الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة

صلاة العيدين
حكمها:
صلاة العيدين واجبةٌ لمواظبة النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليها وأمْره الرجال والنساء أن يخرجوا لها.
فعن أمّ عطيّة قالت: "أمَرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نُخرجهنّ في الفطر والأضحى: العواتق (1) والحُيّض وذواتِ الخدور (2) فأمّا الحُيَّض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، قلت يا رسول الله: إِحدانا لا يكون لها جلباب، قال: لتُلبِسْها أختها من جلبابها" (3).
وجاء في "الروضة الندية" (1/ 357) -بحذف-: "قد اختلف أهل العلم هل صلاة العيد واجبة أم لا؟ والحقّ الوجوب، لأنَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع ملازمته لها قد أمَرنا بالخروج إِليها كما في حديث أمرِه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للناس أن يغدوا إِلى مصلاهم، بعد أن أخبره الركب برؤية الهلال (4) وثبت في الصحيحين من
__________
(1) العواتق: جمع عاتق أي: شابّة أول ما أدركت فخدرت في بيت أهلها ولم تفارق أهلها إلى زوج ... وفي "الموعب" قال أبو زيد: العاتق من النساء التي بين التي قد أدركت وبين التي عنست، والعاتق التي لم تتزوج ... "عمدة القارئ" (4/ 303).
(2) وذوات الخدور: جمع خِدْر: وهو ستر يكون في ناحية البيت تقعد البكر وراءه، وقال ابن سيرين: الخِدْر: ستر يُمدّ للجارية في ناحية البيت، ثمَّ صار كلّ ما واراك من بيت ونحوه خِدْراً ... "عمدة".
(3) أخرجه البخاري: 324، 351، 971، ومسلم: 890
(4) يشير بذلك إِلى حديث أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار قالوا: =

(2/399)


حديث أم عطية [المتقدّم] قالت: ... وذكره.
قال: فالأمر بالخروج يقتضي الأمر بالصلاة لمن لا عذر لها بفحوى الخطاب، والرجال أولى من النساء بذلك.
بل ثبت الأمر القرآني بصلاة العيد كما ذكره أئمّة التفسير في قوله تعالى: {فَصَل لِرَبِّكَ وانْحر} (1) فإِنّهم قالوا: المراد صلاة العيد.
ومن الأدلّة على وجوبها أنها مسقطة للجمعة إِذا اتفقتا في يوم واحد، وما ليس بواجب لا يُسقِط ما كان واجباً".
وفيه (1/ 358): " ... وعند أبي حنيفة تجب صلاة العيد على كل من تجب عليه صلاة الجمعة ويشترط لِصلاة العيد ما يشترط للجمعة، كذا في "المسوى" (1/ 222 - 223) وغيره". انتهى.
قال شيخنا (2) -حفظه الله- في "الصحيحة": (وجوب خروج النساء إِلى مصلّى العيد)، وذلك تحت حديث رقم (2408) عن أخت عبد الله بن رواحة الأنصاري عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنَّه قال: وجب الخروج على كل ذات
__________
= "غمّ علينا هلال شوّال فأصبحنا صياماً، فجاء ركْبٌ من آخر النهار، فشهدوا عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمَر النّاس أن يفطروا من يومهم، وأن يخرجوا لعيدهم من الغد". أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (2051)، والنسائي "صحيح سنن النسائي" (1466)، وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه" (1340)، وأحمد، وغيرهم وصحّحه شيخنا -حفظه الله- في "الإِرواء" (634).
(1) الكوثر: 2
(2) وانظر ما قاله في "تمام المنّة" (ص 344)، وفيه إشارة إِلى "السيل الجرار" (1/ 315).

(2/400)


نطاق. يعني في العيدين (1).

آداب يوم العيدين
لُبْس الثياب الجميلة:
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يلبس يوم العيد بردة حمراء" (2).

الأكل قبل الخروج في الفطر دون الأضحى:
عن أنس بن مالك قال: "كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات [ويأكلهن وترا] " (3).
__________
(1) قال شيخنا حفظه الله -بحذف-: "ورجاله ثقات، رجال الشيخين، غير المرأة القيسية، فلم أعرفها. لكن يشهد للحديث حديث أم عطية مرفوعاً: "لتخرج العواتق وذوات الخدور والحيض، فيشهدن الخير ودعوة المؤمنين، ويعتزلن الحيَّض المصلّى". أخرجه البخاري، والبيهقي وروى ابن أبي شيبة (2/ 182) عن طلحة اليامي أيضاً قال: قال أبو بكر: "حقٌّ على كل ذات نطاق الخروج إِلى العيدين". ورجاله ثقات رجال الشيخين".
(2) أخرجه الطبراني في "الأوسط" وقال شيخنا: " ... وهذا إِسناد جيد"، وانظر "الصحيحة" (1279).
(3) أخرجه البخاري: 953، والترمذي "صحيح سنن الترمذي" (447)، وابن ماجه "صحيح ابن ماجه" (1421)، والزيادة عند البخاري معلّقة وصَلها ابن خزيمة والإِسماعيلي وغيرهما، وانظر "الفتح" (2/ 447)، و"مختصر البخاري" (1/ 233).

(2/401)


تأخير الأكل يوم الأضحى ليأكل من أضحيته:
عن بريدة قال: "كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يخرج يوم الفطر حتى يأكل، وكان لا يأكل يوم النحر حتى يرجع" (1).

الخروج إلى المصلّى:
تُؤدَّى صلاة العيد في المصلّى لما تقدّم من الأحاديث.

خروج النساء والصبيان:
لحديث أم عطيّة المتقدّم: "أمَرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نخرجهنّ في الفطر والأضحى: العواتق والحُيَّض وذوات الخدور ... ".
وعن ابن عبّاس قال: "خرجتُ مع النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم فِطرٍ أو أضحى، فصلّى ثمَّ خطب، ثمَّ أتى النساء فوعظهنّ وذكَرهنّ وأمرهنّ بالصدقة" (2).

مخالفة الطريق:
يُستحَبّ مخالفة الطريق يوم العيد، فيذهب في طريق ويرجع في آخر.
فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "كان النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذا كان يوم عيد خالف الطريق" (3).
وعن أبي هريرة قال: "كان النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذا خرج إِلى العيدين رجع في غير
__________
(1) أخرجه ابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه" (1422)، والترمذي "صحيح سنن الترمذي" (447)، وانظر "المشكاة" (1440).
(2) أخرجه البخاري: 975، ومسلم: 884، 886
(3) أخرجه البخاري: 986

(2/402)


الطريق الذي خرج فيه" (1)

وقت صلاة العيد:
يدخل وقت صلاة عيد الفطر عند ارتفاع الشمس (2) ويكون ذلك حين تكون الشمس على قيد رمحين، والأضحى على قيد رُمح (3).
عن عبد الله بن بسر؛ أنَّه خرج مع الناس في يوم عيد فطر أو أضحى، فأنكر إِبطاء الإِمام (4)، وقال: "إِنّا كنّا مع النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد فرغنا (5) ساعتنا هذه (6)، وذلك حين التسبيح (7) " (8).
__________
(1) أخرجه أحمد، وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه" (1301)، والترمذي، وانظر "الإِرواء" (3/ 104 - 105).
(2) انظر "الإرواء" (3/ 100).
(3) وقد وَرَد في هذا حديث مرفوع، وقال الشوكاني: هذا الحديث أحسن ما ورَد في تعيين وقت صلاة العيد، قال شيخنا -حفظه الله-: "وأقول نعم لولا أنّه لا يصحّ". وانظر "تمام المنّة" (ص 347).
(4) أي: تأخير الإِمام في الخروج إِلى المصلّى.
(5) أي: من صلاة العيد.
(6) أي: في مثل هذه الساعة زمن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(7) قال السيوطي: أي: حين يصلّي صلاة الضحى. "عون" (3/ 342).
(8) أخرجه أبو داود وغيره، وعلقه البخاري بصيغة الجزم، وصححه الحاكم والنووي والذهبي، وهو مخرج في "الإِرواء" (3/ 101)، و"صحيح أبي داود" (1005).

(2/403)


هل يؤذّن للعيدين أو يُقام؟
عن عطاء عن ابن عبّاس وجابر بن عبد الله الأنصاري قالا: لم يكن يُؤذَّن يوم الفطر ولا يوم الأضحى، ثمَّ سألته بعد حين عن ذلك، فأخبرني قال: أخبرني جابر بن عبد الله الأنصاري أنْ لا أذان للصلاة يوم الفطر حين يخرج الإِمام ولا بعد ما يخرج ولا إِقامة ولا نداء ولا شيء ولا نداء يومئذ ولا إِقامة" (1).
وعنه أنَّ ابن عباس أرسل إِلى ابن الزبير أوّل ما بُويع له؛ أنه لم يكن يؤذَّن للصلاة يوم الفطر. فلا تؤذِّن لها، قال: فلم يؤذِّن لها ابن الزبير يومه. وأرسل إِليه مع ذلك: إِنّما الخطبة بعد الصلاة. وإِنَّ ذلك قد كان يُفعل. قال: فصلّى ابن الزبير قبل الخطبة" (2).
وعن جابر بن سَمُرة؛ قال: "صلّيتُ مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العيدين غير مرّة ولا مرّتين؛ بغير أذانٍ ولا إِقامة" (3).
ولا يجوز الأذان أو الإِقامة للعيدين بحالٍ من الأحوال، وليس لأحدٍ أن يزعم ضرورة ذلك؛ لبيان وقتٍ وتنبيه ساهٍ ونحو ذلك فهذا يقتضيه حال الصحابة -رضي الله عنهم- ومع ذلك لم يفعلوه، ولم يأمُرهم النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك، فدلّ على أنّه بدعة، وبالله التوفيق.

صِفة الصلاة:
صَلاة العيد ركعتان، يكبّر فيها بعد تكبيرة الإِحرام، وقبل القراءة سبعاً،
__________
(1) أخرجه البخاري: 960، ومسلم: 886 وهذا لفظه، وتقدّم.
(2) أخرجه مسلم: 886
(3) أخرجه مسلم: 887

(2/404)


وفي الثانية قبل القراءة خمساً.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال نبيّ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "التكبير في الفطر سبعٌ في الأولى، وخمسٌ في الآخرة، والقراءة بعدهما كلتيهما" (1).
وعن عائشة -رضي الله عنها- "أنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يكبّر في الفطر والأضحى في الأولى سبع تكبيرات وفي الثانية خمساً" (2).
وورد التكبير أربعاً، فعن القاسم أبي عبد الرحمن قال: حدّثني بعض أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "صلّى بنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم عيد، فكبّر أربعاً أربعاً، ثمَّ أقبل علينا بوجهه حين انصرف قال: لا تنسوا، كتكبير الجنائز، وأشار بأصبعه، وقبض إِبهامه يعني في صلاة العيد" (3).
وعن سعيد بن العاص: "أنه سأل أبا موسى الأشعري، وحذيفة بن اليمان: كيف كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكبر في الأضحى والفطر؟
فقال أبو موسى: كان يكبر أربعاً تكبيره على الجنائز، فقال حذيفة: صدق، فقال أبو موسى: كذلك كنت أكبِّر في البصرة حيث كنت عليهم" (4).
__________
(1) أخرجه الدارقطني والبيهقي وغيرهما، وانظر "صحيح سنن أبي داود" (1020)، و"صحيح سنن ابن ماجه" (1056)، و"الإِرواء" (3/ 108).
(2) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (1018) والحاكم وغيرهما، وانظر "الإِرواء" (639).
(3) أخرجه الطحاوي في "شرح المعاني" من طريقين، وحسّنه شيخنا في "الصحيحة" (2997).
(4) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (1022) وانظر "الصحيحة" (6/ 1260).

(2/405)


قال شيخنا في "الصحيحة" (6/ 1263): والحقّ أنّ الأمر واسعٌ في تكبيرات العيدين، فمن شاء كبّر أربعاً أربعاً بناءً على هذا الحديث والآثار التي معه (1)، ومن شاء كبر سبعاً في الأولى، وخمساً في الثانية بناء على الحديث المسند الذي أشار إِليه البيهقي، وقد جاء عن جمع من الصحابة، يرتقي بمجموعها إِلى درجة الصحة، كما حققته في "إِرواء الغليل" (رقم (639).
والحقّ أنّ كلّ ذلك جائز، فبأيهما فعَل فقد أدّى السُّنة، ولا داعي للتعصب والفرقة، وإِن كان السبع والخمس أحب إِليّ لأنه أكثر". انتهى. وانظر "المحلّى" تحت المسألة (543) للمزيد من الاطلاع -إِن شئت- و"مصنف ابن أبي شيبة" (1/ 493) (في التكبير في العيدين واختلافهم فيه)، و"مصنف عبد الرزاق" (3/ 291) (باب التكبير في الصلاة يوم العيد).
والتكبير سنة لا تبطل الصلاة بتركه عمداً ولا سهواً (2)، قال ابن قدامة: "ولا أعلم فيه خلافاً"، ورجّح الشوكاني أنّه إِذا تركه سهواً لا يسجد للسهو (3).
وعن حماد بن سلمة عن إِبراهيم: "أنَّ الوليد بن عقبة دخل المسجد،
__________
(1) انظرها في "الصحيحة" تحت الرقم المشار إِليه.
(2) وسألت شيخنا -شفاه الله - عن ذلك فقال: نعم لا تبطل لأنه لا دليل أنها من الشروط أو الأركان، وإذا سها سجد وإن تعمّد أثِم.
(3) انظر "الدراري المضية" (1/ 196)، وذكر السيد سابق -حفظه الله- بعضه في "فقه السنّة" (1/ 320).

(2/406)


وابن مسعود وحذيفة وأبو موسى في عرصة المسجد (1)، فقال الوليد: إِنّ العيد قد حضر فكيف أصنع؟ فقال ابن مسعود: يقول: الله أكبر، ويحمد الله ويثني عليه ويُصلّي على النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويدعو الله، ثمَّ يكبِّر ويحمد الله ويُثني عليه، ويُصلي على النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويدعو الله، ثمَّ يكبِّر ويحمد الله ويُثني عليه، ويُصلّي على النّبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويدعو، ثمَّ يكبِّر ويحمد الله ويُثني عليه، ويُصلّي على النّبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثمَّ كَبِّر، واقرأ بفاتحة الكتاب وسورة، ثمَّ كَبِّر واركع واسجد، ثمَّ قم فاقرأ بفاتحة الكتاب وسورة، ثمَّ كَبِّر واحمد الله وأثْنِ عليه، وصلِّ على النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وادْعُ، ثمَّ كَبِّر واحمد الله، وأثْنِ عليه، وصلِّ على النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، واركع واسجد، قال: فقال حذيفة وأبو موسى: أصاب" (2).
وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال في صلاة العيد: "بين كلّ تكبيرتين حمْدٌ لله عزّ وجلّ وثناءٌ على الله" (3).
__________
(1) عرصة المسجد: ساحته.
(2) جاء في "الإرواء" (3/ 115): قال الهيثمي (2/ 205): "وإبراهيم لم يدرك واحداً من هؤلاء الصحابة وهو مرسل، ورجاله ثقات".
قلت (أي: شيخنا -حفظه الله-): وقد وصله الطبراني (3/ 38/1) من طريق ابن جريج: أخبرني عبد الكريم عن إِبراهيم النخعي عن علقمه والأسود عن ابن مسعود قال: "إِنَّ بين كلّ تكبيرتين قدر كلمة".
ووصله أيضاً المحاملي في "صلاة العيدين" (2/ 121) من طريق هشام عن حماد عن إِبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال في صلاة العيد: "بين كلّ تكبيرتين حمْدٌ لله عزّ وجلّ، وثناءٌ على الله". وهذا إِسناد جيد
(3) أخرجه البيهقي وغيره وإسناده جيد، وانظر "الإرواء" (3/ 115).

(2/407)


هل يرفع يديه مع كلّ تكبيرة؟
لم يثبت عن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنّه رفَع يديه، وقد رُوي عن عمر رفع اليدين وليس بثابت كذلك (1).
وجاء في "المحلّى" تحت المسألة (543): "ولا يرفع يديه في شيء منها إلاَّ حيث يرفع في سائر الصلوات فقط".

القراءة فيها:
يقرأ الإِمام في صلاة العيد بـ {سبح اسم ربك الأعلى}، و {هل أتاك حديث الغاشية}، أو بـ {اقتربت الساعة} و {ق والقرآن المجيد}.
فعن النعمان بن بشير، قال: "كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ في العيدين وفي الجمعة، بـ {سبح اسم ربك الأعلى}، و {هل أتاك حديث الغاشية}. قال: وإِذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد؛ يقرأ بهما أيضاً في الصلاتين" (2).
وعن سمُرة قال: كان النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ في العيدين: {سبّح اسم ربك الأعلى} و {هل أتاك حديث الغاشية} " (3).
وعن أبي واقد الليثي؛ قال: "سألني عمر بن الخطاب عمّا قرأ به رسول الله
__________
(1) انظر "تمام المنّة" (ص348)، و"الإرواء" (640).
(2) مسلم: 878
(3) أخرجه أحمد وغيره، وإسناده صحيح، وانظر "الإِرواء" (644).

(2/408)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في يوم العيد؟ فقلت: بـ {اقتربت الساعة}، و {ق والقرآن المجيد} (4).

هل يصلّي قبلها أو بعدها؟
عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنَّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج يوم الفطر، فصلّى ركعتين؛ لم يُصلِّ قبلها ولا بعدها، ومعه بلال" (1).
وقال أبو المعلّى: "سمعتُ سعيداً عن ابن عبّاس كره الصلاة قبل العيد" (2). وذكر الحافظ في "الفتح" (2/ 476): أقوال العديد من العلماء في هذه المسألة، وبيّن من يرى ذلك ممن لا يراه، ومن فرّق فيه بين الإِمام والمأموم.
وفيه: "ونقل بعض المالكية الإِجماع على أنَّ الإِمام لا يتنفّل في المصلى، وقال ابن العربي: التنفّل في المصلّى لو فُعِل لنُقل، ومن أجازه رأى أنّه وقت مطلق للصلاة، ومن تركه رأى أن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يفعله، ومن اقتدى فقد اهتدى". انتهى.

خطبة العيد بعدها:
عن ابن عباس قال: "شهدت العيد مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم- فكلّهم كانوا يصلّون قبل الخطبة" (3).
__________
(4) مسلم: 891.
(1) أخرجه البخاري: 989، ومسلم: 884
(2) أخرجه البخاري معلقاً مجزوماً به وقال الحافظ (2/ 477) ولم أقِف على أثره هذا موصولاً.
(3) أخرجه البخاري: 962، ومسلم: 884

(2/409)


وعن أبي سعيد الخدري قال: "كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخرج يوم الفطر والأضحى إِلى المصلّى، فأول شيء يبدأ به الصلاة، ثمَّ ينصرف فيقوم مقابل الناس والنّاس جلوس على صفوفهم، فيعِظُهم ويوصيهم ويأمرهم، فإِنْ كان يريد أن يقطع بعْثا قطَعه أو يأمر بشيء أمر به ثمَّ ينصرف.
قال أبو سعيد: فلم يزل الناس على ذلك، حتى خرجْتُ مع مروان وهو أمير المدينة في أضحى أو فِطر، فلمّا أتينا المصلّى إِذا منبرٌ بناه كَثِيرُ بن الصَّلْت، فإِذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلّي، فجبذت بثوبه فجبذني فارتفع فخطب قبل الصلاة، فقلت له: غيَّرتم والله فقال: أبا سعيد قد ذهب ما تعلم، فقلت: ما أعلم والله خير ممّا لا أعلم فقال: إِنَّ الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة، فجعَلْتها قبل الصلاة" (1).
وعن عبد الله بن السائب قال: "شهدت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العيد، فلمّا قضى الصلاة قال: إِنّا نخطب؛ فمن أحبّ أن يجلس للخطبة فليجلس، ومن أحبّ أن يذهب فليذهب" (2).
وعن ابن عبّاس -رضي الله عنه- قال: "إِنَّ الخطبة بعد الصلاة" (3).

هل يفتتح الخطبة بالتكبير؟
يفتتح الخطيب خطبته يوم العيد بخطبة الحاجة على الأصل، ولم يثبُت
__________
(1) أخرجه البخاري: 956، ومسلم: 889
(2) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (1024)، وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه" (1066)، وانظر "الإرواء" (629)، و"تمام المنّة" (350).
(3) أخرجه مسلم: 886

(2/410)


أن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يفتتح خطبتي العيد بالتكبير، وأشار ابن القيم إِلى هذا في "زاد المعاد" (1).

قضاء صلاة العيد:
عن أبي عمير بن أنس بن مالك قال: "حدّثني عمومتي من الأنصار من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالوا: أغمي علينا هلال شوال، فأصبحنا صياماً، فجاء ركْب من آخر النهار، فشهدوا عند النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم رسول الله أن يفطروا، وأن يخرجوا إِلى عيدهم من الغد" (2).

إِذا فاتته الصلاة مع الجماعة:
قال البخاري في "صحيحه": (باب إِذا فاته العيد يصلّي ركعتين)، وكذلك النساء ومن كان في البيوت والقرى، لقول النبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هذا عيدُنا أهل الإِسلام". وأمَر أنسُ بنُ مالك مولاهم ابن أبي عُتبة بالزاوية؛ فجمع أهله وبنيه وصلّى كصلاة أهل المصر وتكبيرهم، وقال عكرمة: أهل السواد يجتمعون في العيد، يصلّون ركعتين كما يصنع الإِمام، وقال عطاء: إِذا فاته العيد صلّى ركعتين (3).
__________
(1) وفي "سنن ابن ماجه" وإسناده ضعيف أن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يكبّر بين أضعاف الخطبة، قال شيخنا في "تمام المنّة" (ص351): "ومع أنّه لا يدل على مشروعية افتتاح خطبة العيد بالتكبير؛ فإِنَّ إِسناده ضعيف ... ".
(2) انظر "صحيح سنن ابن ماجه" (1340)، و"صحيح سنن أبي داود" (1026)، و"الإرواء" (634)، وتقدّم.
(3) وانظر "الفتح" (2/ 475) للمزيد من الفوائد الحديثية.

(2/411)


الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه (1):
عن أنس قال: "قدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنّا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر" (2).
وعن عائشة قالت: دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تُغنِّيان؛ بما تقاولت الأنصار يوم بُعاث (3)، قالت: وليستا بمغنِّيتَين. فقال أبو بكر: أمزامير الشيطان في بيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ وذلك في يوم عيد، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يا أبا بكر، إِن لكل قوم عيداً، وهذا عيدُنا" (4).
في رواية لمسلم (892): فاقدُروا (5) قدْر الجارية الحديثة السنّ حريصةً على اللهو.
وفي رواية قالت عائشة: دخل عليّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعندي جاريتان تُغنيان بغناء بُعاث، فاضطجع على الفراش وحوَّل وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني وقال: مِزمارةُ الشيطان عند النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -! فأقبَل عليه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال:
__________
(1) هذا العنوان من تبويب النووي "لصحيح مسلم".
(2) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (1004)، والنسائي "صحيح سنن النسائي" (1465)، وانظر "الصحيحة" (2021).
(3) أي: بالتغنّي بالأشعار التي قيلت في تلك الحرب.
(4) أخرجه البخاري: 952، ومسلم: 892
(5) قال بعض العلماء: "أي قدروا رغبتها في ذلك وقيسوا قياس أمرها في حداثتها وحرصها على اللهو".

(2/412)


دعهما فلمّا غفل غمزتُهما (1) فخرجتا" (2).
وفي رواية لمسلم (892): "جاء حبشٌ يزفنون (3) في يوم عيدٍ في المسجد، فدعاني النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فوضعْت رأسي على مَنكِبه فجعلتُ أنظرُ إِلى لعبهم ... ".
وعن نُبَيشْة الهُذَلي قال: "قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أيّام التشريق أيّام أكل وشرب وفي رواية: وزاد فيه وذِكرٍ لله" (4).

فضل العمل الصالح في أيّام العشر من ذي الحجّة:
عن ابن عبّاس -رضي الله عنهما- قال: "قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما من أيّام العمل الصالح فيها أحبّ إِلى الله من هذه الأيّام يعني أيّام العشر، قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله، قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلاَّ رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء" (5).
وجاء في "الإِرواء" (3/ 398): "وفي رواية للدارمي (2/ 26) بلفظ: ما من عمل أزكى عند الله عزّ وجلّ ولا أعظم أجراً من خير يعمله في عشر
__________
(1) الغمز: الإِشارة، كالرّمز بالعين أو الحاجب أو اليد. "النهاية".
(2) أخرجه البخاري: 949
(3) حمله العلماء على التوثّب بسلاحهم ولعبهم بحرابهم على قريب من هيئة الرقص.
(4) أخرجه مسلم: 1141
(5) أخرجه البخاري: 969، وأبو داود وهذا لفظه "صحيح سنن أبي داود" (2438).

(2/413)


الأضحى .... "، والباقي مثله، وزاد: "قال: وكان سعيد بن جبير إِذا دخل أيام العشر اجتهد اجتهاداً شديداً حتى ما يكاد يقدر عليه" (1).
وقال ابن عبّاس: "ويذكروا اسم الله في أيّام معلومات": أيّام العشر، والأيّام المعدودات: أيّام التشريق. رواه البخاري معلّقاً مجزوماً به، وقال الحافظ في "الفتح" (2/ 458) "لم أره موصولاً عنهما".
وقال البخاري: (باب فضل العمل في أيام التشريق)، وقال ابن عبّاس: {واذكروا الله في أيّام معلومات}، أيّام العشر، والأيّام المعدودات أيّام التشريق.

استحباب التهنئة بالعيد:
عن جبير بن نفير قال: "كان أصحاب النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبّل الله منا ومنكم" (2).

التكبير في أيام العيدين:
قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ
__________
(1) أخرجه الدارمي في "سننه" وإسناده حسن، وانظر "الإرواء " (3/ 398).
(2) أخرجه المحاملي في كتاب "صلاة العيدين"، وغيره وانظر "تمام المِنّة" (ص 354 - 356).

(2/414)


تَشْكُرُونَ} (1).
جاء في "تفسير ابن كثير": " ... ولهذا أخَذَ كثير من العلماء مشروعيّة التكبير في عيد الفِطر من هذه الآية: {ولِتُكْمِلُوا العِدَّة ولِتُكبّروا الله على ما هَدَاكُم}، حتى ذهب داود بن علي الأصبهاني الظاهري إِلى وجوبه؛ في عيد الفطر لظاهر الأمر في قوله: {ولِتكبّرُوا الله عَلى ما هَدَاكُم}، وفي مقابلته مذهب أبي حنيفة -رحمه الله- أنّه لا يشرع التكبير في عيد الفطر، والباقون على استحبابه". وهذا في عيد الفطر، والتكبير فيه من وقت الخروج إِلى الصلاة، إِلى ابتداء الخطبة.
أمّا الأضحى ففيه قوله سبحانه: {واذكروا الله في أيّام معدودات} (2).
جاء في "الإِرواء" (3/ 121): "روى ابن أبي شيبة بسند صحيح عن الزهري قال: كان الناس يكبّرون في العيد حين يخرجون من منازلهم؛ حتى يأتوا المصلّى وحتى يخرج الإِمام، فإذا خرج الإِمام سكتوا، فإِذا كبّر كبّروا".
وفيه (ص122): " ... ثمَّ روى [أي: الفريابي] بسند صحيح عن الوليد (وهو ابن مسلم) قال: سألت الأوزاعي ومالك بن أنس عن إِظهار التكبير في العيدين؟ قالا: نعم، كان عبد الله بن عمر يظهره في يوم الفطر حتى يخرج الإِمام".
وفيه (ص 123): "وقد صحّ عن الزهري مرسلاً مرفوعاً، فقال ابن أبي شيبة
__________
(1) البقرة: 185
(2) البقرة: 203

(2/415)


(2/ 1/2): حدثنا يزيد بن هارون عن ابن أبي ذئب عن الزهري: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخرج يوم الفطر فيكبّر حتى يأتي المصلّى، وحتى يقضيَ الصلاة، فإِذا قضى الصلاة قطع التكبير (1).
وهذا سند صحيح مرسلاً، ومن هذا الوجه أخرجه المحاملي (142/ 2).
وقد روي من وجه آخر عن ابن عمر مرفوعاً. أخرجه البيهقي (3/ 279) من طريق عبد الله بن عمر عن نافع عن عبد الله ابن عمر: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخرج في العيدين مع الفضل بن عباس وعبد الله والعباس وعلي وجعفر والحسن والحسين وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة وأيمن بن أم أيمن -رضي الله عنهم- رافعاً صوته بالتهليل والتكبير، فيأخذ طريق الحذائين حتى يأتي المصلّى، وإِذا فرغ رجع على الحذائين حتى يأتي منزله.
وقال شيخنا -حفظه الله- في آخر التخريج: "فالحديث صحيح عندي موقوفاً ومرفوعاً والله أعلم". انتهى.
وانظر ما جاء في "الأوسط" (4/ 249) من آثار في ذلك.
ووقته في عيد الأضحى من صبح يوم عرفة إِلى عصر آخر أيام التشريق.
قال شيخنا: صحّ هذا عن عليّ وابن عبّاس، وقد خرّجْتهما في "الإِرواء" (3/ 125)، ورواه الحاكم عن ابن مسعود. انتهى.
والذي جاء في "الإِرواء" تحت الحديث (653): "وقد صحّ عن علي -رضي الله عنه- أنَّه كان يكبّر بعد صلاة الفجر يوم عرفة؛ إِلى صلاة العصر
__________
(1) وانظر "الصحيحة" (171).

(2/416)


من آخر أيّام التشريق، ويكبّر بعد العصر".
وكان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إِلى السوق في أيّام العشر يُكبّران، ويكبّر الناس بتكبيرهما (1).
فائدة: قال شيخنا في "الصحيحة" (1/ 331): "وفي الحديث دليل على مشروعية ما جرى عليه عمل المسلمين من التكبير جهراً في الطريق إِلى المصلّى، وإِن كان كثير منهم بدؤوا يتساهلون بهذه السنّة، حتى كادت أن تصبح في خبر كان، وذلك لضعف الوازع الديني منهم، وخجلهم من الصّدع بالسُّنة والجهر بها، ومن المؤسف أن فيهم من يتولّى إِرشاد الناس وتعليمهم، فكأن الإِرشاد عندهم محصور بتعليم الناس ما يعلمون! وأمّا ما هم بأمسّ الحاجة إِلى معرفته؛ فذلك مما لا يلتفتون إِليه، بل يعتبرون البحث فيه والتذكير به قولاً وعملاً من الأمور التافهة التي لا يحسن العناية بها عملاً وتعليماً؛ فإِنا لله وإِنا إِليه راجعون.
ومما يحسن التذكير به بهذه المناسبة: أنّ الجهر بالتكبير هنا لا يُشرع فيه الاجتماع عليه بصوت واحد كما يفعله البعض، وكذلك كل ذكر يُشرع فيه رفع الصوت أو لا يُشرع؛ فلا يشرع فيه الاجتماع المذكور، ومثله الأذان من الجماعة المعروف في دمشق بـ (أذان الجوق)، وكثيراً ما يكون هذا الاجتماع سبباً لقطع الكلمة أو الجملة في مكان لا يجوز الوقوف عنده؛ مثل: "لا إِله"! في تهليل فرض الصبح والمغرب؛ كما سمعنا ذلك مراراً".
__________
(1) رواه البخاري معلّقاً بصيغة الجزم وقال الحافظ في "الفتح" (2/ 458): لم أره موصولاً عنهما ...

(2/417)


فلنكن في حذر من ذلك، ولتذكر دائماً قوله صلّى الله عليه وآله وسلم: "وخير الهدي هدي محمّد".

صيغة التكبير:
جاء في "الروضة الندية" (1/ 367): "وأمَّا صفة التكبير فأصحّ ما ورد فيه أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن سلمان قال: كبّروا، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيراً، قال في شرح "المنتقى" [3/ 116] نقلاً عن "الفتح" (3/ 116): وقد أُحدِث في هذا الزمان زيادة في ذلك لا أصل لها. انتهى.
قال الشوكاني: "والظاهر أن تكبير التشريق لا يختصّ استحبابه بعقب الصلوات، بل هو مستحبٌّ في كلّ وقت من تلك الأيام، كما تدلّ على ذلك الآثار".
وجاء قبله (1/ 366): " ... ولم يثبت تعيين لفظ مخصوص ولا وقت مخصوص ولا عدد مخصوص، بل المشروع الاستكثار منه دبر الصلوات وسائر الأوقات، فما جرت عليه عادة الناس اليوم استناداً إِلى بعض الكتب الفقهية مِن جعله عقب كل صلاة فريضة ثلاث مرات، وعقب كل صلاة نافلة مرة واحدة، وقصر المشروعية على ذلك فحسب، ليس عليه أثارة من علم فيما أعلم، وأصحّ ما ورد فيه عن الصحابة أنّه من صبح يوم عرفة إِلى آخر أيام منى".

(2/418)