الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة

ما يُباح فِعله في الصلاة (1):
1 - غلبة البكاء والتأوّه والأنين، سواءٌ أكان ذلك من خشية الله أم كان لغير ذلك كالتأوه من المصائب والأوجاع ما دام عن غلبة؛ بحيث لا يمكن دفْعه:
__________
(1) عن فقه السنّة -بتصرف-.

(2/281)


لقول الله تعالى: {إِذا تتلى عليهم آيات الرَّحمن خَرُّوا سُجداً وبكيّاً} (1). والآية تشمل المصلّي وغيره.
وعن عبد الله بن الشِّخّير قال: "رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلّي وفي صدره أزيز كأزيز المرْجل (2) من البكاء" (3).
وعن علي -رضي الله عنه- قال: "ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد ابن الأسود؛ ولقد رأيتُنا وما فينا إلاَّ نائم إلاَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تحت شجرة، يصلّي ويبكي حتى أصبح" (4).
وقال عبد الله بن شداد: "سمعت نشيجَ عمر وأنا في آخر الصفوف يقرأ: {إِنّما أشكو بثّي وحُزني إلى الله} (5) " (6).
__________
(1) مريم: 58
(2) صوت القِدر إِذا غلت.
(3) أخرجه أبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما" وغيرهم وقوّى الحافظ إِسناده في "الفتح" (2/ 206)، وانظر "صحيح الترغيب والترهيب" (542).
(4) أخرجه أحمد وابن خزيمة في "صحيحه" تحت (باب الدليل على أن البكاء في الصلاة لا يقطع الصلاة مع إباحة البكاء في الصلاة) وغيرهما وانظر "صحيح الترغيب والترهيب" (543).
(5) يوسف: 86
(6) أخرجه البخاري معلّقاً بصيغة الجزم (كتاب الأذان) (باب وإذا بكى الإمام في الصلاة) وقال الحافظ في "الفتح" (2/ 206): وهذا الأثر وصله سعيد بن منصور عن ابن عيينة عن إسماعيل بن محمد بن سعد سمع عبد الله بن شداد بهذا وزاد "في صلاة الصبح" وأخرجه بن المنذر من طريق عبيد بن عمير عن عمر نحوه.

(2/282)


وعن عائشة أمّ المؤمنين " أنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في مرضه: مُروا أبا بكر يُصلّي بالناس قالت عائشة: قلت إِنَّ أبا بكر إِذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء، فمُرْ عمر فليصلِّ. فقال: مُروا أبا بكر فليصلِّ للناس. قالت عائشة لِحفصة: قولي له إنَّ أبا بكر إذا قام في مقامك لم يُسمِع الناس من البكاء. فمرْ عمر فليُصلّ للناس. ففعلت حفصة، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مه، إِنكنّ لأنتنّ صواحبُ يوسف، مروا أبا بكر فليصلّ للناس. قالت حفصة لعائشة: ما كنتُ لأُصيب منك خيراً" (1).
وفي تصميم الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على صلاة أبي بكر بالناس على هذا الحال دليل على جواز البكاء في الصلاة إِذا غلَبه ذلك.

2 - الالتفات والإِشارة المُفهمة عند الحاجة (2).
عن جابر قال: "اشتكى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصلّينا وراءه وهو قاعد، وأبو بكر يُسمع الناسَ تكبيره، فالتفَت إِلينا فرآنا قياماً، فأشار إِلينا فقعَدنا، فصلّينا بصلاته قعوداً" (3).
وعن سهل ابن الحَنْظَليَّة، قال: ثُوِّبَ بالصلاة -يعني: صلاة الصبح- فجعَل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلّي، وهو يلتفت إِلى الشِّعْب (4). قال أبو داود: وكان
__________
(1) أخرجه البخاري: 716
(2) هذا العنوان من كتاب "الوجيز" (ص 101).
(3) أخرجه مسلم: 413
(4) الشِّعْب: الطريق في الجبل.

(2/283)


أرسل فارساً إِلى الشعب من الليل يحرس" (1).
ولا ينبغي الالتفات في الصلاة لغير حاجة لحديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: سألْتُ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الالتفات في الصلاة فقال: "هو اختلاسٌ (2) يختلسه الشيطان من صلاة العبد" (3).
وعن الحارث الأشعري -رضي الله عنه- أنَّ النّبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إِنَّ الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بها ... وفيه وإِنَّ الله أمرَكم بالصلاة، فإِذا صليتم فلا تلتفتوا، فإِنّ الله يَنْصبُ (4) وجهه لوجه عبده في صلاته، ما لم يلتفت" (5).
وانظر للمزيد من الأحاديث كتاب "صحيح الترغيب والترهيب" (باب الترهيب من رفْع البصر إِلى السماء في الصلاة).
وهذا كلّه في الالتفات بالوجه أمّا الالتفات بجميع البدن والتحوّل به عن
__________
(1) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (810) وغيره وانظر "الإِرواء" (371).
(2) في "النهاية": خَلَست الشيء واختلسته إِذا سلبته، والخُلسة: ما يؤخذ سلباً ومكابرة، وجاء في "الفتح" (2/ 235): "الاختلاس: الاختطاف بسرعة، والمختلس الذي يخطف من غير غلبة ويهرب؛ ولو مع معاينة المالك له، والناهب يأخذ بقوّة، والسارق يأخذ في خفية".
(3) أخرجه البخاري: 751
(4) النَّصْب: هو إِقامة الشيء ورفعه، وانظر "النهاية".
(5) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح "صحيح سنن الترمذي" (2298)، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما" والحاكم وقال: "صحيح على شرط البخاري ومسلم"، وانظر "صحيح الترغيب والترهيب" (550).

(2/284)


القبلة؛ فهو مبطل للصلاة اتفاقاً؛ للإِخلال بواجب الاستقبال.

3 - قتْل الحيّة والعقرب والزنابير ونحو ذلك من كلّ ما يضرّ.
فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اقتلوا الأسودين في الصلاة: الحية والعقرب" (1).

4 - المشي اليسير لحاجة.
عن عائشة قالت: "كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلّي والباب عليه مُغلق، فجئت فاستفتَحْتُ، فمشى ففتحَ لي، ثمَّ رجع إِلى مصلاّه" (2) وذكر (3) أن الباب كان في القبلة.
وقال شيخنا في "الصحيحة" (6/ 485): جواز العمل اليسير الهادف في الصلاة وذكر تحته حديث رقم (2716): "كانَ يصلّي قائماً تطوعاً، والباب في القبلة مغلق عليه، فاستفتحتُ الباب، فمشى على يمينه أو شماله، ففتح الباب ثمَّ رجع إِلى مكانه".
وعن الأزرق بن قيس قال: "كنّا بالأهواز نقاتل الحروريّة، فبينا أنا على جُرُف نهر إِذا رجل يُصلي، وإذا لجامُ دابَّته بيده، فجعلتِ الدابَّة تُنازِعه، وجعل يتبعها -قال شعبة: هو أبو بَرْزَة الأسلمي- فجعل رجل من الخوارج يقول: اللهمّ افعل بهذا الشيخ فلمّا انصرف الشيخ قال: إِنّي سمعتُ قولكم
__________
(1) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (814)، والنسائي "صحيح سنن النسائي" (1147)، وانظر "المشكاة" (1004).
(2) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (815) وغيره وانظر "الإِرواء" (386).
(3) أي: الإِمام أحمد كما في "سنن أبي داود" (922) وفي "الإِرواء" (386) و"صحيح سنن الترمذي" (491) تصريح عائشة -رضي الله عنها- بذلك.

(2/285)


وإِنّي غزوتُ مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ستَّ غزوات أو سبع غزوات وثمانيًا، وشهدت تيسيره، وإِنّي إِنْ كنتُ أن أرجع مع دابّتي أحبُّ إِليَّ من أن أدَعَها ترجع إِلى مأْلَفها (1) فيشقُّ عليّ" (2).

5 - حمْل الصبيّ وتعلّقه بالمصلّي.
عن أبي قتادة الأنصاري "أنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كان يصلّي وهو حامل أُمامة بنت زينب بنت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولأبي العاص بن ربيعةَ بن عبدِ شمس، فإِذا سجدَ وضعها، وإِذا قام حملَها" (3).
وعن عبد الله بن شدّاد عن أبيه قال: "خرج علينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في إِحدى صلاتي العَشِيِّ -الظهر أو العصر (4) - وهو حامل حسَناً أو حُسَيناً، فتقدّم النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فوضَعه عند قدمه اليمنى، ثمَّ كبّر للصلاة فصلّى، فسجد بين ظهرانيْ (5) صلاتِه سجدة أطالها، قال: فرفعتُ رأسي من بين الناس، فإِذا الصبي على ظهر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو ساجد، فرجعتُ إِلى سجودي، فلمّا قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصلاة، قال الناس: يا رسول الله! إِنّك سجدتَ بين ظهرانَي صلاتك هذه سجدة أطلْتهَا؛ حتى ظننَّا أنّه حدَث أمر، أو أنَّه يوحى إِليك! قال: كلُّ
__________
(1) أي: مَعْلفها. قاله الكرماني.
(2) أخرجه البخاري: 1211
(3) أخرجه البخاري: 516، ومسلم: 543
(4) العشي: ما بعد الزوال إِلى المغرب، وقيل: العشيَّ من زوال الشمس إِلى الصباح، وقيل لصلاة المغرب والعشاء العشاءان، ولِما بين المغرب والعَتَمة؛ عشاء. "النهاية".
(5) أقام بين ظهْرَيهِم وظَهْرانَيْهِم، وأظهُرِهم: بينهم. "الوسيط"، قال في "النهاية": زيدت فيه ألف ونون مفتوحة تأكيداً.

(2/286)


ذلك لم يكن؛ ولكن ابني ارتحلني (1)، فكرهتُ أن أعجله حتى يقضيَ حاجتَه" (2).
وعن عبد الله بن مسعود قال: "كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلّي؛ فإِذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإِذا منعوهما؛ أشار إِليهم (3) أن دعُوْهُما، فلمّا قضى الصلاة وضَعَهما في حِجْره وقال: من أحبّني فليُحبَّ هذين" (4).

6 - إِلقاء السلام على المصلّي ومخاطبته وجواز الردّ بالإِشارة على مَن سلّم عليه.
فعن جابر أنَّه قال: "إِنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعثَني لحاجة، ثمَّ أدركتُه وهو يسير (قال قتيبة: يصلّي) فسلّمتُ عليه فأشار إِليّ، فلمّا فرَغَ دعاني فقال: إِنّك سلّمت آنفاً وأنا أصلّي، وهو موجِّهٌ حينئذٍ قِبلَ المشرِق" (5).
وعن صهيب أنَّه قال: "مررت برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يصلّي، فسلَّمتُ عليه، فرد إِشارةً. قال: ولا أعلمه إِلا قال: إِشارة بأصبعه" (6).
__________
(1) أي: جعلني كالراحلة فركب ظهري. "النهاية".
(2) أخرجه النسائي وابن عساكر (4/ 257/ 1 - 2) والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، وانظر "الصفة" (ص 148).
(3) وهذا من جملة الأدلّة على جواز الإِشارة المفهمة في الصلاة.
(4) أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" بإِسناد حسن وغيره، وانظر "الصفة" (148).
(5) أخرجه مسلم: 540
(6) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (818) والنسائي وغيرهما، وانظر "المشكاة" (991).

(2/287)


وعن أنس بن مالك: "أنَّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يشير في الصلاة" (1).
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلى قباء يصلّي فيه، فجاءته الأنصار، فسلّموا عليه وهو يصلّي؟ قال: فقلت لبلال: كيف رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرد عليهم حين كانوا يسلّمون عليه وهو يصلّي؟ قال: يقول هكذا، وبسط كفّه وبسط جعفر بن عون كفّه، وجعل بطنه أسفل، وجعل ظهره إِلى فوق" (2).
قال ابن المنذر في "الأوسط" (3/ 249): "الكلام في الصلاة لا يجوز، وقد سنّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنّ المصلّي يردّ السلام بالإِشارة".
وذكر عدداً من الأحاديث والآثار في ذلك.
وقد فهمت من شيخنا -حفظه الله تعالى- أنَّ ردّ السلام بالرأس أو باليد بحسب حال المسلِّم، كأنْ يأتي من الخلف ولا يرى حركة اليد؛ فيومئ له بالرأس، أو يأتي من جهة يرى فيها حركة اليد فيرد عليه باليد -والله تعالى أعلم-.

7 - التسبيح والتصفيق:
يجوز التسبيح للرجال والتصفيق للنساء إِذا عرَض أمْر من الأمور؛ كتنبيه الإِمام إذا أخطأ وكالإِذن للداخل، أو الإِرشاد للأعمى ونحو ذلك.
__________
(1) أخرجه أحمد وأبو داود "صحيح سنن أبي داود" (832)، وابن خزيمة في "صحيحه" (885).
(2) أخرجه أبو داود بسند جيد، وبقية أصحاب السنن، وانظر "الصحيحة" (185).

(2/288)


فعن سهل بن سعد -رضي الله عنه- عن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: يا أيها الناس، إِذا نابكم (1) شيء في صلاتكم أخذتم بالتصفيح (2)، إنّما التصفيح للنساء، من نابه شيءٌ في صلاته فليقل سبحان الله، فإِنّه لا يسمعه أحدٌ إلاَّ التفت" (3).
وفي رواية: " ... يا أيها الناس، ما لكم حين نابكم شيء في الصلاة أخذتم في التصفيق؟ إِنّما التصفيق للنساء، من نابه شيء في صلاته فليقل سبحان الله، فإِنّه لا يسمعه أحدٌ حين يقول سبحان الله إلاَّ التفت ... " (4).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "التسبيح للرجال والتصفيق للنساء" (5).

8 - الفتح على الإِمام:
إِذا نسي الإِمام آية يفتح عليه المؤتمّ فيذكّره.
فعن عبد الله بن عمر: "أنَّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى صلاةً فقرأ فيها، فلُبِس عليه،
__________
(1) نابه: أي: أصابه شيء يحتاج فيه إِلى إِعلام الغير. ونابكم شيء: أي: أصابكم. "عون".
وفي "اللسان": ما ينوب الإِنسان أي: ما ينزل به من المهمّات والحوادث.
(2) التصفيح: التصفيح والتصفيق واحد، وهو من ضرب صفحة الكفّ على صفحة الكفّ الآخر يعني إِذا سها الإمام نبّه المأموم، إِن كان رجلاً قال: سبحان الله، وإن كانت امرأةً ضربت كفّها عوضاً عن الكلام. "النهاية".
(3) أخرجه البخاري: 2690، ومسلم: 421
(4) أخرجه البخاري: 1234، ومسلم: 421
(5) أخرجه البخاري: 1204، ومسلم: 422

(2/289)


فلمّا انصرف قال لأبيَّ: أصلّيت معنا؟ قال: نعم قال: فما منعَك (1)؟ " (2).
وعن المسوَّر بن يزيد المالكي: "أنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ في الصلاة، فترك شيئاً لم يقرأهُ، فقال له رجل: يا رسول الله، تركْتَ آية كذا وكذا، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هلاَّ أذكرتَنِيها" (3).

أعمال أخرى مباحة في الصلاة:
ومن الأعمال المباحة في الصلاة:
1 - رجوع الإِمام القهقرى في صلاته، أو تقدُّمه بأمرٍ ينزل به (4).
فعن أنس بن مالك " أنَّ المسلمين بينا هم في الفجر يوم الاثنين، وأبو بكر -رضي الله عنه- يُصلّي بهم، ففجَأَهم النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد كشف سِتر حجرة عائشة -رضي الله عنها- فنظر إِليهم وهم صفوف، فتبسَّم يضحك، فنكص أبو بكر -رضي الله عنه- على عقِبيه، وظنّ أنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يريد أن يخرج إِلى الصلاة، وهمّ المسلمون أن يفتَتِنوا في صلاتهم فَرَحاً بالنّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين رأوه فأشار بيده أن أتمّوا، ثمَّ دخل الحُجرة وأرخى السِّتر، وتوفِّي ذلك اليوم" (5).
2 - مسْح الحصى مرة واحدة عند الحاجة لحديث معيقيب "أنَّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في الرجل يسوِّي التراب حيث يسجد قال: إِنْ كنتَ فاعلاً
__________
(1) أي: أن تفتح عليّ.
(2) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (803)، والطبراني في "الكبير".
(3) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (803).
(4) مقتبس من تبويب البخاري -رحمه الله-.
(5) أخرجه البخاري: 1205

(2/290)


فواحدة" (1).
3 - بسط الثوب في الصلاة لسجود لحديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كنّا مع النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في شدّة الحرّ، فإِذا لم يستطع أحدنا أن يُمكّن وجهه في الأرض، بسط ثوبه فسجد عليه" (2).
4 - متابعة السارق:
قال قتادة: "إِنْ أُخِذ ثوبه يتبع السارق ويدَع الصلاة" (3).
5 - غمزْ رِجل النائم ونحوه.
فعن عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: "كنتُ أنام بين يدي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورجلاي في قِبلته، فإذا سجد غمَزني (4)، فقبضتُ رجليّ، فإِذا قام بسطتُهما، قالت: والبيوت يومئذٍ ليس فيها مصابيح" (5).
6 - مقاتلة من أراد المرور بين يدي المصلّي وتقدَّم.
7 - شُغل القلب بغير أعمال الصلاة، ممّا لا يملك دفْعه:
فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِذا نُودي بالصلاة
__________
(1) أخرجه البخاري: 1207، ومسلم: 546
(2) أخرجه البخاري: 1208
(3) أخرجه البخاري معلقاً بصيغة الجزم، ووصله عبد الرزاق في مصنّفه بسند صحيح عنه، وانظر "مختصر البخاري" (1/ 286).
(4) الغمز: الكبس باليد.
(5) أخرجه البخاري: 513، ومسلم: 512

(2/291)


أدبر الشيطان وله ضراط، فإِذا قُضي أقبل، فإِذا ثُوِّبَ بها أدبر، فإِذا قُضي أقبل حتى يخطُِرَ (1) بين الإِنسان وقلبه فيقول: اذكر كذا وكذا، حتى لا يدري أثلاثاً صلّى أم أربعاً، فإِذا لم يدرِ ثلاثاً صلّى أو أربعاً؛ سجد سجدتي السهو" (2).
وعن عمر -رضي الله عنه- قال: "إِنّي لأجهّز جيشي وأنا في الصلاة" (3).

تنبيه: ينبغي للمصلّي أن يُقبل بقلبه على ربه ويصرف عنه الشواغل بالتفكير في معنى الآيات والأذكار والأدعية واستحضار الموت، ويحمل جواز العمل في الصلاة على الحاجة والضرورة، وما لا يمكن دفْعه.
فعن عمّار بن ياسر -رضي الله عنه- قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إِنَّ الرجل لينصرف وما كُتبَ له إلاَّ عُشرُ صلاته، تُسعُها، ثُمنها، سُبعها، سُدسها، خُمسها، رُبعها، ثُلثها، نصفها" (4).
وعن أبي اليَسَر -رضي الله عنه- أنَّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "منكم من يصلّي الصلاة كاملة، ومنكم من يصلّي النصف، والثلث، والربع، والخمس، حتى بلغ العُشر" (5).
__________
(1) هو بضم الطاء وكسرها، وبالكسر معناها: يوسوس، وأما بالضمّ: من السلوك والمرور أي: يدنو منه فيمر بينه وبين قلبه فيشغله عمّا هو فيه. "النووي" (4/ 92).
(2) أخرجه البخاري: 3285، ومسلم: 389
(3) أخرجه البخاري معلقاً بصيغة الجزم ووصله ابن أبي شيبة بإِسناد صحيح عنه وانظر "مختصر البخاري" (1/ 288).
(4) أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي "صحيح سنن الترمذي" (535)، وابن حبان في "صحيحه" بنحوه.
(5) أخرجه النسائي بإِسناد حسن، وانظر "صحيح الترغيب والترهيب" (536).

(2/292)


وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الصلاة ثلاثةُ أثلاث، الطُّهور ثلث، والركوع ثُلث، والسجود ثُلث، فمن أدّاها بحقِّها قُبلت منه، وقُبل منه سائر عمله، ومن رُدّت عليه صلاته، رُدَّ عليه سائر عمله" (1).
وعن زيد بن خالد الجهني -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من توضّأ فأحسن الوضوء ثمّ صلّى ركعتين، لا يسهو فيهما غُفر له ما تقدّم من ذنبه" (2).
وعن عثمان بن أبي العاص -رضي الله عنه- أنَّه أتى النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله! إِنَّ الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي، يَلْبِسُها عليّ، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ذاك شيطان يُقال له خِنْزَب فإِذا أحْسَسْتهُ فتعوّذ بالله منه، واتفُِل على يسارك ثلاثاً قال: ففعَلْت ذلك فأذهبه الله عنّي" (3).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّه سمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "قال الله تعالى: قسمتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإِذا قال العبد: الحمد لله ربّ العالمين، قال الله تعالى: حَمِدَني عبدى، وإِذا قال:
__________
(1) أخرجه البزار، وحسّنه المنذري في "الترغيب والترهيب"، وانظر "صحيح الترغيب والترهيب" (537).
(2) أخرجه أبو داود في "سننه" والحاكم في "مستدركه" وغيرهما وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي وشيخنا، وانظر "صحيح الترغيب والترهيب" (221).
(3) أخرجه مسلم: 2203

(2/293)


الرحمن الرحيم قال الله تعالى: أثنى عليّ عبدي، وإذا قال مالك يوم الدين قال: مجَّدني عبدي (وقال مرّة: فوَّضَ إِليَّ عبدي) فإِذا قال: إِيَّاك نعبد وإيّاك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل فإِذا قال: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضَّالين قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل" (1).
__________
(1) أخرجه مسلم: 395، وتقدّم.

(2/294)