الموسوعة
الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة آداب التخلِّي وقضاء الحاجة
1 - أن يبتعد عن الناس ويستتر منهم:
عن المغيرة بن شعبه -رضي الله عنه-: أنَّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كان إذا ذَهَب المذهب أبْعَدَ" (1).
وعن جابر بن عبد الله: أنَّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: كان إذا أراد البَراز (2)؛ انطلق حتى لا يراه أحد" (3).
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "كان يذهب لحاجته إلى
__________
(1) أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي وغيرهم، وصححه شيخنا في "الصحيحة"
(1159).
(2) البَراز بالفتح: الفضاء الواسع، فكنّوا به عن قضاء الغائط كما كنّوا
عنه بالخلاء، لأنهم كانوا يتبرَّزون في الأمكنة الخالية من الناس، قال
الخطابي: المحدّثون يَروونه بالكسر وهو خطأ، لأنّه بالكسر مصدر من المبارزة
في الحرب، وقال الجوهري بخلافه، وهذا لفظه: البِرَازُ المبارزة في الحرب،
والبِرَاز أيضاً كناية عن ثفل الغذاء وهو الغائط، ثمَّ قال: والبَراز
بالفتح: الفضاء الواسع، وتبرَّز الرجل أي: خرج إِلى البَراز للحاجة وانظر
"النهاية".
(3) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (2) وغيره، وانظر "الصحيحة"
(1159).
(1/76)
المُغمَّس". قال نافع: المغمَّس: ميلين أو
ثلاثة من مكة (1).
وعن يعلى بن مُرَّة عن أبيه -رضي الله عنه- قال: "كنتُ مع النّبيّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سفر، فأراد أن يقضي حاجته، فقال لي: "ائت
تلك الأشاءتين (قال وكيع: يعني: النخل الصِّغار)، فقل لهما: إِنَّ رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمركما أن تجتمعا"، فاجتمعتا،
فاستتر بهما، فقضى حاجته، ثم قال لي: "ائتهما، فقل لهما: لترجعْ كلُّ واحدة
منكما إِلى مكانها"، فقلتُ لهما، فرجعتا (2).
2 - أن لا يتخلَّى في الطُّرق والظِّلال والموارد:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: "اتَّقوا اللَّعَّانَيْن" (3). قالوا: وما اللَّعَّانان
يا رسول الله؟ قال: "الذي يتخلَّى (4) في طريق الناس أو في ظلِّهم (5) "
(6).
__________
(1) أخرجه السراج في "مسنده" بإسناد صحيح على شرط مسلم وغيره، وانظر
"الصحيحة" (1072).
وقيل بأنَّ المغمس مكان مستورة؛ إِما بهضاب، وإِما بعضاه، والعضاه: كل شجر
له شوك؛ صغُر أو كبُر، والميل: قيل: ثلث الفرسخ، وقيل: هو مدّ البصر وقيل
غير ذلك.
(2) عن "صحيح ابن ماجه" (271).
(3) قال الإِمام الخطابي -رحمه الله-: "المراد باللَّعَّانين: الأمرين
الجالِبَيْن للَّعن، الحاملَين الناس عليه، والداعِيَين إليه، وذلك أنَّ
مَن فعَلهما شُتِم ولُعِن؛ يعني: عادة الناس لعْنه، َ فلما صارا سبباً
لذلك؛ أضيف اللعن إِليهما".
(4) أي: يتغوّط.
(5) قال الخطابي وغيره: هو مُستَظلّ الناس الذي اتَّخذوه مقيلاً ومناخاً
ينزلونه ويقعدون فيه.
(6) أخرجه مسلم: 269
(1/77)
وعن معاذ -رضي الله عنه- قال: قال رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اتَّقوا الملاعن الثلاث:
البِراز (1) في الموارد، وقارعة الطريق (2)، والظلّ" (3).
3 - أن لا يبول في الماء الراكد أو المستحم:
عن جابر -رضي الله عنه- عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: "أنَّه نهى أن يُبال في الماء الرَّاكد" (4).
وعن عبد الله بن مُغفَّل -رضي الله عنه-: قال: قال رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يبولنَّ أحدُكم في مستحمِّه، ثم يغتسل
فيه" (5).
4 - جواز البول في الإِناء أو الطَّست لمرض أو برد أو نحو ذلك:
عن أميمة بنت رقيقة -رضي الله عنها- قالت: "كان للنبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدَح من عيدان؛ يبول فيه، ويضعه تحت السرير" (6).
__________
(1) هو ثُفل الغذاء هنا، وتقدّم.
(2) قارعة الطريق: أعلاه، أو جادَّته، أو وسطه، أو صدره، أو ما برز منه،
فكلّها متقاربة مشتقة من القرع؛ أي: الضرب، فهي مقروعة بالقدم والحافر،
وذلك من تسمية المفعول بالفاعل "فيض القدير".
(3) أخرجه أبو داود، وابن ماجه، وغيرهما، وحسنه شيخنا -حفظه الله تعالى- في
"الإرواء" (62).
(4) أخرجه مسلم: 281، وهو في "صحيح ابن ماجه" (273)، و"صحيح سنن النسائي"
(34)، وله لفظ مقارب عند البخاري: 239
(5) أخرجه أبو داود "صحيح أبي داود" (22) وغيره، وانظر "المشكاة" (353).
(6) أخرجه أبو داود والنسائي "صحيح سنن النسائي" (32) وانظر "المشكاة"
(362).
(1/78)
وعن إِبراهيم عن الأسود؛ قال: ذكروا عند
عائشة أنَّ عليّاً -رضي الله عنهما- كان وصيّاً، فقالت: "متى أوصى إِليه،
وقد كنتُ مسنِدَتَه إِلى صدري -أو قالت: حَجري-، فدعا بالطَّسْت (1)، فلقد
انخنث (2) في حَجري، فما شعرتُ أنَّه قد مات، فمتى أوصى إِليه؟! " (3).
5 - ألا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض حتى لا
تنكشف عورته:
لحديث ابن عمر -رضي الله عنهما-: "أنَّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كان إِذا أراد حاجة؛ لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض" (4).
6 - أن يقول عند دخول الخلاء: "بسم اِلله، اللهمَّ إني أعوذ بك من الخبُث
والخبائث":
لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "سَتْر ما بين الجنِّ وعورات
بني آدم إِذا دَخَلَ الخلاء أن يقول: بسم الله" (5).
ولحديث عبد العزيز بن صهيب؛ قال: سمعتُ أنساً يقول: "كان النّبيّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذا دخل الخلاء؛ قال: "اللهمَّ إِني أعوذ بك
من الخُبُث" (6)
__________
(1) الإِناء.
(2) أي: انثنى ومال لاسترخاء أعضائه عند الموت.
(3) أخرجه البخاري: 2741 و4459 وغيره، وانظر "صحيح سنن النسائي" (33).
(4) عن "صحيح سنن أبي داود" (11)، وانظر "الصحيحة" (1071).
(5) أخرجه أبو داود، وابن ماجه، وغيرهما، وصحّحه شيخنا في "الإرواء" (50).
(6) ويجوز إسكان الباء، وانظر "الفتح" (1/ 243).
(1/79)
والخبائث (1) " (2).
7 - عدم استقبال القبلة:
عن أبي أيُّوب الأنصاري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِذا أتى أحدُكم الغائط؛ فلا يستقبل
القبلة، ولا يولِّها ظهرَه، شرِّقوا أو غرِّبوا (3) " (4).
وعن سلمان -رضي الله عنه- قيل له: قد علَّمكم نبيُّكم كلَّ شيء، حتى
الخِراءة (5). قال: فقال: "أجل؛ لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول،
أو نستنجيَ باليمين، أو أن نستنجيَ بأقلَّ من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجيَ
برجيع (6) أو بعظم" (7).
__________
(1) الخُبْث: جمع خبيث، والخبائث: جمع خبيثة؛ يريد: ذُكران الشياطين
وإناثهم. قاله الخطابي وابن حبان وغيرهما. "فتح".
وأصل الخبائث: المعاصي، أو مطلق الأفعال المذمومة.
(2) أخرجه البخاري: 142، ومسلم: 375
(3) وليس التشريق أو التغريب عامّاً لكل البلاد، فمن الناس من يشرِّق أو
يغرِّب فيستقبل القبلة أو يستدبرها، والمراد عدم استقبال القبلة أو
استدبارها؛ كما هى الإشارة في أوَّل الحديث.
(4) أخرجه البخاري: 144
(5) التخلِّي والقعود للحاجة؛ قال الخطابي: "وأكثر الرواة يفتحون الخاء".
"النهاية".
(6) الرَّجيع: العَذرة والرَّوث، سُمي رجيعاً؛ لأنَّه رجع عن حالته الأولى
بعد أن كان طعاماً أو علفاً. "النهاية".
(7) أخرجه مسلم: 262
(1/80)
قال ابن حزم -رحمه الله تعالى-: "ولا يجوز
استقبال القبلة واستدبارها للغائط والبول؛ لا في بنيان، ولا في صحراء، ولا
يجوز استقبال القبلة فقط كذلك في حال الاستنجاء.
(ثمَّ ذكر حديث أبي أيوب -رضي الله عنه- وغيره، وذكر أيضاً من قال بذلك من
السَّلَف) " (1).
وعن يحيى بن يحيى؛ قال: قلتُ لسفيان بن عيينة: سمعتَ الزُّهريَّ يذكر عن
عطاء بن يزيد الليثي عن أبي أيوب: أنَّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: "إِذا أتيتُم الغائط؛ فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها
ببولٍ ولا غائط، ولكنْ شرِّقوا وغرِّبوا".
قال أبو أيوب: "فقَدمْنا الشام؛ فوَجَدْنا مراحيضَ قد بُنِيَت قِبَل
القِبلةِ، فننحرف عنها ونستغفر اللَّه؟ قال: نعم (2) " (3).
وربَّما يُشْكِل على البعض حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "ارتقَيْتُ
فوق بيت حفصةَ لبعض حاجتي، فرأيتُ رسولَ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يقضي حاجَتَه مُسْتَدْبِرَ القِبلة مستقبِلَ الشام" (4).
وقول مروان الأصفر: "أناخَ ابنُ عُمر بعيرَه مستقبلَ القِبلة، ثمَّ جَلَس
يبولُ
__________
(1) انظر "المحلّى" (مسألة 146).
(2) جواب لقوله في البداية: "سمعتَ الزُّهري ... " إِلخ.
(3) أخرجه البخاري: 394، ومسلم: 264
(4) أخرجه البخاري: 148، ومسلم: 266
(1/81)
إِليها، فقلتُ (1): يا أبا عبد الرحمن!
أليس قد نُهِيَ عن هذا؟ قال: بلى؛ إِنَّما نُهِيَ عن هذا في الفضاء، أمَّا
إِذا كان بينك وبينَ القِبلة شيءٌ يستُرُك؛ فلا بأسَ" (2).
فالجواب عن ذلك:
"1 - إِنَّ كل النصوص المتعلِّقة بالموضوع لا تعدو أن تكون قوليَّة أو
فعليَّة، سوى أثر ابن عمر، وهو موقوف، ولا يُعارَض المرفوع بالموقوف؛ كما
هو معلوم.
2 - إِذا تعارضَ قولٌ وفِعلٌ؛ قُدِّم القول على الفعل؛ كما هو مقرَّر في
علم الأصول، والقول يأمر بعدم استقبال القِبّلة أو استدبارها ببولٍ أو
غائط.
3 - إِذا تعارَضَ حاظِرٌ ومُبيحٌ؛ قدِّمَ الحاظر على المُبيح.
4 - لقد ثبتَ النَّهي عن البصقِ تجاه القبلة؛ كما في الحديث: "من تَفَلَ
تجاه القِبلة؛ جاء يومَ القيامة وتفلتُه بينَ عينيه" (3).
ومن هذا الحديث يُستَنْبَط أنَّ النَّهي عن استقبال القبلة ببول أو غائطٍ؛
إِنَّما هو مطلقٌ يشمل الصحراء والبُنيان؛ لأنَّه إِذا أفاد الحديث أنَّ
البصقَ تجاه القِبلة لا يجوز مُطلقاً؛ فالبول والغائط مستقبلاً لها لا يجوز
بالأولى" (4).
__________
(1) أي: مروان الأصفر.
(2) أخرجه أبو داود: 11، "صحيح سنن أبي داود" (8)، وغيره، وانظر "الإِرواء"
(61).
(3) أخرجه أبو داود، وغيره، وِإسناده صحيح؛ وانظر "الصحيحة" (222).
(4) كذا قاله لي بمعناه شيخُنا الألباني -حفظه الله-.
(1/82)
8 - التحفُّظ من البول كي لا يصيبَ البدن
والثياب، والتَّغليظ في ترك غسْله إِذا أصاب البدن والثياب (1):
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "مرَّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بحائط (2) من حيطان المدينة -أو مكة-، فَسَمع صوت
إِنسانين يعذَّبان في قبورهما، فقال النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: "يُعذَّبان، وما يُعَذَّبان في كبير"، ثمَّ قال: "بلى، كان
أحدهما لا يستتر (3) من بوله، وكان الآخر يمشي بالنميمة" (4).
9 - عدم الاستنجاء باليمين:
وذلك لما سبق في حديث سلمان: " ... نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول،
أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجيَ بأقلّ من ثلاثة أحجار" (5).
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كانت يد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اليسرى لخلائه وما كان من أذى، وكانت اليُمنى لوضوئه
ولمَطعمه" (6).
وعن أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِذا شرب أحدُكم؛ فلا يتنفَّس في الإِناء، وإذا أتى
الخلاء؛ فلا يمسّ ذكره بيمينه، ولا
__________
(1) هذا العنوان من "صحيح ابن خزيمة".
(2) أي: بستان.
(3) أي: لا يستبرئ ولا يتطهَّر كما تقدَّم.
(4) أخرجه البخاري: 216، ومسلم: 262، وغيرهما، وتقدم مختصراً.
(5) تقدَّم تحت رقم (7).
(6) أخرجه أبو داود، وأحمد، وسنده صحيح كما قال النَّووي والعراقي، وانظر
تفصيله في "الإرواء" تحت رقم (93).
(1/83)
يتمسَّح بيمينه (1) " (2).
وعنه أيضاً؛ قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"إِذا دخل أحدُكم الخلاء؛ فلا يمسَّ ذَكَرَة بيمينه" (3).
10 - الاستنجاء بالماء:
عن أنس بن مالك قال: "كان النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
إِذا خرجَ لحاجته؛ أجيء أنا وغلام معنا إِداوة (4) من ماء؛ يعني: يستنجي
به" (5) ....
وعنه -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يتبرَّز لحاجته، فآتيهِ بالماء، فيَتَغَسَّلُ به" (6).
11 - إِذا استجمر بالحجارة؛ فلا يجْعَلْها أقلَّ من ثلاثة:
لحديث سلمان المتقدِّم: "نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول ... أو أن
نستنجيَ بأقل من ثلاثة أحجار".
وأيضاً؛ لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: " ... وكان يأمر بثلاثة
__________
(1) أى: لا يستنج.
(2) أخرجه البخاري: 153، ومسلم: 267
(3) أخرجه مسلم: 267
(4) هي إِناء صغيرمن جلد؛ كما تقدَّم في أول الكتاب.
(5) أخرجه البخاري: 150، وهو في "صحيح مسلم" (271) نحوه، وتقدّم قريباً.
(6) أخرجه مسلم: 271
(1/84)
أحجار، وينهى عن الرَّوث والرِّمَّة" (1).
ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِذا ذهب أحدكم إِلى
الغائط؛ فليستطب بثلاثة أحجار؛ فإِنَّها تجزئ عنه" (2).
12 - عدم الاستنجاء بالرَّوث أو العظم:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: اتَّبعتُ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وخرج لحاجته، فكان لا يلتفت، فدنوتُ منه، فقال:
"ابغني أحجاراً أستنفضُ بها -أو نحوه-، ولا تأتني بعظم ولا روث"، فأتيتُه
بأحجارٍ بطرف ثيابي، فوضعتُها إِلى جنبه، وأعرَضْتُ عنه، فلما قضى؛
أتْبَعَه بهنَّ" (3).
وعن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه: أنَّه سمع عبد الله يقول: أتى النّبيُّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الغائطَ، فأمَرَني أن آتيَه بثلاثة
أحجار، فوجدتُ حجرين، والتمست الثالث؛ فلم أجده، فأخذتُ روثةً، فأتيتُه
بها، فأخذ الحجرين، وألقى الروثة، وقال: "هذا رِكْس (4) " (5).
__________
(1) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (6)، وبعضه في مسلم: 262، وتقدّم
قريباً والمراد بالرِّمة: العظم البالي.
(2) أخرجه أحمد وأبو داود، وغيرهما، وانظر "الإِرواء" (44)، وتقدّم، ويُفهم
من الحديث أنَّ أقلَّ من ثلاث لا تجزئ.
(3) أخرجه البخاري: 155، وتقدَّم في (باب إِزالة النجاسات).
(4) جاء في "الفتح" (1/ 258): الرِّكس: لغة في رجس؛ بالجيم، وقيل: الرِّكس
الرَّجيع، رُدَّ من حالة الطهارة إِلى حالة النجاسة. قاله الخطابي وغيره.
والأولى أن يقال: رُدَّ من حالة الطعام إِلى حالة الروث.
(5) أخرجه البخاري: 156
(1/85)
وعن جابر -رضي الله عنه- قال: "نهى رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يُتمسَّح بعظْم أو ببعْر"
(1).
وعلَّل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سبب نهيه عن
الاستنجاء بالرَّوث والعظام، لأنَّه زاد إِخواننا من الجنِّ، كما في حديث
ابن مسعود -رضي الله عنه- عن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-؛ قال: "لا تستنجوا بالرَّوث ولا بالعظام؛ فإِنَّه زاد إِخوانكم من
الجنِّ" (2).
13 - عدم ردِّ السلام عند قضاء الحاجة:
عن ابن عمر- رضي الله عنهما-: "أنَّ رجلاً مرَّ ورسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يبول، فسلَّم، فلم يردَّ عليه" (3).
وعن المهاجر بن قنفذ -رضي الله عنه-: أنَّه أتى النّبىّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يبول، فسلَّم عليه، فلم يردَّ عليه حتى توضَّأ،
ثمَّ اعتذر إِليه، فقال: "إِنِّي كرهتُ أن أذكر الله -عزَّ وجلَّ- إِلا على
طهر (أو قال: على طهارة) " (4).
14 - أن يقول عند الخروج من الخلاء: غفرانك:
كما في حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذا
__________
(1) أخرجه مسلم: 263
(2) أخرجه أحمد، والترمذي، وغيرهما، وصححه شيخنا فى "الإِرواء" (46)،
وتقدّم.
(3) أخرجه مسلم: 370، وغيره.
(4) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (13)، والنسائي والدارمي، وانظر
"الصحيحة" (834).
(1/86)
خرج من الخلاء، قال: غُفرانك" (1).
15 - دلْك اليد بالأرض بعد الاستنجاء:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: "أنَّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قضى حاجته، ثمَّ استنجى من تور، ثمَّ دَلَكَ يده بالأرض" (2).
واستعمال الصابون ونحوه يجزئ عن ذلك.
هل يجوز التبوُّل قائماً؟
لقد وَرَدَ عن عائشة -رضي الله عنها- قولُها: "من حدَّثكم أنَّ النّبيّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يبولُ قائماً، فلا تصدِّقوه، ما
كان يبولُ إلا قاعداً" (3).
وما بَدَر عن عائشة -رضي الله عنها- نفيٌ، وقد حدَّثَتْ بما عَلِمَتْ.
وقد ورَدَ الإِثبات من حُذيفة -رضي الله عنه- وحدَّث بما عَلِمَ، فنُقدِّمه
على النفي، وذلك بقوله: "أتى النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- سُباطَةَ (4) قومٍ، فبال قائماً" (5).
ومن علم حجَّة على من لم يعلم.
__________
(1) أخرجه البخاري في "الأدب المفرد"، وأبو داود، والترمذي، وغيرهم، وهو في
"الإِرواء" (52)، و"صحيح سنن أبي داود" (244).
(2) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (35) وغيره، وانظر "المشكاة"
(360).
(3) أخرجه النسائي "صحيح سنن النسائي" (29) وغيره، وانظر "الصحيحة" (201).
(4) المزبلة والكناسة: تكون بفناء الدور مرفقاً لأهلها. "الفتح".
(5) أخرجه البخاري: 226، ومسلم؛ 273، وغيرهما.
(1/87)
قال الحافظ في "الفتح" (1/ 330): "وقد
ثَبَتَ عن عُمر وعليٍّ وزيد بن ثابت وغيرهم: أنَّهم بالوا قياماً، وهو
دالٌّ على الجواز من غير كراهة إِذا أمِنَ الرَّشاش، والله أعلم، ولم
يثبُتْ عن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في النَّهي عنه
شيءٌ (1)؛ كما بيَّنتُه في أوائل شرح التِّرمذي، والله أعلم".
أمَّا قولُ عمر -رضي الله عنه-: "ما بُلْتُ قائماً منذُ أسلمتُ" (2)؛
فَيُقابل بقول زيد -رضي الله عنه-: "رأيتُ عُمر بال قائماً" (3).
قال شيخنا- حفظه الله-: "ولعلَّ هذا وقع من عمر -رضي الله عنه- بعد قوله
المتقدِّم، وبعدما تبيَّن له أنَّه لا شيء في البول قائماً" اهـ.
فخُلاصة القول كما قال الحافظ -رضي الله عنه-: "جواز البول قائماً من غير
كراهة إِذا أمِنَ الرَّشاش".
__________
(1) أما حديث: "يا عُمر! لا تَبُل قائماً"؛ فإِنَّه ضعيف، وقد رواه ابن
حبان في "صحيحه".
قال شيخنا في "الضعيفة" (934): "وهذا سند ظاهره الصحَّة؛ فإِنَّ رجاله
ثقات، لكنه معلول بعنعنة ابن جرير؛ فإِنَّه كان مدلِّساً، وقال أبو عيسى في
"سننه" (باب ما جاء في النهي عن البول قائماً، تحت الحديث رقم 12):
وِإنَّما رفعَ هذا الحديث عبد الكريم بن المُخارق، وهو ضعيف عند أهل
الحديث، ضعَّفه أيوب السختياني، وتكلَّم فيه".
(2) أخرجهما ابن أبي شيبة في "المصنَّف"، وِإسنادهما صحيح؛ كما ذكر شيخنا
في التعليق على حديث (934) من "الضعيفة".
(3) أخرجهما ابن أبي شيبة في "المصنَّف"، وِإسنادهما صحيح؛ كما ذكر شيخنا
في التعليق على حديث (934) من "الضعيفة".
(1/88)
|