الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة

سُنَن الوضوء
1 - السِّواك:
لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لولا أن أشقّ على أُمّتي؛ لأمَرْتُهم بالسواك مع كلّ وضوء" (3).
ويستحبّ السّواك للصائم أوّل النَّهار وآخره؛ للبراءة الأصليّة (4).

2 - غَسل الكفّين في أوّل الوضوء.
ومن الأدلّة على ذلك:
حديث عبد الله بن زيد، وفيه:" ... فأكفأ (5) على يده من التَّور، فغسل يديه ثلاثاً ... " (6).
__________
(1) ويسمى الشعراني في اللغة، وانظر "المحيط"، و"الوسيط".
(2) قاله لي بمعناه شيخنا الألباني -حفظه الله-.
(3) أخرجه أحمد ومالك والنسائي وغيرهم، وذكره البخاري معلقاً، وصحّحه شيخنا -حفظه الله- في "الإرواء" (70).
(4) انظر "تمام المنّة" (ص 89).
(5) أي: أمال وصبَّ.
(6) أخرجه البخاري: 186، ومسلم: 235، وتقدّم.

(1/100)


وكذلك حديث حُمران الآتي في النقطة الرابعة: "فأفْرَغ (1) على كفّيه ثلاث مرار، فغسلهما ... ".

3 - الدَّلك لمن لم يكن ذا شعر طويل كثيف.
عن عبد الله بن زيد: "أنَّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتيَ بثُلُثي مُدّ؛ فجعلَ يدْلُك ذراعه" (2).

4 - تثليث الغَسل.
وفيه عدة أحاديث؛ منها:
ما رواه حُمران مولى عثمان: "أنَّه رأى عثمان بن عفان دعا بإِناءٍ، فأفرغ على كفّيه ثلاث مِرار، فغسلَهما، ثمَّ أدخل يمينه في الإِناء فمضمضَ واستنشقَ، ثمَّ غسل وجهه ثلاثاً، ويديه إِلى المرفقين ثلاث مرار، ثمَّ مسح برأسه، ثمَّ غسل رجليه ثلاث مرار إِلى الكعبين، ثمَّ قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من توضّأ نحو وُضوئي هذا، ثمَّ صلّى ركعتين لا يُحدِّث فيهما نفسه؛ غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه" (3).
وعن المطلب بن عبد الله بن حنطب: "أنَّ عبد الله بن عمر- رضي الله
__________
(1) أي: صبَّ.
(2) أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" (92)، والحاكم مثله، وصحّحه شيخنا الألباني -حفظه الله-.
(3) أخرجه البخاري: 159، ومسلم: 226 نحوه، وفيه: "قال ابن شهاب: وكان علماؤنا يقولون: هذا الوضوء أسبَغ ما يتوضّأ به أحدٌ للصلاة". وتقدّم.

(1/101)


عنهما -توضّأ ثلاثاً ثلاثاً؛ يُسنِد ذلك إِلى النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -" (1).
وقد ثبتَ عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أنَّه توضّأ مرّتين مرّتين:
لحديث عبد الله بن زيد -رضي الله عنه-: " "أنَّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضّأ مرّتين مرتين (2) " (3).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: "أنَّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضّأ مرّتين مرتين" (4).
وثبت عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الوضوء مرّة مرّة:
كما في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "توضّأ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرة مرة" (5).
كما صحّ عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَسل بعض أعضائه مرتين وبعضهما ثلاثاً:
كما في حديث عمرو بن يحيى المازنيّ عن أبيه: "أنَّ رجلاً قال لعبد الله ابن زيد -وهو جدُّ عمرو بن يحيى-: أتستطيع أن تُريني كيف كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتوضّأ؟ فقال عبد الله بن زيد: نعم، فدعا بماء، فأفرغَ على يديه، فغسل مرّتين، ثمَّ مضمضَ واستنثر ثلاثاً، ثمَّ غسل وجهه ثلاثاً، ثمَّ
__________
(1) أخرجه النسائي "صحيح سنن النسائي" (79)، وابن ماجه "سنن ابن ماجه" (334)، وتقدّم.
(2) لكلّ عضو.
(3) أخرجه البخاري: 158
(4) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (124)، والترمذي وصححه ابن حبان.
(5) أخرجه البخاري: 157

(1/102)


غسل يديه مرّتين مرّتين إِلى المرفقين، ثمَّ مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر؛ بدأ بمقدَّم رأسه حتى ذهب بهما إِلى قفاه، ثمَّ ردَّهما إِلى المكان الذي بدأ منه، ثمَّ غسل رجليه" (1).

4 - الدّعاء بعده.
وفي ذلك أحاديث، منها:
"ما منكم من أحد يتوضّأ فيُبلغ (أو فيُسبغ) الوضوء، ثمَّ يقول: "أشهد أنَّ لا إِله إلا الله وأنَّ محمّداً عبده ورسوله؛ إلاَّ فُتحت له أبواب الجنَّة الثمانية، يدخل من أيِّها شاء" (2).

5 - صلاة ركعتين بعده.
لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: "أنَّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لبلال عند صلاة الفجر: "يا بلال! حدّثني بأرجى (3) عملٍ عملتَه في الإِسلام؛ فإِنّي سمْعت دَفَّ (4) نعليك بين يديَّ في الجنَّة". قال: "ما عمِلْتُ عملاً أرجى عندي أنِّي لم أتطهَّر طُهوراً في ساعةِ ليلٍ أو نهارٍ؛ إلا صلّيت بذلك الطُّهور ما كُتب لي أن
__________
(1) أخرجه البخاري: 185، ومسلم: 235، وتقدّم.
(2) أخرجه مسلم: 234، وغيره، وسأذكره بتمامه إِنْ شاء الله في موضعه.
(3) بلفظ أفعل التفضيل المبني من المفعول، وِإضافة العمل إِلى الرّجاء؛ لأنَه السبب الداعي إِليه. (فتح).
(4) قال الخليل: دفَّ الطائر: إِذا حرّك جناحيه وهو قائم على رجليه. =

(1/103)


أصلّي" (1).

ما يجب له الوضوء
1 - الصلاة، سواء كانت فرضاً أو نافلة.
لقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} (2).
ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تُقبل صلاة من أحدث حتى يتوضّأ" (3).

2 - الطّواف بالبيت.
لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الطّواف بالبيت صلاة؛ إلا أنَّ الله أباح فيه الكلام" (4).
__________
= وقال الحميدي: الدّف: الحركة الخفيفة والسّير اللين. ووقع في رواية مسلم: "خَشْف"؛ قال أبو عبيد وغيره: الخَشف: الحركة الخفيفة. ووقع في حديث بريدة عند أحمد والترمذي وغيرهما: "خشخشة"، وهو بمعنى الحركة أيضاً. كذا في "الفتح" بحذف يسير.
(1) أخرجه البخاري: 1149، ومسلم: 2458، وغيرهما.
(2) المائدة: 6
(3) تقدّم في (باب الوضوء شرط من شروط الصلاة).
(4) أخرجه الترمذي، والدارمي، وابن خزيمة، وغيرهم، وهو حديث صحيح خرّجه شيخنا في "الإِرواء" (121).

(1/104)


الأمور التي يستحبُّ لها الوضوء
1 - عند ذكر الله عزّ وجلّ.
عن المهاجر بن قنفذ -رضي الله عنه-: أنَّه أتى النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يبول، فسلَّم عليه، فلم يردَّ عليه حتى توضّأ، ثمَّ اعتذرَ إِليه فقال: "إِنِّي كرهْتُ أن أذكر الله إلا على طُهر (أو قال: على طهارة) " (1).
وعن أبي الجهيْم -رضي الله عنه- قال: "أقبل النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من نحو بئر جمل، فلقيه رجل، فسلَّم عليه، فلم يردَّ عليه النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى أقبل على الجدار، فمسح بوجهه ويديه، ثمَّ ردَّ عليه السّلام" (2).
ويندرج الدعاء تحت الذِّكْر، لا سيّما وقد ورد فيه نصٌّ خاصٌّ:
ففي حديث أبي موسى -رضي الله عنه- قال: "لمّا فرغ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من حنين؛ بعث أبا عامرٍ على جيش إِلى أوطاس، فلقي دريد بن الصِّمَّة، فقُتل دريد، وهزم الله أصحابه.
قال أبو موسى: وبعثَني مع أبي عامر، فرُميَ أبو عامر في ركبته، رماه جُشَميٌّ بسهم فأثبته في ركبته، فانتهيت إِليه، فقلت: يا عمِّ! من رماك؟ فأشار إِلى أبي موسى فقال: ذاك قاتلي الذي رماني، فقصدت له، فلحقْتُهُ، فلمَّا رآني؛ ولّى، فاتَّبعْتُه وجعلْت أقول له: ألا تستحي؟! ألا تثبت؟! فكفَّ، فاختلفنا ضربتين بالسيف، فقتلتُه، ثمَّ قلت لأبي عامر: قتَل الله صاحبك.
__________
(1) أخرجه أبو داود وغيره، وهو في "الصحيحة" (834) وتقدم.
(2) أخرجه البخاري: 337، ومسلم: 369، وغيرهما.

(1/105)


قال: فانزع هذا السهم. فنزعته، فنزا منه الماء (1).
قال: يا ابن أخي! أقرِئ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السلام، وقل له: استغفِر لي. واستخلفني أبو عامر على الناس، فمكث يسيراً ثمَّ مات.
فرجعتُ، فدخلتُ على النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بيته على سرير مُرمَل (2)، وعليه فراش قد أثّر رِمال السرير بظهره وجَنْبَيْه، فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر، وقال: قل له: استغفِر لي. فدعا بماء فتوضّأ، ثمَّ رفع يديه فقال: "اللهمّ اغفر لعبيدٍ أبي عامر".
ورأيت بياض إِبطيه، ثمَّ قال: "اللهمّ اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من الناس". فقلت: ولي فاستغفر. فقال: "اللهمّ اغفر لعبد الله بن قيس ذنبَه، وأدخلْه يوم القيامة مُدْخَلاً كريماً".
قال أبو بردة: إِحداهما لأبي عامر، والأخرى لأبي موسى" (3).
قال الحافظ: "يُستفاد منه استحباب التّطهير لإِرادة الدعاء، ورفْع اليدين في الدعاء؛ خلافاً لمن خصَّ ذلك بالاستسقاء".

2 - عند كلِّ صلاة.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لولا أن أشقّ
__________
(1) أي: انصبَّ من موضع السَّهم.
(2) أي: معمول بالرِّمال، وهي حبال الحصر التي تضفر بها الأسرة "فتح".
(3) أخرجه البخاري: 4323 واللفظ له، ومسلم: 2498. وأبو بردة هو ابن موسى راوي الحديث عنه.

(1/106)


على أمّتي؛ لأمَرْتهم عند كلِّ صلاة بوُضوء، ومع كلِّ وُضوء بسواك" (1).
وعن عبد الله بن عبد الله بن عمر؛ قال: "قلت: أرأيت توضؤ ابن عمر لكلّ صلاة طاهراً وغير طاهر؟ عمَّ ذاك؟ فقال: حدَّثَتنيه أسماء بنت زيد بن الخطَّاب: أنَّ عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر حدّثها: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بالوضوء لكلّ صلاة طاهراً وغير طاهر، فلمّا شقَّ ذلك عليه؛ أمَر بالسواك لكل صلاة، فكان ابن عمر يرى أنَّ به قوَّة، فكان لا يدَع الوضوء لكلّ صلاة" (2).

3 - الوضوء عند كلّ حدث.
لحديث بريدة بن الحصيب؛ قال: "أصبح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوماً، فدعا بلالاً، فقال: "يا بلال! بما سبقْتني إِلى الجنّة؟! إِنِّي دخلْتُ البارحة الجنّة، فسمعت خشخشتك أمامي".
فقال بلال: يا رسول الله! ما أذّنْتُ قطّ إلاّ صلّيت ركعتين، ولا أصابني حدث قطّ إلا توضّأت عنده، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لهذا" (3).

4 - الوضوء (4) مِن حَمْل الميت:
__________
(1) أخرجه أحمد بإِسناد حسن؛ وانظر "صحيح الترغيب والترهيب" (193).
(2) أخرجه أحمد وأبو داود "صحيح سنن أبي داود" (38)، وحسّن شيخنا إِسناده في "المشكاة" (426).
(3) أخرجه الترمذي، والحاكم، وابن خزيمة في "صحيحه"، وِإسناده على شرط مسلم؛ كما ذكر شيخنا في "تمام المنة" (ص111)، وتقدّم في (باب سنن الوضوء) بغير هذا اللفظ.
(4) استفدته من "تمام المنة" هو والذى قبله.

(1/107)


لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من غسَّلَ ميتاً؛ فليغتسل، ومن حمله؛ فليتوضّأ" (1).

5 - الوضوء للجُنب إِذا نام دون اغتسال (2):
وفيه أحاديث منها:
عن أبي سلمة؛ قال: سألْتُ عائشة: أكان النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرقد وهو جُنب؟ قالت: "نعم، ويتوضّأ" (3).
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما-: أنَّ عمر سألَ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أيرقد أحدُنا وهو جُنُب؟ قال: "نعم؛ إِذا توضّأ أحدُكم؛ فليرقد وهو جُنُب" (4).

6 - الوضوء للجُنب إِذا أراد الأكل.
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذا كان جُنُباً، فأراد أن يأكل أو ينام؛ توضّأ وضوءه للصّلاة" (5).
__________
(1) أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وغيرهم، وانظر "تمام المنة" (ص 112)، و"الإِرواء" (144).
(2) وكان من هدي النَبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الاغتسال قبل النوم والنوم قبل الاغتسال؛ كما في حديث عبد الله بن أبي قيس؛ قال: "سألت عائشة عن وتر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ (فذكر الحديث) وفيه: قلت: كيف كان يصنع في الجنابة؟ أكان يغتسل قبل أن ينام أم ينام قبل أن يغتسل؟ قالت: "كلّ ذلك قد كان يفعل، ربما اغتسل فنام، وربما توضّأ فنام". قلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سَِعة". [بفتح السين وكسرها، وانظر "الوسيط"]. أخرجه مسلم: 307
(3) أخرجه البخاري: 286، ومسلم: 305
(4) أخرجه البخاري: 287، ومسلم: 306 نحوه، وغيرهما.
(5) أخرجه مسلم: 305

(1/108)


7 - المعاودة للجماع.
عن أبي سعيد الخدريّ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا أتى أحدُكم أهله، ثمَّ أراد أن يعود؛ فليتوضّأ" (1).

8 - الوضوء من القيء.
لحديث مَعدان بن أبي طلحة عن أبي الدّرداء: "أنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قاء، فأفطر، فتوضّأ"، فلقيتُ (2) ثوبان في مسجد دمشق، فذكرْتُ له، فقال (3): صدق (4)، أنا صببتُ له وضوءه (5).

9 - الوضوء من أكل ما مسّته النار.
وقد دلَّ على وجوب الوضوء:
ما روته عائشة -رضي الله عنها- عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "توضؤوا ممّا مسّت النَّار" (6).
وأيضاً حديث عبد الله بن إِبراهيم بن قارظ: "أنَّه وجد أبا هريرة يتوضّأ على المسجد، فقال: إِنَّما أتوضّأ من أثوار أقط أكلتها؛ لأنّي سمعتُ رسول الله
__________
(1) أخرجه مسلم: 308، وأبو داود نحوه "صحيح سنن أبي داود" (204).
(2) قائله معدان بن أبي طلحة.
(3) أي: ثوبان.
(4) أى: أبو الدرداء.
(5) أخرجه الترمذي "صحيح سنن الترمذي" (76) وغيره، وسيأتي في (أمور تُظنُّ أنها تنقض الوضوء).
(6) أخرجه مسلم: 353

(1/109)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "توضّؤوا ممّا مسَّت النَّار" (1). ثمَّ أورد أهل العلم ما ينسخ هذا (2)؛ كما فى حديث عمر بن أميّة: أنَّ أباه عمرو بن أميّة أخبره: "أنَّه رأى النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحتزُّ (3) من كتف شاة في يده، فدُعي إِلى الصلاة، فألقاها والسكّين التي يحتزّ بها، ثمَّ قام فصلّى ولم يتوضّأ" (4).
وعن جابر قال: "كان آخر الأمرين من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ترْك الوضوء ممّا غيّرت النّار" (5).

10 - عند النوم.
لحديث البراء بن عازب -رحمه الله- قال: قال النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِذا أتيت مضجعك؛ فتوضّأ وضُوءك للصّلاة، ثمَّ اضطجعْ على شقِّكَ الأيمن، ثمَّ قُلْ: اللهمَّ أسلمتُ وجهي إِليك، وفوَّضْت أمري إِليك، وألجأتُ ظهري إِليك؛ رغبةً ورهبةً إِليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إِليك، اللهمّ آمنت بكتابك الذي أنزَلْتَ، وبنبيِّك الذي أرسلتَ، فإِنْ مُتَّ من ليلتك؛ فأنت على الفطرة، واجعلهُنّ آخر ما تتكلّمُ به" قال: فردَّدْتها على النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلمَّا بَلَغْتُ: "اللهمَّ آمنتُ بكتابك الذي أنزلْتَ"، قلتُ: "ورسولك" قال: "لا؛ ونبيِّكَ
__________
(1) أخرجه مسلم: 352، وغيره، وهناك من حمله على غسل اليد والفم. انظر "الروضة الندية" (1/ 155).
(2) فقد بوّب النووي لهذا بقوله: "باب نسْخ الوضوء مّما مسّت النار"، وأبو داود بقوله: "في ترْك الوضوء مما مسّت النار".
(3) أي: يقطع.
(4) أخرجه البخاري: 5408، ومسلم: 355
(5) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (177).

(1/110)


الذي أرسلتَ" (1)، وقال النووي في "شرحه" (17/ 32) باستحبابه.

مسألة في الوضوء لمسِّ المصحف:
اختلف العلماء في مسِّ المصحف من قِبل المحْدث والجُنُب، وذهبَ الجمهور إِلى منْع ذلك (2)، واستدلُّوا بحديث: "لا يمسُّ القرآن إلا طاهر" (3).
جاء في "نيل الأوطار" (1/ 259): "والحديث يدلُّ على أنَّه لا يجوز مسُّ المصحف إلا لمن كان طاهراً، ولكنَّ الطَّاهر يُطلق بالاشتراك على المؤمن والطاهر من الحدث الأكبر والأصغر ومن ليس على بدنه نجاسة.
ويدلُّ لإِطلاقه على الأوَّل: قول الله تعالى: {إِنَّما المُشْرِكونَ نَجَسٌ} (4).
وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأبي هريرة -رحمه الله-: "المؤمن لا ينجُس" (5).
وعلى الثاني: {وإِنْ كنْتمْ جُنُباً فاطهَّروا} (6).
__________
(1) أخرجه البخاري: 247، ومسلم: 2710، وغيرهما. قال الحافظ: "النُّكتة في ختم البخاريِّ كتاب الوضوء بهذا الحديث من جهة: أنَّه آخر وضوء أُمِرَ به المكلَّف في اليقَظة، ولقوله في نفس الحديث: "واجعلهنَّ آخر ما تقول"، فأشعر ذلك بختم الكتاب، والله الهادي للصواب".
(2) وقال الشوكاني في "نيل الأوطار" (1/ 260): "وقد وقع الإِجماع على أنّه لا يجوز للمحدث حدثاً أكبر أن يمسَّ المصحف، وخالف في ذلك داود" انتهى، وسيأتي هذا القول إِن شاء الله تعالى.
(3) سيأتي الكلام حول هذا الحديث إِن شاء الله.
(4) التوبة: 28
(5) تقدّم تخريجه.
(6) المائدة: 6

(1/111)


وعلى الثالث: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المسح على الخفَّين: "دعْهما؛ فإِنّي أدخلتُهما طاهرتين".
وعلى الرابع: الإجماع على الشيء الذى ليس عليه نجاسة حسِّيَّة ولا حُكميَّة يسمى طاهراً، وقد ورَد إِطلاق ذلك في كثير.
فمن أجاز حَمْل المشرك على جميع معانيه؛ حمَله عليه هنا، والمسألة مدونة في الأصول، وفيها مذاهب.
والذي يترجَّح أن المشترك مُجملٌ فيها، فلا يُعْمَل به حتى يُبيَّن ...
وقال: "استدلَّ المانعون للجُنُب بقوله تعالى: {لا يَمَسُّهُ إِلاَّ المُطَهَّرُون} (1)، وهو لا يتمُّ إلا بعْد جعْل الضمير راجعاً إِلى القرآن، والظاهر رجوعُه إِلى الكتاب، وهو اللوح المحفوظ؛ لأنَّه الأقرب، والمطهَّرون الملائكة، ولو سَلِمَ عدم الظُّهور؛ فلا أقلَّ من الاحتمال، فيمتنع العمل بأحد الأمرين، ويتوجَّه الرجوع إِلى البراءة الأصليَّة، ولو سَلِم رجوعه إِلى القرآن على التَّعيين؛ لكانت دلالته على المطلوب -وهو منع الجُنُب من مسِّه- غير مسلَّمة؛ لأنَّ الطاهر من ليس بنجس، والمؤمن ليس بنجس دائماً؛ لحديث "المؤمن لا ينجس"، وهو متَّفق عليه (2)؛ فلا يصحُّ حمل المطهَّر على من ليس بجُنب أو حائض أو محدَث أو متنجِّس بنجاسة عينيَّة، بل حمْلُه على من ليس بمشرك؛ كما في قوله تعالى: {إِنَّما المُشْرِكونَ نَجَسٌ} (3)، لهذا الحديث، والحديث للنهي عن السفر بالقرآن إِلى أرض العدو، ولو سلِم
__________
(1) الواقعة: 79
(2) تقدم تخريجه.
(3) التوبة: 28

(1/112)


صِدْق اسم الطَّاهر على من ليس بمحدث حدثاً أكبر أو أصغر؛ فقد عَرَفْتَ أنَّ الراجح كون المشترك مجملاً في معانيه، فلا يعيَّن حتى يبيَّن، وقد دلَّ الدليل ها هنا أنَّ المراد به غيره لحديث: "المؤمن لا ينجس"، ولو سَلِم عدم وجود دليل يمنع من إِرادته؛ لكان تعيينه لمحلِّ النِّزاع ترجيحاً بلا مرجِّح، وتعيينه لجميعها استعمالاً للمشترك في جميع معانيه، وفيه الخلاف، ولو سَلِم رجحان القول بجواز الاستعمال للمشترك في جميع معانيه؛ لما صحَّ؛ لوجود المانع، وهو حديث: "المؤمن لا ينجس".
واستدلُّوا بحديث الباب (1)، وأُجيب بأنَّه غير صالح للاحتجاج؛ لأنَّه من صحيفة غير مسموعة، وفي رجال إِسناده خلاف شديد، ولو سَلِم صلاحيته للاحتجاج لعاد البحث السابق في لفظ طاهر، وقد عرفْتَه.
قال السيد العلامة محمد بن إِبراهيم الوزير: إِنَّ إِطلاق اسم النجس على المؤمن الذي ليس بطاهر من الجنابة أو الحيض أو الحدث الأصغر؛ لا يصحُّ لا حقيقةً ولا مجازاً ولا لغةً، صرَّح بذلك في جواب سؤال، وردَّ عليه، فإِن ثبت هذا؛ فالمؤمن طاهر دائماً؛ فلا يتناوله الحديث، سواء كان جُنُباً أو حائضاً أو محدثاً أو على بدنه نجاسة.
فإِن قلت: إِذا تمَّ ما تريد من حمْل الطاهر على من ليس بمشرك؛ فما جوابك فيما ثبت في المتَّفق عليه من حديث ابن عباس أنَّه - صلى الله عليه وآله وسلَّم - كتب الى هرقل عظيم الروم: أسلِم تسلم، وأسلِم يؤتك الله
__________
(1) أي: حديث: "لا يمس القرآن إلاَّ طاهر".

(1/113)


أجرك مرَّتين، فإِنْ تولَّيت فإِنَّ عليك إِثم الأريسيين، و {يا أَهْلَ الكتابِ تعالوْا إِلى كَلِمَةٍ} إِلى قوله: {مُسْلِمونَ}، مع كونهم جامعين بين نجاستي الشرك والاجتناب، ووقوع اللمس منهم له معلوم.
قلت: اجعله خاصّاً بمثل الآية والآيتين؛ فإِنَّه يجوز تمكين المشرك من مسِّ المقدار لمصلحة؛ كدعائه إِلى الإِسلام، ويمكن أن يُجاب عن ذلك بأنَّه قد صدر باختلاطه بغيره لا يحرم لمسه؛ ككُتُب التفسير؛ فلا تخصَّص به الآية والحديث.
إِذا تقرَّر لك هذا؛ عرفتَ انتهاض الدَّليل على منع من عدا المشرك.
وقد عرفت الخلاف في الجُنُب.
وأما المحدث حدثاً أصغر؛ فذهب ابن عباس والشعبي والضَّحَّاك؛ وزيد ابن علي والمؤيَّد بالله والهادوية وقاضي القضاة وداود إِلى أنَّه يجوز له مسُّ المصحف، وقال القاسم وأكثر الفقهاء والإِمام يحيى: لا يجوز، واستدلُّوا بما سَلَف، وقد سَلَف ما فيه" اهـ.
وأمَّا القراءة له بدون مسٍّ؛ فهي جائزة اتِّفاقاً، وقد ذَكر ابن أبي شيبة -رحمه الله- في "مصنّفه" آثاراً كثيرة في ذلك (1).
قال ابن حزم -رحمه الله- في "المحلَّى" (1/ 107): "وأمَّا مسُّ المصحف؛ فإِنَّ الآثار التي احتج بها من لم يُجزْ للجنب مسَّه، فإِنَّه لا يصحُّ
__________
(1) انظر (1/ 98) (في الرجل الذى يقرأ القرآن وهو غير طاهر) وكذا عبد الرزاق في "مصنفه" (1/ 340).

(1/114)


منها شيء (1)؛ لأنَّها مُرسلة، وإمَّا صحيفة لا تُسْنَد، وإِمَّا عن مجهول، وإمَّا عن ضعيف، وقد تقصَّيناها في غير هذا المكان".
ثمَّ ذكر رسالة النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلى هِرَقل عظيم الروم (2) وما حَوَتْه من الذِّكر ولفظ الجلالة، وتضمُّنها لآية من القرآن الكريم.
ثمَّ قال: "فإِن قالوا: إِنِّما بعَث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلى هِرَقل آية واحدة! قيل لهم: ولم يمنع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من غيرها، وأنتم أهل قياس، فإِن لم تقيسوا على الآية ما هو أكثر منها؛ فلا تقيسوا على هذه الآية غيرها".
ثمَّ ذكر ردّه على من يحتجُّ بقوله تعالى: {لا يَمَسّه إِلاَّ المُطَهَّرونَ} (3)؛ بأنَّه خبر وليس أمراً، وأنَّنا رأينا المصحف يمسُّه الطَّاهر وغير الطَّاهر، فنعلم أنَّ الله -عزّ وجلّ- لم يعْنِ المصحف، وإنما عنى كتاباً آخر، وأورد بعض أقوال السَّلف أنَّهم الملائكة الذين في السَّماء.
قلت: ومحور الخلاف وأقواه -فيما رأيت- منصبٌّ على فهم حديث: "لا يمسّ القرآن إِلاَّ طاهر"، وقد جاء من طُرق عدَّة ضعيفة، لكن ضعْفها يسير، وبذلك يثبت الحديث بمجموع الطُّرق؛ كما ذعر شيخنا في "الإِرواء" (122).
__________
(1) هذا في كل طريق على حدة، بيد أنَّ الحديث ثابت بمجموع الطُّرق كما سيأتي -إِن شاء الله تعالى-.
(2) أخرجه البخاري: 7، ومسلم: 1773، وغيرهما.
(3) الواقعة: 79

(1/115)


بَيْد أنَّ الحديث جاء بلفظ: "وأنت طاهر"، من طريق عثمان بن أبي العاص؛ كما في "الكبير" للطبراني، وفيه من لا يُعْرَف، وابن أبي داود في "المصاحف"، وفيه انقطاع، بل في إِسنادهما كليهما إِسماعيل بن رافع، وهو ضعيف الحفظ؛ كما قال الحافظ -رحمه الله- وبيَّنه شيخنا -حفظه الله- في "الإِرواء".
أمَّا رواية عمرو بن حزم؛ فقد جاءت بلفظ: "ألاَّ تمسَّ القرآن إِلاَّ على طُهر"؛ كما في "سنن الدارقطنيّ" (1/ 121) (رقم 110) و (رقم 4) أيضاً من طريق عبد الرزاق بيْدَ أنَّها وردت فْي "المصنَّف" بلفظ: "لا يمسّ"، فيخشى التصحيف بما جاء في الدَّارقطني والبيهقيّ برقم (1/ 87).
قلتُ: فالمسألة تحتاج إِلى تتبُّع واستقصاء، فإِن ثبت لفظ: "وأنت طاهر ... " وما في معناه (1)؛ كان تحريم مسِّ القرآن واضحاً بيِّناً للمحدث والجُنُب والحائض.
وجاء في "الإِرواء": "قال إسحاق المروزي في "مسائل الإِمام أحمد" (ص5): قلت (يعني: لأحمد): هل يقرأ الرجل على غير وضوء؟ قال: نعم، ولكن لا يقرأ في المُصحف ما لم يتوضّأ. قال إِسحاق: كما قال؛ لما صحَّ قول النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يمسّ القرآن إلا طاهر"، وكذلك فعَل أصحاب النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والتابعون".
ثمَّ قال -حفظه الله-: "وممَّا صحَّ في ذلك عن الصحابة ما رواه مصعب
__________
(1) ولم أتمكّن من المتابعة؛ لنقص عدد من المراجع، بها قد يتحقّق المطلوب، وأسأل الله أن ييسّر لي ذلك.

(1/116)


ابن سعد بن أبي وقَّاص: أنَّه قال: كنتُ أمسِك المصحف على سعد بن أبي وقَّاص، فاحتَكَكْتُ، فقال سعدٌ: لعلَّك مسَسْتَ ذكَرَكَ؟ قال: فقلتُ: نعم. فقال: قم فتوضّأ. فقمتُ فتوضَّأتُ ثمَّ رجعتُ، رواه مالك (1/ 42) (رقم 59)، وعنه البيهقيّ، وسنده صحيح".
ولم يترجَّح لديَّ شيءٌ في هذا، وإِنَّما أنصحُ بالوضوء لمسِّ القرآن ما وجدَ المرء لذلك سبيلاً، وأسأل الله تعالى أن يلهمنا الحقَّ والصَّواب والرَّشاد، وأن يعافينا من الهوى والتعصُّب والضلال.
وأمّا القراءة بلا مسٍّ؛ فجوازه بيِّنٌ قويٌّ، ومن الأدلَّة على ذلك حديث عائشة -رضي الله عنها-: "كان النبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يذكر الله على كلِّ أحيانه" (1).
قال شيخنا في "الصحيحة" (406):" ... نعم؛ الأفضل أن يقرأ على طهارة؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين ردَّ السلام عَقِب التيمُّم: "إِنِّي كرهت أن أذكر الله إِلاَّ على طهارة"، أخرجه أبو داود وغيره، وهو مَخرَّج في "صحيح أبي داود" (23) ".

نواقض الوضوء
1 - ما خَرَج من السّبيلين (2) (القُبُل والدُّبر) من بول أو مذي أو منيّ أو غائط أو ريح.
* أمَّا البول والغائط:
__________
(1) أخرجه مسلم: 373، وغيره، وجاء في البخاري معلَّقاً (1/ 83 و163).
(2) قال البخاري: "باب من لم ير الوضوء إلاَّ من المخرجين". =

(1/117)


فلقوله تعالى: { ... أو جاء أحدٌ مِنكُم من الغائط} (1).
ولحديث صفوان بن عسّال -رضي الله عنه-: "كان يأمرنا إِذا كنّا سَفْراً (2) -أو مسافرين-: أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيّام ولياليهن، إلاَّ من جنابة، لكن من غائط وبول ونوم ... " (3).
* وأمَّا الريح:
فلقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يَقبَل الله صلاة أحدكم إِذا أحدث حتّى يتوضّأ" (4).
ولحديث عبّاد بن تميم عن عمّه: أنَّه شكا إِلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرجل الذي يُخيَّل (5) إِليه أنَّه يجد الشيء في الصَّلاة، فقال: "لا ينفتل (أو لا
__________
= قال الحافظ: "والمعنى: من لم ير الوضوء واجباً من الخروج من شيء من مخارج البدن إلاَّ من القُبل والدُّبر، وأشار بذلك إِلى خلاف من رأى الوضوء ممَّا يخرج من غيرهما من البدن؛ كالقيء والحجامة وغيرهما، ويمكن أن يقال: إِنَّ نواقض الوضوء المعتبرة ترجع إِلى المخرجَيْن، فالنوم مظنَّة خروج الريح، ولمس المرأة ومسّ الذكر مظنّة خروج المذي". "الفتح" (كتاب الوضوء)، تحت باب رقم: (34).
(1) المائدة: 6، والغائط: هو المكان المطمئنّ من الأرض، يُقصَد لقضاء الحاجة.
(2) السَّفْر: جمع سافِر، كصاحب وصحْب، والمسافرون: جمع مسافر، والسَّفْر والمسافرون بمعنى. "النهاية".
(3) أخرجه الترمذي وغيره وقال: حديث حسن صحيح، "صحيح سنن الترمذي" (2801)، وانظر "المشكاة" (520).
(4) أخرجه البخاري: 6954، ومسلم: 225
(5) من الخيال، والمعنى: يظنّ.

(1/118)


ينصرف) حتى يسمعَ صوتاً (1) أو يجدَ ريحاً" (2).
وفي الحديث: "لا وُضوء إلاَّ من صوت أو ريح" (3).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "لا وُضوَء إلاَّ من حدَث" (4).
* وأمَّا المذي:
فلحديث علي -رضي الله عنه- قال: كنت رجلاً مذّاءً، فأمرتُ رجلاً أن يسأل النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -لمكانة ابنتهِ- فسأل، فقال: "توضّأ، واغسل ذَكَرك" (5).
وفي رواية: "إِذا وَجَد أحدكم ذلك؛ فلينضح فرجه، وليتوضّأ وضوءه للصّلاة" (6).
وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من المذي الوضوء، ومن المنيّ الغسل" (7).
* وأما المنيّ:
فللحديث المتقدِّم:" ... ومن المنيّ الغسل".
__________
(1) أي: من مخرجه.
(2) أخرجه البخاري: 137، ومسلم: 361، وغيرهما.
(3) أخرجه أحمد، والترمذي "صحيح سنن الترمذي" (64)، وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه" (416) وغيرهم، وانظر "الإرواء" (1/ 145).
(4) أخرجه البخاري معلقاً بصيغة الجزم، ووصَله إِسماعيل القاضي في "الأحكام" بإِسناد صحيح من طريق مجاهد عنه موقوفاً، ورواه أحمد وأبو داود والترمذي من طريق شعبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عنه مرفوعاً، وزاد: "أو ريح". ذكَره الحافظ في "الفتح" (1/ 281).
(5) تقدّم في (باب النّجاسات).
(6) تقدّم في (باب النّجاسات).
(7) تقدّم في (باب النّجاسات).

(1/119)


2 - زوال العقل:
لجنون أو إِغماء أو نحوه؛ لأنَّه أبلغ من النّوم.

3 - مسُّ الفرج بشهوة:
لحديث بُسرة بنت صفوان -رضي الله عنها- عن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إِذا
مسَّ أحدُكم ذكَره؛ فليتوضّأ" (1).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إِذا أفضى أحدُكم بيده إِلى فرجه وليس بينهما ستر ولا حجاب؛ فليتوضّأ" (2).
وعن طلق بن عليّ؛ قال: سُئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن مسِّ الرجل ذكره بعدما
يتوضّأ؟ قال: "وهل هو إلاَّ بَضْعة (3) منه" (4).
وجمَع شيخ الإِسلام -رحمه الله تعالى- بين حديث بُسرة وحديث وطلق -رضي الله عنهما- بحمل الأول على المسّ بشهوة والآخر على المسّ بلا شهوة، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هل هو إلاَّ بَضعة منك؟ " يُشعر بهذا؛ فحين يكون مسّ
__________
(1) أخرجه مالك، وأحمد، "صحيح سنن أبي داود" (166)، وغيرهم. وقال الترمذي: حسن صحيح، ووافقه شيخنا في "المشكاة" (319)، وانظر "الإرواء" (116).
(2) أخرجه ابن حبَّان، والدارقطنيّ، والبيهقيّ، وِإسناد ابن حبّان جيد؛ وانظر "الصحيحة" (1235).
(3) أي: قطعة منه.
(4) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (167)، وغيره. وقال الترمذي: "هو أحسن شيء في هذا الباب". وقال شيخنا في "المشكاة" (320): وسنده صحيح.

(1/120)


الفرج كأيّ جزء آخر من البدن؛ فإِنَّه لا ينقض الوضوء.

4 - أكْل لحم الإِبل.
عن جابر بن سمُرة: "أنَّ رجلاً سأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أأتوضّأ من لحوم الغنم؟ قال: "إِن شئت فتوضّأ، وأن شئت فلا توضّأ". قال: أتوضّأ من لحوم الإِبِل؟ قال: "نعم؟ فتوضّأ من لحوم الإِبِل".
قال: أصلّي في مرابض الغنم؟ قال: "نعم". قال: أصلّي في مبارك الإِبل؟ قال: "لا" (1).
وعن جابر بن سمُرة -رضي الله عنه- قال: "كنا نتوضّأ من لحوم الإِبل ولا نتوضّأ من لحوم الغنم" (2).
قال الشوكانى -رحمه الله- فى "الدّراري المضيّة" (ص 61): "وقد ذهبَ إِلى انتقاض الوضوء بأكْل لحْوم الإِبل: أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، ويحيى بن يحيى، وابن المنذر، وابن خزيمة، والبيهقيّ، وحُكي عن أصحاب الحديث، وحُكي عن جماعة من الصّحابة؛ كما قال النّوويّ.
قال البيهقيّ عن بعض أصحابنا عن الشّافعي؛ أنَّه قال: إنَّ صحّ الحديث في لحوم الإِبل؛ قُلْت به. قال البيهقيّ: قد صحّ فيه حديثان ... ".
__________
(1) أخرجه مسلم: 360، وتقدّم،
(2) أخرجه أبن أبي شيبة في "المصنف" بسند صحيح؛ كما في "تمام المنَّة" (ص 106).

(1/121)


5 - النوم.
اختلف أهل العلم في هذه المسألة:
* والذين رأَوا عدم نقْضِه استدلّوا بأدّلة؛ منها:
قول أنس -رضي الله عنه-: "كان أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينامون، ثمَّ يُصلّون ولا يتوضّؤون" (1).
وأيضاً ما ثبت عنه: أنَّه قال: "أُقيمت صلاة العشاء، فقال رجل: لي حاجة، فقام النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يناجيه، حتى نام القوم (أو بعض القوم)، ثمَّ صَلَّوا" (2).
جاء في "تمام المنّة" (100 - 101) بعد حديث أنس: "قد ذكر الحافظ في "الفتح" (1/ 251) (3) نحو كلام ابن المبارك هذا، ثمَّ ردّه بقوله: لكن في "مسند البزّار" بإِسناد صحيح في هذا الحديث: "فيضعون جنوبهم، فمنهم من ينام، ثمَّ يقومون إِلى الصَّلاة".
قلت (4): وأخرجه أيضاً أبو داود في "مسائل الإِمام أحمد" (ص 318) بلفظ: "كان أصحاب النبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يضعون جنوبهم فينامون، فمنهم من يتوضّأ، ومنهم من لا يتوضّأ"، وإِسناده صحيح على شرط الشيخين.
__________
(1) أخرجه مسلم: 376، وغيره.
(2) أخرجه مسلم: 376
(3) انظر "كتاب الوضوء، باب الوضوء من النوم ومن لم يرَ من النَّعسة ... ".
(4) الكلام لشيخنا -حفظه الله تعالى-.

(1/122)


فهذا اللفظ خلاف اللفظ الأول: "تخفق رؤوسهم" (1)؛ فإِنَّ هذا إِنَّما يكون وهُم جلوس؛ كما قال ابن المبارك.
فإِمّا أن يُقال: إِنَّ الحديث مضطرب، فيسقط الاستدلال به.
وإِمَّا أن يُجمع بين اللفظين، فيُقال: كان بعضهم ينام جالساً، وبعضهم مضطجعاً، فمنهم من يتوضّأ، ومنهم من لا يتوضّأ، وهذا هو الأقرب؛ فالحديث دليل لمن قال: إِنَّ النّوم لا ينقض الوضوء مُطلقاً، وقد صحّ عن أبي موسى الأشعري وابن عمر وابن المسيّب؛ كما في "الفتح".
وهو باللفظ الآخر؛ لا يمكن حمْله على النّوم مُمكِّناً مقعدته من الأرض، وحينئذ؛ فهو مُعارض لحديث صفوان بن عسال المذكور في الكتاب بلفظ: " ... لكن من غائط وبول ونوم" (2)؛ فإِنَّه يدلُّ على أنَّ النّوم ناقض مُطلقاً؛ كالغائط والبول، ولا شك أنَّه أرجح من حديث أنس؛ لأنَّه مرفوع إِلى النّبيّ
__________
(1) أي: ينامون حتى تسقط أذقانهم على صدورهم وهم قعود، وقيل هو من الخُفوق: الاضطراب. "النهاية". والحديث في "صحيح مسلم" (376).
(2) ولفظه كما يأتي: عن زرّ بن حُبيش؛ قال: أتيتُ صفوان بن عسال المرادي أسأله عن المسح على الخُفَّين؟ فقال: ما جاء بك يا زرّ؟ فقلتُ: ابتغاء العلم. فقال: "إِنَّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضىً بما يطلب"، قلت: إِنَّه حكَّ في صدري المسح على الخُفَّين بعد الغائط والبول، وكنتَ امرأ من أصحاب النْبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فجئت أسألك: هل سمعته يذكر في ذلك شيئاً؟ قال: نعم؛ كان يأمرنا إذا كنّا سَفْراً -أو مسافرين- أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهنَّ؛ إلاَّ من جنابة، لكن من غائط وبول ونوم ... ". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". "صحيح سنن الترمذي" (2801)، وغيره، وتقدّم مختصراً.

(1/123)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وليس كذلك حديث أنس، إِذ من الممكن أن يكون ذلك قبل إِيجاب الوضوء من النّوم.
فالحقُّ أنَّ النَّوم ناقضٌ مُطلقاً، ولا دليل يصلح لتقييد حديث صفوان، بل يؤيّده حديث عليّ مرفوعاً:" ... وكاء السَّهِ (1) العينان؛ فمن نام فليتوضّأ"، وإسناده حسن؛ كما قال المنذري والنّووي وابن الصّلاح، وقد بيّنْتُه في "صحيح أبي داود" (198)؛ فقد أمَر - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كلّ نائم أن يتوضّأ.
ولا يعكّر على عمومه -كما ظنَّ البعض- أنَّ الحديث أشار إِلى أنَّ النّوم ليس ناقضاً في نفسه، بل هو مَظِنّة خروج شيء من الإنسان في هذه الحالة؛ فإِنَّا نقول: لمّا كان الأمر كذلك؛ أمَر - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كلّ نائم أن يتوضّأ، ولو كان متمكّناً؛ لأنَّه -عليه السلام- أخبر أن العينين وكاء السَّهِ، فإِذا نامت العينان؛ انطلق الوكاء؛ كما في حديث آخر، والمتمكِّن نائم؛ فقد ينطلق وكاؤه، ولو في بعض الأحوال، كأن يميل يميناً أو يساراً، فاقتضت الحكمة أن يؤمر بوضوء كل نائم، والله أعلم.
وما اخترناه هو مذهب ابن حزم (2).
وهو الذي مال إِليه أبو عبيد القاسم بن سلام في قصَّة طريفة حكاها عنه ابن
__________
(1) الوكاء: الخيط الذي تُشَدُّ به الصُّرَّة والكيس وغيرهما، جعل اليقظة للإست كالوكاء للقربة؛ كما أنَّ الوكاء يمنع ما في القربة أن يخرج، كذلك اليقظة تمنع الإِست أن تُحْدِث إلاَّ باختيار. و"السَّهِ": حَلْقة الدُّبر، وكنّى بالعين عن اليقظة؛ لأنَّ النَّائم لا عين له تُبصر. "النهاية".
(2) وسيأتي قوله في آخر المسألة إِن شاء الله تعالى.

(1/124)


عبد البرّ فى "شرح الموطّأ" (1/ 57/2)؛ قال: كنتُ أُفتي أنَّ من نام جالساً لا وضوء عليه، حتى قَعَد إِلى جنبي رجل يوم الجمعة، فنام، فخرجَت منه ريح، فقُلت: قم فتوضّأ. فقال: لم أنَم. فقُلت: بلى، وقد خَرَجَت منك ريحٌ تنقض الوضوء، فجعلَ يحلف بالله ما كان ذلك منه، وقال لي: بل منك خَرَجت! فزايَلْت ما كنت أعتقد في نوم الجالس، وداعيْتُ غلبة النّوم ومخالطته القلب".
ثمَّ قال شيخنا -حفظه الله-: " (فائدة هامة): قال الخطابي في "غريب الحديث" (ق 32/ 2): وحقيقة النوم هو الغشية الثقيلة التي تهجم على القلب فتقطعه عن معرفة الأمور الظاهرة، والناعس هو الذي رهقه ثِقَل، فقطعه عن معرفة الأحوال الباطنة.
وبمعرفة هذه الحقيقة من الفرق بين النّوم والنّعاس؛ تزول إِشكالات كثيرة، ويتأكّد القول بأنَّ النّوم ناقض مطلقاً" اهـ.
قُلْت: وذكر الحافظ في "الفتح" (1/ 314) نقْل ابن المنذر وغيره عن بعض الصحابة والتّابعين المصير إِلى أنَّ النوم حَدَث ينقض قليله وكثيره، وهو قول أبي عبيد وِإسحاق بن راهويه، قال ابن المنذر: "وبه أقول؛ لعموم حديث صفوان بن عسال ... ".
قال ابن حزم -رحمه الله- في "المحلّى" (مسألة 158): "والنّوم في ذاته حَدَث ينقض الوضوء، سواء قلّ أو كثُر، قاعداً أو قائماً، في صلاة أو غيرها، أو راكعاً كذلك، أو ساجداً كذلك، أو متكئاً، أو مضطجعاً؛ أيقنَ من حواليه أنَّه لم يُحدث أو لم يوقنوا".

(1/125)


وقال -رحمه الله- عقب حديث صفوان بن عسّال -رضي الله عنه-: " ... فعمّ عليه السلام كلّ نوم، ولم يخصّ قليله من كثيره، ولا حالاً من حال، وسوّى بينه وبين الغائط والبول.
وهذا قول أبي هريرة، وأبي رافع، وعروة بن الزبير، وعطاء، والحسن البصري، وسعيد بن المسيّب، وعكرمة، والزهري، والمزني، وغيرهم كثير".

باب أمورٌ تُظنّ أنَّها تنقضُ الوضوء وليست كذلك
1 - مسُّ الفرج بلا شهوة كما تقدَّم (1).
2 - لمْس المرأةِ إِن لم ينزل منه شيء.
وفيه أحاديث؛ منها:
ما روته عائشة -رضي الله عنها-: "أنَّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبَّلها ولم يتوضّأ" (2).
وعنها: "أنَّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبّل امرأة من نسائه، ثمَّ خرج إِلى الصَّلاة ولم يتوضّأ" (3).
قال عروة (4): فقلتُ لها: من هي إلاَّ أنت؟ فضحِكَت.
__________
(1) انظر (باب نواقض الوضوء، (رقم 7).
(2) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (164)، وغيره.
(3) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (165)، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه" (406)، وانظر "المشكاة" (323).
(4) هو عروة بن الزبير ابن أخت عائشة -رضي الله عنها-.

(1/126)


3 - خروج الدّم لجرح أو حجامة أو نحو ذلك.
ومن الأدلّة على ما تقدَّم معنا ذِكره (1). في قصّة ذلك الأنصاري الذي رماه المشرك بثلاثة أسهم وهو قائم يصلّي، فاستمرَّ في صلاته والدّماء تسيل منه.
وتقدَّم أيضاً قول الحسن -رحمه الله-: "ما زال المسلمون يُصلون في جراحاتهم".
قال الحافظ: "وقد صحّ أنَّ عمر صلّى وجرحُه ينبع دماً" (2).
وقال طاوُس ومحمد بن عليّ وعطاء وأهل الحجاز: ليس في الدّم وضوء (3).
__________
(1) في (كتاب الطهارة، باب ما يظنُّ أنَه نجس وليس كذلك).
(2) انظر "الفتح" (1/ 287).
(3) أورده البخاري معلقاً بصيغة الجزم. وقال الحافظ في "الفتح" (كتاب الوضوء، باب 34): "وأثره هذا وصَله ابن أبي شيبة بإِسناد صحيح، ولفظه: إنَّه كان لا يرى في الدم وضوءاً، يغسل عنه الدم، ثمَّ حسبه".
وقال الحافظ: "وعطاء هو ابن أبي رباح، وأثره هذا وصَله عبد الرزاق عن ابن جريج عنه". وذكره شيخنا -حفظه الله- في "مختصره" (1/ 57)، فقال:" ... وصَله عبد الرزاق بسند صحيح عنه". وأهل الحجاز: رواه عبد الرزاق من طريق أبي هريرة وسعيد ابن جبير وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق ابن عمر وسعيد بن المسيّب. وأخرجه إِسماعيل القاضي من طريق أبي الزِّناد عن الفقهاء السبعة من أهل المدينة، وهو قول مالك والشافعي. "الفتح". ولم أذكر أثر محمد بن علي، وهو أبو جعفر الباقر، فوصله سمويه في "الفوائد".

(1/127)


وعَصَر ابن عمر بَثْرَة (1)، فخرج منها الدَّم، ولم يتوضّأ (2).
وبَزقَ ابنُ أبي أوفى (3) دماً، فمضى في صلاته (4).
وقال ابن عمر والحسن فيمن يحتجم: ليس عليه إلاَّ غَسْل محاجمه (5)،

4 - القيء قلّ أو كَثُر.
وذلك لعدم ورود الدّليل الموجب له.
وروى مَعدان بن أبي طلحة عن أبي الدّرداء -رضي الله عنه-: "أن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قاء فتوضّأ، فلقيت (6) ثوبان في مسجد دمشق، فذكرْت ذلك له فقال (7):
__________
(1) البَثْرة: خُراج صغير.
(2) أورده البخارى معلقاً بصيغة الجزم، ووصله ابن أبي شيبة بإِسناد صحيح، وزاد قبل قوله: "ولم يتوضّأ": "ثمَّ صلى"؛ كما في "الفتح".
(3) هو عبد الله الصَّحابي ابن الصَّحابي. كذا في "الفتح".
(4) وصَله سفيان الثوري في "جامعه" عن عطاء ابن السائب: أنَّه رآه فعَل ذلك، وسفيان سمع من عطاء قبل اختلاطه، فالإِسناد صحيح. عن "الفتح" (أول كتاب الوضوء).
(5) وصله ابن أبي شيبة عنهما، ووصله الشافعي والبيهقيّ (1/ 140) عن ابن عمر وحده، وسنده صحيح؛ كما في "مختصر البخاري" (1/ 57).
والمحاجم: موضع الحجامة.
(6) قائله معدان بن أبي طلحة.
(7) أي: ثوبان.

(1/128)


صدق (1)، أنا صبَبْت له وَضوءه (2) " (3).
فالحديث لا يدلّ على النقض إِطلاقاً؛ لأنَّه مجرّد فعل منه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والأصل أنّ الفعل لا يدلّ على الوجوب.
وغايته أن يدلّ على مشروعيّة التأسّي في ذلك، وأمّا الوجوب؛ فلا بُدّ له من دليل خاصٍّ، وهذا مما لا وجود له هنا (4).

5 - الشكّ في الحدث.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِذا وجَدَ أحدُكم في بطنه شيئاً، فأشكلَ عليه؛ أخَرَجَ منه شيء أم لا؟ فلا يخرجنّ من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجدَ ريحاً" (5).
وعن عبّاد بن تميم عن عمّه: أنَّه شكا إِلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرجلّ الذي يُخيّل إِليه أنَّه يجد الشيء (6) في الصّلاة، فقال: "لا ينفتل (أو لا ينصرف)
__________
(1) أي: أبو الدرداء.
(2) أي: ماء وُضوئه.
(3) أخرجه الترمذي "صحيح سنن الترمذي" (76) وغيره، وانظر "الإِرواء" (111)، و"حقيقة الصيام" (ص 15)، و"تمام المنَّة" (111)، وتقدّم.
(4) كذا في "الإرواء" من قول شيخنا -حفظه الله تعالى-.
(5) أخرجه مسلم: 362، وأبو عوانة، والترمذي، وغيرهم.
(6) أي: الحدث خارجاً منه، وفيه العدول عن ذكر الشيء المستقذر بخاصٍّ اسمه؛ إلاَّ للضرورة. "الفتح".

(1/129)


حتّى يسمع صوتاً (1) أو يجد ريحاً" (2).
قال الحافظ -رحمه الله-: "هذا الحديث أصل في حُكم بقاء الأشياء على أُصولها حتى يتيقَّن خلاف ذلك، ولا يضّر الشكّ الطارئ عليها، وأخَذَ بهذا الحديث جمهور العلماء" (3).

6 - الإِحساس بالنّقطة.
وما قيل في الأمر السابق يُقال هنا.
وقد سُئل شيخ الإِسلام ابن تيمية -رحمه الله- فيما إذا أحسَّ بالنّقطة في صلاته؛ فهل تبطل صلاته؟ فأجاب: "مجرّد الإِحساس لا ينقض الوضوء، ولا يجوز له الخروج من الصّلاة الواجبة بمجرّد الشكّ؛ فإِنَّه قد ثبت عن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنَّه سُئل عن الرّجل يجد الشيء في الصَّلاة، فقال: "لا ينصرفُ حتّى يسمعَ صوتاً أو يجدَ ريحاً".
وأما إِذا تيقَّن خروج البول إِلى ظاهر الذّكر؛ فقد انتقض وضوؤه، وعليه الاستنجاء؛ إلاَّ أن يكون به سلس البول؛ فلا تبطل الصّلاة بمجرّد ذلك إِذا فعَل ما أُمِر به، والله أعلم" (4).
__________
(1) أي: من مخرجه.
(2) أخرجه البخاري: 137، ومسلم 361، وغيرهما، وتقدّم في (باب نواقض الوضوء).
(3) "الفتح" تحت حديث (137).
(4) "الفتاوى" (21/ 220).

(1/130)


7 - الأخْذ من الشّعر أو الأظفار، وخلْع الخفّين.
ولا دليل على الوضوء من ذلك.
قال الحسن: "إِنْ أخذ من شعره أو أظفاره وخَلَع خُفّيه، فلا وضوء عليه" (1). ونقل ابن المنذر الإِجماع على ذلك (2).

مسائل في الوضوء
1 - المضمضة باليمين.
لحديث حُمران مولى عثمان، وفيه:" ... فأدخل يمينه في الإِناء، فمضمض واستنشق" (3).

2 - الاستنثار باليُسرى.
عن عليّ -رضي الله عنه-: "أنَّه دعا بوَضوء؛ فتمضمض واستنشق، ونثر بيده اليُسرى، ففعل هذا ثلاثاً، ثمَّ قال: هذا طهور نبيّ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -" (4).

3 - المضمضة والاستنشاق من غَرفة واحدة.
عن عبد الله بن زيد -رضي الله عنه-: "أنَّه أفرَغَ من الإِناء على يديه،
__________
(1) أورده البخاري معلقاً بصيغة الجزم، ووصله سعيد بن منصور وابن المنذر بإِسناد صحيح. كما قال الحافظ في "الفتح" (كتاب الوضوء، تحت باب: 34).
(2) "الفتح" (كتاب الوضوء، تحت باب 34).
(3) أخرجه البخاري: 156، ومسلم: 226، وغيرهما.
(4) أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي "صحيح سنن النسائي" (89) وغيرهم، وانظر "الإِرواء" (91).

(1/131)


فغسَلهما، ثمَّ غَسَل أو مضمض واستنشق من كفّةٍ (1) واحدة، ففعل ذلك ثلاثاً، فغسل يديه إِلى المرفقين مرَّتين مرَّتين، ومسح برأسه ما أقبل وما أدبر، وغسل رجليه إِلى الكعبين، ثمَّ قال: هكذا وضوء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -" (2).
وعن عبد خير؛ قال: رأيتُ عليّاً -رضي الله عنه- أُتي بكرسي، فقعد عليه، ثمَّ أُتي بكوز من ماء، فغسل يديه ثلاثاً، ثمَّ تمضمض مع الاستنشاق بماء واحدة" (3).

4 - المبالغة في المضمضة والاستنشاق إِلا من صيام.
عن لقيط بن صبرة: أنَّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له:" ... وبالغْ في الاستنشاق إلاَّ أنْ تكون صائماً" (4).

5 - تخليل اللحية.
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إِذا توضّأ؛ أخذ كفّاً من ماء، فأدخله تحت حنكه، فخلَّل به لحيته، وقال: "هكذا أمَرني ربي عز وجل" (5).
__________
(1) قال الحافظ في "الفتح": " ... وفي نسخة من غرفة واحدة" وللأكثر من "كفّ" بغير هاء" اهـ قال الأصيلي: "صوابه منَ كفٍّ واحد".
(2) أخرجه البخاري: 191، ومسلم: 235؛ نحوه.
(3) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (104).
(4) أخرجه أصحاب السنن الأربعة وغيرهم، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وغيره، وانظر "حقيقة الصيام" (ص 12).
(5) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (132)، والبيهقيّ عنه وتقدّم، =

(1/132)


قال شَيخنا -حفظه الله تعالى- بعد أن ذكر قول الشوكاني في "السيل الجرّار" (1/ 81) حول وجوب المضمضة والاستنشاق والاستنثار: "ثمَّ ذكر مثل ذلك في تخليل اللحية (تحت رقم 6)، وهو الصواب، وينبغي أن يُقال ذلك في تخليل الأصابع أيضاً؛ لثبوت الأمر به عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -".

6 - وجوب مسح جميع الرأس.
قال الله تعالى: {وامْسَحُوا برؤوسِكُم} (1).
وعن عمرو بن يحيى المازنيّ عن أبيه: أن رجلاً قال لعبد الله بن زيد -وهو جدُّ عمرو بن يحيى-: أتستطيع أن تُرِيَني كيف كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتوضّأ؟ فقال عبد الله بن زيد: نعم. فدعا بماء فأفرغ على يديه، فغسل مرتين، ثمَّ مضمض واستنثر ثلاثاً، ثمَّ غسل وجهه ثلاثاً، ثمَّ غسل يديه مرتين مرتين إِلى المرفقين، ثمَّ مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر؛ بدأ بمقدَّم رأسه حتى ذهب بهما إِلى قفاه، ثمَّ ردَّهما إِلى المكان الذي بدأ منه، ثمَّ غسل رجليه" (2).
وسُئل مالك -رحمه الله-: أيجزئ أن يمسحَ بعض الرأس؟ فاحتجّ بحديث عبد الله بن زيد هذا (3).
__________
= وللحديث طريق أخرى صحَّحها الحاكم، ووافقه ابن القَّطان والذّهبي، والحديث صحيح بشواهده. وانظر "الإِرواء" (92).
(1) المائدة: 6، والباء هنا زائدة لا تبعيضيَّة، فيراد مسح الكلّ. انظر "الفتح" (شرح حديث 285). وذكر شيخ الإسلام -رحمه الله- أنها للإِلصاق "الفتاوى" (21/ 123).
(2) أخرجه البخاري: 185، ومسلم: 235، نحوه وتقدّم.
(3) وصله ابن خزيمة في "صحيحه" (157)؛ كما ذكر الحافظ -رحمه الله- في "الفتح".

(1/133)


وإلى وجوب مسْح جميع الرأس هذا ذهب شيخ الإِسلام ابن تيميّة -رحمه الله تعالى- وذكر أنَّه المشهور من مذهب مالك وأحمد (1).
وقال ابن المسيّب: المرأة بمنزلة الرجل، تمسح على رأسها (2).

7 - كيف يُمسح الرأس؟
يُمسح باليدين إِقبالاً وإِدباراً، بادئاً بمقدّم رأسه، حتى يبلغ قفاه:
لحديث عبد الله بن زيد:" ... ثمَّ مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر؛ بدأ بمقدّم رأسه، حتى ذهب بهما إِلى قفاه، ثمَّ ردّها إِلى المكان الذي بدأ منه ... " (3).
وعن يزيد بن أبي مالك: أنَّ معاوية توضأ للنَّاس كما رأى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتوضّأ، فلمَّا بلغَ رأسه؛ غَرف غرفةً من ماء فتلقاها بشماله؛ حتى وضعها على وسط رأسه، حتى يقطر الماء أو كاد يقطر، ثمَّ مسح من مقدّمه إِلى مؤخّره، ومن مؤخره إِلى مقدّمه" (4).

8 - مسح الرأس مرة واحدة.
لحديث عبد الله بن زيد المتقدّم، وهو يتوضّأ وضوء النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفيه:
__________
(1) انظر "الفتاوى" (21/ 122 - وما بعدها).
(2) أورده البخاري معلقاً بصيغة الجزم، ووصَله ابن أبي شيبة بلفظ: "الرجل والمرأة في المسح سواء". "الفتح".
(3) أخرجه البخاري: 185، ومسلم: 235، وغيرهما، وتقدّم.
(4) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (115).

(1/134)


" ... فمسح رأسه، فأقبَل بهما وأدبَر مرّة واحدة، ثمَّ غسل رجليه إِلى الكعبين".

9 - مسح الرأس مرتين.
لحديث الرُّبَيِّع بنت مُعوّذ عن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفيه:" ... ومسَح برأسه مرتين ... " (1).

10 - مسح الرأس ثلاثاً.
فقد صحّ من حديث عثمان -رضي الله عنه-: "أنَّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح برأسه ثلاثاً" (2).
وقد قال الحافظ في "الفتح" (3): "وقد روى أبو داود من وجهين صحّح أحدهما ابن خزيمة وغيره في حديث عثمان تثليث مسح الرأس، والزيادة من الثقة مقبولة".
وذكر في "التلخيص": أنَّ ابن الجوزي مال في "كشف المشكل" إِلى تصحيح التكرير.
قال شيخنا -حفظه الله تعالى-: "وهو الحقّ؛ لأنَّ رواية المرة الواحدة - وإِن كَثرت- لا تُعارض رواية التثليث؛ إِذ الكلام في أنَّه سنَّة، ومن شأنها أن
__________
(1) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (117).
(2) قال شيخنا في "تمام المنَّة" (ص91): أخرجه أبو داود بسندين حسَنين، وله إِسناد ثالث حسن أيضاً، وقد تكلّمت على هذه الأسانيد بشيء من التفصيل في "صحيح سنن أبي داود" (95 و98).
(3) تعليقاً على حديث (159).

(1/135)


تُفعل أحياناً وتُترك أحياناً، وهو اختيار الصنعاني في "سبل السلام"؛ فراجعه إِن شِئت" (1).

11 - المسح على العمامة.
عن بلال -رضي الله عنه-: "أنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَح على الخفّين والخِمار (2) " (3).
وفي حديث المغيرة بن شُعبة -رضي الله عنه-: "أنَّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضّأ، فمسح بناصيته على العمامة (4) وعلى الخفيّن" (5).
وعنه -رضي الله عنه- أيضاً: "أنَّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح على الخفّين ومُقدَّم رأسه وعلى عمامته" (6).
وعن ثوبان -رضي الله عنه- قال: "بعثَ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سريّة، فأصابهم البرد، فلمّا قدِموا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أمرهم أن يمسحوا على العصائب (7) والتساخين" (8).
__________
(1) "تمام المنَّة" (ص91).
(2) أراد به العمامة؛ لأنَّ الرجل يغطي بها رأسه؛ كما أنَّ المرأة تغطّيه بخمارها. "النهاية".
(3) أخرجه مسلم: 275
(4) العمامة: ما يُلفُّ على الرأس ويغطَّى به.
(5) أخرجه مسلم 274، وغيره.
(6) أخرجه مسلم: 274
(7) كلّ ما عصَبْتَ به رأسك من عمامة أو منديل أو خرقة. "النهاية".
(8) جاء في النهاية: الخفاف، ولا واحد لها من لفظها، وقيل: "واحدها تَسخان =

(1/136)


قال ابن حزم -رحمه الله- بعد أن ذكر بعض الأحاديث في المسْح على العمامة: "فهؤلاء ستة من الصحابة -رضي الله عنهم-: المغيرة بن شعبة، وبلال، وسلمان، وعمرو بن أميّة، وكعب بن عجرة، وأبو ذرّ، كلّهم يروي ذلك عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأسانيد لا معارض لها ولا مطعن فيها، وبهذا القول يقول جمهور الصحابة والتابعين ... " (1).
وقال الصنعاني:" ... كان يمسح على رأسه تارة، وعلى العمامة تارة، وعلى النّاصية والعمامة تارة".
ويرى شيخنا -حفظه الله- أنْ يفعل المرء ما يتيسّر له من هذه الحالات.
ولا يُشترط في المسح على العمامة لبْسها على طهارة، ولك أن تمسح بلا توقيت ولا تحديد؛ لعدم ورود النصِّ في ذلك.
قال ابن حزم -رحمه الله- في "المحلّى" (تحت المسألة: 202): "وإنما نصَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في اللباس على الطهارة- على الخفيّن، ولم ينصّ ذلك في العمامة والخمار.
قال الله تعالى: {لِتُبيِّنَ للنَّاس ما نُزِّلَ إِليْهم} (2)، {وما كان ربُّكَ
__________
= وتَسْخين وتَسْخن. انظر باب (التاء مع السين) و (السين مع الخاء)، وقيل: التساخين ما يُسخَّن به القدم من خُفٍّ وجورب ونحوهما". أخرجه أحمد، وهو في "صحيح سنن أبي داود" (133).
(1) أنظر "المحلّى" (المسألة: 201).
(2) النحل: 44

(1/137)


نَسِيّاً} (1).
فلو وجب هذا في العمامة والخمار؛ لبيَّنه -عليه السلام- كما بيّن ذلك في الخفّين، ومدّعي المساواة في ذلك بيْن العمامة والخمار وبيْن الخفّين مُدَّعٍ بلا دليل، ويُكلَّف البرهان على صحة دعواه في ذلك.
فيُقال له: من أين وجب -إِذ نصَّ عليه السلام في المسح على الخفين أنَّه لَبِسهما على طهارة-: أنَّه يجب هذا الحكم في العمامة والخمار؟ ولا سبيل له إِليه أصلاً بأكثر من قضيّة من رأيه؛ وهذا لا معنى له! قال الله تعالى: {قُل هَاتوا بُرْهانَكُم إِنْ كنْتُمْ صَادقينَ} (2).
وقال في الردّ على من يقول بتوقيت المسح على العمامة والخمار (3): "يقال له: ما دليلك على صحّة ما تذكر من أن يحكم للمسح على العمامة بمثل الوقتين المنصوصَين (4) في المسح على الخفّين؟ وهذا لا سبيل إِلى وجوده بأكثر من الدّعوى، وقد مسح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على العمامة والخمار، ولم يوقِّت في ذلك وقتاً، ووقّت في المسح على الخفيّن؛ فيلزمنا أن نقول ما قاله عليه السلام، وأن لا نقول في الدين ما لم يَقُلْه عليه السّلام، قال الله تعالى: {تِلْكَ حُدودُ اللهِ فلا تَعْتَدُوها} (5) ".
__________
(1) مريم: 64
(2) البقرة: 111، والنمل: 64
(3) انظر المسألة: 203
(4) أي: السّفر والحضر.
(5) البقرة: 229

(1/138)


12 - مسْح باطن وظاهر الأذنين.
عن عبد الله بن عمرو: أنَّ رجلاً أتى النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله! كيف الطّهور؟ فدعا بماء في إِناء، فغسل كفّيه ثلاثاً، ثمَّ غسل وجهه ثلاثاً، ثمَّ غسل ذراعيه ثلاثاً، ثمَّ مسَح برأسه، فأدخَل إِصْبعيه السبّاحتين (1) في أذنيه، ومسَح بإِبهاميه على ظاهر أذنيه وبالسبّاحتين باطن أذنيه، ثمَّ غسل رجليه ثلاثاً، ثمَ قال: "هكذا الوُضوء؛ فمن زاد على هذا؛ فقد أساء وظلم"، أو: "ظلم وأساء" (2).
وعن أبي مليكة؛ قال: "رأيت عثمان بن عفّان سُئل عن الوضوء، فدعا بماء، فأُتي بميضأة ... (وذكر الحديث إِلى أن بلغَ:) ثمَّ أدخل يده، فأخذ ماءً فمسح برأسه وأذنيه، فغسل بطونهما وظهورهما مرّة واحدة، ثمَّ غسل رجليه، ثمَّ قال: أين السائلون عن الوضوء؟ هكذا رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتوضأ" (3).
وفي حديث المقدام بن معديكرب؟ قال: " ... ومسَح بأذنيه ظاهرهما وباطنهما، -زاد هشام-: وأدخل أصابعه في صِماخ (4) أذنيه" (5).
__________
(1) السبَّاحة والمُسبِّحة: الإِصبع التي تلي الإِبهام، سُمِّيت بذلك لأنها يُشار بها عند التَّسبيح. "النهاية".
(2) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (123) وغيره، وانظر "المشكاة" (417).
(3) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (99).
(4) ثقب الأذن، ويقال بالسين. "النهاية".
(5) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (114).

(1/139)


وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-: "أنَّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما" (1).

13 - مسْح الأذنين بماء الرّأس وجواز أخْذ ماء جديد لهما عند الحاجة.
قال المُناوي في شرح حديث: "الأذُنان من الرأس" (2): "الأذُنان من الرأس، لا من الوجه ولا مستقلّتان؛ يعني: فلا حاجة إِلى أخْذ ماء جديد منفرد لهما غير ماء الرأس في الوضوء، بل يجزئ مسْحهما ببلل ماء الرأس، وإلاَّ لكان بياناً للخلقة فقط، والمصطفى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يُبعث لذلك، وبه قال الأئمة الثلاثة ... "، وذكر مخالفة الشّافعيِّة في ذلك.
واحتجّ النَّووي في "المجموع" (1/ 412) بحديث عبد الله بن زيد -رضي الله عنه-: "أنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخَذ لأذنيه ماءً خلاف الذي أخذ لرأسه"، وقال: حديث حسن، رواه البيهقيّ وقال: إِسناده صحيح.
بيْد أنَّ شيخنا -حفظه الله- بيّن شذوذه في: "الضعيفة" (995)، و"صحيح سنن أبي داود" (111).
__________
(1) أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والبيهقيّ، وهو صحيح بالمتابعة؛ فقد أخرجه أبو داود والحاكم، وانظر "الإرواء" (90).
(2) حديث صحيح له طُرق كثيرة عن جماعة من الصحابة؛ منهم: أبو أمامة، وأبو هريرة، وابن عمرو، وابن عباس، وعائشة، وأبو موسى، وأنس، وسمرة بن جندب، وعبد الله ابن زيد. وانظر تفصيله في "الصحيحة" (36).

(1/140)


وقال النّووي -رحمه الله- في موطن آخر (1): "وهو حديث صحيح كما سبق بيانه قريباً؛ فهذا صريح في أنَّهما ليستا من الرّأس، إِذ لو كانتا منه؛ لما أخذ لهما ماءً جديداً كسائر أجزاء الرّأس، وهو صريح في أخذ ماء جديد، فيحتجّ به أيضاً على من قال: يمسحمها بماء الرّأس ... ".
قال شيخنا -حفظه الله-: "ولا حُجّة فيه على ما قالوا؛ إِذ غاية ما فيه مشروعيّة أخذ الماء لهما، وهذا لا ينافي جواز الاكتفاء بماء الرّأس؛ كما دلَّ عليه الحديث، فاتّفقا ولم يتعارضا.
ويؤيد ما ذكرتُ: أنَّه صحّ عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أنَّه مسح برأسه من فضل ماءٍ كان في يده".
رواه أبو داود في "سننه" بسند حسن كما بيّنته في "صحيح سننه" (121)، وله شاهد من حديث ابن عباس في "المُستدرك" (1/ 147) بسند حسن أيضاً، ورواه غيره؛ فانظر: "التلخيص الحبير" (ص 33).
وهذا كلّه يُقال على فرض التّسليم بصحّة حديث عبد الله بن زيد، ولكنه غير ثابت، بل هو شاذٌّ كما ذكرت في "صحيح سنن أبي داود" (111)، وبيّنته في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (تحت 995).
وجملة القول: فإِنَّه أسعد النَّاس بهذا الحديث من بين الأئمّة الأربعة أحمد ابن حنبل -رضي الله عنهم- أجمعين؛ فقد أخذ بما دلّ عليه الحديث في المسألتين، ولم يأخذ به في الواحدة دون الأخرى كما صنع غيره" (2) أهـ.
__________
(1) "المجموع" (1/ 414).
(2) انظر "الصحيحة" التعليق على حديث (36).

(1/141)


وخلاصة القول التي بدت لي: "جواز مسح الأذنين بماء الرأس، مع جواز أخْذ ماء جديد لهما، إِذا دعت الحاجة لذلك، والله أعلم".

14 - عدم ورود المسْح على العُنق.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-: "لم يصح عن النّبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنَّه مسح على عنقه في الوضوء، بل ولا رُوي عنه ذلك في حديث صحيح، بل الأحاديث الصحيحة التي فيها صفة وضوء النبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن يمسح على عنقه؛ ولهذا لم يستحبّ ذلك جمهور العلماء؛ كمالك والشافعي وأحمد في ظاهر مذهبهم، ومن استحبّه؛ فاعتمد فيه على أثر يُروى عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أو حديث يضعُف نقْلُه: "أنَّه مسح رأسه حتى بلغ القذال (1) " (2)، ومِثل ذلك لا يصح عمدة، ولا يُعارض ما دلّت عليه الأحاديث" (3).
وأما حديث: "مسح الرقبة أمان من الغِلّ"؛ فموضوع (4).
__________
(1) جِماع مؤخَّر الرأس.
(2) أخرجه أبو داود وغيره، وفيه ثلاث علل: الضعف، والجهالة، والاختلاف في صحبة والد مصرف. وضعّفه النووي، وابن تيمية، والعسقلاني، وغيرهم. وانظر: "الضعيفة" (تحت رقم 69)، و"ضعيف سنن أبي داود" (15).
(3) "الفتاوى" (21/ 127 و128).
(4) قاله النَّووي في "المجموع شرح المهذَّب" (1/ 465)، ونقله السيوطي في "ذيل الأحاديث الموضوعة" عن النووي، وأقرّه، وللحافظ كلام فيه في "التلخيص الحبير"، وانظر تفصيل تخريجه في "السلسلة الضعيفة" (69).

(1/142)


15 - غسل الرِّجلين إِلى الكعبين.
عن عمرو بن يحيى عن أبيه قال: "شهدت عمرو بن أبي حسن سأل عبد الله ابن زيد عن وضوء النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فدعا بتور من ماء، فتوضأ لهم وضوء النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فأكفأ على يديه من التّور فغسل يديه ثلاثاً، ثمَّ أدخل يده في التّور فمضمض واستنشق واستنثر ثلاث غرفات، ثمَّ أدخل يده فغسل وجهه ثلاثاً، ثمَّ غسل يديه مرّتين إِلى المرفقين، ثمَّ أدخل يده فمسح رأسه فأقبَل بهما وأدبر مرّة واحدة، ثمَّ غسل رجليه إِلى الكعبين" (1).

16 - غَسل الرجلين بغير عدد.
لحديث يزيد بن أبي مالك، وفيه: " ... فتوضّأ ثلاثاً ثلاثاً، وغسل رجليه بغير عدد" (2).

17 - تخليل أصابع الرجلين.
عن المستورد بن شدَّاد -رضي الله عنه- قال: "رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذا توضّأ يدلك أصابع رجليه بخِنصره" (3).
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إِذا توضّأْتَ، فخلِّل أصابع يديْك ورجليك" (4).
__________
(1) أخرجه البخاري: 186، ومسلم: 235، وتقدّم.
(2) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (116).
(3) أخرجه أبو داود "صحيح أبي داود" (134) وغيره، وانظر "المشكاة" (407).
(4) أخرجه أصحاب السنن الأربعة وغيرهم، وقال الحاكم: "صحيح الإِسناد"، ووافقه الذهبي وغيره. وانظر "الصحيحة" (1306)، و"حقيقة الصيام" (12).

(1/143)


وعن لَقِيط بن صَبِرة: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أسبغ الوضوء، وخلِّل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق؛ إلاَّ أن تكون صائماً" (1).

18 - الترهيب من النقص في غسل الرجلين.
عن سالم مولى شدَّاد؛ قال: دخلَت عليَّ عائشة زوج النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم تُوفّي سعدُ بن أبي وقاص، فدخل عبد الرحمن بنُ أبي بكر، فتوضّأ عندها، فقالت: يا عبد الرحمن! أسبغ الوضوء؛ فإِنّي سمعْت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ويْلٌ (2) للأعقاب (3) من النّار" (4).
وعن جابر -رضي الله عنه- قال: "أخبرَني عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: أنَّ رجلاً توضّأ، فترك موضع ظُفُر على قدمه، فأبصره النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: ارجعْ؛ فأحسِن وضوءك، فرجع ثمَّ صلَّى" (5).
__________
(1) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (129)، والترمذي -وقال: "حديث حسن صحيح"- والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم، وهو في "المشكاة" (405)، وتقدّم.
(2) الويل: كلمة تُقال لمن وقع في هلكة ولا يُترّحم عليه؛ بخلاف ويح؛ كذا في "التنقيح". "فيض القدير". وهو الحزن والهلاك والمشقة من العذاب. "النهاية".
(3) أي: التي لا ينالها ماء الطُّهر. "فيض". والعَقِب: مؤخَّر القدم.
وفي "النهاية": أراد صاحب العقب، فحذف المضاف، وِإنّما قال ذلك لأنَّهم كانوا لا يستقصون غَسْل أرجلهم في الوضوء.
(4) أخرجه البخاري: 60 من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- ورواه البخارى: 165، ومسلم: 240، وغيرهما؛ من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- بهذا السياق.
(5) أخرجه مسلم: 243، وغيره وتقدم. وفي رواية: "فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة". رواه أحمد، وانظر "صحيح سنن أبي داود" (161)، و"الإرواء" (86).

(1/144)


وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أنَّه رأى قوماً يتوضؤون من المطهرة، فقال: أسبغوا الوُضوء؛ فإِني سمعْت أبا القاسم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ويل للعراقيب (1) من النار" (2).

19 - النّضح بعد الوضوء.
عن الحكم بن سفيان الثقفي -رضي الله عنه-: "أنَّه رأى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضّأ، ثمَّ أخذ كفّاً من ماء فنضحَ به فرجه" (3).

20 - وجوب استيعاب جميع أجزاء محلّ الطهارة، ولا يصحّ الوضوء بترك مثل موضع الظُّفُر أو قدر الدّرهم.
عن جابر؛ قال: "أخبرني عمر بن الخطاب: أنَّ رجلاً توضّأ، فترك موضع ظُفُر على قدمه، فأبصره النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: "ارجع فأحسن وُضوءك فرجع ثمَّ صلّى" (4).
__________
(1) هو من الإنسان فويق العَقب. "النهاية"، وقال النووي: وهو العصبة التي فوق العَقب.
(2) أخرجه مسلم: تحت حديث رقم (242)، وغيره.
(3) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (154) والنسائي، وهو صحيح لغيره فإِنّ له شاهداً من رواية زيد بن حارثة -رضي الله عنه- رواه أحمد وغيره، وانظر "المشكاة" (366).
(4) أخرجه مسلم: 243، وتقدم.

(1/145)


21 - ما يوجب إِعادة الوضوء.
للحديث السابق.

22 - التيمّن في الوضوء.
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعجبه التّيمّن (1)؛ في تنعُّله (2)، وترجُّله (3)، وطُهُوره؛ في شأنه كلّه" (4).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِذا لبستم وإِذا توضّأتم؛ فابدأوا بأيامنكم" (5).
وعن أم عطيّة -رضي الله عنها- قالت: قال النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لهنّ في غسل ابنته: "ابدأنَ بميامنها ومواضع الوضوء منها" (6).
__________
(1) أي: الابتداء باليمين، وكان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعجبه الفأل الحسن؛ كما في رواية ابن حبَّان عن أبي هريرة، وأحمد عن عائشة، وغيرهما، وهو في "الكلم" (248).
وعند الشيخين: "قالوا: وما الفأل؟ قال: الكلمة الحسنة يسمعها الرجل".
قال في "الفتح": "قيل: إِنه كان يحبُّ الفأل الحسن، إِذ أصحاب اليمين أهل الجنة".
(2) أي: لُبس نعله.
(3) أي: ترجيل شعره، وهو تسريحه ودهنه.
(4) أخرجه البخاري: 168، ومسلم: 268، وغيرهما. قيل: "هو عام مخصوص؛ لأنَّ دخول الخلاء والخروج من المسجد يبدأ فيهما باليسار".
(5) تقدّم.
(6) أخرجه البخاري: 167، ومسلم: 939، وغيرهما، وتقدّم.

(1/146)


23 - إِسباغ الوضوء على المكاره.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ألا أدلّكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ ". قالوا: بلى يا رسول الله! قال: "إِسباغ الوُضوء على المكاره (1)، وكثرة الخُطا إِلى المساجد، وانتظار الصّلاة بعد الصّلاة؛ فذلكم الرّباط (2) " (3).
وتقدَّم حديث لَقيط بن صَبِرة: "أسبِغ الوضوء، وخلِّل بين الأصابع، وبالِغ في الاستنشاق؛ إلاَّ أن تكون صائماً".

24 - عدم ترتيب الوضوء لا يفسده.
الأصل في الوضوء الترتيب، ولكن ليس هناك ما يدلّ على أنَّ عدم ترتيب الوضوء يفسده، فقد ثبت عن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنَّه توضّأ من غير ترتيب؛ كما في حديث المقدام بن معديكرب -رضي الله عنه- قال: "أُتي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بوَضوء، فتوضّأ، فغسل كفّيه ثلاثاً، ثمَّ غسل وجهه ثلاثاً، ثمَّ غسل ذراعيه ثلاثاً، ثمَّ مضمض واستنشق ثلاثاً، ومسح برأسه وأُذنيه ظاهرهما وباطنهما، وغسل رجليه ثلاثاً" (4).
__________
(1) جمع مَكْرَه، وهو ما يكرهه الإِنسان ويشقُّ عليه، والكُره: المشقَّة، والمعنى: أن يتوضّأ مع البرد الشديد والعِلل التي يتأذَّى معها بمسِّ الماء. "النهاية".
(2) الرباط في الأصل: الإِقامة على جهاد العدو بالحرب؛ أي: أنَّ المواظبة على الطهارة والصلاة والعبادة كالجهاد في سبيل الله. "النهاية" بحذف.
(3) أخرجه مسلم: 251، وغيره.
(4) أخرجه أحمد، وأبو داود، وقال الشوكاني: "إِسناده صالح"، وحسّن إِسناده النووي والحافظ ابن حجر. وانظر "تمام المنّة" (ص88).

(1/147)


25 - النّهي عن الاعتداء في الوُضوء.
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه؛ قال: جاء أعرابيٌّ إِلى النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسأله عن الوضوء، فأراه ثلاثاً ثلاثاً، ثمَّ قال: "هكذا الوضوء؛ فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدّى وظلم" (1).
وفي الحديث: "إِنّه سيكون في هذه الأمَّة قومٌ يعتدون في الطُهور (2) والدُّعاء" (3).

26 - الرجل يُوضِّئ صاحبه.
عن أسامة بن زيد: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمّا أفاض من عرفة؛ عدل إِلى الشِّعْب، فقضى حاجته. قال أسامةُ بن زيد: فجعلْت أصُبُّ عليه ويتوضّأ، فقلت: يا رسول الله! أتصلّي؟ فقال: "المُصلَّى أمامك" (4).
وعن المغيرة بن شعبة: "أنَّه كان مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سفر، وأنَّه ذهب لحاجةٍ له، وأنَّ مغيرةَ جعل يصبُّ الماء عليه وهو يتوضّأ، فغسل وجهه ويديه ومسح على الخُفّين" (5).
__________
(1) أخرجه النسائى "صحيح سنن النسائي" (136)، وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه" (339)، وانظر "المشكاة" (417).
(2) الطهور: بالضم ويُفتح. "مرقاة" (2/ 125).
(3) أخرجه أحمد وأبو داود "صحيح سنن أبي داود" (87)، وابن ماجه، وانظر "المشكاة" (418).
(4) أخرجه البخاري: 181
(5) أخرجه البخارى: 182، ومسلم: 274، وغيرهما.

(1/148)


27 - التخفيف في الوضوء.
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "بتُّ عند خالتي ميمونة ليلة، فقام النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الليل، فلمّا كان في بعض الليل؛ قام النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فتوضّأ من شنٍّ (1) مُعلَّق وضوءاً خفيفاً -يخفّفه عمرو ويقلّله (2) - وقام يُصلِّي ... " (3).
وعن أنس -رضي الله عنه- قال: "كان النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يغسل (4) (أو كان يغتسل) (5) بالصّاع (6) إِلى خمسة أمداد (7)، ويتوضّأ بالمُدّ" (8).
__________
(1) الشَّنُّ: القربة العتيقة.
(2) أي: يصِفه بالتخفيف والتقليل. وقال ابن المنيِّر: يخفِّفه؛ أى: لا يُكثر الدَّلك، ويقلِّله؛ أي: لا يزيد على مرة مرة. وقيل: الاقتصار على سيلان الماء على العضو أخفُّ من قليل الدَّلك، والله أعلم. عن "الفتح" بشيء من الاختصار.
(3) أخرجه البخاري: 138
(4) أي: جسده.
(5) قال الحافظ: "الشَّكُّ فيه من البخاري أو من أبي نُعيم لما حدَّثه به".
(6) الصَّاع: إناء يتسع خمسة أرطال وثُلُثاً بالبغدادي، وقال بعض الحنفيَّة: ثمانية.
"الفتح". وهو أربعة أمداد. "النهاية". و"الفتح". وقال أبو داود في "سننه": "وسمعْتُ أحمد بن حنبل يقول: الصَّاع خمسة أرطال، وهو صاع ابن أبي ذئب، وهو صاع النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -".
(7) جاء في "النهاية": "المُدُّ في الأصل: رُبع الصاع، وِإنّما قُدِّر به لأنَّه أقل ما كانوا يتصدقون به في العادة". وفيه أيضاً: "وهو رطل وثُلُث بالعراقي، عند الشافعي وأهل الحجاز، وهو رطلان عند أبي حنيفة وأهل العراق".
(8) أخرجه البخارى: 201، ومسلم: تحت 325، وغيرهما.

(1/149)


وعن أنس -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يغتسل بخمس مكاكيك (1)، ويتوضّأ بمكّوك" (2).
وعن عُمارة: "أنَّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضّأ، فأُتي بإِناء فيه ماء؛ قدر ثُلُثي المدّ" (3).
وعن عبد الله بن زيد: "أنَّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتيَ بثُلُثي مُدّ، فجعل يدلك ذراعه" (4).

28 - استعمال فضل وضوء النّاس.
عن أبي جُحيفَة -رضي الله عنه- قال: "خرج علينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالهاجرة (5)، فأُتي بوَضوء فتوضّأ، فجعل النّاسُ يأخذون من فضل وَضوئه فيتمسّحون به، فصلّى النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظهر ركعتين والعصر ركعتين وبين يديه
__________
(1) جاء في "النهاية": "أراد بالمكُّوك: المُدّ، وقيل: الصَّاع، والأول أشبه؛ لأنّه جاء في حديث آخر مفسراً بالمُدِّ، والمكوك: اسم للمكيال".
وقوله: "والأول أشبه"؛ هو الصواب إِن شاء الله؛ فقد ورَدت فيه النصوص كما تقدّم، أمّا الصَّاع إِلى خمسة أمداد فهو مقدار ما كان يغتسل به عليه السلام.
(2) أخرجه مسلم: 325، وغيره.
(3) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (85).
(4) عن "صحيح سنن ابن خزيمة" (118)، وعند الحاكم مِثله، وصحَّحه شيخنا -حفظه الله-.
(5) نصف النهار، عند اشتداد الحرّ؛ لأنَّ الناس يستكنُّون في بيوتهم، كأنّهم قد تهاجروا.

(1/150)


عَنَزَة (1) "" (2).

فوائد يحتاج المتوضِّىء إِليها (3).
* الكلام المباح أثناء الوضوء مُباح، ولم يَرِدْ في السنّة ما يدلّ على منعه.
* الدّعاء عند غسل الأعضاء باطل لا أصل له.
* لو شكَّ المتوضئ في عدد الغسلات؛ يبني على اليقين، وهو الأقل.
* وجود الحائل -مثل الشَّمع (4) - على أيّ عضو من أعضاء الوضوء يُبطله، أمّا اللون وحده -كالخضاب بالحنّاء مثلاً-، فإِنَّه لا يؤثر في صحة الوضوء؛ لأنَّه لا يَحُولُ بين البشرة وبين وصول الماء إِليها.
* المستحاضة ومن به سلس بول أو انفلات ريح أو غير ذلك من الأعذار يتوضؤون لكلّ صلاة إِذا كان العذر يستغرق جميع الوقت، أو كان لا يمكن ضبطه، وتعدّ صلاتهم صحيحة مع قيام العُذر.
* يجوز الاستعانة بالغير في الوضوء.
* يباح للمتوضّئ أن يُنشّف أعضاءه بمنديل أو نحوه؛ صيفاً وشتاءً.
__________
(1) العَنَزة: رُميْح بين العصا والرُّمح، فيه زُجٌّ. "المحيط". والزُّج: الحديدة في أسفل الرمح. "الوسيط".
(2) أخرجه البخاري: 187
(3) عن كتاب "فقه السنّة" للسيد سابق -حفظه الله تعالى- بحذف يسير.
(4) [أو ما يُعْرَف بـ (المنيكير)].

(1/151)


خُلاصة مُيسَّرة لأعمال الوضوء (1).
- النيّة: لحديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ قال: "إِنَّما الأعمال بالنّيات، وِإنَّما لكلّ امرئ ما نوى ... " (2).
ومحل النيّة القلب، وأما التلفّظ بها؛ فبدعة.
- التسوّك (3).
- غسل الكفّين، ويخلّل الأصابع فيها؛ إِن لم يُرِد تخليلهما عند غسل اليدين إِلى المرفقين.
- المضمضة والاستنشاق والاستنثار، والمبالغة في ذلك إلاَّ من صيام.
والأصل هو المضمضة والاستنشاق من ماء واحد، والفصل جائز، ويكون ذلك باليمين، وأمّا النّثر؛ فباليد اليُسرى.
- غَسل الوجه.
- تخليل اللحية.
- غَسل اليدين إِلى المرفقين، ويخلِّل أصابع اليدين إن لم يخلِّلْهما عند غَسل الكفّين.
__________
(1) ذَكرتُ هذه الأمور والمسائل من غير دليل؛ لتقدُّم ذلك في مواطن متفرقة؛ إلاَّ ما لزم.
(2) أخرجه البخاري: 54، ومسلم: 1907، وغيرهما، وهو في البخاري أيضاً في مواطن متفرّقة، وتقدّم.
(3) ولم يرِد نصٌّ في تحديد موضعه. وجاء في "تمام المنّة" (89): "ويستحبُّ السِّواك للصّائم أوّل النهار وآخره؛ للبراءة الأصلية".

(1/152)


- مسح الرأس كلّه إِقبالاً وإِدباراً.
- مسح الأذنين باطنهما وظاهرهما.
- غَسل الرجلين إِلى الكعبين، مع تخليل أصابع الرجلين.

الذكر المستحب عقب الوضوء
عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: كانت علينا رعايه الإِبل، فجاءت نوبتي، فروّحتُها بعَشِيّ (1)، فأدْركْت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قائماً يحدّث النّاس، فأدركت من قوله: "ما من مسلم يتوضّأ فيحسن وضوءَه، ثمَّ يقوم فيصلّي ركعتين، مُقبِلٌ عليهما بقلبه ووجهه؛ إلاَّ وَجَبَت له الجنَّة".
قال: فقلت: ما أجود هذه! فإِذا قائل بين يديَّ يقول: التي قبلها أجود، فنظرْتُ فإِذا عمر، قال: إِنّي قد رأيتُك جئتَ آنِفاً. قال: "ما منكم من أحدٍ يتوضّأ فيُبلغ (أو فيُسبغ) (2) الوُضوء، ثمَّ يقول: أشهد أن لا إِله إِلا الله، وأن محمداً عبد الله ورسوله؛ إلاَّ فُتحت له أبواب الجنَّة الثمانيةُ يدخُل من أيّها شاء" (3).
وفي رواية أُخرى لعقبة -رضي الله عنه-: "من توضّأ فقال: أشهد أن لا
__________
(1) أي: ردَدْتُها إِلى مراحها في آخر النهار، وتفرغت من أمرها، ثمَّ جئت إِلى مجلس رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(2) فيبلِغ أو فيُسبغُ؛ بمعنى واحد، والإسباغ: الإِتمام والإِكمال.
(3) أخرجه مسلم: 234، وغيره، وتقدم مختصراً (ص 12).

(1/153)


إِله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله" (1).
زاد الترمذي: "اللهم اجعلني من التَّوَّابين، واجعلني من المتطهِّرين" (2).
وفي حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " ... ومن توضّأ فقال: سبحانك اللهمّ وبحمدك، أشهد أن لا إِله إلاَّ أنت، أستغفرك وأتوب إِليك؛ كُتب له في رَِقٍّ (3)، ثمَّ جُعلَ في طابع، فلم يُكسر إِلى يوم القيامة" (4).
__________
(1) أخرجه مسلم: 234، وفي الحديث زيادة: "وحده لا شريك له"؛ كما هو بيِّن، وقد خالف فيها زيد بن الحُباب عبد الرحمن بن مهدي.
بَيْد أنَّ ابن وهب تابع ابن الحُباب؛ كما في "سنن أبي داود" (169). فصحَّت هذه الزيادة، والحمد لله، وقد استفدت هذا من مراجعة شيخنا -حفظه الله-.
(2) قال المنذري في "الترغيب والترهيب": "وتُكُلِّم فيه".
وقال شيخنا -حفظه الله تعالى- في "الإرواء" (96): "وأعلّه الترمذي بالاضطراب، وليس بشيء؛ فإِنّه اضطراب مرجوح؛ كما بينَّته في "صحيح سنن أبي داود" (162).
ولهذه الزيادة شاهد من حديث ثوبان، رواه الطبراني في "الكبير" (1/ 72/1)، وابن السنِّي في "اليوم والليلة" (رقم 30)، وفيه أبو سعد البقَّال الأعور، وهو ضعيف".
(3) بفتح الراء وكسْرها وهو جلد رقيق يكتب فيه، وانظر "المحيط".
(4) أخرجه الطبراني في "الأوسط"، ورواته رواة "الصحيح"، واللفظ له.
ورواه النسائي، وقال في آخره: "خُتم عليها بخاتم، فوضعت تحت العرش، فلم تُكسر إِلى يوم القيامة"، وصوّب وقفه على أبي سعيد.
وقال شيخنا: "ولكنه في حُكم المرفوع؛ لأنَّه لا يُقال بمجرَّد الرأي كما لا يخفى". وانظر "صحيح الترغيب والترهيب" (218).

(1/154)