْمَيِّتِ فَلَمْ
يَكُنِ الْجُنُبُ أَوْلَى، بِخِلاَفِ مَا لَوْ كَانَ الْمَاءُ مُبَاحًا
فَإِنَّهُ حَيْثُ أَمْكَنَ بِهِ رَفْعَ الْجَنَابَةِ كَانَ أَوْلَى (1) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا مَاتَ صَاحِبُ الْمَاءِ
وَمَعَهُ شَخْصٌ حَيٌّ مُحْدِثٌ جُنُبٌ أَوْ غَيْرُهُ فَإِنَّ الْمَيِّتَ
يُقَدَّمُ عَلَى الْمُحْدِثِ الْحَيِّ لِحَقِيِّةِ الْمِلْكِ إِلاَّ أَنْ
يُخَافَ عَلَى الْحَيِّ الْعَطَشُ فَإِنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ أَحَقُّ
مِنْ صَاحِبِهِ وَيُيَمَّمُ الْمَيِّتُ حِفْظًا لِلنَّفُوسِ وَيَضْمَنُ
قِيمَتَهُ لِلْوَرَثَةِ.
أَمَّا لَوْ كَانَ الْمَاءُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمَيِّتِ وَالْحَيِّ
يُقَدَّمُ الْحَيُّ وَلَوْ لَمْ يَخَفْ عَطَشًا لِتَرْجِيحِ جَانِبِهِ
بِالشَّرِكَةِ وَيَضْمَنُ قِيمَةَ نَصِيبِ الْمَيِّتِ (2) .
__________
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 169.
(2) الخرشي 1 / 199 - 200.
(39/423)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ اجْتَمَعَ
مَيِّتٌ وَجُنُبٌ وَحَائِضٌ انْقَطَعَ دَمُهَا وَهُنَاكَ مَا يَكْفِي
أَحَدَهُمَا فَإِنْ كَانَ لأَِحَدِهِمَا كَانَ صَاحِبُ الْمَاءِ أَحَقَّ
بِهِ لأَِنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ لِنَفْسِهِ، فَلاَ يَجُوزُ لَهُ
بَذْلُهُ لِغَيْرِهِ، فَإِنْ بَذَلَهُ لِلآْخَرِ وَتَيَمَّمَ لَمْ يَصِحَّ
تَيَمُّمُهُ.
وَإِذَا كَانَ الْمَاءُ مُبَاحًا لَهُمَا كَانَا فِيهِ سَوَاءً.
وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مُبَاحًا أَوْ لِغَيْرِهِمَا وَأَرَادَ أَنْ يَجُودَ
بِهِ عَلَى أَحَدِهِمَا فَالْمَيِّتُ أَوْلَى لأَِنَّهُ خَاتِمَةُ
طَهَارَتِهِ، وَالْجُنُبُ وَالْحَائِضُ يَرْجِعَانِ إِلَى الْمَاءِ
وَيَغْتَسِلاَنِ.
وَإِذَا اجْتَمَعَ مَيِّتٌ وَحَيٌّ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ وَالْمَاءُ
يَكْفِي أَحَدَهُمَا فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ صَاحِبَ النَّجَاسَةِ أَوْلَى لأَِنَّهُ لَيْسَ
لِطَهَارَتِهِ بَدَلٌ وَلِطَهَارَةِ الْمَيِّتِ بَدَلٌ وَهُوَ التَّيَمُّمُ
فَكَانَ صَاحِبُ النَّجَاسَةِ أَحَقَّ بِالْمَاءِ، وَهَذَا هُوَ
الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْلَى لأَِنَّهُ خَاتِمَةُ طَهَارَتِهِ
(1) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِذَا اجْتَمَعَ جُنُبٌ وَمَيِّتٌ وَمَنْ عَلَيْهَا
غُسْل حَيْضٍ وَمَعَهُمْ مَاءٌ لاَ يَكْفِي إِلاَّ أَحَدَهُمْ، فَإِنْ
كَانَ مِلْكًا لأَِحَدِهِمْ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ لأَِنَّهُ يَحْتَاجُ
إِلَيْهِ لِنَفْسِهِ فَلاَ يَجُوزُ لَهُ بَذْلُهُ لِغَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ
مَالِكَهُ الْمَيِّتُ أَوْ أَحَدُ الْحَيَّيْنِ.
__________
(1) المهذب 1 / 42، والمجموع 2 / 273.
(39/424)
وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ لِغَيْرِهِ
وَأَرَادَ أَنْ يَجُودَ بِهِ عَلَى أَحَدِهِمْ فَعَنْ أَحْمَدَ رَحِمَهُ
اللَّهُ رِوَايَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: الْمَيِّتُ أَحَقُّ بِهِ لأَِنَّ غُسْلَهُ خَاتِمَةُ
طَهَارَتِهِ، فَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ طَهَارَتُهُ كَامِلَةً،
وَالْحَيُّ يَرْجِعُ إِلَى الْمَاءِ فَيَغْتَسِل، وَلأَِنَّ الْقَصْدَ
بِغُسْل الْمَيِّتِ تَنْظِيفُهُ وَلاَ يَحْصُل بِالتَّيَمُّمِ، وَالْحَيُّ
يَقْصِدُ بِغُسْلِهِ إِبَاحَةَ الصَّلاَةِ وَيَحْصُل ذَلِكَ بِالتُّرَابِ.
وَالثَّانِيَةُ: الْحَيُّ أَوْلَى لأَِنَّهُ مُتَعَبِّدٌ بِالْغُسْل مَعَ
وُجُودِ الْمَاءِ، وَالْمَيِّتُ قَدْ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُ بِالْمَوْتِ.
وَاخْتَارَ هَذَا الْخَلاَّل.
وَإِنْ وَجَدُوا الْمَاءَ فِي مَكَانٍ فَهُوَ لِلأَْحْيَاءِ، لأَِنَّ
الْمَيِّتَ لاَ يَجِدُ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ فَفَضَلَتْ
مِنْهُ فَضْلَةٌ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ
حَاضِرٌ فَلِلْحَيِّ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ لأَِنَّ فِي تَرْكِهِ
إِتْلاَفَهُ.
وَقَال بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ: لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ لأَِنَّ
مَالِكَهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ إِلاَّ أَنْ يَحْتَاجَ إِلَيْهِ
لِلْعَطَشِ فَيَأْخُذَهُ بِشَرْطِ الضَّمَانِ (1) .
__________
(1) المغني مع الشرح الكبير 1 / 277 - 278.
(39/424)
|