الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة

الوضوء
الوُضوء (بالضمّ): الفِعْل، وبالفتح (الوَضوء): ماؤه، ومصدر أيضاً، أو لُغتان قد يُعني بهما المصدر وقد يُعني بهما الماء (1).
قال الحافظ (2): "وهو مشتقٌّ من الوَضاءَة، وسُمّي بذلك لأنَّ المصلّي يتنظّف به فيصير وضيئاً".

فضل الوُضوء
عن نعيم المُجمِر؛ قال: رَقِيتُ (3) مع أبي هريرة -رضي الله عنه- على ظهْر المسجد فتوضّأ فقال: إِنّي سمعْت النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إِنَّ أمَّتي (4) يُدعوَن يوم القيامة غُرّاً (5) مُحَجَّلينَ (6) من آثار الوُضوء" (7).
__________
(1) عن "القاموس المحيط"، وذكر نحوه الحافظ في "الفتح".
(2) وذكر نحوه الشوكاني في "نيل الأوطار" (أبواب صفة الوضوء ... ).
(3) بكسر القاف؛ أي: صعدتُ.
(4) أمَّة الإجابة، وهم المسلمون، لا أمَّة الدَّعوة. انظر "الفتح".
(5) جمع أغرّ؛ أي: ذو غُرَّة، وأصل الغُرّة: لمعة بيضاء تكون في جبهة الفرس، ثمَّ استعملت في الجمال والشهرة وطيب الذِّكْر، والمراد بها هنا: النّور الكائن في وجوه أمَّة محمّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وغُرّاً: منصوب على المفعوليَّة ليُدعَوْن، أو على الحال؛ أي: أنهم إِذا دُعوا على رؤوس الأشهاد؛ نودوا بهذا الوصف، وكانوا على هذه الصفة.
(6) من التَّحجيل، وهو بياض يكون في ثلاث قوائم الفرس، وأصْله من الحِجل، وهو الخَلخال، والمراد به هنا أيضاً النور. "الفتح".
(7) أخرجه البخاري: 136، ومسلم: 246، وحذفت الشطر الآخر من الحديث =

(1/89)


وعن أبي مالك الأشعريّ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الطُّهورُ (1) شَطر الإِيمان" (2).
وعن حُمران مولى عثمان عن عثمان -رضي الله عنه- قال: رأيتُ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضّأ مثل وُضوئي هذا، ثمَّ قال: "من توضّأ هكذا؛ غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه، وكانت صلاته ومشيه إِلى المسجد نافلة" (3).
وعنه أيضاً؛ قال: سمِعْتُ عثمان وهو بفناء (4) المسجد، فجاءه المؤذّن عند العصر، فدعا بوَضوء فتوضّأ، ثمَّ قال: والله لأحدّثنّكم حديثاً (5)؛ لولا آية
__________
= لأنَّه مدْرج، ولفظه: "فمن استطاع منكم أن يُطيل غُرَّته؛ فليفعل".
قال الحافظ في "الفتح": " ... ثمَّ إِنَّ ظاهره بقيَّة حديث، لكن رواه أحمد من طريق فليح عن نعيم: لا أدري قوله: "من استطاع ... " إِلخ من قول النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو قول أبي هريرة، ولم أر هذه الجملة في رواية أحد؛ ممَّن روى الحديث من الصحابة، وهم عشرة، ولا ممَّن رواه عن أبي هريرة غير رواية نعيم هذه، والله أعلم".
وقد فصَّل القول في ذلك شيخنا الألباني -حفظه الله تعالى- في "السلسلة الضعيفة" (1030)، فارجع إِليها -إِن شئت- وِإلى هذا ذهب شيخ الإِسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم -رحمهما الله تعالى- وغيرهما.
(1) الطُّهور: بضم أوله: إِذا أريد به الفعل الذي هو المصدر، والطَّهور بالفتح: الماء لذي يُتطَّهر به.
(2) أخرجه مسلم: 223
(3) أخرجه مسلم: 229
(4) بين يدي المسجد أو في جواره.
(5) قال النووي: فيه جواز الحلف من غير ضرورة الاستحلاف.

(1/90)


في كتاب الله ما حدَّثْتُكُم: إِنّي سمِعْت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لا يتوضّأ رَجُلٌ مسلم فيُحسنُ الوُضوء، فيصلّي صلاةً، إلاَّ غَفَرَ الله له ما بينه وبين الصلاة التي تليها".
"قال عُروة: الآية: {إِنَّ الذين يكْتُمونَ ما أنْزَلْنا من البيِّنات والهدى} إِلى قوله: {اللاّعِنونَ} (1) " (2).
وعن عثمان بن عفّان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من أتمَّ الوُضوءَ كما أمَره الله تعالى؛ فالصّلوات المكتوبات كفّارات لما بينهنَّ" (3).
وعن حُمران مولى عثمان قال: توضّأ عثمانُ بنُ عفّانَ وُضوءاً حسناً، ثمَّ قال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتوضّأ فأحسن الوُضوء، ثمَّ قال: "من توضّأ هكذا، ثمَّ خرج إِلى المسجد لا ينهزُه (4) إلا الصّلاة، غُفر له ما خلا من ذنبه" (5).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إِذا توضأ العبد المسلم (أو المؤمن)، فغَسل وجهه؛ فخرج من وجهه كلُّ خطيئة نظر
__________
(1) البقرة: 159
(2) أخرجه البخاري: 160، ومسلم: 227
(3) أخرجه مسلم: 231
(4) أي: لا يدفعه أو يحرِّكُه.
(5) أخرجه مسلم: 232

(1/91)


إِليها بعينيه مع الماء (أو آخر قَطرْ الماء)، فإِذا غسل يديه؛ خرج من يديه كلُّ خطيئة كان بطَشَتها (1) يداه مع الماء (أو آخر قطر الماء)، فإِذا غسل رجليه؛ خرجت كلُّ خطيئة مشتها رجلاه مع الماء (أو آخر قطر الماء)، حتى يخرُج نقيّاً من الذّنوب" (2).
وعن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من توضّأ فأحسن الوُضوء؛ خَرجت خطاياه من جسده، حتى تخرج من تحت أظفاره" (3).

الوضوء شرط من شروط الصلاة
قال تعالى: {يا أيّها الذين آمنوا إِذا قُمْتُمْ إِلى الصَّلاة فاغْسلُوا وُجوهَكُم وأيْديَكُم إِلى المرافقِ وامْسَحُوا برؤوسكُم وأرجُلَكُمَ إِلى الكعْبَيْن} (4).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تُقبل (5) صلاةُ من أحدثَ حتى يتوضّأ ".
__________
(1) أي: اكتسبتها.
(2) أخرجه مسلم: 244، وغيره.
(3) أخرجه مسلم: 245، وغيره.
(4) المائدة: 6
(5) جاء في "الفتح" تحت حديث (رقم 135): "المراد بالقَبول: هنا ما يُرادف الصحّة، وهو الإِجزاء، وحقيقة القبول ثمرة وقوع الطاعة مجزئة رافعة لما في الذِّمَّة، =

(1/92)


قال رجلٌ من حضرَمَوت: ما الحدث (1) يا أبا هريرة؛ قال: فُساء أو ضُراط.
وعن مصعب بن سعد -رضي الله عنه- قال: "دَخَل عبد الله بن عمر على ابن عامر يعودُه وهو مريض، فقال: ألا تدعو الله لي يا ابن عمر؟ قال: إِنّي سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لا تُقبل صلاة بغير طُهور، ولا صدقةٌ من غُلُول (2) " وكنتَ على البصرة" (3) (4).
__________
= ولمَّا كان الإِتيان بشروطها مظنَّة الإِجزاء الذي القَبول ثمرتُه، عبَّر عنه بالقبول مجازاً، وأمَّا القبول المنفي في مثل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا من أتى عرَّافاً؛ لم تُقبل له صلاة"؛ فهو الحقيقي؛ لأنَّه قد يصح العمل وَيتخلَّف القَبول لمانع، ولهذا كان بعض السّلف يقول: لأن تُقبل لي صلاة واحدة أحبُّ إِليَّ من جميع الدنيا، قاله ابن عمر.
قال: لأنَّ الله تعالى قال: {إِنَّما يتقبل الله من المتقين} (المائدة: 27) " انتهى كلامه -رضي الله عنه- والحديث بلفظ: "من أتى عرَّافاً، فسأله عن شيء؛ لم تُقبل له صلاة أربعين ليلة"، أخرجه مسلم: 2230، وغيره.
(1) الحدث: الخارج من أحد السَّبيلين، وتفسير أبي هريرة الأخصّ من ذلك تنبيهاً بالأخفّ على الأغلظ. (الفتح) رواه البخاري: 135، ومسلم: 225 دون قوله: "قال رجل".
(2) الغُلول: الخيانة، وأصله السَّرقة من مال الغنيمة قبل القِسمة.
(3) أخرجه مسلم: 224
(4) قال النووي في "شرح مسلم": "فمعناه: أنَّك لست بسالمٍ من الغلول، فقد كنت والياً على البصرة، وتعلَّقت بك تَبعات من حقوق الله تعالى وحقوق العباد، ولا يقبل الدُّعاء لمن هذه صفته؛ كما لا تقبل الصلاة والصدقة إلاَّ من مُتصوَن، والظاهر -والله أعلم- أنَّ ابن عمر قصدَ زجر ابن عامر وحثَّه على التوبة وتحريضه على الإقلاع عن المخالفات =

(1/93)


وعن عليّ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مِفتاحُ الصلاة الطَّهور، وتحريمها التّكبير، وتحليلها التّسليم" (1).

فرائض الوضوء
1 - النِّيَّة
لحديتَ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: سمعْت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إِنَّما الأعمال بالنِّيَّات، وإِنَّما لكلّ امرئ ما نوى" (2).
والنّيّة: القصد والعزم، ومحلّها القلب، والتلفّظ بها بدعة.

2 - التَّسمية
لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ قال: "لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله تعالى عليه" (3).
قال الحافظ المنذري -رضي الله عنه- في "الترغيب": " ... وقد ذهب الحسن وإِسحاق بن راهويه وأهل الظَّاهر؛ إِلى وجوب التَّسمية في الوضوء؛
__________
= ولم يُرِد القطع حقيقة بأنَّ الدعاء للفسّاق لا ينفع، فلم يزل النبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والسّلف والخلف يدْعون للكفار وأصحاب المعاصي بالهداية والتوبة، والله أعلم.
(1) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (55)، والترمذي، وغيرهما وانظر "الإِرواء" (301).
(2) أخرجه البخاري: 1، ومسلم: 1907، وغيرهما.
(3) أخرجه أحمد وأبو داود "صحيح سنن أبي داود" (92)، وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه" (320)، وغيرهم، وانظر "الإِرواء" (81).

(1/94)


حتى إِنَّه إِذا تعمَّد ترْكها؛ أعاد الوضوء، وهو رواية الإِمام أحمد ... ".
وهو من اختيار صدّيق خان، والشوكاني كما في "السيل الجرّار" (1/ 76 - 77)، و"الدّراري المضيّة" (1/ 45)، وبه يقول شيخنا الألباني -حفظه الله- في "تمام المنّة" (ص89).

3 - المضمضة والاستنشاق والاستنثار مّرة واحدة.
عن لقيط بن صَبِرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِذا توضّأتَ؛ فمضمِض" (1).
و (مضمِض) فِعل أمر، والأمر يفيد الوجوب؛ إلا لقرينة تصرفه -كما هو معروف-.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من توضّأ؛ فلْيستنثر (2)، ومن استجمر؛ فليوتر" (3).
قال الشوكاني -رحمه الله-: "القول بالوجوب هو الحقّ؛ لأنَّ الله سبحانه قد أمرَ في كتابه العزيز بغسل الوجه، ومحلّ المضمضة والاستنشاق من جملة الوجه، وقد ثبت مداومة النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ذلك في كلِّ وضوء، ورواه جميع من روى وضوءَه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبيَّن صِفته، فأفاد ذلك أنَّ غسل الوجه المأمور به في القرآن
__________
(1) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (131)، وصححه الترمذي والنووي. وانظر كلام الشوكاني في تخريجه بعد سطور.
(2) من النَّثر: وهو طرح الماء الذي يستنشقه المتوضئ؛ أي: يجذبه بريح أنفه لتنظيف ما في داخله، فيخرُج بريح أنفه.
(3) أخرجه البخاري: 161، ومسلم: 237

(1/95)


هو المضمضة والاستنشاق.
وأيضاً قد ورد الأمر بالاستنشاق والاستنثار في أحاديث صحيحة.
وأخرج أبو داود والترمذي من حديث لَقيط بن صَبِرة بلفظ: "إِذا توضأتَ؛ فمَضمِض"، وإسناده صحيح، وقد صحّحه الترمذي والنَّووي وغيرهما، ولم يأتِ من أعلَّه بما يقدح فيه" (1).

4 - غَسْل الوجه مرّة واحدة.
قال ابن كثير في "تفسيره": "وحدُّ الوجه عند الفقهاء ما بين منابت شعر الرأس -ولا اعتبار بالصّلع ولا بالغَمَم (2) - إِلى منتهى اللحيَيْن والذّقن طولاً، ومن الأذن إِلى الأذن عَرضاً" (3).

5 - تخليل اللحية.
لحديث أنس -رضي الله عنه-: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا توضّأ؛ أخذ كفّاً من ماء، فأدخله تحت حَنَكه؛ فخلّل به لحيته، وقال: "هكذا أمرني ربي عزّ وجلّ" (4).
__________
(1) "السيل الجرَّار" (81 و82).
(2) الغَمَم: هو سيلان الشعر حتى تضيق الجبهة والقفا. (المحيط).
(3) انظره في تفسير الآية (6) من سورة المائدة.
(4) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (132)، وغيره، وهو صحيح بطرقه وشواهده، وانظر "المشكاة" (408).

(1/96)


6 - غَسل اليدين إِلى المرفقين (1) مرة واحدة.
7 - مسح الرأس مرّة واحدة (2).
8 - مسح الأذنين مرّة واحدة.
لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الأذنان من الرأس" (3).
وبه يقول الإِمام أحمد بن حنبل -رضي الله عنه-.

9 - غَسل الرّجلين إِلى الكعبين مرّة واحدة.
ودليل وجوب غسل هذه الأعضاء: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} (4).

10 - تخليل أصابع اليدين والرجلين.
لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِذا توضّأْتَ؛ فخلِّلْ أصابعَ يديْك ورِجليْك" (5).
وعن لَقيط بن صَبِرة عن النبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إِذا توضّأْتَ؛ فخلِّل
__________
(1) المرفق: موصل الذراع في العضُد.
(2) سيأتي التّفصيل المتعلِّق بهذا المسح إِن شاء الله.
(3) ثبت من عدّة طُرق، بعضها صحيح لذاته، وبعضها صحيح لغيره، وانظر تفصيله فى "الصحيحة" (36).
(4) المائدة: 6
(5) أخرجه الترمذي، وابن ماجه، والحاكم، وأحمد، وهو في "الصحيحة" (1306).

(1/97)


الأصابع " (1).

11 - الموالاة في الوضوء.
واختُلف فيها على أقوال، والراجح فيها الوجوب؛ إِلا إِذا تُركت لعُذر، والله أعلم.
قال شيخ الإِسلام -رحمه الله-: "الموالاة في الوضوء، فيها ثلاثة أقوال: أحدها: الوجوب مُطلقاً؛ كما يذكره، أصحاب الإِمام أحمد ظاهر مذهبه، وهو القول القديم للشافعي.
والثاني: عدم الوجوب مطلقاً؛ كما هو مذهب أبي حنيفة، ورواية عن أحمد، والقول الجديد للشافعي.
والثالث: الوجوب؛ إلاَّ إِذا تركها لعُذر؛ مثل عدم تمام الماء؛ كما هو المشهور في مذهب مالك".
قلت [أي: شيخ الإِسلام -رحمه الله تعالى-]: وهذا القول الثالث؛ هو الأظهر والأشبه بأصول الشريعة وبأصول مذهب أحمد وغيره.
وذلك أنَّ أدلة الوجوب لا تتناول إِلا المفرِّط، لا تتناول العاجز عن الموالاة، فالحديث الذي هو عُمدة المسألة الذي رواه أبو داود (2) وغيره عن خالد بن معدان عن بعض أصحاب النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أنَّه رأى رجلاً يصلّي وفي ظهر
__________
(1) صححه ابن حبان والحاكم وغيرهما، وهو في "سنن أبي داود" (142) نحوه، وانظر "صحيح سنن أبي داود" (129)، و"الصحيحة" تحت رقم (1306).
(2) برقم: 175، وهو في "صحيح سنن أبي داود" (161).

(1/98)


قدمه لمعة قدْر الدِّرهم لم يُصِبها الماء، فأمره النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يُعيد الوضوء والصلاة" (1) فهذه قضيّة عين، والمأمور بالإِعادة مفرّط؛ لأنَّه كان قادراً على غسل تلك اللمعة كما هو قادر على غسل غيرها، وإِنَّما بإِهمالها وعدم تعاهده لجميع الوضوء بقيت اللمعة، نظير الذين كانوا يتوضّؤون وأعقابهم تلوح، فناداهم بأعلى صوته: "ويل للأعقاب من النَّار" (2).
وكذلك الحديث الذي في "صحيح مسلم" (3) عن عمر -رضي الله عنه-: "أنَّ رجلاً توضّأ، فترك موضع ظُفُر على قدمه، فأبصَره النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: "ارجِع فأحسِن وضوءك"، فرجع ثمَّ صلّى (4) " (5).

12 - التيامن.
وهو البدء بغسل اليمين من اليدين والرّجلين، وذلك لعموم ما ورد في التّيامن.
ثمَّ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِذا لَبِستُم وإذا توضّأتم؛ فابدؤوا بأيامِنكم" (6).
__________
(1) أخرجه أحمد وأبو داود وغيرهما، وصحّحه شيخنا -حفظه الله- في "الإِرواء" (86).
(2) أخرجه البخاري: 60، 96، 163، 165، ومسلم: 240، وغيرهما.
(3) برقم: 243
(4) وفي رواية: "فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة"؛ كما تقدّم، رواه أحمد، وأبو داود وانظر "صحيح سنن أبي داود" (161)، و"الإرواء" (86).
(5) "مجموع الفتاوى" (21/ 135).
(6) أخرجه أحمد وأبو داود "صحيح سنن أبي داود" (3488)، وانظر "المشكاة" (401)، وهو في "صحيح سنن ابن ماجه" (323)؛ بلفظ: "بميامنكم".

(1/99)


13 - "الدلك لمن كان ذا شعرٍ كثير (1) كثيف" (2).
لأنَّ هذا الشعر قد يحول دون بلوغ الماء موضعه، وما لا يتمّ الواجب إلاَّ به؛ فهو واجب.