الموسوعة
الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة أنواع الإِحرام (3)
الإِحرام ثلاثة أنواع:
*1 - تمتُّع: وهو أن يحرم الآفاقي (4) بالعمرة وحدها في أشهر الحج من
الميقات، ويقول عند التلبية: "لبيك اللهم بعمرة". ثمّ يدخل مكة ويتم عمرته،
فيطوف ويسعى ويقصّر، ويخرج من إِحرامه، ثمّ يبقى حلالاً حتى يحج، وعليه أن
يذبح ما استيسر من الهدي. وسمّي بالتمتُّع؛ لأنّه يتمتّع بعد
__________
(1) النور: 63.
(2) "الضعيفة" (1/ 377 تحت الحديث 210)، وانظر "الإِرواء" (4/ 181/تحت
الحديث (1002).
(3) ما بين نجمتين ملتقط من "الروضة الندية" (1/ 590) و"المنهج لمريد
العمرة والحجّ" للإِمام العثيمين -رحمه الله- (ص 9). بتصرّف وزيادة.
(4) نسبة إِلى الآفاق؛ وهي نواحي الأرض والأقطار، مفردها: أُفق. والمراد
أنه ليس من أهل مكة أو ممّن يقيمون فيها.
(4/277)
التحلُّل من إِحرامه بما يتمتع به غير
المحرم من لُبس الثياب والطيب وغير ذلك.
2 - قِران: وهو أن يحرم الآفاقي بالحج والعمرة معاً، ويقول عند التلبية:
"لبيك اللهمّ بحجّ وعمرة"، ثمّ يدخل مكة، ويبقى على إِحرامه حتى يفرغ من
أفعال الحج والعمرة، ثمّ يذبح ما استيسر من الهدي، فإِذا أراد أن ينفر من
مكة طاف للوداع.
وقد ذهب الجمهور من العلماء إِلى أنّه يكفيه عمل الحجّ؛ فيطوف طوافاً
واحداً -وهو طواف الإِفاضة- بعد الوقوف بعرفة، ويسعى سعياً واحداً للحج
والعمرة.
3 - الإِفراد: أن يُحرم -من يريد الحجّ- من الميقات بالحجّ وحده، ويقول في
التلبية: "لبيك اللهمّ بحجّ"؛ ويبقى مُحرماً حتى تنتهي أعمال الحج.
وعمل القارِن كعمل المفرد سواءً؛ إِلا أن القارن عليه الهدي، والمفرد لا
هدي عليه*.
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "خرجنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للحج على أنواع ثلاثة: فمنا من أهَلَّ بحج وعمرة
معاً، ومنّا من أهل بحج مفرد، ومنّا من أهل بعمرة مفردة، فمن كان أهل بحج
وعمرة معاً؛ لم يَحْلِل من شيء مما حرم منه حتى يقضي مناسك الحج، ومن أهل
بالحج مفرداً؛ لم يَحْلل من شيء مما حرُم منه، حتى يقضي مناسك الحج، ومن
أهل بعمرة مفردة فطاف بالبيت وبين الصفا والمروة؛ حل ما حرم عنه حتى يستقبل
حجّاً" (1).
__________
(1) أخرجه ابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه" (2495).
(4/278)
أيّ أنواع النُّسك أفضل؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة مذاهب، والراجح فيها نسك التمتع،
كما هو مذهب الإِمام أحمد وغيره، بل ذهب بعض العلماء المحققين إِلى وجوبه
إِذا لم يَسق معه الهدي، منهم ابن حزم وابن القيم؛ تبعاً لابن عباس وغيره
من السلف (1).
قال شيخنا -رحمه الله- في "حجّة النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -" (ص 11): "لا شّك أنّ الحجّ كان -في أول استئنافه - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِياه- جائزاً بأنواعه الثلاثة المتقدّمة،
وكذلك كان أصحابه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ منهم المتمتع،
ومنهم القارن، ومنهم المفرد؛ لأنّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
خيّرهم في ذلك كما في حديث عائشة -رضي الله عنها-: "خرجنا مع رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: من أراد منكم أن يهلّ بحجّ
وعُمرة فليفعل، ومن أراد أن يهل بحج فليهل، ومن أراد أن يهل بعمرة فليهلّ
... " الحديث؛ رواه مسلم (2).
وكان هذا التخيير في أول إِحرامهم عند الشجرة (3)؛ كما في رواية لأحمد (6/
245)، ولكن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يستمر على
هذا التخيير، بل نَقَلهم إِلى ما هو أفضل؛ وهو التمتع، دون أن يعزم بذلك
عليهم أو يأمرهم به، وذلك في مناسبات شتّى في طريقهم إِلى مكة.
فمن ذلك: حينما وصلوا إِلى (سَرِف)، وهو موضع قريب من التنعيم، وهو من مكة
على نحو عشرة أميال، فقالت عائشة -رضي الله عنها- في رواية
__________
(1) انظر "حجّة النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -" (ص 10)
بتصرّف.
(2) برقم: 1211.
(3) أي: عند ذي الحليفة.
(4/279)
عنها:
" .. فنزلنا سَرِف، قالت: فخرج إِلى أصحابه فقال: من لم يكن منكم أهدى،
فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل، ومن كان معه هدي فلا. قالت: فالآخذ بها
والتارك لها من أصحابه [ممن لم يكن معه هدي] ... " الحديث؛ متفق عليه،
والزيادة لمسلم.
ومن ذلك لما وصل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلى (ذي طُوى)،
وهو موضع قريب من مكة، وبات بها، فلمّا صلّى الصّبح قال لهم: "من شاء أن
يجعلها عمرة؛ فليجعلها عمرة" أخرجه الشيخان من حديث ابن عباس.
ولكنّا رأيناه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما دخل مكّة وطاف هو
وأصحابه طواف القدوم؛ لم يدَعْهم على الحكم السابق وهو الأفضلية؛ بل نقَلهم
إِلى حُكم جديد وهو الوجوب؛ فإِنّه أمَر من كان لم يَسُق الهدي منهم أن
يفسخ الحج إِلى عمرة ويتحلل، فقالت عائشة -رضي الله عنها-:
"خرجنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا نرى إِلا
أنّه الحج، فلما قدمنا مكة تطوَّفنا بالبيت، فأَمَر رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من لم يكن ساق الهدي أن يحل، قالت: فحل من لم
يكن ساق الهدي، ونساؤه لم يسقن الهدي، فأحللن (1)." الحديث، متفق عليه. وعن
ابن عباس نحوه بلفظ:
__________
(1) في رواية عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- قالت: "خرجنا مع رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - محرمين فقال النّبيّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من كان معه هدي؛ فليُقم على إِحرامه، ومن
لم يكن معه هدي فليحلل. قالت: ولم يكن معي هدي فأحللت، وكان مع الزبير هدى،
فلم يَحِلَّ، فلبست ثيابي وجئت إِلى الزبير فقال: قومي عني، فقلت: أتخشى أن
أثب عليك؟! أخرجه ابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه" (2416).
(4/280)
"فأَمَرهم أن يجعلوها عمرة، فتعاظم ذلك
عندهم، فقالوا: يا رسول الله! أيّ الحلّ؟ قال: الحلّ كلّه"؛ متفق عليه. وفي
حديث جابر نحوه وأوضح منه؛ كما يأتي فقرة (33 - 45) (1).
قلت [أي: شيخنا]: فمن تأملّ في هذه الأحاديث الصحيحة؛ تبيّن له - بياناً لا
يشوبه ريب- أن التخيير الوارد فيها إِنما كان منه - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لإِعداد النفوس وتهيئتها؛ لتقبُّل حُكمٍ جديدٍ، قد
يصعب ولو على البعض تقبّله بسهولة لأول وَهْلَةٍ، ألا وهو الأمر بفسخ الحج
إِلى العمرة، لا سيّما وقد كانوا في الجاهلية كما هو ثابت في "الصحيحين" -
يرون أن العمرة لا تجوز في أشهر الحج، وهذا الرأي -وإن كان رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أبطله باعتماره - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاث مرات في ثلاث سنوات كلها في شهر ذي القعدة-؛
فهذا وحده وإن كان كافياً في إِبطال تلك البدعة الجاهلية؛ فإِنه لا يكفي
-والله أعلم- لإِعداد النفوس لتقبل الحكم الجديد، فلذلك مهّد له - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بتخييرهم بين الحج والعمرة مع بيان ما هو
الأفضل لهم، ثمّ أتبع ذلك بالأمر الجازم بفسخ الحج والعمرة.
فإِذا عرفنا ذلك؛ فهذا الأمر للوجوب قطعاً، ويدل على ذلك الأمور الآتية:
الأول: أن الأصل فيه الوجوب إِلا لقرينة، ولا قرينة هنا، بل والقرينة هنا
تؤكده، وهي الأمر التالي وهو:
الثاني: أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما أمرهم تعاظم ذلك
عندهم، كما تقدّم آنفاً، ولو لم يكن للوجوب لم يتعاظموه، ألم تر أنه -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أمرهم من قَبْلُ ثلاث مرات أَمْرَ
تخيير، ومع ذلك لم يتعاظموه، فدل على أنهم فهموا من الأمر الوجوب، وهو
__________
(1) انظر (ص 60) منه بعنوان "الأمر بفسخ الحجّ إِلى العمرة".
(4/281)
المقصود.
الثالث: أن في رواية في حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: " .. فدخل عليّ
وهو غضبان، فقلت: من أغضبك يا رسول الله! أدخله الله النار! قال: أوما شعرت
أني أمرت الناس بأمر؛ فإِذا هم يترددون؟! ولو أني استقبلت من أمري ما
استدبرت، ما سقت الهدي معي حتى أشتريه، ثمّ أحل كما حلوا". رواه مسلم
والبيهقي وأحمد (6/ 175).
ففي غضبه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دليل واضح على أن أمره كان
للوجوب، لا سيّما وأن غضبه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنما
كان لترددهم، لا من أجل امتناعهم من تنفيذ الأمر، وحاشاهم من ذلك، ولذلك
حلوا جميعاً؛ إِلا من كان معه هدي كما يأتي في الفقرة (44) (1).
الرابع: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما سألوه عن الفسخ
الذي أمرهم به: ألعامنا هذا أم لأبد الأبد؟ فشبَّك - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصابعه واحدة في أخرى وقال: "دخَلَت العمرة في الحجّ
إِلى يوم القيامة، لا بل لأبد أبد، لا بل لأبد أبد".
فهذا نص صريح على أن العمرة أصبحت جزءاً من الحج لا يتجزأ، وأن هذا الحكم
ليس خاصّاً بالصحابة كما يظنّ البعض، بل هو مستمر إِلى الأبد.
[الخامس]: أن الأمر لو لم يكن للوجوب؛ لكفى أن ينفذه بعض الصحابة، فكيف وقد
رأينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يكتفي بأمر
الناس بالفسخ أمراً عامّاً، فهو تارة يأمر بذلك ابنته فاطمة -رضي الله عنه-
كما يأتي (فقرة 48) (2)، وتارة
__________
(1) انظر (ص 65) منه بعنوان "خطبته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بتأكيد الفسخ وإطاعة الصحابة له".
(2) انظر (ص 67) منه.
(4/282)
يأمر به أزواجه، كما في "الصحيحين" عن ابن
عمر: أن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر أزواجه أن
يحللن عام حجة الوداع، قالت حفصة: فقلت: ما يمنعك أن تحل؟ قال: "إِني
لبَّدت رأسي ... " الحديث. ولما جاءه أبو موسى من اليمن حاجّاً، قال له -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بم أهللت؟ ". قال: أهللت بإِهلال
النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال: هل سقت من هدي؟ قال:
لا، قال: "فطُفْ بالبيت وبالصفا والمروة، ثمّ حِلّ ... " الحديث.
فهل هذا الحرص الشديد من النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
على تبليغ أمره بالفسخ إِلى كل مكلف لا يدل على الوجوب؟ اللهم إِن الوجوب
ليثبت بأدنى من هذا! انتهى.
وجاء (ص 19) منه: "وخلاصة القول: أن على كل من أراد الحج أن يلبي عند
إِحرامه بالعمرة، ثمّ يتحلل منها بعد فراغه من السعي بين الصفا والمروة؛
بقص شعره، وفي اليوم الثامن من ذي الحجة يحرم بالحج، فمن كان لبَّى بالقران
أو الحج المفرد؛ فعليه أن يفسخ ذلك بالعمرة؛ إِطاعةً لنبيه - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ والله -عزّ وجلّ- يقول: {من يُطع الرسول فقد
أطاع الله} (1)، وعلى المتمتع بعد ذلك أن يقدم هدياً يوم النحر، أو في أيام
التشريق، وهو من تمام النسك، وهو دم شُكْران وليس دم جُبْران، وهو -كما قال
ابن القيم -رحمه الله تعالى- بمنزلة الأضحية للمقيم، وهو من تمام عبادة هذا
اليوم، فالنسك المشتمل على الدم بمنزلة العيد المشتمل على الأضحية، وهو من
أفضل الأعمال، فقد جاء من طرق أن النّبيّ سئل: أي الأعمال أفضل؟ فقال:
العجُّ (2) والثجّ (3)؛ وصححه
__________
(1) النساء: 80.
(2) رفْع الصوت بالتلبية.
(3) الثجّ: سيلان دم الهدي والأضاحي. "النهاية".
(4/283)
ابن خزيمة وحسّنه المنذري".
باب ما جاء في التمتع:
عن سالم بن عبد الله؛ أنه سمع رجلاً من أهل الشام وهو يسأل عبد الله بن عمر
عن التمتع بالعمرة إِلى الحج؟ فقال عبد الله بن عمر: هي حلال، فقال الشامي:
إِن أباك قد نهى عنها! فقال عبد الله بن عمر: أرأيت إِن كان أبي نهى عنها
وصنعها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أَمْرُ أبي
يُتبع، أم أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فقال
الرجل: بل أَمْرُ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقال:
لقد صنعها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -" (1).
قال أبو عيسى: "واختار قوم من أهل العلم، من أصحاب النّبيّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغيرهم: التمتع بالعمرة.
والتمتع: أن يدخل الرجل بعمرة في أشهر الحج، ثمّ يقيم حتى يحج، فهو متمتع،
وعليه دم ما استيسر من الهدي، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة
إِذا رجع إِلى أهله، ويستحب للمتمتع إِذا صام ثلاثة أيام في الحج أن يصوم
في العشر، ويكون آخرها يوم عرفة، فإِن لم يصم في العشر؛ صام أيام التشريق
في قول بعض أهل العلم من أصحاب النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -، منهم: ابن عمر، وعائشة. وبه يقول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق.
وقال بعضهم: لا يصوم أيام التشريق، وهو قول أهل الكوفة.
قال أبو عيسى: وأهل الحديث يختارون التمتع بالعمرة في الحج. وهو قول
__________
(1) أخرجه أحمد، والترمذي "صحيح سنن الترمذي" (658)، وانظر "صفة الصلاة" (ص
54).
(4/284)
الشافعي وأحمد وإسحاق" (1).
من اعتمر بعد الحجّ بغير هدي (2):
فيه قصة عائشة -رضي الله عنها- المعروفة حين نفست في حجّها، وفيه:
"فأهلّت بعمرة مكان عمرتها، فقضى الله حجّها وعُمرتها. [ولم يكن في شيء من
ذلك هدي ولا صدقة ولا صوم] " (3).
وليس هذا على إِطلاقه، وإنما في أحوال ضيّقة وأمّا فِعله للتهرب من الهدي
فلا يجوز.
ليس لحاضري المسجد الحرام إِلاّ الإِفراد:
عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أنه سُئل عن متعة الحجّ؟ فقال: أهلَّ
المهاجرون والأنصار وأزواج النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
في حجة الوداع وأهللنا، فلما قدمنا مكة؟ قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اجعلوا إِهلالَكم بالحجّ عمرة؛ إِلا من قلّد الهدي
(4). فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة، وأتينا النساء، ولبسنا الثياب، وقال:
من قلّد الهدي؛ فإِنه لا يحلّ له حتى يبلغ الهدي محِلَّه (5). ثمّ أمرنا
عشية التّروية أن
__________
(1) انظر "صحيح سنن الترمذي" (1/ 248).
(2) هذا العنوان من "صحيح البخاري" (كتاب العمرة) (باب - 7).
(3) أخرجه البخاري: 1786، ومسلم: 1211 - 117، وما بين معقوفين من كلام هشام
بن عروة، كما في "صحيح مسلم".
(4) جاء في "الوسيط": "قلّد البَدَنة: علَّقَ في عُنُقها شيئاً ليُعْلَمَ
أنّها هدي.
(5) وهو يوم النحر، انظر "تفسير العلامة السعدي" -رحمه الله- وما فيه من
فوائد في هذه الآية.
(4/285)
نهل بالحجّ، فإِذا فرغنا من المناسك؛ جئنا
فطفنا بالبيت وبالصّفا والمروة، وقد تمَّ حجُّنا وعلينا الهدي كما قال الله
-تعالى-: {فما استيسر (1) من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحجِّ
وسبعة إِذا رجعتم} [البقرة: 196] إِلى أمصاركم، الشاة تجزي، فجمعوا نُسكين
في عام بين الحجّ والعمرة؛ فإِنّ الله -تعالى- أنزله في كتابه وسنّة نبيّه
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأباحه للناس؛ غير أهل مكة، قال
الله: {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام}، وأشهر الحجّ التي ذكر
الله -تعالى-؛ "شوال وذو القعدة وذو الحجة، فمن تمتع في هذه الأشهر فعليه
دم أو صوم" (2).
من هم حاضرو المسجد الحرام؟
جاء في "تفسير ابن كثير" -رحمه الله- بحذف: "في قوله -تعالى-: {ذلك لمن لم
يكن أهله حاضري المسجد الحرام} قال ابن جرير: واختلف أهل التأويل فيمن عنى
بقوله: {لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} بعد إجماع جميعهم على أنّ
أهل الحرم معنيّون به، وأنه لا متعة لهم: فقال بعضهم: عنى بذلك أهل الحرم
خاصّة دون غيرهم.
ثمّ ساق بإِسناده إِلى سفيان الثوري قال: قال ابن عباس ومجاهد: هم أهل
الحرم.
وقال عبد الرزاق: حدثنا معْمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: المتعة للناس -لا
__________
(1) أي: فاذبحوا ما استيسر من الهدي، وهو سُبع بدنة، أو سُبع بقرة، أو شاة
يذبحها المحصِر. "تفسير السعدي" أيضاً.
(2) أخرجه البخاري: 1572.
(4/286)
لأهل مكة- من لم يكن أهله من الحرم. وذلك
قول الله -عزّ وجلّ-: {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام}.
قال: وبلغني عن ابن عباس مثل قول طاوس.
وقال آخرون: هم أهلُ الحرم ومن بينه وبين المواقيت، كما قال عبد الرزاق:
أخبرنا معمر عن رجل عن عطاء قال: من كان أهل دون المواقيت؛ فهو كأهل مكة،
لا يتمتع.
وقال عبد الله بن المبارك عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن مكحول في قوله:
{ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} قال: من كان دون الميقات.
وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر: سمعت الزهري يقول: من كان أهله على يوم أو
نحوه تمتع.
وفي رواية عنه: اليوم واليومين.
واختار ابن جرير في ذلك مذهب الشافعي: أنهم أهل الحرم، ومن كان منه على
مسافة لا تقصر فيها الصلاة؛ لأنّ من كان كذلك يعد حاضراً لا مسافراً، والله
أعلم".
وهذا الذي يترجّح -والله أعلم-؛ لأنّ الذين ذُكروا في تفسير الآية هم: أهل
الحرم، وأَهل مكة، ودون الميقات، ومن كان أهله على يوم ويومين، ومن كان منه
على مسافة لا تقصر فيها الصلاة.
فأهل الحرم وأهل مكة ومن كان على مسافة لا تقصر فيها الصلاة؛ قد
(4/287)
دخلوا في المعنى المراد.
وبقي من كان على مسيرة يوم أو يومين أو يوم وبعض يوم؛ فهذا ارتباطه بالسفر
نفياً وإثباتاً.
وبقي كذلك من كان دون الميقات، وهذا قول ليس بالقوي؛ لأنّ المواقيت متفاوتة
في بعدها وقُربها من المسجد الحرام، وأبعدها ذو الحليفة فهل من كان منزله
بعد هذا الميقات بشيء يسير يقال: إِنه من حاضري المسجد الحرام؟!
والحاصل أن حاضري المسجد الحرام هم أهل الحرم، ومن كان على مسافة لا تقصر
فيها الصلاة. والله -تعالى- أعلم.
أَيُّما أفضل للمكي؛ العمرة أم الطواف؟
جاء في "مجموع الفتاوى" (26/ 248): "وسئل أبو العباس: أيما أفضل لمن كان
بمكة: الطواف بالبيت أو الخروج إِلى الحل ليعتمر منه ويعود؟ وهل يستحب لمن
كان بمكة كثرة الاعتمار في رمضان أو في غيره، أو الطواف بدل ذلك؟ وكذلك
كثرة الاعتمار لغير المكي: هل هو مستحب؟ وهل في اعتمار النّبيّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الجعرانة وفي عمرة الحديبية مستند لمن
يعتمر من مكة، كما في أمره لعائشة أن تعتمر من التنعيم؟ وقول النّبيّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "عمرة في رمضان تعدل حجة"؛ هل هي
عمرة الأفقي؟ أو تتناول المكي الذي يخرج إِلى الحل ليعتمر في رمضان؟
فأجاب: أمّا من كان بمكة من مستوطن، ومجاور وقادم وغيرهم؛ فإِنّ طوافه
بالبيت أفضل له من العمرة، وسواء خرج في ذلك إِلى أدنى الحل -وهو التنعيم
الذي أحدث فيه المساجد التي تسمى: مساجد عائشة -أو أقصى الحل من أي
(4/288)
جوانب الحرم، سواء كان من جهة "الجعرانة"
أو "الحديبية" أو غير ذلك، وهذا المتفق عليه بين سلف الأمة، وما أعلم فيه
مخالفاً من أئمة الإِسلام في العمرة المكية.
وأمّا العمرة من الميقات: بأن يذهب إِلى الميقات فيُحرم منه، أو يرجع إِلى
بلده، ثمّ يُنِشئ السفر منه للعمرة؛ فهذه ليست عمرة مكية بل هذه عمرة تامة،
وليس الكلام هنا فيها.
وهذه فيها نزاع: هل المقام بمكة أفضل منها، أم الرجوع إِلى بلده أو الميقات
أفضل؟ وسيأتي كلام بعض من رجح المقام بمكة للطواف على الرجوع للعمرة من
الميقات.
وإِنما النزاع في أنه هل يكره للمكي الخروج للاعتمار من الحل أم لا؟ وهل
يكره أن يعتمر مَنْ تشرع له العمرة -كالأفقي- في العام أكثر من عمرة أم لا؟
وهل يستحب كثرة الاعتمار أم لا؟
فأما كون الطواف بالبيت أفضل من العمرة لمن كان بمكة؛ فهذا مما لا يستريب
فيه من كان عالماً بسنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وسنة خلفائه، وآثار الصحابة، وسلف الأمة وأئمتها، وذلك أن الطواف بالبيت من
أفضل العبادات والقربات التي شرعها الله في كتابه وعلى لسان نبيه - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو من أعظم عبادة أهل مكة؛ أعني: من كان
بمكة مستوطناً أو غير مستوطن، ومن عباداتهم الدائمة الراتبة التي امتازوا
بها على سائر أهل الأمصار، وما زال أهل مكة على عهد رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وخلفائه وأصحابه -رضي الله عنهم- يطوفون
بالبيت في كل وقت ويُكْثِرون ذلك ... ".
(4/289)
وقال -رحمه الله- (ص 252): "وأمّا الاعتمار
للمكي بخروجه إِلى الحل؛ فهذا لم يفعله أحد على عهد رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ إِلا عائشة في حجة الوداع، مع أنّ النّبيّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يأمرها به، بل أذن فيه بعد
مراجعتها إِياه ... فأمّا أصحابه الذين حجوا معه حجة الوداع كلهم من أولهم
إِلى آخرهم؛ فلم يخرج أحد منهم؛ لا قبل الحجة ولا بعدها؛ لا إِلى التنعيم
ولا إِلى الحديبية ولا إِلى الجعرانة، ولا غير ذلك لأجل العمرة، وكذلك أهل
مكة [المستوطنون]؛ لم يخرج أحد منهم، إِلى الحل لعمرة، وهذا متفق عليه،
معلوم لجميع العلماء الذين يعلمون سنته وشريعته.
وكذلك أيضاً أصحابه الذين كانوا مقيمين بمكة من حين فَتْحِهِ مكة من شهر
رمضان سنة ثمان، وإلى أن توفي؛ لم يعتمر أحد منهم من مكة، ولم يخرج أحد
منهم إِلى الحل ويهل منه، ولم يعتمر النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وهو بمكة قط، لا من الحديبية، ولا من الجعرانة، ولا من غيرهما،
بل قد اعتمر أربع عمر: ثلاث منفردة، وواحدة مع حجته، وجميع عمره كان يكون
فيها قادماً إِلى مكة، لا خارجاً منها إِلى الحل.
فأمّا عمرة الحديبية؛ فإِنه اعتمر من ذي الحليفة -ميقات أهل المدينة- هو
وأصحابه الذين بايعوه في تلك العمرة تحت الشجرة، ثمّ إِنهم لما صدهم
المشركون عن البيت، وقاضاهم النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
على العمرة من العام القابل، وصالحهم الصلح المشهور؛ حل هو وأصحابه من
العمرة بالحديبية، ولم يدخلوا مكة ذلك العام ... ".
وجاء في "الاختيارات" (ص 115): "والقول بوجوب العمرة على أهل
(4/290)
مكة: قول ضعيف جدّاً، مخالف للسنة الثابتة،
ولهذا كان أصح الطريقين عن أحمد: أن أهل مكة لا عمرة عليهم، رواية واحدة،
وفي غيرهم روايتان، وهي طريقة أبي محمد المقدسي. وطريقة المجد أبي البركات
في العمرة ثلاث روايات، ثالثها: تجب على غير أهل مكة".
القارن يطوف طوافاً واحداً ويسعى سعياً واحداً:
عن عائشة -رضي الله عنها-: أنها حاضت بِسَرِف، فتطهّرت بعرفة، فقال لها
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يجزئ عنك طوافك بالصفا
والمروة عن حجك وعمرتك (1) " (2).
عن جابر -رضي الله عنه-: "أنّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قرن الحج والعمرة، فطاف لهما طوافاً واحداً" (3).
وعن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: "من أحرم بالحج والعمرة؛ أجزأه طواف واحد وسعْي واحد منهما؛
حتى يحلّ منهما جميعاً" (4).
__________
(1) قال النووي -رحمه الله- (8/ 140): "وأمّا عائشة -رضي الله عنها-
فإِنّما حصل لها عمرةٌ مندرجة في حجة بالقِران؛ فقال لها النّبيّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم النفر: "يسعُك طوافك لحجّك وعمرتك"؛ أي:
وقد تمّا وحُسِبا لك جميعاً ... ".
(2) أخرجه مسلم: 1211.
(3) أخرجه الترمذي "صحيح سنن الترمذي" (755)، وابن ماجه "صحيح سنن ابن
ماجه" (2407).
(4) أخرجه الترمذي "صحيح سنن الترمذي" (756)، وابن ماجه "صحيح سنن ابن
ماجه" (2409).
(4/291)
من لم يجد هدْياً:
من لم يجد هدْياً؛ فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إِذا رجع إِلى
أهله،
قال الله -تعالى-: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ
أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا
رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ
مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ
صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ
إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ
فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ
تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ
شَدِيدُ الْعِقَابِ} (1).
متى يصوم الأيام الثلاثة؟
قال ابن كثير -رحمه الله- في "تفسيره" -بحذف-: "يقول -تعالى-: فمن لم يجد
هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحجّ؛ أي: في أيام المناسك. قال العلماء:
والأولى أن يصومها قبل يوم عرفة في العشر؛ قاله عطاء، أو من حين يحرم؛ قاله
ابن عباس وغيره؛ لقوله: {في الحجّ}. ومنهم من يُجوِّز صيامها من أول شوال،
قاله طاوس ومجاهد وغير واحد. وجوّز الشعبي صيام يوم عرفة وقبله يومين، وكذ
اقال مجاهد، وسعيد بن جبير، والسدي، وعطاء، وطاوس، والحكم، والحسن وحماد،
وإبراهيم، وأبو جعفر الباقر، والربيع، ومقاتل بن حيّان.
وقال العوفي عن ابن عباس: إِذا لم يجد هدْياً؛ فعليه صيام ثلاثة أيام في
الحج قبل يوم عرفة، فإِذا كان يوم عرفة الثالث؛ فقد تمّ صومه، وسبعة إِذا
رجع
__________
(1) البقرة: 196.
(4/292)
إِلى أهله وكذا روى أبو إِسحاق عن وبرة عن
ابن عمر قال: يصوم يوماً قبل التروية، ويوم التروية، ويوم عرفة. وكذا روي
عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي أيضاً.
فلو لم يصمها أو بعضها قبل يوم العيد؛ فهل يجوز أن يصومها في أيام التشريق؟
فيه قولان للعلماء؛ هما للإِمام الشافعي - أيضاً: القديم منهما: أنه يجوز
له صيامها؛ لقول عائشة وابن عمر -رضي الله عنهم- في "صحيح البخاري": لم
يرخّص في أيام التشريق أن يُصمن إِلا لمن لم يجد الهدي (1). وكذا رواه مالك
عن الزهري عن عروة عن عائشة وعن سالم عن ابن عمر، وإِنما قالوا ذلك لعموم،
قوله: {فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة} وقد روي من غير وجه عنهما. ورواه
سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه.
وبهذا يقول عبيد بن عمير الليثي، وعكرمة، والحسن البصري، وعروة بن الزبير،
وإنما قالوا ذلك لعموم قوله: {فصيام ثلاثة أيام في الحج} ... ". اهـ
وعن هشام قال: أخبرني أبي: "كانت عائشة -رضي الله عنها- تصوم أيّام منى،
وكان أبوهُ (2) يصومها" (3).
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "الصيام لمن تمتّع بالعمرة إِلى الحجّ
__________
(1) أخرجه البخاري: 1997.
(2) قال الحافظ -رحمه الله-: "قوله: (وكان أبوه يصومها): هو كلام القطان
لهشام ابن عروة، وفاعل يصومها هو عروة، والضمير فيه لأيام التشريق، ووقع في
رواية كريمة: (وكان أبوها)؛ وعلى هذا فالضمير لعائشة، وفاعل يصومها هو أبو
بكر الصديق".
(3) أخرجه البخاري: 1996.
(4/293)
إِلى يوم عرفة، فإِن لم يجد هدْياً ولم
يصم؛ صام أيّام منى" (1).
متى يبطل الحج بالجماع؟ وما جزاء الوطء؟
إِذا وطئ المرء في الحجّ قبل التحلُّل الأوّل؛ يبطَل حجُّه وعليه بدنة.
أمّا إِذا وطئ بعد التحلُّل الأول وقبل التحلُّل الثاني؛ فعليه شاة؛ ولا
يبطل حجُّه.
عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: "أنه سُئل عن رجل وقَع بأهله وهو بمنى؛ قبل
أن يفيض؟ فأمره أن ينحر بدنة" (2).
وفي رواية: "الذي يصيب أهله قبل أن يفيض؛ يعتمر ويهدي" (3).
عن سعيد بن جبير: "أنّ رجلاً أهلّ هو وأمرأته جميعاً بعمرة، فقضت مناسكها
إِلا التقصير، فغشيها قبل أن تقصر، فسئل ابن عباس عن ذلك؟ فقال: إِنها
لشَبِقَةٌ (4)، فقيل له: إِنها تسمع.
فاستحيا من ذلك وقال: ألا أعلمتموني؟! وقال لها: أهريقي دماً، قالت: ماذا؟
قال: انحري ناقة أو بقرة أو شاة، قالت: أي ذلك أفضل؟ قال: ناقة" (5).
__________
(1) أخرجه البخاري: 1999.
(2) أخرجه مالك في "الموطأ"، وصححه شيخنا -رحمه الله- في "الإِرواء"
(1044).
(3) انظر "الإرواء" تحت الأثر السابق.
(4) أي: شديدة الشهوة.
(5) أخرجه البيهقي. وقال شيخنا -رحمه الله- في "الإرواء" (1041): "وسنده
صحيح".
(4/294)
عن عمرو بن شعيب عن أبيه: "أنّ رجلاً أتى عبد الله بن عمرو يسأله عن مُحرِم
وقع بامرأة، فأشار إِلى عبد الله بن عمر؟ فقال: اذهب إِلى ذلك فسله، قال:
فلم يعرفه الرجل، فذهبت معه، فسأل ابن عمر، فقال: بطل حجك، فقال الرجل: فما
أصنع؟ قال: اخرج مع الناس، واصنع ما يصنعون، فإِذا أدركت قابلاً؛ فَحُجَّ
وأهْدِ فرجع إِلى عبد الله بن عمرو، وأنا معه، فأخبره، فقال: اذهب إِلى ابن
عباس فسله، قال شعيب: فذهبت معه إِلى ابن عباس فسأله، فقال له كما قال ابن
عمر: فرجع إِلى عبد الله بن عمرو وأنا معه، فأخبره بما قال ابن عباس، ثمّ
قال: ما تقول أنت؟ فقال: قوْلي مثل ما قالا" (1).
وإذا لم يجد الهدي؛ فإِنه يصوم ثلاثة أيام في الحجّ، وسبعة إِذا رجع إلى
أهله (2). |