الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة

الأيّام المنهي عن صيامها
1 - يوما العيدين
عن أبي عبيد قال: "شهدتُ العيد مع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال: هذان يومان نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صيامهما: يوم فِطركم من صيامكم، واليوم الآخر تأكلون فيه من نُسُكِكُم (2) " (3).
قال في "الروضة النديّة" (1/ 566): "وقد أجمع المسلمون على ذلك".

2 - أيّام التشريق (4)
عن سالم عن ابن عمر -رضي الله عنهم- قالا: "لم يُرخَّصْ أيّام التشريق
__________
(1) الرُّعاع: جمع رُعاعة [رَعاعة]، وهو من لا قلب له ولا عقل. وانظر "الوسيط"، وفيه: "الرُّعاع من الناس: الغوغاء". وفي "اللسان": "الغوغاء: الجراد حين يخفّ للطيران، ثمّ استعير للسّفَلَة من الناس والمتسرّعين إِلى الشرّ".
(2) أي: أضاحيكم.
(3) أخرجه البخاري: 1990، ومسلم: 1137.
(4) جاء في "النهاية": هي ثلاثة أيّام تلي عيد النحر، سُمّيت بذلك من تشريق اللحم، وهو تقديده وبسْطه في الشمس ليجفّ، لأنّ لحوم الأضاحي؛ كانت تشرق فيها بمِنى، وقيل: سميت به لأن الهَدْي والضحايا لا تُنحر حتى تشرق الشمس: أي: تطلع".

(3/234)


أن يُصَمْن إِلا لمن لم يجد الهَدي" (1).
وعن أبي مرّة مولى أمّ هانئ "أنه دخل مع عبد الله بن عمرو على أبيه عمرو بن العاص فقرّب إِليهما طعاماً، فقال: كل، فقال: إِنّي صائم، فقال عمرو: كُلْ؛ فهذه الأيّام التي كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمرنا بإِفطارها، وينهانا عن صيامها.
قال مالك: وهي أيّام التشريق" (2).

3 - يوم الجمعة منفرداً
عن جويرية بنت الحارث -رضي الله عنها- أنَّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخَل عليها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال: أصمتِ أمس؟ قالت: لا، قال: تريدين أن تصومي غداً؟ قالت: لا، قال: فأفطري" (3).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعْت النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لا يصوم أحدكم يوم الجمعة إلاَّ يوماً قبله أو بعده" (4).
وعنه -رضي الله عنه- عن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تختصوا ليلة الجمعة بقيامٍ مِن بين الليالي، ولا تخصّوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيّام؛ إِلا أن يكون في صومٍ يصومه أحدكم" (5).
__________
(1) أخرجه البخاري: 1997، 1998.
(2) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (2113).
(3) أخرجه البخاري: 1986.
(4) أخرجه البخاري: 1985، ومسلم: 1144.
(5) أخرجه مسلم: 1144.

(3/235)


عن قيس بن سكن قال: "مرّ ناسٌ من أصحاب عبد الله على أبي ذرّ يوم جمعة وهم صيام، فقال: أقسمتُ عليكم لتُفطرنّ، فإِنه يوم عيد" (1).

4 - يوم السبت في غير الفرض
عن الصمّاء -رضي الله عنها- أنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تصوموا يوم السبت؛ إِلا فيما افترض عليكم، وإن لم يجد أحدكم إِلا لحاء (2) عنبة أو عود شجرة فليمضغه (3) " (4).
قال الإِمام الطحاوي -رحمه الله- بعد أن روى حديث عبد الله بن بسر السابق: " ... فذهَب قومٌ إِلى هذا الحديث؛ فكرِهوا صوم يوم السبت تطوُّعاً، وخالَفهم في ذلك آخرون؛ فلم يروا بصومه بأساً ... " (5).
وملخّص أقوال العلماء الذين أجازوا صيام السبت لغير فريضة (6)، يدور
__________
(1) أخرجه ابن أبي شيبة، وقال شيخنا -رحمه الله- في "الإِرواء" (959): وإسناده صحيح.
(2) أراد قِشر العنبة؛ استعارهَ من قشر العود. "النهاية".
(3) مضَغه: لاكه بأسنانه، وهذا تأكيد لنفي الصوم. "عون المعبود" (7/ 49).
(4) أخرجه الترمذي وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه" (1403) والحاكم وغيرهم، وصححه شيخنا -رحمه الله- في "الإِرواء" (960)، و"تمام المِنة" (405).
(5) "شرح معاني الآثار" (2/ 80) وأشار إِليه شيخنا -رحمه الله- في "الإِرواء" (4/ 125) (التحقيق الثاني) إِلى نسخته (1/ 339).
(6) وكانت أقوالهم -رحمهم الله تعالى- مختلفة لا مؤتلفة -والاختلاف في ماهية الشيء يدلّ على وهْنه وضعْفه كما لا يخفى-.

(3/236)


حول تضعيف الحديث السابق أو القول بشذوذه، أو نسخه، أو جواز صيامه مقروناً بغيره (1).
أمّا من جهة درجة الحديث؛ فقد قال بثبوته جمْع من العلماء، فقد حسّنه الترمذي وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري وأقرّه الذهبي، وصححه ابن خزيمة وابن حبّان، وانظر طرقه في "تلخيص الحبير" للحافظ ابن حجر (2/ 822). و"الإِرواء" (2) (960).
"أمّا دعوى الشذوذ، فهي إِمّا إِسنادية أو متنية، فمن حيث الإِسناد، فالحديث صحيح دونما ريب.
أمّا من حيث المتن، فلم ترِد هذه الدعوى على أصحابها إِلا بعد تعذُّر الجمع والتوفيق عندهم، ولا يُلْجَأُ إِلى ادّعاء الشذوذ بمجرد هذا التعذُّر.
وليس التعريف العلمي الاصطلاحي للشذوذ منطبقاً على هذا النوع من مظنّة التعارض، كما لا يخفى" (3). انتهى.
أمّا دعوى النسخ؛ فإِنَّ النسخ لا يبطل بالاحتمال.
وأمّا جواز صيامه مقروناً مع غيره:
__________
(1) وقد أُلِّفت في ذلك بعض الرسائل منها: "القول الثبت في صوم يوم السبت" لفضيلة الشيخ محمّد الحمود النجدي -حفظه الله تعالى-.
(2) وانظر كذلك تخريج الشيخ علي الحلبي -حفظه الله- للحديث في كتابه "زهر الروض في حُكم صيام يوم السبت في غير الفرض".
(3) "زهر الروض" (ص 72).

(3/237)


فليس هنالك ما يشير من الأدلة على ذلك إِذ الاستثناء بيّن ... "إِلا فيما افتُرض عليكم".
أوما كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قادراً أن يقول: "لا تصوموا يوم السبت مفرداً ... ". أو: "لا تصوموا السبت إِلا مقروناً مع غيره"؟!
جاء في "تمام المِنّة" (ص 406): "وتأويل الحديث بالنهي عن صوم السبت مفرداً يأباه قوله: "إِلا فيما افُترض عليكم"، فإِنه كما قال ابن القيم - رحمه الله- في "تهذيب السنن": "دليل على المنع من صومه؛ في غير الفرض مفرداً أو مضافاً؛ لأنّ الاستثناء دليل التناول، وهو يقتضي أنّ النّهي عنه يتناول كل صور صومه إِلا صورة الفرض.
ولو كان إِنما يتناول صورة الإِفراد لقال: لا تصوموا يوم السبت إِلا أن تصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده، كما قال في الجمعهَ، فلمّا خصّ الصورة المأذون فيها صومها بالفريضة؛ علم تناول النهي لما قابلها".
قلت [أي: شيخنا -رحمه الله-]: وأيضاً لو كانت صورة الاقتران غير منهي عنها؛ لكان استثناؤها في الحديث أولى من استثناء الفرض؛ لأنّ شبهة شمول الحديث له أبعد من شموله لصورة الاقتران، فإِذا استثنا الفرض وحده؛ دلّ على عدم استثناء غيره؛ كما لا يخفى ... " انتهى.
ولنا أن نقول: إِنّ من قال بجواز صيام السبت مقروناً مع غيره في النافلة؛ قد سوَّى بين الجمعة والسبت، وأنّى له هذا؟!
وكأنّ لسان حاله يقول: لو قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تصوموا يوم الجمعة إِلا فيما افترض عليكم" لأغنى عن كلّ نصوص الجمعة، ومعاذ الله من ذلك.

(3/238)


ثمَّ إِنّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في الجمعة ما لم يَقُل في السبت، فممّا قاله في الجمعة -كما تقدّم-: "إِلا أن يكون في صومٍ؛ يصومه أحدكم (1) ".
وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صيام يوم الشكّ: " ... إِلا أن يكون رجل كان يصوم صومه؛ فليصم ذلك اليوم" (2)،
فلو جاز صيام السبت لغير فريضة؛ لجاءت الاستثناءات كما جاءت في الجمعة ويوم الشكّ والنصف من شعبان؛ لمن اعتاد الصيام، والله -تعالى- أعلم.
لذلك أرى أنّ النصوص كانت على أصناف ثلاثة:
1 - صنف يفيد جواز صيام السبت مطلقاً، كما في حديث جويرية -رضي الله عنها- المتقدّم: "أنّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخَل عليها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال: أصمتِ أمس؟ قالت: لا، قال: تريدين أن تصومي غداً؟ قالت: لا، قال: فأفطري".
وكحديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أحبُّ الصيام إِلى الله صيام داود؛ كان يصوم يوماً ويُفطر يوماً ... " (3).
وهذا يفيد صيام يوم السبت مفرداً لغير فريضة؛ لمن صام صيام داود -عليه السلام-. إِلى غير ذلك من النصوص.
__________
(1) وانظر -إِن شئت- "الصحيحة" المجلد الثاني استدراك (16).
(2) أخرجه البخاري: 1914، ومسلم: 1082، وسيأتي إِن شاء الله تعالى.
(3) أخرجه البخاري: 3420، ومسلم: 1159.

(3/239)


2 - صنف يفيد استواء الطرفين، لا له ولا عليه؛ كما في حديث: عبيد الأعرج قال: "حدَّثتني جدتي أنها دخلت على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يتغدّى، وذلك يوم السبت، فقال: تعالي فكلي، فقالت: إِني صائمة، فقال لها: صمتِ أمس؟ فقالت: لا، فقال: فكلي؛ فإِنّ صيام يوم السبت لا لك ولا عليك" (1).
3 - صنف ثالث يفيد تحريم صيام يوم السبت إِلا لفريضة وقد مضى في أوّل الكلام في موضوعنا؛ من حديث الصمَّاء -رضي الله عنها-.

فكيف يكون التعامل مع هذه النصوص؟
إِنَّ من لم يصم السبت لغير فريضة؛ لم يُعارض هذه النصوص أبداً، وهذا يتمشّى مع القاعدة المعروفة "الحاظر مقدّم على المبيح" (2).
جاء في كتاب "الاعتبار" للعلاّمة الحازمي -رحمه الله- (ص 39) إِشارة إِلى أنه في غير السبت: " ... ولأنّ الإِثم حاصل في فِعل المحظور، ولا إِثم في ترْك المباح، فكان الترك أولى".
وقال -رحمه الله- (ص 35): في وجوه الترجيح: " ... أن يكون أحد الحديثين قولاً والآخر فِعلاً، فالقول أبلغ في البيان؛ ولأنّ النّاس لم يختلفوا في كون قوله حُجّة، واختلفوا في اتباع فِعله، ولأنّ الفِعل لا يدلّ لنفسه على شيء؛ بخلاف القول فيكون أقوى".
__________
(1) أخرجه أحمد وغيره، وانظر "الصحيحة" (225).
(2) قاعدة "الحاظر مقدّم على المبيح"، و"القول مقدّم على الفعل" عند التعارض ممّا يذكره شيخنا -رحمه الله- في موضوع صيام السبت لغير الفريضة، وتحريم الشرب قائماً لغير ضرورة.

(3/240)


ويكون قد نجا من عمل بلا ثواب ولا عقاب "لا لك ولا عليك".
وقال شيخنا -رحمه الله- بعد حديث: "لا تصوموا يوم السبت ... ".
والحديث ظاهره النّهي عن صوم السبت مطلقاً إِلا في الفرض، وقد ذهب إِليه قومٌ من أهل العلم كما حكاه الطحاوي، وهو صريحٌ في النهي عن صومه مفرداً، ولا أرى فرقاً بين صومه -ولو صادف يوم عرفة أو غيره من الأيّام المفضَّلة- وبين صوم يوم من أيّام العيد إِذا صادف يوم الاثنين أو الخميس؛ لعموم النهي، وهذا قول الجمهور فيما يتعلّق بالعيد؛ كما في "المحلّى" (7/ 27).
وقال الشيخ محمود مهدي إِستنبولي -رحمه الله- في كتابه "صوم رمضان" (ص 49): "قلت: والحديث صريح في النهي القطعيِّ عن صومه، ولم يُشِر إِلى كونه منفرداً أو مخصوصاً، فالحمل للحديث على ظاهره هو الأصل. والله أعلم".
ويذكّرنا شيخنا -رحمه الله- بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِنّك لن تدَع شيئاً لله عز وجلّ إلاَّ بدّلك الله به ما هو خيرٌ لك منه" (1) فلا يحزنك أنّك لم تصم عرفة أو عاشوراء إِذا وافق السبت؛ لهذا الحديث.
ويحضرني في هذا المقام ما قاله البخاري -رحمه الله- في "صحيحه" "ما يُذكَر في الفخِذ ... وقال أنس: حسر النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن فَخِذه (2)، وحديث
__________
(1) أخرجه وكيع في "الزهد" وعنه أحمد وغيره، وسنده صحيح على شرط مسلم، وانظر "الضعيفة" تحت رقم (5).
(2) أخرجه البخاري معلقاً وموصولاً: 371، وانظر "الفتح" (1/ 478) -إِن شئت - للمزيد من الفائدة، وانظر أيضاً "صحيح مسلم" (2401).

(3/241)


أنس أسند، وحديث جَرهد (1) أحوط، حتى يُخرَج من اختلافهم". انظر "الفتح" (1/ 478).
وفي المسألة تفصيل أكثر، أكتفي بما ذكرتُ والله -تعالى- أعلم.
ولا ينبغي أن تؤدّي هذه المسائل إِلى التدابر والتباغض والولاء والبراء!
قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (14/ 376) -بعد ذِكْر مسألةٍ يرى فيها أنّ أحد الأئمة الأعلام قد أخطأ في اجتهاده-: "ولو أنَّ كلَّ مَن أخطأ في اجتهاده -مع صحة إِيمانه، وتوخّيه لاتّباع الحق- أهدرناه، وبدَّعْناه، لقلَّ من يَسْلَم من الأئمّة معنا. رحم الله الجميع بمنّه وكرَمه".

5 - يوم الشكّ
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يتقدّمَنّ أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين؛ إلاَّ أن يكون رجل كان يصوم، فليصم ذلك اليوم" (2).
وعن عمّار بن ياسر -رضي الله عنه- قال: "من صام اليوم الذي يُشَكُّ فيه؛ فقد عصى أبا القاسم" (3).
__________
(1) قال شيخنا في "مختصر البخاري" (1/ 107): "وصله مالك والترمذي وحسّنه، وصححه ابن حبّان".
(2) أخرجه البخاري: 1914، ومسلم: 1082
(3) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (2046)، والترمذي، وغيرهما، وانظر "الإِرواء" (961).

(3/242)


6 - صوم الدهر
عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال لي النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِنّك لتصوم الدّهر وتقوم الليل، فقلت: نعم، قال: إِنك إِذا فعلْتَ ذلك هَجَمَت (1) له العين ونَفِهَتْ (2) له النفس، لا صام مَن صام الدّهر، صوم ثلاثة أيّام صوم الدهر كلِّه.
قلت: فإِنّي أطيق أكثر من ذلك، قال: فصم صوم داود -عليه السلام-: كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، ولا يَفِرُّ إِذا لاقى" (3).
وعن أبي قتادة -رجل (4) أتى النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: كيف تصوم؟ فغضب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلمّا رأى عمر -رضي الله عنه- غضبه قال: رضينا بالله رباً ... وذكَر الحديث إِلى أن قال عمر -رضي الله عنه-: "يا رسول الله! كيف بمن يصوم الدّهر كلّه قال: "لا صام (5) ولا أفطر (6) أو قال: لم يصُم ولم يُفطر" (7).
__________
(1) أي: غارت ودخَلَت في موضعها، ومنه الهجوم على القوم: الدخول عليهم. "النهاية".
(2) أي: أعْيَت وكَلّت. "الفتح".
(3) أخرجه البخاري: 1979، ومسلم: 1159.
(4) في بعض النسخ أنّ رجُلاً أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(5) أي: ليس له أجر الصائم لأنه لا يشرع.
(6) لأنه منَع عن نفسه الطعام، فليس حاله حال المفطرين.
(7) أخرجه مسلم: 1161.

(3/243)


وردّاً على قول الشيخ السيد سابق -رحمه الله- في "فقه السنة" (1/ 448): "فإِن أفطَر يومي العيد وأيّام التشريق وصام بقيّة الأيّام؛ انتفت الكراهة".
قال شيخنا -رحمه الله- في "تمام المِنّة" (ص 408): "هذا التأويل خلاف ظاهر الحديث: "لا صام من صام الأبد"، وقوله: "لا صام ولا أفطَر".
وقد بيَّن ذلك العلاّمة ابن القيّم في "زاد المعاد" بما يزيل كلّ شبهة، فقال -رحمه الله-: "وليس مراده بهذا من صام الأيّام المحرَّمة ... ".
وذكَر نحوه الحافظ -رحمه الله- في "الفتح" (4/ 180) ".
وجاء في "تمام المِنّة" كذلك (ص 409): "ثمّ قوله (1) أيضاً: "والأفضل أن يصوم يوماً ويفطر يوماً؛ فإِنّ ذلك أحبّ الصيام إِلى الله".
قلت: فهذا من الأدلة على كراهة صوم الدهر مع استثناء الأيّام المحرّمة، إِذ لو كان صوم الدهر هذا مشروعاً أو مستحبّاً؛ لكان أكثر عملاً، فيكون أفضل، إِذ العبادة لا تكون إِلا راجحة، فلو كان عبادة لم يكن مرجوحاً؛ كما تقدّم (2) عن ابن القيّم".

7 - صيام المرأة وزوجها حاضر إِلاَّ بإِذنه
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تصوم المرأة
__________
(1) أي: الشيخ السيد سابق -رحمه الله- في "فقه السُّنّة" (1/ 448).
(2) (ص 408) من الكتاب.

(3/244)


وبعلها شاهد (1) إِلا بإذنه" (2).
وفي رواية: "لا تصوم المرأة يوماً تطوُّعاً في غير رمضان وزوجها شاهد إِلا بإِذنه" (3).
قال شيخنا -رحمه الله- في "الصحيحة" (1/ 752): "وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أتمّ منه، وفيه بيان سبب وروده، مع فوائد أخرى ينبغي الاطلاع عليها، وهذا نصّه:
قال [أبو هريرة]-رضي الله عنه-: جاءت امرأة إِلى النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونحن
عنده، فقالت: يا رسول الله! إِنّ زوجي صفوان بن المعطل يضربني إِذا صلّيت، ويُفطّرني إِذا صُمتُ، ولا يصلِّي صلاة الفجر حتى تطلع الشمس - قال: وصفوان عنده-.
قال: فسأله عمّا قالت، فقال: يا رسول الله! أمّا قولها: "يضربني إِذا صلّيت"؛ فإِنها تقرأ بسورتين [فتعطّلني]، وقد نهيتها [عنهما]. قال: فقال: "لو كانت سورة واحدة؛ لكفت الناس".
وأمّا قولها: "يُفطّرني"؛ فإِنها تنطلق فتصوم، وأنا رجل شابٌّ؛ فلا أصبر، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تصوم المرأة إِلا بإِذن زوجها".
__________
(1) أي: حاضر.
(2) أخرجه البخاري: 5192، ومسلم: 1026.
(3) أخرجه الدارمي في "سننه" وإسناده صحيح على شرط مسلم وأبو داود "صحيح سنن أبي داود" (2146)، وانظر "الصحيحة" (395) و"صحيح الترغيب والترهيب" (1039).

(3/245)


وأمّا قولها: "إِني لا أُصلّي حتى تطلع الشمس"؛ فإِنّا أهل بيت؛ قد عُرف لنا ذاك، لا نكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس. قال: "فإِذا استيقظتَ فصلِّ".
أخرجه أبو داود والسياق له، وابن حِبّان، والحاكم، وأحمد بإِسناد صحيح على شرط الشيخين ... ".
جاء في "الفتح" (9/ 296) -بعد حمْل هذا على التحريم-: "قال النووي في "شرح مسلم": وسبب هذا التحريم؛ أنّ للزوج حقَّ الاستمتاع بها في كل وقت، وحقّه واجب على الفور فلا يفوته بالتطوع، ولا بواجب على التراخي، وإِنّما لم يجُز لها الصوم بغير إِذنه.
وإذا أراد الاستمتاع بها جاز ويفسد صومها لأن العادة أنّ المسلم يهاب انتهاك الصوم بالإِفساد، ولا شكّ أنّ الأَولى له خلاف ذلك؛ إِن لم يثبت دليل كراهته.
نعم لو كان مسافراً فمفهوم الحديث في تقييده بالشاهد؛ يقتضي جواز التطوع لها إِذا كان زوجها مسافراً، فلو صامت وقَدِم في أثناء الصيام؛ فله إِفساد صومها ذلك من غير كراهة.
وفي معنى الغَيْبَة أن يكون مريضاً بحيث لا يستطيع الجماع (1).
وحمل المهلَّب النهي المذكور على التنزيه فقال: هو من حسن المعاشرة، ولها أن تفعل من غير الفرائض بغير إِذنه ما لا يضرّه ولا يمنعه من واجباته، وليس له أن يُبطل شيئاً من طاعة الله إِذا دخلت فيه بغير إِذنه اهـ. وهو
__________
(1) ولكن إِذا رأى قصوراً منها في خدمة الأبناء فله منْعها؛ لأنّ له القوامة في ذلك كما لا يخفى. والله أعلم.

(3/246)


خلاف الظاهر.
وفي الحديث أنّ حق الزوج آكد على المرأة من التطوع بالخير، لأنّ حقّه الواجب والقيام بالواجب مُقدَّم على القيام بالتطوع (1).

8 - النصف الثاني من شعبان، إلاَّ لمن كان له صوم يصومه.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِذا انتصف شعبان فلا تصوموا" (2).
وعنه أيضاً عن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يتقدّمن أحدكم رمضان بصوم يومٍ أو يومين؛ إِلا أن يكون (3) رجلٌ كان يصوم صومه، فليصم ذلك اليوم" (4).

الوصال (5) في الصوم
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إِيّاكم والوصال، مرّتين، قيل: إِنّك تواصل، قال: إِني أَبيتُ يطعمني ربي ويَسقين، فاكلَفوا (6)
__________
(1) انظر -إِن شئت- تعليق شيخنا -رحمه الله- على هذا في "آداب الزفاف" (ص 176).
(2) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (2049) والترمذي وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه" (1339)، وغيرهم، وانظر "المشكاة" (1974).
(3) فال الحافظ -رحمه الله- كان تامّة أي: إِلا أن يوجد رجل.
(4) أخرجه البخاري: 1914، ومسلم: 1082، وتقدّم.