الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة

سجود السهو
سنّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين يسهو الإِنسان في صلاته؛ أن يسجد سجدتين جبراً لذلك.
قال في "سفر السعادة" (2) (ص 49): "مِن جملة مِنَن الحقّ تعالى ونِعمَه على الأمّة المحمّدية أنَّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسهو في الصلاة لتقتدي به في التشريع، وإذ ذاك يقول: "إِنّما أنا بشرٌ مِثلُكم؛ أنسى كما تنسَون، فإِذا نسيتُ
__________
(1) أخرجه ابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه" (1142)، والقصة بتمامها أخرجها البخاري: 4418 ومسلم: 2769
(2) نقلاً عن "الروضة الندية" (1/ 327).

(2/190)


فذكّروني" (1)

حُكمه:
سجود السهو واجب لأمر النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - به، من ذلك قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِذا شكّ أحدكم في صلاته، فليتحرّ الصواب، فليتمّ عليه ثمَّ ليُسلِّم، ثمَّ يسجد سجدتين" (2).
وهو قول جمهور العلماء (3)

كيفيته (4):
يسجد المصلّي سجدتين حين يسهو؛ قبل التسليم أو بعده، جاء في "الروضة النديّة" (1/ 327) -بحذف-: "ووجه التخيير أنّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صح عنه أنَّه سجَد قبل التسليم، وصحّ عنه أنَّه سجَد بعده، أمّا ما صحّ عنه مما يدلّ على أنَه قبل التسليم؛ فحديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه - قال: "قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِذا شكَّ أحدكم في صلاته فلم يدرِ كم صلّى؟ ثلاثاً أم أربعاً؟ فليطرح الشَّكَّ وليبنِ على ما استيقن، ثمَّ يسجد سجدتين قبل أن يُسلِّم، فإِنْ كان صلّى خمساً، شفَعْن له صلاته، وإِنْ كان صلّى إِتماماً
__________
(1) أخرجه البخاري: 401، ومسلم: 572
(2) أخرجه البخاري: 401، ومسلم: 572، وفي لفظ عند مسلم: 572، "إِذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين".
(3) انظر "الفتاوى" (23/ 28).
(4) هناك مبحث مُفصّل لشيخ الإِسلام في ذلك في "الفتاوى" (23/ 17) فارجع إِليه -إِن شئت-.

(2/191)


لأربع؛ كانتا ترغيماً للشيطان (1) "" (2). وأمّا ما صحّ عنه مما يدلّ على أنَه بعد التسليم؛ فكحديث ذي اليدين الثابت في "الصحيحين"، فإِنّ فيه صلى الله تعالى عليه وآله وسلّم سجد بعد ما سلّم". انتهى.
ولفظ الحديث الذي أشار إِليه في "الصحيحين" من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: "صلّى بنا النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظهر أو العصر، فسلَّم فقال له ذو اليدين: الصلاة يا رسول الله أنقصَت؟ فقال النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأصحابه أحقٌ ما يقول، قالوا: نعم فصلّى ركعتين أُخريين ثمَّ سجد سجدتين، قال سعدٌ ورأيت عُروة ابن الزبير صلّى من المغرب ركعتين، فسلّم وتكلّم ثمَّ صلّى ما بقيَ وسجد سجدتين، وقال هكذا فعَل النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -" (3).
ثمَّ قال بعد أن ذكَر عدداً من النصوص: "فهذه الأحاديث المصرِّحة بالسجود تارة قبل التسليم وتارة بعده، تدّل على أنَّه يجوز جميع ذلك. ولكنّه ينبغي في موارد النصوص أن يفعل كما أرشد إِليه الشارع، فيسجد قبل
__________
(1) قال في النهاية: "يقال: ... أرغم الله أنفه أي: ألصقه بالرَّغام وهو التراب، هذا هو الأصل، ثمَّ استعمل في الذّل والعَجز عن الانتصاف والانقياد على كُره".
قال النووي: "أي إِغاظة له وإِذلالاً. مأخوذ من الرَّغام وهو التراب، والمعنى أنَّ الشيطان لبَّس عليه صلاته، وتعرَّض لإِفسادها ونقْصها، فجعل الله تعالى للمصلّي طريقاً إلى جبر صلاته وتدارُكِ ما لبّسه عليه، وإرغامِ الشيطان وردِّه خاسئا مبعَدا عن مراده، وكملت صلاة ابن آدم".
(2) أخرجه مسلم: 571
(3) أخرجه البخاري: 1227، ومسلم: 573

(2/192)


التسليم فيما أرشد إِلى السجود فيه قبل التسليم، ويسجد بعد التسليم فيما أرشد فيه إِلى السجود بعد التسليم، وما عدا ذلك فهو بالخِيار والكلّ سنّة.
وقال بعد أن ذكر أقوال الأئمّة الأربعة - رحمهم الله تعالى- ولا يشكّ مُنصِف، أنَّ الأحاديث الصحيحة مصرِّحة بأنَّه كان يسجد في بعض الصلوات قبل السلام، وفي بعضها بعد السلام، فالجزم بأنّ محلّهما بعد السلام فقط طرْح لبعض الأحاديث الصحيحة، لا لموجب؛ إِلا لمجرّد مخالفتها لما قاله فلان أو فلان؛ كما أنَّ الجزم بأنّ محلّهما قبل التسليم فقط؛ طرح لبعض الأحاديث الصحيحة لمِثل ذلك ..... والحقّ عندي أنَّ الكل جائز وسنّة ثابتة، والمصلّي مُخيَّر بين أن يسجد قبل أن يسلّم، أو بعد أن يسلم، وهذا فيما كان من السهو غير موافق للسهو الذي سجد له - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل السلام أو بعده.
وأمَّا في السهو الذي سجد له - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فينبغي الاقتداء به في ذلك، وإيقاع السجود؛ في المواضع الذي أوقعه فيه صلّى الله تعالى عليه وسلّم مع الموافقة في السهو، وهي مواضع محصورة مشهورة؛ يعرفها من له اشتغال بعلم السنّة المطهّرة". انتهى.
قلت: أمَّا من لم يكن له اشتغال بالسنّة المطهرة، فله أن يسجد قبل التسليم أو بعده، وذلك من باب التيسير الذي هو سِمة هذا الدين.
وقد أفادني شيخنا -حفظه الله- جواز ذلك سواءٌ أكان ذلك قبل التسليم أو بعده. انتهى.
جاء في "شرح النووي" (5/ 56): "قال القاضي عياض -رحمه الله- وجماعة من أصحابنا: ولا خلاف بين هؤلاء المختلفين وغيرهم من العلماء

(2/193)


(بعد أن ذكر أقوالهم) أنَّه لو سجد قبل السلام أو بعده للزيادة أو النقص أنَّه يجزئه، ولا تفسد صلاته، وإِنّما اختلافهم في الأفضل".
ونقل الماوردي الإِجماع على الجواز وإِنّما الخلاف في الأفضل (1). كما في "الفتح" (3/ 94).

الأحوال التي يشرع فيها (2).
1 - إِذا سلّم قبل إِتمام الصلاة لحديث ابن سيرين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "صلّى بنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِحدى صلاتَي العَشيِّ (3)، إِمَّا الظهر وإِمَّا العصر، فسلَّمَ في ركعتين ثمَّ أتى جِذعاً (4) في قبلة المسجد فاستند إِليها مُغضَباً، وفي القوم أبو بكر وعمر، فهابا أن يتكلَّما وخرج سَرَعانُ النّاس (5) قُصِرت الصلاة، فقام ذو اليدين (6) فقال: يا رسول الله! أقُصِرت الصلاة أم نَسيت؟ فنظر النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يميناً وشمالاً، فقال: "ما يقول ذو اليدين؟ " قالوا: صدق، لم تُصلِّ إلاَّ ركعتين، فصلّى ركعتين وسلّم ثمَّ كبَّر ثمَّ سجد، ثمَّ كبّر
__________
(1) وخالف ذلك شيخ الإِسلام -رحمه الله- كما في "الفتاوى" (23/ 36) فارجع إِليه -إِن شئت-.
(2) عن "فقه السنّة" -بتصرف وزيادة- من "الفتارى" و"الروضة الندية" و"تمام المنّة".
(3) العَشيّ: ما بعد الزوال إِلى المغرب، وانظر "النهاية".
(4) في رواية للبخاري: "ثمَّ قام إِلى خشبة في مُقدَّم المسجد فوضع يده عليها".
(5) قال الحافظ في "الفتح" (3/ 100): "كأنّه جمع سريع، والمراد بهم: أوائل الناس خروجاً من المسجد، وهم أصحاب الحاجات غالباً".
(6) سمّي بذلك لطولٍ كان في يديه.

(2/194)


فرفع، ثمَّ كبَّر وسجد، ثمَّ كبّر ورفع (1) قال: وأخبرْتُ عن عمران بن حصين أنَّه قال: وسلّم".
2 - عند الزيادة على الصلاة؛ لحديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنَّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلّى الظهر خمساً، فلمّا سلّم قيل له: أزيد في الصلاة؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: صلَّيت خمساً، فسجد سجدتين (2).
3 - عند نسيان مسنون؛ لحديث ثوبان -رضي الله عنه- عن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لكلِّ سهوٍ سجدتان بعد ما يسلِّم" (3).
وبيّن الشوكاني -رحمه الله- في "السيل الجرار" (1/ 275): أنَّ السجود لترك مسنون لا يكون واجباً، لئلا يزيد الفرع على أصله، فغايته أن يكون مسنوناً كأصله. ولم يَرِد في ترْك المسنون ما يدلّ على وجوب سجود السهو له ... بل يختصّ الوجوب بما ورد الأمر به؛ كالأحاديث التي فيها "ليسجد سجدتين" وليس ذلك في ترك المسنون. انتهى.
وأشار إِلى ذلك شيخنا -حفظه الله تعالى- في "تمام المنّة" (ص 273).
4 - عند نسيان التشهّد الأوسط؛ لحديث عبد الله بن بحينة -رضي الله
__________
(1) أخرجه البخاري: 1229، ومسلم: 573، وهذا لفظه وتقدّم.
(2) انظر صحيح البخاري: 1226، وصحيح مسلم: 572، و"صحيح سنن أبي داود" (895)، و"صحيح سنن الترمذي" (321)، و"صحيح سنن ابن ماجه" (991).
(3) أخرجه أحمد وأبو داود وغيرهما، وهو حديث حسن كما أشار شيخنا -حفظه الله- إلى ذلك في "تمام المنّة" (ص 273) و"الإِرواء" (2/ 47).

(2/195)


عنه- أنَّه قال: "إِنّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قام من اثنتين من الظهر لم يجلس بينهما، فلمّا قضى صلاته؛ سجد سجدتين، ثمَّ سلّم بعد ذلك" (1).
وعن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِذا قام الإِمام في الركعتين؛ فإِنْ ذكر قبل أن يستويَ قائماً فليجلس، فإِن استوى قائماً فلا يجلس ويسجد سجدتي السهو" (2).
قال شيخنا -حفظه الله- في "الصحيحة": "وهو يدلّ على أنَّ الذي يمنع القائم من العودة إِلى التشهُّد، إِنّما هو إِذا استتمّ قائماً، فأمّا إِذا لم يستتمَّ قائماً؛ فعليه الجلوس، ففيه إِبطال القول الوارد في بعض المذاهب: إِنه إِذا كان أقرب إِلى القيام لم يرجع، وإذا كان أقرب إِلى القعود قعد؛ فإِنَّ هذا التفصيل؛ مع كونه ممَّا لا أصل له في السنَّة؛ فهو مخالف للحديث، فتشبَّثْ به، وعضَّ عليه بالنواجذ، ودع عنك آراء الرجال ... ".
وانظر للمزيد -إِن شئت- الحديث (2457) من "الصحيحة" وما ذكر شيخنا -شفاه الله وعافاه- من الفوائد.
5 - عند الشكّ في عدد الركعات أو السجدات.
عن عبد الرحمن بن عوف قال: سمعْت النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إِذا سها أحدكم
__________
(1) أخرجه البخاري: 1225، ومسلم: 570، وانظر "صحيح سنن أبي داود" (907)، و"صحيح سنن الترمذي" (320)، و"صحيح سنن ابن ماجه" (992)، و"صحيح سنن النسائي" (1196).
(2) أخرجه أحمد والدارقطني وأبو داود وغيرهم، وانظر "الصحيحة" (321) و"الإِرواء" (408).

(2/196)


في صلاته، فلم يدْر واحدة صلّى أو اثنتين، فليبْنِ على واحدة، فإِن لم يدر ثنتين صلّى أو ثلاثاً؟ فليبْن على ثنتين، وإِن لم يدر ثلاثاً صلّى أو أربعاً؟ فليبن على ثلاث، وليسجد سجدتين قبل أن يُسلّم" (1).
وعن أنس عن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إِذا شكّ أحدكم في صلاته فلم يدر اثنتين صلّى أو ثلاثاً، فليُلْقِ الشكّ، وليبن على اليقين" (2).
فإِذا شكّ المصلي أسجد سجدة واحدة أم سجدتين، بنى على الأقلّ، ثمَّ سجد سجدتي السهو.
وقد تقدّم حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إِذا شكَّ أحدكم في صلاته فلم يدْر كم صلّى؟ ثلاثاً أم أربعاً؟ فليطرح الشكّ، وليَبْنِ على ما استيقن، ثمَّ يسجدُ سجدتين قبل أن يسلّم. فإِن كان صلّى خمساً؛ شَفعن له صلاته، وإِنْ كان صلّى إِتماماً لأربع؛ كانتا ترغيماً للشيطان".
قال شيخنا -حفظه الله تعالى- في "تمام المنّة" (ص 273) - بتصرّف-: " ... قد جاء عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما يدلّ على أنَّ الحديثين المشار إِليهما ليسا على إِطلاقهما، بل هما مقيّدان بمن لم يغلب على رأيه شيء، فهذا هو الذي يبني على الأقلّ، وأمّا من ظهر له الصواب، ولو كان الأكثر، فإِنَّه يأخذ به ويبني عليه، وذلك قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِذا شَكّ أحدكم في صلاته فليتحرّ الصواب
__________
(1) أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه وغيرهم وانظر "الصحيحة" (1356).
(2) أخرجه البيهقي وسنده صحيح وانظر "الصحيحة" تحت الحديث رقم (1356).

(2/197)


(في رواية: فلينظر أحرى ذلك إِلى الصواب. وفي أخرى: فلينظر الذي يرى أنَّه الصواب. وفي أخرى: فليتحرّ أقرب ذلك من الصواب)، فليتمّ عليه، ثمَّ ليسلّم، ثمَّ يسجد سجدتين".
أخرجه الشيخان وأبو عوانة في "صحاحهم"، والرواية الثانية والثالثة لهم إلاَّ البخاري، والرابعة للنسائي، وهو عندهم من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-.
وإِنَّ قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فلينظر الذي يرى أنَّه الصواب"؛ كالصريح في الأخذ بما يغلب على رأيه، ويؤيّده قوله في حديث أبي سعيد: "فلم يَدْرِ كمْ صلّى"، فإِنَّ مفهومه أنَّ من تحرّى الصواب بعد الشكّ حتى درى كم صلّى - أنه ليس له أن يبنيَ على الأقلّ، بل حُكم هذه المسألة مسكوت عنه في هذا الحديث، وقد تولّى بيانه حديث ابن مسعود، حيث أمرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه بالأخذ بما يظنّ أنَّه أقرب إِلى الصواب، سواءٌ كان الأقلّ أو الأكثر، ثمَّ يسجد بعد التسليم سجدتين.
وأمّا في حالة الحيرة وعدم الدراية، فإِنَّه يبني على الأقلّ، ويسجد قبل التسليم، وفي هذا إِشارة إِلى اختلاف ما في الحديثين من الفقه، فتأمّل.
وبعد: فإِن هذه المسألة تحتاج كثيراً من البسط والشرح والتحقيق، ولعل ما ذكرتُه هاهنا؛ يكفي في بيان ما أردْته من إِثبات وجوب الأخذ بالظنّ الغالب إِذا وجد، وهو خلاصة رسالة كنت ألّفْتها في هذه المسألة؛ رددتُ فيها على النووي بتفصيل، وبيَّنتُ فيها معنى الشكّ المذكور في حديث أبي سعيد، ومعنى التحري الوارد في حديث ابن مسعود ... ".

(2/198)


صُوَر التحرّي:
وصور التحرّي كثيرة؛ منها:
"أن يستدلّ على ذلك بموافقة المأمومين، إِذا كان إِمامًا، وقد يتذكّر ما قرأ به في الصلاة، فيذكُر أنَّه قرأ بسورتين في ركعتين، فيعلم أنَه صلّى ركعتين لا ركعة، وقد يذكر أنَّه تشهّد التشهّد الأوّل، فيعلم أنَّه صلّى ثنتين لا واحدة، وأنَّه صلّى ثلاثاً لا اثنتين، وقد يذكُر أنَّه قرأ الفاتحة وحدها في ركعة، فيعلم أنَّه صلّى أربعاً لا ثلاثاً، وقد يذكُر أنَّه صلّى بعد التشهد الأوّل ركعتين، فيعلم أنَّه صلّى أربعًا لا ثلاثًا، واثنتين لا واحدة، وقد يذكُر أنَّه تشهَّد التشهُّد الأوّل، والشك بعده في ركعة، فيعلم أنَّه صلّى ثلاثاً لا اثنتين.
ومنها: أنَّه قد يعرض له في بعض الركعات: إِمّا من دعاء وخشوع وإمّا من سعال ونحوه، وإِمّا من غير ذلك، ما يعرف به تلك الركعة، ويعلم أنَّه قد صلّى قبلها واحدة أو اثنتين، أو ثلاثاً، فيزول الشكّ" (1).

السهو في سجود السهو:
ذكر ابن المنذر في "الأوسط" (3/ 327) عن إِسحاق إِجماع أهل العلم من التابعين أنه ليس على من سها في سجود السهو سجود سهو.
__________
(1) من "الفتاوى" (23/ 13) لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- ونقل بعضها الشيخ عبد العظيم بدوي -حفظه الله- في كتاب "الوجيز" (ص 121).

(2/199)