الموسوعة
الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة المهر
حُكمه:
جعل ديننا الحنيف للمرأة مهراً يُدفع من قِبَل الزوج وأوجبه عليه.
جاء في "الروضة الندية" (2/ 71): "ودليل وجوبه: أنّه -صلّى الله عليه وآله
وسلّم- لم يسوّغ نكاحاً بدون مهر أصلاً.
وفي الكتاب العزيز: {وآتوا النساء صَدُقاتهنَّ نِحْلَةً} (2)، وقوله: {فلا
تأخذوا منه شيئاً} (3)، وقال: {وكيف تأخذُونَه وقد أفْضى بعْضُكُم إَلى
بعض} (4) الآية، وقال -تعالى-: {ولا جُنَاح عَليْكُم أنْ تنْكِحُوهُنَّ
إِذا
__________
= في "زاد المعاد" (5/ 158).
(1) أخرجه ابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه" (1602)، والحاكم وغيرهما، وانظر
"الصحيحة" (1067).
(2) النساء: 4.
(3) النساء:20.
(4) النساء:21.
(5/153)
آتَيتُمُوهُنَّ أُجورَهنَّ} (1) ". انتهى.
وهذا بما استحلّ من فرجها، كما في الآية المتقدّمة.
وقال -سبحانه-: {وكيف تأخذُونَه وقد أفْضَى بعْضُكم إِلى بعض}.
قال العلامة السعدي -رحمه الله-: "وبيان ذلك: أنّ الزوجة -قبل عقد النكاح-
مُحرّمة على الزوج، ولم ترض بحلّها له إِلا بذلك المهر، الذي يدفعه لها.
فإِذا دخَل بها وأفضى إِليها، وباشَرها المباشرة التي كانت حراماً قبل ذلك
[وهي الجماع]، والتي لم ترض ببذلها إِلا بذلك العِوض، فإِنه قد استوفى
المُعوَّض، فثبت عليه العِوض، فكيف يستوفي المُعوَّض، ثمّ بعد ذلك يرجع في
العِوض؟ هذا من أعظم الظلم والجور، وكذلك أخذ الله على الأزواج ميثاقاً
غليظاً بالعقد، والقيام بحقوقها".
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما-: أنّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال للمتلاعِنَين: "حسابكما على الله، أحدُكما كاذبٌ، لا سبيل
لك عليها، قال: مالي؟! قال: لا مال لك، إِنْ كنت صدقتَ عليها؛ فهو بما
استحللت من فرجها. وإنْ كنتَ كذبتَ عليها؛ فذاك أبعدُ لك" (2).
*وهذا المهر المفروض للمرأة، كما أنه يحقق هذا المعنى، فهو يطيّب نفس
المرأة ويرضيها بقوامة الرجل عليها؟ قال -تعالى-: {الرِّجال قَوّامُون على
النّساء بما فضَّل الله بَعْضَهُم على بَعْضٍ وبما أنْفَقوا من أمْوَالِهم}
(3)، مع ما
__________
(1) الممتحنة: 10.
(2) أخرجه البخاري: 5312، ومسلم: 1493.
(3) النساء: 34.
(5/154)
يضاف إِلى ذلك من توثيق الصِّلات، وإِيجاد
أسباب المودة والرحمة* (1).
وقال الله -تعالى-: {وآتوا النِّساء صَدُقاتِهِنَّ نحْلَة فإِنْ طبْنَ لكم
عن شيء مِنْهُ نَفْساً فكُلوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} (2).
أي: آتوا النساء مهورهن فريضةً مُسمّاة.
قال ابن كثير -رحمه الله- بعد ذِكْر عدد من أقوال السلف: "ومضمون كلامهم:
أنّ الرجل يجب عليه دفْع الصَّداق إلى المرأة حتماً، وأن يكون طَيِّبَ
النفس بذلك، كما يمنح المنيحة ويعطي النِّحلة طَيِّباً بها، كذلك يجب أن
يعطي المرأة صَداقها طيِّباً بذلك، فإِن طابت هي له به بعد تسميته، أو عن
شيء منه؛ فليأكله حلالاً طيبّاً، ولهذا قال: {فإِن طِبْنَ لكم عن شيء منه
نَفْساً فكلوه هَنِيئاً مَرِيئاً} ".
قدْر المهر:
*لم تجعل الشريعة حدّاً لقلّته ولا لكثرته، إِذ الناس يختلفون في الغنى
والفقر، ويتفاوتون في السعة والضيق، ولكل جهة عاداتها وتقاليدها، فترَكت
التحديد؛ ليعطي كل واحد على قدر طاقته، وحسب حالته ... وكل النصوص جاءت
تشير إِلى أنّ المهر لا يشترط فيه إِلا أن يكون شيئاً له قيمة [وثمن]؛ بقطع
النظر عن القلة والكثرة؛ فيجوز أن يكون خاتماً من حديد [مبالغة في تقليله]،
أو قدحاً من تمر، أو تعليماً لكتاب الله، وما شابَه ذلك،
__________
(1) ما بين نجمتين عن كتاب "فقه السنّة" (2/ 478).
(2) النساء: 4.
(5/155)
إِذا تراضى عليه المتعاقدان* (1).
وقال ابن حزم -رحمه الله- في "المحلّى" (11/ 97) تحت المسألة (1851) فيما
يجوز من الصَّداق." ... ولو أنه حبَّة بُرٍّ أو حبَّة شعير أو غير ذلك،
وكذلك كل عمل حلال موصوف؛ كتعليم شيء من القرآن أو من العلم أو البناء أو
الخياطة أو غير ذلك إِذا تراضيا بذلك. وورد في هذا اختلاف".
وقوله -تعالى-: { ... وآتَيتُم إِحْداهُنَّ قِنْطَاراً} (2) يدل على جواز
الكثرة، وعدم تحريم ذلك.
قال العلامة السعدى -رحمه الله-: "مع أنّ الأفضل واللائق؛ الاقتداء
بالنّبيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في تخفيف المهر ... لكن
قد يُنهى عن كثرة الصَّداق؛ إِذا تضمّن مفسدةَ دينية، وعدم مصلحة تُقاوَم".
وجاء في "الفتاوى" (32/ 192): "السُّنّة تخفيف الصّداق وأن لا يزيد على
نساء النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبناته ... ".
وجاء في "الروضة الندية" (2/ 73): "قال: في "الحجة": ولم يضبط النّبيّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المهر بحدٍّ لا يزيد ولا ينقص؛ إِذ
العادات في إِظهار الاهتمام مختلفة، والرغبات لها مراتب شتى، ولهم في
المشاحَّة طبقات؛ فلا يمكن تحديده عليهم؛ كما لا يمكن أن يضبط ثمن الأشياء
المرغوبة بحدٍّ مخصوص".
عن سهل بن سعد الساعدي يقول: "إِني لفي القوم عند رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ إِذْ
__________
(1) ما بين نجمتين عن "فقه السُّنَّة" (2/ 478) بحذفٍ يسير.
(2) النساء: 20.
(5/156)
قامت امرأة فقالت: يا رسول الله! إِنها قد
وَهَبت نفسها لك، فرَ (1) فيها رأيك، فلم يجبها شيئاً، ثم قامت فقالت: يا
رسول الله! إِتها قد وَهَبت نفسها لك، فرَ فيها رأيك، فلم يُجبها شيئاً،
ثمّ قامت الثالثة فقالت: إِنها قد وَهَبت لك، فرَ فيها رأيك، فقام رجلٌ
فقال: يا رسول الله! أنكِحْنيها، قال: هل عندك من شيء؟ قال: لا، قال: اذهب
فاطلب ولو خاتماً من حديد، فذهب وطلب، ثمّ جاء فقال: ما وجدتُ شيئاً، ولا
خاتماً في حديد، قال: هل معك من القرآن شيء؟ قال: معي سورة كذا وسورة كذا،
قال: اذهب فقد أنكحتُكها بما معك من القرآن" (2).
وعن أنس قال: "خطب أبو طلحة أم سليم، فقالت: والله ما مِثلك يا أبا طلحة!
يُردّ، ولكنك رجل كافر، وأنا مسلمة، ولا يحلّ لي أن أتزوجك، فإِنْ تُسلِم
فذاك مهري، وما أسألك غيره. فأسلَم؛ فكان ذلك مهرها" (3).
وقد يكون المهر على العمل يُعمل؛ وجاء في تبويب "سنن أبي داود": (باب، في
التزويج على العمل يُعمَل).
ثم ذكر حديث سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه-؛ وفيه: "هل معك من القرآن
شيء؟ قال: نعم سورة كذا وسورة كذا -لسُورٍ سمّاها-، فقال له رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قد زوجتُكَها بما معك من القرآن"
(4).
__________
(1) فعل أمرٍ من (رأى)؛ أي: انظر.
(2) أخرجه البخاري: 5149، ومسلم: 1425.
(3) أخرجه النسائي "صحيح سنن النسائي" (3133)، وانظر تخريجه في "أحكام
الجنائز" (ص 38).
(4) أخرجه البخاري: 5149، ومسلم، 1425، وهذا لفظ أبي داود "صحيح سنن أبي
داود" (1856)، وتقدّم.
(5/157)
و (العمل يُعمل) هنا: إِفادة زوجِهِ من
السور التي يحفظها، وذلك أنّ المهر المادّي إِنما هو بما يستحلّه الرجل من
فرج المرأة، فينبغي إِذاً أن نحمل المهر هنا؛ على إِفادتها من خلال تعليمه
لها ما استطاع من هذه السُّور، وانتفاعها بعمله بمقتضاها -ما استطاع إِلى
ذلك سبيلاً-. فليس المراد من حفظه القرآن الا ما تستفيد منه هي ليكون
مهرها.
وبذا، فيفيدنا ما جاء من تبويب في "سنن أبي داود" قوله: "التزويج على العمل
يُعمل" أن يقدّم أعمالاً أو خدماتٍ معيّنة للزوجة؛ فقد يعلّمها القراءة أو
الكتابة، وقد يتعهّد بعلاجها إِنْ كان مختصاً بذلك ... إِلخ. والله -تعالى-
أعلم.
مسألة: إِذا اختلف ما اتفق عليه العاقدان في السرّ والعلانية.
جاء في "الفتاوى" (32/ 199): "وسئل -رحمه الله- عن رجل تزوج امرأة وأعطاها
المهر، وكُتب عليه صَداقاً ألف دينار، وشرطوا عليه أننا ما نأخذ منك شيئاً
إِلا عندنا عادة وسمعة، والآن توفي الزوج، وطلبت المرأة كتابها من الورثة
على التمام والكمال؟
فأجاب: إِذا كانت الصورة ما ذُكِر؛ لم يجُز لها أن تطالب إِلا ما اتفقا
عليه، وأمّا ما ذُكر على الوجه المذكور؛ فلا يحلّ لها المطالبة به، بل يجب
لها ما اتفقا عليه".
وسألت شيخنا -رحمه الله-: إِذا اتفق العاقدان في السرّ على المهر، ثمّ
تعاقدا في العلانية بأكثر منه واختلفا؛ فبِمَ يكون الحُكم؟
فأجابني شيخنا -رحمه الله-: الحُكم بالمعلَن.
(5/158)
وقال الإِمام البخاري -رحمه الله-: (باب
تزويج المعسر الذي معه القرآن والإِسلام (1)).
قال الله -تعالى-: {إِنْ يَكُونوا فُقَراء يُغْنِهِم اللهُ مِنْ فَضْلِه}
(2).
وذكر حديث سهل بن سعد.
قال الحافظ: "قوله [أي: الإِمام البخاري]: لقوله -تعالى-: {إِنْ يَكُونوا
فُقَراء يُغْنِهِم اللهُ مِنْ فَضلِه}: هو تعليل لحُكم الترجمة، ومحصّله أن
الفقر في الحال لا يمنع التزويج؛ لاحتمال حصول المال في المآل، والله
أعلم".
وقال الإِمام البخاري (3) -رحمه الله-: (باب المهر بالعُروض وخاتمٍ من
حديد). والعُروض ما يقابل النقد، كما قال الحافظ -رحمه الله-.
فائدة:
جاء في "السلسلة الضعيفة" (4): "قد اعتاد كثير من الآباء مثل هذا الشرط
[أي: أن يشترط لنفسه سوى المهر]، وأنا وإنْ كنتُ لا أستحضر الآن ما يدلّ
على تحريمه، ولكني أرى -والعلم عند الله تعالى- أنه لا يخلو من شيء، فقد
__________
(1) انظر "صحيح البخاري" (كتاب النكاح) (باب - 6)، وذكر الإِمام البخاري
-رحمه الله- الآية في (باب - 14).
(2) النّور: 32.
(3) انظر "صحيح البخاري" (كتاب النكاح) "باب - 51".
(4) تحت الحديث الضعيف برقم (1007): "أيّما امرأة نُكحت على صداق أو حباء
أو عدّة قبل عِصمة النكاح، فهو لها، وما كان بعد عصمة النكاح، فهو لمن
أُعْطِيَهُ. وأحقُّ ما أُكْرِمَ عليه الرجل ابنتُهُ أو أختُهُ".
(5/159)
صحّ أن النبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: "إِنما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق (1) "، ولا أظن مسلماً
سليم الفطرة، لا يرى أن مثل هذا الشرط ينافي مكارم الأخلاق، كيف لا؟!
وكثيراً ما يكون سبباً للمتاجرة بالمرأة إِلى أن يحظى الأب أو الولي بالشرط
الأوفر، والحظ الأكبر، وإلا أعضلها! وهذا لا يجوز؛ لنهي القرآن عنه" (2).
انتهى.
النهي عن المغالاة في المهور:
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: "إِنّ مِن يمُن (3) المرأة تيسير خِطبتها، وتيسير صَداقها،
وتيسير رحمها". قال عروة: يعني: "تيسير رحمها للولادة". قال عروة: "وأنا
أقول مِن عندي: مِن أوّل شُؤمها: أن يكثر صَداقها" (4).
وعن أنس: "أنّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى عبد
الرحمن بن عوف وعليه وَضَرٌ (5) من
__________
(1) أخرجه البخاري في "الأدب المفرد"، وأحمد، والحاكم وغيرهم، وصححه شيخنا
-رحمه الله- في "الصحيحة" (45).
(2) وانظر -إِن شئت- ما قاله الإِمام ابن حزم -رحمه الله- في "المحلّى"
(11/ 127) تحت المسألة (1855)
(3) اليُمْنُ؛ أي: البركة، وضدّه الشُّؤم. "النهاية".
(4) أخرجه أحمد وغيره، وحسّنه شيخنا -رحمه الله- في "الإرواء" تحت (1928)،
وكان شيخنا -رحمه الله- قد تردد في أسامة بن زيد؛ أهو الليثي أم العدوى؟!
وفي التحقيق الثاني "للإرواء" (6/ 350) قال -رحمه الله-: "ثم رأيت ما يرجّح
أنه الليثي، وهو قول السخاوي في "المقاصد" (ص 404)، وسنده جيّد".
(5) الوضر: لطخ من خلوق، أو طيب له لون، وذلك من فعل العروس إِذا دخل على
زوجته، والوضر: الأثر من غير الطيب. "النهاية".
(5/160)
صُفرةٍ، فقال النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَهْيَمْ (1)؟! فقال: يا رسول الله! تزوجت امرأة من
الأنصار، قال: ما سُقت إِليها؟ قال: وزن نواة (2) من ذهب، قال: أوْلِمْ ولو
بشاة" (3).
وعن أبي سلمة قال: "سألت عائشة: كم كان صَداق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قالت: كان صَداقه لأزواجه ثنتي عشرة أُوقية ونشّاً.
قالت: أتدري ما النشُّ؟ قال: قلت: لا. قالت: نصف أوقية (4) " (5).
وعن أبي العجفاء السلمي، قال: "خطَبنا عمر فقال: ألا لا تغالوا بصُدُق
النساء، فإِنها لو كانت مَكرُمة في الدنيا، أو تقوى عند الله، لكان أولاكم
بها النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ما أصدق رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امرأة من نسائه، ولا أُصْدِقت امرأة
من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية" (6).
وعن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خير النكاح أيسره" (7).
__________
(1) أي: ما أمْرُك وشأنك؟ "النهاية".
(2) جاء في "النهاية": "النواة: اسم لخمسة دراهم، كما قيل للأربعين: أوقية
وللعشرين: نشٌّ ... والنواة في الأصل: عجمة التمرة".
(3) أخرجه البخاري: 2049، ومسلم: 1427.
(4) النَّشّ: نصف الأوقية، وهو عشرون درهماً، والأوقية: أربعون، فيكون
الجميع خمسمائة درهم. "النهاية".
(5) أخرجه مسلم: 1426.
(6) أخرجه أحمد وأبو داود "صحيح سنن أبي داود" (1852)، والنسائي، والترمذي
وصححه، وغيرهم، وصححه شيخنا -رحمه الله- في "الإِرواء" (1927).
(7) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (1859)، وابن حبان، والحاكم =
(5/161)
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "جاء
رجل إِلى النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إِنّي
تزوّجتُ امرأةً من الأنصار، فقال له النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: هل نظرت إِليها؟ فإِنّ في عيون الأنصار شيئاً، قال: قد نظرت
إِليها، قال: على كم تزوجتها؟ قال: على أربع أواقٍ. فقال له النّبيّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: على أربع أواقٍ؟ كأنّما تنحِتون
الفضّة من عُرْض هذا الجبل" (1).
جاء في "الفتاوى" (32/ 192 - 194): "ويُكره للرجل أن يصدق المرأة صدقاً
فيضرّ به إِنْ نَقَده، ويعجز عن وفائه إِنْ كان ديناً. قال أبو هريرة -رضي
الله عنه-: جاء رجل إِلى النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فقال: إِني تزوجت امرأة من الأنصار. فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: على كم تزوّجتها؟ قال: على أربع أواقٍ. فقال له النّبيّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: على أربع أوَاقٍ؟ فكأنما تنحتون
الفضة من عُرْض هذا الجبل! ما عندنا ما نعطيك؛ ولكن عسى أن نبعثك في بعْث
تصيب منه! قال: فبعث بعثاً إِلى بني عبس، بعث ذلك الرجل فيهم. رواه مسلم في
"صحيحه" (2). والأوقية عندهم: أربعون درهماً، وهي مجموع الصَّداق، ليس فيه
مقدم ومؤخر.
وعن أبي عمرو الأسلمي: أنه أتى النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يستعينه في مهر امرأة، فقال: كم أمهرتها؟ فقال: مائتي درهم.
فقال: لو كنتم تغرفون من بطحان ما زدتم (3).
__________
= وغيرهم، وصححه شيخنا -رحمه الله- في "الإِرواء" (1924).
(1) أخرجه مسلم: 1424.
(2) برقم: 1424.
(3) أخرجه الحاكم، وأحمد وقال الحاكم: "صحيح الإِسناد"، ووافقه الذهبي،
وانظر "الصحيحة" (2173).
(5/162)
رواه الإِمام أحمد في "مسنده". وإذا أصدقها
ديناً كثيراً في ذمته وهو ينوي أن لا يعطيها إِياه؛ كان ذلك حراماً عليه
(1).
وما يفعله بعض أهل الجفاء والخيلاء والرياء، من تكثير الهر للرياء والفخر،
وهم لا يقصدون أخْذه من الزوج، وهو ينوي أن لا يعطيهم إِياه؛ فهذا منكر
قبيح، مخالف للسنة، خارج عن الشريعة.
وإِنْ قصد الزوج أن يؤديه، وهو في الغالب لا يطيقه؛ فقد حمَّل نفسه، وشغل
ذمّته، وتعرّض لنقص حسناته، وارتهانه بالدَّين؛ وأهل المرأة قد آذوا صهرهم
وضرّوه.
والمستحب في الصَّداق -مع القدرة واليسار- أن يكون جميع عاجله وآجله لا
يزيد على مهر أزواج النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا
بناته، وكان ما بين أربعمائة إِلى خمسمائة بالدراهم الخالصة، نحواً من تسعة
عشر ديناراً. فهذه سُنّة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
مَنْ فَعَلَ ذلك فقد استن بسنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - في الصَّداق، قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: كان صَداقنا إِذ
كان فينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عشر أواق، وطبق
بيديه، وذلك أربعمائة درهم. رواه الإِمام أحمد في "مسنده"، وهذا لفظ أبي
داود في "سننه" (2).
وقال أبو سلمة: سألْت عائشة: كم كان صَداق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قالت: كان
__________
(1) وفي الحديث: "مَنْ تزوَّج امرأة على صَدَاق؛ وهو ينوي أنْ لا يُؤدِّيه
إِليها، فهو زانٍ" أخرجه البزّار وغيره وانظر "صحيح الترغيب والترهيب"
(1806 - 1807).
(2) وهو في سنن النسائي "صحيح سنن النسائي" (3140) ولفظه: "كان الصَّداق
إِذ كان فينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عشر أواق".
(5/163)
صَداقه لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونشاً.
قالت: أتدري ما النشّ؟ قال: قلت: لا. قالت: نصف أوقية: فتلك خمسمائة درهم.
رواه مسلم (1) في "صحيحه". وقد تقدّم عن عمر أن صَداق بنات رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان نحواً من ذلك. فمن دعته نفسه إلى
أن يزيد صَداق ابنته على صَداق بنات رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - اللواتي هن خير خلق الله في كل فضيلة، وهنّ أفضل نساء العالمين
في كل صفة: فهو جاهل أحمق. وكذلك صَداق أمهات المؤمنين، وهذا مع القدرة
واليَسار. فأمّا الفقير ونحوه فلا ينبغي له أن يصدق المرأة إِلا ما يقدر
على وفائه من غير مشقة.
والأولى فعجيل الصَّداق كله للمرأة قبل الدخول إِذا أمكن، فإِنْ قدّم البعض
وأخّر البعض: فهو جائز، وقد كان السلف الصالح الطيب يرخصون الصَّداق.
فتزوّج عبد الرحمن بن عوف في عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - على وزن نواة من ذهب. قالوا: وزنها ثلاثة دراهم وثلث. وزوّج
سعيد بن المسيب بنته على درهمين، وهي من أفضل أَيِّمِ من قريش، بعد أن
خطبها الخليفة لابنه، فأبى أن يزوجها به، والذي نُقل عن بعض السلف من تكثير
صَداق النّساء؛ فإِنما كان ذلك لأن المال اتسع عليهم، وكانوا يعجلون
الصَّداق كلّه قبل الدخول؛ لم يكونوا يؤخرون منه شيئاً. ومن كان له يَسار
ووجد، فأحب أن يعطي امرأته صَداقاً كثيرًا؛ فلا بأس بذلك، كما قال -تعالى-:
{وآتيتم إِحداهنّ قِنْطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً} (2). أمّا من يشغل ذمّته
بصَداق لا يريد أن يؤديه، أو يعجز عن وفائه، فهذا مكروه، كما تقدّم. وكذلك
من جعل في ذمّته صَداقاً كثيراً
__________
(1) برقم: 1426.
(2) النساء: 20.
(5/164)
من غير وفاء له: فهذا ليس بمسنون. والله
أعلم".
وليُعلم أنّ ابتعاد الناس عن هذه النصوص والعمل بمقتضاها؛ قد أدّى إِلى
العزوف عن الزواج، أو أنه جرّ أزمات اقتصادية للأُسر بعد الزواج، وأضحى
الفُحش أقرب من النكاح الحلال عند عددٍ من الشباب والشابّات.
فلنحذر من مظهريات النكاح، والمغالاة في المهور التي تقتُل العفّة
والطُّهر، وتعسّر الحلال، وتيسّر الحرام، وتستجلب الهموم والكُربات.
إِثقال الصَّداق يجعل العداوة في نفس الزوج:
عن أبي العجفاء السُلمي قال: قال عمر بن الخطاب: "لا تغالوا صَداق النساء،
فإِنها لو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى عند الله، كان أولاكم وأحقّكم بها
محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ما أَصدق امرأة من نسائه، ولا
أُصْدِقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية، وإنّ الرجل ليثقل صدقة
امرأته حتى يكون لها عداوة في نفسه، ويقول: قد كَلِفتُ إليك علَقَ القِربة
-أو عَرَق القربة (1) -. وكنت رجلاً عربياً مولَّداً (2)، ما أدري ما عَلَق
القِرية -أو عَرَق القِربة-؟ " (3).
__________
(1) عَلَق القربة أو عَرَق القربة؛ أي: تحملت لأجلك كل شيء حتى عَلق
القربة، وهو حبلها الذى تُعلّق به.
وعَرَق القربة؛ أي: تكلفت إِليك وتعِبت، حتى عرقِتُ كَعَرق القِربة،
وعرقها: سيلان مائها. "النهاية".
(2) هو الذي ولد بين العرب، ونشأ مع أولادهم وتأدّب بآدابهم. وقال الجوهري:
رجلٌ مُولَّدٌ: إِذا كان عربياً غير محض، وانظر "النهاية".
(3) أخرجه ابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه" (1532)، وأبو داود "صحيح سنن =
(5/165)
هل يدخل على زوجه إِذا لم يُمْهِرْهَا (1)؟
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "لمّا تزوج عليّ فاطمة، قال له رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أعطها شيئاً، قال: ما عندي
شيء، قال: أين درعك الحُطميّة؟ " (2).
وجاء في تبويب "سنن أبي داود" قبل هذا الحديث: (باب في الرجل يدخل بامرأته
قبل أن ينقدها).
وجاء في تبويب "سنن النسائي" تحت (باب نِحْلة الخلوة) بلفظ: " ... أنّ
علياً قال: تزوّجْتُ فاطمة -رضي الله عنها- فقلتُ: يا رسول الله! ابْنِ بي.
قال: أعطها شيئاً ... " (3).
قال ابن حزم -رحمه الله-: "*ومن تزوج، فسمّى صَداقاً أو لم يُسمّ، فله
الدخول بها؛ أحبَّت أم كرهت، ويقضى لها بما سمّى لها؛ أحبّ أم كره، ولا
يُمْنَعُ من أجل ذلك من الدخول بها، لكن يُقضى له عاجلاً بالدخول، ويقضى
لها عليه، حسب ما يوجد عنده من الصَّداق، فإِن كان لم يُسم لها شيئاً، قضي
عليه بمهر مِثلها، إِلا أن يتراضيا؛ بأكثر أو بأقل".
قال ابن المنذر -رحمه الله-: "أجمع كل من يُحْفَظُ عنه من أهل العلم، أن
للمرأة أن تمتنع من دخول الزوج عليها، حتى يعطيها مهرها".
__________
= أبي داود" (1852)، والترمذي "صحيح سنن الترمذي" (889)، والنسائي "صحيح
سنن النسائي" (3141) وغيرهم، وانظر "الإِرواء" (1927).
(1) هذا العنوان وكذا الثلاثة الآتية بعده بينها تداخُل؛ رأيتُ إِبقاءَها
للمزيد من الفائدة والتفصيل.
(2) أخرجه أبو داود "صحيح أبي داود" (1865)، والنسائي "صحيح النسائي"
(3161).
(3) "صحيح سنن النسائي" (3160).
(5/166)
وقد ناقش صاحب "المحلّى" هذا الرأي، فقال:
"لا خلاف بين أحد من المسلمين في أنه من حين يعقد الزواج؛ فإِنها زوجة له،
فهو حلال لها، وهي حلال له، فمن منَعَها منه، حتى يعطيها الصَّداق أو غيره،
فقد حال بينه وبين امرأته، بلا نصٍّ من الله -تعالى- ولا من رسوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لكن الحق ما قلنا: ألا يمنع حقّه منها، ولا
تمنع هي حقّها من صَداقها، لكن يطلق الدخول عليها؛ أحبَّت أم كَرِهت،
ويُؤخَذ مما يوجد له صَداقها؛ أحب أم كره، وصح عن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تصويب قول القائل: "أعط كلّ ذي حقٍّ حقّه" (1) * (2).
وسألتُ شيخنا -رحمه الله-: هل يتحقّق النكاح بالوليّ والشاهدين؛ وبه تستحلّ
الفروج، أم أنّ للمهر علاقة؟
فأجاب -رحمه الله-: "ليس له علاقة، فيمكن أن يبني بزوجته؛ بالشرطين
المذكورين في الحديث، وأن يؤخّر المهر لها؛ دون الاتفاق على كميّة المهر،
وإِذا اختلفوا، فهو مُكلّف شرعاً بأن يدفع لها مهر المِثل -أي: مثيلاتها من
نساء قبيلتها-: سنّها، ثيّب، بِكر، قبيحة، جميلة، ويمكن في صورة نادرةٍ
جدّاً؛ أن يجعل مهرها تعليمها القرآن، بل ثبتَ أن أمّ سليم قد جعلَت مهر
أبي طلحة -رضي الله عنهما- إِسلامه، فأسلم، وكان مهرَ زوجه".
ثمّ قرأْتُ ما جاء في "السيل الجرّار" (2/ 276) وهو قوله: " ... أقول: لم
يَرِدْ ما يدلّ على أنّ المهر شرطٌ مِن شروط العقد أو رُكن من أركانه.
وأمّا قوله
__________
(1) أخرجه البخاري: 1968.
(2) انظر "المحلى" (11/ 87 - 91) وذكره السيد سابق -رحمه الله- في "فقه
السنة" (2/ 483 - 484).
(5/167)
-سبحانه-: {ولا جُناح عليكم أن تنكحُوهنّ
إِذا آتيتموهنّ أجورهنّ} (1)،
فالمراد أنّ المهر واجب للمنكوحة لا يجوز مَطْلُهَا منه، ولو كان العقد لا
يصحّ إِلا بالمهر؛ لم يقل الله -عزّ وجلّ-: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء
ما لم تمسوهنّ أو تفرضوا لهنّ فريضة} (2)؛ فإِنّ هذه الآَية تفيد أنّ العقد
قد يقع قبل فرض المهر".
ثمّ ذكَر بعض الأدلّة على ذلك.
وقال شيخ الإِسلام -رحمه الله- في "الفتاوى" (32/ 207): "إِذا خلا الرجل
بالمرأة، فمنعته نفسها من الوطء ولم يطأها؛ لم يستقر مهرها في مذهب الإِمام
أحمد -الذي ذكره أصحابه: كالقاضي أبي يعلى، وأبي البركات، وغيرهما-، وغيره
من الأئمة: مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، وإذا اعترفت بأنها لم تمكّنه من
وطئها؛ لم يستقر مهرها باتفاقهم.
ولا يجب لها عليه نفقة ما دامت كذلك باتفاقهم، وإِذا كانت مبغضة له مختارة
سواه؛ فإِنها تفتدي نفسها منه".
ماذا إِذا دخَل بها ولم يفرض لها صَداقاً؟
عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه-: "أنّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال لرجل: أترضى أن أزوجك فلانة؟ قال: نعم! وقال للمرأة:
أترضين أن أزوجك فلاناً؟ قالت نعم! فزوّج أحدهما صاحبه، فدخل بها الرجل،
ولم يفرض لها صَداقاً، ولم يعطها شيئاً -وكان ممن شهد الحديبية، وكان مَنْ
شهد الحديبية له سهم بخيبر- فلمّا
__________
(1) الممتحنة: 10
(2) البقرة: 236.
(5/168)
حضرته الوفاة قال: إِنّ رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زوّجني فلانة، ولم أفرِض لها صَداقاً، ولم
أُعطها شيئاً، وإني أشهدكم: أني أعطيتها من صداقها سهمي بخيبر، فأخذَت
سهماً، فباعته بمائة ألف" (1).
وكنت قد سألت شيخنا -رحمه الله- في موطن آخر. هل يمكن الدخول بدون مهر ثمّ
يدفع؟ فقال -رحمه الله-: نعم؛ يدفع لها مهر مَثِيلاتها.
الزواج بغير ذِكر المهر:
يجب الاتفاق على المهر للأحاديث المتقدّمة -قلّ أو كثُر-، ولكن إذا وقَع
الزواج بغير ذكر المهر صحّ، قال الله -تعالى-: {لا جُناح إنْ طَلَّقْتُم
النّساءَ ما لم تَمَسّوهُنَّ أو تَفْرِضُوا لهُنَّ فريضة} (2).
وإِذا دخَل بها الزوج، أو تُوفّي قبل ذلك؛ فإِن للزوجة مهرَ المِثل
والميراث.
عن ابن مسعود -رضي الله عنه-: "أنه سئل عن امرأة تزوجها رجل، ولم يفرض لها
صَداقاً، ولم يدخل بها حتى مات؟ فقال ابن مسعود: لها صَداق نسائها؛ لا وكس
(3) ولا شطط (4)، وعليها العدة، ولها الميراث. فقام معقل بن سنان الأشجعي
فقال: قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بروَع (5)
بنت واشق -أمرأة لنا-
__________
(1) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (1859)، وانظر "الإِرواء" (1924)،
وتقدّم.
(2) البقرة: 236.
(3) الوكس: النقص.
(4) الشطط: الجور.
(5) انظر ضبطها في "أسد الغابة" (7/ 356) برقم (6772).
(5/169)
مثل ما قضيت" (1).
وفي رواية: "أنه أتاه (2) قوم فقالوا: إِنّ رجلاً منّا تزوج امرأة، ولم
يفرض لها صَداقاً، ولم يجمعها إِليه، حتى مات؟ فقال عبد الله: ما سئلت -منذ
فارقت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -- أشد علي من هذه!
فأْتوا غيري، فاختلفوا إِليه فيها شهراً، ثم قالوا له في آخر ذلك: من نسأل
إِن لم نسألك؟! وأنت من جلة أصحاب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بهذا البلد، ولا نجد غيرك؟ قال: سأقول فيها بجهد رأيي، فإِنْ
كان صواباً، فمن الله وحده لا شريك له، وإِن كان خطأً، فمني ومن الشيطان،
والله ورسوله منه براء، أرى أن أجعل لها صَداق نسائها، لا وكس ولا شطط،
ولها الميراث، وعليها العدة أربعة أشهر وعشراً، قال: وذلك بسمْع أُناسٍ من
أشجع، فقاموا فقالوا: نشهد أنك قضيت بما قضى به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في امرأة منّا -يقال لها: بروع بنت واشق-. قال: فما
رُئي عبد الله فرح فرحته يومئذ إِلا بإِسلامه".
وفي رواية: "وذلك بحضرة ناس من أشجع، فقام رجل -يقال له: معقل بن سنان
الأشجعي- فقال: أشهد أنك قضيت بمِثل الذي قضى به رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، في امرأة منا -يقال لها: بْروَع بنت واشق-،
فما رُئي عبد الله فرح بشيء بعد الإِسلام كفرحه بهذه القصة" (3).
جاء في "سُبُل السلام" (3/ 289): "والحديث دليل على أنّ المرأة
__________
(1) أخرجه أبو داود، والترمذي، وصححه شيخنا -رحمه الله في "الإِرواء"
(1939).
(2) أي: عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-.
(3) أخرجه النسائي والسياق له، وابن حبان والرواية الأخرى له، والحاكم
وغيرهم، وصححه شيخنا -رحمه الله- في "الإِرواء" (6/ 358).
(5/170)
تستحق كمال المهر بالموت، وإن لم يُسَمِّ
لها الزّوج ولا دخل بها، وتستحق مهر مِثلها".
فيمن تزوّج ولم يُسمِّ صداقاً حتى مات (1):
فيه الحديث المتقدّم عن عبد الله، في رجل تزوّج امرأة فمات عنها، ولم يدخل
بها، ولم يفرض لها الصَّداق، فقال: لها الصَّداق كاملاً، وعليها العدة،
ولها الميراث. فقال معقل بن سنان: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى به في بَرْوَعَ بنت واشق (2).
وجاء في "السيل الجرّار" (2/ 280): "فيه دليل على ثبوت المهر بالموت بطريق
الأولى؛ لأنّه إِذا ثبت مع عدم التسمية؛ يثبت معها بفحوى الخطاب، فهذا
الحديث يكفي في الاستدلال به على أن الموت يجب به المهر والميراث".
مهر المِثل:
*مهر المِثل؛ هو المهر الذي تستحقه المرأة، مِثل مهر من يماثلها وقت العقد
في السنّ، والجمال، والمال، والعقل، والدين، والبكارة، والثيوبة، والبلد،
وكل ما يختلف لأجله الصَّداق؛ كوجود الولد، أو عدم وجوده؛ إِذ إِن قيمة
المهر للمرأة تختلف عادة باختلاف هذه الصفات، والمعتبر في المماثلة من جهة
عصبتها، كأختها، وعمّتها، وبنات أعمامها.
وقال أحمد -رحمه الله-: "هو معتبر بقراباتها من العصبات، وغيرهم من
__________
(1) هذا العنوان من سنن أبي داود "صحيح سنن أبي داود" (2/ 397).
(2) انظر تخريج الحديث الذي قبله، وانظر "صحيح سنن أبي داود" (1857).
(5/171)
ذوي أرحامها، وإِذا لم توجد امرأة من
أقربائها من جهة الأب متصفة بأوصاف الزوجة، التي نريد تقدير مهر المِثل
لها، كان المعتبر مهر امرأة أجنبية، من أسرة تماثل أسرة أبيها"* (1).
عن عروة بن الزبير: "أنه سأل عائشة -رضي الله عنها- عن قول الله -تعالى-:
{وإِنْ خفْتُمْ} إِلى {وَرُبَاعَ}؟ فقالت: يا ابن أختي! هي اليتيمة تكون في
حَجْر وليَّها، تُشاركه في ماله، فيُعجبه مالها وجمالها، فيُريد وليُّها أن
يَتَزَوَّجَها بغير أن يقسِط في صَداقها، فيُعطيها مثلَ ما يُعطيها غيره،
فَنُهُوا أن ينكحوهنّ إِلا أن يُقسطوا (2) لهنّ، ويبلغوا بهنّ أعلى
سُنّتِهنّ من الصَّداق (3)، وأُمِروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء
سواهنّ. قال عروة: قالت عائشة: ثمّ إِنَّ النّاس استفتوا رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد هذه الآية؟ فأنزل الله:
{ويَسْتَفْتُونَكَ في النِّساء} إِلى قوله: {وتَرْغَبُون أنْ
تَنْكِحُوهُنَّ}، والذي ذكر الله أنه يُتلى عليكم في الكتاب الآية الأولى
التي قال فيها: {وإِنْ خِفتم أن لا تُقْسِطوا في اليتامى فانكحوا ما طابَ
لكم من النساء}، قالت عائشة: وقول الله في الآية الأخرى: {وَترغبون أنْ
تَنْكِحُوهُنَّ}؛ يعني: هي رغبة أحدكم ليتيمته التي تكون في حَجره حين تكون
قليلة المال والجمال، فنُهوا أن ينكحوا ما رغبوا في مالها من يتامى النساء
إِلا بالقسط؛ من أجل رغبتهم عنهنّ" (4).
__________
(1) ما بين نجمتين عن "فقه السّنّة" (2/ 478).
(2) أي: يعدلوا.
(3) أي: أعلى عادتهنّ في مهورهن ومهور أمثالهنّ. "شرح النووي".
(4) أخرجه البخاري: 2494، ومسلم: 3018.
(5/172)
ففي قول عائشة -رضي الله عنها-: "فنُهوا أن
ينكحوهنّ إِلا أن يُقسطوا لهنّ، ويبلغوا بهنّ أعلى سُنّتهنّ من الصَّداق"؛
مراعاة مَهْر المِثل في النساء كما لا يخفى.
العدْل في المهور:
لحديث عروة بن الزبير السابق وفيه: " ... فيُريد وليُّها أن يَتَزَوّجها
بغير أن يقسِط في صَداقها، فيُعطيها مثل ما يُعطيها غيره، فنهوا أن
ينكحوهنّ إِلا أن يُقسطوا لهنّ، ويبلغوا بهن أعلى سُنّتِهنّ من الصَّداق".
وكيف يقسط في صَداقها؟
قد بيّنته عائشة -رضي الله عنها- بقولها: " .. فيعطيها مِثل ما يُعطيها
غيره".
العَدْل في صداق اليتيمة:
للنصّ السابق، وفيه قول عائشة -رضي الله عنها-: "هي اليتيمة تكون في حجر
وليّها، تُشاركه في ماله، فيُعجبه مالها وجمالها، فيُريد وليُّها أن
يَتَزَوّجها بغير أن يقسِط في صَداقها، فيُعطيها مثل ما يُعطيها غيره،
فنهوا أن ينكحوهنّ إِلا أن يُقسطوا لهنّ".
الرجل هو الذي يحدّد المهر:
والرجل هو الذي يُحدّد المهر؛ لكن في ضوء ما تقدّم من توجيهات وقواعد،
ويراعي مهر المِثل، ولا يُغالي في ذلك.
وفي بعض مجالس شيخنا -رحمه الله-: أفادنا أنّ الرجل هو الذي يحدّد
(5/173)
ذلك، وذكر عدداً من الأدلّة؛ منها:
حديث أنس -رضي الله عنه- قال: "سأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - عبد الرحمن بن عوف -وتزوّج امرأة من الأنصار-: كم أصدقتها؟
قال: وزن نواة من ذهب" (1).
وذكَر ما يتعلّق بخاتمة الأمر، وعدم رفض ولي الزوجة.
متى يجب عليه نصف المهر؟
إِذا طلّق الرجل زوجه قبل الدخول بها، وكان قد فرَض لها قدْراً مُعيناً؛
فإِنّه يجب عليه نصف المهر.
قال -تعالى-: {وإِنْ طَلّقتُموهنّ من قبل أن تَمَسُّوهنّ وقد فَرَضْتم
لهُنّ فَريضة فَنِصفُ ما فَرَضتُم إِلا أنْ يَعْفُون (2) أو يَعْفُوَ الذي
بِيَدِه عُقْدَةُ النكاح وأنْ تَعْفوا أقْرَبُ للتَّقْوَى ولا تَنْسَوا
الفَضْلَ بَيْنَكُم إِنّ اللهَ بما تَعْمَلون بصير} (3).
ماذا يجب مِن المهر إِذا أغلق الباب وأرخى الستر ولم يدخل بزوجه؟
عن زرارة بن أبي أوفى -رضي الله عنه- قال: "قضى الخلفاءُ الراشدون
__________
(1) أخرجه البخاري: 5167، ومسلم: 1427، وتقدّم.
(2) قال ابن كثير -رحمه الله-: "وقوله: {إِلا أن يعفون} أي: النساء عما وجب
لها على زوجها من النصف، فلا يجب لها عليه شيء.
قال السدي، عن أبي صالح، عن ابن عباس في قوله: {إِلا أن يعفون} قال: إِلا
أن تعفو الثًيّب فتدَعَ حقّها".
(3) البقرة: 237.
(5/174)
المهديّون؛ أنّ مَن أغلق باباً، أو أرخى
ستراً؛ فقد وجب المهر، ووجبت العدّة" (1).
وعن عمر -رضي الله عنه- قال: "إِذا أُجيف الباب، وأُرخيت الستور؛ فقد وجب
المهر" (2).
هذا؛ وقد فصّل الإمام ابن حزم -رحمه الله- في ذلك تفصيلاً قويّاً تحت
المسألة (1846)؛ فارجع إِليه -إِن شئت-. وقال في آخر المسألة:
"فإِن تعلّقوا بمن جاء ذلك عنه من الصحابة -رضي الله عنهم-؛ فلا حُجّة في
أحد دون رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وقد اختلفوا كما ذَكَرْنا (3)؛ فوجَب الردّ عند التنازُع إِلى القرآن
والسُّنّة".
جاء في "السيل الجرّار" (2/ 281): " ... وأمّا الخلوة فلم يكن في المقام ما
ينتهض للاحتجاج به، ولم يصحّ من المرفوع ما تقوم به الحُجّة ...
وقد قال -عزّ وجلّ-: {وإِنْ طَلّقتُموهنّ من قبل أن تَمَسّوهنّ وقد
فَرَضْتُم لهُنّ فَريضة فَنِصفُ ما فَرَضتُم}، فإِن كان المراد بالمس
الجماع؛ فظاهره أنَّ الخلوة ليست بجماع، وإِن كان المس أعمّ من الجماع، وهو
وضع عضو منه على عضو منها؛ فليست الخلوة المجردة مَسّاً؛ وإن أرخى عليها
مائة ستر، ونظر إِليها
__________
(1) أخرجه الإِمام أحمد وغيره، وصححه شيخنا -رحمه الله- في "الإِرواء"
(1937).
(2) أخرجه الدارقطني بإِسناد صحيح، وانظر "الإِرواء" (6/ 357).
(3) وكان قد ذَكر -رحمه الله- آثاراً عديدة، بعضها في إِيجاب المهر كاملاً،
وبعضها في نصفه.
(5/175)
ألف نظرة! وإِذا عرفت هذا؛ فلا حاجة بنا
إِلى التكلم على الخلوة الصحيحة والفاسدة".
وقال شيخنا -رحمه الله - في "السلسلة الضعيفة" بعد الحديث (1019) -بحذف-:
"من كشف خمار امرأة، ونظر إِليها، فقد وجَب الصَّداق؛ دخل بها أم لم يدخل"
(1):
"وجُملة القول؛ أن الحديث ضعيف مرفوعاً، صحيح موقوفاً. ولا يقال: فالموقوف
شاهد للمرفوع لأنه لا يقال بمجرد الرأي؛ لأمرين:
الأوّل: أنه مخالف لقوله -تعالى-: {وإِنْ طَلّقتُمُوهنّ من قبل أن
تَمَسُّوهنّ وقد فَرَضْتُم لهُنّ فَريضة فَنِصفُ ما فَرَضتم .. } (2)؛ فهي
بإِطلاقها تشمل التي خلا بها. وما أحسن ما قال شريح: "لم أسمع الله -تعالى-
ذكر في كتابه باباً ولا ستراً، إذا زعم أنه لم يمسها فلها نصف الصَّداق"
(3).
الثاني: أنه قد صح خلافه موقوفاً، فروى الشافعي (2/ 325): ... عن ابن عباس
-رضي الله عنهما-: "أنه قال في الرجل يتزوج المرأة، فيخلو بها ولا يمسها،
ثمّ يطلّقها: ليس لها إِلا نصف الصَّداق؛ لأن الله يقول: {وإِنْ
طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أنْ تَمَسُّوهُنّ وَقَدْ فرَضْتُم لَهُنَّ
فَرِيضَة}. ومن طريق
__________
(1) أخرجه الدارقطني؛ وفيه علّة الإِرسال، وضَعْف ابن لهيعة، وانظر
"الضعيفة" (1019).
(2) البقرة: 237.
(3) "تفسير القرطبي" (3/ 205)، وهو عند البيهقي بسند صحيح عنه نحوه. قاله
شيخنا -رحمه الله-.
(5/176)
الشافعي رواه البيهقي (7/ 254).
قلت: وهذا سند ضعيف، لكن قد جاء من طريق أخرى عن طاوس، أخرجه البيهقي من
طريق سعيد بن منصور: ثنا هُشيم: أنبأ الليث عن طاوس عن ابن عباس: "أنه كان
يقول في الرجل أُدخلت عليه امرأته، ثمّ طلقها، فزعم أنه لم يمسها، قال.
عليه نصف الصَّداق".
قلت: وهذا سند صحيح، فبه يتقوّى السند الذي قبله، والآتي بعده عن علي بن
أبي طلحة.
ثمّ أخرج البيهقي عن عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي
طلحة عن ابن عباس في قوله -تعالى-: {وإِن طَلَّقْتُمُوهُنّ قَبْلِ أنْ
تَمَسُّوهُنّ .. } الآية: "فهو الرجل يتزوّج المرأة، وقد سمى لها صَداقاً،
ثمّ يطلقها من قبل أن يمسها، والمس الجماع، فلها نصف الصَّداق، وليس لها
أكثر من ذلك.
قلت: وهذا ضعيف منقطع، ثم روى عن الشعبي عن عبد الله بن مسعود قال: "لها
نصف الصَّداق، وإِنْ جلس بين رجليها". وقال: "وفيه انقطاع بين الشعبي وابن
مسعود".
فإِذا كانت المسألة مما اختلف فيه الصحابة، فالواجب حينئذ الوجوع إِلى
النص، والآية مؤيدة لما ذهب اليه ابن عباس؛ على خلاف هذا الحديث، وهو مذهب
الشافعي في "الأمّ" (5/ 215). وهو الحق- إِن شاء الله تعالى-". انتهى كلام
شيخنا -رحمه الله-.
قلت: ومِثل ذلك يُقال في أثر زرارة -رضي الله عنه-؛ لأن إِيجاب العدّة
إِنما
(5/177)
هو على مَنْ دخَل، وقد قال الله -تعالى-:
{يا أيها الذين آمنوا إِذا نَكَحْتُم المؤمنات ثمّ طَلَّقْتمُوهُنّ مِنْ
قَبْلِ أن تَمَسُّوهَنّ فَمَا لَكُم عَلَيْهنّ من عدّةٍ تَعْتَدُّونَهَا}
(1).
والراجح: أنه إِذا أَغلق الباب وأرخى الستر، ولم يدخل بزوجه؛ فلها نصف
الصَّداق، ولا عدّة عليها -والله تعالى أعلم-.
قال ابن كثير -رحمه الله-: " ... وتشطير الصداق -والحالة هذه- أمْر مُجمعٌ
عليه بين العلماء، لا خلاف بينهم في ذلك، فإِنه متى كان قد سَمَّى لها
صَداقاً ثمّ فارقَها قبل دخوله بها، فإِنه يجب لها نصف ما سمّى من
الصَّداق، إِلا أن عند الثلاثة أنه يجب جميع الصَّداق إِذا خلا بها الزوج،
وإن لم يدخل بها ... " (2).
فوائد متفرِّقة:
*جاء في "الفتاوى" (32/ 197): "وسئل -رحمه الله تعالى- عن رجل اعتقلته
زوجته عند الحاكم على الصَّداق مدة شهرين، ولم يوجد له موجود: فهل يجوز
للحاكم أن يبقيه أو يُطْلِقه؟
فأجاب: إِذا لم يُعرَف له مال؛ حلّفه الحاكم على إِعساره وأطلقه، ولم يجز
حبسه وتكليفه البينة والحالة هذه في المذاهب الأربعة".
*وسألتُ شيخنا -رحمه الله-: هل يسقط المهر إِذا فُسخ العقد لإِعسار الرجل
أو لعيبٍ فيه؟!
فأجاب -رحمه الله-: إِذا بنى أو دخَل؛ فهو حقٌّ لها.
__________
(1) الأحزاب: 49.
(2) انظر -إِن شئت- تتمّة الكلام عن الإِمام الشافعي -رحمه الله-.
(5/178)
* وسألت شيخنا -رحمه الله-: إِذا ارتدّت
المرأة عن الإِسلام، فهل يسقط المهر عن الرجل قبل الدخول؟
فأجاب -رحمه الله-: لا يسقط حقّها؛ لأنّ حقّها تحقّق بمجرّد العقد، وكان
العقد مشروعاً، والحقّ يبقى في ذمّته.
قلت: وبعد الدخول؛ هل هو من باب أولى؟
فأجاب -رحمه الله-: نعم.
* وسألت شيخنا -رحمه الله-: إِذا اكتشف الرجل عيباً بالمرأة؛ يمنَعه من
الاستمتاع؛ فهل له أخْذ ما أعطاها من الصّداق؟
فأجاب -رحمه الله-: إِذا جامعها لا، وإذا لم يجامعها، فله ذلك.
الإِمهار عن غيره:
عن أمّ حبيبة: "أنها كانت تحت عبيد الله بن جحش، فمات بأرض الحبشة، فزوجها
النجاشي النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأمهرها عنه أربعة
آلاف، وبعث بها إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع
شرحبيل ابن حسنة".
قال أبو داود: "حسنةُ هي أمّه" (1).
الرجل هو الذي يُعدّ البيت ويؤثثه ويجهّزه:
لا شكّ أنّ *المسؤول عن إِعداد البيت إِعداداً شرعياً، وتجهيز كل ما يحتاج
له من الأثاث، والفرش، والأدوات: هو الزوج. والزوجة لا تسأل عن شيء من ذلك،
مهما كان مهرها ... لأنّ المهر إِنما تستحقه الزوجة في مقابل الاستمتاع
__________
(1) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (1853).
(5/179)
بها، لا من أجل إِعداد الجهاز لبيت الزوجية، فالمهر حقٌّ خالصٌ لها. ليس
لأبيها، ولا لزوجها، ولا لأحد حقّ فيه* (1).
وقد قال الله -تعالى-: {الرِّجال قَوّامون على النِّساء بمَا فَضَّل الله
بَعضهم على بعض وبِما أنْفَقُوا مِن أمْوَالِهم} (2).
قال ابن كثير -رحمه الله تعالى-: " {وبمَا أنفقوا من أمْوَالِهِم}؛ أي: من
المهور والنفقات والكُلَف التي أوجبها الله عليهم لهنّ في كتابه وسنة نبيه
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -". |