الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة

الاستحاضة
تعريفها:
"هي أن يستمرّ بالمرأة خروج الدّم؛ بعد أيام حيضها المعتادة" (1).

أحوال المستحاضة (2):
1 - أن تكون مدّة الحيض معروفة لها قبل الاستحاضة، وفي هذه الحالة تُعدّ هذه المدَّة المعروفة هي مدَّة الحيض والباقي استحاضة؛ لحديث أمّ سلمة -رضي الله عنها-: أنَّها استّفتت النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في امرأة تُهراق الدّم؟
فقال: "لتنظر قدْر الليالي والأيام التي كانت تحيضهنّ وقدْرهنَّ من الشَّهر، فتدَع الصَّلاة، ثمَّ لتغتسل ولتستثْفر (3) ثمَّ تصلّي" (4).
قال الخطابي: هذا حُكم المرأة يكون لها من الشَّهر أيام معلومة؛ تحيضها في أيام الصِّحَّة قبل حدوث العلَّة، تمَّ تُستحاض فتهريق الدَّم، ويستمرّ بها السيلان، أمرها النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن تدَع الصَّلاة من الشهر، قدر الأيام
__________
(1) "النهاية".
(2) عن كتاب "فقه السنّة" للسيد سابق -حفظه الله- بحذف وتصرُّف.
(3) هو أن تشدّ فرجها بخرقة عريضة؛ بعد أن تُحتشى قُطناً، وثوثّق طرفيها في شيء تشدّه على وسطها، فتمنع بذلك سيل الدّم، وهو مأخوذ من ثَفَر الدّابة الذي يجعل تحت ذنبها. "النهاية".
(4) رواه مالك والخمسة إلاَّ الترمذي، وقال النووي: إسناده على شرطهما، وانظر "المشكاة" (559)، و"صحيح سنن أبي داود" (244) و"صحيح سنن النسائي" (202) و"صحيح سنن ابن ماجه" (506).

(1/285)


التي كانت تحيض؛ قبل أن يصيبها ما أصابها، فإِذا استوفت عدد تلك الأيام؛ اغتسلت مرّة واحدة، وحُكمها حُكم الطَّواهر (1).
جاء في "الفتاوى" (21/ 628): "وبهذا الحديث أخَذ جمهور العلماء في المستحاضة المعتادة؛ أنَّها ترجع إِلى عادتها؛ وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد".
2 - أن يستمر بها الدَّم ولم يكن لها أيَّام معروفة؛ إِمَّا لأنَّها نسيت عادتها، أو بلَغت مستحاضة، ولا تستطيع تمييز دم الحيض، وفي هذه الحالة يكون حيضها ستة أيام أو سبعة، على غالب عادة النِّساء (2)؛ لحديث حمنة بنت جحش قالت: كنتُ أُستحاض حيضة كثيرة شديدة، فأتيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أستفتيه وأخبره، فوجدتُه في بيت أُختي زينب بنت جحش، فقلت: يا رسول الله إِنّي امرأة أُستحاض حيضة كثيرة شديدة، فما ترى فيها، قد منعَتني الصَّلاة والصَّوم؟
فقال: "أنعتُ لَكِ الكُرسُف (3) فإِنَّه يذهبُ الدَّم"، قالت: هو أكثر من ذلك.
قال: "فاتَّخذي ثوباً"، فقالت: هو أكثر من ذلك، إِنَّما أثجُّ ثجَّاً (4).
قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "سآمرك بأمرين أيَّهما فعلْتِ أجزأ عنك من الآخر، وإِنْ
__________
(1) فهذه هي المعتاده التي لها عادة من أيام معروفة تعود إليها.
(2) انظر "المغني" (1/ 346).
(3) أي: القطن.
(4) الثَّجّ: شدَّة السيلان.

(1/286)


قويتِ عليهما فأنتِ أعلم"، فقال لها: "إِنَّما هي ركضة (1) من رَكَضات الشيطان، فتحيَّضي ستَّة أيَّام أو (2) سبعة أيَّام، في عِلم الله، ثمَّ اغتسلي حتى إِذا رأيتِ أنَّك قد طهُرت واستنقأتِ؛ فصلّي ثلاثاً وعشرين ليلة، أو أربعاً وعشرين ليلة وأيَّامها وصومي، فإِنَّ ذلك يجزيك، وكذلك فافعلي كل شهر؛ كما تحيض النِّساء وكما يطهُرن، ميقات حيضهنّ وطُهرهنّ، وإِن قويتِ على أن تؤخِّري الظهر وتعجلّي العصر؛ فتغتسلين وتجمعين بين الصلاتين الظهر والعصر، وتؤخِّرين المغرب وتعجلين العشاء، ثمَّ تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي، وتغتسلين مع الفجر فافعلي، وصومي إِنْ قدرْتِ على ذلك".
قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "وهذا أعجب الأمرين إِليّ" (3).
__________
(1) قال في النهاية: "أصل الرّكض: الضَّرب بالرجل والإِصابة بها؛ كما تُركض الدابة وتُصاب بالرِّجل؛ أراد الإِضرار بها والأذى، المعنى أنَّ الشيطان قد وجد بذلك طريقاً إِلى التلبيس عليها؛ في أمر دينها وطُهرها وصلاتها، حتى أنساها ذلك عادتها، وصار في التقدير؛ كأنّه ركضة بآلة من ركضاته". وذكَره الشوكاني في "نيل الأوطار" (1/ 344).
وقال الصنعاني في "سبل السلام" (1/ 183): "معناه أنَّ الشيطان قد وجد سبيلاً إِلى التلبيس عليها في أمر دينها وطُهرها وصلاتها حتى أنساها عادتها وصارت في التقدير؛ كأنها ركضة منه، ولا ينافي ما تقدّم إِنَّه عِرق يُقال له العاذل؛ لأنَّه يُحمل على أنَّ الشيطان ركضه حتى انفجر".
(2) قال في "سبل السلام" (1/ 184): "ليست فيه كلمة (أو) شكاً من الراوي ولا للتخيير، للإِعلام بأنَّ للنساء أحد العددين، فمنهنَّ من تحيض ستّاً، ومنهنَّ من تحيض سبعاً، فترجع إِلى من هي في سنّها وأقرب إِلى مزاجها".
(3) أخرجه أبو داود: 287 "صحيح سنن أبي داود" (267)، والترمذي "صحيح سنن =

(1/287)


قال الخطابي -تعليقاً على هذا الحديث-: إِنَّما هي امرأة مبتدئة لم يتقدَّم لها أيام، ولا هي مميّزة لدمها، وقد استمرَّ بها الدَّم حتى غلبَها، فردَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمرها إِلى العُرف الظاهر والأمر الغالب من أحوال النِّساء، كما حَمَل أمرها في تحيُّضها كل شهر مرّة واحدة؛ على الغالب من عادتهن، ويدلّ على هذا قوله: "كما تحيض النِّساء ويطهُرن بميقات حيضهنَّ وطُهرنَّ".
قال: وهذا أصلٌ في قياس أمر النِّساء؛ بعضهنَّ على بعض؛ في باب الحيض والحمل والبلوغ، وما أشبه هذا من أمورهنّ.
3 - أن لا تكون لها عادة، ولكنَّها تستطيع تمييز دم الحيض عن غيره، وفي هذه الحالة تعمل بالتَّمييز، لحديث فاطمة بنت أبي حبيش -رضي الله عنها- أنَّها كانت تُستحاض، فقال النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِذا كان دم الحيض؛ فإِنَّه أسود يُعرف؛ فأمسكي عن الصَّلاة، فإِذا كان الآخر؛ فتوضَّئي إِنَّما هو عرْق (1) " (2).
__________
= الترمذي" (110)، وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه" (510) والطحاوي في "مشكل الآثار" والدارقطني والحاكم، وانظر "الإِرواء" (188).
(1) تقدّم تخريجه.
(2) قال شيخ الإِسلام -رحمه الله- في "الفتاوى" (21/ 630): "وفي المستحاضة عن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاث سنن: سنة في العادة لمن تقدّم، وسنَّة في المميزة، وهو قوله: "دم الحيض أسود يُعرَف"، وسنّة في غالب الحيض، وهو قوله: "تحيَّضي ستاً أو سبعاً ثمَّ اغتسلي، وصلّي ثلاثاً وعشرين، أو أربعاً وعشرين، كما تحيض النساء، =

(1/288)


أحكام المُستحاضة (1)
1 - جواز وطئها في حال جريان دم الاستحاضة؛ عند جماهير العلماء؛ لأنَّها كالطَّاهرة في الصَّلاة والصوم وغيرهما، فكذا في الجماع، ولأنَّه لا يحرم إلاَّ عن دليل، ولم يأت دليل بتحريم جماعها.
قال ابن عبّاس: "المستحاضة يأتيها زوجها إِذا صلَّت، الصَّلاة أعظم" (2).
[وعن عكرمة قال: "كانت أم حبيبة تُستحاض فكان زوجها يغشاها" (3).
وعن حَمْنة بنت جحش: "أنَّها كانت مُستحاضة؛ وكان زوجها
__________
= ويطهرن لميقات حيضهنّ وطهرهنّ".
وقال -رحمه الله- أيضاً في نفس الموضع: "على أنَّ المستحاضة المميزة؛ تجلس ستاً أو سبعاً وهو غالب الحيض".
وجاء في "الفتاوى" أيضاً (21/ 630): " ... إِمّا العادة فإِنَّ العادة أقوى العلامات؛ لأنَّ الأصل مقام الحيض دون غيره. وإمّا التمييز؛ لأنَّ الدم الأسود والثخين المُنتن؛ أولى أن يكون حيضاً من الأحمر. وإِمَّا اعتبار غالب عادة النساء؛ لأنَّ الأصل إِلحاق الفرد بالأعمّ الأغلب".
(1) النقاط من (1 - 3) من "سبل السلام"، إلاَّ ما كان بين معقوفين مستطيلين فليس منه، ومن (4 - 6) من كتاب "فقه السنّة" بتصرف يسير.
(2) ذكره البخاري معلقاً، وانظر "الفتح" (1/ 428) وقال شيخنا في "المختصر" (1/ 92): "وصله الدارمي (1/ 203) بإِسناد صحيح عنه دون الإتيان، ولكنّه أخرج هذا القدر منه (1/ 207) بسند ضعيف عنه، وأخرجه عبد الرزاق أيضاً".
(3) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (302).

(1/289)


يجامعها" (1)].
2 - أنَّها تُؤمر بالاحتياط في طهارة الحدث النجس؛ فتغسل فرجها قبل الوضوء وقبل التَّيمُّم، وتحشو فرجها بقطنة، أو خرقة دفعاً للنجاسة، وتقليلاً لها، فإِنْ لم يندفع الدَّم بذلك؛ شدَّت مع ذلك على فرجها وتلجَّمت واستثفرت (2). كما هو معروف في الكتب المطوَّلة.
3 - ومنها أنَّه ليس لها الوضوء قبل دخول وقت الصَّلاة عند الجمهور؛ إِذ طهارتها ضروريّة؛ فليس لها تقديمها قبل وقت الحاجة.
4 - أنه لا يجب عليها الغسل لشيء من الصَّلاة، ولا في وقت من الأوقات إلاَّ مرّة واحدة؛ حينما ينقطع حيضها، وبهذا قال الجمهور من السَّلف والخلف.
5 - أنَّه يجب عليها الوضوء لكلّ صلاة؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لفاطمة بنت أبي حبيش -وهي تحدِّثه عن استحاضتها-: "توضَّئي لكلّ صلاة" (3).
وقوله لها: "إِنَّه دم عِرق فتوضئي لكلّ صلاة" (4).
__________
(1) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (303) وغيره، وانظر "تمام المنة" (ص 137).
(2) قال في "النهاية": " ... استثفري وتلجّمي، أي: اجعلي موضع خروج الدم عصابة تمنع الدم، تشبيها بوضع اللجام في فم الدّابة".
(3) أخرجه أبو داود وغيره، وصححه شيخنا في "الإِرواء" (109)، وتقدّم.
(4) أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وقال شيخنا في "الإِرواء" (110): "وسنده على شرط الشيخين وقد أخرجه البخاري من طريق أبي معاوية به نحوه، وراجِع تعليق الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- على الترمذي".

(1/290)


6 - أنَّ لها حُكم الطاهرات: تُصلّي وتصوم وتعتكف، وتفعل كلّ العبادات.

الحائض والنفساء تقضيان الصوم ولا تقضيان الصَّلاة
تقضي الحائض والنّفساء الصوم ولا تقضي الصَّلاة؛ لحديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " ... أليس إِذا حاضت لم تُصلِّ ولم تصُم؟ ... " (1).
قال في "نيل الأوطار" (1/ 353): "فيه إِشعار بأنَّ منْع الحائض من الصوم والصَّلاة كان ثابتاً بحُكم الشَّرع قبل ذلك المجلس ... ".
وعن معاذة أنَّ امرأة قالت لعائشة: "أتجزي إِحدانا صلاتها إِذا طهُرت؟ فقالت: أحروريّة (2) أنت؟ كنَّا نحيض مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلا يأمرنا به، أو قالت:
__________
(1) جزء من حديث رواه البخاري: 304، ومسلم: 219، وقد ذكرْته بتمامه في (باب ما يحرُم على الحائض والنفساء).
(2) الحروري منسوب إِلى حروراء، بلدة على ميلين من الكوفة، ويُقال لمن يعتقد مذهب الخوارج حروري؛ لأنَّ أول فرقة منهم خرجوا على عليّ بالبلدة المذكورة، فاشتهروا بالنسبة إِليها، وهم فِرَق كثيرة، لكن من أصولهم المتفق عليها بينهم؛ الأخذ بما دلَّ عليه القرآن، وردّ ما زاد عليه من الحديث مطلقاً؛ ولهذا استفهمت عائشة معاذة استفهام إِنكار. وزاد مسلم في رواية عاصم عن معاذة فقلت: "لا ولكنّي أسأل"، أي: سؤالاً مجرّداً لطلب العلم لا للتعنّت. "الفتح" (1/ 422) بحذف يسير.
قال شيخنا في "الإِرواء" (1/ 221): "وإنكار عائشة عليها إِمّا لعلمها أنهم كانوا يوجبون القضاء على الحائض، فقد حكى ابن عبد البرّ القول بذلك عن طائفة من الخوارج، وإمّا لعلمها بأنَّ أصولهم تقتضي ذلك".

(1/291)


فلا نفعله" (1). وفي لفظ لمسلم (335): "فنؤمَر بقضاء الصوم ولا نؤمَر بقضاء الصلاة".
وعن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: كانت المرأة من نساء النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تقعد في النفاس أربعين ليلة؛ لا يأمرها النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقضاء صلاة النفاس (2).

إِذا طهُرت الحائض بعد العصر أو بعد العشاء
إِذا طهرت الحائض بعد العصر؛ صلّت الظهر والعصر، وإِذا طهرت بعد العشاء؛ صلّت المغرب والعشاء.
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "إِذا طهُرت الحائض بعد العصر؛ صلّت الظهر والعصر، وإذا طهُرت بعد العشاء صلّت المغرب والعشاء".
وعن عبد الرحمن بن عوف قال: "إِذا طهُرت الحائض قبل أن تغرب الشمس؛ صلّت الظهر والعصر، وإذا طهُرت قبل الفجر صلَّت المغرب والعشاء".
قال في "نيل الأوطار" (1/ 355): "رواهما سعيد بن منصور في "سننه" والأثرم، وقال: قال أحمد: عامَّة التابعين يقولون بهذا القول إلاَّ الحسن وحده".
وسألت شيخنا -حفظه الله- بعض التفصيل في ذلك فقال: "إِذا طهُرت
__________
(1) أخرجه البخاري: 321، ومسلم: 335، نحوه وغيرهما.
(2) أخرجه أبو داود والحاكم وغيرهما، وحسَّنه شيخنا في "الإِرواء" (201).

(1/292)


الحائض بعد العصر أو قبل غروب الشمس، فإِنَّه يجب عليها أن تصلّي الظُّهر والعصر، وإِذا طهُرت بعد العشاء، فإِنَّه يجب عليها أن تصلّي المغرب والعشاء؛ لأنَّ وقت الظهر والعصر يتداخلان، ففي السّفر يُمكن الجمع بين كلِّ من الصلاتين؛ تقديماً أو تأخيراً، وفي حالة الإِقامة أيضاً لرفع الحرج".

الجمع الصوري للمستحاضة
وفيه حديث حَمنة بنت جحش -رضي الله عنها- المتقدِّم وفيه: " ... وإِنْ قويتِ على أن تؤخِّري الظهر وتعجِّلي العصر؛ فتغتسلين وتجمعين بين الصلاتين: الظهر والعصر، وتؤخرين المغرب وتعجِّلين العشاء، ثمَّ تغتسلين، وتجمعين بين الصلاتين فافعلي".
قال في "سبل السلام" (1/ 183): "فتغتسلين فتجمعين بين الصلاتين الظهر والعصر، أي: جمعاً صورياً ... ".

الحامل إِذا رأت الدَّم وبيان أنَّها لا تحيض
إِذا رأت الحامل دماً فهو دم فساد (1)؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سبايا أوطاس: "لا توطَأ حامل حتى تضع، ولا حائل (2) حتى تستبرئ بحيضة" (3).
__________
(1) قال شيخنا -حفظه الله-: "دم فساد؛ كقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِنّما هو عرق"؛ فهذا في المستحاضة".
(2) الحائل: كلّ أنثى لا تحبل. "الوسيط".
(3) أخرجه أبو داود والدارمي والدارقطني والحاكم والبيهقي وأحمد، وقال الحاكم: =

(1/293)


جاء في "المغني" (1/ 371) (حُكم الحامل إِذا رأت الدَّم، وبيان أنَّها لا تحيض): "مذهب أبي عبد الله -رحمه الله- أنَّ الحامل لا تحيض، وما تراه من الدَّم فهو دم فساد، وهو قول جمهور التابعين؛ منهم: سعيد بن المسيب وعطاء والحسن وجابر بن زيد وعكرمة ومحمد بن المنكدر والشعبي ومكحول وحماد والثَّوري والأوزاعي وأبو حنيفة وابن المنذر وأبو عبيد وأبو ثور ... ".
وقال في "منار السبيل" (1/ 62): "فإِنْ رأت الحامل دماً فهو فساد؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سبايا أوطاس: "لا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تستبرئ بحيضة" (1).
يعني: تستعلم براءتها من الحمل بالحيضة؛ فدلَّ على أنَّها لا تجتمع معه".
قال شيخنا في "الإِرواء" (187): "ويشهد له ما روى الدَّارمي (1/ 227، 228) من طريقين عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة قالت: "إِنَّ الحُبلى لا تحيض، فإِذا رأت الدَّم؛ فلتغتسل ولتصلِّ"، وإِسناده صحيح".
وسألتُ شيخنا -حفظه الله- عن أمر الاغتسال؟ فقال: "هو من باب النَّظافة".
__________
= "صحيح على شرط مسلم"، وقال الحافظ في "التلخيص الحبير": "إِسناده حسن"، وانظر تفصيل تخريجه في "الإِرواء" (187).
(1) تقدّم تخريجه.

(1/294)


مسائل متنوّعة تتعلق بالحائض والنّفساء والمستحاضة
* حُكم النّفساء حُكم الحائض في جميع ما يحرُم عليها ويسقُط عنها: قال في "المغني" (1/ 362): "وحُكم النفساء حُكم الحائض في جميع ما يحرُم عليها ويسقُط عنها، لا نعلم في هذا خلافاً، وكذلك تحريم وطئها وحلّ مباشرتها، والاستمتاع بما دون الفرج منها ... ".
* اغتسال الحائض والنفساء للإِحرام:
عن جابر -رضي الله عنه- قال: "إِنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكثَ تسع سنين لم يحجّ، ثمَّ أذَّن في الناس في العاشرة؛ أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حاجٌّ، فقدم المدينة بشر كثير؛ كلّهم يلتمس أن يأتمّ برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويعمل مثل عمله.
فخرجنا معه، حتى أتينا ذا الحليفة؛ فولَدَت أسماءُ بنت عميس محمَّدَ بن أبي بكر، فأرسلت إِلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كيف أصنع؟ ".
فقال: "اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي" (1).
* لا بأس أن تشرب المرأة الحائض دواءً يقطع عنها الحيض، إِذا لم يكن يضرّ بها، ويحسن بها استشارة طبيبة مسلمة مختصّة في هذا الأمر:
قال في "المغني" (1/ 375): "رُوي عن أحمد -رحمه الله- أنَّه قال: لا بأس أن تشرب المرأة دواءً؛ يقطع عنها الحيض؛ إِذا كان دواءً معروفاً".
* شهود الحائض العيدين ودعوة المسلمين واعتزالها المصلّى:
__________
(1) أخرجه مسلم: 1218، وغيره، قال في "النهاية": " ... استثفري: أي: اجعلي موضع خروج الدم عصابة تمنع الدم، تشبيهاً بوضع اللجام في فم الدابة"، وتقدم.

(1/295)


عن أمِّ عطية -رضي الله عنها- قالت: "سمعْتُه (1) يقول: يخرُج العواتِق (2) وذواتُ الخدور (3) -أو العواتق ذواتُ الخُدور- والحُيَّض، ويشهدن الخير ودعوة المؤمنين، ويعتزل الحُيَّض المصلّى" (4).
* قراءة الرجل في حجر امرأته وهي حائض (5):
عن منصور بن صفيَّة أنَّ أمَّه حدَّثته أنَّ عائشة -رضي الله عنها- حدَّثتها: "أنَّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يتَّكئ في حجري، وأنا حائض ثمَّ يقرأ القرآن (6) " (7).
* غَسل الحائض رأس زوجها وترجيله (8):
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كنتُ أرجّل رأس رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
__________
(1) أي: رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكانت لا تذكره إِلا قالت: "بأبي".
(2) العاتق: الشّابة أو ما تُدرك، وقيل: هي التي لم تَبِنْ من والديها ولم تُزوَّج، وقد أدركت وشبَّت، وتُجمع على العُتَّق والعواتق". "النهاية".
(3) جمع خِدْر وهو ستر يكون في ناحية البيت؛ تفعد البكر وراءه.
(4) أخرجه البخاري: 324، ومسلم: 890
(5) هذا العنوان من "الفتح".
(6) أخرجه البخاري: 297، ومسلم: 301
(7) جاء في "الفتح" (1/ 402): "فيه جواز ملامسة الحائض، وأنَّ ذاتها وثيابها على الطهارة؛ ما لم يلحق شيئاً منها نجاسة، وفيه جواز القراءة بقرب محل النجاسة؛ قاله النووي. وفيه جواز استناد المريض في صلاته إِلى الحائض إِذا كانت أثوابها طاهرة؛ قاله القرطبي".
(8) هذا العنوان من "الفتح".

(1/296)


وأنا حائض" (1).
* لا حرج من سؤر الحائض ومؤاكلتها:
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كنتُ أشرب وأنا حائض؛ ثمَّ أناوله النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فيضع فاه على موضع فيَّ فيشرب، وأتعرَّق (2) العَرْق وأنا حائض؛ ثمَّ أناوله النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فيضع فاه على موضع فيَّ" (3).
وعن عبد الله بن سعد -رضي الله عنه- قال: "سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن مؤاكلة الحائض؟ فقال: "واكِلْها" (4).
قال في "نيل الأوطار" (1/ 355): "والحديث يدلّ على جواز مواكلة الحائض.
قال الترمذي: وهو قول عامَّة أهل العلم؛ لم يَروا بمواكلة الحائض بأساً.
قال ابن سيد النَّاس في "شرحه": "وهذا أجمع النَّاس عليه، وهكذا نَقل الإِجماع محمد بن جرير الطبري".
وأمَّا قوله تعالى: {فاعتزلوا النِّساء في المحيض} (5) فالمراد: اعتزلوا
__________
(1) أخرجه البخاري: 295، ومسلم: 217
(2) العَرْق: العظم إِذا أُخِذ عنه معظم اللحم، يُقال: عَرَقْتُ العظم واعترقته وتعرَّقُته: إِذا أخذْت عنه اللحم بأسنانك. "النهاية".
(3) أخرجه مسلم: 300، وغيره، وتقدم.
(4) أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي "صحيح سنن الترمذي" (114)، وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه" (531).
(5) البقرة: 222

(1/297)


وطأهنَّ".
* الإِجهاض: سواءٌ كان قبل تخلُّق الجنين أو بعده فإِنّه يُعدُّ نفاساً، والنّفساء كالحائض، لا تصوم ولا تصلّي، ولكنَّها تقضي الصيام دون الصَّلاة (1).
* إِذا لم تر المرأة في أيامها الأخيرة من الحيض وقبل طُهرها أثراً للدّم، ولم تلحظ القصة البيضاء؛ فهي حائض ما دامت في عادتها.
* إِذا شعرت المرأة بألم العادة، ولم تَرَ دماً قبل غروب الشمس؛ فإِنَّها تُتمّ صومها وتؤدّي صلاتها، إِذ الضابط في الحُكم على الحيض رؤيتها الدّم، وكذلك إِذا لم تجزم أنَّ دمها دمُ حيض، فلا يُحكم لها بالحيض حتى تجزم.
* إذا اضطرب موعد قدوم الدورة؛ فإِنَّها تنظر إِلى لون الدَّم؛ لأنَّ دم الحيض أسود يُعرف.
* كفَّارة من أتى زوجته وهي نفساء ككفّارة من أتاها وهي حائض.
* إِذا نزلت نقاط يسيرة من الدَّم من المرأة طوال شهر، فلا شكَّ أنَّها مرَّت في عادتها من الحيض، إِذا لم تكن حاملاً، فهي أدرى بنفسها؛ فيما إِذا كانت معتادة. يعني لها عادة كل شهر، تحيضُ في الأسبوع الأول أو الثاني أو الثالث أو الرابع -فهي وهذه الحالة، تُمسِك عن الصَّلاة والصيام في الأيّام التي
__________
(1) استفدتُ هذا إلى آخر الباب من شيخنا -حفظه الله تعالى- من مجالستي له، ومن خلال بعض الاستفسارات، وذكرْتُه هكذا مُلخصاً، والأدلة والتفصيلات مبثوثة داخل الكتاب في العديد من الأبواب، فلم أُعِدها.

(1/298)


تقدِّرها أنَّها هي أيَّام الحيض، وسائر الأيام من الشهر، تصلّي وتصوم، لأنَّها مستحاضة.
* إِذا رأت المرأة دماً في أوان عادتها، ولم تَرَه في بعض الأيام؛ فإِنَّه لا يُنظر إِلى انقطاع الدَّم أو استمراره، فهي حائض ما دامت في عادتها، فالمعتادة لا تنظر إِلى استمرار الدَّم أو انقطاعه، فهي حائض وإن لم تَرَ دماً.
* الحُمرة والصُّفرة بعد أيَّام الحيض تُعدّ استحاضة.
* لا قيمة للكُدرة التي تراها المرأة إلاَّ في أيَّام الحيض، أمَّا قبل الحيض أو بعده ببضعة أيَّام فلا.
* إِذا كانت المرأة حاملاً ثمَّ أُجريت لها عمديَّة جراحية، وأُخرج الطفل دون نزول دم من المكان المعتاد، فإِنَّها لا تمضي عليها أحكام النّفاس، ولا تُعدّ نفساء.
* إِذا أُصيبت الحامل بحادث، وأجهضت الجنين، مُصاحباً ذلك نزيفاً حادّاً؛ فهي نُفَساء.

(1/299)