الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة

الجمع بين الصلاتين
الحالات التي يجوز فيها الجمع بين الصلاتين:
يجوز للمصلّي الجمع بين الظهر والعصر، سواءٌ أكان ذلك تقديماً أم تأخيراً (1)، وبين المغرب والعشاء كذلك، وليس هنالك جمع غيره؛ وذلك في الحالات الآتية:

1 - الجمع بعرفة والمزدلفة:
فعن أبي أيوب الأنصاري: "أنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جمَع في حجَّة الوَداع المغرب والعشاء بالمزدلفة" (2).
وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- "إِذا فاتته الصلاة مع الإِمام جمَع بينهما" (3).
وعن ابن شهاب قال: "أخبرني سالم أنَّ الحجاج بن يوسف -عام نزَل بابن الزبير -رضي الله عنهما- سأل عبد الله -رضي الله عنه-: كيف تصنع في الموقف يوم عرفة؟ فقال سالم: إِن كنت تُريد السنّة فهجِّر بالصلاة يوم عرفة. فقال عبد الله بن عمر: صدق، إِنهم كانوا يجمعون بين الظهر والعصر في
__________
(1) هناك فوائد نفيسة لشيخنا -شفاه الله- في "الصحيحة" تحت الحديث (164) فارجع إِليها -إِن شئت-.
(2) أخرجه البخاري: 1674.
(3) أخرجه البخاري معلقاً مجزوماً به "كتاب الحج" (باب الجمع بين الصلاتين بعرفة).

(2/345)


السنَة. فقلت لسالم: أفَعَل ذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فقال سالم: وهل يتَّبعون بذلك إلاَّ سنّته"؟ (1).
قال شيخ الإِسلام في "الفتاوى" (26/ 168): "ومن سُنّة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنَّه جمَع بالمسلمين جميعهم بعرفة بين الظهر والعصر، وبمزدلفة بين المغرب والعشاء وكان معه خلق كثير ممّن منزله دون مسافة القصر من أهل مكة وما حولها، ولم يأمر حاضري المسجد الحرام بتفريق كلّ صلاة في وقتها، ولا أن يعتزل المكيون ونحوهم فلم يصلّوا معه العصر، وأن ينفردوا فيصلّوها في أثناء الوقت دون سائر المسلمين ... ".

2 - السفر:
عن معاذ بن جبل أنَّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان في غزوة تبوك إِذا ارتحل قبل زيغ الشمس (2) أخّر الظهر حتى يجمعها إلى العصر يصلّيها جميعاً، وإِذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلّى الظهر والعصر جميعاً ثمَّ سار، وكان إِذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصلّيها مع العشاء، وإذا ارتحل (3) بعد المغرب عجّل (4) العشاء، فصلاّها مع المغرب" (5).
__________
(1) أخرجه البخاري: 1662
(2) أي: ميلها، وذلك إِذا قام الفيء.
(3) أي: إِذا أراد أن يرتحل بعد المغرب.
(4) قبل أن يمضي في سفره.
(5) أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم، وصححه شيخنا في "الإرواء" (578) و"الصحيحة" (164)، وانظر ما ذكره شيخنا -عافاه الله وشفاه- من الفوائد =

(2/346)


وفي "صحيح سنن أبي داود" (1067): " ... وفي المغرب مِثل ذلك إِن غابت الشمس قبل أن يرتحل جمَع بين المغرب والعشاء، وإنْ يرتحِل قبل أن تغيب الشمس؛ أخّر المغرب حتى ينزل للعشاء، ثمَّ جمَع بينهما".
عن عامر بن واثلة أنَّ معاذ بن جبل أخبره " أنّهم خرجوا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عام تبوك فكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء قال: فأخّر الصلاة يوماً، ثمَّ خرج فصلّى الظهر والعصر جميعاً ثمَّ دخل، ثمَّ خرج فصلّى المغرب والعشاء جميعا" (1).
وعن ابن عباس قال: "ألا أحدّثكم عن صلاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في السفر قال قلنا بلى قال: كان إِذا زاغت الشمس في منزله جمع بين الظهر والعصر قبل أن يركب، وإِذا لم تزغ له في منزله سار حتى إِذا حانت العصر نزل، فجمع بين الظهر والعصر، وإذا حانت المغرب في منزله جمع بينها وبين العشاء، وإِذا لم تَحِن في منزله ركب حتى إِذا حانت العشاء نزل فجمع بينهما" (2).
وفي روايةٍ عند مسلم (705) وغيره: "قال سعيد (هو ابن جبير) فقلت لابن عبّاس: ما حمَله على ذلك؟ قال: أراد أن لا يُحرج أمّته".
__________
= تحت هذا الحديث، في الكتاب الأخير (1/ 314) وذكر كلاماً هاماً لشيخ الإِسلام -رحمه الله- في درجات الجمع.
(1) أخرجه مسلم: 706، وأبو داود "صحيح سنن أبي داود" (1065)، والنسائي "صحيح سنن النسائي" (512)، وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه" (877)، والدارمي، ومالك في "الموطأ"، وهذا لفظه، وانظر "الإِرواء" (3/ 30).
(2) أخرجه الشافعي وأحمد وغيرهما، وصححه شيخنا في "الإِرواء" (3/ 31)، وانظر "صحيح سنن الترمذي" (455).

(2/347)


وعن أنس بن مالك قال: "كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذا ارتحل قبل أن تَزيغ الشمس؛ أخّر الظهر إِلى وقت العصر، ثمَّ نزل فجمع بينهما، فإِن زاغت الشمسُ قبل أن يرتحل؛ صلّى الظهر ثمَّ ركب" (1).

3 - المطر:
عن ابن عباس "أنَّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلّى بالمدينة سبعاً وثمانيا؛ الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فقال أيوب: لعله في ليلة مطيرة؟ قال (2): عسى" (3).
وعنه أيضاً قال: "جمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة؛ في غير خوفٍ ولا مطر" (4).
وعن نافع مولى ابن عمر: "أنَّ عبد الله بن عمر كان إِذا جمَع الأمراء بين المغرب والعشاء في المطر؛ جمَع معهم" (5).
قال شيخنا في "الإِرواء" (3/ 40) -بتصرف يسير-: "ثمَّ روى [أي: الإِمام مالك في "الموطّأ"] عن هشام بن عروة أن أباه عروة وسعيد بن المسيب وأبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي كانوا يجمعون بين المغرب والعشاء في الليلة المطيرة؛ إِذا جمعوا بين
__________
(1) أخرجه البخاري: 1112، ومسلم: 704
(2) القائل: جابر.
(3) البخاري: 543، ومسلم: 705
(4) أخرجه مسلم: 705
(5) أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح وغيره وانظر "الصحيحة" (6/ 816)، و"الإِرواء" (583).

(2/348)


الصلاتين ولا يُنكِرون ذلك.
وعن موسى بن عقبة أنّ عمر بن عبد العزيز؛ كان يجمع بين المغرب والعشاء الآخرة إِذا كان المطر، وأنَّ سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وأبا بكر بن عبد الرحمن ومشيخة ذلك الزمان؛ كانوا يصلّون معهم ولا ينكِرون ذلك. وإِسنادهما صحيح.
وذلك يدلّ على أنَّ الجمع للمطر كان معهوداً لديهم، ويؤيده حديث ابن عباس: "من غير خوف ولا مطر" فإِنّه يُشعِر أنّ الجمع للمطر كان معروفاً في عهده صلّى الله عليه وآله وسلّم، ولو لم يكن كذلك؛ لما كان ثمّة فائدة من نفي المطر لتسويغ الجمع فتأمّل". انتهى.
وجاء في "الفتاوى" (24/ 29): "وسئل -رحمه الله- عن صلاة الجمع في المطر بين العشائين، هل يجوز من البرد الشديد؟ أو الريح الشديد؟ أم لا يجوز إلاَّ من المطر خاصة؟
فأجاب: الحمد لله رب العالمين. يجوز الجمع بين العشائين للمطر والريح الشديد الباردة، والوحل الشديد. وهذا أصح قولي العلماء، وهو ظاهر مذهب أحمد ومالك وغيرهما، والله أعلم.
وسئل -رحمه الله- عن رجل يؤم قوماً وقد وقع المطر والثلج، فأراد أن يصلّي بهم المغرب، فقالوا له: يجمع، فقال: لا أفعل، فهل للمأمومين أن يصلّوا في بيوتهم؟ أم لا؟
فأجاب: الحمد لله. نعم يجوز الجمع للوحل الشديد والريح الشديدة الباردة في الليلة الظلماء ونحو ذلك، وإِن لم يكن المطر نازلا في أصحّ قولي

(2/349)


العلماء، وذلك أولى من أن يصلّوا في بيوتهم، بل ترك الجمع مع الصلاة في البيوت بدعة مخالفة للسنّة، إِذ السُّنّة أن تصلّى الصلوات الخمس في المساجد جماعة، وذلك أولى من الصلاة في البيوت باتفاق المسلمين.
والصلاة جمعاً في المساجد أولى من الصلاة في البيوت مفرّقة باتفاق الأئمّة الذين يُجوِّزون الجمع: كمالك، والشافعي، وأحمد، والله تعالى أعلم". انتهى. وانظر للمزيد من الفائدة ما قاله ابن المنذر في "الأوسط" (2/ 430 - 434).

4 - المرض:
قال الله تعالى: {ما جَعَل عليكم في الدين مِن حَرَج} (1) فإِذا بلغ المرض حدّاً أوقع على صاحبه الحرج فله أن يجمع، وقال سبحانه: {ولا على المريض حرج} (2)، وقد يكون حاجة المريض للجمع أشدّ من حاجة من يجمع في السفر أو المطر ونحوه.
قال شيخ الإِسلام في "الفتاوى" (24/ 28) -رحمه الله-: "ويجوز عنده [أي: الإِمام أحمد] وعند مالك وطائفة من أصحاب الشافعي الجمع للمرض". انتهى.
وفي "المغني": " ... والمرض المبيح للجمع هو ما يلحقه به بتأدية كلّ صلاة في وقتها مشقّة وضعفاً" (3).
__________
(1) الحج: 78
(2) النور: 61، الفتح: 17
(3) ذكره السيد سابق -حفظه الله- في "فقه السنّة" (1/ 291).

(2/350)


وسألتُ شيخنا -شفاه الله وعافاه-: ما تقولون في جمْع المريض؟ فقال: "حسبما تقتضيه الحاجة، إِذا احتاج إِلى ذلك جمَع وإِلاَّ فلا".
وقال الإِمام النووي -رحمه الله-: "وذهب جماعة من الأئمّة إِلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة، وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك، وحكاه الخطابي عن القفال والشاشي الكبير من أصحاب الشافعي، عن أبي إِسحاق المروزي، عن جماعة من أصحاب الحديث، واختاره ابن المنذر، ويؤيده ظاهر قول ابن عباس "أراد أن لا يحرج أمّته" (1)، فلم يعلّله بمرض ولا غيره، والله أعلم.
وعن عبد الله بن شقيق قال: "خطبنا ابن عباس يوماً بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم، وجعل الناس يقولون: الصلاةَ الصلاةَ، قال: فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني (2): الصلاة الصلاة، فقال ابن عباس: أتعلّمني بالسنّة؟ لا أمّ لك، ثمَّ قال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء.
قال عبد الله بن شقيق: فحاك في صدري من ذلك شيء فأتيت أبا هريرة فسألْته فصدّق مقالته" (3).

5 - الحاجة العارضة:
__________
(1) انظر "شرح النووي" (5/ 219) ونقله الشيخ عبد العظيم في "الوجيز" (ص 141)، والشيخ السيد سابق في "فقه السنّة" (1/ 291) -حفظهما الله-.
(2) أي: لا يضعف ولا ينصرف عن ذلك.
(3) أخرجه مسلم: 705

(2/351)


عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِذا حضَر أحدكم الأمر يخشى فوته؛ فليصلّ هذه الصلاة [يعني: الجمع بين الصلاتين] " (1).
وتقدّم حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: "صلّى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظهر والعصر جميعاً بالمدينة، في غير خوف ولا سفر، "وفي رواية له "في غير خوف ولا مطر".
قال أبو الزبير: فسألت سعيداً: لمَ فعَل ذلك؟ فقال: سألت ابن عباس كما سألني فقال: "أراد أن لا يُحرِج أحداً من أمّته".
قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {هو اجتباكم وما جعلَ عليكم في الدين مِن حرَج} (2) أي: ما كلّفكم ما لا تطيقون، وما ألزمكم بشيء يشقّ عليكم؛ إلاَّ جعل الله لكم فرجاً ومخرجاً، فالصلاة التي هي أكبر أركان الإِسلام بعد الشهادتين؛ تجب في الحضر أربعاً وفي السفر تقصر إِلى ثنتين، وفي الخوف يصلّيها بعض الأئمّة ركعة، كما ورد به الحديث وتصلّى رجالاً ورُكباناً مستقبلي القبلة وغير مستقبليها وكذا في النافلة في السفر إِلى القبلة وغيرها والقيام فيها يسقط لعذر المرض، فيصلّيها المريض جالساً، فإِن لم يستطع فعلى جنبه، إِلى غير ذلك من الرخص والتخفيفات في سائر الفرائض والواجبات ... قال ابن عبّاس في قوله: {ما جعل عليكم في الدين من
__________
(1) أخرجه النسائي "صحيح سنن النسائي" (581) وغيره، وهو حديث حسن خرّجه شيخنا -حفظه الله- في "الصحيحة" برقم (1370).
(2) الحج: 78

(2/352)


حرج} أي: من ضيق بل وسّعَه عليكم ... ".
وسألت شيخنا -عافاه الله وشفاه-: "هل للطبّاخ والخبّاز أن يجمعا إِذا خشيا فساد مالهما"؟
فأجاب: "إِذا فوجئ أحدهما بذلك فلا مانع، فينبغي أن يأخذ الاستعداد اللازم له، كيلا يقع مِثل هذا الفساد؛ حتى لا يضطر للجمع".
فائدة: قال الحافظ في "الفتح" (2/ 583): "وفي حديث أنس (1) استحباب التفرقة في حال الجمع؛ بين ما إِذا كان سائراً أو نازلا، وقد استدل به على اختصاص الجمع بمن جدّ به السير، لكن وقع التصريح في حديث معاذ بن جبل في "الموطأ" ولفظه: "أنَّ النّبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخَّر الصلاة في غزوة تبوك، ثمَّ خرج فصلّى الظهر والعصر جميعا، ثمَّ دخل ثمَّ خرج فصلّى المغرب والعشاء جميعا (2) "، قال الشافعي في "الأمّ": قوله دخل ثمَّ خرج لا يكون إِلا وهو نازل، فلِلمسافر أن يجمع نازلا وسائراً.
وقال ابن عبد البر: في هذا أوضح دليل على الرد على من قال لا يجمع إلاَّ من جدّ به السير، وهو قاطع للالتباس، انتهى".
وجاء في "عون المعبود" (3/ 51): "قال الشافعي وأكثرون: يجوز الجمع بين الظهر والعصر في وقت أيتهما شاء، وبين المغرب والعشاء فى وقت أيتهما شاء ... قاله النووي".
__________
(1) المتقدّم: "كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس".
(2) وهو صحيح كما في "الإِرواء" (3/ 31)، وتقدّم قبل أحاديث ومعناه في مسلم: 704

(2/353)


وسألت شيخنا -عافاه الله وشفاه-: "هل يجمع تقديماً أو تأخيراً على ما يتيسّر له؟ فقال: قولنا على ما تقتضيه الحاجة أفضل".

هل يشترط النية والموالاة في الجمع والقصر؟
لا دليل على ذلك من باب التيسيرِ ومراعاةِ عدم إِسقاط مقصود الرخصة.
قال شيخ الإِسلام ابن تيمية (1) عن عدم اشتراط النية في الجمع والقصر: "وهو قول الجمهور من العلماء، وقال: والنّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمّا كان يصلّي بأصحابه جمعاً وقصراً لم يكن يأمر أحداً منهم بنية الجمع والقصر، بل خرج من المدينة إِلى مكة يصلّي ركعتين من غير جمع، ثمَّ صلّى بهم الظهر بعرفة، ولم يُعلِمْهم أنّه يريد أن يصلّي العصر بعدها، ثمَّ صلّى بهم العصر ولم يكونوا نووا الجمع، وهذا جمع تقديم، وكذلك لمّا خرج من المدينة صلّى بهم بذي الحليفة العصر ركعتين ولم يأمرهم بنية قصر. وأمّا الموالاة بين الصلاتين فقد قال: والصحيح أنّه لا تشترط الموالاة بحال؛ لا في وقت الأولى ولا في وقت الثانية، فإِنّه ليس لذلك حدٌّ في الشرع، ولأنّ مراعاة ذلك يُسقِط مقصود الرخصة".
__________
(1) في "الفتاوى" (24/ 50 - 54) ملتقطاً وذكره السيد سابق -حفظه الله- في "فقه السنّة" (1/ 290).

(2/354)


الصلاة في السفينة والطائرة:
عن ابن عمر قال: "سُئل النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الصلاة في السفينة، فقال: صلِّ فيها قائماً؛ إِلا أن تخاف الغرق" (1).
وينبغي الالتفات إِلى أولوية إِتمام الركوع والسجود فيهما، فإِذا خشي فوات الوقت، صلّى فيهما.
وعن عبد الله بن أبي عتبة قال: صحبتُ جابر بن عبد الله وأبا سعيد الخدري وأبا هريرة في سفينة، فصلَّوا قياماً في جماعة أمَّهم بعضهم، وهم يقدرون على الجِدّ (2) الشاطئ" (3).
__________
(1) أخرجه البزار والدارقطني وغيرهما، وصحّحه الحاكم ووافقه الذهبي، وانظر "الصفة" (79).
(2) الجِدّ: وجه الأرض أو شاطئ النهر، "الوسيط".
(3) أخرجه سعيد بن منصور، وعبد الرزاق، وابن أبي شيبة، و"البيهقي" (3/ 155)، وإسناده صحيح، وانظر "تمام المنّة" (ص 322).

(2/355)