الموسوعة
الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة الغُسل
الغُسل -بضم الغين المعجمة-: اسم للاغتسال، وهو تعميم البدن بالماء.
وقال الحافظ في "الفتح": "وحقيقة الاغتسال غَسْل جميع الأعضاء، مع تمييز ما
للعبادة عمَّا للعادة بالنيَّة".
قال الله تعالى: {وإِنْ كُنْتمْ جُنُباً (1) فاطَهَّروا} (2).
وقال تعالى: {يا أَيّها الذين آمنوا لا تقربوا الصَّلاةَ وأنْتُمْ سُكَارى
حتَّى تَعْلَموا ما تقولونَ ولا جُنباً إِلاَّ عابري سبيلٍ حتَّى
تغْتَسلوا} (3).
__________
(1) قال في "النهاية": "الجُنُب: الذي يجب عليه الغُسل بالجماع وخروج
المنيّ ... ".
(2) المائدة: بعض الآية: 6
(3) النساء: 43، قال الحافظ في "الفتح": "قال الكرماني: غرضُه [أي: البخارى
-رحمه الله-] بيان أن وجوب الغسل على
الجُنُب مستفاد من القرآن.
قلت: وقدَّم الآية [أي: {وإِن كنتم جُنُباً فاطهروا}] التي من سورة المائدة
على الآية [أي: [يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة ... } الآية] التي
من سورة النساء لدقيقة، وهي أنَّ لفظ التي في المائدة: {فاطَّهَّروا}؛
ففيها إِجمال، ولفظ التي فى النساء: {حتى تغتسلوا}؛ ففيها تصريح بالاغتسال،
وبيان للتّطهير المذكور، ودلَّ على أنَّ المراد بقوله تعالى: {فاطهروا}:
فاغتسلوا، قوله تعالى في الحائض: {ولا تقربوهنّ حتى يَطْهُرْن فإِذا
تَطَهَّرْن}؛ أي: اغتسلن اتفاقاً".
(1/173)
موجبات الغُسْل
أولاً: خروج المنيِّ بدفق -سواء كان في النَّوم أو اليقظة- من ذكر أو أنثى:
لِما ثَبَتَ عن أمِّ سلمة أمِّ المؤمنين -رضي الله عنها-: أنها قالت: جاءت
أمّ سُليم امرأة أبي طلحة إِلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -، فقالت: يا رسول الله! إِنَّ الله لا يستحيي من الحقِّ (1)؛ هل
على المرأة من غُسل إِذا هي احتلمتْ؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "نعم؛ إِذا رأت الماء" (2).
ولحديث عليّ -رضي الله عنه-: "إِذا رأيتَ المذي؛ فاغسل ذكَرك وتوضأ وضوءك
للصّلاة، فإِذا فَضَخْتَ (3) الماء؛ فاغتسل" (4).
قال ابن قُدامة -رحمه الله-: "فخروج المنيِّ الدافق بشهوة يوجب الغسل من
الرجل والمرأة في يقظة أو في نوم، وهو قول عامَّة الفقهاء، قال التِّرمذي،
ولا نعلم فيه خلافاً" (5).
ومنيُّ الرجل غليظ أبيض، أمَّا منيُّ المرأة؛ فرقيق أصفر؛ لقوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِنَّ
__________
(1) قال في "الفتح": "قدَّمت هذا القول، تمهيداً لعُذرها في ذِكر ما يستحيى
منه".
(2) أخرجه البخاري: 282، ومسلم: 313، وغيرهما.
(3) فضْخ الماء: دفْقه وخروجه على وجه الشدّة.
(4) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (190)، وغيره، وانظر "الإِرواء"
(125).
(5) "المغني" (1/ 197/ باب ما يوجب الغُسل).
(1/174)
ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق
أصفر ... " (1).
ويستفاد من الحديثين المتقدِّمين: عدم وجوب الغُسل على من احتلَمَ ولم يجد
منيّاً؛ من ذكر أو أنثى.
فقد سألتْ زوجُ أبي طلحة رسولَ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: "هل على المرأة من غُسل إِذا هي احتلمتْ؟ ". فقال رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "نعم؛ إِذا رأتِ الماء".
فقيَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الاغتسال برؤيتها الماء،
فإِنْ لم ترَ؛ فلا اغتسال عليها.
وفي حديث عليّ -رضي الله عنه-: "إِذا فَضَخْتَ الماء؛ فاغْتَسلْ". فإِذا لم
تفضخ الماء؛ فلا اغتسال إِذن.
كما يُستفاد من ذلك وجوب الاغتسال، ولو لم يذكر الاحتلام؛ لأنَّ تعليق
الاغتسال في الحديثين السابقين كان برؤية الماء وفضْخه؛ كما هو بيِّن.
وقد جاء هذا صريحاً في حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: سُئل رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الرجل يجد البَلَل ولا يذكر
احتلاماً؟ قال: "يغتسل".
وعن الرجل يرى أنَّه قد احتلم ولا يجد البلل؟ قال: "لا غُسل عليه".
فقالت أمُّ سُليم: المرأة ترى ذلك؛ أعليها غُسل؟ قال: "نعم: إِنَّما
النِّساء شقائق الرِّجال" (2).
__________
(1) أخرجه مسلم: 312
(2) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (216) التحقيق الثاني، وابن ماجه
"صحيح سنن ابن ماجه" (496)، والترمذي "صحيح سنن الترمذي" (98)، وانظر
"المشكاة" (441).
(1/175)
خُلاصة لما سبق:
1 - إِذا احتلم ولم يجد منيّاً؛ فلا غُسل عليه.
2 - إِذا استيقظ من نومه، ووجد بللاً، ولم يذكر احتلاماً؛ فعليه، الغُسل.
3 - إِذا جامع فعليه الاغتسال؛ أنزَل أو لم يُنْزِل.
4 - الرجل والمرأة في كل ذلك سواء.
ثانياً: التقاء الختانين:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: "إِذا جلسَ بين شُعَبِها (1) الأربع، ثمَّ جَهَدَها (2)؛
فقد وجب الغُسل" (3).
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: "إِذا جَلَسَ بين
__________
(1) قاله في "النهاية": "هي اليدان والرّجلان، وقيل: الرجلان والشُّفران،
فكنى بذلك عن الإِيلاج". والشُّفران: طرف الناحيتين.
وجاء في "الفتح": "والشُّعَب: جمع شُعبة، وهي القطعة من الشيء. قيل: المراد
هنا يداها ورجلاها، وقيل: رجلاها وفخذاها وقيل: ساقاها وفخذاها، وقيل:
فخذاها واسكتاها، وقيل: فخذاها وشُفراها، وقيل: نواحي فرجها الأربع".
والاسكتان: ناحيتا الفرج.
(2) أي: بلغ المشقَّة، قيل: معناها كدّها بحركته، أو بلَغ جهده في العمل
بها.
(3) أخرجه البخاري: 291، ومسلم: 348
(1/176)
شُعَبها الأربع، ومسَّ الخِتانُ الخِتان
(1)؛ فقد وجب الغُسل" (2).
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؛ قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِذا التقى الختانان، وتوارت الحَشَفة (3)؛ فقد وجب
الغُسل" (4)
وعن حبيب بن شهاب عن أبيه؛ قال: "سألتُ أبا هريرة: ما يوجب الغُسل؟ فقال:
إِذا غابَتِ المُدَّورة" (5).
قال النَّوويُّ في "المجموع" (2/ 133): "وجوب الغُسل وجميع الأحكام
المتعلِّقة بالجماع يُشتَرَط فيها تغييب الحشفة بكمالها في الفرج، ولا
يُشترَط زيادة على الحشفة، ولا يتعلَّق ببعض الحشفة وحده شيء من الأحكام".
انتهى.
وهذا لأنَّه بأقلَّ من الحشفة لا يمسُّ الخِتان الخِتان.
__________
(1) قال النووي: "وقال العلماء: معناه: غيَّبْتَ ذكَرك في فرجها ... ".
والختانان: هما موضع القطع من ذكَر الغلام وفرج الجارية. "النهاية".
وجاء في "شرح متنقى الأخبار" (1/ 278): "الختان: المراد به هنا موضع الختن،
والخَتْن في المرأة: قطع جلدة في أعلى الفرج، مجاورة لمخرج البول، كعُرف
الدِّيك، ويسمّى الخفاض".
(2) أخرجه مسلم: 349، وفي بعض الروايات: "وألزق الخِتان بالخِتان"، و"صحيح
سنن أبي داود" (200).
(3) أي: رأس الذكَر.
(4) أخرجه أحمد وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه" (495)، وانظر "الصحيحة" تحت
الحديث (1261).
(5) وإسناده صحيح كما قال شيخنا في "الصحيحة" تحت الحديث (1261).
(1/177)
وجاء في "سبل السلام" (1/ 151): "قال
الشافعي: إِنَّ كلام العرب يقتضي أنَّ الجنابة تُطلق بالحقيقة على الجماع،
وإِن لم يكن فيه إِنزال؛ فإِنَّ كلَّ من خوطب بأنَّ فلاناً أجنبَ عن فلانة؛
عَقَلَ أنَّه أصابها، وإِن لم يُنْزِل.
ولم يُخْتَلَف أنَّ الزِّنى الذي يجب به الجلد هو الجماع، ولو لم يكن منه
إِنزال".
ثمَّ قال -رحمه الله- بعد ذلك: "فتعاضد الكتاب والسنَّة على إِيجاب الغسل
من الإِيلاج".
وكان جماعة من الصحابة -رضي الله عنهم- يرون أنَّ الغُسل لا يجب إلاَّ من
إِنزال؛ لحديث أبي سعيد الخُدري -رضي الله عنه- قال: خرجتُ مع رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الاثنين إِلى قُباء، حتى إِذا
كنَّا في بني سالم؛ وقف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
على باب عِتبان فصرخ به، فخرج يجرُّ إِزاره، فقال رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أعْجَلْنا (1) الرجل". فقال عِتبان: يا
رسول الله! أرأيت الرَّجل يُعْجَل عن امرأته ولم يُمْنِ؛ ماذا عليه؟ قال
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِنَّما الماء من
الماء" (2).
غير أنَّ هذا الحديث نُسخ؛ لما نصَّ عليه أهل العلم.
فعن أُبيّ بن كعب -رضي الله عنه- قال: "إِنَّ الفُتيا التي كانوا يُفتون
أنَّ
__________
(1) أي: حمَلناه على أن يعَجل من فوق امرأته قبل فراغ حاجته من الجماع.
(2) أخرجه مسلم: 343، وأصله في البخاري: 180، ومعنى الماء من الماء: "أي:
الاغتسال من الإِنزال، فالماء الأول معروف، والثاني المني، وفيه من البديع
الجناسى التامّ"، "سبل السلام" (1/ 148).
(1/178)
الماء من الماء؛ كانت رخصة رخَّصها رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بدء الإِسلام، ثمَّ أمر
بالاغتسال بعد" (1).
قال النَّووي -رحمه الله- في "شرحه" (4/ 36): "اعلم أنَّ الأمَّة مجتمعة
الآن على وجوب الغُسل بالجماع، وإِن لم يكن معه إِنزال، وعلى وجوبه
بالإِنزال، وكان جماعة من الصحابة على أنَّه لا يجب إلاَّ بالإِنزال، ثمَّ
رجعَ بعضهم، وانعقد الإِجماع بعدُ بآخرين".
ثالثاً: انقطاع الحيض والنِّفاس:
لقول الله تعالى: {ويَسْألونَكَ عن المحيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فاعْتَزِلوا
النِّساءَ في المحيضِ ولا تَقرَبوهُنَّ حتَّى يَطْهُرْنَ فإِذا تَطَهَّرْنَ
فأتُوهُنَّ من حيثُ أَمَرَكُمُ الله إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابينَ
ويُحبُّ المُتَطَهِّرينَ} (2).
ولحديث فاطمة بنت أبي حُبيش -رضي الله عنها-: كانت تُستحاض، فسأَلَت النبيّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فقال: "ذلك عِرق وليست بالحيضة،
فإِذا أقبَلت الحيضةُ؛ فدعي الصَّلاة، وإِذا أدبرتْ؛ فاغتسلي وصلِّي" (3).
وقد سمَّى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحيض نفاساً؛
كما في حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: خرجنا مع رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا نذكرُ إلاَّ الحجَّ، حتى جِئْنا
__________
(1) أخرجه أحمد، وأبو داود "صحيح سنن أبي داود" (199)، والترمذي "صحيح سنن
الترمذي" (96)، وهو في "صحيح ابن خزيمة" (225)، وانظر "المشكاة" (448).
(2) البقرة: 222
(3) أخرجه البخاري: 320، ومسلم: 334، وغيرهما.
(1/179)
سَرِفَ (1)، فطَمِثْتُ (2)، فدخل عليَّ
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا أبكي، فقال: "ما
يُبكيِكِ؟ ". فقلتُ: واللهِ؛ لودِدْتُ أنِّي لم أكن خرَجْتُ العام. قال:
"ما لكِ؟ لعلَّكِ نَفسْتِ؟ ". قلتُ: نعم (3) ..
وقالَ ابن حزم: "والنُّفساء والحائض شيء واحد"، وأشار إِلى الحديث السابق
وغيره (4).
رابعاً: الموت (5):
لحديث ابن عبَّاس -رضي الله عنهما- قال: "بينما رجل واقف بعرفة، إِذ وقعَ
عن راحلته، فوَقَصَتْهُ (6)، أو قال: فأقعَصَتْهُ (7)، فقال النّبيّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اغسلوه بماء وسدْر ... " (8).
ولحديث أمِّ عطيَّة -رضي الله عنها- قالت: دَخَلَ علينا رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين تُوُفِّيت ابنتُه، فقال: "اغْسِلْنها
ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك -إِن
__________
(1) هو ما بين مكة والمدينة.
(2) أي: حِضْتُ.
(3) أخرجه مسلم: 1211
(4) انظر "المحلَّى" (المسألة 184).
(5) قال في "الدراري المضيَّة" (1/ 70): "يجب على الأحياء، إِذ لا وجوب بعد
الموت من الواجبات المتعلقة بالبدن".
(6) الوقص: كسْر العنُق.
(7) القعص: أن يُضرب الإنسان فيُقتل قتلاً سريعاً مكانه، وانظر "النهاية".
(8) أخرجه البخاري: 1266، ومسلم: 1206، وغيرهما.
(1/180)
رأيتنَّ- بماءٍ وسِدْر ... " (1).
قال ابن المنذر: "وأجمعوا أنَّ الميِّت يُغسَّل غُسْل الجنابة" (2).
خامساً: الكافر إِذا أسلم:
لحديث قيس بن عاصم: "أنَّه أسلم، فأمره النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أن يغتسلَ بماء وسدر" (3).
وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- في قصَّة ثمامة بن أُثال عندما أسلم:
"أنَّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمَره أن يغتسل" (4).
سادساً: غُسل الجُمُعة:
عن أبي سعيد الخُدري -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "غُسْل يوم الجُمُعة واجبٌ على كلِّ محتلم" (5).
قال الحافظ في "الفتح" (2/ 357): "وهو بمعنى اللزوم قطعاً".
__________
(1) أخرجه البخارى: 1253، ومسلم: 939، وغيرهما، وتقدّم.
(2) " الإِجماع" (ص 42).
(3) أخرجه أحمد، وأبو داود، والنسائي وهو في "صحيح سنن النسائي" (182)،
وغيرهم. وانظر "الإِرواء" (128).
(4) أخرجه البيهقيّ. وقال شيخنا في "الإِرواء" (128): "وهذا سند صحيح على
شرط الشيخين ... ".
(5) أخرجه البخاري: 879، ومسلم: 846، وغيرهما.
(1/181)
وفي رواية (1): "قال عمرو (2): أما الغُسل؛
فأشهد أنَّه واجب، وأمَّا الاستنان والطيب؛ فالله أعلم ... ".
وفي الحديث: " ... إِذا جاء أحدُكم الجمعة؛ فليغتسل" (3).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: "لله تعالى على كلِّ مسللِ حقٌّ أن يغتسل في كلِّ سبعة
أيام يوماً" (4).
وعن سالم بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: "أنَّ عمر ابن
الخطاب بينما هو قائمٌ في الخطبة يوم الجمعة؛ إِذ دخل رجلٌ من المهاجرين
الأوَّلين من أصحاب النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فناداه
عمر: أيَّةُ ساعةٍ هذه؟! قال: إِنِّي شُغِلْتُ، فلم أنْقَلِبْ إِلى أهلي
حتى سمِعْتُ التَّأذين، فلم أزِدْ أن توضّأت. فقال: والوضوء أيضاً! وقد
عَلِمْتَ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يأمُرُ
بالغُسْل" (5).
"وحكى ابن المنذر عن إِسحاق بن راهويه أنَّ قصَّة عمر وعثمان تدلُّ على
وجوب الغسل، لا عدم وجوبه، من جهة تَرْك عمر الخطبة، واشتغاله بمعاتبة
عثمان، وتوبيخ مِثله على رؤوس الناس، فلو كان ترْك الغسل مباحاً؛ لما فعل
__________
(1) البخاري: 880
(2) هو عمرو بن سليم الأنصاري الراوي عن أبي سعيد الخدري.
(3) أخرجه البخاري: 877، ومسلم: 844
(4) أخرجه البخاري: 898، ومسلم: 849، وغيرهما، قال ابن دقيق العيد في
"إِحكام الأحكام" (1/ 331): الحديث صريح في الأمر بالغُسل للجمعة، وظاهر
الأمر الوجوب، وقد جاء مُصرَّحاً به بلفظ الوجوب في حديث آخر ...
(5) أخرجه البخاري: 878، ومسلم: 845
(1/182)
عمر ذلك، وإِنَّما لم يرجع عثمان للغسل
لضيق الوقت، إِذ لو فعل؛ لفاتته الجمعة، أو لكونه كان اغتسل كما تقدَّم"
(1).
قال في "نيل الأوطار" (1/ 292): "ولعلَّ النَّووي ومن معه ظنّوا أنَّه لو
كان الاغتسال واجباً؛ لنزل عمر عن منبره، وأخذ بيد ذلك الصَّحابي، وذهب به
إِلى المغتسل، أو لقال له: لا تقِفْ في هذا الجمع، أو: اذهب فاغتسل فإِننا
سننظرك ... ، أو ما أشبه ذلك، ومِثل هذا لا يجب على من رأى الإِخلال بواجب
من واجبات الشريعة، وغاية ما كُلِّفنا به في الإِنكار على من ترك واجباً هو
ما فعَله عمر في هذه الواقعة، على أنَّه يُحتمل أن يكون قد اغتسل في أوَّل
النَّهار، كما قال الحافظ في "الفتح"".
ثمَّ ذكر ابن حزم -رحمه الله- في "المحلّى" (2/ 21) حديث مسلم (231) عن
حُمران بن أبان؛ قال: "كنت أضع لعثمان طهوره، فما آتي عليه يومٌ؛ إلاَّ وهو
يُفيض، عليه نُطفة (2) ".
ثمَّ قال: "فقد ثبت بأصحِّ إِسناد أنَّ عثمان كان يغتسل كلَّ يوم، فيوم
الجمعة يوم من الأيَّام بلا شكٍّ ... ".
وجاء في "نيل الأوطار" (1/ 290): " ... قال النَّووي: فحُكي وجوبه عن طائفة
من السلف، حكوه عن بعض الصحابة، وبه قال أهل الظاهر.
وحكاه ابن المنذر عن مالك، وحكاه الخطَّابي عن الحسن البصري
__________
(1) "الفتح" (2/ 362)، وغيره.
(2) قال النووي: "النُّطفة؛ بضم النون: وهي الماء القليل ومراده: لم يكن
يمرُّ عليه يوم إلاَّ اغتسل"، وفي "النهاية": سمّي المنيّ نُطفة لقلّته.
(1/183)
ومالك، وحكاه ابن المنذر أيضاً عن أبي
هريرة وعمَّار وغيرهما.
وحكاه ابن حزم عن عمر وجمع من الصحابة ومن بعدهم، وحُكي عن ابن خزيمة،
وحكاه شارح الغنية لابن سريج قَوْلاً للشافعي ... ".
وقال: "وذهب جمهور العلماء من السلف والخلف وفقهاء الأمصار إِلى أنَه
مستحبٌّ" (1).
وعن عبد الله بن أبي قتادة؛ قال دخل عليَّ أبي وأنا أغتسل يوم الجمعة،
فقال: غُسلك هذا من جنابة أو للجمعة؛ قلت: من جنابة. قال: أعِد غُسلاً آخر؛
إِنّي سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من
اغتسل يوم الجمعة؛ كان في طهارة إِلى الجمعة الأخرى" (2).
واحتجَّ من رأى عدم وجوب الغسل بحديث مسلم (857): "من توضّأ فأحسن الوضوء،
ثمَّ أتى الجمعة، فاستمع، وأنصت؛ غُفِر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة
ثلاثة أيَّام، ومن مسَّ الحصى؛ فقد لغا".
وعدُّوه من أقوى الأدلة على الاستحباب؛ كما في "التَّلخيص الحبير"
__________
(1) "نيل الأوطار" (1/ 290). وانظر ما قاله في "المحلّى" (2/ 23 - 25) حول
قصة عمر وعثمان -رضي الله عنهما-.
وممّا قاله -رحمه الله-: " ... فصحَّ ذلك الخبر حُجَّة لنا وإجماعاً من
الصحابة -رضي الله عنهم- إِذ لم يكن فيهم آخر يقول لعمر: ليس ذلك عليه
واجباً".
(2) أخرجه الطبراني في "الأوسط"، وإسناده قريب من الحسن؛ قاله شيخنا في
"صحيح الترغيب والترهيب" (703). وأخرجه ابن خزيمة في "صحيحه"، وانظر
"الصحيحة" (2321). وذكَر الحافظ في "الفتح" (2/ 361) أنَّ الطحاوي أخرجه.
(1/184)
لابن حجر.
قال في "الفتح" (2/ 362): "ليس فيه نفي الغُسل، وقد ورد من وجه آخر في
"الصحيحين" بلفظ: "من اغتسل"؛ فيحتمل أن يكون ذِكر الوضوء لمن تقدَّم غُسله
على الذّهاب، فاحتاج إِلى إِعادة الوضوء".
قلت: وفي المعنى الذي أشار إِليه الحافظ أحاديث:
1 - ما رواه البخاري (910) من حديث سلمان الفارسي -رضي الله عنه- قال: قال
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من اغتسل يوم الجمعة،
وتطهَّرَ بما استطاع من طُهرٍ، ثمَّ ادَّهن أو مسَّ من طيب، ثمَّ راح، فلم
يفرِّق بين اثنين، فصلَّى ما كُتبَ له، ثمَّ إِذا خرج الإِمام أنصت؛ غُفِرَ
له ما بينه وبين الجُمُعة الأخرى".
2 - ما رواه مسلم في "صحيحه" (857) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن
النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ قال: "من اغتسل، ثمَّ أتى
الجُمُعة، فصلَّى ما قُدِّر له، ثمَّ أنصتَ حتى يفرُغ من خُطبته، ثمَّ
يصلِّي معه؛ غفِرَ له ما بينه وبين الجُمُعة الأخرى، وفَضْل ثلاثة أيام".
3 - ما رواه ابن خزيمة في "صحيحه" (1763) من حديث أبي ذرّ - رضي الله عنه-
عن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من اغتسل يوم
الجمعة، فأحسن الغسل، ثمَّ لَبِس من صالح ثيابه، ثمَّ مسَّ من دهن بيته ما
كتبَ الله له، أو من طيبه، ثمَّ لم يفرِّق بين اثنين؛ كفَّر الله عنه ما
بينه وبين الجمعة قبلها".
قال سعيدٌ (1): "فذكرتُها لعمارة بن عمرو بن حزم؛ قال: صدق، وزيادة
__________
(1) هو سعيد المقبري؛ أحد رواة الحديث.
(1/185)
ثلاثة أيّام" (1).
4 - ما رواه أبو داود (2) وغيره، عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة -رضي الله
عنهما- قالا: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من
اغتسل يوم الجمعة، ولَبِس من أحسن ثيابه، ومسَّ من طيب إِنْ كان عنده، ثمَّ
أتى الجمعة، فلم يتخطَّ أعناق النَّاس، ثمَّ صلَّى ما كتَب الله له، ثمَّ
أنصتَ إِذا خرج إِمامُه حتى يفرغَ من صلاته؛ كانت كفارة لما بينها وبين
جمعته التي قبلها".
قال ويقول أبو هريرة: "وزيادة ثلاثة أيّام"، ويقول: "إِنَّ الحسنة بعشر
أمثالها".
واحتجُّوا أيضاً باستحبابه بما ثبت عن عكرمة: أنَّ أُناساً من أهل العراق
جاؤوا فقالوا: يا ابن عبّاس! أترى الغُسل يوم الجمعة واجباً؛ قال: لا،
ولكنّه أطهر وخيرٌ لمن اغتسل، ومن لم يغتسل؛ فليس عليه بواجب، وسأخبركم كيف
بدأ الغُسل:
كان الناس مجهودين، يلبسون الصوف، ويعملون على ظهورهم، وكان مسجدهم
ضيِّقاً، مقاربَ السقف، وِإنما هو عريش، فخرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في يوم حارّ، وعَرَق الناس في ذلك الصوف، حتى ثارت
منهم رياح آذى بذلك بعضهم بعضاً، فلما وجد رسول الله تلك الريح؛ قال:
"أيّها الناس! إِذا كان هذا اليوم؛ فاغتسلوا، وليمسَّ أحدكم أفضل ما يجد من
دهنه وطيبه".
__________
(1) قال شيخنا: "إِسناده حسن". ورواه ابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه" (900)،
وانظر "صحيح الترغيب والترهيب" (704).
(2) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (331) وغيره، وانظر "المشكاة"
(1387).
(1/186)
قال ابن عباس: ثمَّ جاء الله بالخير،
ولَبِسوا غير الصوف، وكُفُوا العمل، ووُسِّعَ مسجدهم، وذهب بعض الذي كان
يؤذي بعضهم بعضاً من العرق" (1).
قال الحافظ في "الفتح" (2/ 362): "وعلى تقدير الصحَّة؛ فالمرفوع منه وردَ
بصيغة الأمر الدالَّة على الوجوب، وأمّا نفي الوجوب؛ فهو موقوف؛ لأنَّه من
استنباط ابن عباس، وفيه نظر، إِذ لا يلزم من زوال السَّبب زوال المسبِّب".
وتُشعرنا الحال التي ذكرها ابن عباس -رضي الله عنهما- (2)؛ أنَّ هذا كان
قبل أحاديث الإِيجاب، والله أعلم، فتأمَّل قوله: "ثمَّ جاء الله بالخير،
ولبسوا غير الصُّوف، وكُفوا العمل، ووُسّع مسجدهم ... ".
فهذا يدلُّ على التَّقادم الزَّمني كما هو ظاهر.
"ويُجاب أيضاً عن ربط الغُسل بالعِلَّة بأنَّه يقتضي سقوط الغُسل أصلاً،
فلا يعدُّ فرضاً ولا مندوباً" (3).
واحتجُّوا أيضاً بما ثبت عن عائشة -رضي الله عنها-: أنها قالت: كان النَّاس
ينتابون (4) يوم الجمعة من منازلهم، والعوالي (5)، فيأتون في الغبار،
__________
(1) حسّنه شيخنا كما في "صحيح سنن أبي داود" (340). وقال الحافظ في "الفتح"
(2/ 362): "أخرجه: أبو داود، والطحاوي، وإسناده حسن".
(2) وأيضاً عائشة -رضي الله عنها- في النقطة التالية.
(3) انظر "الفتح" (2/ 363).
(4) أي: يحضرونها نوباً، والانتياب: افتعال من النوبة. "فتح".
(5) هي القرى التي حول المدينة على أربع أميال فصاعداً من المدينة.
(1/187)
ويصيبهم الغبار والعرق، فيخرج منهم العرق،
فأتى رسولَ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنسانٌ منهم -وهو
عندي- فقال النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لو أنَّكم
تطهَّرتم ليومكُم هذا" (1).
واحتجُّوا بقولها أيضاً: "كان الناس مَهَنَةَ أنفسهم، وكانوا إِذا راحوا
إِلى الجمعة، راحوا في هيئتهم، فقيل لهم: لو اغتسلتم" (2)
قال الحافظ: "وأجيب بأنَّه ليس فيه نفيُ الوجوب، وبأنَّه سابقٌ على الأمر
به والإِعلام بوجوبه ... " (3).
قلت: وهذا الحال الذي ذَكَرَته عائشة -رضي الله عنها- والأمر الذي وصفت
يؤكِّد الوجوب؛ كما هو بيِّن؛ فليس هذان النصّان فقط ممّا يُقتصر على
الاستدلال بهما على الوجوب؛ ليعلَّل بإِزالة الغبار والعرق.
وإِذا كانت كلمة (لو) هي الدالَّة على الاستحباب في نظر البعض في قوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لو أنّكم تطهّرتم ليومكم هذا"، فهي
كما في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لو أنَّكم تتوكَّلون
على الله حقَّ توكُّله؛ لرزَقَكُمْ كما يرزُقُ الطَّير؛ تغدو خماصاً، وتروح
بطاناً" (4).
__________
(1) أخرجه البخاري: 902، ومسلم: 847
(2) أخرجه البخارى: 903، ومسلم: 847
(3) "الفتح" (2/ 363).
(4) أخرجه أحمد، والترمذي، وقال: "حديث حسن صحيح"، والحاكم، وقال: "صحيح
الإسناد"، وأقره الذهبي.
وقال شيخنا: "بل هو صحيح على شرط مسلم؛ فإِنّ رجاله رجال الشيخين، غير ابن
هبيرة وأبي تميم؛ فمن رجال مسلم وحده، وقد تابعه ابن لهيعة عن ابن هبيرة
به". وانظر: "الصحيحة" (310).
(1/188)
واحتجُّوا أيضاً بحديث سمرة بن جندب؛ قال:
قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من توضّأ يوم
الجمعة؛ فبها ونعمت، ومن اغتسل؛ فالغُسْل أفضل" (1).
قال ابن حزم -رحمه الله تعالى- في "المحلَّى" (2/ 25): " ... فسقَطَتْ هذه
الآثار كلّها، ثمَّ لو صحَّت؛ لم يكن فيها نصٌّ ولا دليل على أنّ غسل
الجمعة ليس بواجب، وإِنَّما فيها أنَّ الوضوء نعم العمل، وأنَّ الغُسل
أفضلِ، وهذا لا شكَّ فيه، وقد قال الله تعالى: {ولوْ آمنَ أَهْلُ الكتابِ
لكانَ خَيراَ لَهمْ} (2)؛ فهل دلَّ هذا اللفظ على أنَّ الإِيمان والتقوى
ليس فرضاً؟! حاشا لله من هذا".
وقال -رحمه الله تعالى (3) -: "وكلُّ ما أخبرَ عليه السَّلام أنَّه واجب
على كلِّ مسلم وحقُّ الله تعالى على كلِّ محتلم؛ فلا يحلُّ ترْكه، ولا
القول بأنَّه منسوخ، أو أنَّه ندبٌ؛ إلاَّ بنصٍّ جليٍّ بذلك مقطوع؛ على
أنَّه وارد بعده مبيِّن أنَّه ندْب، أو أنَّه قد نُسِخ؛ لا بالظُّنون
الكاذبة المتروك لها اليقين".
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-: "وأقوى ما عارضوا به حديث: "من توضّأ يوم
الجمعة؛ فبها ونِعْمَت، ومن اغتسل؛ فالغسل أفضل"، ولا يُقاوم
__________
(1) أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسن، والنسائي، والدارمي،
وانظر "المشكاة" (540).
(2) آل عمران: 110
(3) "المحلّى" (2/ 21).
(1/189)
سنده سندَ هذا الحديث (1) ... " (2).
وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ومن اغتسل؛ فالغسل أفضل":
لا ينفي الوجوب، فالأفضليَّة تجامع الوجوب ولا شكَّ، وهي في القول بالوجوب
آكد من القول بسنِّيَّتها (3).
وقال الصنعاني -رحمه الله-: "وإِن كان حديث الإِيجاب أصحَّ؛ فإِنَّه أخرجه
السبعة (4)؛ بخلاف حديث سمُرة، فلم يُخْرِجه الشيخان، فالأحوط للمؤمن أن لا
يترك غُسل الجمعة" (5).
وذكر الصنعاني -رحمه الله- أيضاً في "سبل السلام" (1/ 156) أنَّ وجوب غسل
يوم الجمعة أقوى من وجوب عدد من المسائل الفقهيَّة المختلف فيها.
وقال شيخنا -حفظه الله- في "تمام المنَّة" (12): "وجملة القول أنَّ
الأحاديث المصرِّحة بوجوب غُسل الجمعة فيها حُكم زائد على الأحاديث المفيدة
لاستحبابه، فلا تعارُض بينهما، والواجب الأخذ بما تضمَّن الزيادة فيها".
__________
(1) أي: حديث: "من جاء منكم الجمعة فليَغتَسِل". رواه البخاري: 894 ومسلم:
846، وتقدّم في أول (غُسل الجمعة) بلفظ مقارب.
(2) "إِحكام الأحكام" (1/ 332).
(3) قاله شيخنا -حفظه الله- بمعناه.
(4) وهم: أحمد، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن
ماجه.
(5) "سبل السلام" (1/ 156).
(1/190)
وقال في "نيل الأوطار" (1/ 292): " ...
وبهذا يتبيَّن لك عدم انتهاض ما جاء به الجمهور من الأدلَّة على عدم
الوجوب، وعدم إِمكان الجمع بينها وبين أحاديث الوجوب؛ لأنَّه وإِن أمكن
بالنِّسبة إِلى الأوامر؛ لم يُمْكن بالنسبة إِلى لفظ (واجب) و (حقّ)؛ إلاَّ
بتعسُّف لا يُلجئ طلبُ الجمع إِلى مِثله.
ولا يشكُّ من له أدنى إِلمام بهذا الشَّأن أنَّ أحاديث الوجوب أرجح من
الأحاديث القاضية بعدمه ... ".
قال الحازمي في "الاعتبار" (1): "الوجه الرابع والأربعون في ترجيح أحد
الحديثين على الآخر: أن يكون في أحدهما احتياطٌ للفرض وبراءة الذمَّة
بيقين، ولا يكون الآخر ذلك؛ فتقديم ما فيه الاحتياط للفرض وبراءة الذمَّة
بيقين أولى".
وقال ابن دقيق العيد في "إِحكام الأحكام" (1/ 332): " ... وأمَّا غير هذا
الحديث (2) من المعارَضات المذكورة لما ذكرناه من دلائل الوجوب؛ فلا تقوى
دلالته على عدم الوجوب؛ لقوَّة دلائل الوجوب عليه، وقد نصَّ مالك على
الوجوب، فحمله المخالفون -ممَّن لم يمارس مذهبه- على ظاهره، وحُكي عنه
أنَّه يروي الوجوب، ولم يرَ ذلك أصحابه على ظاهره".
قال الشيخ أحمد محمد شاكر: "الحقُّ الذي نذهب إِليه ونرضاه: أنَّ غُسل يوم
الجمعة واجبٌ حتْم، وأنَّه واجب لليوم وللاجتماع، فمن تركه؛ فقد قصَّر فيما
وجب عليه، ولكن صلاته صحيحة إِذا كان طاهراً.
__________
(1) ص 37
(2) أي: "من توضّأ يوم الجمعة؛ فبها ونعْمَت ... ".
(1/191)
وأيضاً؛ فإنَّ الأصل في الأمر أنَّه
للوجوب، ولا يُصرف عنه إِلى النَّدب إلاَّ بدليل، وقد ورد الأمر بالغُسل
صريحاً، ثمَّ تأيَّد في معنى الوجوب بورود النص الصريح الصحيح بأنَّ غُسل
يوم الجمعة واجب، ومثل هذا الذي هو قطعيُّ الدّلالة، والذي لا يحتمل
التَّأويل؛ لا يجوز أن يؤوَّل لأدلَّة أخرى، بل تؤوَّل الأدلَّة الأخرى
إِنْ كان في ظاهرها المعارضة له، وهذا بيِّن لا يحتاج إِلى بيان" (1).
__________
(1) انظر التعليق على "الرسالة" للإِمام الشافعي -رحمه الله تعالى- (ص 307)
بشيء من الحذف.
(1/192)
الأغْسالُ المُسْتَحَبَّة
أولاً: غُسل العيدين:
ولم يرِد في هذا حديث صحيح.
قال شيخنا -حفظه الله تعالى-: "وأحسن ما يُستدلّ به على استحباب الاغتسال
للعيدين ما رَوى البيهقيّ من طريق الشافعي عن زاذان؛ قال: سأل رجلٌ عليّاً
-رضي الله عنه- عن الغسل؟ قال: "اغتسل كلّ يوم إِن شئت".
فقال: لا؛ الغسل الذي هو الغسل؟ قال: "يوم الجُمعة، ويوم عرفة (1)، ويوم
النَّحر، ويوم الفطر" (2).
وقال -حفظه الله تعالى-: "روى الفريابي (127/ 1 و2) عن سعيد بن المسيّب
أنَّه قال: "سنّة الفطر ثلاث: المشي إِلى المصلَّى، والأكل قبل الخروج،
والاغتسال"، وإِسناده صحيح" (3).
ثانياً: غُسل يوم عرفة:
لأثر عليٍّ السابق.
ثالثاً: غُسل الإِحرام:
لحديث زيد بن ثابت -رضي الله عنه-: "أنَّه رأى النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تجرَّد
__________
(1) وهذا خاصٌّ بالحاجِّ دون غيره، كما تدلُّ على ذلك النصوص.
(2) أخرجه البيهقي، وسنده صحيح، وأنظر "الإِرواء" (146).
(3) انظر "الإِرواء" تحت الحديث (636).
(1/193)
لإِهلاله (1) واغتسل" (2).
ومن شواهده أيضاً قول ابن عمر -رضي الله عنهما-: "إِنَّ من السُّنَّة أن
يغتسل إِذا أراد أن يُحْرِم، وإذا أراد أن يدخُلَ مكَّة" (3).
قال شيخنا -حفظه الله تعالى-: "وهذا وإِن كان موقوفاً؛ فإِنَّ قوله: "من
السُّنَّة"؛ إِنَّما يعني سنَّته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛
كما هو مقرَّر في علم أصول الفقه" (4).
رابعاً: الاغتسال عند دخول مكَّة:
لِما ثبت عن نافع: أنَّه قال: "كان ابنُ عمر -رضي الله عنهما- إِذا دخل
أدنى الحرم؛ أمسك عن التَّلبية، ثمَّ يبيت بذي طُوى (5)، ثمَّ يُصلِّي به
الصُّبح ويغتسل، ويحدِّث أنَّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- كان يفعل ذلك" (6).
__________
(1) الإِهلال: رفع الصوت بالتلبية، يُقال: أهل المُحرم بالحجِّ يُهلُّ
إِهلالاً: إِذا لبَّى ورفع صوته. "النهاية".
(2) أخرجه الترمذي "صحيح سنن الترمذي" (664)، والدارمي، والدارقطنيّ،
والبيهقيّ، وغيرهم. وانظر "الإرواء" (149).
(3) أخرجه الدارقطني، والحاكم، وقال: "صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه
الذهبي.
وقال شيخنا: "وإنما هو صحيح فقط؛ فإِن فيه سهل بن يوسف، ولم يرو له
الشيخان".
وانظر "الإرواء" (149).
(4) انظر "الإِرواء" (149).
(5) وادٍ معروف بقرب مكة.
(6) أخرجه البخاري: 1573، ومسلم: 1259
(1/194)
ولأثر ابن عمر السابق: "إِنَّ من السُّنَّة
أن يغتسل إِذا أراد أن يُحرم، وإذا أراد أن يدخُلَ مكَّة".
قال الحافظ: "قال ابن المنذر: الاغتسال عند دخول مكَّة مستحبٌّ عند جميع
العلماء، وليس في ترْكه عندهم فديةٌ، وقال أكثرهم: يجزئ عنه الوضوء" (1).
خامساً: غُسل من غَسََّل ميِّتاً.
لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من غَسَّل مَيِّتاً
فليغتسل، ومن حمله فليتوضّأ" (2).
قال شيخنا -حفظه الله تعالى- في "أحكام الجنائز" (ص 53 و54): "وظاهر الأمر
يفيد الوجوب، وإِنَّما لم نَقُلْ به لحديثين:
الأوَّل: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليس عليكم في غسل
مَيِّتكم غُسْل إِذا غَسَّلْتموه؛ فإِنَّ ميِّتكم ليس بنجس، فحسبكم أن
تغسلوا أيديَكم" (3).
الثاني: قول ابن عمر -رضي الله عنهما-: "كنَّا نغسل الميِّت، فمنَّا من
يغتسل، ومنَّا من لا يغتسل" (4).
قال في "الدراري" (1/ 77): "وذهب الجمهور إِلى أنَّه مستحبٌّ" ... ".
__________
(1) "الفتح" (3/ 435).
(2) أخرجه أبو داود، والترمذي وحسنّه، وغيرهما، وصححه ابن القطَّان وغيره،
وهو في "أحكام الجنائز" (ص 53)، و"الإِرواء" (144)، وتقدّم.
(3) أخرجه الحاكم، والبيهقيّ، وهو حسن الإِسناد؛ كما قال الحافظ في
"التلخيص".
(4) أخرجه الدارقطنيّ، والخطيب في "تاريخه" بإِسناد صحيح كما قال الحافظ.
(1/195)
سادساً: الاغتسال عند كلِّ جماع:
لحديث أبي رافع أنَّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طاف
ذات يوم على نسائه، يغتسل عند هذه وعند هذه. قال: فقلتُ: يا رسول الله! ألا
تجعله واحداً؟ قال: "هذا أزكى وأطيب وأطهر" (1).
سابعاً: اغتسال المستحاضة لكلِّ صلاة، أو للظُّهر والعصر جميعاً غُسلاً،
وللمغرب والعشاء جميعاً غُسلاً، وللفجر غُسلاً:
لحديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "إنَّ أمَّ حبيبة استُحيضت في عهد رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأمَرها بالغسل لكلِّ صلاة
... " الحديث (2).
وفي رواية عنها: "استُحيضت امرأة على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأُمِرَت أن تعجِّل العصر وتؤخِّر الظُّهر، وتغتسل
لهما غُسلاً واحداً، وتؤخِّر المغرب وتعجِّل العشاء وتغتسل لهما غُسلاً،
وتغتسل لصلاة الصبح غُسلاً" (3).
ثامناً: الاغتسال من دفن المشرك:
عن علي -رضي الله عنه-: أنه أتى النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -، فقال: إنَّ أبا طالب مات. فقال: "اذهب فوارِه". قال: إِنَّه
مات مشركاً. قال: "اذهب فوارِه". فلمّا
__________
(1) أخرجه أبو داود، وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه" (480)، وغيرهما، وانظر
"آداب الزفاف" (ص 107).
(2) أخرجه أبو داود وغيره بإِسناد حسن، وقوَّاه الحافظ ابن حجر. استفدته
والذي بعده من "تمام المنة" (122 - 123).
(3) قال شيخنا في "تمام المنَّة" (122): "وإِسناد هذه الرواية صحيح على شرط
الشيخين، والأولى صحيح فقط؛ كما بينتُه في "صحيح السنن" (300 و305) ".
(1/196)
واريته؛ رجعْت إِليه، فقال لي: "اغتسل"
(1).
تاسعاً: الاغتسال من الإِغماء:
عن عبد الله بن عُتبة؛ قال: "دخلتُ على عائشة، فقلتُ: ألا تحدِّثيني عن مرض
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قالت: بلى؛ ثَقُل
النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: "أصلَّى الناس؟ ".
قلنا: لا هم ينتظرونك. قال: "ضعوا لي ماءً في المِخْضَب (2) ". قالت:
فَفَعلْنا، فاغتسل، فذهب لينوءَ (3)، فأُغْمِيَ عليه، ثمَّ أفاقَ، فقال -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أصلَّى الناس؟ ". قُلنا: لا؛ هم
ينتظرونك يا رسول الله. قال: "ضعوا لي ماءً في المِخْضَب". قالت: فقعد،
فاغتسل (4) ... " (5).
قال الشوكاني بعد هذا الحديث: "وقد ساقه المصنِّف ها هنا للاستدلال به على
استحباب الاغتسال للمُغمى عليه، وقد فعله النّبيّ -صلى الله عليه وآله
وسلَّم- ثلاث مرَّات وهو مُثقلٌ بالمرض، فدلَّ ذلك على تأكُّد استحبابه"
(6).
__________
(1) أخرجه أحمد، وأبو داود، والنسائي "صحيح سنن النسائي" (184)، وغيرهم.
وانظر "أحكام الجنائز" (ص 134).
(2) شبه المركن، وهي إِناء تُغسل فيه الثِّياب.
(3) أي: لينهض بجهد.
(4) وذُكر الاغتسال في الحديث أربع مرات.
(5) أخرجه البخاري: 687، ومسلم: 418
(6) "نيل الأوطار" (1/ 306).
(1/197)
أركان الغُسل وواجباته
1 - النيَّة وهي ركن أو شرط: ومحلُّها القلب، والتلفُّظ بها بدعة كما
تقدَّم في الوضوء.
2 - التَّسمية: وحُكمها حكم التسمية في الوضوء، وتقدَّم.
3 - غَسل جميع الأعضاء وهو رُكن:
قال الله تعالى: {وإِنْ كنْتُمْ جُنُباً فاطَّهَّروا} (1)؛ أي: اغتسلوا
(2).
وقال تعالى: {يا أيُّها الَذينَ آمنوا لا تقْرَبوا الصَّلاةَ وأَنْتُمْ
سُكارى حتَّى تَعْلَموا ما تقولونَ ولا جُنباً إِلاَّ عابري سبيلٍ حتَّى
تَغْتَسِلوا} (3).
قال الحافظ: " ... فيها تصريحٌ بالاغتسال، وبيانٌ للتَّطهير المذكور (4) "
(5) اهـ.
وقال تعالى: {ويَسْألونَكَ عن المَحيضِ قُلْ هوَ أذىً فاعْتَزِلوا
النِّساءَ في المحيضِ ولا تقْرَبوهنَّ حتَّى يَطْهُرْنَ فإِذا تَطَهَّرْنَ
فأتُوهُنَّ من حيثُ أَمَرَكم الله} (6).
__________
(1) المائدة: بعض الآية 6
(2) وانظر تفسير البغوي لسورة المائدة، وكلام الحافظ في "الفتح" (1/ 359).
(3) النساء: 43
(4) أي: في الآية التي قبلها.
(5) "الفتح" (1/ 359).
(6) البقرة: 222
(1/198)
قال الحافظ ابن حجر: "أي: اغتَسَلْن
اتفاقاً" (1).
وقال البغوي في "تفسيره": "فإِذا تطهَّرْنَ؛ يعني: اغتسلْنَ".
وجاء في "السيل الجرَّار" (1/ 113): "أمَّا تعميم البدن؛ فلا يتمُّ مفهوم
الغُسل إلاَّ به".
سُنَن الغُسْل
مُراعاة فِعل الرسول - صلى الله عليه وأله وسلَم- في البدء والترتيب
والانتهاء وغير ذلك، وسيأتي تفصيله بإِذن الله في تضاعيف الكتاب.
ما يَحْرُم على الجُنُب
1 - الصلاة: سواء كانت فريضة أو نافلة.
لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تُقبل صلاةٌ بغير طُهور"
(2).
2 - الطَّواف: وتقدّمت الأدلَّة في بحث الوضوء.
مسائل في غُسل المرأة
لا فرقَ بين غُسل المرأة وغُسل الرجل؛ غير أنَّه:
__________
(1) "الفتح" (1/ 359).
(2) تقدم.
(1/199)
1 - ليس على المرأة أن تنقض ضفيرتها (1)
لغُسل الجنابة:
لحديث أمّ سلمة -رضي الله عنها- قالت: قُلتُ: يا رسول الله! إِنِّي امرأةٌ
أشدُّ ضَفْرَ (2) رأسي، أفأنقُضُه لغُسل الجنابة؟ قال: "لا؛ إِنَّما يكفيك
أن تحثي على رأسك ثلاث حَثَيات (3)، ثمَّ تُفيضين عليك الماء فتطهُرين"
(4). وفي رواية: "واغمِزي قُرونَك عند كلِّ حَفْنة" (5).
وعن عُبيد بن عُمير؛ قال: بَلَغَ عائشة أن عبد الله بن عمرو يأمر النِّساء
إذا اغتسلْنَ أن ينقُضْنَ رؤوسهنَّ، فقالت: يا عجباً لابن عمرو هذا! يأمرُ
النِّساء إِذا اغتسلْنَ أن ينقضْنَ رؤوسَهُنَّ؟! أفلا يأمُرُهنَّ أن يحلقنَ
رؤوسهنَّ؟! لقد كنتُ أغتسل أنا ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - من إِناء واحد، ولا أزيد على أن أُفرغَ على رأسي ثلاث
إِفراغات" (6).
2 - يجب عليها نقض ضفيرتها في غُسْل الحيض:
ومن الأدلَّة على ذلك حديث عائشة -رضي الله عنها- وفيه تقول: " ... فأدركني
يوم عرفة وأنا حائض، فشكوتُ إِلى النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -، فقال: "دَعي
__________
(1) هي لفيفة من الشعر المنسوج بعضه على بعض.
(2) هي لفيفة من الشعر المنسوج بعضه على بعض.
(3) أي: ثلاث غُرف بيديه، واحدها حَثية. "النهاية".
(4) أخرجه مسلم: 330، وغيره.
(5) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (227). ومعنى اغمزي قرونك؛ أي:
اكبسي ضفائر شعرك عند الغُسل، والغمز: العصر والكبس باليد.
(6) أخرجه مسلم: 331، وغيره.
(1/200)
عُمْرَتَك، وانقضي رأسكِ، وامتشطي، واهلِّي
بحجٍّ ... " (1).
قال الحافظ في "الفتح" (1/ 418): "وظاهر الحديث الوجوب، وبه قال الحسن
وطاووس في الحائض دون الجُنُب، وبه قال أحمد، ورجَّح جماعة من أصحابه أنَّه
للاستحباب فيهما ... ".
قال شيخنا -حفظه الله تعالى- في "تمام المنَّة" (125): "وقد ذهب إِلى
التفصيل المذكور: الإِمام أحمد، وصححه ابن القيِّم في "تهذيب السنن"
فراجِعه (1/ 165 - 168)، وهو مذهب ابن حزم (2/ 37 - 40) ".
ومن الأدلَّة على ذلك حديث أسماء بنت شَكَل في النقطة الآتية.
3 - استحباب استعمال المغتسلة من الحيض فِرصة من مسك في موضع الدَّم (2):
عن عائشة -رضي اللَّه عنها-: أنّ أسماء (3) سألت النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن غُسل
المحيض؟ فقال: "تأخذ إِحداكنَّ ماءَها وسدْرتها (4)، فتطهَّر، فتحسن
الطُّهور، ثمَّ تصبُّ على رأسها، فتدلُكه دلكاً شديداً (5) حتى تبلُغ شؤون
__________
(1) أخرجه البخاري: 317
(2) هذا العنوان من "صحيح مسلم" (كتاب الحيض).
(3) هي بنت شَكَل؛ كما في رواية أخرى لمسلم: 332
(4) السِّدرة: شجرة النَّبِق، والمقصود هنا الورق؛ ليستعمل في الغسل، ويقوم
مقامه الصابون ونحوه.
(5) وهذا كما تقدّم دليل على التفريق بين غسل المرأة في الحيض وغسلها من
الجنابة؛ فقد أكَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الحائض أن
تبالغ في التّدليك الشديد والتطهير ما لم يؤكّد في غُسلها من الجنابة.
وانظر "تمام المنَّة" (125).
(1/201)
رأسها (1)، ثمَّ تصبُّ عليها الماء، ثمَّ
تأخذ فِرصة (2) ممسَّكة فتطهَّرُ بها".
فقالت أسماء: وكيف تطهَّرُ بها؟ فقال: "سبحانْ الله! تطهَّرينَ بها".
فقالت عائشة -كأنها تُخفي ذلك-: تتّبعين أثر الدَّم.
وسألته عن غُسل الجنابة؟ فقال: "تأخذُ ماءً، فتطهَّرُ، فتحْسن الطُّهور، أو
تُبْلغُ الطُّهور، ثمَّ تصبُّ على رأسها، فتدلكه حتى تبلغ شؤون رأسها، ثمَّ
تفيض عليها الماء".
فقالت عائشة: نِعْم النِّساء نساء الأنصار، لم يكنْ يمنعُهُنَّ الحياءُ أن
يتفقَّهْنَ في الدِّين (3).
4 - "لا يجب على المرأة إِذا اغتسلتْ من جنابة أو حيض غَسْل داخل الفَرْج
في أصحِّ القولين، والله أعلم" (4).
صِفةُ غُسل الجنابة
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - إِذا اغتسل من
__________
(1) أي: أصول شعر رأسها.
(2) الفِرْصة: قطعة من صوف أو قطن أو خِرقة. والممسَّكة: المطيَّبة بالمسك،
يُتتبّع بها أثر الدم، فيحصل منه الطيب والتنشيف. "النهاية".
(3) أخرجه مسلم: 332، وغيره، وأصله في البخاري: 314 و315 و7357
(4) قاله شيخ الإِسلام -رحمه الله- في "الفتاوى" (21/ 297)، وقال في موطن
آخر (21/ 297): "وِإنْ فعلت جاز". قال لي شيخنا -حفظه الله-: "جاز
تنظُّفاً، لا تعبُّداً".
(1/202)
الجنابة يبدأ، فيغسل يديه، ثمَّ يُفرغُ
بيمينه على شماله، فيغسلُ فرجه، ثمَّ يتوضّأ وُضوءه للصَّلاة، ثمَّ يأخذ
الماء، فيُدخل أصابعه في أصول الشَّعر، حتَّى إِذا رأى أن قد استبرأ (1)؛
حفَنَ على رأسه ثلاث حفَنات، ثمَّ أفاض على سائر جسده، ثمَّ غسَل رجليه"
(2).
مسح اليد بالتُّراب أو غسلها بالصابون ونحوه:
ومن الأدلَّة على ذلك حديث ميمونة: " ... ثمَّ قال بيده الأرض (3)، فمسَحها
بالتُّراب، ثمَّ غسَلها" (4).
وفي رواية مسلم (5): "ثمَّ ضرب بشماله الأرض، فدلَكَها دَلْكاً شديداً ...
".
غسْل اليدين قبل إدخالهما في الإِناء:
لحديث عائشة -رضي الله عنها-: "بدأ فغسل يديه قبل أن يُدخل يده في الإِناء
... " (6).
__________
(1) أي: أوصل البلل إِلى جميعه. "النووي".
(2) أخرجه البخاري: 248، ومسلم: 316، وهذا لفظه وغيرهما.
(3) قال الحافظ في "الفتح" (1/ 372): كذا في روايتنا، وللأكثر "بيده على
الأرض وهو من إطلاق القول على الفعل ... ".
(4) أخرجه البخاري: 259
(5) برقم: 317
(6) أخرجه مسلم: 316
(1/203)
الوضوء قبل الغُسل:
عن عائشة -رضي الله عنها-: "أنَّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كان إِذا اغتسل من الجنابة؛ بدأ فغسل يديه، ثمَّ يتوضّأ كما
يتوضّأ للصَّلاة (1)، ثمَّ يُدخِل أصابعه في الماء، فيخلِّل بها أصول شعره
(2)، ثمَّ يصبُّ على رأسه ثلاث غرَف بيديه، ثمَّ يُفيضُ على جلده كلِّه"
(3).
المضمضة والاستنشاق:
قال ابن عبَّاس؛ قال: حدَّثتنا ميمونة؛ قالت: "صَبَبْتُ للنّبيّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غُسلاً، فأفرغ بيمينه على يساره فغسلهما،
ثمَّ غَسل فرجه، ثمَّ قال بيده الأرض، فمسحها بالتُّراب، ثمَّ غسلها، ثمَّ
تمضمضَ واستنشق ... " (4).
إِفاضة الماء على الرأس ثلاثاً وتخليل الشعر:
لحديث عائشة -رضي الله عنها-: " ... ثمَّ يُدخلُ أصابعه في الماء، فيخلِّل
بها أصول شعره، ثمَّ يصبُّ على رأسه ثلاث غُرف بيديه" (5).
وعنها -رضي الله عنها- أيضاً: " ... ثمَّ يخلِّل بيده شعره، حتى إذا ظنَّ
__________
(1) قال الحافظ في "الفتح": "فيه احتراز عن الوضوء اللغوي".
(2) قال الحافظ: "وفائدة التخليل: إِيصال الماء إِلى الشّعر والبشرة،
ومباشرة الشّعر باليد، ليحصل تعميمه بالماء ... ".
(3) أخرجه البخاري: 248 وهذا لفظه، ومسلم: 316
(4) أخرجه البخارى: 259، ومسلم: 317 نحوه.
(5) أخرجه البخاري: 248، ومسلم: 316، وتقدّم.
(1/204)
أنَّه قد أروى (1) بشَرتهُ (2)؛ أفاض عليه
الماء ثلاث مرَّات، ثمَّ غسل سائر جسده" (3).
وفي الحديث: "أمَّا أنا؛ فأفيض على رأسي ثلاثاً" (4).
وأشار بيديه كلتيهما (5).
البدء بشقِّ أيمن الرَّأس ثمَّ أيسره:
لحديث عائشة -رضي الله عنها-: " ... فأخَذ بكَفِّهِ، فبدأ بشقِّ رأسه
الأيمن، ثمَّ الأيسر، فقال بهما على رأسه" (6).
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كنَّا إِذا أصابت إِحدانا جنابة؛ أخذت
بيديها ثلاثاً فوق رأسها، ثمَّ تأخذ بيدها على شقِّها الأيمن، وبيدها
الأخرى على شقِّها الأيسر" (7).
__________
(1) من الإِرواء؛ يقال: أرواه: إِذا جعَله ريّاناً.
(2) المراد هنا: ما تحت الشعر.
(3) أخرجه البخاري: 272
(4) قال الحافظ: "ويُحتمل أن تكون هذه الغرفات الثلاث للتكرار، ويحتمل أن
يكون لكلّ جهة من الرأس غرفة ... ". انظر شرح الحديث: 256.
(5) أخرجه البخاري: 254، ومسلم: 327، نحوه، وغيرهما.
(6) أخرجه البخاري: 258
(7) أخرجه البخارى: 277. قال الحافظ: وللحديث حُكم الرَّفع؛ لأن الظَّاهر
اطِّلاع النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ذلك، وهو مصيّر
من البخارى إلى القول بأن لقول الصّحابي: "كنّا نفعل كذا" حُكم الرفع، سواء
صرّح بإِضافته إِلى زمنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أم لا، وبه
جزم الحاكم".
(1/205)
تأخير غَسل الرجلين:
عن ميمونة زوج النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ قالت:
"توضّأ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للصَّلاة غير
رجليه، وغسَل فرجه وما أصابه من الأذى، ثمَّ أفاض عليه الماء، ثمَّ نحَّى
رجليه فغسلهما" (1).
قال الحافظ في "الفتح" (1/ 362): "واختلف نظر العلماء، فذهب الجمهور إِلى
استحباب تأخير غَسْل الرجلين في الغُسْل، وعن مالك: إنْ كان المكان غير
نظيف؛ فالمستحبُّ تأخيرهما، وإِلاَّ؛ فالتقديم".
وقال شيخنا في "الإِرواء" (1/ 170) عقب حديث ميمونة -رضي الله عنها-: "وهذا
نصٌّ على جواز تأخير غَسْل الرجلين في الغسل، بخلاف حديث عاثشة، ولعلَّه -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يفعل الأمرين: تارة يغسل رجليه مع
الوضوء فيه، وتارة يؤخِّر غسلهما إِلى آخر الغُسل، والله أعلم" اهـ.
وراجعتُ شيخنا -حفظه الله- في ذلك، ففهمتُ منه أنَّ الأمر يتبع الحال
والوضع الذي فيه المغتسل؛ فيتصرّف حسبما يقتضيه حاله.
عدم الوضوء بعد الغُسل (2):
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يغتسل ويصلِّي الركعتين وصلاة الغداة، ولا أراه يُحدث وضوءاً
بعد الغُسل" (3).
__________
(1) أخرجه البخاري: 249، وغيره.
(2) لأنَّ السّنة الوضوء قبل الغُسل، كما تدلُّ على ذلك النصوص.
(3) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (225)، والترمذي، وقال: "حديث حسن
صحيح"، وصحَّحه الحاكم والذهبي وغيرهما. ورواه ابن ماجه عن عائشة بلفظ: =
(1/206)
عدم استعمال
المنديل:
ودليل ذلك حديث ميمونة بنت الحارث -رضي الله عنها- وفيه: "فناولْتُه
خِرْقَةً، فقال بيده هكذا، ولم يُرِدْها" (1).
وفي رواية لها: "ثمَّ أتيتُه بالمنديل، فردَّه" (2).
التيمُّن في الغُسل:
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يحبُّ التيمُّن (3) في شأنه كلِّه: في نعليه، وترجُّله،
وطَهوره" (4).
إِفاضة الماء على الجلد كلِّه:
كما في حديث عائشة: " ... ثمَّ غَسل سائر جسده" (5).
__________
= "كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يتوضّأ بعد
الغسل؛ من الجنابة". وانظر "صحيح سنن ابن ماجه" (470)، و"المشكاة" (445).
(1) أخرجه البخاري: 266، قال الحافظ ابن حجر: "ولم يُرِدْها؛ بضم أوّله
وِإسكان الدال: من الإِرادة، والأصل: يريدها، لكن جزم بـ (لم)، ومن قالها
بفتح أوّله وتشديد الدَّال؛ فقد صحّف وأفسد المعنى". قلت: أمَا إِذا دعت
الحاجة لاستعمال المنديل وما شابهه من برْد ونحوه، فلا حرج من ذلك".
(2) أخرجه مسلم: 317
(3) هو الابتداء في الأفعال باليمين من اليد والرجل والجانب.
(4) أخرجه البخاري: 5854، ومسلم: 268، وغيرهما.
(5) أخرجه البخاري: 272، وفي لفظ "لمسلم" (316): "ثمَّ أفاض على سائر
جسده".
(1/207)
وفي رواية لها: " ... ثمَّ يفيض على جلده
كلِّه" (1).
الغُسل بالصَّاع ونحوه:
عن أبي جعفر (2): "أنَّه كان عند جابر بن عبد الله هو وأبوه وعنده قومٌ،
فسألوه عن الغُسل؟ فقال: يكفيك صاعٌ. فقال رجلٌ: ما يكفيني. فقال جابر: كان
يكفي من هو أوفى (3) منك شعراً وخيرٌ منك، ثمَّ أمَّنا في ثوبٍ" (4).
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يغتسل في القَدَح، وهو الفَرَق، وكنتُ أغتسل أنا وهو في
الإِناء الواحد".
قال قتيبة: قال سفيان: "والفَرَق: ثلاثة آصُع" (5).
وعن أنس -رضي الله عنه- قال: "كان النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يغسل (6) (أو كان
__________
(1) أخرجه البخاري: 248
(2) قال الحافظ: "هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف بـ
(الباقر) ".
(3) أي: أطول وأكثر. وفي رواية "مسلم" (329): "كان شعْر رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أكثر من شعرك وأطيب".
قال الحافظ: "وفي هذا الحديث بيان ما كان عليه السلف من الاحتجاج بأفعال
النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والانقياد إلى ذلك، وفيه
جواز الردّ بعنف على من يماري بغير عِلم؛ إِذا قصد الرادُّ إِيضاح الحق،
وتحذير السامعين من مِثل ذلك، وفيه كراهية التنطُّع والإسراف فى الماء".
(4) أخرجه البخاري: 252
(5) أخرجه مسلم: 319، وهو في البخاري: 250 بلفظ مقارب.
(6) أي: جسده.
(1/208)
يغتسل (1) بالصَّاع (2) إِلى خمسة أمداد
(3)، ويتوضّأ بالمدِّ" (4).
وعن عائشة -رضي الله عنها-: "أنَّها كانت تغتسل هي والنّبيّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في إِناء واحد؛ يتَّسع ثلاثة أمداد أو قريباً
من ذلك" (5).
هل الدَّلك واجب؟
قال الحافظ في "الفتح" (1/ 359): "وحقيقة الغسل: جريان الماء على الأعضاء.
واختُلف في وجوب الدَّلك: فلم يوجبه الأكثر، ونُقل عن مالك والمزني وجوبه،
واحتجَّ ابن بطَّال بالإِجماع على وجوب إِمرار اليد على أعضاء الوضوء عند
غسْلها؛ قال: فيجب ذلك في الغسل قياساً؛ لعدم الفرق بينهما. وتُعُقِّبَ
__________
(1) قال الحافظ: "الشكُّ من البخاري، أو من أبي نُعيم لما حدّثه به".
(2) الصّاع: إِناء يتسع خمسة أرطال وثُلُثاً بالبغدادي، وقال بعض الحنفية:
ثمانية. "الفتح". وهو أربعة أمداد. "النهاية" و"الفتح". وقال أبو داود في
"سننه": "وسمعتُ أحمد بن حنبل يقول: الصاع خمسة أرطال، وهو صاع ابن أبي
ذئب، وهو صاع النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -"، وتقدّم.
(3) جاء في "النهاية": "المدُّ في الأصل: رُبع الصاع، وإنَّما قُدِّر به
لأنَّه أقل ما كانوا يتصدَّقون به في العادة". وفيه أيضاً: "وهو رطل وثُلُث
بالعراقي، عند الشافعي وأهل الحجاز، وهو رطلان عند أبي حنيفة وأهل العراق".
وفيه: "وقيل: ان أصل المدِّ مقدَّر بأن يمدَّ الرجل يديه، فيملأ كفَّيه
طعاماً"، وتقدّم.
(4) أخرجه البخارى: 201، ومسلم: 325، وغيرهما، وتقدّم.
(5) أخرجه مسلم: 321
(1/209)
بأنَّ جميع من لم يوجب الدَّلك أجازوا
غَمْس اليد بالماء للمتوضئ من غير إِمرار، فبطلَ الإِجماع، وانتفت
الملازمة".
قال الصنعاني (1) -رحمه الله تعالى-: "وقولها: "ثمَّ أفاض الماء":
الإِفاضة: الإِسالة. وقد استدلَّ به على عدم وجوب الدَّلك، وعلى أنَّ
مُسمَّى (غُسل) لا يدخل فيه الدَّلك؛ لأنَّها عبَّرت ميمونة بالغسل،
وعبَّرت عائشة بالإِفاضة، والمعنى واحد، والإِفاضة لا دلْك فيها، فكذلك
الغَسل ... " (2).
قال في "المغني" (3): "ولا يجب عليه إِمرار يده على جسده في الغُسل والوضوء
إِذا تيقَّن أو غلب على ظنِّه وصول الماء إِلى جميع جسده، وهذا قول الحسن
والنَّخعي والشَّعبي وحمَّاد والثَّوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأصحاب
الرأي ... " (4).
ويرى شيخنا -حفظه الله تعالى- وجوب الدَّلك لمن كان ذا شعر كثير، ويسمَّى
(الشَّعرانيّ) في اللغة كما تقدَّم.
وهذا كقول الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- في مباشرة الشعر باليد ليحصل
تعميمه؛ فقد قال: " ... ثمَّ هذا التَّخليل غير واجب اتِّفاقاً؛ إلاَّ إِنْ
كان الشَّعر ملبَّداً بشيء يحول بين الماء وبين الوصول إِلى أصوله، والله
__________
(1) عقب حديث عائشة -رضي الله عنها- في صفة الغُسل.
(2) "سُبُل السلام" (ص 161).
(3) (باب الوضوء مع الغسل والدّلك، 1/ 218).
(4) وذكَر الأقوال المخالفة لذلك.
(1/210)
أعلم" (1).
مُراعاة غَسل المرافغ (2) عند الاغتسال:
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - إِذا أراد أن يغتسل من الجنابة؛ بدأ بكفَّيه، فغسلهما، ثمَّ
غَسَل مرافِغَه، وأفاض عليه الماء، فإِذا أنقاهما؛ أهوى بهما إِلى حائط،
ثمَّ يستقبل الوضوء، ويفيض الماء على رأسه" (3).
__________
(1) "الفتح" (1/ 360).
(2) هي أصول المغابن؛ كالآباط والحوالب وغيرهما من مطاوى الأعضاء، وما
يجتمع فيه من الوسخ والعرق. "النهاية". والمغابن: مفردها غَبَن، وهي:
الإِبط.
(3) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (223). قال في "بذْل المجهود" (2/
243): "فإِذا أنقاهما: أي: الفَرج والمرافغ أو اليدين" (أهوى بهما): أي:
أمالها إِلى حائط ليغسلهما بالتراب فيكون أنظف".
(1/211)
مسائل في الاغتسال
النَّهي عن البول في المستحمّ:
عن عبد الله بن مغفَّل -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يبولنَّ أحدُكم في مستحمِّه ثمَّ يغتسل فيه"
(1).
"قال علي بن محمد: إِنَّما هذا في الحفيرة، فأمَّا اليوم؛ فلا، فمغتسلاتهم
الجِصُّ (2) والصَّاروج (3) والقيرُ (4)، فإِذا بال، فأرسَل عليه الماء؛
فلا بأس به" (5).
وقال ابن المبارك: وقد وُسِّع في البول في المغتسل إِذا جرى فيه الماء"
(6).
جواز الاغتسال عُرياناً بحيث لا يُرى:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النّبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -؛ قال: "بينا (7) أيوب
__________
(1) أخرجه أبو داود: 27، و"صحيح سنن أبي داود" (22)، وغيره. وانظر
"المشكاة" (353).
(2) الجِص: ما يُبنى به. "معرَّب".
(3) الصاروج: خليط يستعمل في طلاء الجدران والأحواض. "معرَّب" أيضاً.
(4) القير والقار: شيء أسود يُطلى به السفن والإبل، أو هما الزِّفت.
"المحيط".
(5) انظر "صحيح سنن ابن ماجه" (246).
(6) انظر "صحيح سنن الترمذي" (20).
(7) أصلها بين، وأشبِعت الفتحة.
(1/212)
يغتسل عُرياناً؛ خرَّ عليه رِجل جراد (1)
من ذهب، فجعل يحثي في ثوبه، فنادى ربُّه: يا أيُّوب! ألم أكنْ أغنيتك عمَّا
ترى؟ قال: بلى يا ربِّ، ولكنْ لا غِنى لي عن برَكَتِكَ" (2).
وعنه أيضاً عن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "كانت
بنو إِسرائيل يغتسلون عُراة، ينظر بعضهم إِلى بعض، وكان موسى يغتسل وحده
... " (3).
التَّستُّر في الغُسل:
عن أمّ هانئ -رضي الله عنها- قالت: "ذهبتُ إِلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عام الفتح، فوجدتُه يغتسل وفاطمة تسترُه، فقال: من
هذه؟ فقلت: أنا أمُّ هانئ" (4).
وعن ميمونة -رضي الله عنها- قالت: "ستَرْتُ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يغتسل من الجنابة، فغسَل يديه ... " (5).
وعن أبي السَّمح -رضي الله عنه- قال: "كنتُ أخدُم النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكان إِذا أراد أن يغتسل؛ قال: وَلِّني! فأوَلِّيه
قفايَ، وأنشرُ الثَّوب، فأسترهُ به" (6).
__________
(1) أي: جماعة جراد.
(2) أخرجه البخاري: 3391، وغيره.
(3) أخرجه البخاري: 278، ومسلم: 339
(4) أخرجه البخاري: 280، ومسلم: 336، وغيرهما.
(5) أخرجه البخاري: 281
(6) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (362)، وابن ماجه "صحيح سنن ابن
ماجه" (497)، والنسائي "صحيح سنن النسائي" (218).
(1/213)
وعن يعلى بن أمية -رضي الله عنه-: أنَّ
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى رجلاً يغتسل بالبَراز
(1) بلا إِزار، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثمَّ قال - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِنَّ الله -عزَّ وجلَّ- حييٌّ سِتير،
يُحبُّ الحياء والسَّتر، فإِذا اغتسل أحدكم؛ فليستتر" (2).
هل يجزئ غُسل عن غُسل إِذا كانا واجبين؟
قال شيخنا: "الذي يتبيَّن لي أنَّه لا يجزئ ذلك، بل لا بدّ من الغسل لكلّ
ما يجب الغُسل له غُسلاً على حِدة، فيغُتسل للحيض غسلاً، وللجنابة غُسلاً
آخر، أو للجنابة غسلاً، وللجمعة غُسلاً آخر.
لأنَّ هذه الأغسال قد قام الدليل على وجوب كل واحد منها على انفراده، فلا
يجوز توحيدها في عمل واحد، ألا ترى أنَّه لوكان عليه قضاء شهر رمضان أنَّه
لا يجوز له أن ينوي قضاءه مع صيامه لشهر رمضان أداءً! وهكذا يقال عن الصلاة
ونحوها، والتفريق بين هذه العبادات وبين الغسل لا دليل عليه، ومن ادَّعاه؛
فليتفضَّل بالبيان" (3).
وقال -حفظه الله تعالى (4) -: "وقد عكس ابن حزم، فاستدلَّ بالحديث على ما
ذهَبنا إِليه، فقال بعد أن ذكَر أنَّ من أجنب يوم الجمعة فلا يجزيه إلاَّ
__________
(1) بالفتح الفضاء الواسع، وبالكسر: ثُفل الغذاء، وتقدّم.
(2) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (3387) وغيره، وانظر "المشكاة"
(447).
(3) "تمام المنَّة" (126).
(4) "تمام المنَّة" (127 و128).
(1/214)
غُسلان: غُسل ينوي به الجنابة، وغُسل آخر
ينوي به الجمعة ... إِلخ.
قال (2/ 43): برهان ذلك قول الله تعالى: {وما أُمِروا إِلاَّ ليَعْبُدوا
الله مُخْلِصينَ له الدِّينَ} (1)، وقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِنَّما الأعمال بالنيات، ولكلّ امرئ ما نوى"
وتقدّم، فصحّ يقيناً أنَّه مأمور بكل غُسل من هذه الأغسال، فإِذْ قد صحّ
ذلك؛ فمن الباطل أن يجزئ عملٌ عن عملين أو أكثر، وصحّ يقيناً أنَّه إِنْ
نوى أحدٌ ما عليه من ذلك؛ فإِنَّما له بشهادة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصادقة الذي نواه فقط؛ وليس له ما لم ينوه، فإِنْ
نوى بعمله ذلك غُسلين فصاعداً؛ فقد خالف ما أمر به؛ لأنَّه مأمور بغسل تام
لكل وجه من الوجوه التي ذكَرنا، فلم يفعل ذلك، والغُسل لا ينقسم، فبطل عمله
كلّه؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من عمل
عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ" (2).
ثمَّ ذكَر أنَّه ذهب إِلى ما اختاره من عدم الإِجزاء جماعة من السّلف، منهم
جابر بن زيد والحسن وقتادة وإِبراهيم النخعي والحكم وطاوس وعطاء وعمرو ابن
شعيب والزهري وميمون بن مهران، قال: "وهو قول داود وأصحابنا".
وقد ساق الآثار بذلك عنهم فراجِعْها، ويحسُن أن يلحق بهم أبو قتادة
الأنصاري -رضي الله عنه- فقد رَوى الحاكم (1/ 282) من طريق يحيى ابن أبي
كثير عن عبد الله بن أبي قتادة قال: دخل عليّ أبي وأنا أغتسل يوم الجمُعة،
فقال: غُسلك من جنابة أو للجمعة؟ قال: قلت: من جنابة. قال: أعِد غُسلاً
آخر، فإِنّي سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"من اغتسل يوم الجمعة
__________
(1) البيّنة: 5
(2) أخرجه البخاري: 2697، ومسلم: 1718
(1/215)
كان في طهارة إِلى الجمعة الأخرى" (1).
الطوف على جميع نسائه بغُسل واحد:
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كان النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدور على نسائه في السَّاعة الواحدة من الليل
والنَّهار وهنَّ إِحدى عشْرة ... " (2).
وفي "صحيح مسلم": (309)، عنه بلفظ: "كان يطوف (3) على نسائه بغُسل واحد".
الاغتسال عند كلّ واحدة غُسلاً:
عن أبي رافع: أنَّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طاف ذات
يوم على نسائه، يغتسل عند هذه وعند هذه. قال: فقلتُ له: يا رسول الله! ألا
تجعله غُسلاً واحداً؟ قال: "هذا أزكى وأطيب وأطهر" (4).
جواز نوم الجُنُب واستحباب الوضوء له:
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان النّبيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - إِذا أراد أن ينام وهو جُنب؛ غَسَل فرجه وتوضّأ للصّلاة" (5).
__________
(1) أخرجه ابن خزيمة وابن حبَّان وغيرهما. وانظره في "الصحيحة" (2321)،
وتقدّم.
(2) أخرجه البخاري: 268
(3) وهو كناية عن الجماع كما قال الحافظ وغيره.
(4) أخرجه أبو داود، وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه" (480)، وغيرهما.
وانظر "آداب الزفاف" (ص 107)، وتقدّم.
(5) أخرجه البخاري: 288، ومسلم: 305
(1/216)
وعن عبد الله بن أبي قيس؛ قال: سألْتُ
عائشة عن وتْرِ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ (فذكَر
الحديث، وفيه):
قلت: كيف كان يصنع في الجنابة؟ أكان يغتسل قبل أن ينام أم ينام قبل أن
يغتسل؟
قالت: كلّ ذلك قد كان يفعل، ربَّما اغتسل فنام، وربَّما توضّأ فنام.
قلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سَعَة (1).
اغتسال الرجل مع امرأته من إِناء واحد من الجنابة واشتراكهما في ذلك:
لحديث أمّ سلمة: " ... وكنتُ أغتسل أنا والنّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - من إِناء واحدٍ من الجنابة" (2).
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كنتُ أغتسل أنا والنّبيّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من إِناء واحد، تختلف أيدينا فيه" (3).
وعنها -رضي الله عنها- قالت: "كنتُ أغتسل أنا ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من إِناء بيني وبينه واحد، فيبادرني حتى أقول: دَعْ
لي، دَعْ لي. قالت: وهما جُنُبان" (4).
__________
(1) أخرجه مسلم: 307، وغيره.
(2) أخرجه البخاري: 322، ومسلم: 296، وغيرهما.
(3) أخرجه البخاري: 261، ومسلم: 321، وزاد في آخره: "من الجنابة".
(4) أخرجه مسلم: 321
(1/217)
وفي الباب عدّة أحاديث، أكتفي بما ذكَرت.
الاغتسال بفضل المرأة وما جاء في النهي عن ذلك:
عن ابن عبَّاس -رضي الله عنهما-: "أنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يغتسل بفضل ميمونة" (1).
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: اغتسل بعض أزواج النّبيّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في جفنة، فجاء النّبيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليغتسل أو يتوضّأ، فقالت: يا رسول الله! إِنِّي كنتُ
جُنُباً. فقال: "الماء لا يُجنب" (2).
وعن حُميد بن عبد الرحمن الحِمْيَري؛ قال: لقيتُ رجلاً صَحِب النّبيّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما صحِبه أبو هريرة -رضي الله عنه-
أربع سنين؛ قال: "نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن
يمتشط أحدُنا كلَّ يوم، أو يبول في مغتسله، أو يغتسل الرَّجل بفضل المرأة،
والمرأة بفضل الرَّجل، وليغترفا جميعاً" (3).
__________
(1) أخرجه مسلم: 323، وهو في "صحيح سنن ابن ماجه" (298) بلفظ: "من
الجنابة".
(2) أخرجه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، وأبو داود "صحيح سنن أبي داود"
(61)، وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه" (296)، وغيرهم، وانظر "الإِرواء"
(27).
(3) أخرجه النسائي "صحيح سنن النسائي" (232)، وغيره، وبعضه في سنن أبي داود
"صحيح سنن أبي داود" (23).
قال الحافظ في "الفتح" (1/ 300): "رجاله ثقات، ولم أقف لمن أعلّه على حجّة
قوية، ودعوى البيهقيّ أنَه في معنى المرسل مردودة؛ لأنَّ إِبهام الصحابي لا
يضرّ، وقد صرّح التابعيّ بأنَّه لقيه ... ".
(1/218)
وحمَل بعض أهل العلم هذا الحديث وما في
معناه على التَّنزيه جمعاً بين الأدلَّة، وإِلى هذا أشار الحافظ في "الفتح"
(1).
__________
(1) (1/ 300)، تحت الحديث (193).
(1/219)
خُلاصة ميسَّرة لأعمال الغُسل
* غَسل اليدين.
* غَسل القُبُل والدُّبر.
* مَسْح اليدين بالتُّراب، أو غسلهما بالصابون ونحوه، وضرورة غَسل اليدين
قبل إِدخالهما الإِناء.
- التوضُّؤ كوضوء الصلاة سوى الرِّجلين، أو غسلهما إِنْ شاء (1).
* تخليل الشعر، وصبّ ثلاث غرف بيديه، والبدء بشقِّ أيمن الرَّأس، ثمَّ
الأيسر.
* البدء بالشقِّ الأيمن دائماً من الجسد، ثمَّ الشقّ الأيسر.
* غَسل الرِّجلين إِن لم يفعل ذلك من قبل.
* تُراعى الأمور الآتية خلال الغسل:
1 - إِفاضة الماء على سائر الجسد والجلد كلِّه.
2 - الإِقلال في استعمال الماء.
3 - مراعاة غسل المرافغ (2) ومطاوى الأعضاء.
4 - ضرورة الدَّلك للشَّعراني.
5 - عدم الوضوء بعد الغسل.
__________
(1) انظر -إِن شئت- (باب صفة غُسل الجنابة) "تأخير غَسل الرجلين".
(2) تقدّم معنى المرافغ أنّها أصول المغابن كالآباط والحوالب وغيرها من
مطاوى الأعضاء، وما يجتمع فيه من الوسخ والعرق.
(1/220)
|