الموسوعة
الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة صيام التطوّع
1 - الاثنين والخميس
عن أبي قتادة -رضي الله عنه-: "أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - سئل عن صوم يوم الاثنين؟ قال: ذاك يوم وُلدت فيه، ويوم بُعثت
-أو أُنزل عليّ فيه-".
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: "تُعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فأُحبّ أن يُعرض
عملي وأنا صائم" (1).
وعن أبي هريرة أيضاً أنّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
كان يصوم الاثنين والخميس، فقيل: يا رسول الله! إِنك تصوم الاثنين والخميس؟
فقال: "إِنَّ يوم الاثنين والخميس يَغفر الله فيهما لكل مسلم، إِلا
مُهتجرين، يقول: دعهما حتى يصطلحا" (2).
2 - صيام يوم (3) وفطر يوم
عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: أخبر رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنّي أقول: والله لأصومنَّ النّهار ولأقومنَّ
الليل ما عشت، فقلت له: قد قُلتُه بأبي
__________
(1) أخرجه الترمذي وغيره، وصححه شيخنا -رحمه الله- في "صحيح الترغيب
والترهيب" (1027)، وانظر "صحيح الترغيب والترهيب" أيضاً (1029).
(2) أخرجه ابن ماجه وغيره، وانظر "صحيح الترغيب والترهيب" (1028) و"تمام
المِنّة" (ص 413).
(3) إِلا إِذا وافَق يوماً ورَد النّص بتحريمه.
(3/249)
أنت وأمّي.
قال: فإِنّك لا تستطيع ذلك، فصم وأفطر، وقم ونم، وصم من الشهر ثلاثة أيّام
فإِنَّ الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدّهر.
قلت: إِني أُطيق أفضل من ذلك، قال: فصم يوماً وأفطِر يومين، قلت: إِنّي
أطيق أفضل من ذلك.
قال: فصم يوماً وأفطِر يوماً، فذلك صيام داود عليه السلام، وهو أفضل
الصيام، فقلت: إِنّي أطيق أفضل من ذلك، فقال النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا أفضل من ذلك" (1).
وعنه -رضي الله عنهما- أيضاً قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: "إِنَّ أحبّ الصيام إِلى الله صيام داود، وأحبّ الصلاة إِلى
الله صلاة داود -عليه السلام- كان ينام نصف الليل، ويقوم ثُلُثه، وينام
سُدُسه، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً" (2).
3 - ثلاثة أيّام من كل شهر (3)
وقد تقدم في ذلك حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- وفيه: "وصم من
الشهر ثلاثة أيّام فإِنّ الحسنة بعَشر أمثالها، وذلك مِثل صيام الدهر ...
".
__________
(1) أخرجه البخاري: 1976، ومسلم: 1159.
(2) أخرجه البخاري: 1131، ومسلم: 1159.
(3) انظر -إِن شئت- ما قاله في "الروضة الندية" (1/ 560) تحت عنوان (وأيّام
البيض).
(3/250)
وعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِذا صمت من الشهر ثلاثاً
فصم ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة" (1).
وفي رواية: "فأنزَل الله تصديق ذلك في كتابه {مَن جاء بالحسنة فله عشْر
أمثالها}، فاليوم بعشرة أيّام" (2).
وقال ابن خزيمة -رحمه الله- في "صحيحه" (3/ 302): (باب استحباب صيام هذه
الأيّام الثلاثة من كل شهر أيّام البيض منها)، ثمّ ذكَر حديثين، منهما:
حديث أبي ذر -رضي الله عنه-.
وقال (ص 303): "باب إِباحة صوم هذه الأيّام الثلاثة من كلّ شهر أوّل الشهر؛
مبادرة يصومها خوف أن لا يدرك المرء صومها أيّام البيض".
ثمّ روى بإِسناده إِلى النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"أنّه كان يصوم ثلاثة أيّام من غرّة كلّ شهر، ويكون من صومه يوم الجمعة"
(3).
وقال ابن خزيمة -رحمه الله- في "صحيحه" (3/ 303): "باب ذِكر الدليل على أنّ
صوم ثلاثة أيّام من كل ثلاث؛ يقوم مقام صيام الدهر، كان
__________
(1) أخرجه أحمد والترمذي "صحيح سنن الترمذي" (608) والنسائي "صحيح سنن
النسائي" (2279)، وابن ماجه، وانظر "صحيح الترغيب والترهيب" (1024).
(2) أخرجه الترمذي "صحيح سنن الترمذي" (609)، وابن ماجه وغيرهما، وانظر
"الإِرواء" (4/ 102).
(3) أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" (2129)، وقال شيخنا -رحمه الله- إِسنادهُ
حسن ... وأخرج أبو داود نحوه "صحيح سنن أبي داود" (2450) بلفظ: "كان رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصوم -يعني من غرّة كل شهر-
ثلاثة أيّام".
(3/251)
صوم الثلاثة أيّام من أول الشهر، أو من
وسطه، أو من آخره".
ثمّ روى حديث معاذة العدويّة (1).
ولفظه: "أنها سألت عائشة زوج النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: أكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصوم من كلّ شهر
ثلاثة أيّام؟ قالت: نعم، فقلت لها: من أي أيّام الشهر كان يصوم؟ قالت: لم
يكن يبالي من أيّ أيّام الشّهر يصوم" (2).
وعن عبد الملك بن قدامة بن مَلْحَان عن أبيه -رضي الله عنه- قال: "كان رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمرنا بصيام أيّام البيض،
ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة، قال: وقال: هو كهيئة الدهر" (3).
وفي رواية: "هن صيام الشهر" (4).
4 - أكثر شعبان
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يصوم حتى نقول: لا يُفطر، ويُفطر حتى نقول: لا يصوم، وما رأيت
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استكمل صيام شهر إلاَّ
رمضان، وما رأيته أكثر صياماً منه في شعبان" (5).
__________
(1) انظر "صحيح ابن خزيمة" (2130).
(2) أخرجه مسلم: 1160.
(3) أخرجه أبو داود وغيره، وحسّنه شيخنا -رحمه الله- في "صحيح الترغيب
والترهيب" (1025).
(4) أخرجه النسائي، وحسّنه شيخنا -رحمه الله- في "صحيح الترغيب والترهيب"
(1025).
(5) أخرجه البخاري: 1969، ومسلم: 1156.
(3/252)
وعن أسامة بن زيد -رضي الله عنه- قال:
"قلت: يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان!
قال: ذاك شهر تغفل الناس فيه عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفَع فيه
الأعمال إِلى ربّ العالمين، وأُحبّ أن يُرفَع عملي وأنا صائم" (1).
وقد تقدّم حديث: "إِذا انتصف شعبان فلا تصوموا ... ".
5 - ستة أيّام من شوّال
عن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أنّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من صام رمضان ثمّ أتبعه ستّاً من شوّال كان
كصيام الدهر" (2).
قال النووي -رحمه الله- في "شرحه" (8/ 56): "قال أصحابنا: والأفضل أن تصام
الستة متوالية؛ عقب يوم الفطر، فإِنْ فرَّقها أو أخّرها عن أوائل شوال إِلى
أواخره؛ حصلت فضيلة المتابعة، لأنه يصدق أنه أتبعه ستّاً من شوال".
وجاء في "الروضة الندية" (1/ 555): "أقول: ظاهر الحديث أنّه يكفي صيام ستّ
من شوال، سواء كانت من أوله، أو من أوسطه، أو من آخره، ولا يُشتَرط أن تكون
متصلة به؛ لا فاصل بينها وبين رمضان إِلا يوم الفطر، وإنْ كان ذلك هو
الأولى، ولأنّ الإِتْباع -وإن صدق على جميع الصور- فصِدقه على الصورة التي
لم يُفصَل فيها بين رمضان، وبين الستّ إِلا يوم الفطر الذي لا
__________
(1) أخرجه النسائي "صحيح سنن النسائي" (2221) وغيره، وانظر "صحيح الترغيب
والترهيب" (1008) و"تمام المِنّة" (412).
(2) أخرجه مسلم: 1164 وغيره.
(3/253)
يصحّ صومه لا شك أنه أولى.
وأمّا أنّه لا يحصل الأجر إِلا لمن فعل كذلك فلا، لأنّ مَن صام ستاً من آخر
شوال؛ فقد أتبع رمضان بصيام ستٍّ من شوال بلا شكّ، وذلك هو المطلوب".
قال النووي -رحمه الله تعالى- في "شرحه" (8/ 56): "قال العلماء: وإنّما كان
ذلك كصيام الدهر؛ لأنّ الحسنة بعشر أمثالها، فرمضان بعشرة أشهر، والستة
بشهرين، وقد جاء هذا في حديث مرفوع في كتاب النسائي" (1).
لعلّه يُشير -رحمه الله- إِلى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"جعَل الله الحسنة بعشر أمثالها، فشهرٌ بعشرة أشهر، وصيام ستة أيّام بعد
الفطر تمام السّنة" (2).
6 - تسع ذي الحجة (3)
عن هُنَيْدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يصوم تسع ذي الحجّة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيّام من كلّ شهر:
أول اثنين من الشهر وخميسين" (4).
__________
(1) أخرجه النسائي "صحيح سنن النسائي" (2269) والترمذي، وابن ماجه، وانظر
"الإِرواء" (4/ 102).
(2) انظر "صحيح الترغيب والترهيب" (993)، و"الإِرواء" (4/ 107).
(3) فائدة: تبويب عدد من العلماء بقولهم: "باب في صوم العشر"؛ من باب
التغليب؛ لأنّ اليوم العاشر لا يجوز صيامه".
(4) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (2129) بلفظ: "والخميس" =
(3/254)
وعن ابن عبّاس -رضي الله عنهما- قال: قال
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما من أيّام العمل
الصالح فيها؛ أحبُّ إِلى الله من هذه الأيّام -يعني أيّام العشر-.
قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل
الله، إِلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء" (1).
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "ما رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صائماً في العشر قطّ" (2).
قال ابن خزيمة -رحمه الله- بعد الحديث السابق (3/ 293): "باب ذكَر علّةٍ قد
كان النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يترك لها بعض أعمال
التطوع، وإن كان يحثّ عليها، وهي خشية أن يُفرَض عليهم ذلك الفعل؛ مع
استحبابه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما خفف على الناس من
الفرائض".
ثمّ روى -رحمه الله- بإِسناده حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يترك العمل وهو يحب أن يفعله؛
خشية أن يستن به فيفرض عليهم" (3).
__________
= والتصويب من النسائي، انظر "صحيح سنن النسائي" (2236)، وفي لفظ عند
النسائي "صحيح سنن النسائي" (2272): " ... والخميس الذي يليه، ثمّ الخميس
الذي يليه".
(1) أخرجه البخاري: 969 وأبو داود "صحيح سنن أبي داود" (2130) -واللفظ له-
وغيرهما، وتقدّم في "كتاب الزكاة".
(2) أخرجه مسلم: 1176.
(3) وهو في "صحيح مسلم" (718) بلفظ: " ... وإن كان رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيدع العمل، وهو يحب أن يَعَمل به، خشية أن
يَعْمل به الناس، فيُفرَض عليهم".
(3/255)
وقال الإِمام النووي -رحمه الله- في "شرحه"
(8/ 71): "قال العلماء: هذا الحديث ممّا يوهم كراهة صوم العشر، والمراد
بالعشر هنا الأيّام التسعة من أول ذي الحِجّة.
قالوا: وهذا ممّا يتأول؛ فليس في صوم هذه التسعة كراهة؛ بل هي مُستحبّة
استحباباً شديداً؛ لا سيما التاسع منها وهو يوم عرفة (1). ثمّ ذكَر حديث:
"ما من أيّام العمل الصالح فيها أفضل منه في هذه".
قال: "فيتأول قولها لم يصم العشر؛ أنه لم يصمه لعارض مرض أو سفر أو غيرهما،
أو أنها لم تره صائماً فيه، ولا يلزم من ذلك عدم صيامه في نفس الأمر، ويدل
على هذا التأويل حديث هُنَيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النّبيّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصوم تسع ذي الحجة ... ".
وقال في "الروضة النديّة" (1/ 556): "وعدم رؤيتها وعِلمها لا يستلزم
العدم".
أيهما أفضل العشر من ذي الحجة أم العشر الأواخر
من رمضان؟
جاء في "مجموع الفتاوى" (25/ 287): "وسئل عن عشر ذي الحجة، والعشر الأواخر
من رمضان، أيهما أفضل؟
فأجاب: أيّام عشر ذي الحِجّة؛ أفضل من أيّام العشر من رمضان، والليالي
العشر الأواخر من رمضان؛ أفضل من ليالي عشر ذي الحِجّة.
قال ابن القيّم -رحمه الله-: وإذا تأمّل الفاضل اللبيب هذا الجواب،
__________
(1) انظر "شرح النووي" (8/ 50).
(3/256)
وجَدَه شافياً كافياً، فإِنّه ليس من أيّام
العمل فيها أحبّ إِلى الله من أيّام عشر ذي الحجة -وفيها: يوم عرفة، ويوم
النحر، ويوم التروية-.
وأمّا ليالي عشر رمضان فهي ليالي الإِحياء، التي كان رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحييها كلّها، وفيها ليلة خير من ألف شهر.
فمن أجاب بغير هذا التفصيل، لم يمكنه أن يُدليَ بحُجّة صحيحة".
7 - يوم عرفة لغير الحاج:
عن أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: "صيام يوم عرفة، أحتسب (1) على الله أن يُكفّر السنة التي
قبله والسنة التي بعده.
وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفّر السّنة التي قبله" (2).
وعن كعب بن مالك عن أبيه أنّه حدثه أنّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعَثه وأوس بن الحَدَثان؛ أيّام التشريق فنادى: "أنّه
لا يدخل الجنَّة إِلا مؤمن، وأيّام منىً أيّام أكل وشُرب" (3).
وعن ميمونة -رضي الله عنها-: "أن الناس شكُّوا في صيام النّبيّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم عرفة، فأرسلْتُ إِليه بحِلابٍ (4) وهو
واقف في الموقف، فشرب
__________
(1) أي: أرجو، وفي "المرقاة" (4/ 542): "قال الطيبي: كان الأصل أن يُقال:
أرجو من الله أن يكفّر، فوضع مرضعه أحتسب وعداه بعلى الذي للوجوب؛ على سبيل
الوعد؛ مبالغةً لحصول الثواب".
(2) أخرجه مسلم: 1162، وغيره.
(3) أخوجه مسلم: 1142.
(4) وفي رواية عند مسلم: "بِحِلاب اللبن" قال النووي -رحمه الله- (4/ 8): =
(3/257)
منه (1) والناس ينظرون" (2).
8 - أكثر شهر الله المحرّم، وتأكيد صوم عاشوراء، ويوماً قبلها أو يوماً
بعدها
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرَّم، وأفضل الصلاة بعد
الفريضة، صلاة الليل" (3).
وعن حُميد بن عبد الرحمن أنّه سمع معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- يوم
عاشوراء عام حجّ على المنبر يقول: "يا أهل المدينة، أين علماؤكم؟ سمعْتُ
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: هذا يوم عاشوراء،
ولم يكتب الله عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر" (4).
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية،
وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصومه في الجاهلية،
فلمَّا قَدِم المدينة صامه، وأمَر بصيامه، فلمّا فُرِض رمضان، ترك يوم
عاشوراء، فمن شاء صامهُ، ومن شاء ترَكه" (5).
__________
= "هو بكسر الحاء المهملة: وهو الإِناء الذي يُحلب فيه، ويقال له المِحلب
-بكسر الميم-".
(1) فيه جواز الأكل والشرب في المحافل من غير كراهة. "تحفة" (7/ 76).
(2) أخرجه البخاري: 1989، ومسلم: 1124.
(3) أخرجه مسلم: 1162، وتقدّم.
(4) أخرجه البخاري: 2003، ومسلم: 1129.
(5) أخرجه البخاري: 2002، ومسلم: 1125.
(3/258)
قال ابن خزيمة -رحمه الله- في "صحيحه" (3/
284): "باب ذِكر الدليل على أنّ ترْك النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - صوم عاشوراء؛ بعد نزول فرض صوم رمضان، إِنْ شاء ترَكه، لا أنه
كان يتركه على كلّ حال، بل كان يتركه؛ إنْ شاء تركه، ويصوم، إِن شاء صامه".
ثمّ روى عن ابن عمر نحواً من حديث عائشة -رضي الله عنهم-.
وعن ابن عبّاس -رضي الله عنهما- قال: "قدم النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: ما هذا؟
قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجّى الله بني إِسرائيل من عدوّهم فصامه
موسى.
قال: فأنا أحقّ بموسى منكم، فصامه وأمَر بصيامه" (1).
وعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: "كان يوم عاشوراء تعدُّهُ اليهود
عيداً، قال النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فصوموه أنتم"
(2).
وعن ابن عبّاس -رضي الله عنهما- قال: "حين صام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم عاشوراء، وأمَر بصيامه قالوا: يا رسول الله! إِنه
يوم تُعظّمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: فإِذا كان العام المقبل -إِن شاء الله- صمنا اليوم التاسع.
قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفِّي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -" (3).
__________
(1) أخرجه البخاري: 2004، ومسلم: 1130.
(2) أخرجه البخاري: 2005، ومسلم: 1131.
(3) أخرجه مسلم: 1134.
(3/259)
وفي لفظ: "لئن بقيت إِلى قابل لأصومنّ
التاسع" (1).
وفي الحديث: "صوموا يوم عاشوراء وخالِفوا اليهود، صوموا قبله يوماً أو بعده
يوماً" (2).
قال الحافظ -رحمه الله- في "الفتح" (4/ 246): " .. صيام عاشوراء على ثلاث
مراتب: أدناها: أن يصام وحده، وفوقه أن يصام التاسع معه، وفوقه أن يصام
التاسع والحادي عشر والله أعلم".
وسألت شيخنا -رحمه الله- قائلاً: ذكَر بعض العلماء أنّ صيام عاشوراء على
ثلاث مراتب: أعلاها: صوم التاسع والعاشر والحادي عشر، ما رأيكم؟
فقال: وعلى ذلك صيام شهر محرم، وفهمتُ أنّ هذا ينسحب على صيامه كله إِلا ما
استثني، لأنّ أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرّم.
وسأل أحد الإِخوة شيخنا -رحمه الله-: "إِذا لم يتيسَّر صيام التاسع لامرأة
حائض أو رجل لا عِلم عنده، فهل نقول له صُم الحادي عشر للمخالفة؟ ".
فقال شيخنا: "هذا من باب أولى؛ لأنّ شهر محرّم محلّ الصيام، إِذ أفضل
الصيام بعد رمضان شهر الله المحرّم، ولذلك استدركنا على التقسيم الثلاثي
هذا".
__________
(1) أخرجه مسلم: 1134.
(2) أخرجه الطحاوى والبيهقي وسنده صحيح، وانظر "صحيح ابن خزيمة" (2095).
(3/260)
هل يصحّ إِظهار السرور يوم عاشوراء
والاكتحال وطبْخ الحبوب ونحوه؟
جاء في "مجموع الفتاوى" (25/ 299) -بحذف-: "وسُئل شيخ الإِسلام عمّا يفعله
الناس في يوم عاشوراء من الكحل، والاغتسال، والحناء، والمصافحة، وطبخ
الحبوب، وإظهار السرور، وغير ذلك إلى الشارع، فهل ورد في ذلك عن النّبيّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حديث صحيح؟ أم لا؟
وإذا ورد حديث صحيح في شيء من ذلك فهل يكون فعل ذلك بدعة أم لا؟
وما تفعله الطائفة الأخرى من المأتم والحزن، والعطش، وغير ذلك من الندب
والنياحة، وقراءة المصروع، وشقّ الجيوب؛ هل لذلك أصل؟ أم لا؟
فأجاب: الحمد لله رب العالمين، لم يرد في شيء من ذلك حديث صحيح عن النّبيّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا عن أصحابه، ولا استحَبّ ذلك أحد
من أئمّة المسلمين، لا الأئمّة الأربعة ولا غيرهم، ولا روى أهل الكتب
المعتمدة في ذلك شيئاً، لا عن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-، ولا الصحابة، ولا التابعين، لا صحيحاً ولا ضعيفاً، لا في كتب الصحيح،
ولا في السنن، ولا المسانيد، ولا يعرف شيء من هذه الأحاديث على عهد القرون
الفاضلة.
ورووا في حديث موضوع مكذوب عن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: "أنّه من وسع على أهله يوم عاشوراء؛ وسّع الله عليه سائر السَّنة"؟
هل في الأشهر الحُرُم صوم؟
لم يثبت في تخصيص صيام الأشهر الحرم شيء، وقد ورد في ذلك حديث
(3/261)
ضعيف (1)
يبقى ما ورد فيه النصوص، كصيام الاثنين والخميس، وأيّام البيض ... إلخ.
وكذلك ليس في صيام رجب دليل ثابت، ولا فضيلة خاصة.
عن خرشة بن الحرّ قال: "رأيتُ عمر يضرب أكفّ المترجّبين (2)؛ حتى يضعوها في
الطعام، ويقول: كلوا فإِنّما هو شهر كانت تعظّمه الجاهلية" (3).
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما-: "أنّه كان إِذا رأى النّاس وما يعدّونه لرجب
كَرِهه" (4).
قال شيخ الإِسلام -رحمه الله- في "مجموع الفتاوى" (25/ 290): "وأمّا صوم
رجب بخصوصه؛ فأحاديثه كلّها ضعيفة، بل موضوعة؛ لا يَعتمد
__________
(1) وهو حديث مجيبة الباهلية، عن أبيها أو عمّها "أنّه أتى رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... " فذكَر الحديث إِلى أن قال [أي:
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -]: "صُم من الحُرم واترك،
صُم من الحُرُم واترك، صُم من الحُرم واترك". أخرجه أحمد وأبو داود وغيره،
وضعّفه شيخنا -رحمه الله - كما في "تمام المِنّة" (ص 413) و"ضعيف سنن أبي
داود" (526).
(2) أي: الصائمين في رجب.
(3) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" وقال شيخنا -رحمه الله- في "الإرواء"
(957): وهذا سند صحيح.
(4) أخرجه ابن أبي شيبة وقال شيخنا -رحمه الله- في "الإِرواء" (958): وهذا
سند صحيح على شرط الشيخين.
(3/262)
أهل العِلم على شيء منها".
فائدة:
قد يضعُف العبد عن الصوم في الصّيف، إِذا كان مِن أهل البلاد الحارّة،
فليغتنِم الصوم في الشتاء؛ فإِنّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: "الصوم في الشتاء؛ الغنيمة الباردة" (1).
جاء في "فيض القدير" (4/ 243): "الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة: أي:
الغنيمة التي تحصل بغير مشقّة، والعرب تستعمل البارد في شيء ذي راحة،
والبرد ضدّ الحرارة؛ لأنّ الحرارة غالبةً في بلادهم، فإِذا وجدوا برداً
عدّوه راحة.
وقيل: الباردة الثابتة، من برد لي على فلان كذا، أي: ثبَت، أو الطيبة مِن
برْد الهواء إِذا طاب.
والأصل في وقوع البرد عبارة عن الطيب، أيضاً إِنّ الهواء والماء لمّا كان
طيبهما ببرْدهما؛ سيّما في بلاد تهامة والحجاز قيل: هواء بارد وماء بارد؛
على سبيل الاستطابة، ثمّ كَثُر حتى قيل: عيش بارد وغنيمة باردة. ذكَره
الزمخشري.
قال الطيبي: والتركيب من قلب التشبيه؛ لأن الأصل الصوم في الشتاء كالغنيمة
الباردة، وفيه من المبالغة أنّ الأصل في التشبيه أن يلحق الناقص بالكامل
كما يقال: زيد كالأسد، فإِذا عكس وقيل: الأسد، يجعل الأصل كالفرع، والفرع
كالأصل، يبلغ التشبيه إِلى الدرجة القصوى في المبالغة.
__________
(1) أخرجه أحمد وغيره، وانظر "الصحيحة" (1922).
(3/263)
ومعناه الصائم في الشتاء يحوز الأجر من غير
أن تمسّه مشقّة الجوع".
جواز فِطر الصائم المتطوّع
فعن عائشة أمّ المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: "دخل عليَّ النّبيّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات يوم فقال: هل عندكم شيء؟ فقلنا: لا، قال:
فإِني إِذن صائم.
ثمّ أتانا يوماً آخر فقلنا: يا رسول الله! أُهْدِى لنا حَيْس (1) فقال:
أرينيه فلقد أصبحت صائماً فأكل".
قال طلحة: "فحدّثْتُ مجاهداً بهذا الحديث فقال: ذاك بمنزلة الرجل يُخْرِج
الصدقة من ماله، فإِنْ شاء أمضاها، وإن شاء أمسَكها" (2).
وفي رواية: قال: أدنيه؛ أما إِنّي قد أصبحتُ وأنا صائم، فأكَل منه، ثمّ
قال: إِنّما مثل صوم المتطوع مثل الرجل؛ يُخرج من ماله الصدقة، فإِنْ شاء
أمضاها، وإِنْ شاء حبَسها" (3).
وعن أمّ هانئ -رضي الله عنها- قالت: كنت قاعدة عند النّبيّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأتُي بشراب فضرب منه، ثمّ ناولني فضربت منه،
فقلت: إِني أذنبت فاستغفر لي
__________
(1) حَيس: بفتح الحاء المهملة وسكون الياء تمر مخلوط بسمن وأقط، وقيل: طعام
يتخذ من الزبد والتمر والأقط وقد يبدّل الأقط بالدقيق، والزبد بالسّمن، وقد
يبدل السمن بالزيت.
(2) أخرجه مسلم: 1154.
(3) أخرجه النسائي بإِسناد صحيح، وانظر "آداب الزفاف" (ص159) و"الإرواء"
(4/ 135)، وفيه: "فهذه الزيادة ثابتة عندي، ولا يُعلّها أنّ بعض الرواة
أوقفها على مجاهد، فإِنّ الراوي قد يرفع الحديث تارة، ويوقفه أخرى".
(3/264)
قال: وما ذاك؟ قالت: كنت صائمة فأفطرْتُ.
فقال: أمِن قضاءٍ كنت تقضينه؟ قالت: لا، قال: فلا يضرّك" (1).
وفي رواية: "فلا يضرّك إِن كان تطوّعاً" (2).
وفي رواية: "الصائم المتطوع أمير نفسه (3)، إِنْ شاء صام، وإن شاء أفطر"
(4).
عن أبي جحيفة قال: "آخى النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين
سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أمّ الدرداء متبذّلة،
فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجةٌ في الدنيا.
فجاء أبو الدرداء، فصَنع له طعاماً فقال: كُل فإِنّي صائم، فقال: ما أنا
بآكل حتى تأكل، فأكل، فلمّا كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، فقال: نم،
فنام، ثمّ ذهب يقوم، فقال: نم، فلمّا كان آخر الليل قال سلمان: قم الآن.
قال: فصلّيا، فقال له سلمان: إِنّ لربك عليك حقّاً، ولنفسك عليك حقّاً،
ولأهلك عليك حقّاً، فأعط كلّ ذي حقٍّ حقّه.
__________
(1) أخرجه أبو داود، والترمذي "صحيح سنن الترمذي" (584) وغيرهما، وانظر "
المشكاة" (2079).
(2) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (2145).
(3) قال الطيبي: يُفهم أنّ الصائم غير المتطوّع لا تخيير له؛ لأنه مأمور
مجبور عليه. "مرقاة" (4/ 575).
(4) أخرجه أحمد والنسائي في "الكبرى" والحاكم وغيرهم، وانظر "المشكاة"
(2079)، و"آداب الزفاف" (ص 156).
(3/265)
فأتى النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فذكَر ذلك له، فقال النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: صدَق سلمان" (1).
وعن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: "إِذا دُعي أحدكم إِلى طعام فليُجب، فإِن شاء طعم وإن شاء
تَرَك" (2).
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنه قال: "صنعْتُ لرسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طعاماً، فأتاني هو وأصحابه، فلمّا وُضع
الطعام قال رجل من القوم: إِنّي صائم.
فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: دعاكم أخوكم وتكلّف
لكم، كُلْ يوماً، ثمّ صم مكانه إِن شئت" (3).
وفي رواية: " ... ثمّ قال له: أَفطِر، وصُم مكانه يوماً إِن شئت" (4).
عدم وجوب قضاء يوم النّفل (5)
لا يجب قضاء يوم النّفل لحديث أبي سعيد الخدري المتقدم وفيه: " ... فقال
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دعاكم أخوكم وتكلّف لكم،
ثمّ قال له: أفطر وصُم مكانه يوماً إِنْ شئت".
__________
(1) أخرجه البخاري: 6139.
(2) أخرجه مسلم: 1430.
(3) أخرجه البيهقي وحسّنه شيخنا -رحمه الله- في "الإِرواء" (1952).
(4) انظر "الإِرواء" (7/ 12).
(5) هذا العنوان من "آداب الزفاف" (ص 159) لشيخنا -رحمه الله- وكذلك ما
تحته بتصرف.
(3/266)
|