الموسوعة
الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة العدّة (1)
تعريفها:
العدة في اللغة من قولك: عَدَدْت الشيء
إِذا أحصيتَه؛ فسُمّيت العدّة عدّة؛ مِن أنَها مُحصاة؛ لأنها ثلاثة قروء،
وثلاثة أشهر، وأربعة أشهر وعشراً (2).
وفي الشرع: "اسم لمدة تتربّص المرأة عن التزويج بعد وفاة زوجها أو طلاقها؛
بالولادة أو الأقراء أو الأشهر" (3).
وكانت العدة معروفة في الجاهلية، وكانوا لا يكادون يتركونها، فلمَّا جاء
الإِسلام، أقرّها؛ لما فيها من مصالح.
وأجمَع العلماء على وجوبها؛ لقول الله -تعالى-: {والمطلقات يتربصنَ
بأنفسهنّ ثلاثة قروء} (4) ولحديث فاطمة بنت قيس -رضي الله عنها- قالت:
"طلَّقني زوجي ثلاثاً، فأردت النُّقلة، فأقبل النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "انتقلي إِلى بيت ابن عمك عمرو بن أمِّ مكتوم؛
فاعتدِّي عنده" (5).
حِكمة مشروعيتها:
1 - معرفة براءة الرحم، حتى لا تختلط الأنساب بعضها ببعض.
__________
(1) عن "فقه السّنة" (3/ 92) بتصرُّف وزيادة لأوَّل (أين تعتدّ المرأة
المتوفّى زوجها).
(2) انظر "حلية الفقهاء" (ص 183).
(3) انظر "سبل السلام" (3/ 373) بتصرُّف يسير.
(4) البقرة: 228.
(5) أخرجه مسلم: 1480.
(5/383)
2 - تهيئة فرصة للزوجين لإِعادة الحياة
الزوجية، إِنْ رأيا أن الخير في ذلك.
3 - أنَّ مصالح النّكاح لا تتمّ، حتى يُوطِّنا أنفسهما على إِدامة هذا
العقد ظاهراً، فإِنْ حدث حادِثٌ يوجب فكّ النظام، لم يكن بدٌّ من تحقيق
صورة الإِدامة في الجملة، بأن تتربص مدةً تجد لتربصها بالاً، وتقاسي لها
عناءً (1).
أنواع العِدّة:
1 - عدة المرأة التي تحيض، وهي ثلاث حِيَض.
2 - عدة المرأة التي يئست من الحيض، وكذا التي لم تَحِضْ، وهي ثلاثة أشهر.
3 - عدة المرأة التي مات عنها زوجها، وهي أربعة أشهر وعشراً؛ ما لم تكن
حاملاً.
4 - عدة الحامل، حتى تضع حملها.
وهذا إِجمال، نفصله فيما يلي: فإِن الزوجة؛ إِمّا أن تكون مدخولاً بها، أو
غير مدخول بها.
عِدَّة غير المدخول بها:
والزوجة غير المدخول بها، إِنْ طُلقتْ، فلا عِدَّة عليها؛ لقول الله
-تعالى-: {يا أيها الذين آمنوا إِذا نكحتم المؤمنات ثمّ طلقتموهنّ من قبل
أن تمسوهنّ (2) فما لكم عليهنّ من عدّة تعتدونها} (3).
__________
(1) من "حجة الله البالغة".
(2) المس: الدخول.
(3) الأحزاب: 49.
(5/384)
فإِنْ كانت غيرَ مدخول بها، وقد مات عنها
زوجها، فعليها العِدّة، كما لو كان قد دخَل بها.
قال الله -تعالى-: {والذين يُتوفون منكم ويذَرون أزواجاً يتربَّصن
بأنفسهنَّ أربعةَ أشهرٍ وعشراً} (1).
عدّة المدخول بها:
وأمّا المدخول بها؛ فإِمّا أن تكون من ذوات الحيض، وإمّا أن تكون من غير
ذوات الحيض.
عدّة الحائض:
فإِنْ كانت من ذوات الحيض، فعدّتها ثلاثة قروء؛ لقول الله -تعالى-:
{والمطلقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروء} (2).
والقروء جمع قُرء، والقرء: الحيض.
ورجَّح ذلك ابن القيّم -رحمه الله تعالى- فقال في "زاد المعاد" (5/ 609 -
611): "إِن لفظ (القرء) لم يُستعمل في كلام الشارع إِلا للحيض، ولم يجيء
عنه في موضع واحد استعماله للطهر، فحمْله في الآية على المعهود المعروف من
خطاب الشارع أولى، بل متعين، فإِنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قال للمستحاضة: "دعي الصّلاة أيّام أقْرائِك" (3) وهو - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المعبّر عن الله -تعالى- وبِلُغَةِ قومه نزَل القرآن،
فإِذا ورد
__________
(1) البقرة: 234.
(2) البقرة: 228.
(3) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (252)، والترمذي "صحيح سنن =
(5/385)
المشترك في كلامه على أحد معنييه، وجب
حمْلُه في سائر كلامه عليه؛ إِذا لم تثبت إِرادة الآخر في شيء من كلامه
ألبتة، ويصيرُ هو لغة القرآن التي خوطبنا بها، وإنْ كان له معنى آخر في
كلام غيره".
ثمّ قال -رحمه الله-: "فإِذا ثبت استعمال الشارع لفظ القروء في الحيض؛ عُلم
أن هذا لغته، فيتعين حمْله على ما في كلامه، ويوضح ذلك ما في سياق الآية من
قوله: {ولا يحلّ لهنّ أنْ يكتمن ما خلَق الله في أرحامهنّ} (1).
وهذا هو الحيض والحمل عند عامَّة المفسرين، والمخلوق في الرحم إِنما هو
الحيض الوجودي، ولهذا قال السلف والخلف: هو الحمل والحيض، وقال بعضهم:
الحمل، وبعضهم: الحيض، ولم يقل أحد قطُّ: إِنه الطهر، ولهذا لم ينقله من
عُني بجمع أقوال أهل التفسير، كابن الجوزي وغيره، وأيضاً فقد قال -سبحانه-:
{واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهنّ ثلاثة أشهر واللائي
لم يَحِضْن} (2) فجعل كلّ شهر بإِزاء حيضة، وعلّق الحكم بعدم الحيض لا بعدم
الطهر من الحيض".
ثمّ قال -رحمه الله- (ص 631) منه: "فقوله -تعالى-: {فطلّقوهنّ
__________
= الترمذي" (109)، وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه" (508)، وانظر "الإرواء"
(207 و2118).
(1) البقرة: 228.
(2) الطلاق: 4.
(5/386)
لعدتهنّ} (1)، معناه: لاستقبال عدتهنّ لا
فيها، وإذا كانت العدة التي يُطلق لها النساء مستقبلةً بعد الطلاق،
فالمستقبَل بعدها إِنما هو الحيض، فإِنَّ الطاهر لا تستقبِلُ الطهر -إِذ هي
فيه- وإنما تستقبل الحيض بعد حالها التي هي فيها". انتهى.
قلت: جاء في "حلية الفقهاء" (ص 183) -بحذف-: "وأمّا القُرء فهو اسمٌ يقع
على الحيض والطُّهر ... قال أبو عمرو بن العلاء: وإنّما جاز ذلك؛ لأنّ
القُرء الوقت، وهو يصلح للحيض، ويصلُح للطُّهر.
فهذا ما تقوله العرب، وليس الاختلاف الواقع بين الفقهاء على اطّراح أحد
القولين، وكلّهم مجمعون على أنّ القُرء اسمٌ يقع على الحيض، كما يقع على
الطهر، ولكن كُلاًّ اختار قولاً، واحتج له من جهة المعنى.
ومثل ذلك أنّ الجون اسمٌ يقع على الأبيض، كما يقع على الأسود، ثمّ اختلف
الناس في الشمس، ولِمَ سُمّيت جَوْناً؟ فيقول قوم: لبياضها، ونورها، ويقول
آخرون: لا، بل لسوادها، لأنّها إِذا غابت اسودت. ثمّ يحتجُّ كلٌّ لمِقالته؛
بعد إِجماعهم على أن الجَوْن الأبيض والأسود.
وكذا الفقهاء مجمعون على أن القُرء: الطُّهر والحيض ... ". انتهى
قلت: الذي ترجَّح لديّ أنْ يكون القرء هنا الحيض، وذلك أننا إِذا جَعَلنا
القرء الطُّهر؛ أفضى ذلك إِلى تقليل مُدّة العدّة، فلو أنّ الرجل طلّق
زوجته قبل موعد حيضتها بيوم؛ فإِنَّ أوَّل قرءٍ ينتهي بعد قرابة خمسة أيام
مثلاً.
__________
(1) الطلاق: 1.
(5/387)
أمّا إِذا كان القرء هو الحيض؛ فلو طلقها
قبل موعد حيضتها بيوم؛ فإِنّ أول قرء ينتهي بانتهاء الحيضة الثانية، فتكون
مُدة القرء شهراً تقريباً، وهذا يلتقي حُكم مدّة اللائي يئسنَ من المحيض،
وكذا اللائي لم يحضن وهي ثلاثة أشهر، والله -تعالى- أعلم.
ثمَّ رأيت أثر عائشة -رضي الله عنها- قالت: "أُمِرت بَريرة أنْ تعتدّ بثلاث
حِيَض" (1).
عِدّة غير الحائض:
وإنْ كانت من غير ذوات الحيض، فعدّتها ثلاثة أشهر، ويصدق ذلك على الصغيرة
التي لم تبلغ، والكبيرة التي لا تحيض؛ سواء أكان الحيض لم يسبق لها، أم
انقطع حيضها بعد وجوده؛ لقول الله -تعالى-: {واللائي يئسن من المحيض من
نسائكم إِن ارتبتم فعدتهنّ ثلاثة أشهر واللائي لم يحضنَ وأُولات الأحمال
أجلهنّ أن يضعن حملهنّ} (2).
وعن سعيد بن جبير، في قوله: {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم} يعني:
الآيسة العجوز التي لا تحيض، أو المرأة التى قعدت من الحيضة، فليست هذه من
القروء في شيء. وفي قوله: {إِن ارتبتم} في الآية، يعني: إِنْ شككتم،
{فعدتهنّ ثلاثة أشهر}، وعن مجاهد: {إِن ارتبتم} ولم تعلموا عدة التي قعَدت
عن الحيض، أو التي لم تحض {فعدتهنّ ثلاثة
__________
(1) أخرجه ابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه" (1690) وصححه شيخنا -رحمه الله- في
"الإِرواء" (2120).
(2) الطلاق: 4.
(5/388)
أشهر}، فلقوله -تعالى-: {إِن ارتبتم} يعني:
إِن سألتم عن حُكمهن، ولم تعلموا حكمَهُنَّ وشككتم فيه، فقد بيّنه الله
لكم.
حُكم المرأة الحائض إِذا لم تر الحيض:
إِذا طُلِّقت المرأة وهي من ذوات الأقراء؛ ثمّ إِنها لم تر الحيض في
عادتها، ولم تَدْرِ ما سَببه؛ فإِنها تعتد سَنَةً تتربص مدة تسعة أشهر؛
لتعلم براءة رحمها؛ لأن هذه المدة هي غالب مدة الحمل، فإِذا لم يَبِن الحمل
فيها، عُلِم براءة الرحم ظاهراً، ثمّ تعتد بعد ذلك عدة الآيسات ثلاثة أشهر.
وجاء في كتاب "الاختيارات الفقهيَّة" (ص 282): "ومن ارتفَعَ حَيضُها ولا
تدري ما رَفَعَه إِنْ علِمَت عدَمَ عودِه؛ فتعتدّ. وإلا اعتدَّت بِسَنة".
هذا؛ وقد ذَكَر ابن حزم -رحمه الله- عدداً من الآثار في أقوالٍ ثلاثة؛
تتعلّق بالمرأة المختلفة الأقراء، وحين تصير في حد اليائسات من المحيض،
وترجَّح لديّ القول الثاني من ذلك، وقد ساق في بعض الآثار بإِسناده إِلى
سعيد بن المسيب قال: قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- " أيّما امرأةٍ
طُلِّقت فحاضت حيضة أو حيضتين، ثمّ رفعت حيضتها، فإِنها تنتظر تسعة أشهر،
فإِنْ بان بها حمْل فذلك، وإلا اعتدّت بعد التسعة الأشهر ثلاثة أشهر ثمّ
حلّت".
وقال -رحمه الله-: وصحَّ مِثل هذا عن الحسن البصري وسعيد بن المسيب (1).
سِنّ اليأس:
اختلف العلماء في سِنّ اليأس؛ فقال بعضهم: إِنها خمسون. وقال آخرون:
__________
(1) انظر"المحلّى" (11/ 647).
(5/389)
إِنها ستون، والحق أنَّ ذلك يختلف باختلاف
النساء.
قال شيخ الإِسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "اليأس يختلِف باختلاف النساء،
وليس له حدٌّ يتفق فيه النساء، والمراد بالآية، أنّ يأس كل امرأة من نفسها؛
لأنّ اليأس ضد الرجاء، فإِذا كانت المرأة قد يئست من الحيض، ولم تَرْجُه،
فهي آيسة، وإنْ كان لها أربعون أو نحوها، وغيرها لا تيأس منه، وإن كان لها
خمسون" (1).
عِدّة الحامل:
وعِدّة الحامل تنتهي بوضع الحمل؛ سواء أكانت مُطلَّقة، أم متوفّى عنها
زوجها؛ لقول الله -تعالى-: {وأولات الأحمال أجلُهنَّ أن يضعن حمْلهنّ} (2).
قال في "زاد المعاد": "ودلّ قوله -سبحانه-: {أجلُهُنّ أن يضعن حملهنّ} (3)
على أنها إِذا كانت حاملاً بتوأمين، لم تنقض العدة، حتى تضعهما جميعاً،
ودلت على أن مَن علَيها الاستبراء، فعدتها وضْع الحمل أيضاً، ودلت على أن
العدة تنقضي بوضعه على أي صفةٍ كان؛ حيَّاً أو ميّتاً، تام الخِلقة أو
ناقصها، نُفخ فيه الروح أو لم ينفخ.
عن سبيعة "أنها كانت تحت سعد بن خولة وهو في بني عامر بن لؤيٍّ -وكان ممّن
شهد بدراً- فتوفّي عنها في حجّة الوَداع وهي حاملٌ، فلم
__________
(1) انظر "زاد المعاد" (5/ 657 - 658).
(2) الطلاق: 4.
(3) الطلاق: 4.
(5/390)
تنشب (1) أن وضعت حملْها بعد وفاته، فلمّا
تعلّت (2) من نفاسها تجمّلت للخُطّاب فدخَل عليها أبو السّنابل بن بعكك
(رجل من بني عبد الدّار) فقال لها: ما لي أراكِ مُتجمّلة؟ لعلّك ترجين
النّكاح، إِنّك والله ما أنتِ بناكح حتّى تَمُرَّ عليك أربعةُ أشهر وعشرٌ،
قالت سبيعة: فلمّا قال لي ذلك جمعْتُ عليّ ثيابي حين أمسيت فأتيتُ رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسألته عن ذلك؟ فأفتاني بأنّي
قد حللتُ حِين وضعْتُ، وأمَرني بالتزوّج إِنْ بدا لي".
قال ابن شهاب: فلا أرى بأساً أن تتزوج حين وضعت وإِنْ كانت في دمها؛ غير أن
لا يقربها زوجها حتى تطهر" (3).
والعلماء يجعلون قول الله -تعالى-: {والذين يُتَوَفَّون منكم ويذَرون
أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً} (4) خاصةً بِعِدَد الحوائل (5)،
ويجعلون قول الله -تعالى-: {وأولات الأحمال أجلهنَّ أن يضعن حمْلهن} (6) في
عِدَدِ الحوامل، فليست الآية الثانية معارضة للأولى.
عدة المتوفّى عنها زوجها:
والمتوفَّى عنها زوجها عدّتُها أربعة أشهر وعشر، ما لم تكن حاملاً، لقول
الله
__________
(1) أي: لم تلبث.
(2) تعلَّت: أى خرجت من نفاسها، وانظر "النِّهاية".
(3) أخرجه البخاري: 5319، ومسلم: 1484، واللفظ له.
(4) البقرة: 234.
(5) أي: غير الحوامل.
(6) الطلاق: 4.
(5/391)
-تعالى-: {والذين يُتوفون منكم ويذَرون
أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} (1). وإنْ طلّق امرأته طلاقاً
رجعياً، ثمّ مات عنها وهي في العِدَّة؛ اعتدّت بِعِدَّةِ الوفاة؛ لأنه توفي
عنها، وهي زوجته.
عِدّة المستحاضة:
المستحاضة تعتدّ بالحيض، ثمّ إِنْ كانت لها عادة، فعليها أن تراعي عادتها
في الحيض والطهر، فإِذا مضت ثلاث حيض، انتهت العدة.
عدة المطلّقة ثلاثاً:
جاء في "الاختيارات الفقهية" (ص 282): "والمطلقة ثلاث تطليقات؛ عدّتها حيضة
واحدة". انتهى.
وبالحيضة يتحقّق استبراء الأرحام؛ ولها بعد ذلك أن تنكح زوجاً غيره.
عدّة المختلعة:
والمختلعة تعتدّ بحيضة واحدة، وتقدّم التفصيل في (باب الخلع).
وجوب العدّة في غير الزواج الصحيح:
مَن وطئ امرأةً بشبهة وجَبت عليها العدَّة؛ لأنّ وطْء الشبهة كالوطء في
النكاح في النَّسَب، فكان كالوطء في النكَاح، في إِيجاب العِدَّة، وكذلك
تجَِب العِدَّة في زواجٍ فاسد، إذا تحقَّق الدخول.
تحول العدة من الحيض إِلى العِدَّة بالأشهر:
إِذا طلَّق الرجل زوجته، وهي من ذوات الحيض، ثمّ مات وهي في العِدَّة،
__________
(1) البقرة: 234.
(5/392)
فإِنْ كان الطلاق رجعياً، فإِن عليها أن
تعتد عدة الوفاة، وهي أربعة أشهر وعشراً؛ لأنها لا تزال زوجةً له، ولأنّ
الطلاق الرجعي لا يُزيل الزوجية؛ ولذلك يثبت التوارث بينهما، إِذا توفي
أحدهما وهي في العِدَّة.
وإِنْ كان الطلاق بائناً فإِنها تُكمِل عدة الطلاق بالحيض، ولا تتحول العدة
إِلى عدة الوفاة، وذلك لانقطاع الزوجية بين الزوجين من وقت الطلاق؛ لأن
الطلاق البائن يزيل الزوجية، فتكون الوفاة قد حدثت وهو غير زوج.
تحول العدة من الأشهر إِلى الحيض:
إِذا شرعت المرأة في العدة بالشهور لِصِغَرِها، أو لبلوغها سِنَّ اليأس،
ثمّ حاضت؛ لزمها الانتقال إِلى الحيض؛ لأنّ الشهور بدل عن الحيض، فلا يجوز
الاعتداد بها مع وجود أصلها.
وإن انقضت عِدَّتها بالشهور، ثمّ حاضت، لم يلزمها الاستئناف للعدة
بالأقراء، لأنّ هذا حدَثَ بعد انقضاء العدة [ولأنه لو كانت لها عِدَّةٌ من
قبل بالأقراء؛ لم تكن في الغالب أكثر من عدّتها بالشهور]. وإنْ شرعت في
العدة بالأقراء أو الأشهر، ثمّ ظهر لها حمْلٌ من الزوج، فإِنّ العدة تتحول
إِلى وضع الحمل، والحمل دليل على براءة الرحم، من جهة القطع.
انقضاء العدة:
إِذا كانت المرأة حاملاً، فإِنَّ عدتها تنقضي بوضع الحمل، وإذا كانت العدة
بالأشهر، فإِنها تحتسب من وقت الفرقة أو الوفاة، حتى تستكمل ثلاث أشهر أو
أربعة أشهر وعشراً، وإذا كانت بالحيض، فإِنها تنقضي بثلاث حيضات، وذلك
يُعرَف من جهة المرأة نفسها.
(5/393)
لزوم المطلقة
المعتدة بيت الزوجية:
*يجب على المعتدة أن تلزم بيت الزوجية، حتى تنقضي عِدَّتها، ولا يحلُّ لها
أن تخرج منه، ولا يحل لزوجها أن يُخرِجها منه. ولو وقع الطلاق، أو حصلت
الفرقة وهي غير موجودة في بيت الزوجية، وجَب عليها أن تعود إِليه بمجرد
عِلْمها* (1).
يقول الله -تعالى-: {يا أيها النّبيّ إِذا طلقتم النساء فطلِّقوهنّ
لعدَّتهنَّ وأحصوا العِدَّة واتقوا الله ربَّكم لا تُخرِجوهنّ من بيوتهنَّ
ولا يَخرُجن إلاَّ أن يأتين بفاحشة مبيِّنة وتلك حدود الله ومن يتعدَّ حدود
الله فقد ظلم نفسه} (2).
قال ابن كثير -رحمه الله-: "وقوله -تعالى-: {إِلا أن يأتين بفاحشة
مُبَيِّنَة} أي: لا يخرجن من بيوتهن إِلا أن ترتكب المرأة فاحشة مبينة
فتخرج من المنزل، والفاحشة المبينة تشمل: الزنى كما قاله ابن مسعود، وابن
عباس، وسعيد بن المسيب، والشعبي، والحسن، وابن سيرين، ومجاهد، وعكرمة،
وسعيد بن جبير، وأبو قلابة، وأبو صالح، والضحاك، وزيد بن أسلم، وعطاء
الخراساني، والسدي، وسعيد بن أبي هلال وغيرهم، وتشمل ما إِذا نشزت المرأة،
أو بَذَتْ على أهل الرجل، وآذتهم في الكلام والفِعال، كما قاله أُبيّ بن
كعب، وابن عباس، وعكرمة وغيرهم.
وقد رخَّص النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لخالة جابر بن
عبد الله أن تخرج لتجدَّ نخلها.
__________
(1) ما بين نجمتين من "فقه السّنة" (3/ 101).
(2) الطلاق: 1.
(5/394)
فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال:
"طُلِّقت خالتي، فأرادت أن تجُدّ نخلها (1)، فزَجَرها رجل أن تخرج، فأتت
النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: بلى فجُدِّي نخلك؛
فإِنك عسى أن تصدَّقي أو تفعلي معروفاً" (2).
فيبدو أنّ الأمر عند الحاجة أوسع منه من معتدّة الوفاة.
وسألت شيخنا -رحمه الله- عنْ ذلك، فأجابني به.
أين تعتد المرأة المتوفَّى زوجها؟
عن زينب بنت كعب بن عجرة "أنّ الفُريعة بنت مالك بن سنان، وهي أخت أبي سعيد
الخدري، أخبَرتها أنها جاءت إِلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - تسأله أن ترجع إِلى أهلها في بني خُدرة، فإِنَّ زوجها خرج في
طلب أعبُد له أبَقوا حتى إِذا كانوا بطرف القَدُوم لحقَهم فقتلوه، فسألتُ
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن أرجع إِلى أهلي، فإِني
لم يتركني في مسكن يملكه، ولا نفقة، قالت: فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نعم.
قالت: فخرجتُ حتى إِذا كانت في الحجرة، أو في المسجد، دعاني أو أمَر بي
فدُعيت له فقال: كيف قلت؟ فرددت عليه القصة التي ذَكَرْت من شأن زوجي.
قالت: فقال: امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله، قالت: فاعتددت فيه أربعة
أشهر وعشراً، قالت: فلما كان عثمان بن عفان: أرسل إِليّ فسألني
__________
(1) أن تقطع ثمَرَه.
(2) أخرجه مسلم: 1483.
(5/395)
عن ذلك، فأخبرته فاتَّبعه وقضى به" (1).
قال التِّرمذي -رحمه الله- عقب هذا الحديث: ... والعمل على هذا الحديث عند
أكثر أهل العلم، من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وغيرهم: لم يروا للمعتدَّة أن تنتقل من بيت زوجها حتى تنقضي عدَّتها. وهو
قول سفيان الثّوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وقال بعض أهل العلم من أصحاب
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغيرهم: للمرأة أنْ تعتدّ حيث
شاءت، وإنْ لم تعتدّ في بيت زوجها. والقول الأوَّل أصحّ (2).
وعن سعيد بن المسيب: "أنّ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يَرُدُّ
المتوفى عنهنّ أزواجهنّ من البيداء يمنعهنّ الحج" (3).
وقد ضعّف هذا الأثر ابن حزم، وانظر الردّ عليه في "زاد المعاد" و"التلخيص
الحبير" (4/ 1291) برقم (1648)، و"نيل الأوطار" (7/ 101)، والتحقيق الثاني
"للإِرواء" (2131) لشيخنا (4).
__________
(1) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (2516)، والترمذي "صحيح سنن
الترمذي" (962)، وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه" (1651)، والنسائي "صحيح سنن
النسائى" (3302، 3303، 3304)، وصححه شيخنا -رحمه الله- في "الإرواء"
(2131).
(2) انظر "صحيح سنن الترمذي" (1/ 355).
(3) أخرجه مالك والبيهقي وغيرهما، وانظر "الإِرواء" (2132).
(4) وكان من قبل -رحمه الله- يضعّف هذا الأثر، ثمّ تراجع عن ذلك. وفي
التحقيق الثاني فوائد قيّمة تُثبت صحّته. وذكر شيخنا -رحمه الله- رواية عبد
الرّزّاق في "المصنف" (7/ 33/12072) من طريق آخر صحيح عن سعيد به.
(5/396)
وقال عطاء: قال ابن عباس: "نسخَت هذه الآية
عدتها عند أهلها؛ فتعتدّ حيث شاءت، وهو قول الله -تعالى-: {غيرَ إِخراج}
قال عطاء: إِن شاءت اعتدت عند أهله وسكنت في وصيتها، وإن شاءت خرجت، لقول
الله -تعالى-: {فلا جناح عليكم فيما فعلن} (1) قال عطاء: ثمّ جاء الميراث
فنسخ السّكنى، فتعتدُّ حيث شاءت ولا سكنى لها" (2).
ومع هذا الأثر بل وآثار عديدة سيأتي ذِكرها إِن شاء الله -تعالى- بات
الخلاف معتبراً.
قال ابن القيّم -رحمه الله- في "زاد المعاد" (5/ 681 - 682) - بعد أن ذَكَر
حديث زينب بنت كعب في شأن الفريعة بنت مالك رضي الله عنها-: "وقد اختلف
الصحابة -رضي الله عنهم- ومن بعدهم في حُكم هذه المسألة، فروى عبد الرزاق
عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة -رضي الله عنها- أنها كانت
تُفتي المتوفّى عنها بالخروج في عدَّتها، وخرجت بأختها أم كلثوم حين قُتل
عنها طلحة بن عبيد الله إِلى مكة في عمرة.
ومن طريق عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج: أخبرني عطاء عن ابن عباس أنه قال:
"إِنما قال الله -عزّ وجلّ-: تعتد أربعة أشهر وعشراً، ولم يقل: تعتد في
بيتها، فتعتد حيث شاءت. وهذا الحديث سمعه عطاء من ابن عباس، فإِنَّ علي ابن
المديني قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن ابن جريج عن عطاء قال: سمعت ابن
عباس يقول: قال الله -تعالى-: {والذين يُتوفّون منكم ويَذَرون
__________
(1) البقرة: 240.
(2) أخرجه البخاري: 4531.
(5/397)
أزواجاً يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهر
وعشْراً} ولم يقل: يعتَدِدْن في بيوتهن، تعتدُّ حيث شاءت، قال سفيان: قاله
لنا ابن جريج كما أخبرنا.
وقال عبد الرزاق: حدثنا ابن جريج: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد
الله يقول: تعتدُّ المتوفّى عنها حيث شاءت.
وقال عبد الرزاق عن الثوري عن إِسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي أن علي بن
أبي طالب -رضي الله عنه- كان يُرحِّل المتوفَّى عنهن في عدتهن.
وذكر عبد الرزاق أيضاً، عن محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينار، عن طاوس وعطاء،
قالا جميعاً: المبتوتة والمتوفَّى عنها تَحُجّان وتعتمران، وتنتقلان
وتبييتان".
إِلى غير ذلك من الآثار الثابتة بالأسانيد الصحيحة، ثمّ قال (ص 686) منه:
"وقال سعيد بن منصور: حدثنا هُشيم: أنبأنا إِسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي
أنه سُئل عن المتوفّى عنها: أتخرج في عدتها؟ فقال: كان أكثر أصحاب ابن
مسعود أشدّ شيء في ذلك، يقولون: لا تخرج، وكان الشيخ -يعني علي بن أبي طالب
رضي الله عنه- يُرحلها.
وقال حماد بن سلمة: أخبرنا هشام بن عروة، أن أباه قال: المتوفّى عنها زوجها
تعتدُّ في بيتها إِلا أن ينتوي أهلها فتنتوي معهم.
وقال سعيد بن منصور: حدثنا هشيم:، أخبرنا يحيى بن مسعود هو الأنصاري، أن
القاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله، وسعيد بن المسيب قالوا في المتوفّى
عنها: لا تبرح حتى تنقضي عِدَّتها.
وذكر أيضاً عن ابن عُيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء وجابر كلاهما قال
(5/398)
في المتوفّى عنها: لا تخرج".
وقال -رحمه الله- (ص 686): "وذكر حماد بن زيد، عن أيوب السَّختياني، عن
محمد بن سيرين أن امرأة توفي زوجها وهي مريضة، فنقَلها أهلها، ثمّ سألوا
فكُلُّهم يأمرهم أن تُردَّ إِلى بيت زوجها، قال ابن سيرين: فرددناها في
نمَط. وهذا قول الإِمام أحمد ومالك والشافعي وأبي حنيفة -رحمهم الله-
وأصحابهم والأوزاعي وأبي عبيد وإسحاق.
قال أبو عمر بن عبد البر: وبه يقول جماعة فقهاء الأمصار بالحجاز، والشام،
والعراق، ومصر".
ثمَّ قال (ص 687): "قالوا: ونحن لا نُنكر النزاع بين السلف في المسألة،
ولكن السّنة تفصل بين المتنازعين، قال أبو عمر بن عبد البر: أمّا السّنة،
فثابتة بحمد الله. وأمّا الإِجماع، فمستغنى عنه مع السّنة، لأن الاختلاف
إِذا نزل في مسألة، كانت الحجة في قول من وافَقَتْهُ السّنة (1).
وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن الزهري، قال: أخذ المترخّصون في المتوفّى
عنها بقول عائشة -رضي الله عنها-، وأخَذ أهل العزم والورع بقول ابن عمر.
فإِن قيل: فهل ملازمة المنزل حقٌّ عليها، أو حقٌّ لها؟ قيل: بل هو حقٌّ
عليها إِذا ترَكه لها الورثة، ولم يكن عليها فيه ضررٌ، أو كان المسكن لها،
فلو حوّلها الوارث، أو طلبوا منها الأجرة، لم يلزمها السكن، وجاز لها
التحول.
__________
(1) وهذا قول عزيز نفيس؛ يجب أن يعضّ طالب العلم عليه بالنّواجذ، وأنْ يسأل
الله -سبحانه- أن يهبه العزيمة القوية في طلب الحق ومعرفة الصواب.
(5/399)
ثمّ اختلف أصحاب هذا القول: هل لها أن
تتحول حيث شاءت، أو يلزمها التحول إِلى أقرب المساكن إِلى مسكن الوفاة؟ على
قولين. فإِن خافت هدماً أو غرقاً، أو عدواً أو نحو ذلك، أو حوَّلها صاحب
المنزل لكونه عاريّة رجع فيها، أو بإِجارة انقضت مدتها، أو منَعَها السكنى
تعدياً، أو امتنع من إِجارته، أو طلب به أكثر من أجر المِثل، أو لم تجد ما
تكتري به، أو لم تجد إِلا من مالها؛ فلها أن تنتقل، لأنها حال عذر، ولا
يلزمها بذل أجر المسكن، وإنما الواجب عليها فِعْل السُّكنى لا تحصيل
المسكن، وإذا تعذَّرت السّكنى، سقطت. وهذا قول أحمد والشافعي".
وقال -رحمه الله- (ص 691 - 692): "قال الآخرون: ليس في هذا ما يوجب رد هذه
السّنة الصحيحة الصريحة التي تلقّاها أمير المؤمنين عثمان بن عفان، وأكابر
الصحابة بالقَبول، ونفَّذها عثمان، وحَكَم بها، ولو كنّا لا نقبل رواية
النساء عن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لذهبت سنن كثيرة
من سنن الإِسلام لا يُعرف أنه رواها عنه إِلا النساء، وهذا كتاب الله ليس
فيه ما ينبغي وجوب الاعتداد في المنزل حتى تكون السّنة مخالفة له، بل
غايتها أن تكون بياناً لحُكمٍ سكَت عنه الكتاب.
ومثل هذا لا تُردُّ به السنن، وهذا الذي حذّر منه رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعينه أن تترك السنّة إِذا لم يكن نظير
حُكمها في الكتاب.
وأمَّا ترك أمّ المؤمنين -رضي الله عنها- لحديث الفُريعة، فلعله لم يبلغها.
ولو بَلَغَها فلعلها تأولته، ولو لم تتأوله، فلعله قام عندها معارض له.
وبكل حال، فالقائلون به في تركهم لتركها لهذا الحديث؛ أعذر من التاركين له
لترك أمّ المؤمنين له، فبين التركين فرقٌ عظيم.
(5/400)
وأمّا من قُتل مع النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومن مات في حياته، فلم يأت قط أن نساءهم كن يعتددن
حيث شئن، ولم يأت عنهن ما يُخالف حُكم حديث فُريعة ألبتة، فلا يجوز ترك
السنة الثابتة لأمرٍ لا يعلم كيف كان، ولو عُلم أنهن كن يعتددن حيث شئن،
ولم يأت عنهن ما يخالف حُكْم حديث الفريعة، فلعل ذلك قبل استقرار هذا الحكم
وثبوته حيث كان الأصل براءة الذمة، وعدم الوجوب".
وجاء في "سُبل السلام" (3/ 385) -بعد حديث فُريعة بنت مالك رضي الله عنها-:
"والحديث دليل على أن المتوفى عنها زوجها تعتد في بيتها الذي نوت فيه
العدة، ولا تخرج منه إِلى غيره، وإلى هذا ذهب جماعة من السلف والخلف، وفي
ذلك عدة روايات وآثار عن الصحابة ومن بعدهم.
وقال بهذا أحمد والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم. وقال ابن عبد البر: وبه يقول
جماعة من فقهاء الأمصار بالحجاز والشام ومصر والعراق، وقضى به عمر بمحضر من
المهاجرين والأنصار".
وجاء في "الروضة الندية" (2/ 150): "وقد ذهَب إِلى العمل بحديث فريعة جماعة
من الصحابة فمن بعدهم، وقد روي جواز الخروج للعذر عن جماعة من الصحابة فمن
بعدهم، ولم يأت من أجاز ذلك بحجة تصلح لمعارضة حديث فريعة، وغاية ما هناك
روايات عن بعض الصحابة وليست بحجة، لا سيما إِذا عارضَت المرفوع".
وقال شيخنا -رحمه الله- في "الإِرواء" (7/ 207) في (التحقيق الثاني): "ثمّ
رأيت ابن القيّم قد انتصر لصحة الحديث ... كما انتصر لقول من قال بوجوب
العمل به -وهم الجمهور-، ويؤيّده تصحيح من صحّحه من الأئمة دون
(5/401)
مُعارض، وهم الترمذي وابن حبّان وابن
الجارود والحاكم والذهبي ... (1) ".
وجاء في "الفتاوى" (34/ 28): "وسُئل -رحمه الله تعالى- عن امرأة معتدة عدة
الوفاة؛ ولم تعتدّ في بيتها بل تخرج في ضرورتها الشرعية: فهل يجب عليها
إعادة العدّة؟ وهل تأثم بذلك؟
فأجاب: العدّة انقضت بمضي أربعة أشهر وعشر من حين الموت، ولا تقضي العدّة.
فإِنْ كانت خرجت لأمر يحتاج إِليه ولم تبِتْ إِلا في منزلها فلا شيء عليها،
وإِن كانت قد خرجت لغير حاجة وباتت في غير منزلها لغير حاجة، أو باتت في
غير ضرورة، أو تركت الإِحداد: فلتستغفر الله وتتوب إِليه من ذلك، ولا
إِعادة عليها".
وجاء فيه (ص 29): "وسئل -رحمه الله تعالى- عن رجل توفي وقعدت زوجته في عدته
أربعين يوماً؛ فما قدرت تخالف مرسوم السلطان؛ ثمّ سافرت وحضرت إِلى
القاهرة، ولم تتزين لا بطيب ولا غيره، فهل تجوز خطبتها؛ أم لا؟
فأجاب: العدة تنقضي بعد أربعة أشهر وعشرة أيام؛ فإِنْ كان قد بقي من هذه
شيء فلتتمه في بيتها، ولا تخرج ليلاً ولا نهاراً إِلا لأمر ضروري؛ وتجتنب
الزينة والطيب في بيتها وثيابها، ولتأكل ما شاءت من حلال، وتشم الفاكهة،
وتجتمع بمن يجوز لها الاجتماع به في غير العدة؛ لكن إِنْ خطَبها إِنسان لا
تجيبه صريحاً، والله أعلم".
وفيه (ص 29) أيضاً: "وسئل -رحمه الله تعالى- عن امرأة عزمت على الحج هي
وزوجها، فمات زوجها في شعبان: فهل يجوز لها أن تحج؟
__________
(1) انظر المصدر المذكور لبقية الأسماء -إِن شئت-.
(5/402)
فأجاب: ليس لها أن تسافر في العدة عن
الوفاة إِلى الحج في مذهب الأئمة الأربعة". انتهى.
وفي بعض مجالس شيخنا -رحمه الله- سُئل عن ذهاب امرأة لدرس ديني، وهي في
عدَّة الوفاة؟
فأجاب: لا يجوز للمرأة أن تغادر بيت زوجها خلال عدَّتها إِلا للضرورة، وليس
هذا من الضَّرورة.
وسُئل -رحمه الله- عن ذهابها لصلاة الجماعة؟
فأجاب: لا تخرج للمسجد؛ للجماعة ولا للجمعة.
وسُئل -رحمه الله- عن الخروج للمعالجة؟
فأجاب: إِذا اشتدَّ المرض ولم تتمكَّن من إِحضار الطَّبيبة، فلها ذلك.
وسئل -رحمه الله-: أين تعتدَّ الزَّوجة؟
فأجاب: في البيت الذي يأتيها خبر وفاة زوجها، وإذا لم يكن هناك محارم؛
تنتقل لبيت زوجها.
والخُلاصة: أن المتوفّى عنها زوجها تلزم بيت الزوجية وتعتدّ فيه إِلا
لضرورة، والله -تعالى- أعلم.
لا يجوز للمعتدَّة الرَّجعية الخروج إِلا بإِذن زوجها:
جاء في "السَّيل الجرَّار" (2/ 388): " ... وجهُهُ أنَّها لم تنقطع
الزَّوجيَّة بينهما، فقد بقي له طرف منها وبقي لها طرف منه، وذلك إِذا
تراجعا. ومعلوم أنَّها إِذا كانت باقية لديه غير مطلقة؛ أنَّها لا تخرج
إِلا بإِذنه؛ لأنَّها قد تدعو
(5/403)
حاجته إِليها وهي خارجة عن البيت، وقد يكون
عليه في خروجها ما يلحق به غضاضة أو تعتريه بسببه غيرة.
ولهذا صحَّ عن النّبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من حديث أبي
هريرة -رضي الله عنه- في الصّحيحين وغيرهما أنَّ رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يحلُّ للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد
إِلا بإِذنه" فإِذا كان هذا في الصَّوم الذي هو من أعظم القُرَبِ، فكيف
بالخروج؟
وإِذا عرَفت هذا؛ عرفتَ أنَّه ينبغي لها في أيَّام عدَّة الرَّجعة أنْ لا
تخرج إِلا بِإِذن زوجها؛ لأنَّه إذا كان عازماً على رجعتها لحقه من
الغَضَاضَة والغيرة ما يلحقه عليها قبل طلاقها؛ إِلا أنْ يكون الخروج
للحاجة ... " (1).
حِداد المُعْتدَّة:
*يجوز للمرأة أن تحدّ على قريبها ثلاثة أيام، ويحرم عليها الإِحداد فوق
ذلك. أمّا الزوج؛ فيحلّ لها أن تحدّ عليه أربعة أشهر وعشراً (2).
فعن أمِّ عطية -رضي الله عنها- أنّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: لا تُحدّ امرأة على ميت فوق ثلاث؛ إِلا على زوج؛ أربعة
أشهر وعشراً، ولا تلبس ثوباً مصبوغاً؛ إِلا ثوب عَصْب (3)، ولا تكتحل، ولا
تمس طيباً؛ إِلا إذا طهرت
__________
(1) واستدلَّ بالخروج للحاجة بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"اخرجي فجدِّي نخلك ... " ولا شك أن الخروج للحاجة يرجع تقديره للمرأة؛
بتجرُّد وتقوى.
(2) منها ثلاثة أيامٍ تلزم السَّواد، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لأسماء بنت عميس: "تسلّبي ثلاثاً ... " انظره وفقهه في
"الصّحيحة" (3226).
(3) العَصْب -بعين مفتوحة ثمّ صاد ساكنة مهملتين-: هو برود اليمن، يُعْصَبُ
غزْلها ثمّ يُصبَغ معصوباً، ثمّ تنسج. ومعنى الحديث: النهي عن جميع الثياب
المصبوغة للزينة؛ =
(5/404)
نُبذة (1) من قُسْط (2) أو أظفار (3) "
(4).
وعن زينب ابنة أبي سلمة قالت: "لَمّا جاء نعي أبي سفيان من الشام؛ دعت أمّ
حبيبة -رضي الله عنها- بصُفرة (5) في اليوم الثالث، فمسحت عارضيها (6)
وذراعيها، وقالت: إِني كنتُ عن هذا لغنيَّة؛ لولا أنّي سمعت النّبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لا يحلُّ لامرأة تؤمن بالله
واليوم الآخر أن تُحدّ على ميت فوق ثلاث؛ إِلا على زوج؛ فإِنّها تُحدُّ
عليه أربعة أشهر وعشراً" (7) * (8).
__________
= إِلا ثوب العصب. "شرح النووي".
(1) النُّبذة: القطعة والشيء اليسير. "شرح النووي" أيضاً.
(2) القُسط: ضرْبٌ من الطّيب، وفيل: هو العود، والقُسط: عقار معروف في
الأدوية طيّب الريح؛ تبخّر به النّفساء والأطفال، وهو أشبه بالحديث؛
لإضافته إلى الأظفار. "النهاية".
(3) الأظفار: جنس من الطيب، والقطعة منه شبيهة بالظُّفر. "النهاية" بحذف.
قال النووي -رحمه الله-: "القُسط والأظفار: نوعان معروفان من البخور وليسا
من مقصود الطيب، رُخّص فيه للمغتسلة من الحيض؛ لإزالة الرائحة الكريهة،
تتبع به أثر الدم لا للتطيُّب. والله -تعالى- أعلم".
(4) أخرجه البخاري: 5342، ومسلم: 938.
(5) الصُّفرة -في الأصل-: لونٌ أصفر. والمراد هاهنا: نوع من الطّيب فيه
صُفرة. قاله العيني في "عمدة القاري".
(6) العارض: جانب الوجه وصفحة الخدّ.
(7) أخرجه البخاري: 1280، وتقدّم نحوه.
(8) ما بين نجمتين تقدّم في كتابي "الموسوعة" في (الجنائز) (4/ 60).
(5/405)
فائدة:
جاء في "الفتاوى" (34/ 27): "المعتدَّة عدَّة الوفاة تتربَّص أربعة أشهرٍ
وعشراً، وتجتنب الزِّينة والطِّيب في بدنها وثيابها، ولا تتزيَّن، ولا
تتطيَّب، ولا تلبس لباس الزِّينة، وتلزم منزلها فلا تخرج بالنَّهار إِلا
لحاجة، ولا بالليل إِلا لضرورة، ويجوز لها أنْ تأكل كلّ ما أباحه الله:
كالفاكهة واللحم: لحم الذَّكر والأنثى، ولها أكْل ذلك باتِّفاق علماء
المسلمين، وكذلك شُرْب ما يُباح من الأشربة ويجوز لها أنْ تلبس ثياب القطن
والكتَّان، وغير ذلك مما أباحه الله، وليس عليها أنْ تصنع ثياباً بيضاء أو
غير بيض للعدَّة، بل يجوز لها لبس المقفص (1)؛ لكن لا تلبس ما تتزيَّن به
المرأة: مثل الأحمر، والأصفر، والأخضر الصّافي، والأزرق الصَّافي، ونحو ذلك
ولا تلبس الحُلِي مِثل الأسورة، والخلاخل، والقلائد، ولا تختضب بحنَّاء ولا
غيره؛ ولا يحرم عليها عمل شُغلٍ من الأشغال المباحة: مثل التَّطريز،
والخياطة، والغَزْل، وغير ذلك مما تفعله النِّساء.
ويجوز لها سائر ما يُباح لها في غير العِدَّة: مثل كلام من تحتاج إِلى
كلامه من الرِّجال إِذا كانت مُستترة، وغير ذلك. وهذا الذي ذكرته هو سُنَّة
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي كان يفعله نساء
الصَّحابة إِذا مات أزواجهنّ (ونساؤه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-) ... ". والله أعلم.
ماذا إِذا نكحت المرأة في عدَّتها
إِذا نكحت المرأة في عدَّتها؛ فإِنَّه يُفَرَّق بينهما، ولها الصَّداق بما
استحلّ من فرجها، وتكمل ما أفسدت من عدَّة الأوَّل وتعتدّ من الآخر، وذلك
لأثر
__________
(1) أي المخطَّط.
(5/406)
سليمان بن يسار: أنَّ طليحة الأسديَّة كانت
تحت رشيد الثَّقفي، فطلَّقها، فنَكَحت في عدَّتها، فضربها عمر بن الخطَّاب
-رضي الله عنه-، وضرب زوجها بالمِخفقة (1) ضربات، وفرَّق بينهما، ثمَّ قال
عمر بن الخطَّاب: "أيّما امرأة نكحَت في عدّتها، فإِن كان زوجها الذي
تزوَّجها لم يدخل بها، فرِّق بينهما، ثمّ اعتدَّت بقيَّة عدَّتها من زوجها
الأوَّل، ثمَّ كان الآخر خاطباً من الخطَّاب، وإن كان دخل بها، فرَّق
بينهما، ثمَّ اعتدَّت بقيَّة عدَّتها من الأوَّل ثمَّ اعتدَّت من الآخر،
ثمَّ لا يجتمعان أبداً؟ قال سعيد: ولها مهرها بما استحلَّ منها" (2).
نَفَقَة المُعْتَدَّة
إِذا كانت عدّة المرأة رجعية فإِنها تجب لها السكنى والنفقة لقوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لفاطمة بنت قيس -رضي الله عنها-: "إِنّما
النفقة والسُّكنى للمرأة إِذا كان لزوجها عليها الرجعة" (3).
وإذا كانت مبتوتة فلا نفقة لها ولا سُكْنى (4)، كما في حديث فاطمة بنت قيس
-رضي الله عنها- المتقدم، وفي رواية عنها: "أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة
وهو غائب. فأرسل إِليها وكيله بشعير. فسخطته، فقال: والله! ما لكِ
__________
(1) المِخفقة: الدِّرّة، وهي التي يُضرب بها.
(2) أخرجه مالك في "الموطَّأ" وصحَّحه شيخنا -رحمه الله- في "الإرواء"
(2124).
(3) أخرجه أحمد والنسائي "صحيح سنن النسائى" (3186) وغيرهما، وانظر
"الصحيحة" (1711).
(4) وانظر -إِن شئت المزيد- ما جاء في "تهذيب السنن" لابن القيّم -رحمه
الله- مع "عون المعبود" (6/ 277).
(5/407)
علينا من شيء. فجاءت رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت ذلك له. فقال: "ليس لكِ عليه نفقة"
(1).
وفي رواية: "لا نفقة لك ولا سُكنى" (2).
أمَّا قوله -تعالى-: {أسكنوهن من حيث سكنتم مِن وُجْدِكم} (3) فهذا سياقه
في الرجعيَّة، كما ذكَر ابن القيّم -رحمه الله- في "تهذيب السنن" (4).
ولا نفقة للمبتوتة إِلا أن تكون حامِلاً؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: "لا نفقة لك؛ إِلا أن تكوني حاملاً" (5).
ولا نفقة للمعتدة من وفاة إِلا أنْ تكون حاملاً كذلك.
جاء في "الروضة" (2/ 165): " ... ولا في عدّة الوفاة؛ فلا نفقة ولا سُكنى
إِلا أن تكونا حاملتين؛ لعدم وجود دليلٍ يدلّ على ذلك في غير الحامل، ولا
سيّما بعد قوله -صلى الله عديه وآله وسلم-: "إِنما النفقة والسُّكنى للمرأة
إِذا كان لزوجها عليها الرجعة، فإِذا لم يكن عليها رجعة فلا نفقة ولا سكنى"
(6).
__________
(1) أخرجه مسلم: 1480.
(2) أخرجه مسلم: 1480.
(3) الطلاق: 6.
(4) انظر التفصيل في "العون" (6/ 278).
(5) أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي، ورواه مسلم بمعناه، وصححه شيخنا -رحمه
الله- في "الإرواء": (2160).
(6) تقدم تخريجه قبل سطور.
(5/408)
وفيه (ص 166): "ويؤيده أيضاً تعليل الآية
المتقدمة بقوله -تعالى-: {لا تدري لعلّ الله يُحدِثُ بعد ذلك أمراً} (1)
وهو الرجعة، ولم يبق في عدة الوفاة ذلك الأمر.
ويفيده أيضاً مفهوم الشرط في قوله -تعالى-: {وإنْ كنّ أولاتِ حملٍ فأنفقوا
عليهنّ حتّى يضعن حملهنّ} (2) وهي أيضاً تدل على وجوب النفقة للحامل سواء
كانت في عدة الرجعي، أو البائن، أو الوفاة، وكذلك يدل على ذلك قوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لفاطمة بنت قيس: "لا نفقة لكِ إلاَّ
أن تكوني حاملاً" (3).
وقال في الصفحة نفسها: "وينبغي أن يُقيَّد عدم وجوب السكنى لمن في عدة
الوفاة؛ بما تقدّم في وجوب اعتدادها في البيت الذي بلَغها موت زوجها وهي
فيه، فإِنَّ ذلك يفيد أنها إِذا كانت في بيت الزوج؛ بقيت فيه حتى تنقضي
العدة؛ ويكون ذلك جمعاً بين الأدلة؛ من باب تقييد المطلق، أو تخصيص العام
فلا إِشكال".
وفيه (ص 167): "الحقُّ أنّ المتوفى عنها زوجها لا تستحق في عدة الوفاة لا
نفقة، ولا سكنى، سواء كانت حاملاً أو حائلاً؛ لزوال سبب النفقة بالموت،
واختصاص آية السكنى بالمطلَّقة رجعياً، واختصاص آية إِنفاق الحامل
بالمطلَّقة ... فإِذا مات وهي في بيته اعتدت فيه لا لأنَّ لها السُّكنى؛ بل
لوجوب الاعتداد عليها في البيت الذي مات وهي فيه".
__________
(1) الطلاق: 1.
(2) الطلاق: 6.
(3) تقدَّم قبل سطور.
(5/409)
وقال -رحمه الله- (ص 167) أيضاً: "فتقرر
بمجموع ما ذُكِر أن المتوفّى عنها مطلقاً؛ كالمطلقة بائناً، إِذا لم تكن
المطلقة بائناً حاملاً في عدم وجوب النفقة والسكنى، فإِنْ كانت المطلقة
بائناً حاملاً؛ فلها النفقة ولا سُكنى لها.
وأمّا المطلقة الرجعية فلها النفقة والسكنى سواء كانت حاملاً أو حائلاً.
وأمّا المطلقة قبل الدخول فلا عدة عليها؛ فالنفقة ساقطة بلا ريب، وكذلك
السكنى، والمتعة المذكورة لها في القرآن هي عِوَض عن المهر.
والملاعِنة لا نفقة لها ولا سكنى؛ لأنها إِنْ كانت المطلقة بائناً كانت
مثلها في ذلك، وإن كانت المتوفى عنها زوجها فكذلك ... ".
(5/410)
|