الموسوعة
الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة الإِحصار
الإِحصار: هو المنع والحبس.
والمراد: المنع عن الطواف في العمرة أو أداء الأركان أو بعضها، كالوقوف
بعرفة وطواف الإِفاضة.
قال الله -تعالى-: {فإِن أُحصرتم فما استيسر من الهدي} (1).
__________
(1) البقرة: 196.
(4/299)
جاء في "تفسير ابن كثير": "ذكروا أنّ هذه
الآية نزلت في سنة ست؛ أي: عام الحديبية، حين حال المشركون بين رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبين الوصول إِلى البيت ... ".
*واختلف العلماء هل يختصّ الحصر بالعدوّ، دون المرض أو غيره؟
وذكروا عن طاوس عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: لا حصر إِلا حصر
العدوّ، فأمّا من أصابه مرض أو وجع أو ضلال؛ فليس عليه شيء؛ إِنما قال
الله: {فإذا أمِنتم}، فليس الأمن حصراً.
القول الثاني: أنّ الحصر أعمّ من أن يكون بعدوّ أو مرض أو ضلال عن الطريق
أو نحو ذلك.
عن الحجاج بن عمرو الأنصاري قال: سمعت النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يقول: "من كُسِرَ أو عَرِج؛ فقد حلّ، وعليه حجة أخرى. فحدثت به
ابن عباس، وأبا هريرة فقالا: صدق" (1).
وفي رواية عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة قال: "سألت الحجاج بن عمرو عن
حبس المُحرم؟ فقال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
من كُسرَ أو مرض أو عرِج فقد حل، وعليه الحجُّ من قابل. قال عكرمة: فحدثت
به ابن عباس وأبا هريرة فقالا: صدق" (2).
__________
(1) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (1639)، وابن ماجه "صحيح سنن ابن
ماجه" (2497).
(2) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (1640)، وابن ماجه "صحيح سنن ابن
ماجه" (2498).
(4/300)
وأفتى ابن مسعود -رضي الله عنه- رجُلاً
لُدغ بأنه مُحْصَرٌ (1).
القول الثاني هو الراجح -والله أعلم- لذلك جاء تبويبه في "سنن أبي داود"
تحت (باب في الإِحصار)، وفي "سنن ابن ماجه" تحت (باب المحصر)، وفي
"المشكاة" (2/ 828): (باب الإِحصار وفوت الحج).
والحديث صريح فيمن مُنع وحُبس في غير العدّو، والثمرة هي الحبس؛ سواءٌ أكان
من عدوٍ أم مرض أم ضلال طريق. وبالله -تعالى- التوفيق.
وجاء في "الاختيارات" (ص 119): "والمحصر بمرض أو ذهاب نفقة: كالمحصر بعدّو،
وهو إِحدى الروايتين عن أحمد".
يذبح المحصر ما استيسر من الهدي:
قال الله -تعالى-: {فإِن أُحصرتم فما استيسر من الهدي} (2).
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "قد أُحصر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فحلق رأسه، وجامع نساءه، ونحر هديه، حتى اعتمر عاماً
قابلاً" (3).
وذهب الجمهور إِلى إِجزاء الشاة في الإِحصار.
قال ابن كثير -رحمه الله- في "تفسيره": "والدليل على صحة قول الجمهور فيما
ذهبوا إِليه من إِجزاء ذبح الشاة في الإِحصار: أنّ الله أوجب ذبح
__________
(1) أخرجه ابن جرير بإِسناد صحيح عنه. قاله الحافظ في "الفتح" في أول كتاب
المحصر.
(2) البقرة: 196.
(3) أخرجه البخاري: (1809).
(4/301)
ما استيسر من الهدي؛ أي: مهما تيسر مما
يسمى هدياً، والهدي من بهيمة الأنعام، وهي الإِبل والبقر والغنم، كما قاله
الحَبْر البحر ترجمان القرآن وابن عم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -، وقد ثبت في "الصحيحين" عن عائشة أمّ المؤمنين -رضي الله عنها-
قالت: "أهدى النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرة غنماً"
(1).
مكان ذبْحها:
اختلف العلماء في موضع ذبح هدي الإِحصار:
فقال الجمهور: يَذبَحُ هديَه حيث يحل في الحرم أو الحل.
وقال بعضهم: لا ينحره إلاَّ في الحرم.
وقيل غير ذلك.
والراجح: ما قاله الجمهور: أنه يذبح حيث هو؛ لأنّ هذا ظاهر النص، وهو الشيء
الممكن. والله أعلم.
وسألت شيخنا -رحمه الله- عن ذلك.
فقال: "يذبحه حيث هو".
إِذا أخطأ العِدّة في الحج ولم يقم ببعض الأركان؛ فإِنه يُحلّ بعمرة وعليه
الحج من قابل:
عن سليمان بن يسار: "أنّ هَبَّار بن الأسود جاء يوم النحر، وعمر بن الخطاب
ينحر هديه، فقال: يا أمير المؤمنين! أخطأنا العِدّة، كنّا نُرى أن هذا
اليوم يوم عرفة، فقال عمر: اذهب إِلى مكة، فطُف أنت ومن معك، وانحروا
__________
(1) أخرجه البخاري: 1701، ومسلم: 1321.
(4/302)
هدياً إِن كان معكم، ثمّ احلقوا أو اقصروا
وارجعوا، فإِذا كان عام قابل فحُجّوا وأَهدوا! فمن لم يجد؛ فصيام ثلاثة
أيام في الحج وسبعة إِذا رجع" (1).
وفي رواية: "أن أبا أيوب الأنصاري خرج حاجاً، حتى إِذا كان بالنازية من
طريق مكة؛ أضل رواحله، وأنه قدم على عمر بن الخطاب يوم النحر، فذكر ذلك له؟
فقال عمر: اصنع كما يصنع المعتمر، ثمّ قد حللت، فإِذا أدركك الحج قابلاً؛
فاحجج، وأهد ما تيسر من الهدي" (2).
ما يُفعَل بالمحرم إِذا مات (3):
عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: "بينما رجل واقف بعرفة؛ إِذ وقع عن راحلته
فوقصته (4) -أو قال: فأوقصته-؟ قال النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبين، ولا تحنطوه (5)، ولا
تخمِّروا (6) رأسه؛ فإِنَّه يُبعث يوم القيامة مُلبياً" (7).
__________
(1) أخرجه مالك، وقال شيخنا -رحمه الله- في "الإِرواء" (1068): "وهذا سند
صحيح، والهبار صحابي معروف له ترجمة في "الإِصابة" وغيره".
(2) صححه شيخنا -رحمه الله- في "الإِرواء" (1132).
(3) هذا العنوان من "صحيح مسلم".
(4) وقصته: أي: كَسَرتْ عنقه.
(5) لا تحنطوه: هو بالحاء المهملة؛ أي: لا تُمسّوه حَنوطاً؛ والحَنوط: بفتح
الحاء -ويقال له: الحِناط؛ بكسر الحاء- وهو أخلاط من طيب تجمع للميت خاصة؛
لا تستعمل في غيره. "نووي".
(6) أي: لا تغطّوا.
(7) أخرجه البخاري: 1265، ومسلم: 1206، وتقدّم.
(4/303)
|